١٠١

{ واذا ضربتم فى الارض } شروع فى بيان كيفية الصلاة عند الضرورات من السفر ولقاء العدو والمطر والمرض اى اذا سافرتم اى مسافرة كانت للّهجرة او للجهاد او لغيرهما

{ فليس عليكم جناح } اى حرج ومأثم فى

{ ان تقصروا } شيأ

{ من الصلوة } فهو صفة لمحذوف والقصر خلاف المد يقال قصرت الشىء اى جعلته قصيرا بحذف بعض اجرائه واوصافه فمتعلق القصر حقيقة انما هو ذلك الشىء لا بعضه فانه متعلق الحذف دون القصر وعلى هذا فقوله من الصلوة ينبغى ان يكون مفعولا لتقصروا على زيادة من حسبما رآه الاخفش

واما على تقدير ان تكون تبعيضية ويكون المفعول محذوفا كما هو رأى سيبويه اى شيأ من الصلاة فينبغى ان يصار الى وصف الجزء بصفة الكل والمراد قصر الرباعيات بالتنصيف فانها تصلى فى السفر ركعتين فالقصر انما يدخل فى صلاة الظهر والعصر والعشاء دون المغرب والفجر وادنى مدة السفر الذى يجوز فيه القصر عند ابى حنيفة رحمه اللّه مسيرة ثلاثة ايام ولياليها الايام للمشى والليالى للاستراحة بسير الابل ومشى الاقدام بالاقتصاد ولا اعتبار بابطاء الضارب اى المسافر السائر واسراعه فلو سار مسيرة ثلاثة ايام ولياليهن فى يوم قصر ولو سار مسيرة يوم فى ثلاثة ايام لم يقصر ثم تلك المسيرة ستة برد جمع بريد كل بريد اربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة اميال باميال هاشم جد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو الذى قدر اميال البادية كل ميل اثنا عشر الف قدم وهى اربعة آلاف خطوة فان كل ثلاثة اقدام خطوة

وظاهر الآية الكريمة التخيير بين القصر والاتمام وان الاتمام افضل لكن عندنا يجب القصر لا محالة خلا ان بعض مشايخنا سماه عزيمة وبعضهم رخصة اسقاط بحيث لا مساغ للاتمام لا رخصة توفية اذ لا معنى للتخيير بين الاخف والأثقل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( صدقة تصدق اللّه بها عليكم ) وهو يدل على عدم جواز الا كمال لان التصدق بما لا يحتمل التمليك اسقاط محض لا يحتمل الرد فليس لنا الا التدين بما شرع اللّه والعمل بما حكم

قال فى الاشباه القصر للمسافر عندنا رخصة اسقاط بمعنى العزيمة بمعنى ان الاتمام لم يبق مشروعا حتى اثم به وفسدت لو اتم ومن لم يقعد على رأس العزيمة فسدت صلاته لاتصال النافلة بها قبل كمال اركانها وان قعد فى آخر الركعة الثانية قدر التشهد اجزأته الاخريان نافلة ويصير مسيئا بتأخير السلام

قال فى تفسير الحدادى المسافر اذا صلى الظهر اربعا ولم يقعد فى الثانية قد التشهد فسدت صلاته كمصلى الفجر اربعا انتهى

فان قلت فما تصنع بقوله

{ فليس عليكم جناح ان تقصروا } فلم ورد ذلك بنفى الجناح قلت لما انهم الفوا الاتمام فكانوا مظنة ان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا فى القصر فصرح بنفى الجناح عنهم لتطيب به نفوسهم ويطمئنوا اليه كما فى قوله تعالى

{ فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما } مع ان ذلك الطواف واجب عندنا ركن عند الشافعى ثم ان العاصى كالمطيع فى رخصة السفر حتى ان الآبق وقاطع الطريق يقصران لان المقيم العاصى يمسح يوما وليلة كالمقيم المطيع فكذا المسافر ولان السفر ليس بمعصية فلا يعتبر غرض العاصى

{ ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا } جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان خفتم ان يتعرضوا لكم بما تكرهون من القتال وغيره فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة والقصر ثابت بهذا النص فى حال الخوف خاصة

واما فى حال الامن فالبسنة

قال المولى ابو السعود فى تفسيره وهو شرط معتبر فى شرعية ما يذكر بعده من صلاة الخوف المؤداة بالجماعة

واما فى حق مطلق القصر فلا اعتبار له اتفاقا لتظاهر السنن على مشروعيته

ثم قال بعد كلام بل نقول ان الآية الكريمة مجملة فى حق مقدار القصر وكيفيته وفى حق ما يتعلق به من الصلاة وفى مقدار مدة القصر الذى نيط به القصر فكل ما ورد عنه صلى اللّه عليه وسلم من القصر فى حال الأمن وتخصيصه بالرباعيان على وجه التنصيف وبالضرب فى المدة المعينة بيان لاجمال الكتاب انتهى

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال سافر رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم بين مكة والمدينة لا يخاف الا اللّه فصلى ركعتين كذا فى الوسيط

{ ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا } اى ظاهر العداوة وكمال عداوتهم من موجبات التعرض لكم بقتال او غيره

﴿ ١٠١