١٣٣

{ ان يشأ يذهبكم ايها الناس } اى يفنكم ويستأصلكم بالمرة

{ ويأت بآخرين } اى يوجد دفعة مكانكم قوما آخرين من البشر او خلقا آخرين مكان الانس ومفعول المشيئة محذوف لكونه مضمون الجزاء اى ان يشأ افناءكم وايجاد آخرين يذهبكم يعنى ان ابقاءكم على ما انتم عليه من العصيان انما هو لكمال غناه عن طاعتكم لا لعجزه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ففيه تهديد للعصاة

{ وكان اللّه على ذلك } اى افنائكم بالمرة وايجاد آخرين دفعة مكانكم

{ قديرا } بليغ القدر لا يعجزه مراد فاطيعوه فلا تعصوه واتقوا عقابه

والآية تدل على كمال قدرته وصبوريته حيث لا يؤاخذ العصاة على العجلة وفى الحديث ( لا احد اصبر على اذى سمعه من اللّه انه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم ) يعنى يقول بعض عباد اللّه وامائه ان له شريكا فى ملكه وينسب له ولدا ثم اللّه تعالى يعطيهم من انواع النعم من العافية والرزق وغيرهما فهذا كرمه ومعاملته مع من يؤذيه فما ظنك بمعاملته مع من يتحمل الاذى منه ويثنى عليه ثم ان تأخير العقوبة يتضمن لحكم منها رجوع التائب وانقطاع حجة المصر وفى الحديث ( ان اللّه يبسط يده بالليل ليتوب مسيىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )

قال الشيخ الكلاباذى بسط اليد كناية عن الجود يعنى يجود اللّه لمسيى الليل ولمسيىء النهار بالامهال ليتوب كما روى انه عليه السلام قال ( صاحب اليمين امير على صاحب الشمال واذا عمل العبد حسنة كتب له عشر امثالها واذا عمل سيئة قال صاحب اليمين امسك فيمسك عنه سبع ساعات من النهار فان استغفر لم يكتب عليه وان لم يستغفر كتب سيئة واحدة ) انتهى كلامه : قال الصائب

بر غفلت سياه دلان خنده ميزنند ... غافل مشو زخنده دندان نماى صبح

يقال من لم ينزجر بزواجر القرآن ولم يرغب فى الطاعات فهذا اشد قسوة من الحجارة واسوء حالا من الجمادات فان دعوة اللّه عباده بكتبه على لسان الانبياء لئلا يغتروا بزخارف الدنيا الدنية ويترقوا من حضيض الحظوظ النفسانية الى معارج الدرجات العلى ولقد وصاك اللّه تعالى بالتقوى فعليك بالاخذ بالوصية فان التقوى كنز عزيز فلئن ظفرت به فكم تجد فيه من جوهر شريف وخير كثير فانه جامع الخير كله

قال ابن عطاء للتقوى ظاهر وباطن فظاهرها حفظ حدود الشرع وباطنها الاخلاص فى النية وحقيقة التقوى الاعراض عن الدنيا والعقبى والاقبال والتوجه الى الحضرة العليا فمن وصل اليه فقد صار حرا عن رقية الكونين وعبد اللّه تعالى : قال الحافظ قدس سره

زير بارند درختان كه تعلق دارند ... اى خوشا سروكه ازبار غم آزاد آمد

﴿ ١٣٣