تفسير روح البيان إسماعيل حقى بن مصطفى بروسوي الإستانبولي الحنفي الجلوتي (ت ١١٣٧ هـ ١٧٢٥ م) سُورَةُ الْأَنْعَامِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَ سِتُّونَ آيَةً ١ { الحمد للّه } الالف واللام فى الحمد لاستغراق الجنس واللام فى للّه للاختصاص لانه تعالى قال بربهم يعدلون ودفع تسويتهم بربهم مما جعل مقصودا بالذات وفى التأويلات النجمية اللام لام التمليك يعنى كل حمد يحمده اهل السموات والارض فى الدنيا والآخرة ملك له وهو الذى اعطاهم استعداد الحمد ليحمدوه بآثار قدرته على قدر استعدادهم والآخرة ملك له وهو الذى اعطاهم استعداد الحمد ليحمدوه بآثار قدرته على قدر استعدادهم واستطاعتهم لكن حمد الخلق له مخلوق فان وحمده لنفسه قديم باق فان قيل أليس شكر المنعم واجبا مثل شكر الاستاذ على تعليمه وشكر السلطان على عدله وشكر المحسن على احسانه قال عليه السلام ( من لم يشكر الناس لم يشكر اللّه ) فالجواب ان الحمد والتعظيم المتعلق بالعبد المنعم نظرا الى وصول النعمة من قبله وهو فى الحقيقة راجع اليه تعالى لانه تعالى لو لم يخلق نفس تلك النعمة ولو لم يحدث داعية الاحسان فى قلب العبد المحسن لما قدر ذلك العبد على الاحسان والانعام فلا محسن فى الحقيقة الا اللّه ولا مستحق للحمد الا هو تعالى وفى تعليق الحمد باسم الذات المستجمع لجميع الصفات اشارة الى المستحق له بذاته سواء حمده حامد او لم يحمده قال البغوى حمد اللّه نفسه تعليما لعباده اى احمدوه : وفى المثنوى جو نكه آن خلاق شكر وحمد جوست ... آدمى را مدح جوبى نيز خوست خاصه مرد حق كه در فضلت جست ... برشود زان بادجون خيك درست ورنبا شد اهل زان باد دروغ ... خيك بدريد امت كى كيرد فروغ { الذى خلق السموات } بما فيها من الشمس والقمر والنجوم { والارض } بما فيها من البر والبحر والسهل والجبل والنبات والشجر خلق السموات وما فيها فى يومين يوم الاحد ويوم الاثنين وخلق الارض وما فيها فى يومين يوم الثلاثاء ويوم الاربعاء. وفى تعليق الحمد بالخلق تنبيه على استحقاقه تعالى باعتبار افعاله وآلائه ايضا وتخصيص خلق السموات والارض بالذكر لانهما اعظم المخلوقات فيما يرى العباد وفيهما العبرة والمنافع لهم وجمع السموات دون الارض وهى مثلهن لان طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار والحركات قالوا ما بين كل سماءين مسيرة خمسمائة ع ام. السماء الدنيا موج مكفوف اى متصادم بعضه على بعض يمنع بعضه بعضا اى ممنوع من السيلان. والثانية مر مرة بيضاء. والثالثة حديدة. والرابعة نحاس او صفر. والخامسة فضة. والسادسة ذهب. والسابعة ياقوتة حمراء واما الارض فهى تراب لا غير. والا كثرون على تفضيل الارض على السماء لان الانبياء خلقوا من الارض وعبدوا فيها ودفنوا فيها وان الارض دار الخلافة ومزرعة الآخرة وافضل البقاع على وجه الارض البقعة التى ضمت جسم الحبيب صلى اللّه تعالى عليه وسلم فى المدينة المنورة لان الجزء الاصلى من التراب محل قبره صلى اللّه عليه وسلم ثم بقعة الحرم المكى ثم بيت المقدس والشام منه ثم الكوفة وهى حرم رابع وبغداد منه { وجعل الظلمات والنور } الجعل هو الانشاء والابداء كالخلق خلا ان ذلك مختص بالانشاء التكوينى وفيه معنى التقدير والتسوية وهذا عام له كما فى الآية الكريمة وللتشريعى ايضا كما فى قوله { ما جعل اللّه من بحيرة } الآية اى ما شرع وما سن وجمع الظلمات لكثرة اسبابها فان سببها تخلل الجرم الكثيف ومن النير والمحل المظلم وذلك التخلل يتكثر بتكثر الاجرام المتخللة بخلاف النور فان سببه ليس الا النار حتى ان الكواكب منيرة بناريتها فهى اجرام نارية وان الشهب منفصلة من نار الكوكب قال الحدادى وانا جمع الظلمات ووحد النور لان النور يتعدى والظلمة لا تتعدى روى ان هذه الآية نزلت تكذيبا للمجوس فى قولهم اللّه خالق النور والشيطان خالق الظلمات وفى التيسير انه رد على التنويه فى اضافتهم خلق النور الى يزدان وخلق الظلمات الى اهرمن وعلى ذلك خلق كل خير وشر { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } عطف على الجملة السابقة. وثم لاستبعاد الشرك بعد وضوح ماذكر من الآيات التكوينية ببطلانه. والباء متعلقة بيعدلون وقدم المعمول على العامل للاهتمام وتحقيق الاستبعاد ويعدلون من العدل وهو التسوية يقال عدلت هذا بهذا اذا ساويته والمعنى انه تعالى مختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ما فصل من شؤونه العظيمة الخاصة به الموجبة لقصر الحمد والعبادة عليه ثم هؤلاء الكفرة لا يعملون بموجبه ويعدلون به سبحانه اى يسوون به غيره فى العبادة التى هى اقصى غايات الشكر الذى رأسه الحمد مع كون كل ما سواه مخلوقا له غير متصف بشئ من مبادى الحمد والاشارة ان اللّه تعالى خلق سموات القلوب وارض النفوس وجعل الظلمات فى النفوس وهى صفاتها البهيمية والحيوانية واخلاقها السبعية والشيطانية والنور فى القلوب وهو صفاتها الملكية واخلاقها الروحانية الباقية فمن غ لب عليه النور وهو صفة الملكية الروحانية يميل على عبودية الحق تعالى ويقبل دعوة الانبياء ويؤمن باللّه ورسوله ويتحلى بحلية الشريعة فاللّه تعالى يكون وليه فيخرجه من ظلمات الصفات الخلقية الحيوانية الى الصفات الملكية كقوله تعالى { اللّه ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور } فهذا معنى قوله تعالى { والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات } فهذا معنى قوله تعالى { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } يعنى بعد ان خلق سموات القلوب وارض النفوس وجعل فيهن الظلمات النفسانية والنور الروحانى مال نفوس الكفار بغلبات صفاتها الى طاغوت الهوى فعبدوه وجعلوه عديلا لربهم كذا فى التأويلات النجمية حكى انه جاء جماعة من فقهاء اليمن الى الشيخ العارف باللّه ابى الغيث ابن جميل قدس سره يمتحنونه فى شىء فلما دنوا منه قال مرحبا بعبيد عبدى فاستعظموا ذلك فلحقوا شيخ الطريقين وامام القريقين ابا الذبيح اسمعيل بن محمد الحضرمى قدس سره فاخبروه بما قاله الشيخ ابو الغيث المذكور لهم فضحك وقال صدق الشيخ انتم عبيد الهوى والهوى ع بده. غلام همت آنم كه زير جرخ كبود ... زهرجه رنك تعلق بذيرد آزادست ٢ { هو } اى اللّه تعالى { الذى خلقكم } اى ابتدأ خلقكم ايها الناس { من طين } اى تراب مخلوط بالماء فانه المادة الاولى للكل لما انه منشأ لآدم الذى هو اصل البشر قال السعدى بعث اللّه جبريل الى الارض ليأتيه بطائفة منها فقالت الارض انى أعوذ باللّه منك ان تنقص منى فرجع جبرائيل ولم يأخذ شيأ قال جلال الدين رومى قدس سره فى المثنوى معدن شرم وحيا بد جبرائيل ... بست آن سوكندها بروى السبيل قال يا رب انها عاذت بك فبعث ميكائيل فاستعاذت كالمرة الاولى فرجع خاك لرزيد ودر آمد در كريز ... خالى از مقصود دست وآستين كفت اسرافيل را يزدان ما ... كه بروازان خاك بركن كف بيا آمد اسرافيل هم سوى زمين ... باز آغازيد خاكستان حنين زود اسرافيل باز آمد يشاء ... كفت عذر وما جرا نزد آله فبعث ملك الموت فعاذت منه باللّه فقال وانا اعوذ باللّه ان اخالف امره فاخذ من وجه الارض فيخلط الحمراء والسوداء والبيضاء فلذلك اختلف الوان ابن آدم ثم عجنها بالماء العذب والملح المر فلذلك اختلف اخلاقهم فقال اللّه تعالى لملك الموت رحم جبرائيل وميكائيل الرض ولم ترحمها لا جرم اجعل ارواح من اخلق من هذا الطين بيدك كفت يزدان كه بعلم روشنم ... من ترا جلاد اين خلقان كنم وروى عن ابى هريرة خلق اللّه آدم من تراب وجعله طينا ثم تركه حتى كان حمأ مسنونا اى اسود متغيرا منتنا ثم خلقه وصوره وتركه حتى كان صلصالا كالفخار اى يابسا مصوتا كالمطبوخ بالنار ثم نفخ فيه من روحه وانما خلق من تراب لان مقام التراب مقام التواضع والمسكنة ومقام التواضع الرفعة والثبات ولذا ورد ( من تواضع رفع اللّه ) وكان دعاؤه صلى اللّه عليه وسلم ( احينى مسكينا وامتنى مسكينا ) وهو الحكمة فى تعذيب الانسان بالنار لا بالماء لان الظرف المعمول من التراب اذا تنجس ببول او قذر آخر لا يطهر بالماء فالانسان المتنجس بنجاسة المعاصى لا يطهر الا بالنار. وهو الحكمة أيضا فى التيمم عند عدم الماء ويقبر كل جسد فى الموضع الذى اخذت منه طينته التى خمرت فى اول نشأة ابناء آدم عليه السلام قال الامام مالك لا اعرف اكبر فضل لابى بكر وعمر رضى اللّه عنهما من انهما خلقا من طينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقرب قبرهما من حضرة الروضة المقدسة المفضلة على الا كوان باسرها زاردها اللّه تشريفا وتعظيما ومهابة { ثم قضى } اى كتب لموت كل واحد منكم { أجلا } خاصا به اى حدا معينا من الزمان يفنى عند حلوله لا محالة وثم للايذان بتفاوت ما بين خلقهم وبين تقدير آجالهم { وأجل مسمى } اى حد معين لبعثكم جميعا وهو مبتدأ خبره قوله { عِنده } اى مثبت معين فى علمه لا يتغير ولا يقف على وقت حلوله احد لا مجملا ولا مفصلا واما اجل الموت فمعلوم اجمالا وتقريبا بناء على ظهور اماراته او على ما هو المعتاد فى اعمار الانسان وتسميته اجلا انما هى باعتبار كونه لمدة لبسهم فى القبور لا باعتبار كونه مبدأ لمدة القيامة كما ان مدار التسمية فى الاجل الاول هو كونه آخر مدة الحياة لا كونه اول مدة الممات لما ان الاجل فى اللغة عبارة عن آخر المدة لا عن اولها قال حكماء الاسلام ان لكل انسان اجلين. ٣ { وهو } اى اللّه تعالى مبتدأ خبره قوله { اللّه } باعتبار المعنى الوصفى اى المعبود ولذا تعلق به قوله { فى السموات وفى الأرض } والمعنى هو المعبود والمستحق للعبادة فيهما ولا يلزم من كونه تعالى معبودا فيهما كونه متحيزا فيهما فانه منزه عن الزمان والمكان روى ان امام الحرمين استاذ الامام الغزالى نزل ببعض الاكابر ضيفا فاجتمع عنده العلماء والاكابر فقام واحد من اهل المجلس فقال ما الدليل على تنزهه عن المكان وهو قال { الرحمن على العرش استوى } فقال الدليل عليه قول يونس فى بطن الحوت { لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين } فتعجب منه الناظرون والتمس صاحب الضيافة بيانه فقال الامام ان ههنا فقيرا مديونا بالف درهم ادعته دينه حتى ابينه فقيل صاحب الضيافة دينه فقال ان رسول اللّه لما ذهب فى المعراج الى ما شاء اللّه من العلى قال هناك ( لا أحصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك ) ولما ابتلى يونس عليه السلام بالظلمات فى قعر البحر ببطن الحوت قال { لا إله إلا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } فكل منهما خاطبه بقوله انت وهو خطاب الحضور ولو كان هو فى مكان لما صح ذلك فدل ذلك على انه ليس فى مكان { يعلم سركم وجهركم } خبر ثان اى ما اسررتموه وما جهرتم به من الاقوال { ويعلم ما تكسبون } اى ما تفعلون لجلب نفع او دفع ضر من الاعمال المكتسبة بالقلوب او بالجوارح سرا وعلانية فيجازيكم على كل ذلك ان خيرا فخير وان شرا فشر وفى التأويلات النجمية { وهو اله فى السموات } اى فى سموات الوجود { وفى الارض } اى فى ارض النفوس { يعلم سركم } الذى اودع فيكم وهو سر الخلافة الذى اختص به الانسان لقبول الفيض الالهى { وجهركم } اى ما هو ظاهر منكم من الصفات الحيوانية والاحوال النفسانية { ويعلم ما تكسبون } باستعمال الاستعداد السرى والجهرى فى المأمورات والمنهيات من الخير والشر وقد خص الانسان بهذا الكسب ايضا دون الملك والحيوان فان الملك لا يقدر ان يكتسب من الصفات الحيوانية شيأ ولا الحيوان قادر على ان يكتسب من الصفات الملكية شيأ والانسان متصرف فى هاتين الصفتين وله اكتساب التخلق باخلاق اللّه بالتقرب الى اللّه باداء ما افترض عليه والتزم النوافل واجتناب النواهى الى ان يصير من خير البرية وله ايضا ان يكتسب من الشر ما يصير به شر البرية انتهى قال حسين الواعظ الكاشفى فى تفسيره الفارسى [ در نقد النصوص فرموده كه انسان مر آتيست ذات وجهين در يك رويش خصائض ربوبيت ودرروى ديكر نقايص عبوديت جون خصائص نكرى ازهمه موجودات بزركوارتر وجون نقائص عبوديت شمارى ازهمه خوارتر وبمقدارتر جون درخودارزاوصاف توبابم اثرى ... حاشاكه بود نكوترازمن دكرى وآن دم كه فتد بحال خويشم نظرى ... درهمر دوجهان نباشد ازمن بترى بس حق سبحانه وتعلى مى فرمايدركه من اسرار خصائص شما درتيه غيب ميدانم وآثار نقائص شما درعالم شهادت مى شناسم وديكر ميدانم آنجه شما ميكنيد ازعلاكه سبب ترقى باشدبر درجات انسانية ياموجب تنزل بدركات حيوانيه ودانستن اين داناى سالك را بران دارد كه باصلاح وتزكيه اعمال مشغول شده ازحيز استيفاء حظوظ حيوانى برذروه استئناس بانعيم روحانى متصاعد كردد ] حيف باشد كه عمر انسانى ... جون بهايم بخواب وخور كذرد آدمى ميتواند از كوشش ... كه مقام فرشته در كذرد انتهى قال شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة عند تأويل الحديث القدسى ( سر الانسان سرى وسرى سره ) يعنى سره ظاهر سرى وصورة سرى وسرى باطن سره وحقيقة سره ثم قال واعلم ان سر الانسان عبارة عن الحقيقة الانسانية الظاهرة على صورة الحقيقة الالهية كما قال عليه السلام ( خلق اللّه آدم على صورته ) ولما نزلت تلك الحقيقة الانسانية من مرتبة الغيب الى منزلة الشهادة وتجلى لها الحق سبحانه بجماله وجلاله اودع فى جانبها الشرقى نور جماله وجانبها الغربى ظلمة جلاله واقام فى الاول ملكها يهدى الى الحق وفى الثانى شيطانا يدعو الى الباطل والملك سادن قبضة الجمال ويد اللطف والشيطان خادم قبضة الجلال ويد القهر واذا اراد الحق ان يصرف تلك الحقيقة الانسانية الى الحق يأمر الملك ان يلهمها اياه فتراه بالنور الآلهى الجمالى الذى فاض من تجلى الجمال فتتبعه وتقبله وتكون روحا ما دام وتكون على الحق ثابتة ويصير قالبها الذى هو لوحه فى اثبات الحق قلبا ترتعى فى روضته ويتجلى لها الحق سبحانه بالتجليات الجمالية والالطاف الخالصة المورثة طمأنينتها وسكينتها وتكون على الاستسلام والطاعة والصبر والرضى وغير ذلك من الاخلاق الحميدة واما اذا اراد ان يصرفها الى الباطل فيخلى بينها وبين الشيطان فيلقنها اياه فلا تراه ولا تفهمه اى لا تعلم انه باطل يحجبها عن الحق لان الظلمة الحاصلة من تجلى الجلال تمنعها عن ذلك فلا تجتنبه بل تأخذه وتصير نفسا مظلمة بعد كونها روحا نورانيا فتجريه فى قالبها الذى هو محل لذلك ويكون ذلك القالب طبيعة مظلمة بعد كونه قلبا نورانيا فيتجلى الحق تعالى بالتجليات الجلالية والاحوال القهرية التى تورث الاضطراب وعدم الاستسلام فتكون على المخالفة والاعراض وتتصف بالاوصاف الذميمة بعد الاتصاف بالحميدة هكذا الى آخر الامر اذ ذلك سنته القديمة وعادته الازلية الى ما شاء اللّه تعالى فانه اذا اراد بعبده خيرا يفقهه فى الدين ويجذبه الى نفسه مما سواه ولا يسلط الشيطان عليه كما قال { ان عبادى ليس لك عليهم سلطان } بل للملائكة السادنة لقبضة الجمال عليهم سلطان بسلطانى عليهم واحكام القبضتين جارية فى العوالم فى النفس والآفاق على ايدى سدنتهما الى تمام الامر والحكم فى التقلب للغالب انتهى كلام حضرة الشيخ قدس سره وهو الذى ما جاء مثله بعدا لصدر القنوى واللّه اعلم اللّه اجعلنى من تابعيه حقيقة ومتبعيه شريعة وطريقة ٤ { وما تأتيهم من آية من آيات ربهم } ما نافية ومن الاولى مزيدة للاستغراق والثانية تبعيضية واقعة بمجرورها فة لآية والمراد بالآيات اما الآيات التنزيلية فاتيانها نزولها. والمعنى ما ينزل الى اهل مكة آية من الآيات القرآنية { إلا كانوا عنها معرضين } غير ملتفتين اي على وجه التكذيب والاستهزاء واما الآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات فاتيانها ظهورها لهم. والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات التكوينية الدالة على وحدانية اللّه تعالى الا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المردى الى الايمان بمكونها وعن متعلقة بمعرضين والجملة فى محل النصب على انها حال من مفعول تأتى ففيها دلالة على كمال مسارعتهم الى الاعراض وايقاعهم له فى آن الاتيان كما يفصح عنه كلمة لما فى قوله تعالى ٥ { فقد كذبوا بالحق لما جآءهم } فان الحق عبارة عن القرآن الذى اعرضوا عنه حيث اعرضوا عن كل آية منه وعبر عنه بذلك لكمال قبح ما فعلوا به فان تكذيب الحق مما لا يتصور صدوره عن احد والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها لكن لا على انه شئ مغاير له فى الحقيقة واقع عقيبه او حاصل بسببه بل عى ان الاول عين الثانى حقيقة وانما الترتيب بسبب التغاير الاعتبارى كما فى قوله تعالى { فقد جاؤا ظلما وزورا } بعد قوله تعالى { وقال الذين كفروا ان هذا الا افك افتراه واعانه عليه قوم آخرون } فان ما جؤه اى فعلوه من الظلم والزور عين قولهم المحكى لكنه لما كان مغايرا له مفهوما واشنع منه حالا رتب عليه بالفاء ترتيب اللازم على الملزوم تهويلا لامره كذلك مفهوم التكذيب بالحق لما كان اشنع من مفهوم الاعراض المذكور اخرج مخرج اللازم البطلان فرتب عليه بالفاء اظهارا لغاية بطلانه ثم قيد بذلك لكونه بلا تأمل تأكيدا لشناعته والمعنى انهم حيث اعرضوا عن تلك الآيات عند اتيانها فقد كذبوا بما لا يمكن تكذيبه اصلا من غير ان يتدبروا فى حاله ومآله { فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤن } سوف لتأكيد مضمون الجملة والانباء جمع نبأ وهو الخبر الذى له عظم وشأن وما عبارة عن الحق المذكور وانباؤه عبارة عما سيحيق بهم من العقوبات العاجلة اى سيعلمون ما يؤول اليه عاقبة استهزائهم بالآيات فقتلهم اللّه يوم بدر بالسيف ٦ { ألم يروا } لما ذكر تعالى قبائحهم من الاعراض والتكذيب والاستهزاء اتبعه بما يجرى مجرى الموعظة فوعظهم بالقرون الماضية فقال الم يروا وهمزة الانكار لتقرير الرؤية وهى عرفانية مستدعية لمفعول واحد والضمير لاهل مكة اى ألم يعرفوا بمعاينة الآثار وسماع الاخبار { كم } عبارة عن الاشخاص استفهامية كانت او خبرية { اهلكنا من قبلهم } من متعلقة باهلكنا والمراد من قبل خلق اهل مكة او من قبل زمانهم على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه { من قرن } مميز لكم عبارة عن اهل عصر من الاعصار سموا بذلك لاقترانهم برهة من الدهر كما فى قوله صلى اللّه عليه وسلم ( خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) واراد بالقرن الاول الصحابة وبالثانى التابعين وبالثالث تابع التابعين وقيل هو عبارة عن مدة من الزمان ثمانين سنة او سبعين او ستين او اربعين او ثلاثين او مائة فالمضاف على هذا محذوف اى من اهل قرن لان نفس الزمان لا يتعلق به الاهلاك { مكناهم فى الارض } استئناف لبيان كيفية الاهلاك وتفصيل مباديه مبنى على سؤال نشأ من صدر الكلام كأنه قيل كيف كان ذلك فقيل مكناهم وتمكين الشئ فى الارض جعله قارا فيها ولما لزمه جعلها مقرا له ورد الاستعمال بكل منهما فقيل تارة مكنه فى الارض واخرى مكن له فى الارض حتى اجرى كل منهما مجرى الآخر ومنه قوله تعالى { ما لم نمكن لكم } بعد قوله تعالى { مكناهم فى الارض } كأنه قيل فى الاول مكنا لهم وفى الثانى ما لم نمكن لكم وما نكرة موصوفة بالجملة المنفية بعدها والعائد محذوف محلها النصب على المصدرية اى مكناهم تمكينا لم نمكنه لكم ويحتمل ان يكون مفعولا به لمكناهم على المعنى لان معنى مكناهم اعطيناهم اى اعطيناهم ما لم نعطكم { وأرسلنا السماء } اى المطر او السحاب { عليهم } متعلق بارسلنا { مدرارا } مغرارا اى كثير الدرور والصب وهو حال من السماء قال ابن الشيخ المدرار مفعال وهو من ابنية المبالغة للفاعل كامرأة مذكار ومئناث واصله من درر اللين درورا وهو كثرة وروده على الحالب يقال سحاب مدرارا ومطر مدرار اذا تتابع منه المطر فى اوقات الاحتياج اليه { وجعلنا الانهار } اى صيرناها { تجرى من تحتهم } اى من تحت اشجارهم ومساكنهم وقصورهم والمعنى اعطيناهم من البسط فى الاجسام والامتداد فى الاعمار والسعة من الاموال والاستظهار باسباب الدنيا فى استجلاب المنافع واستدفاع المضار ما لم نعط اهل مكة ففعلوا ما فعلوا من الكفران والعصيان { فاهلكناهم بذنوبهم } اى اهلكت كل قرن من تلك القرون بسبب ما يخصهم من الذنوب فما اعنى عنهم تلك العدد والاسباب فسيحل بهؤلاء مثل ما حل بهم من العذاب { وأنشأنا من بعدهم } ايى احدثنا من بعد اهلاك كل قرن { قرنا آخرين } بدلا من الهالكين وهو لبيان كمال قدرته تعالى وسعة سلطانه وان ما ذكر من اهلاك الامم الكثيرة لم ينقص من ملكه شيأ بل كلما اهلك امة انشأ بدلها اخرى يعمر بهم بلاده ومن عادته تعالى اذهاب اهل الظلم بعد الامهال ومجيئه باهل العدل والانصاف ونفى اهل الرياء والسمعة واثبات اهل الصدق والاخلاص ولن يزال الناس من اهل الخير فى كل عصر ، وعن ابى الدرداء رضى اللّه عنه انه قال ان للّه عبادا يقال لهم الابدال لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الروع وحسن النية وسلامة الصدر والرحمة بجميع المسلمين اصطفاهم اللّه بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم اربعون رجلا على مثل قلب ابراهيم عليه السلام لا يموت الرجل منهم حتى يكون اللّه قد ا نشأ من يخلفه واعلم انهم لا يسبون شيئا ولا يلعنون ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدونه من فوقهم اطيب الناس خبرا والينهم عريكة واسخاهم نفسا لا تدركهم الخيل المجراة ولا الرياح العواصف فيما بينهم وبين ربهم انما قلوبهم تصعد فى السقوف العلى ارتباجا الى اللّه تعالى فى استباق الخيرات اولئك حزب اللّه ألا ان حزب اللّه هم المفلحون وهذا بعض كلامه وفى قوله تعالى { فأهلكناهم بذنوبهم } اشارة الى ان الهلاك مطلقا صوريا ومعنويا بدنيا وماليا انما هو بشؤم المعصية وكفران النعمة : ونعم ما قيل شكر نعمت نعمتت افزون كند ... كفر نعمت ازكفت بيرون كند فمن اعرض عن المعجزات والكرامات والالهامات لا قباله على الدنيا وزينتها وشهواتها كأنهم الانعام بل هم اضل لان الانعام ما كذبت بالحق وهو قد كذب دريغ آدمى زاده برمحل ... كه باشد جو انعام بل هم اضل وقوله تعالى { فسوف يأتيهم } اى فى الدنيا والآخرة { أنباء ما كانوا به يستهزؤن } اما فى الدنيا فمن استهزائهم باقوال الانبياء والاولياء واحوالهم يصمهم اللّه ويعمى ابصارهم فلا يهتدون الى حق ولا الى حقيقة سبيلا واما فى الآخرة فيعذبهم بعذاب القطيعة والبعد والحرمان والخلود فى النيران حكى ان امام الحرمين كان يدرس يوما فى المسجد بعد صلاة الصبح فمر عليه بعض شيوخ الصوفية ومعه اصحابه من الفقراء وقد دعوا الى بعض المواضع فقال امام الحرمين فى نفسه ما شغل هؤلاء الا الاكل والرقص فلما رجع الشيخ من الدعوة مر عليه وقال يافقيه ما تقول فيمن صلى الصبح وهو جنب ويقعد فى المسجد ويدرس العلوم. ويغتاب الناس فذكر امام الحرمين انه كان عليه غسل ثم حسن اعتقاده بعد ذلك فى الصوفية اقول واول الامر اعتقادهم ثم الاتباع بطريقتهم ثم الوصول الى مقاماتهم وقيل لابى القاسم الجنيد قدس سره ممن استفدت هذه العلوم فقال من جلوسى بين يدى اللّه تعالى ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة واشار الى درجة فى داره فهذه الطريقة لا تنكشف اسرارها ولا تتلألأ انوارها الا بعد اجتهاد تام وسلوك قوى واللّه الهادى ٧ { ولو نزلنا عليك } روى ان بعض المشركين قالوا يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند اللّه ومعه اربعة من الملائكة يشهدون من عند اللّه وانك رسوله فانزل اللّه تعالى قوله { ولو نزلنا عليك } { كتابا فى قرطاس } اى مكتوبا فى رق فالكتاب بمعنى مفعول { فلمسوه } اى الكتاب { بايديهم } بعد ما رأوه بأعينهم بحيث لم يبق لهم فى شأنه اشتباه فذكر اللمس لان التزوير لا يقع فيه فلا يمكنهم ان يقولوا انما سكرت ابصارنا اى سدت وذكر الايدى مع ان اللمس لا يكون عادة الا بها لدفع التجوز فانه يتجوز به للتفحص كما فى قوله تعالى { وانا لمسنا السماء } اى تفحصنا { لقال الذين كفروا } تعنتا وعنادا للحق بعد ظهوره كما هو دأب المحجوج اللجوج { إن هذا } اى الكتاب { الا سحر مبين } اى بين كونه سحرا على كل احد ولا شك ان من حرم التوفيق وكذب بالحق غيبا وحدسا كذب به عيانا وحسا فلو ان اهل الانكار رأوا الاولياء والصالحين يطيرون فى الهواء لقالوا هذا سحر وهؤلاء شياطين ٨ { وقالوا لولا انزل عليه ملك } شروع فى قدحهم فى النبوة صريحا بعدما اشير الى قدحهم فيها ضمنا ولولا تحضيضية بمعنى الامر والضمير فى عليه للنبى عليه السلام اى هلا انزل عليه ملك بحيث نراه ويكلمنا انه نبى { ولو انزلنا ملكا لقضى الامر } ولو انزلنا ملكا على هيئة حسبما اقترحوه والحال انه من هول المنظر بحيث لا يطيق مشاهدته قوى الآحاد البشرية لقضى الامر اى هلاكهم بالكلية { ثم لا ينظرون } اى لا يمهلون بعد نزوله طرفة العين ومعنى ثم بعد ما بين الامرين قضاء الامر وعدم الانظار وجعل عدم الانظار اشد من قضاء الامر لان مفاجأة العذاب اشد من نفس العذاب واشق ٩ { ولو جعلناه ملكا } الهاء للمطلوب وهو ان يكون الشاهد على نبوته عليه السلام ملكا { لجعلناه رجلا } اى لمثلنا ذلك الملك رجلا لما مر من عدم استطاعة الآحاد لمعاينة الملك على هيكله وكان جبرائيل عليه السلام يأتى النبى عليه السلام فى صورة دحية الكلبى وجاء الملكان الى داود عليه السلام فى صورة رجلين مختصمين اليه وجاءت الملائكة الى ابراهيم فى صورة الضيفان فان القوة البشرية لا تقوى على رؤية الملك وصورته وانما رآهم كذلك الافراد من الانبياء لقوتهم القدسية { وللبسنا عليهم } جواب محذوف اى ولو جعلناه رجلا لخلطنا عليهم بتمثيله رجلا { ما يلبسون } على انفسهم حينئذ بان يقولوا له انما انت بشر ولست بملك والتعبير عن تمثيله تعالى رجلا باللبس لكونه سببا للبسهم وفيه تأكيد لاستحالة جعله ملكا كأنه قيل لو فعلناه لفعلنا ما لا يليق بشأننا من لبس الامر عليهم من لبست الامر على القوم البسه من باب ضرب اذا شبهت وجعلته مشكلا عليهم واصله الستر بالثوب ١٠ { ولقد استهزئ برسل من قبلك } برسل متعلق باستهزئ ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسل وهو تسلية لرسول اللّه عليه السلام عما يلقاه من قومه اى وباللّه لقد استهزئ برسل اولى شأن خطير وذوى عدد كثير كائنين من زمان قبل زمانك على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه { فحاق } عقيبه اى احاط او نزل او حل او نحو ذلك فان معناه يدور على الشمول واللزوم ولا يكاد يستعمل الا فى الشر والحيق ما يشتمل على الانسان من مكروه فعله { بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } ما موصولة اسمية والعائد الهاء فى به وبه متعلق بيستهزئون والموصول مع صلته فاعل حاق اى فاحاط بهم الذى كانوا يستهزئون به حيث اهلكوا لاجله فاسناد الاحاطة والاهلاك الى الرسل من قبيل الاسناد الى السبب والمعنى احاط اللّه بهم واهلكهم بسبب استهزائهم بالرسل وقد انجز اللّه ذلك يوم بدر اى انجاز ١١ { قل سيروا فى الارض } اى سافروا فى الارض لتعرف احوال الامم الماضية { ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } اى تفكروا فى انهم كيف اهلكوا بعذاب الاستئصال وثم لتفاوت ما بين الواجبين فان وجوب السير ليس الا لكونه وسيلة الى النظر ومثله قوله توضأ ثم صل والعاقبة مصدر وهى منتهى الامر ومآله اعلم ان الاستهزاء من شيم النفوس المتمردة بارباب الدين من الانبياءس والاولياء فى كل زمان وحين يروى ان النبى عليه السلام كان جالسا فى المسجد الحرام مع جماعة من المستضعفين بلال وصهيب وعمار وغيرهم فمر بهم ابو جهل فى ملأ من قريش فقال يزعم محمد ان هؤلاء ملوك الجنة فاستهزأ بفقراء المسلمين وقد فعل اللّه به ما فعل يوم بدر فنال جزاء استهزائه وذلك محل العبرة لاولى الابصار : وفى المثنوى نى ترا حفظ زبان از راز كس ... نى نظر كردن بعبرت بيش وبس بيش جه بود يادمرك ونزع خويش ... بس جه باشد مردن ياران زبيش حكى ان شيعيا يقال له ابن هيلان كان يتكلم بما لا ينبغى فى حق الصحابة فبينما هو يهدم حائطا اذ سقط عليه فدفن بالبقيع مقبرة المدينة فلم يوجد ثانى يوم فى القبر الذى دفن فيه ولا التراب الذى ردم به القبر بحيث يستدل بذلك لنبشه وانما وجدوا اللبن على حاله حسبما شاهده الجم الغفير حتى كان ممن وقف عليه القاضى جمال الدين وصار الناس يجيئون لرؤيته ارسالا الى ان اشتهر امره وعد ذلك من الآيات التى يعتبر بها من شرح اللّه صدره نسأل اللّه السلامة كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى. فعلم منه عاقبة الطعن والاستهزاء وان اللّه تعالى ينقل جيفة الفاسق من المحل المتبرك به الى المكان المتشأم منه كما ورد فى الحديث الصحيح ( من مات من امتى يعمل عمل قوم لوط نقله اللّه اليهم حتى يحشر معهم ) كما فى الدرر المنتثرة للامام السيوطى وهذا صريح فى نقل جسده لان الحشر بالروح والجسد جميعا فكما ان اللّه تعالى ينقل اجساد الاشارر من مقام شريف الى محل وضيع كذلك ينقل اجسام الاخيار من مكان وضيع الى مقام شريف كالبقيع والحجون مقبرتى المدينة ومكة فان اللّه تعالى يسوق الاهل الى الاهل وهذا آخر الزمان وقلما يوجد فيه من هو متوجه الى القبلة فى الظاهر والباطن والحياة والممات ونعم ما قيل ذهب الناس وما بقى الا النسناس وهم الذين يتشبهون بالناس وليسوا بالناس وهم يأجوج ومأجوج او حيوان بحرى صورته كصورة الانسان او خلق على صورة الناس اشبهوهم فى شئ وخالفوهم فى شئ وليسوا من بنى آدم وقيل هم من بنى آدم روى ان حيا من عاد عصوا رسولهم فمسخهم اللّه نسناسا لكل رجل منه ميد ورجل من شق واحد ينقز كما ينقز الطير ويرعون كما ترعى البهائم فأين الاخيار واين اولو الابصار مضوا واللّه ما بقى الا القليل : قال الحافظ قطعه بددرين ظلمت سراتاكى ببوى دوست ... كهى انكشت دردندان كهى سربر سرزانوا تناهى الصبر مذخلت بمأوى الاسد سرحان ... وطار العقل اذغنت بمغنى الورق غربان بيا اى طائر فرخ بياور مزده دولت ... عسى الايام ان يرجعن قوما كالذى كانوا اى كالوضع الذى كانوا عليه من الانتظام مطلقا ١٢ { قل لمن ما فى السموات والارض قل للّه } الجاء لاهل مكة الى الاقرار بان الكل من العقلاء وغيرهم للّه خلقا و ملكا وتصرفا كأنه يقول هل لكم سبيل الى عدم الاقرار بذلك مع كونه من الظهور بحث لا يقدر احد على انكاره وفى تصدى السائل للجواب قبل ان يجيب غيره ايماء الى ان مثل هذا السؤال لكون جوابه متعينا ليس من حقه ان ينتظر جوابه بل حقه ان يبادر الى الاعتراف بالجواب { كتب على نفسه الرحمة } جملة مستقلة داخلة تحت الامر مسوقة لبيان انه تعالى رؤف بالعباد لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم التوبة والانابة ومعنى كتب الرحمة على نفسه التزمها واوجبها تفضلا واحسانا لانه تعالى منزه عن ان يجب عليه شئ حقيقة وفى التعبير عن الذات بالنفس حجة على من ادعى ان لفظ النفس لا يطلق على اللّه تعالى { ليجمعنكم الى يوم القيامة } جواب قسم محذوف اى واللّه ليجمعنكم فى القبور مبعوثين او محشورين الى يوم القيامة فيجازيكم على شرككم وسائر معاصيكم وان امهلكم بموجب رحمته ولم يعاملكم بالعقوبة الدنيوية { لا ريب فيه } اى فى اليوم اوفى الجميع { الذين خسروا أنفسهم } اى بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الاصلية والعقل السليم وهو مبتدأ وخبره قوله { فهم لا يؤمنون } والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والاشعار بان عدم ايمانهم بسبب خسرانهم فان ابطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك فى التقليد واغفال النظر أدى بهم الى الاصرارعلى الكفر والامتناع من الايمان والخروج عن دائرة الرحمة الخاصة قال القاضى والمراد بالرحمة ما يعم الدارين ومن ذلك الهداية الى معرفته والعلم بتوحيده بنصب الادلة وانزال الكتب والامهال على الكفر وفى تفسير الكاشفى [ مراد رحمت ذاتيه باشدكه رحمت مطلقه كوفيد واين رحمتيست كه برهمه جيز فرا رسيده ونتيجه آن عطاء ادنيست بى سابقه سؤال واستدعا ورابطة حاجت واستحقاق جنانجه در مثنوى معنى واردتس ] درعدم ما مستحقان كى بديم ... كه برين جان وبرين دانش زديم ما نبوديم و تقاضا مان نبود ... لطف تونا كفته ما مى شنود قال الامام الا كمل فى شرح الحديث عن ابى هريرة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ( جعل اللّه الرحمة مائة جزء فامسك عنده تسعة وتسعين وانزل فى الارض جزأ واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حوافرها عن ولدها يمص ان تصيبه ) فهذا مما يدل على كمال الرجاء والبشارة للمسلمين لانه حصل فى هذه الدار من رحمة واحدة ما حصل من النعم الظاهرة والباطنة فما ظنك بمائة رحمة فى الدار الآخرة وعن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قال قدم على النبى عليه السلام سبى فاذا امرأة من السبى تحلب ثديها وتسعى قاذا وجدت صبيا فى السبى اخذته فالصقته ببطنها وارضعته فقال لنا النبى عليه السلام ١٣ { وله ما سكن فى الليل والنهار } روى ان كفار مكة اتوا رسول اللّه فقالوا يا رسول اللّه قد علمنا انك ما يحملك على ما تدعونا اليه الا الفقر والحاجة فنحن نجمع لك من القبائل اموالا تكون اغنانا رجلا وترجع عما انت عليه من الدعوة فانزل اللّه تعالى هذه الآية والمعنى وللّه تعالى خاصة جميع ما استقر فيهما واشتملا عليه فان اراد يعطى رسوله مالا كثيرا ليكون اغنى الخلق نزل الملوان منزلة المكان فعبر عن نسبة الاشياء الزمانية اليهما بالسكنى فيهما { وهو السميع } المبالغ فى سماع كل مسموع { العليم } المبالغ فى العلم بكل معلوم فلا يخفى لعيه شئ من الأقوال والافعال وفى الخبر ( ان اللّه تعالى خلق جوهرتين احداهما مظلمة والاخرى مضيئة فاستخلص من المضيئة كل نور فخلق من نورها النهار ومن الباقى النار واستخلص من الظلمة كل ظلمة فخلق منها الليل وخلق من الباقى الجنة فالليل من الجنة والنار من النار ) ولذلك كان الانس بالليل اكثر فالليل انس المحبين وقرة اعين المحبوبين وقدم الليل على النهار لان الليل لخدمة المولى والنهار لخدمة الخلق ومعارج الانبياء كانت بالليل والقدر فى الليل خير من الف شهر وليس فى الايام مثلها وكان بعض الاولياء يقول اذا جاء الليل جاء الخلق الاعظم يقول الفقير جامع هذه المجالس اما من حجب عن سر الليل وحلاوة المناجاة فيه وذوق الخلوة والوحدة فالمحبوب اليه النهار كعلماء الرسوم ألا ترى الى ثعلب النحوى يقول وددت ان الليل نهار حتى لا تنقطع عنى اصحابى وهذا حرص منه على الكثرة والالفة معها والا فكل معلم لم يكن اعلى حالا من المجتهدين ألا ترى ان امامنا الاعظم كان يدرس ويحيى الليل هر كنج سعادت كه اوداد يحافظ ... ازيمن دعاى شب وورد سحرى بود وعلم من التقرير المذكور افضلية الليل على النهار واعلم ان الكل خلق اللّه تعالى ولكل وعلم من التقرير المذكور افضلية الليل على النهار واعلم ان الكل خلق اللّه تعالى ولكل منهما ملك موكل به وفى الخبر عن سلمان رضى اللّه عنه قال الليل موكل به ملك يقال له شراهيل فاذا حان وقت الليل اخذ خرزة سواداء فدلاها من قبل المغرب فاذا نظرت اليها الشمس وجبت فى اسرع من طرفة العين وقد امرت ان لا تغرب حتى ترى الخرزة فاذا غربت جاء الليل وقد نشرت الظلمة من تحت جناحى ملك فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيئ ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع فاذا رأتها الشمس طلعت فى طرفة عين وقد امرت ان لا تطلع حتى ترى الخرزة البيضاء فاذا طلعت جاء النهار فنشر النور من تحت جناحى ملك فلنور النهار ملك موكل ولظلمة الليل ملك موكل عند الطلوع والغروب كما وردت الاخبار ١٤ { قل } يا محمد لكفار مكة ونزلت حين دعوه الى الشرك ودين آبائه { أغير اللّه اتخذ وليا } اى معبودا بطريق الاستقلال او الاشتراك وقد اتخذني اللّه فى ازليته حبيبا كما قال عليه السلام ( لو كنت متخذا خليلا غير اللّه لاتخذت ابا بكر خليلا ولكن اللّه اتخذ صاحبكم خليلا ) اى لا اتخذ فالمنكر هو اتخاذ غير اللّه وليا لا نفس اتخاذ الولى لكن قدم المفعول لكونه مناط الانكار { فاطر السموات والارض } مبدعهما اى خالقهما ابتداء لا على مثال سبق وهو بدل من الجلالة { وهو } اى والحال انه { يطعم ولا يطعم } اى يرزق الخلق ولا يرزق وتخصيص الطعام بالذكر لشدة الحاجة اليه { قل انى امرت ان اكون اول من اسلم } وجهه للّه مخلصا له لان النبى امام امته فى الاسلام { ولا تكونن من المشركين } اى وقيل لى لا تكونن من المشركين به تعالى فى امر من امور الدين ومعناه امرت بالاسلام ونهيت عن الشرك وحقيقة الاسلام الاخلاص من حبس الوجود وما خلص منه غيره عليه السلام بالكلية ولهذا يقول الانبياء نفسى نفسى وهو يقول امتى امتى ١٥ { قل إنى أخاف إن عصيت ربى } اى بمخالفة امره ونهيه اى عصيان كان { عذاب يوم عظيم } اى عذاب يوم القيامة مفعول اخاف وفيه قطع لاطماعهم وتعريض بانهم عصاة مستوجبون للعذاب العظيم ١٦ { من يصرف عنه يومئذ } اى من يصرف عنه العذاب فى ذلك اليوم العظيم ويومئذ ظرف للصرف { فقد رحمه } اى نجاه وانعم عليه { وذلك } الصرف { الفوز المبين } اى النجاة الظاهرة ١٧ { وان يمسسك اللّه بضر } دليل آخر على انه لا يجوز للعاقل ان يتخذ غير اللّه وليا اى ببلية كمرض وفقر ونحو ذلك والباء للتعدية وترجمته بالفارسية [ واكر برساند خدا بتوسختى ] { فلا كاشف له } اى فلا قادر على كشف ذلك الضر ورفعه عنك { الا هو } تعالى وحده { وان يمسسك بخير } من صحة ونعمة ونحو ذلك { فهو على كل شئ قدير } فكان قادرا على حفظه وادامته فلا يقدر غيره على رفعه كقوله { فلا راد لفضله } وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال اهدى الى النبى عليه السلام بغلة اهداها كسرى فركبها بحبل من شعر ثم اردفنى خلفه ثم سار بى مليا ثم التفت الى فقال ( يا غلام ) فقلت لبيك يا رسول اللّه فقال ( احفظ اللّه يحفظك احفظ اللّه تجده امامك تعرّف الى اللّه فى الرخاء يعرفك فى الشدة واذا سألت فاسأل اللّه واذا استعنت فاستعن باللّه فقد مضى القلم بما هو كائن فلوجهد الخلائق ان ينفعوك بما لم يقضه اللّه لك لم يقدروا عليه ولو جهدوا ان يضروك بما لم يكتب اللّه عليك ما قدروا عليه فان استطعت ان تعمل بالصبر مع اليقين فافعل فان لم تستطع فاصبر فان فى الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم ان النصر مع الصبر وان مع الكرب الفرج وان مع العسر يسرا ) فان قلت قد يتصور ان يكشف الانسان عن صاحبه كربة من الكرب قلت كاشف الضر فى الحقيقة هو اللّه تعالى اما بواسطة الاسباب او بغيرها : قال الحافظ كررنج بيشت آيدوكر راحت اى حكيم ... نسبت مكن بغير كه اينها خدا كند وكذا الاستعانة فى الحقيقة من اللّه تعالى فالاستعانة من الانبياء والاولياء انما هى استشفاع منهم فى قضاء الحاجة والموحد لا يعتقد ان فى الوجود مؤثرا غير اللّه تعالى ١٨ { وهو القاهر } اى القادر الذى لا يعجزه شئ مستعليا { فوق عباده وهو الحكيم } فى كل ما يفعله ويأمر به { الخبير } باحوال عباده وخفايا امورهم. صور قهره تعالى وعلو شانه بالعلو الحسى فعبر عنه بالفوقية بطريق الاستعارة التمثيلية فقوله { وهو القاهر فوق عباده } عبارة عن كمال القدرة كما ان قوله { وهو الحكيم الخبير } عبارة عن كمال العلم قال المتولى الفنارى فى تفسيره الفوقية من حيث القدرة لا من حيث المكان لعلو شأنه تعالى عن ذلك فانه تعالى قاهر للممكنات معدومة كانت او موجودة لانه يقهر كل واحد منهما بضده فيقهر المعدومات بالايجاد والتكوين والموجودات بالافناء والافساد وفى التأويلات النجمية وقد عم قهره جميع عباده فقهر الكفار بموت القلوب وحياة النفوس اذا اخطأتم النور المرشش على الارواح فى بدء الخلقة فضلوا فى ظلمات الطبيعة وما اهتدوا الى نور الشريعة وقهر نفوس المؤمنين بانوار الشريعة فاخرجهم من ظلمات الطبيعة وما اهتدوا الى نور الشريعة وقهر نفوس المؤمنين بانوار الشريعة فاخرجهم من ظلمات الطبيعة بالقيام على طاعته وقهر قلوب المحبين بلوعات الاشتياق فآنسها بلطف مشاهده وقهر ارواح الصديقين بسطوات تجلى صفات جلاله وبالجملة لا ترى شيأ سواه الا وهو مقهور تحت اعلام عزته وذليل فى ميادين صمديته فعلى العبد ان يعرف مولاه ويشتغل بعبوديته وهو اللّه تعالى الذى خلق كل شئ واوجده وقهره وحكى عن الشيخ عبد الواحد بن زيد قدس سره قال كنت فى مركب فطرحتنا الريح الى جزيرة واذا فيها رجل يعبد صنما فقلنا له يا رجل من تعبد فاومأ الى الصنم فقلنا له ان آلهك هذا مصنوع عندنا من يصنع مثله ما هذا بآله يعبد قال فانتم من تعبدون قلنا نعبد الذى فى السماء عرضه وفى الارض بطشه وفى الاحياء والاموات قضاؤه تقدست اسماؤه وجلت عظمته وكبرايؤه قال ومن اعلمكم بهذا قلنا وجه الينا رسولا كريما فاخبرنا بذلك قال ما فعل الرسول فيكم قلنا لما ادى الرسالة قبضه الملك اليه واختار له ما لديه قال فهل ترك عندكم من علامة قلنا نعم ترك عندنا كتابا للملك قال فارونى كتاب الملك فانه ينبغى ان تكون كتب الملوك حسانا فاتيناه بالمصحف فقال ما عرف هذا فقرأنا عليه سورة فلم يزل يبقى حتى ختمنا السورة فقال ينبغى لصاحب هذا الكلام ان لا يعصى ثم اسمل وحسن اسلامه ثم مات بعد ايام على احسن حال والحمد للّه الملك المتعال فى الغدو والآصال انه هو المعبود المقصود واليه يأول كل امر موجود ١٩ { قل اى شئ اكبر شهادة } روى ان قريشا قالوا لرسول اللّه يا محمد لقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا ان ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فارنا من يشهد انك رسول اللّه فانهم انكروك فانزل اللّه تعالى هذه الآية امر حبيبه عليه السلام بان يقول لهم اى شئ اعظم من جهة الشهادة { قل اللّه } اى اللّه اكبر شهادة فشهادته اكبر من شهادة الخلق فان شهادة الخلق وعلومهم لا تحيط بحقائق الاشياء كلها والحق سبحانه هو الذى يحيط علمه بجميع حقائق الاشياء امر له عليه السلام بان يتولى الجواب بنفسه للايذان بتعينه وعدم قدرتهم على ان يجيبوا بغيره { شهيد } اى هو شهيد { بينى وبينكم } على صدقى { واوحى الىّ } من جهته تعالى { هذا القرآن } الشاهد بصحة رسالتى { لانذركم به } اى اخوفكم بما فيه من الوعيد ايها الموجودون وقت نزول القرآن { ومن بلغ } عطف على ضمير المخاطبين اى بلغه القرآن من الانس والجن الى يوم القيامة قال محمد بن كعب القرطبى من بلغه القرآن فكأنمما رأى محمدا عليه السلام وسمع منه { أئنكم لتشهدون } الجاء لهم الى الاقرار باشراكهم اذ لا سبيل لهم الى انكاره لاشتهارهم به والاسفهام فيه للانكار والتوبيخ والمعنى بالفارسية [ آيا شما ييدكه كواهى ميدهيد ] { ان مع اللّه آلهة اخرى قل } لهم { لا اشهد } بذلك وان شهدتم به فانه باطل صرف { قل انما هو اله واحد } تكرير الامر للتأكيد اى بل انما اشهد انه تعالى لا اله الا هو اى متفرد بالالوهية { واننى برئى مما تشركون } به من الاصنام ٢٠ { الذين آتيناهم الكتاب } جواب عما سبق من قولهم { لقد سألنا عنك اليهود والنصارى } والمراد بالموصول اليهود والنصارى وبالكتاب الجنس المنتظم للتوراة والانجيل { يعرفونه } اى محمدا عليه السلام بحليته ونعوته فى كتابهم { كما يعرفون ابناءهم } بحلالهم المعينة لهم روى ان رسول اللّه لما قدم المدينة قال عمر رضى اللّه عنه لعبد اللّه بن سلام انزل اللّه تعالى على نبيه هذه الآية فكيف هذه المعرفة فقال يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما اعرف ابنى ولأنا اشد معرفة بمحمد منى يا بنى لانى لا ادرى ما صنع النساء واشهد انه حق من اللّه تعالى فقال عمر وفقك اللّه يا ابن سلام { الذين خسروا انفسهم } اى غبنوا انفسهم من اهل الكتابين والمشركين بان ضيعوا فطرة اللّه التى فطر الناس عليها واعرضوا عن البينات الموجبة للايمان بالكلية وهو مبتدأ خبره قوله { فهم لا يؤمنون } لما انهم مطبوع على قلوبهم والفاء السببية تدل على ان تضييع الفطرة الاصلية والعقل السليم سبب لعدم الايمان قال البغوى وذلك ان اللّه تعالى جعل لكل آدمى منزلا فى الجنة ومنزلا فى النار فاذا كان يوم القيامة جعل اللّه للمؤمنين منازل اهل النار فى الجنة ولاهل النار منازل اهل الجنة فى النار وذلك هو الخسران ٢١ { ومن اظلم ممن افترى على اللّه كذبا } لوصفهم النبى المنعوت فى الكتابين بخلاف اوصافه عليه السلام فانه افتراء على اللّه تعالى وبقولهم الملائكة بنات وقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه ونحو ذلك اى لا احد اظلم منه { او كذب بآياته } كأن كذبوا بالقرآن وبالمعجزات وسموها سحرا وحرفوا التوراة وغيروا نعوته عليه السلام فان ذلك تكذيب بآياته وكلمة او للايذان بان كلا من الافتراء والتكذيب وحده بالغ غاية الافراط فى الظلم كيف وهم قد جمعوا بينهما فاثبتوا ما نفاه اللّه تعالى ونفوا ما اثبته { انه } اى الشان { لا يفلح الظالمون } اى لا ينجون من مكروه ولا يفوزون بمطلوب واذا كان حال الظالمين هذا فما ظنك بمن فى الغاية القاصية من الظلم ٢٢ { ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا } يوم منصوب على الظرفية بمضمر مؤخر قد حذف ايذانا بضيق العبارة عن شرحه وبيانه والحشر جمع الناس الى موضع معلوم والضمير للكل وجميعا حال منه والمعنى ويوم نحشر الناس كلهم ثم نقول للمشركين خاصة للتوبيخ والتقريع على رؤس الاشهاد ما نقول كان من الاحوال والاهوال ما لا يحيط به دائرة المقال والعطف بثم للتراخى الحاصل بين مقامات يوم القيامة فى المواقف فان فيه مواقف بين كل موقف وموقف تراخ على حسب طول ذلك اليوم { اين شركاؤكم } اى آلهتكم التى جعلتموها شركاء للّه فالاضافة مجازية باعتبار اثباتهم الشركة لآلهتهم { الذين كنتم تزعمون } اى تزعمونها شركاء شفعاء والزعم القول الباطل والكذب فى اكثر الكلام ٢٣ { ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا } الفتنة مرفوع على انه اسم تكن والخبر الا ان قالوا والاستثناء مفرغ من اعم الاشياء وفتنتهم اما كفرهم مرادا به عاقبته اى لم تكن عاقبة كفرهم الذى التزموه مدة اعمارهم وافتخروا به شيأ من الاشياء الا جحدوه والتبرى منه بان يقولوا { واللّه ربنا ما كنا مشركين } واما جوابهم عبر عنه بالفتنة لانه كذب وانما يقولون مع علمهم بانه بمعزل من النفع رأسا من فرط الحيرة والدهش كما يقولون ربنا اخرجنا منها وقد ايقنوا بالخلود ٢٤ { انظر } يا محمد { كيف كذبوا على انفسهم } بانكار صدور الاشراك عنهم فى الدنيا وتعجب من كذبهم فانه امر عجيب { وضل عنهم ما كانوا يفترون } عطف على كذبوا داخل فى حيز انظر اى كيف زال وذهب وبطل افتراؤهم فانهم كانوا يفترون فى حق الاصنام انها شفعاؤهم عند اللّه تعالى فبطل ذلك بالكلية يوم القيامة وفى الآيات امور. الاول اطلاق لفظ الشئ على اللّه تعالى لكن بمعنى شائ لا بمعنى مشيئ وجوده فهو الشائى المريد. والثانى انه يلزمه التبرى من الشرك عقيب التوحيد قال المولى الشهير باخى جلبى فى حواشى صدر الشريعة اسلام اليهود والنصارى مشروط بالتبرى من اليهودية والنصرانية بعد الاتيان بكلمتى الشهادة وبدون التبرى لا يكونان مسلمين ولو اتيا بالشهادتين مرارا لانهما فسرا قولهما بانه رسول اللّه اليكم لكن هذا فى الذين اليوم بين ظهرانى اهل الاسلام او فى دين محمد عليه السلام فهذا دليل توبته انتهى قال فى الدر المختصر فى صفة الايمان ان يقول ما امرنى اللّه تعالى به قبلته وما نهانى عنه انتهيت عنه فاذا اعتقد ذلك بقلبه واقر بلسانه كان ايمانا صحيحا وكان مؤمنا بالكل انتهى وايمان المقلد صحيح عند الامام الاعظم الا انه يأثم بترك النظر والاستدلال وفى فصل الخطاب من تشأ فى بلاد المسلمين وسبح اللّه تعالى عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حد التقليد. والثالث ان قوله تعالى { كما يعرفون ابناءهم } يشير الى ان الآباء قد تحقق عندهم انهم مصادر الابناء ومبدأ وجود الابناء منهم فكذلك اهل المعرفة تحقق عندهم ان اللّه تعالى مصدرهم ومبدأ وجودهم منه : قال الحافظ در مكتب حقائق وبيش اديب عشق ... هان اى بسر بكوش كه روزى بدر شوى خواب وخورت زمرتبه خويش دور كرد ... آنكه رسى بخويش كه بى خواب وخورشوى فالوصول الى المبدأ القديم بعد العبور من جسر الوصف الحادث. والرابع ان النافع هو الايمان والتوحيد والصدق والاخلاص دون الشرك والكذب يروى أن المشركين اذا رأوا يوم القيامة مغفرة اللّه تعالى وتجاوزه عن اهل التوحيد قال بعضهم لبعض تعالوا نكتم الشرك لعلنا تنجو مع اهل التوحيد فيقولون واللّه ربنا ما كنا مشركين فيختم على افواههم وتشهد عليهم جوارحهم بالكفر فلا يفلحون. وكذا اهل الرياء من اهل التوحيد يزعمون انهم على اليقين وكمال الاخلاص وافعالهم الصادرة عن جوارحهم تدل على خلاف ذلك فانما خلق اللّه جهنم لتطهير اهل الشرك مطلقا لكن اهل الكفر مخلدون فافهم المقام واعلم ان اللّه تعالى واحد وكل شئ يشهد على وحدته وعلى هذه الوحدة يعرفه ويشاهده اهل المعرفة والمشاهدة فان كثرة الآثار لا تنافى الوحدة كالنواة مع الشجرة : قال الحافظ تادم وحدت زدى حافظ شوريده حال ... خامة توحيد كش برورق اين وآن ٢٥ { ومنهم من يستمع اليك } اذا قرأت القرآن روى انه اجتمع ابو سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وابو جهل واضرابهم يستمعون تلاوة رسول لاله صلى اللّه عليه وسلم فقالوا للنضر وكان صاحب اخبار يا ابا قتيلة ما يقول محمد فقال والذى جعلها بيته ما ادرى ما يقول الا انه يحرك لسانه ويقول اساطير الاولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية فقال ابو سفيان انى ارى بعض ما يقول حقا فقال ابو جهل كلا فنزل فالضمير للمشركين { وجعلنا } اى انشأنا { على قلوبهم } الضمير راجع الى من باعتبار المعنى { اكنة } اى اغطية كثيرة لا يقادر قدرها خارجة مما يتعارفه الناس. جمع كنان بالكسر وهو ما يستر به الشئ { ان يفقهوه } مفعول له بحذف المضاف اى كراهة ان يفقهوا ما يستمعون من القرآن المدلول عليه بذكر الاستماع { و } جعلنا { فى آذانهم وقرا } اى صمما وثقلا كراهة ان يستمعوه حق الاستماع وهذا تمثيل معرب عن كمال جهلهم بشؤون النبى عليه السلام وفرط نبوّ قلوبهم عن فهم القرآن الكريم ومج اسماعهم له وهذا دليل على ان اللّه تعالى يقلب القلوب فيشرح بعضها للّهدى ويجعل بعضها فى اكنة فلا تفقه كلام اللّه ولا تؤمن كما هو مذهب اهل السنة وفى الآية اشارة الى ان مكافاة من يستمع الى كلام اللّه تعالى او الى حديث النبى عليه السلام او الى كلمات ارباب الحقائق بالانكار ليأخذوا عليها ويطعنوا فيها ان يجعل اللّه تعالى حجابا على قلوبهم وسمعهم حتى لا يصل اليهم انوارها ولا يجدون حلاوتها ولا يفهمون حقائقها : قال المولى الجامى عدجب نبودكه ازقر آن نصيبت نيست جز حرفى ... كه ازخورشيد جز كرمى نبيند جشم نابينا { وان يروا كل آية } من الآيات القرآنية اى يشاهدوها بسماعها { لا يؤمنوا بها } اى كفروا بكل واحدة منها وسموها سحرا وافتراء واساطير لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم { حتى } ابتدائية ومع هذا لا مانع من ان تفيد معنى الغاية اى بلغ بهم ذلك المنع من فهم القرآن الى انهم { اذا جاؤك يجادلونك } اى حال كونهم مجادلين لك { يقول الذين كفروا } اى لا يكتفون بمجرد عدم الايمان بما سمعوا من الآيات الكريمة بل يقولون { ان هذا } اى ما هذا القرآن { الا اساطير الاولين } اى اباطيلهم واكاذيبهم جمع اسطورة بالضم كالاضاحيك والاعاجيب جمع اضحوكة واعجوبة : وفى المثنوى جون كتاب اللّه بيامد هم بران ... اين جنين طعنه زدند آن كافران كه اساطيراست وافسانه نثرند ... نيست تعميقى وتحقيقى بلند توزقر آن اى بسر ظاهر مبين ... ديو آدمرا نبيند غير طين ٢٦ { وهم } اى الكفار { ينهون } الناس { عنه } اى عن القرآن والايمان به { وينأون عنه } اى يتباعدون عنه بانفسهم اظهارا لغاية نفورهم منه وتأكيدا لنهيهم عنه فان اجتناب الناهى عن المنهى عنه من متممات النهى ولعل ذلك هو السر فى تأخير النأى عن النهى. والنأى البعد { وان يهلكون } اى ما يهلكون بالنهى والنأى { الا انفسهم } لان ضرره عليهم { وما يشعرون } اى والحال انهم ما يعملون اى لا باهلاك انفسهم ولا باقتضاء ذلك عليها من غير ان يضربوا بذلك شيأ من القرآن والرسول والمؤمنين ٢٧ { ولو ترى اذ وقفوا على النار } الخطاب اما لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم او لكل احد من اهل المشاهدة والعيان. والوقف الحبس وجواب لو ومفعول ترى محذوف اى لو تراهم حين يوقفون على النار حتى يعاينوها لرأيت مالا يساعده التعبير { فقالوا يا } للتنبيه { ليتنا نرد } الى الدنيا { ولا نكذب بآيات ربنا } القرآنية { ونكون من المؤمنين } بها العاملين بمقتضاها حتى لا نرى هذا الموقف الهائل ونصب الفعلين على جواب التمنى باضمار ان بعد الواو واجرائها مجرى الفاء والمعنى ان رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين ٢٨ { بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } اى ليس الامر على ما قالوه من انهم لو ردوا الى الدنيا لآمنوا فان التمنى الواقع منهم يوم القيامة ليس لاجل كونهم راغبين فى الايمان بل لانه ظهر لهم فى موقفهم ذلك ما كانوا يخفون فى الدنيا وهى النار التى وقفوا عليها والمراد باخفائها تكذيبهم لها فان التكذيب بالشئ كفر به واخفاء له محالة { ولو ردوا } الى الدنيا فرضا { لعادوا لما نهوا عنه } من الشرك ونسوا ما عاينوه بالكلية لاقتصار انظارهم على الاشهد دون الغائب كابليس قد عاين من آيات اللّه تعالى ثم عاند فلا راد لما قضاه اللّه تعالى ولا مبدل لما حكم فى الازل { وانهم لكاذبون } الى لقوم ديدنهم الكذب فى كل ما يأتون وما يذرون وبهذه الآية يفتى بقتل اهل البغى والفساد اذلا يؤمن من ان يعودوا لما نهوا عنه : وفى المثنوى آن ندامت ازنتيجة رنج بود ... نه زعقل روشنى جون كنج بود جونكه شدر نج آن ندامت شد عدم ... مى نيرزد خاك آن توبه وندم ميكند او توبه وبير خرد ... بانكه لوردوا لعادوا ميزند ٢٩ { وقالوا } عطف على عادوا داخل فى حير الجواب { ان هى } اى ما الحياة فالضمير للحياة فان من الضمائر ما يذكر مبهما ولا يعمل ما يرجع اليه الا بذكر ما بعده { الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين } بعد ما فارقنا هذه الحياة كأن لم يروا ما رأوا من الاحوال التى اولها البعث والنشور ٣٠ { ولو ترى اذ وقفوا على ربهم } اى حبسوا للسؤال كما يوقف العبد الجانى بين يدى سيده للعتاب والجواب محذوف اى لرأيت امرا عظيما { قال } لهم على لسان الملائكة موبحا وهو استئناف { أليس هذا } البعث والحساب { بالحق قالوا بلى وربنا } انه لحق { قال فذوقوا العذاب } الذى عاينتموه { بما كنتم تكفرون } اى بسبب كفركم فى الدنيا بذلك. وخص لفظ الذوق للاشارة الى ان ما يجدونه من العذاب فى كل حال هو ما يجده الذائق لكون ما يجدون بعده اشد من الاول ٣١ { قد خسر الذين كذبوا بلقاء اللّه } اى قد غبن الذين كذبوا بالبعث بعد الموت { حتى اذا جاءتهم الساعة } غاية لتكذيبهم لا لخسرانهم فانه ابدى لا حد له { بغتة } حال من فاعل جاءتهم اى باغتة مفاجئة والبغت والبغتة مفاجأة الشى بسرعة من غير ان يشعر به الانسان حتى لو كان له شعور بمجيئه ثم جاءه بسرعة لا يقال فيه بغتة والوقت الذى تقوم فيه القيامة يفجأ الناس فى ساعة لا يعلمها احد الا اللّه تعالى فلذلك سميت ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم وسميت الساعة ساعة لسعيها الى جانب الوقوع ومسافته الانفاس والمعنى انهم قد كذبوا الى ان ظهرت الساعة بغتة فان قيل انما يكذبون الى ان يموتوا والجواب ان زمان الموت آخر زمان من ازمنة الدنيا واول زمان من ازمنة الآخرة فمن انتهى تكذيبه الى هذا الوقت صدق انه كذب الى ان ظهرت الساعة بغتة ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( من مات فقد قامت قيامته ) { قالوا } جواب اذا { يا حسرتنا } الحسرة هى شدة الندم والتألم ونداؤها مجاز لان الحسرة لا يتأتى منها الاقبال وانما المعنى على المبالغة فى شدة التحسر كأنهم نادوا الحسرة وقالوا ان كان لك وقت فهذا اوان حضورك ومثله يا ويلتنا والمقصود التنبيه على خطأ المنادى حيث ترك ما احوجه تركه الى نداء هذه الاشياء { على ما فرطنا فيها } اى على تفريطنا فى شان الساعة وتقصيرنا فى مراعاة حقها والاستعداد لها بالايمان بها واكتساب الاعمال الصالحة فعلى متعلق بالحسرة وما مصدرية والتفريط التقصير فى الشئ مع القدرة على فعله { وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم } حال من فاعل قالوا. والاوزار جمع وزر وهو فى الاصل الحمل الثقيل يقال وزرته اى حملته ثقيلا ومنه وزير الملك لانه يتحمل اعباء ما قلده الملك من مؤونة رعيته وحشمه سمى به الاثم والذنب لغاية ثقله على صاحبه والحمل من توابع الاعيان الكثيفة لا من عوارض المعانى فلا يوصف به العرض الاعلى سبيل التمثيل والتشبيه وذكر الظهور كذكر الايدى فى قوله تعالى { فبما كسبت ايديكم } فان المعتاد حمل الأثقال على الظهور كما ان المألوف هو الكسب بالايدى. والمعنى انهم يتحسرون على ما لم يعملوا من الحسنات والحال انهم يحملون اوزار ما عملوا من السيئات { ألا سآء ما يزرون } اى بئس شيأ يزرون اى يحملون وزرهم قال السدى وغيره ان المؤمن اذا خرج من قبره استقبله احسن شئ صورة واطيبه ريحا فيقول هل تعرفنى فيقول لا فيقول انا عملك الصالح فاركبنى فقد طالما ركبتك فى الدنيا فذلك قوله تعالى { يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا } اى ركبانا. واما الكافر فيستقبله اقبح شئ صورة وانتنه ريحا فيقول هل تعرفنى فيقول لا فيقول انا عملك الخبيث طالما ركبتنى فى الدنيا وانا اليوم اركبك فهو معنى قوله تعالى { وهم يحملون } الخ فيكون الحمل على حقيقته لان للاعمال صورا تظهر فى الآخرة وان كان نفسها اعراضا واعلم ان الاوزار كثيرة لكن ذنب الوجود فوق الكل اذ هو الباعث على سائر الاوزار وهو ثقل مانع عن السلوك فعلى السالك ان يتوب عن الكل ويفنى فى طريق الحق فناء كليا : قال الحافظ فكر خوددو رأى خود در عالم رندى نيست ... كفرست درين مذهب خود بينى وخود رأيى قال بعضهم لا يمكن الخروج من النفس بالنفس وانما يمكن الخروج من النفس باللّه تعالى قال الشيخ ابو عبداللّه محمد بن على الترمذى الحكيم قدس سره ذكر اللّه تعالى يرطب القلب ويلينه فاذا خلا عن الذكر اصابته حرارة النفس ونار الشهوات فقسا ويبس وامتنعت الاعضاء من الطاعة فاذا مددتتها انكسرت كالشجرة اذا يبست لا تصلح الا للقطع وتصير وقودا للنار اعاذنا اللّه منها فالذكر والتوحيد والاتباع الى اهله هو اصل الاصول حكى عن على بن الموفق انه قال حججت سنة من السنين فى محمل فرأيت رجالا فاحببت المشى معهم فنزلت واركبت واحدا فى المحمل ومشيت معهم فتقدمنا الى البرية وعدلنا عن الطريق فنمنا فرأيت فى منامى جوارى معهن طشوت من ذهب واباريق من فضة يغسلن ارجل المشاة فبقيت انا فقالت احداهن لصواحبها أليس هذا منهم قلن هذا له محمل فقالت بلى هو منهم لانه احب المشى معهم فغسلن رجلى فذهب عنى كل تعب كنت اجده هذه حال من مشى مع ولى باعتقاد صحيح فكيف مع نبى فلو ان كفار مكة ومشركى العرب استمعوا الى النبى عليه السلام واتبعوا الذكر الذى انزل اليه لنجوا واسقطوا كل حمل عن ظهورهم ومشوا الى جنة الفردوس لكن اللّه تعالى يهدى من يشاء ٣٢ { وما الحياة الدنيا } على حذف المضاف اى ما اعمال الدنيا اى الاعمال المتعلقة بها من حيث هى هى { الا لعب ولهو } يلهى الناس ويشغلهم بمنفعته الزائلة عن الايمان والعمل الصالح المؤدى الى اللذة الدائمة واللعب عما يشغل النفس وينفرها عما تنتفع به واللّهو صرفها عن الجد الى الهزل { وللدار الآخرة } التى هى محل الحياة الاخرى { خير للذين يتقون } الكفر والمعاصى لان منافعها خالصة عن المضار ولذاتها غير منغصة بالآلام مستمرة على الدوام { أفلا تعقلون } الفاء للعطف على مقدر اى أتغفلون فلا تعقلون اى الامرين خير. وسميت الدنيا بالدنيا لدنوها قبل الآخرة او لدناءتها. وسميت الآخرة بالآخر لتأخرها عن خلقها وانما جعل اللّه الآخرة غائبة عن الابصار لانها لو كانت حاضرة لما حجدوها ولارتفعت التكاليف والمحن فجعل ما على الارض زينة للابتلاء وحقيقة الدنيا ما يشغلك عن ربك قال اهل التحقيق السموات والارضون وما فيهما من عالم الكون والفساد يدخل فى حد الدنيا. واما العرش والكرسى وما يتعلق بهما من العمال الصالحة والارواح الطيبة والجنة وما فيها فمن حد الآخرة وفى الخبر القدسى لما خلق اللّه الدنيا خاطبها بقوله ( يا دنيا اخدمى من خدمنى واتعبى من خدمك ) ولهذا كانت الدنيا تحبيء لبعض اوليائه وتكنس داره فى صورة العجوز ولبعض اوليائه تحبيء كل يوم برغيف فان قلت ان اللّه تعالى خلق هذه الدنيا للمؤمن فلم امر بالزهد فيها قلت السكر اذا نثر على رأس الختن لا يلتقطه لعلو همته ولو التقطه لكان عيبا وفى الحديث ( جوعوا انفسكم لوليمة الفردوس ) والضيف اذا كان حكيما لا يشبع من الطعام رجاء الحلواء حكى ان قاضيا من اهل بغداد كان مارا بزقاق كلخان مع خدمه وحشمه كالوزير فطلع الكلخائى وهو يهودى فى صورة جهنمى كأن القطران يقطر من جوانبه فأخذ بلجام بغلة القاضى فقال ايد اللّه القاضى ما معنى قول نبيكم ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) أما ترى ان الدنيا جنة لك وانت مؤمن محمدى والدنيا سجن لى وانا كافر يهودى والحديث دلالته بالعكس فاجاب القاضى وكان من فضلاء الدنيا وما ترى من زينتها وحشمتها سجن لى بالنسبة الى ما وعد اللّه فى الجنة وجنة لك بالنسبة الى الدركات المعودة فى النيران قيل مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له امرأتان ان ارضى احداهما اسخط الاخرى واحتضر عابد فقال ما تأسفى على دار الآخرة والغموم والخطايا والذنوب وانما تأسفى على ليلة نمتها ويوم افطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر اللّه تعالى ته عمر خضر بماند نه ملك اسكندر ... نزاع برسر دنياى دون مكن درويش فالدنيا لا تبقى والآخرة خير وابقى يحكى ان جعفر بن سليمان رحمه اللّه قال مررت انا ومالك ابن دنياز رضى اللّه عنه بالبصرة فبينما ندور فيها مررنا بقصر يعمر واذا بشاب حسن يأمر ببناء القصر ويقول افعلوا واصنعوا فدخلنا عليه وسلمنا فرد السلام قال مالك كم نويت ان تنفق على هذا القصر قاله مائة الف فدخلنا عليه وسلمنا فرد السلام قال مالك كم نويت ان تنفق على هذا القصر قال مائة الف درهم قال ألا تعطينى هذا المال فاضعه فى حقه واضمن لك على اللّه تعالى قصرا خيرا من هذا القصر بولدانه وخدمه وقبابه وخيمه من ياقوتة حمراء مرصع بالجوهر ترابه الزعفران ملاطه المسك لم تمسه يدان ولم يبينه بان قال له الجليل سبحانه كن فكان فاثر فى الشاب كلامه فاحضر البدر ودعا بدواة وقرطاس ثم كتب بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما ضمن مالك بن دينار لفلان بن فلان انى ضمنت لك على اللّه قصرا بدل قصرك صفته كما وصفت والزيادة على اللّه واشتريت لك بهذا المال قصرا فى الجنة افسح من قصرك فى ظل ظليل بقرب العزيز الجليل ثم طوى الكتاب ودفعه الى الشاب وانفق ما اخذه من المال على الفقراء وما اتى على الشاب اربعون ليلة حتى مات ووصى ان يجعل الكتاب بين كفنه وبدنه ووجد مالك ليلة وفاته كتابا موضوعا فى المحراب فاخذه ونشره فاذا هو مكتوب بلا مداد هذه براءة من اللّه العزيز الحكيم مالك بن دينار وفينا الشاب القصر الذى ضمنته له وزيادة سبعين ضعفا : وفى المثنوى هركه بايان بين ترا ومسعودتر ... جد ترا وكارد دكه افزون ديدبر زانكه داند كين جهان كاشتن ... هست بهر محشر وبرداشتن آخرت قطار اشتران بملك ... درتبع دنياش همجون بشم وبشك بشك بكزينى شتر نبود ترا ... وربود اشترجه قيمت بشم را يعنى ان اخترت الدنيا التى هى كصفوف الجمل وآثرتها على الآخرة التى هى كنفس الجمل تكون محروما من الاخرة كما ان من اختار الصوف يحرم من الجمل بخلاف من كان الجمل ملكا له فانه لا قيمة عنده لصوفه ولا زغبه وقال قدس سره فى محل آخر باز كونه اى اسيران جهان ... نام خود كرديد اميران جهان اى توبندة اين جهان محبوس جان ... جند كوبى خويش راخوا جهه جهان تخته بندست آنكه تختش خوانده ... صدر بندارى وبر در مانده بادشاهى نيستت برريش خود ... بادشاهى جون كنى برنيك وبد بى مرادتو شود ريشت سبيد ... شرم در ازريش خود اى كزاميد افتخار از رنك وبو واز مكان ... هست شادى وفريت كود كان كون ميكويد بيامن خوش بى ام ... وان فسادش كفته رومن لا شى ام اى زخوبى بهاران لب كزان ... بنكر آن سردى وزردئ خزان روز ديدى طلعت خورشيد خوب ... مرك اورا يادكن وقت غروب بدرراديدى برين خوش جار طاق ... حسرتش را هم بين وقت محاق كودكى از حسن شد مولاى خلق ... بعد فردا شد خرف رسواى خلق اى بديده لونها جرب وخيز ... فضله آنرا بين در آب ريز مر خبث را كوكه آن خوبيت كو ... برطبق آن زوق وآن تغزى وبو بس اتامل رشك استادان شده ... در صناعت عاقبت لزران شده نركس جشم خمار همجو جان ... آخر اعمش بين وآب ازوى جكان حيدرى كاندر صف شيران رود ... آخر او مغلوب موشى ميشود زلف جعد مشكبار عقل بر ... آخر آن جون ذنب زشت خنك وخر خوش ببين كونش زوال باكشاد ... وآخران رسوابيش بين وفساد والاشارة الحياة التى تكون بالتمتعات الدنيوية النفسانية كلعب الصبيان ولهو اهل العصيان تزيد فى الحجب والسير من البشرية الى الروحانية بترك الشهوات والاعراض عن غير الحق والاقبال على اللّه خير للذين يتقون عما سوى اللّه باللّه أفلا تعقلون ان اللّه تعالى خلقكم لهذا الشأن لا لغيره كما قال { واصطنعتك لنفسى } اللّهم احفظنا من تضييع العمر واهدنا الى حقيقة الامر انك انت الوهاب الهادى ٣٣ { قد نعلم } قد هنا للتكثير والمراد بكثرة علمه تعالى كثرة تعلقه { انه } اى الشان { ليحزنك } يا محمد { الذى يقولون } فاعل يحزنك والعائد محذوف اى الذى يقوله كفار مكة وهو ما حكى عنهم من قولهم { ان هذا الا اساطير الاولين } ونحو ذلك { فانهم لا يكذبونك } الا لا تعتد بما يقولون وكله الى اللّه تعالى فانهم فى تكذيبهم آيات اللّه لا يكذبونك فى الحقيقة { ولكن الظالمين بآيات اللّه يجحدون } اى ولكنهم يكذبون بآيات اللّه وينكرونها فما يفعلون فى حقك فهو راجع الىّ فى الحقيقة لانك فان عما سوى اللّه باق باللّه وانا انتقم منهم لا محالة اشد انتقام والمراد بالظلم جحودهم والجحود عبارة عن الانكار مع العلم بخلافه والباء متعلقة بالفعل والتقديم للقصر يقال جحد حقه وبحقه اذا انكره ٣٤ { ولقد كذبت رسل من قبلك } تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فان البلية اذا عمت طابت اى وباللّه لقد كذبت من قبل تكذيبك رسل اولو شأن خطير وذوا عدد كثير او كذبت رسل كانوا من زمان قبل زمانك { فصبروا على ما كذبوا واوذوا } اى على تكذيبهم وايذائهم { حتى اتيهم نصرنا } اى كان غاية صبرهم نصر اللّه تعالى اياهم فتأس بهم واصطبر على ما نالك من قومك والنصر الموعود للصابرين يحتمل ان يكون بطريق اظهار الحجج والبراهين ويحتمل ان يكون بطريق القهر والغلبة او باهلاك الاعداء : قال الحافظ اى دل صبور باش ومخور غم كه عاقبت ... اين شام صبح كردد واين شب سحر شود وقال ايضا كرت جو نوح نبى صبر هست برغم طوفان ... بلا بكردد وكام هزار ساله بر آيد { ولا مبدل لكلمات اللّه } اى مواعيده بالنصرة والغلبة كما قال تعالى { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون } { ولقد جاءك من نبأ المرسلين } اى من خبرهم ما يسكن به قلبك وهو نصره تعالى اياك وقال المولى ابو السعود والجار والمجرور فى محل الرفع على انه فاعل اما باعتبار مضمونه اى بعض نبأ المرسلين او بتقدير الموصوف اى بعض من نبأ المرسلين ٣٥ { وان كان كبر عليك اعراضهم } اى عظم عليك وشق اعراضهم عن الايمان بما جئت به من القرآن وعدم عدهم له من قبيل الآيات واحببت ان تجيبهم الى ما سألوا اقتراحا لحرصك على اسلامهم { فان استطعت ان تبتغى نفقا } اى سربا ومنفذا { فى الارض } تنفذ فيه الى جوفها قال ابن الشيخ النفق سرب فى الارض له مخلص الى مكان آخر ومنه نافقاء اليربوع لان اليربوع يخرق الارض الى القعر ثم يصعد من ذلك الى وجه الارض من جانب آخر { أو سلما } مصعدا { فى السماء } تعرج به فيها { فتأتيهم } منها { بآية } مما اقترحوه والجواب محذوف اى فافعل وجملة الشرطية الثانية جواب للشرطية الاولى والمقصود بيان حرصه البالغ على اسلام قومه وانه لو قدر ان يأتيهم بآية من تحت الارض او من فوق السماء لاتى بها رجاء لايمانهم وايثار الابتغاء على الاتخاذ ونحوه للايذان بان ما ذكر من النفق والسلم مما لا يستطاع ابتغاؤه فكيف باتخاذه { ولو شاء اللّه } هدايتهم { لجمعهم على الهدى } ولكن لم يشأ لعدم صرف اختيارهم الى جانب الهدى مع تمكنهم منه ومشاهدتهم للآيات الداعية اليه فلم يؤمنوا فلا تتهالك عليه { فلا تكونن من الجاهلين } بالحرص على ما لا يكون والجزع فى مواطن الصبر فان ذلك من دأب الجهلة بدقائق شؤونه تعالى التى من جملتها ما ذكر من عدم تعلق مشيئته تعالى بايمانهم. وفى الآية تربية وتأديب للنبى عليه السلام من اللّه تعالى كما قال عليه السلام ( ان اللّه ادبنى فاحسن تأديبى ) لئلا يبالغ فى الشفقة على غير اهلها ٣٦ { انما يستجيب } اي يقبل دعوتك الى الايمان { الذين يسمعون } ما يلقى اليهم سماع فهم وتدبر دون الموتى الذين هؤلاء منهم : قال الحافظ كوهر باك ببايدكه شود قابل فيض ... ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود { والموتى } اى الكفار شبههم بهم فى عدم السماع { يبعثهم اللّه } من قبورهم { ثم اليه } تعالى لا الى غيره { يرجعون } اى يردون للجزاء فحينئذ يستجيبون واما قبل ذلك فلا سبيل اليه ٣٧ { وقالوا } اى رؤساء قريش { لولا } تحضيضية بمعنى هلا { نزل عليه آية من ربه } كالناقة والعصا والمائدة من الخوارق الملجئة الى الايمان { قل } لهم { ان اللّه قادر على ان ينزل آية } كما اقترحوا { ولكن اكثرهم لا يعلمون } ان نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم ان جحدوها اعلم ان الناس فى الاديان على اربعة اقسام. سعيد بالنفس والروح فى لباس السعادة وهم الانبياء واهل الطاعة. والثانى شقى بالنفس فى لباس الشقاوة وهم الكفار والمصرون على الكبائر. والثالث شقى بالنفس فى لباس السعادة مثل بلعم بن باعورا وبر صيصا وابليس. والرابع سعيد بالنفس فى لباس الشقاوة كبلال وصهيب وسلمان فى اوائل امرهم ثم بدل لباسهم بلباس التقوى والهداية فان قلت ما الحكمة فى ان اللّه تعالى خلق الخلق سعيدا وشقيا وقال { ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى ولو شاء لهداكم اجمعين } قلنا قال عبداللّه بن عمر رضى اللّه عنهما ان اللّه تعالى علم فى الازل ان فلانا فى خلقه يعصى لعدم سبق استعداده للسعادة فجعله شقيا لسبق القضاء عليه بمقتضى استعداده فى الاعيان الثابتة ومظهرية استعداده لشؤون الجلال كأنه بلسان الاستعداد كونه شقيا يسأله من فى السموات والارض بلسان القال والحال والاستعداد كل يوم هو فى شأن يفيض ويعطى كل شئ ما يستعد من السعادة والشقاوة على حسب الاستعدادات فى الاعيان الثابتة الغيبية العلمية وعلم سبحانه وتعالى ان عبده يطيع فجعله سعيدا اى بمقتضى استعداده للسعادة الاجمالى والقابلية المودعة فى النشأة الانسانية بقوله { ألست بربكم قالوا بلى } فتلك الاجابة منهم تدل على الاستعداد السعادى الازلى فلو لم يكن ذلك لما صح التكليف والخطاب يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب فاذا عرفت ان الانسان سعيد وشقى فاستعداد السعيد لا يعطى الا الاقوال المرضية والافعال الحسنة والاخلاق الحميدة التى تورث الانبساط واستعداد الشقى لا يعطى الا التى تورث الانقباض فلذا امر اللّه تعالى حبيبه بالصبر وتحمل الايذاء من اهل الشقاوة والقهر والجلال والابتلاء فى الدنيا سبب للغفران وتكميل الدرجات التى لا تنال فى الجنان الا على قدر البلاء وفى الخبر ( ان فى الجنة مقامات معلقة فى الهواء يأوى اليها اهل البلاء كالطير الى وكره ولا ينالها غيرهم ) وان الرجل يبتلى على حسب دينه فان كان فى دينه صلابة اشتد بلاؤه وان كان فى دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى وما عليه خطيئة والبلاء سوط اللّه على عباده كيلا يركنوا الى الدنيا ولا يشغلوا بها ويفروا الى اللّه من ضرب سوطه كما يفر الخيل الى مستقره والآخرة هى دار القرار ما بلارا بكس عطا نكنيم ... تاكه نامش زاوليا نكنيم وبالجملة فمن ابتلى بشئ من المصائب والبلايا فالعاقبة حميدة فى الصبر وبالصبر يكون من الامة المرحومة حقيقة ويدخل فى اثر النبى عليه السلام ٣٨ { وما من دابة فى الارض } من زائدة لتأكيد الاستغراق وفى متعلقة بمحذوف هو وصف الدابة اى وما فرد من افراد الدواب يستقر فى قطر من اقطار الارض { ولا طائر } من الطيور فى ناحية من نواحى الجوّ { يطير بجناحيه } كما هو المشاهد المعتاد. فقيد الطيران بالجناح تأكيد كما يقال نظرت بعينى واخذت بيدى او هو قطع لمجاز السرعة لانه يقال طار فلان فى الارض اى اسرع { الا امم امثالكم } محفوظة احوالها مقدرة ارزاقها وآجالها { ما فرطنا فى الكتاب من شئ } يقال فرط فى الشئ ضيعه وتركه اى ما تركنا فى القرآن شيأ من الاشياء المهمة التى بينا انه تعالى مراع فيها لمصالح جميع مخلوقاته على ما ينبغى بل قد بينا كل شئ اما مفصلا او مجملا اما المفصل فكقوله تعالى { ان النفس بالنفس والعين بالعين } واما المجمل فكقوله تعالى { ان النفس بالنفس والعين بالعين } واما المجمل فكقوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } روى ان الامام الشافعى كان جالسا فى المسجد الحرام فقال لا تسألونى عن شئ الا اجيبكم فيه من كتاب اللّه تعالى فقال رجل ما تقول فى المحرم اذا قتل الزنبور فقال لا شئ عليه فقال اين هذا فى كتاب اللّه فقال قال اللّه تعالى { وما آتالكم الرسول } الآية ثم ذكر اسنادا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انه قال ( للمحرم قتل الزنبور ) { ثم الى ربهم } اى الامم { يحشرون } يوم القيامة الى ربهم لا الى غيره فيقضى بينهم ٣٩ { والذين كذبوا بآياتنا } اى القرآن { صم } لا يسمعونها سمع تدبر وفهم فلذلك يسمعونها اساطير الاولين ولا يعدونها من الآيات ويقترحون غيرها. وهو جمع اصم والمقصود تشبيه حالهم بحال الاصم لكن حذف حرف التشبيه للمبالغة { وبكم } لا يقدرون على ان ينطقوا بالحق ولذلك لا يستجيبون دعوتك. وهو جمع ابكم { فى الظلمات } اى ظلمات الكفر خبر ثالث للمبتدأ { من يشأ اللّه } اضلاله اى ان يخلق فيه الضلال { يضللّه } اى يخلقه فيه لكن لا ابتداء بطريق الجبر من غير ان يكون له دخل ما فى ذلك بل عند صرف اختياره الى كسبه وتحصيله { ومن يشأ } هدايته { يجعله على صراط مستقيم } لا يضل من ذهب اليه ولا يزل من ثبت قدمه عليه وفى الآيات امور الاول ان غير الانسان من الامم ايضا وفى الحديث ( لولا ان الكلاب امة لامرت بقتلها فاقتلوا منها كل اسود بهيم ) وذلك لان الكلب الاسود شيطان لكونه اعقر الكلاب واخبثها واقلها نفعا واكثرها نعاسا ومن هذا. قال احمد بن حنبل لا يخل الصيد به والاشارة ان ما يدب فى ارض البشرية ويتحرك كالسمع والبصر واللسان والاعضاء كلها والنفس وصفاتها وكذا ما يطير بجانحى الشريعة والطريقة كالقلب والروح وصفاتها امم امثالكم فى السؤال عن افعالهم واحوالهم يدل عليه قوله تعالى { ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا } والثانى ان الحشر عام كما قال ابو هريرة رضى اللّه عنه يحشر اللّه الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شئ فيأخذ للجماء من القرناء كما فى الحديث ( لتؤدن الحقوق الى اهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) اى يقتص للشاة التى لا قرن لها من التى لها قرن قال ابن ملك وفيه دلالة على حشر الوحوش كما قال تعالى { واذا الوحوش حشرت } لكن القصاص فيها قصاص مقابلة لا قصاص تكليف انتهى. ثم يقال للبهائم والوحوش والطيور كونى ترابا فتكون ترابا مثل تراب ارض ذلك العالم وعند ذلك يتمنى الكافر ويقول { يا ليتنى كنت ترابا } قال الحدادى والمراد بهذا الافناء للبهائم بعد ان احياها انه افناء لا يكون فيه الم والثالث ان الذين ختم اللّه على قلوبهم فهم كالاصم والابكم الاصليين ومن خاصة الابكم ان يكون اصم : كما قال فى المثنوى دائما هر كر اصلى كنك بود ... ناطق آنكس شدكه زماد رشود جون سليمان سوى مرغان سبا ... يك صفيرى كردبست آن جمله را جزمكر مرغى كه بدبى جان وبر ... يا جوما هى كنك بوداز اصل كر تى غلظ كفتم كه كركر سرنهد ... بيش وحى كبريا سمعش دهد فقلوب الخلق بيد اللّه تعالى يصرفها كيف يشاء روى ان كفار مكة اجتمعوا على قتل النبى عليه السلام فبينما هم كذلك اذ دخل عليهم ابليس فقال لماذا اجتمعتم فاخبروه بالقصة فقال لابى جهل يا ابا الحكم لو انك حملت صنمك وآلهك الذى تعبده ووضعته بين يدى محمد وسجدت له ربما يسمع محمد منه شيأ وكان صنمه مرصعا بالجوهر والياقوت فحمل ابو جهل صنمه ووضعه بين يدى النبى عليه السلام وسجد له. وقال الهى نعبدك ونتقرب اليك هذا محمد شتمنا بسببك ونطمع منك ان تنصرنا وتشتم محمدا فاخذه الصنم يتحرك ويتكلم ويشتم فدخل فى قلب النبى عليه السلام ورجع الى بيت خديجة فلم يلبث ان دق الباب فاذا شاب دخل وبيده سيف فلم وقال مرنى يا رسول اللّه حتى امتثل امرك فقال عليه السلام ( من انت ) قال انا من الجن قال ( كم تبلغ قوتك ) قال اقدر ان اقلع جبلى حراء وابى قبيس وارميهما فى البحر قال ( من اين اقبلت الساعة ) قال كنت فى جزيرة البحر السابع اذ اتانى جبرائيل فقال ادرك فلانا الشيطان دخل فى الصنم وشتم النبى عليه السلام فاقتله بهذا السيف فادركته فى الارض الرابعة فقتلته فقال له عليه السلام ( ارجع فانى استعين بربى من عدوى ) وقال الشاب لى اليك حاجه هى ان ترجع الى مكان كنت فيه امس فانهم يستخبرون ذلك الصنم ثانيا فرجع فى الغد ومعه ابو بكر الصديق فجاء ابو جهل مع صنمه ففعل كما فعل بالامس فاخذ الصنم يتحرك ويقول لا اللّه الا اللّه محمد رسول اللّه وانا صنم لا انفع ولا اضر ويل لمن عبدنى من دون اللّه فلما سمعوا ذلك قام ابو جهل وكسر صنمه وقال ان محمدا سحر الاصنام فظهر ان اللّه تعالى يقول الحق من ألسنة المظاهر ولكن لا يسمع المنافق والكافر ٤٠ { قل } يا محمد لاهل مكة { أرأيتكم } الكاف حرف خطاب اكدبه ضمير الفاعل المخاطب لتأكيد الاسناد لا محل له من الاعراب كالكاف فى اياك وذلك الكاف يدل على احوال المخاطب من الافراد والتذكير ونحوها فهو يطابق ما يراد به والتاء تبقى على حالة واحدة مفردة مفتوحة ابدا نحو ارأيتك ارأيتكما ارأيتكم ومبنى التركيب وان كان على الاستخبار عن الرؤية قلبية كانت او بصرية لكن المراد به الاستخبار عن متعلقها اى اخبرونى فجعل العلم او الابصار الذى هو سبب الاخبار مجازا عن الاخبار عن متعلقها اى اخبرونى فجعل العلم او الابصار الذى هو سبب الاخبار مجازا عن الاخبار وجعل الاستفهام الذى للتبكيت والالجاء الى الاقرار مجازا عن الامر بجامع الطلب { ان اتيكم عذاب اللّه } فى الدنيا كما اتى من قبلكم من الامم { او اتتكم الساعة } اى القيامة المشتملة على ذلك العذاب وهو العذاب الاخروى. والساعة اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم { أغير اللّه تدعون } هذا مناط الاستخبار ومحط التبكيت { ان كنتم صادقين } جواب الشرط محذوف اى ان كنتم صادقين فى ان اصنامكم آلهى كما انها دعواكم المعروفة فاخبرونى بدعائهم غيره سبحانه ٤١ { بل اياه تدعون } عطف على جملة منفية كأنه قيل لا غيره تعال تدعون بل اياه تدعون { فكيف ما تدعون اليه } اى الى كشفه عطف على تدعون اى فيكشف اثر دعائكم { ان شاء } كشفه فقبول الدعاء تابع لمشيئته تعالى فقد يقبله كما فى بعض دعواهم المتعلقة بكشف العذاب الدنيوى وقد لا يقبله كما فى بعض آخر منها وفى جميع ما يتعلق بكشف العذاب الاخروى الذى من جملته الساعة فانه تعالى لا يغفر ان يشرك به فلا يشاء فى الآخرة { وتنسون ما تشركون } عطف على تدعون ايضا اى تتركون ما تشركون به تعالى من الاصنام تركا كليا لما ركز فى العقول انه القادر على كشف العذاب دون غيره فالنسيان هنا بمعنى الترك لا بمعنى الغفلة ٤٢ { ولقد ارسلنا } اى وباللّه لقد ارسلنا رسلا { الى امم } كثيرة { من قبلك } اى كائنة من زمان قبل زمانك فمن لابتداء الغاية فى الزمان على مذهب الكوفية مثل نمت من اول الليل وصمت من اول الشهر الى آخره وقال المحشى سنان جلبى من زائدة على قول من جوز زيادتها فى الموجب واما عند غيره فهى بمعنى فى كما فى قوله تعالى { اذا نودى للصلاة من يوم الجمعة } { فاخذناهم } الفاء فصيحة تفصح ان الكلام مبنى على اعتبار الحذف اى فكذبوا رسلهم فأخذناهم { بالبأساء } اى بالشدة والفقر { والضراء } اى الضر والآفات وهما صيغتا تأنيث لا مذكر لهما { لعلهم يتضرعون } اى لكى يدعوا اللّه فى كشفها بالتضرع والتذلل ويتوبوا اليه من كفرهم ومعاصيهم ٤٣ { فلولا } هلا { إذ جاءهم بأسنا } عذابنا { تضرعوا } اى لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضى له فلولا يفيد اللوم والتنديم وذلك عند قيام الداعى الى الفعل وانتفاء العذر فى تركه { ولكن قست قلوبهم } استدراك على المعنى اى لم يتضرعوا ولكن يبست وجفت قلوبهم ولو كان فى قلوبهم رقة وخوف لتضرعوا { وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون } اى حسن لهم الكفر والمعاصى بان اغواهم ودعاهم الى اللذة والراحة دون التفكر والتدبر ولم يخطر ببالهم ان ما اعتراهم من البأساء والضراء ما اعتراهم الا لاجله ٤٤ { فلما نسوا ما ذكروا به } عطف على مقدر اى فانهمكوا فيه ونسوا ما ذكروا به من البأساء والضراء فلما نسوه { فتحنا عليهم ابواب كل شئ } من فنون النعماء على منهاج الاستدراج { حتى } ابتدائية ومع ذلك غاية لقوله فتحنا { اذا فرحوا بما اوتوا } اى صاروا معجبين بحالهم. فالفرح فرح البطن كفرح قارون بما اصابه من الدنيا { اخذناهم } بالعذاب { بغتة } اى فجأة ليكون اشد عليهم وقعا وافظع هولا كما قال اهل المعانى انهم انما اخذوا فى حال الراحة والرخاء ليكون اشد تحسرهم على ما فاتهم من حال السلامة والعافية { فإذا هم مبلسون } متحسرون غاية الحسرة آيسون من كل خير راجون فاذا للمفاجأة. والابلاس بمعنى اليأس من النجاة عند ورود المهلكة والمعنى الحسرة والحزن ٤٥ { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } اى آخرهم بحيث لم يبق منهم احد فالدابر يقال للتابع للشئ من خلفه كالولد للوالد يقال دبر فلان القوم يدبروا دبرا ودبورا اذا كان آخرهم قال البغوى معناه انهم استؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية ووضع الظاهر موضع الضمير للاشعار بعلة الحكم فان هلاكهم بسبب ظلمهم الذى هو وضع الكفر موضع الشكر واقامة المعاصى مقام الطاعات { والحمد للّه رب العالمين } على اهلاكهم فان هلاك الكفار والعصاة من حيث انه تخليص لاهل العرض من شؤم عقائدهم الفاسدة واعمالهم الخبيثة نعمة جليلة يحق ان يحمد عليها لا سيما مع ما فيه من اعلاء كلمة الحق التى نطقت بها رسلهم عليهم السلام وفى الآيات امور. منها ان اللّه تعالى هو المرجع فى كل امر حال الاختيار والاضطرار والعاقل لا يلتجئ الى غيره تعالى لان ما سوى اللّه آلات واسباب والمؤثر فى الحقيقة هو اللّه تعالى فشأن المؤمن هو النظر الى بابه والاستمداد من جنابه حال السراء والضراء بخلاف الكافر فانه يفتح عينيه عند نزول الشدة والمقبول هو الرجوع اختيارا فان العبد المطيع لا يترك باب سيده على كل حال ، ومنها ان اللّه تعالى يقلب الانسان تارة من البأساء والضراء الى الراحة والرخاء وانواع الآلاء والنعماء واخرى يعكس الامر كما يفعله الاب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه اخرى طلبا لصلاحه والزاما للحجة ازاحة للعلة ففى هذه المعاملة تربية له وفائدة عظيمة فى دينه ودنياه ان تفطن : قال الصائب نهاد سخت توسوهان بخرد نمى كيد ... وكرنه بست وبلند زمان سوهانست ومنها ان الهلاك بقدر الاستدراج ونعوذ باللّه تعالى من المكروه وفى الحديث ( اذا رأيت اللّه تعالى يعطى عبدا فى الدنيا على معصية ما يحب فان ذلك منه استدراج ) ثم قرأ صلى اللّه عليه وسلم { فلما نسوا ما ذكروا به } الآية وفى التأويلات النجمية { فتحنا عليهم ابواب كل شئ } اى من البلاء فى صورة النعماء لا رباب الظاهر بالنعمة الباطنة من فتوحات الغيب واراءة الآيات وظواهر الكرامات ورؤية الانوار وكشف الاسرار والاشراف على الخواطر وصفاء الاوقات ومشاهدة الروحانية واشباهها مما يربى به اطفال الطريقة فان كثيرا من متوسطى هذه الطائفة تعتريهم الآفات فى اثناء السلوك عند سآمة النفس من المجاهدات وملالتها من كثيرة الرياضات فيوسوسهم الشيطان وتسول لهم انفسهم انهم قد بلغوا فى السلوك رتبة قد استغنوا بها عن صحبة الشيخ وتسليم تصرفاته فيخرجون من عنده ويشرعون فى الطلب على وفق انفسهم فيقعون فى ورطة الخذلان وسخرة الشيطان فيريهم الاشياء الخارقة للعادة وهم يحسبون انها من نتائج العبادة وكان بعضهم يسير فى البادية وقد اصابه العطش فانتهى الى بئر فارتفع الماء الى رأس البئر فرفع رأسه الى السماء وقال اعلم انك قادر ولكن لا اطيق هذا فلو قيضت لى بعض الاعراب يصفعنى صفعا ويسقينى شربة ماء كان خيرا لى ثم انى اعلم ان ذلك الرفق ليس من جهته وقال الشيخ ابو عبداللّه القرشى قدس سره من لم يكن كارها لظهور الآيات وخوارق العادات منه كراهية الخلق لظهور المعاصى فهى حجاب فى حقه وسترها عنه رحمة. ومنها ان العجب مذموم مهلك وفى الحديث ( ثلاث مهلكات شح مطاع وهى متبع واعجاب المرء بنفسه ) مرد معجب زاهل دين نبود ... هيج خود بين خداى بين نبود بيخبر ازجهان ومست يكيست ... خويشتن بين وبت برست يكيست وعلاجه رؤية التوفيق من اللّه تعالى. ومنها ان النعمة لا بدل لها من الحمد والشكر وفى الخبر الصحيح ( اول من يدعى الى الجنة الحامدون للّه على كل حال ) ولما حمد نوح عليه السلام بقوله { الحمد للّه الذى نجانا من القوم الظالمين } وجد السلامة حيث قال تعالى { يا نوح اهبط بسلام منا } فلا بد من الحمد على السلامة سواء كانت من جهة الدين او من جهة الدنيا اذ كل منهما نعمة ودخل رجل على سهل بن عبداللّه فقال ان اللص دخل دارى واخذ متاعى فقال اشكر اللّه لو دخل اللص قلبك وهو الشيطان وافسد التوحيد ماذا كنت تصنع يقول الفقير جامع هذه المجالس الشريفة سئلت فى المنام عن معنى الحمد فقلت الحمد اظهار الكمال بتهيئة اسبابه فقال السائل وهو واحد من سادات المشايخ ما تهيئة الاسباب فقلت ان ترفع يديك الى السماء وتنظر الى جانب الملكوت وتظهر الخضوع والخشوع وان تثنى على اللّه تعالى ثناء حقا كما ينبغى ثم استيقظت فجاء التفسير بحمد اللّه تعالى مشيرا الى مراتب الشكر : كما قال بعضهم الشكر قيد للنعم. مستلزم دفع النقم ... وهو على ثلاثة قلب يد فاعلم وفم والحمد للّه تعالى ولى الانعام على الاستمرار والدوام ٤٦ { قل } يا محمد لاهل مكة { ارأيتم } اى اخبرونى ايها المشركون فان الرؤية بصرية كانت او علمية سبب الاخبار كما سبق { ان اخذ اللّه سمعكم } اى اصمكم { وابصاركم } اى اعماكم بالكلية { وختم على قلوبكم } بان غطى عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم بحيث تصيرون مجانين { من إله غير اللّه } من استفهامية مبتدأ وإله خبره وغير صفة له { يأتيكم به } اى بما اخذه منكم وهى صفة اخرى له والجملة متعلق الرؤية ومناط الاستخبار اى اخبرونى ان سلب اللّه عنكم اشراف اعضائكم من احد غير اللّه يأتيكم بها ومن المعلوم انه لا يقدر عليه الا اللّه سبحانه فهو المستحق للعبادة والتعظيم وهو احتجاج آخر على المشركين { انظر } يا محمد وتعجب { كيف نصرف الآيات } اى نكروها ونقررها مصروفة من اسلوب الى اسلوب تارة بترتيب المقدمات العقلية وتارة بطريق الترغيب والترهيب وتارة بالتنبية والتذكير باحوال المتقدمين قال الحدادى التصريف توجيه المعنى فى الجهات التى تظهرها اتم الاظهار { ثم هم يصدفون } اي يعرضون عنها فلا يؤمنون وثم لاستبعاد صدفهم اى اعراضهم عن تلك الآيات بعد تصريفها على هذا النمط البديع الموجب للاقبال عليها ٤٧ { قل ارأيتكم } اى اخبرونى ايها المشركون { ان آتيكم عذاب اللّه بغتة او جهرة } اى ليلا او نهارا لما ان الغالب فيما اتى ليلا البغتة اى الفجأة وفى ما اتى نهارا الجهرة وهو المناسب لما فى سورة الاعراف من قوله تعالى { أفأمن اهل القرى ان يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون او أمن اهل القرى ان يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون } والقرآن يفسر بعضه بعضها وهو اللائح بالبال { هل يهلك إلا القوم الظالمون } الاستفهام بمعنى النفى ومتعلق الاستخبار محذوف اى اخبرونى ان اتاكم عذابه العاجل الخاص بكم بغتة او جهرة كما اتى من قبلكم من الامم ماذا يكون الحال ثم قيل بيانا لذلك { هل يهلك الا القوم الظالمون } اى ما يهلك بذلك العذاب الخاص بكم الا انتم ووضع المظهر موضع المضمر ايذانا بان مناط هلاكهم ظلمهم الذى هو وضعهم للكفر موضع الايمان المظهر موضع المضمر ايذانا بان مناط هلاكهم ظلمهم الذى هو وضعهم للكفر موضع الايمان ٤٨ { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين } حالان مقدرتان من المرسلين اى ما نرسلهم الا مقدرا تبشيرهم وانذارهم ففيهما معنى العلة الغائية قطعا اى لم نرسلهم لان يقترح عليهم الآيات ويتلهى بهم بل لان يبشروا قومهم بالثواب على الطاعة وينذروهم بالعقاب على المعصية التبشير الاخبار بالخبر السار والانذار الاخبار بالخبر الضار { فمن آمن } بهم { واصلح } عمله او دخل فى الصلاح { فلا خوف عليهم } من العذاب الذى انذروه دنيويا كان او اخرويا { ولا هم يحزنون } بفوات ما بشروا به من الثواب العاجل والآجل ٤٩ { والذين كذبوا بآياتنا } وهى ما ينطق به الرسل عليهم عند التبشير والانذار ويبلغونه الى الامم { يمسهم العذاب } الاليم واسند المس الى العذاب مع ان حقه ان يسند الى الاحياء لكونه من الافعال المسبوقة بالقصد والاختيار على طريق الاستعارة بالكناية فجعل كأنه حى يطلب ايلامهم والوصول اليهم { بما كانوا يفسقون } اى بسبب فسقهم المستمر الذى هو الاصرار على الخروج عن التصديق والطاعة وفى الآيات ترغيب وترهيب : وفى الكلمات القدسية ( يا ابن آدم لا تأمن مكرى حتى تجوز على الصراط ) روى ان اللّه تعالى قال يا ابراهيم ما هذا الوجل الشديد الذى اراه منك فقال يا رب كيف لا اوجل وآدم ابى كان محله القرب منك خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وامرت الملائكة بالسجود له فبمعصية واحدة اخرجته من جوارك فاوحى اللّه تعالى اليه يا ابراهيم اما عرفت ان معصية الحبيب على الحبيب شديدة وعن مالك ابن دينار قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا يسعدون المجنون فقلت كيف حالك وكيف انت قال يا مالك كيف يكون حال من امسى واصبح يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت ما يبكيك فقال واللّه ما بكيت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى لم يحسن فيه عمل كارى كنيم ورنه خجالت بر آورد ... روزى كه رخت جان بجهان دكر كشيم ابكانى واللّه قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا ادرى بعد ذلك اصير الى الجنة ام الى النار فسمعت منه كلام حكمة فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال ما بى حنة ولكن حب مولاى خالط قلبى واحشائى وجرى بين لحمى ودمى وعظامى درره منزل ليلى كه خطر هاست درو ... شرط اول قدم آنست كه مجنون باشى كاروان رفت وتودر خواب وبيابان دربيش ... كى روى ره زكه برسى جه كنى جون باشى وعلى تقدير الزلة فليبادر العاقل الى التوبة والاستغفار حتى يتخلص من عذاب الملك القهار كما قال تعالى { فمن آمن واصلح فلا } الخ روى ان الملائكة تعرج الى السماء بسيئات العبد فاذا عرضوها على اللوح المحفوظ يجدون مكانها حسنات فيخرون على وجوههم ويقولون ربنا انك تعلم اننا ما كتبنا عليه الا ما عمل فيقول اللّه تعالى صدقتم ولكن عبدى ندم على خيطئته واستشفع الىّ بدمعته فغفرت ذنبه وجدت عليه بالكرم وانا اكرم الاكرمين فالايمان واصلاح العمل والندم على الزلل سبب النجاة فى الدنيا والآخرة قال بعض الكبار ان الايمان والاسلام يمكن ان يكونا شيأ واحدا فى الحقيقة ولكن خص كل منهما بنوع مجازا عرفيا فكل ما كان فيه التصديق القلبى اطلق عليه الايمان لوجود اصل معناه فيه كما لا يخفى ٥٠ { قل } يا محمد للكفرة الذين يقترحون عليك تارة تنزيل الآيات واخرى غير ذلك { لا اقول لكم عندى خزائن اللّه } اى لا ادعى ان خزائن مقدوراته تعالى مفوضة الىّ اتصرف فيها كيف اشاء استقلالا واستدعاء حتى تقترحوا علىّ تنزيل الآيات او انزال العذاب او قلب الجبال ذهبا او غير ذلك مما لا يليق بشأنى فالخزائن جمع خزينة بمعنى مخزونة قال الحدادى وليس خزائن اللّه مثل خزائن العباد وانما خزائن اللّه تعالى خزائن مقدوراته التى لا توجد الا بتكوينه اياها ويجوز ان يكون جمع خزانة وهى اسم للمكان الذى يخزن فيه الشئ وخزن الشئ احرازه بحيث لا تناله الايدى وكانوا يقولون ان كنت رسولا من عند اللّه تعالى فوسع علينا منافع الدنيا وخيراتها فالمعنى لا ادعى ان مفاتيح الرزق بيدى فاقبض وابسط { ولا اعلم الغيب } عطف على محل عندى خزائن اللّه ولا مزيده مذكرة للنفى اى ولا ادعى ايضا انى اعلم الغيب من افعاله تعالى حتى تسألونى عن وقت الساعة او وقت نزول العذاب او نحوهما { ولا اقول لكم انى ملك } من الملائكة حتى تكلفونى من الافاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيق به البشر من الرقى الى السماء ونحوه او تعدوا عدم اتصافى بصفاتهم قادحا فى امرى كما ينبئ عنه قولهم { ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق } والمعنى انى لا ادعى شيأ من هذه الاشياء الثلاثة حتى تقترحوا علىّ ما هو من آثارها واحكامها وتجعلوا عدم اجابتى الى ذلك دليلا على عدم صحة ما ادعيه من الرسالة التى لا تعلق لها بشئ مما ذكر قطعا بل انما هى عبارة عن تلقى الوحى من جهته عز وجل والعمل بمقتضاه فحسب حسبما ينبئ عنه قوله تعالى { ان اتبع الا ما يوحى الىّ } الى ما افعل الا اتباع ما يوحى الىّ من غير ان يكون لى مدخل ما فى الوحى او فى الموحى بطريق الاستدعاء او بوجه آخر من الوجوه اصلا والوحى ثلاثة. ما ثبت بلسان الملك والقرآن من هذا القبيل. وما تبت باشارة الملك من غير ان بينه بالكلام واليه الاشارة بقوله عليه السلام ( ان روح القدس نفث فى روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها ) والثالث ما تبدى لقلبه اى ظهر لقلبه بلا شبهة الهاما من اللّه تعالى بان اراه اللّه بنور من عنده كما قال { لتحكم بين الناس بما اراك اللّه } وابى الاشعرية واكثر المتكلمين ان يحكم عليه السلام بالاجتهاد كما تدل عليه الآية اذ ثبت بها انه لا يتبع الا الوحى والجواب انه جعل اجتهاده عليه السلام وحيا باعتبار المآل فان تقريره عليه السلام على اجتهاده يدل على انه هو الحق كما اذا ثبت بالوحى ابتداء { قل هل يستوى الاعمى والبصير } مثل للضال والمهتدى فانه عليه السلام لما وصف نفسه بكونه متبعا للوحى الالهى لزم منه ان يصف نفسه بالاهتداء ويصف من عانده واستبعد دعواه بالضلال فالعمل بغير الوحى يجرى مجرى عمل الاعمى والعمل بمقتضى الوحى يجرى مجرى عمل البصير { أفلا تتفكرون } اى ألا تسمعون هذا الكلام الحق فلا تتفكرون فيه فتهتدوا باتباع الوحى والعمل بمقتضاه فمناط التوبيخ عدم الامرين معا اى الاستماع والتفكر ٥١ { وانذر به } اى خوف من العذاب بما يوحى { الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم } اى يبعثو ويجمعوا الى ربهم اى الى موضع لا يملك احد فيه نفعهم ولا ضرهم الا اللّه تعالى. وقيل يخافون يعلمون لان خوفهم انما كان من علمهم { ليس لهم من دونه ولى } قريب ينفعهم { ولا شفيع } يشفع لهم وجملة النفى اى ليس فى موضع الحال من ضمير يحشرون فان المخوف هو الحشر على هذه الحال. وقوله من دونه حال من اسم ليس اى متجاوزا للّه تعالى والمراد بالموصول المؤمنون العاصون كما فى اكثر التفاسير وانما نفى الشفاعة لغيره مع ان الانبياء والاولياء يشفعون كما هو مذهب اهل السنة لانهم لا يشفعون الا باذنه فكانت الشفاعة فى الحقيقة من اللّه تعالى وقال المولى ابو السعود رحمه اللّه المراد بالموصول المجوزون من الكفار للحشر سواء كانوا جارمين باصله كاهل الكتاب وبعض المشركين المعترفين بالبعث المترددين فى شفاعة آبائهم الانبياء كالاولين او فى شفاعة الاصنام كالآخرين او مترددين فيهما معا كبعض الكفرة الذين يعلم من حالهم انهم اذا سمعوا بحديث البعث يخافون ان يكون حقا واما المنكرون للحشر رأسا والقائلون به القاطعون بشفاعة آباهم او بشفاعة الاصنام فهم خارجون ممن امر بانذارهم انتهى فالكلام على هذا ظاهر لان الظالمين ليس لهم من حميم ولا شفيع يطاع { لعلهم يتقون } تعليل للامر اى انذرهم لكى يتقوا اللّه باقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات او يتقوا الكفر والمعاصى والاشارة ان اللّه تعالى امر نبيه عليه السلام ان يكلم الكفار على قدر عقولهم فقال { قل لا اقول لكم عندى خزائن اللّه } على انها عندى ولكن لا اقول لكم وهى علم حقائق الاشياء وما هياتها وقد كان عنده فى اراءة سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم وفى اجابة قوله عليه السلام ( ارنا الاشياء كما هى ) فى قوله ( اوتيت جوامع الكلم ) وما امره اللّه تعالى ان ان قل ليس عندى خزائن اللّه قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر ( ولا تبذر الاسرار ) يعنى بيان الحقائق الذى هو غذاء القلب والروح كالسمراء يعنى الحنطة للجسم ( فى ارض عميان ) يعنى فى ارض استعداد هؤلاء الطوائف الذين لا يبصرون الحق ولا يشاهدونه فى جميع الاشياء كما فى شرح الفصوص للمولى الجامى قدس سره : قال السعدى قدس سره دريغست باسفله كفت از علوم ... كه ضايع شود تخم درشوره بوم ولا اعلم الغيب فانه صلى اللّه عليه وسلم كان يخبر عما مضى وعما سيكون باعلام الحق وقد قال عليه السلام ليلة المعراج ( قطرت فى حلقى قطرة علمت ما كان وما سيكون ) فمن قال ان نبى اللّه لا يعلم الغيب فقد اخطأ فيما اصاب ولا اقول لكم انى ملك وان كنت قد عبرت عن مقام الملك حين قلت لجبرائيل تقدم فقال لو دنوب انملة لاحرقت : كما قال السعدى قدس سره شبى برنشست ازفلك بركذشت ... بتمكين وجاه ازملك دركذشت جنان كرم درتيه قربت براند ... كه درسدره جبريل ازو بازماند ان اتبع الا ما يوحى الى يعنى لا اخبركم عن مقاماتى واحوالى مما لى مع اللّه وقد لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل الا عما يوحى الى ان اخبركم وكيف اخبركم عما اعمى اللّه بصائركم عنه وانابه بصير فلا يستوى الاعمى والبصير ثم قال وانذر به يعنى اخبر بهذه الحقائق والمعانى الذين يخافون اى يرجون ان يحشروا الى ربهم بجذبات العناية ويتحقق لهم ليس لهم فى الوصول الى اللّه من دونه ولى يعنى من الاولياء ولا شفيع يعنى من الانبياء لان الوصول لا يمكن الا بجذبات الحق لعلهم يتفون عما سوى اللّه باللّه فى طلب الوصول قال السرى السقطى قدس سره خرجت يوما الى المقابر فاذا ببهلول فقلت له اى شئ تصنع هنا قال اجالس قوما لا يؤذوننى وان غبت لا يغتابوننى فقلت له تكون جائعا فولى وانشأ يقول ن الجوع من عمل التقى ... وان طويل الجوع يوما سيشبع الصالحين وما زينهم اللّه به دون غيرهم مثل جند قال لهم الملك تزينوا للعرض على غدا فمن كانت زينته احسن كانت منزلته عندى ارفع ثم يرسل الملك فى السر بزينة عنده ليس عند الجند مثلها الى خواص مملكته واهل محبته فاذا تزينوا بزينة الملك فخروا سائر الجند عند العرض على الملك فهذا مثل من وفقهم اللّه تعالى للاعمال الصالحة والاحوال الزكية ولا حاجة لهم ان يصفوا ما عندهم الى عامة الناس فان علمهم بذلك كاف وسيظهر يوم العرض الاكبر وعند الكثيب الاحمر دام كرام وسادة ... ونحن عبيد السوء بئس عبيد ٥٢ { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى } روى ان رؤساء قريش قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين رأوا فى مجلسه الشريف فقراء المؤمنين مثل صهيب وعمار وخباب وبلال وسلمان وغيرهم لو طردت هؤلاء الا عبد وارواح جبابهم وكان عليهم جباب صوف لا غير لجالسناك وحادثناك فقال عليه السلام ( ما انا بطارد المؤمنين ) فقالوا فاذا نحن جئناك فاقمهم عنا حتى يعرف العرب فضلنا فان وفود العرب تأتيك فنستحى ان ترانا مع هؤلاء فاذا قمنا عن مجلسك فاقعدهم معك ان شئت فهم عليه السلام ان يفعل ذلك طمعا فى ايمانهم فانزل اللّه تعالى هذه الآية يعلمه انه لا يحب ان تفضل غنيا على فقير ولا شريفا على وضيع لان طريقه فيما ارسل به الدين دون احوال الدنيا. والطرد الابعاد وبالفارسية [ مزان ازمجلس خودآن درويشانراكه ميخوانند بروردكار خودرا وذكراو ميكنند بامداد وشبانكاه ] والمراد بذكر الوقتين الدوام ومن دام ذكره دام جلوسه مع اللّه كما قال ( انا جليس من ذكرنى ) { يريدون } بذكرهم وعبادتهم { وجهه } تعالى ورضاه لا شيأ من اغراض الدنيا. حال من ضمير يدعون اى يدعونه تعالى مخلصين له وقيد الدعاء بالاخلاص تنبيها على انه ملاك الامر عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغربوست واشعارا بانه من اقوى موجبات الاكرام المنافى للابعاد { ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ } لما لم يقتصر المشركون فى طعن فقراء المسلمين على وصفهم بكونهم موالى ومساكين بل طعنوا فى ايمانهم ايضا حيث قالوا يا محمد انهم انما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لانهم يجدون عندك مأكولا وملبوسا بهذا السبب والا فهم عارون عن دينك والايمان بك دفع اللّه تعالى ما عسى يتوهم كونه مسوغا لطردهم من اقاويلهم فقال { ما عليك } اى ليس عليك الا اعتبار ظاهر حالهم وهو اتسامهم بسمة المتقين وان كان لهم باطن غير مرضى كما يقوله المشركون فمضرة حساب ايمانهم لا ترجع الا اليهم لا اليك لان المضرة المرتبة على حساب كل نفس عائدة اليها لا الى غيرها فالمقصود منه دفع طعن الكفار وتثبيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على تريبة الفقراء وادنائهم. وضمير حسابهم. وعليهم للذين يدعون ربهم وكلمة من فى قوله من شئ زائدة وهو فاعل عليك وعليهم لاعتمادها على النفى ومن حسابهم ومن حسابك صفة لشئ ثم قدمت فصارت حالا قال المولى ابو السعود وذكر قوله تعالى { وما من حسابك عليهم من شئ } مع ان الجواب قد تم بما قبله للمبالغة فى بيان انتفاء كون حسابهم عليه عليه السلام بنظمه فى سلك ما لا شبهة فيه اصلا وهو انتفاء كون حسابه عليه السلام عليهم على طريقة قوله تعالى { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } { فتطردهم } جواب النفى نحو ما تأتينا فتحدثنا بنصب فتحدث على ان يكون المعنى انتفاء التحديث لانتفاء سببه الذى هو الاتيان والآية الكريمة من هذا القبيل فانه لو كانت مضرة حسابهم مستقرة على المخاطب لكان ذلك سببا لابعاد من يتوهم الوهن فى ايمانه فحكم بان هذا السبب غير واقع حتى يقع مسببه الذى هو الطرد { فتكون من الظالمين } جواب النهى وهو { ولا تطرد الذين } الآية ٥٣ { وكذلك فتنا } ذلك اشارة الى مصدر ما بعده من الفعل الذى هو عبارة عن تقديمه تعالى لفقراء المؤمنين فى امر الدين بتوفيقهم للايمان مع ما هم عليه فى امر الدنيا من كمال سوء الحال والكاف مقحمة لتأكيد ما افاده اسم الاشارة من الفخامة والمعنى ذلك الفتون الكامل البديع فتنا اى ابتلينا { بعضهم ببعض } اى بعض الناس ببعضهم لافتون غيره حيث قدمنا الآخرين فى امر الدنيا على الاولين المتقدمين عليه فى امر الدنيا تقدما كليا { ليقولوا } اللام للعاقبة اى ليكون عاقبة امرهم ان يقول البعض الاولون مشيرين الى الآخرين محقرين لهم نظرا الى ما بينهما من التفاوت الفاحش الدنيوى وتعاميا عما هو مناط التفضل حقيقة { أهؤلاء من اللّه عليهم من بيننا } بان وفقهم لاصابة الحق ولما يسعدهم عنده تعالى من دوننا ونحن المتقدمون والرؤساء وهم العبيد والفقراء وغرضهم بذلك انكار وقوع المن رأسا على طريقة قولهم لو كان خيرا ما سبقونا اليه لا تحقير الممنون عليهم مع الاعتراف بوقوعه بطريق الاعتراض عليه تعالى قال الكلبى ان الشريف اذا نظر الى الوضيع قد اسلم قبله استنكف وانف ان يسلم وقال قد سبقنى هذا بالاسلام فلا يسلم { أليس اللّه باعلم الشاكرين } رد لقولهم ذلك وابطال له اى أليس اللّه باعلم بالشاكرين لنعمه حتى تستبعدوا انعامه عليهم. وفيه اشارة الى ان اولئك الضعفاء عارفون لحق نعمة اللّه تعالى فى تنزيل القرآن والتوفيق للايمان شاكرون له تعالى على ذلك وتعريض بان القائلين بمعزل من ذلك كله قال فى التأويلات النجمية { وكذلك فتنا بعضهم ببعض } يعنى الفاضل بالمفضول والمفضول بالفاضل فليشكر الفاضل وليصبر المفضول فان لم يشكر الفاضل فقد تعرض لزوال الفضل وان صبر المفضول فقد سعى فى نيل الفضل والمفضول الصابر يستوى مع الفاضل الشاكر كما كان سليمان فى الشكر مع ايوب فى الصبر فان سليمان مع كثرة صورة اعماله فى العبودية كان هو وايوب مع عجوه عن صورة اعمال العبودية متساويين فى مقام نعم العبدية فقال لكل واحد منهما { نعم العبد } ففتنة الفاضل للمفضول حسده على فضله وسخطه عليه فى منع حقه من فضله عنه فانه انقطع بالخلق او رأى المنع والعطاء من الخلق وهو المعطى والمانع لا غير فعلى العاقل ان يخار ما اختاره اللّه ولا يريد الا ما يريده قال الكاشفى فى تفسيره الفارسى [ در كشف الاسرار آورده كه ارادت برسه وجه است. اول ارادت دنياى محض كما قال تعالى { تريدون عرض الدنيا } ونشان آن دو جيزاست در زيادتئ دنيا بنقصان دين راضى بودن واز درويشان ومسلمانان اعراض نمودن. ودوم ارادت آخرة محض كما قال تعالى { ومن اراد الآخرة وسعى لها سعيها } وآنيزدو علامت دارد در سلامتئ دين بنقصان دنيا رضا دادن ودر مؤانست والفت بروى درويشان كشادن. سوم ارادت حق محض كما قال تعالى { يريدون وجهه } ونشان آن باى برسر كونين نهادن ىست واز خود وخلق آزاد كشتن ] مارا خواهى خطى بعالم دركش ... در بحر فنا غرقه شو ودم دركش فهم يريدون وجهه تعالى فكل يريدون منه وهم يريدونه ولا يريدون منه كما قيل وكل له سؤال ودين ومذهب ... ووصلكمو سؤلى ودينى رضا كمو وتكلم الناس فى الارادة فاكثروا وتحقيقها اهتياج يحصل فى القلب يسلب القرار من العبد حتى يصل الى اللّه تعالى فصاحب الارادة لا يهدأ ليلا ولا نهارا ولا يجد من دون وصوله اليه سكوتا ولا قرارا كما فى التأويلات النجمية وفى الآية الكريمة بيان فضل الفقراء وعن ابى سعيد الخدرى قال جلست فى نفر من ضعفاء المهاجرين وكان بعضهم يستتر ببعض من العرى وقارئ يقرأ علينا اذ جاء رسول اللّه صلى اللّه لعيه وسلم فقام علينا فلما قام سكت القارئ فسلم رسول اللّه وقال ( ما كنتم تصنعون ) قلنا يا رسول اللّه كان قارئ يقرأ علينا وكنا نستمع الى كتاب اللّه تعالى فقال رسول اللّه ( الحمد للّه الذى جعل من امتى من امرنى ان اصبر نفسى معهم ) قال ثم جلس وسطنا ليعدل نفسها فينا ثم قال بيده هكذا فتحلقوا وبرزت وجوههم له قال فما رأيت رسول اللّه عرف منهم احدا غيرى فقال ( ابشروا يا معاشر صعاليك المهاجرين بالفوز التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل الاغنياء بنصف يوم ) وذلك مقدار خمسمائة سنة وفى الحديث ( يؤتى بالعبد الفقير يوم القيامة فيعتذر اللّه عز وجل اليه كما يعتذر الرجل الى الرجل فى الدنيا فيقول وعزتى وجلالى ما زويت الدنيا عنك لهوانك علىّ ولكن لما اعددت لك من الكرامة والفضيلة اخرج يا عبدى الى هذه الصفوف وانظر الى من اطعمك او كساك واراد بذلك وجهى فخذ بيده فهو لك والناس يومئذ قد الجمهم العرق فيتخلل الصفوف وينظر من فعل به ذلك فى الدنيا فيأخذه بيده ويدخل الجنة ) قال الحافظ توانكرا دل درويش خود بدست آور ... كه مخزن زر وكنج ودرم نخواهدماند برين رواق زبرجد نوشته اند بزر ... كه جزنكرى اهل كرم نخواهدماند وفى الحديث ( لكل شئ مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء ) الصبرهم جلساء اللّه يوم القيامة : قال الشيخ العطار قدس سره حب دريشان كليد جنت است ... دشمن ايشان سزاى لعنت است اللّهم اجعلنا من الاحباب ولا تطردنا خارج الباب ٥٤ { واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا } روى ان قوما جاؤا الى النبى عليه السلام فقالوا انا اصبنا ذنوبا عظاما فما تدارك الاستغفار وتدبير الاعتذار فسكت عنهم ولم يرد عليهم شيأ فانصرفوا مأيوسين فنزلت قال الامام كل من آمن باللّه دخل هذا التشريف { فقل سلام عليكم } من كل مكروه وآفة والسلام بمعنى التسليم اى الدعاء بالسلامة فمعنى سلام عليكم سلمنا عليكم سلاما اى دعوت بان يسلمكم اللّه من الآفات فى دينكم ونفسكم وانما امره بان يبدأهم بالسلام مع ان العادة ان الجائى يسلم على القاعد حتى ينبسط اليهم بالسلام عليهم لئلا يحتشموا من الانبساط اليه هذا هو اللام فى الدنيا واما فى الآخرة فتسلم عليهم الملائكة عند دخول الجنة كقوله { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } واللّه يبتدئ بالسلام عليهم بقوله { سلام قولا من رب رحيم } وقوله { فقل سلام عليكم } يشير الى السلام الذى سلمه اللّه على حبيبه عليه السلام ليلة المعراج اذا قال له ( السلام عليك ايها النبى ورحمة اللّه وبركاته ) فقال فى قبول السلام ( السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ) والذى تاب من بعد ظلمه منتظم فى سلك اهل الصلاح فمورد الآية لا ينافى هذا المعنى { كتب ربكم على نفسه الرحمة } اى قضاها واوجبها على ذاته المقدسة بطريق التفضل والاحسان قال ابن الشيخ كلمة على تفيد الايجاب واذا اجتمعنا تأكد الايجاب وهو لا ينافى كونه تعالى فاعلا مختارا بل هو عبارة عن تأكيد وبيان لفضله وكرمه اه قال فى التأويلات النجمية قال فى حديث ربانى للجنة ( انما انت رحمتى ارحم بك من اشاء من عبادى ) فيرحم بجنته من شاء من عباده ويرحم بذاته من شاء من عباده { انه من عمل منكم سوأ } بدل من الرحمة والتقدير كتب على نفسه انه من عمل الخ فان مضمون هذه الجملة لا شك انه رحمة والسوء بالفارسية [ كاربد ] { بجهالة } حال من فاعل عمل اى عمله ملتبسا بجهالة حقيقة بان يفعله وهو لا يعلم ما يترتب عليه من المضرة والعقوبة او حكما بان يفعله عالما بسوء عاقبته فان من عمل ما يؤدى الى الضرر فى العاقبة وهو عالم بذلك او ظان فهو فى حكم الجاهل فهو حال مؤكدة لانها مقررة لمضمون قوله { من عمل سوأ } لان عمل السوء لا ينفك عن الجهالة حقيقة او حكما قال اهل الاشارة يشير بقوله { منكم } الى ان عامل السوء صنفان. صنف منكم ايها المؤمنون المهتدون. وصنف من غيركم وهم الكفار الضالون. والجهالة جهالتان جهالة الضلالة وهى نتيجة اخطاء النور المرشش فى عالم الارواح وجهالة الجهولية وهى التى جبل الانسان عليها فمن عمل من الكفار سوأ بجهالة الضلالة فلا توبة له بخلاف من عمل سوأ من المؤمنين بجهالة الجهولية المركوزة فيه فان له توبة كما قال تعالى { ثم تاب } اى رجع عنه { من بعده } اى من بعد عمله { واصلح } اى ما افسده والاصلاح هو ان لا يعود ولا يفسد { فانه } خبر مبتدأ محذوف اى فامره ان اللّه تعالى { غفور } له { رحيم } به قال الكاشفى فى تفسيره الفارسى [ امام قشيرى رحمة اللّه فرموده كه ملك برتوذلت مى نويسد ملك براى تو رحمت مى نويسد بس ترادو كتابت است يكى ازلى ويكى وقى مقررست كه كتابت وقتى كتابت ازلى را باطل نمى تواند ساخت مضمون اين آيت شريف شفاست بيماران بيمارستان كناه را وشفا بشرط برهنرست : يعنى توبه واستغفار ] دردمندان كنه را روزوشب ... شربتى بهتر زاستغفار نيست آرزو مندان وصال ياررا ... جاره غير ازنالها وزارنيست ٥٥ { وكذلك نفصل الآيات } الكاف مقحمة لتأكيد ما افاده اسم الاشارة من الفخامة وذلك اشارة الى مصدر الفعل الذى بعده اى هذا التفصيل البديع نفصل الآيات القرآنية ونبينها فى صفة اهل الطاعة واهل الاجرام المصرين منهم والاوابين ليظهر الحق ويعمل به { ولتستبين سبيل المجرمين } اى تظهر طريقتهم فيجتنب عنها. ورفع سبيل على انه فاعل فانه يذكر فى لغة بنى تميم ويؤنث فى لغة اهل الحجاز ووجه الاستبانة والايضاح ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة فعلى العاقل ان يسلك طريق الفوز والفلاح ويصل الى ما وصل اليه اهل الصلاح. واول الطريق هو التوبة والاستغفار قال العلماء تذكر اولا قبح الذنوب وشدة عقوبة اللّه ثم تذكر ضعفك وقلة حيلتك فى ذلك فمن لا يتحمل قرص نملة وحر شمس كيف يتحمل نار جهنم ولسع حيات فينبغى ان تجتهد فى الخروج من الذنوب على اقسامها التى بينك وبين عباد اللّه بالاستحلال ورد المظالم. واما التى هى من ترك الواجبات من صلاة وصيام وزكاة فتقضى ما امكن منها. واما التى بينك وبين اللّه كشرب الخمر وضرب المزامير واكل الربا فتقدم على ما مضى منها وتوطن قلبك على ترك العود الى مثلها ابدا فاذا ارضيت الخصوم بما امكن وقضيت الفوائت بما تقدر عليه وبرأت قلبك من الذنوب فينبغى ان ترجع اليه بحسن الابتهال والضراعة ليكفيك ذلك بفضله فتذهب فتغتسل وتغسل ثيابك فتصلى ركعتين كما فى الحديث الصحيح ( ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلى ركعتين ثم يستغفر اللّه الا غفر له ) وفى حديث آخر ( ايما عبد او امة ترك صلاته فى جهالته فتاب وندم على تركها فليصل يوم الجمعة بين الظهر والعصر اثنتى عشرة ركعة يقرأ فى كل منها الفاتحة وآية الكرسى والاخلاص والمعوذتين مرة لا يحاسبه اللّه تعالى يوم القيامة ووجد صحيفة سيآته حسنات ) ذكره فى مختصر الاحياء يقول الفقير جامع هذه الفوائد ان هذا الحديث على تقدير صحته لا ينفهم منه ان هذه الصلاة تكون قضاء لجميع ما فات منه وتقوم بدله كيف وقد ذكر فى اوله التوبة والندامة ومن مقتضاها قضاء ما سلف كما مر آنفا فمعنى ان اللّه تعالى لا يحاسبه يوم القيامة لا يقول له لم اخرت الصلاة التى فرضت عليك عن اوقاتها وذلك ببركة هذه الصلاة الشريفة التى هى تأكيد لتوبته وزيادة فى اعتذاره وقد عرف فى الشرع ا ن العبد كما يحاسب على ترك الصلوات كذلك يحاسب على تأخيرها عن اوقاتها وبهذا البيان انحل ما اشكل على بعض من مواظبة الناس على قضاء صلوات يوم وليلة فى آخر جمعة من شهر رمضان بين الظهر والعصر فان ما يصلونه هى الصلاة المذكورة عند الحقيقة لكنهم يغلطون فى زعمهم وفى الكيفية واللّه اعلم وفى كتاب الترغيب والترهيب انه جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم فقال واذنوباه واذنوباه مرتين او ثلاثا فقال له عليه السلام ( قل اللّهم مغفرتك اوسع من ذنوبى ورحمتك ارجى عندى من عملى ) فقالها ثم قال ( عد ) فعاد ثم قال ( عد ) فعاد ثم قال ( قم فقد غفر اللّه لك ) ومن استغفر للمؤمنين كل يوم كتب اللّه له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة وما الميت فى قبره الا كالغريق المنتظر ينتظر دعوة تلحقه من اب او ام او اخ صديق فاذا الحقته كانت احب اليه من الدنيا وما فيها وان اللّه تعالى ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الارض امثال الجبال وان هدية الاحياء الى الاموات الاستغفار لهم ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب فانك مرجع كل تواب واواب ٥٦ { قل انى نهيت } كان كفار قريش يدعونه عليه السلام الى دين آبائه فنزلت اى صرفت وزجرت بما نصب لى من الادلة وانزل علىّ من الآيات فى امر التوحيد { ان اعبد الذين تدعون } اى عن عبادة ما تعبدونه { من دون اللّه } كائنا ما كان { قل لا اتبع اهواءكم } اشارة الى الموجب للنهى كأنهم قالوا لم نهيت عما نحن فيه ولم تمتنع عن متابعتنا اجاب بان ما انتم عليه هوى وليس بهدى فكيف اتبع الهوى واترك الهدى { قد ضللت اذا } اى ان اتبعت اهوآءكم فقد ضللت اى تركت سبيل الحق { وما انا من المهتدين } من الذين سلكوا طريق الهدى عطف على ما قبله ٥٧ { قل انى على بينة } كائنة { من ربى } والبينة الحجة الواضحة التى تفصل بين الحق والباطل يقال انا على بينة من هذا الامر وانا على يقين منه اذا كان ثابتا عندك بحجة واضحة وشاهد صدق والمراد بها القرآن والوحى { وكذبتم به } جملة مستأنفة سيقت للاخبار بذلك والضمير المجرور للتنبيه والتذكير باعبتار البيان والبرهان والمعنى انى على بينة عظيمة كائنة من ربى وكذبتم بها وبما فيها من الاخبار التى من جملتها الوعيد بمجيء العذاب { ما عندى ما تستعجلون به } روى ان رؤساء قريش كانوا يستعجلون العذاب بقولهم { متى هذا الوعد ان كنتم صادقين } بطريق الاستهزاء او بطريق الالزام حتى قام النضر بن الحارث فى الحظيم وقال { اللّهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم } والمعنى ليس ما تستعجلون به من العذاب الموعود فى القرآن وتجعلون تأخره ذريعة لتكذيبى فى حكمى وقدرتى حتى اجيئ به واظهر لكم صدقه اى ليس امره بمفوض الى { ان الحكم } اى ما الحكم فى ذلك وغيره تعجيلا وتأخيرا { الا للّه } وحده من غير ان يكون لى دخل ما فيه بوجه من الوجوه { يقص الحق } اى يقول الحق ويتبعه فى بيان جميع احكامه ولا يحكم الا بما هو حق فتأخير العذاب حق ثابت جار على حكمة بليغة واصل الحكم المنع فكأنه يمنع الباطل عن معارضة الحق او الخصم عن التعدى على صاحبه { وهو خير الفاصلين } اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله مشير الى ان قص الحق ههنا بطريق خاص هو الفصل بين الحق والباطل ٥٨ { قل لو ان عندى } اى فى قدرتى ومكنتى { ما تستعجلون به } من العذاب الذى ورد به الوعيد بان يكون امره مفوصا الى من جهته عز وجل { لقضى الامر بينى وبينكم } اي بان ينزل ذلك عليكم اثر استعجالكم بقولكم متى هذا الوعد ونظائره. وفى بناء الفعل للمفعول من الايذان بتعين الفاعل الذى هو اللّه سبحانه وتهويل الامر ومراعاة حسن الادب ما لا يخفى { واللّه اعلم بالظالمين } اى بحالهم وبانهم مستحقون للامهال بطريق الاستدراج لتشديد العذاب ولذلك لم يفوض الامر الىّ فلم يقض الامر بتعجيل العذاب فعابد الاصنام سواء امهل او لا يذوق العذاب ولا يتخلص منه اصلا وكذا عابد الدنيا والنفس والشيطان والهوى فان ذلك فى نار الجحيم وهذا فى نار الفراق العظيم فعلى العاقل ان لا يتبع الهوى كما امر اللّه تعالى فقال { قل لا اتبع اهواءكم } قال بعضهم جزت مرة ببلاد السواد فرأيت شيخا جالسا فى الهواء فسلمت عليه فرد السلام على فقلت له بم جلست فى الهواء قال خالفت الهوى فاسكنت فى الهواء وجاء جماعة من فقهاء اليمن الى الشيخ الكبير ابى الغيث قدس سره يمتحنونه فى شئ فلما دنوا منه قال مرحبا بعبيد عبدى فاستعظموا ذلك فلحقوا شيخ الطرقين وامام الفريقين العالم العارف ابا الذبيح اسماعيل بن محمد الحضرمى فأخبروه بما قال الشيخ ابو الغيث لهم فضحك الشيخ وقال صدق الشيخ انتم عبيد الهوى والهوى عبده وانما يتخلص المء من الهوى بالتقوى : وفى المثنوى جونكه تقوى بست دودست هوا ... حق كشايد هردودست عقل را بس حواس بيره محكوم توشد ... جون خرد سالار ومخذوم توشد واعلم ان الهوى من اوصاف النفس فالآيات متعلقة باصلاح النفس ومن كل على بينة من ربه وهى فى الحقيقة النور الذى ينشرح به الصدر يكون على الهدى لا على الهوى وله علامات كما لا يخفى حكى ان بعض الصالحين كان يتكلم على الناس ويعظهم فمر عليه فى بعض الايام يهودى وهو يخوفهم ويقرأ قوله تعالى { وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا } فقال اليهودى ان كان هذا الكلام حقا فنحن وانتم سواء فقال له الشيخ لا ما نحن سواء بل نحن نرد ونصدر وانتم تردون ولا تصدرون ننجو نحن منها بالتقوى وتبقون انتم فيها جثيا بالظلم ثم قرأ الآية الثانية { ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } فقال اليهودى نحن المتقون فقال له الشيخ كلا بل نحن وتلا قوله تعالى { ورحمتى وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة } الى قوله تعالى { الذين يتبعون الرسول النبى الامى } فقال اليهودى هات برهانا على صدق هذا فقال له الشيخ البرهان حاضر يراه كل ناظر وهو ان تطرح ثيابى وثيابك فى النار فمن سلمت ثيابه فهو الناجى منها ومن احرقت ثيابه فهو الباقى فيها فنزعا ثيابهما فاخذ الشيخ ثياب اليهودى ولفها ولف عليها ثيابه ورمى الجميع فى النار ثم دخل النار فاخذ الثياب ثم خرج من الجانب الآخر ثم فتحت الثياب فاذا ثياب الشيخ المسلم سالمة بيضاء قد نطفتها النار وازالت عنها الوسخ وثياب اليهودى قد صارت حراقة مع انها مستورة وثياب الشيخ المسلم ظاهرة للنار فلما رأى ذلك اسلم والحمد للّه فهذه الحكاية مناسبة لما ذكر من الآيات اذ كفار قريش كانوا من اهل الظلم والهوى فلم ينفعهم دعواهم فصاروا الى العذاب والمؤمنون كانوا من اهل العدل والبينة والهدى فانتج تقواهم ووصلوا الى جنات مفتحة لهم الابواب ومن سلم لباسه من النار سلم وجوده بالطريق الاولى بل الثوب فى الحقيقة هو الوجود الظاهرى الذى استتر به الروح الباطنى فلا بد من تطهيره المؤدى الى تطهير الباطن يسره اللّه ٥٩ { وعنده } اى اللّه تعالى خاصة { مفاتح الغيب } اى خزائن غيوبه. جمع مفتح بفتح الميم وهو المخزن والكنز والاضافة من قبيل لجين الماء وهو المناسب للمقام كما فى حواشى سعدى جلبى المفتى ويجوز ان يكون جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح اى آلة الفتح فالمعنى ما يتوصل به التخييل ولما كان عنده تلك المفاتح كان المتوصل الى ما فى الخزائن من المغيبات هو لا غير كما فى حواشى ابن الشيخ { لا يعلمها الا هو } تأكيد لمضمون ما قبله قال فى تفسير الجلالين وهى الخمسة التى فى قوله تعالى { ان اللّه عنده علم الساعة } الآية رواه البخارى قال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم ( مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا اللّه لا يعلم ما فى الارحام الا اللّه ولا يعلم ما فى غد الا اللّه ولا يعلم متى يأتى المطر الا اللّه ولا يدرى بأى ارض تموت النفس الا اللّه ولا يعلم متى تقوم الساعة الا اللّه ) { ويعلم ما فى البر والبحر } من الموجودات مفصلة على اختلاف اجناسها وانواعها وتكثير افرادها وهو بيان لتعلق علمه تعالى بالمشاهدات اثر بيان تعلقه بالمغيبات تكملة له وتنبيها عن ان الكل بالنسبة الى علمه المحيط سواء فى الجلاء { وما تسقط من } زائدة { ورقة الا يعلمها } يريد ساقطة وثابتة يعنى يعلم عدد ما يسقط من ورق الشجر وما يبقى عليه وهى مبالغة فى احاطة علمه بالجزئيات { ولا حبة } عطف على ورقة وهى بالفارسية [ دانه ] { فى ظلمات الارض } اى كائنة فى بطونها قال الكاشفى [ مراد تخميست كه در زمين افتد ] { ولا رطب } عطف على ورقة ايضا وهو بالفارسية [ ثر ] { ولا يابس } بالفارسية [ خشك ] اى ما يسقط من شئ من هذه الاشياء الا يعلمه قال الحدادى الرطب واليابس عبارة عن جميع الاشياء التى تكون فى السموات وفى الارض لانها لا تخلو من احدى هاتين الصفتين انتهى فيختصان بالجسمانيات اذا الرطوبة واليوبسة من اوصاف الجسمانيات { الا فى كتاب مبين } هو اللوح المحفوظ فهو بدل اشتمال من الاسثناء الاول او هو علمه تعالى فهو بدل منه بدل الكل. وقرئ ولا رطب ولا يابس بالرفع على الابتداء والخبر الا فى كتاب وهو الانسب بالمقام لشمول الرطب واليابس حينئذ لما ليس من شأنه السقوط قال الحدادى فان قيل ما الفائدة فى كون ذلك فى اللوح مع ان اللّه تعالى لا يخفى عليه شئ وان كان عالما بذلك قبل ان يخلقه وقبل ان يكتبه لم يكتبها ليحفظها ويدرسها قيل فائدته ان الحوادث اذا حدثت موافقة للمكتوب ازدادت الملائكة بذلك علما ويقينا بعظيم صفات اللّه تعالى يقول الفقير ان الملائكة ليست من اهل الترقى والتنزل فقصر الفائدة على ذلك مما لا معنى له بل نقول ان اللوح قلب هذا التعين كقلب الانسان قد انتقش فيه ما كان وما سيكون وهو من مراتب التنزلات فقد ضبط اللّه فيه جميع المقدورات الكونية لفوائد ترجع الى العباد يعرفها العلماء باللّه : قال الحافظ معرفت نيست درين قوم خدايا سببى ... تابرم كوهر خودرا بخريدار ديكر والاشارة فى الآية ان اللّه تعالى جعل لكل شئ من المكونات شهادة تناسب ذلك الشئ وغيبا مناسبا له وجعل لغيب كل مفتاحا يفتح به باب غيب ذلك الشئ وشهادته فينفعل ذلك الشئ كما اراده اللّه فى الازل وقدره { وعنده مفاتح } ذلك { الغيب لا يعلمها الا هو } لانه لا خالق الا هو ليس لنب ولا لولى مدخل فى علم هذه المفاتح ولا فى استعمالها لانه مختص بالخالق فقط وسأضرب لك مثلا تدرك به هذه الحقيقة وذلك مثل نقاش للصورة فان لكل صورة مما ينقشه شهادة هى هيئتها وغيبا هو علم التصوير ومفتاحا يفتح به باب علم التصوير على هيئة الصورة لتنفعل الصورة كما هى ثابتة فى ذهن النقاش هو القلم والقلم بيد النقاش لا مدخل لتصرف غيره فيه فاللّه تعالى هو النقاش المصور والصور هى المكونات المختلفة الغيبية والشهادية وشهادة كل صورة منها خلقتها وتكوينها وقلم تصويرها الذى هو مفتاح يفتح به باب علم تكوينها على صورتها وكونها هو الملكوت فبقلم ملكوت كل شئ يكون كون كل شئ وقلم الملكوت بيد اللّه تعالى كما قال { فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون } وكما ان الاشياء مختلفة فالملكوتيات مختلفات وملكوت كل شئ من الجماد والنبات والحيوان والانسان والملك مناسب لصورته ولهذا جمع المفاتح ووحد الغيب وقال { وعنده مفاتح الغيب } لان الغيب هو علم التكوين وهو واحد فى جميع الاشياء وفى الملكوت كثرة كما فى اقلام المصور فافهم جدا { و } بعلم التكوين { يعلم ما فى البر والبحر } لان به كوّن البر وهو عالم الشهادة والصورة والبحر وهو عالم الغيب والملكوت يدل على هذا المعنى قوله لا عالم الغيب والشهادة { و } بهذا العلم { ما تسقط من ورقة الا يعلمها } لانه مكونها ومثبتها ومسقطها { ولا حبة فى ظلمات الارض } اى حبة الروح فى ظلمات صفات ارض النفس وايضا ولا حبة فى ظلمات الارض اى ارض القلب وظلمات صفات البشرية الا وهو ركبها ويعلم كمالها ونقصانها { ولا رطب ولا يابس } الرطب هو الموجود فى الحال واليابس هو المعدوم فى الحال وسيكون موجودا. وايضا الرطب الروحانيات واليابس الجماديات وايضا الرطب المؤمن واليابس الكافر. وايضا الرطب العالم واليابس الجاهل. وايضا الرطب العارف واليابس الزاهد. وايضا الرطب اهل المحبة واليابس اهل السلوة. وايضا الرطب صاحب الشهود واليابس صاحب الوجود. وايضا الرطب الباقى باللّه واليابس الباقى بنفسه { الا فى كتاب مبين } وهو ام الكتاب كذا فى التأويلات النجمية قدس سره مؤلفها العزيز الشريف ٦٠ { وهو الذى يتوفاكم بالليل } الخطاب عام للمؤمن والكافر اى ينيمكم فى الليل ويجعلكم كالميت فى زوال الاحساس والتمييز ومن هنا ورد ( النوم اخ الموت ) والتوفى فى الاصل قبض الشئ بتمامه وعن على رضى اللّه عنه يخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه فى الجسد فبذلك يرى الرؤيا فاذا انتبه من النوم عادت الروح الى الجسد باسرع من لحظة يعنى ان الذى يرى الرؤيا هو الروح الانسانى وانه يرى فى عالم البرزخ ما صدر عن الروح الحيوانى من القبيح والحسن وهو ظل الروح الانسانى والتعبير بالحيوانى والانسانى اصطلاح الحكماء واما اهل السلوك فيعبرون عنها بالروح وتنزله { ويعلم ما جرحتم بالنهار } اى ما كسبتم فيه وجوارح الانسان اعضاؤه التى يكسب بها الاعمال خص الليل بالنوم والنهار بالكسب جريا على العادة { ثم يبعثكم فيه } اى يوقظكم فى النهار عطف على يتوفاكم وتوسيط قوله ويعلم بينهما لبيان ما فى بعثهم من عظيم الاحسان اليهم بالتنبية على انه بعد علم ما يكتسبونه من السيآت مع كونها موجبة لابقائهم على التوفى بل لاهلاكهم فى جنس الليل ثم يبعثكم فى جنس النهار مع علمه بما ستجرحون فيه { ليقضى اجل مسمى } اى ليبلغ المتيقظ آخر اجله المسمى له فى الدنيا وقضاء الاجل فصل الامر على سبيل التمام فمعنى قضاء الاجل فصل مدة العمر من غيرها بالموت والاجل آخر مدة الحياة { ثم اليه مرجعكم } اى رجوعكم بالموت لا الى غيره اصلا { ثم ينبئكم بما كنتم تعملون } بالمجازاة باعمالكم التى كنتم تعملونها فى تلك الليالى والايام ٦١ { وهو القاهر } مستعليا { فوق عباده } اى المتصرف فى امورهم لا غيره يفعل بهم ما يشاء ايجادا واعداما واحياء واماتة وتعذيبا واثابة الى غير ذلك ويجوز ان يكون فوق خبرا بعد خبر وليس معنى فوق معنى المكان لاستحالة اضافة الاماكن الى اللّه تعالى وانما معناه الغلبة والقدرة ونظيره فلان فوق فلان فى العلم اى اعلم منه : وفى المثنوى درست شدبالاى دست اين تاكجا ... تابيزدان كه اليه المنتهى كان بكى درياست بى غوردو كران ... جمله درياها جوسيلى بيش آن حيلها وجارها كر ازدهاست ... بيش الا اللّه آنها جمله لاست { ويرسل عليكم حفظة } عطف على الجملة الاسمية قبلها اى يرسل عليكم خاصة ايها المكلفون ملائكة تحفظ اعمالكم وهم الكرام الكاتبون والحكمة فيه ان المكلف اذا علم ان اعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الاشهاد كان ازجر عن المعاصى وان العبد اذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطلعين عليه : قال الكاشفى له اندريشى ازان روزيكه دروى ... حكرها خون ودلها ريش بينى دهندت نامة اعمال وكويند ... بخوان تاكردهاى خويش بينى مكن ورميكنى بارى دران كوش ... كه اندر نامه نيكى بيش بينى ورد فى الخبر ان على كل واحد منا ملكين بالليل وملكين بالنهار يكتب احدهما الحسنات والآخر السيآت وصاحب اليمين امير على صاحب الشمال فاذا عمل العبد حسنة كتبت له بعشر امثالها واذا عمل سيئة فاراد صاحب الشمال ان يكتب قال له صاحب اليمين امسك فيمسك عنه ست ساعات او سبع ساعات فان هو استغفر اللّه لم يكتب عليه وان لم يستغفر كتب سيئة واحدة فان قلت هل تعرف هؤلاء الملائكة العزم الباطن كما يعرفون الفعل الظاهر قلت نعم لان الحفظة تنتسخ من السفرة وهى من الخزنة التى وكلت باللوح وقد كتب فيه احوال العوالم واهاليها من السرائر والظواهر فبعد وقوفهم على ذلك يكتبون ثانيا من اول اليوم الى آخره ومن اول الليل الى آخره حسبما يصدر عن الانسان وقيل اذا همّ العبد بحسنة فاح من فيه رائحة المسك فيعلمون بهذه العلامة فيكتبونها واذا هم بسيئة فاح منه ريح النتن فان قلت والملائكة التى ترفع عمل العبد فى اليوم أهم الذين يأتون عدا ام غيرهم قلت قال بعض العلماء الظاهر انهم هم وان ملكى الانسان لا يتغيران عليه ما دام حيا وقال بعض المشايخ من جاء منهم لا يرجع ابدا مرة اخرى ويجيئ آخرون مكانهم الى نفاد العمر واختلف فى موضع جلوس الملكين وفى الخبر النبوى ( نقوا افواهكم بالخلال فانها مجلس الملكين الكريمين الحافظين وان مدادهما الريق وقلمهما اللسان وليس عليهما شئ امر من بقايا الطعام بين الاسنان ) ولا يبعد ان يوكل بالعبد ملائكة سوى هذين الملكين كل منهم يحفظه من اذى كما جاء فى الروايات { حتى اذا جاء احدكم الموت } حتى هى التى يبتدأ بها الكلام وهى مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها كأنه قيل ويرسل عليكم حفظة يحفظون اعمالكم مدة حياتكم حتى اذا انتهت مدة احدكم كائنا من كان وجاءه اسباب الموت ومباديه { توفته رسلنا } الآخرون المفوض اليهم ذلك وهم ملك الموت واعوانه وانتهى هناك حفظ الحفظة { وهم } اى الرسل { لا يفرطون } اى لا يقصرون فيما يؤمرون بالتوانى والتأخير طرفة عين واعلم ان القابض لا رواح جميع الخلق هو اللّه تعالى حقيقة وان ملك الموت واعوانه وسائط ولذلك اضيف التوفى اليهم وقد يكون التوفى بدون وساطتهم كما نقل فى وفاة فاطمة الزهراء رضى اللّه عنها وغيرها واعوان ملك الموت اربعة عشر ملكا سبعة منها ملائكة الرحمة واليهم يسلم روح المؤمن بعد القبض وسبعة منهم ملائكة العذاب واليهم يسلم روح الكافر بعد الوفاة قال مجاهد قد جعلت الارض لملك الموت كالطشت يتناول من حيث يشاء يقول الفقير ليس على ملك الموت صعوبة فى قبض الارواح وان كثرت وكانت فى امكنة مختلفة وكيفية لا تعرف بهذا العقل الجزئى كما لا تعرف كيفية وسوسة الشيطان فى قلوب جميع اهل الدنيا روى فى الحبر ان رسول اللّه دخل على مريض يعوده فرأى ملك الموت عند رأسه فقال ( يا ملك الموت ارفق به فإنه مؤمن ) فقال ملك الموت يا محمد ابشر وطب نفسا وقر عينا فانى بكل مؤمن رفيق انى لاقبض روح المؤمن فيصرخ اهله فاعتزل فى جانب الدار فاقلو ما لى من ذنب وانى مأمور وان لى لعودة فالحذر وما من اهل بيت مدر ولا وبر فى بر وبحر الا وانا اتصفحهم فى كل يوم خمس مرات حتى انى لا علم بصغيرهم وكبيرهم منهم بانفسهم واللّه لو ادرت ان اقبض روح بعوضة لما قدرت عليها حتى يأمرنى اللّه تعالى بقبضها قال العلماء الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف وانما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما وتبذل حال وانتقال من دار الى دار ولما خلق اللّه الموت على صورة كبش املح قال له اذهب الى صفوف الملائكة على هيئتك هذه فلم يبق ملك الاغشى عليه الفى عام ثم افاقوا فقالوا يا ربنا ما هذا قال الموت قالوا لمن ذلك قال على كل نفس قالوا لم خلقت الدنيا قال ليسكنها بنوا آدم قالوا لم خلقت النساء قال ليكون النسل قالوا من يسلط عليه هذا هل يشتغل بالنساء والدنيا قال ان طول الامل ينسيهم الموت حتى يكون منهم اخذ الدنيا وشهوة النساء ولذلك قيل الموت من اعظم المصائب واعظم منه الغفلة عنه ٦٢ { ثم ردوا } عطف على توفته والضمير للكل المدلول عليه باحدكم اى ردوهم الملائكة بعد البعث { الى اللّه } اى الى حكمه وجزائه فى موقف الحساب فالرد الى اللّه ليس على ظاهره لكونه تعالى متعاليا عن المكان والجهة بل هو عبارة عن جعلهم منقادين لحكم اللّه تعالى مطيعين لقضائه بان يساقوا الى حيث لا مالك ولا حاكم فيه سواه { موليهم } اى مالكهم الذى يملك امورهم على الاطلاق واما قوله تعالى { وان الكافرين لا مولى لهم } فالمولى فيه بمعنى الناصر فلا تناقض وهو بدل من الجلالة { الحق } الذى لا يقضى الا بالعدل وهو صفة للمولى { الا } اى اعلموا وتنبهوا { له الحكم } اى القضاء بين العباد يومئذ لا حكم لغيره فيه بوجه من الوجوه { وهو اسرع الحاسبين } يحاسب جميع الخلائق فى اسرع زمان واقصره لا يشغله حساب عن حساب ولا شأن عن شأن لا يتكلم بآلة ولا يحتاج الى فكرة وروية وعقديد ومعنى المحاسبة تعريف كل واحد ما يستحقه من ثواب وعقاب قال بعض العلماء المحاسبة لتقدير الاعمال والوزن لاظهار مقاديرها فيقدم الحساب على الميزان ولهذا لا ميزان لمن يدخل الجنة بلا حساب واعلم ان الحشر والحساب لا يكون على وجه الارض وانما يكون فى الارض المبدلة وهى ارض بيضاء كالفضة لم يسفك فيهادم ولم يظلم عليها احد فاذا ثبت الحشر والحساب وان اللّه تعالى هو المحاسب وجب على العاقل ان يحاسب نفسه قبل ان يناقش فى الحساب لانه هو التاجر فى طريق الآخرة وبضاعته عمره وربحه صرف عمره فى الطاعات والعبادات وخسرانه صرفه فى المعاصى والسيآت ونفسه شريكه فى هذه التجارة وهى وان كانت تصلح للخير والشر لكنها اميل واقبل الى المعاصى والشهوات فلا بد له من مراقبتها ومحاسبتها : قال السعدى قدس سره توغافل درانديشه سود ومال ... كه سرماية عمر شد بايمال ٦٣ { قل } يا محمد لاهل مكة { من } استفهام { ينجيكم } اى يخلصكم ويعطى لكم نجاة { من ظلمات البر والبحر } من شدائدهما واهوالهما فى اسفاركم استعيرت الظلمة للمشقة لمشاركتهما فى الهول وابطال الابصار فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب اى اشتدت ظلمته حتى صار كالليل فى ظلمته بناء على ان الليل اذا لم يستنر بنور القمر ظهرت الكواكب صغارها وكبارها وكلما اشتدت ظلمته اشتد ظهور الكواكب { تدعونه تضرعا وخفية } اى معلنين ومسرين على ان يكون تضرعا وخفية مصدرين فى موضع الحال من فاعل تدعونه وتدعون حال من فاعل ينجيكم اى داعين اياه تعالى والتضرع اظهار الضراعة وهى شدة الفقر والحاجة الى الشئ { لئن انجينا } حال من فاعل تدعون ايضا على ارادة القول اى تدعونه قائلين واللّه لئن خلصنا { من هذه } الظلمات والشدائد { لنكونن من الشاكرين } اى الراسخين فى الشكر المداومين عليه لاجل هذه النعمة. والشكر الاعتراف بالنعمة مع القيام بحقها وحق نعمة اللّه ان يطاع منعها ولا يعصى فضلا عن اين يشرك به ما لا يقدر على شئ اصلا ٦٤ { قل } لهم { اللّه ينجيكم منها ومن كل كرب } اى غم سواها والكرب غاية الغم الذى يأخذ بالنفس { ثم انتم } بعد ما تشاهدون من هذه النعم الجليلة { تشركون } بعبادته تعالى غيره. والمناسب لقولهم { لنكونن من الشاكرين } ان يقال ثم انتم لا تشكرون اى لا تعبدون لكن وضع تشركون موضعه تنبيها على ان الاشراك بمنزلة ترك الشكر رأسا ٦٥ { قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا } لاجل اشراككم { من فوقكم } اى عذابا كائنا من جهة الفوق كما فعل بقوم نوح عليه السلام بحيث اهلكهم بان ارسل عليهم الطوفان والصاعقة والريح والصيحة واهلك قوم لوط واصحاب الفيل بان امطر عليهم حجارة { او من تحت ارجلكم } اى من جهة السفل كما اغرق فرعون وخسف بقارون. وقيل من فوقكم ملوككم واكابركم ورؤسائكم ومن تحت ارجلكم عبيدكم السوء وسفلتكم وسفهائكم وكلمة او لمنع الخلو دون الجمع فلا منع لما كان من الجهتين معا كما فعل بقوم نوح { او يلبسكم } من لبست عليه الامر اى خلطته من باب ضرب واما لبست الثوب فمن باب علم ومصدر الاول اللبس بالفتح والثانى بالضم والمعنى او يخلطكم { شيعا } منصوب على انه حال من مفعول يلبسكم وهو جمع شيعة كسدة وسدر. والشعية كل قوم اجتمعوا عى امر اى يخلطكم حال كونكم فرقا متجزئين على اهواء شتى ومذاهب مختلفة كل فرقة مشايعة لامام فينشب بينكم القتال اى يهيج ويظهر فهذا الخلط هو خلط اضراب لا خلط اتفاق { ويذيق بعضكم بأس بعض } يقاتل بعضكم بعضا ومن سنة اللّه تعالى ان يذيق الكافرين بأس المؤمنين وبالعكس وان يذيق بعض الكافرين بأس بعض وبعض المؤمنين بأس بعضهم كما هو فى اكثر الازمان والاعصار على حسب التربية المبنية على جماله وجلاله تعالى وفى الحديث ( سألت ربى ثلاثا فاعطانى اثنتين ومنعنى واحدة سألت ربى ان لا يهلك امتى بالسنة فاعطانيها فسألته ان لا يهلك امتى بالغرق فاعطانيها وسألته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ) اراد بالسنة قحطا يعم امته وبالغرق بفتح الراء ما يكون على سبيل العموم كطوفان نوح عليه السلام قال حضرة الشيخ الشهير فافتاده افندى البروسوى تأثير طوفان نوح عليه السلام يظهر فى كل ثلاثين سنة مرة واحدة لكن على الخفة فيقع مطر كثير ويغرق بعض القرى والبيوت من السيل اه كلامه واراد عليه السلام بالبأس الحرب والفتن وفى الحديث ( فناء امتى بالطعن والطاعون ) وفى آخر ( اذا وضع السيف فى امتى لم يرفع منها الى يوم القيامة ) وفيه معجزة للنبى عليه السلام حيث كان الامر كما اخبره. والبأس الشدة فى الحرب وسبب دخول البأس عدم حكم الاثمة بكتاب اللّه تعالى وسبب تسلط العدو نقض عهد اللّه وعهد رسوله كما جاء فى بعض الاحاديث { انظر } يا محمد { كيف نصرف } لهم { الآيات } القرآنية من حال الى حال بالوعد والوعدي اى نبين لهم آية على اثر آية ونوردها على وجوه مختلفة من اول السورة الى هنا { لعلهم يفقهون } كى يفقهوا ويقفوا على جلية ا لامر فيرجعوا عما هم عليه من المكابرة والعناد ٦٦ { وكذب به } اى بالعذاب الموعود او القرآن المجيد الناطق بمجيئه { قومك } اى المعاندون منهم { وهو الحق } اى والحال ان ذلك العذاب واقع لا محالة او انه الكتاب الصادق فى كل ما نطق { قل } لهم { لست عليكم بوكيل } بحفيظ وكل الى امركم لا منعكم من التكذيب واجبركم على التصديق انما انا منذر وقد حرجت من العهدة حيث اخبرتكم بما سترونه ٦٧ { لكل نبأ } اى خبر من اخبار القرآن { مستقر } اسم زمان اى وقت يقع فيه ويستقر زمن عذابكم { وسوف تعلمون } عند وقوعه فى الدنيا او فى الآخرة او فهيما معا فعلى العاقل ان يتضرع الى اللّه تعالى فى دفع الشدائد ولا يصر على ذنبه فانه سبب للابتلاء وكل ظلمة انما تجيء من ظلمات النفس الامارة : كما قال فى المثنوى هر جه برتو آيد از ظلمات غم ... آن زبى شرمى وكستاخيست هم قال الصائب : جرازغير شكايت كنم كه همجو حباب ... هميشه خانه خراب هواى خويشتم والاشارة ان البر هو الاجسام والبحر هو الارواح فالارواح وان كانت نورانية بالنسبة الى الاجسام لكن بالنسبة الى الحق ونور الوهيته ظلمانية كما قال عليه السلام ( ان اللّه خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره ) فمعناه اذا خلقتكم فى ظلمة الخلقية فمن ينجيكم من ظلمات بر البشرية وظلمات بحر الروحانية اذ تدعونه تضرعا اى بالجسم وخفية اى بالروح { لئن انجانا من هذه لنوكنن من الشاكرين قل اللّه ينجيكم منها ومن كل كرب ثم انتم تشركون } حين تجلى لكم نور من انوار صفاته فبعضكم يشرك ويقول انا الحق وبعضكم يقول سبحانى ما اعظم شأنى { قل هو القادر على ان يبعث عليكم } حين تقولون انا الحق وسبحانى { عذابا من فوقكم } بان يرخى حجابا بينه وبينكم يعذبكم به عزة وغيرة { او من تحت ارجلكم } اى حجابا من اوصاف بشريتكم باستيلاء الهوى عليكم { او يلبسكم شيعا } يجعل الخلق فيكم فرقا فرقة. يقولون هم الصديقون وفرقة يقولون هم الزنادقة { ويذيق بعضكم بأس بعض } بالقتل والصلب وقطع الاعراق كما فعل بابن منصور قالوا وكان قد جرى من الحلاج قدس سره كلام فى مجلس جامد بن عباس وزير المقتدر بحضرة القاضى ابى عمر فافتى بحل دمه وكتب خطة بذلك وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء وقال له الحلاج ظهرى حمى ودمى حرام وما يحل لكم ان تتأولوا علىّ بما يبيحه وانما اعتقادى الاسلام ومذهبى السنة وتفضيل الائمة الاربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة رضى اللّه عنهم ولى كتب فى السنة موجودة فى الوراقين فاللّه اللّه فى دمى ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم الى ان استكملوا ما احتاجوا اليه وانفضوا من المجلس وحمل الحلاج الى السجن وكتب الوزير الى المقتدر يخبره بما جرى فى المجلس فعاد جواب المقتدر بان القضاة اذا كانوا قد افتوا بقتله فليسلم الى صاحب الشرطة وليتقدم بضربه الف سوط فان مات والا فيضرب الف سوط آخر ثم ليضرب عنقه فسلمه الوزير الى الشرطى وقال له ما رسم به المقتدر وقال ايضا ان لم يتلف بالضرب يقطع يده ثم رجله ثم يحز رأسه وتحرق جثته وان خدعك وقال لك انا اجرى لك الفرات ودجلة ذهبا وفضة فلا تقبل منه ذلك ولا ترفع العقوبة عنه فتسلمه الشرطى ليلا واصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذى الحجة من سنة تسع وثلاثمائة فاخرجه الى باب الطاق وهو يتبختر فى قيوده واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم وضربه الجلاد الف سوط ولم يتأوه ولما فرغ من ضربه قطع اطرافه الاربعة ثم حز رأسه ثم احرقت جثته ولما صار رمادا القاه فى دجلة ونصب الرأس ببغداد على الجسر وادعى بعض اصحابه انه لم يقتل ولكن القى شبهه على عدو من اعداء اللّه تعالى كما وقع فى حق عيسى عليه السلام والاولياء ورثة للانبياء يقول الفقير لهذا التشبيه والتخييل نظائر فى حكايات المشايخ يجدها من تتبع ومرادى بيان جوازه لا اعتقاد انه كان كذلك فان قلت من حق ولاية الحلاج ان لا يحترق ولا يكون رمادا قلت ذلك غير لازم فان الاجساد مشتركة فى قبول العوارض والآفات ألا ترى الى حال ايوب ويحيى وغيرهما من الانبياء عليهم السلام وقد ذكر اهل التفسير فى اصحاب الرس انهم قتلوا الانبياء المبعوثين اليهم واكلوا لحومهم تمردا وعنادا ورسوا بئرهم بعظامهم نعم قد يكون فى هذه النشأة امور خارجة عن العادة خارقة كاحوال بعض الانبياء والاولياء الذين قتلوا مثلا ثم احياهم اللّه تعالى واما فى القبر فقد ثبت ان الارض لا تأكل اجساد الانبياء ومن يليهم ٦٨ { واذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا } اذا منصوب بجوابه وهو فاعرض والمراد بالخطاب النبى عليه السلام وامته. والخوض فى اللغة الشروع فى الشئ مطلقا الا انه غلب فى الشروع فى الشئ الباطل والآيات القرآن. والمعنى اذا رأيت الذين يشرعون فى القرآن بالتكذيب والاستهزاء به والطعن فيه كما هو دأب كفار قريش { فاعرض عنهم } بترك مجالستهم والقيام عنهم عند خوضهم فى الآيات { حتى يخوضوا فى حديث غيره } اى استمر على الاعراض الى ان يشرعوا فى حديث غير آياتنا فالضمير الى الآيات والتذكير باعتبار كونها حديثا او قرآنا { واما } اصله ان ما فادغمت نون ان الشرطية فى ما المزيدة { ينسينك الشيطان } اى ما امرت به من ترك مجالستهم { فلا تقعد بعد الذكرى } اى بعد ان تذكره فهو مصدر بمعنى الذكر ولم يجئ مصدر على فعلى غير ذكرى { مع القوم الظالمين } الذين وضعوا التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والتعظيم وهذا الانساء محض والنسيان على الانبياء عليهم السلام والمراد بالشيطان ابليس او واحد من اكابر جنوده لان الذى هو قرينه عليه السلام اسلم فلا يأمره الا بخير بخلاف قرين كل واحد من الامة وفى الحديث ( فضلت على آدم بخصلتين كان شيطانى كافرا فاعاننى اللّه عليه فاسلم وكان ازواجى عونا لى وكان شيطان آدم وزوجته عونا على خطيئته ) ولما قال المسلمون لئن كنا نقوم كلما استهزؤا بالقرآن لم نستطع ان نجلس فى المسجد الحرام ونطوف بالبيت لانهم يخوضون ابدا رخص اللّه تعالى فى مجالستهم على سبيل الوعظ والتذكير فقال ٦٩ { وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ } الضمير فى حسابهم للخائضين ومن زائدة وشئ فى محل الرفع على انه مبتدأ للخبر المقدم وهو على الذين اى وما على المؤمنين الذين يجتنبون عن قبائح اعمال الخائضين واقوالهم شئ مما يحاسبون عليه من الجرائم والآثام { ولكن ذكرى } اى ولكن عليهم ان يذكروهم ذكرى ويمنعوهم عن الخوض وغيره من القبائح بما امكن من العظة والتذكير ويظهروا لهم الكراهة والتنكيرفنصب ذكرى على المصدرية والواو للعطف. ولكن خالص للاستدراك فلا يلزم الجمع بين حرفى العطف كما ان اللام مع سوف تخرج عن كونها للحال وتخلص للتأكيد { لعلهم يتقون } اى يجتنبون الخوض حياء وكراهة لمساءتهم ٧٠ { وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا } المراد بالموصول الكفار الخائضون فى الآيات ودينهم هو الذى كلفوه وامروا باقامة مواجبه وهو دين الاسلام ومعنى اتخاذه لعبا ولهوا انهم سخروا به واستهزؤا. واللعب عمل يشغل النفس وينفرها عما تنتفع به. واللّهو صرفها عن الجد الى الهزل { وغرتهم الحياة الدنيا } واطمأنوا بها حتى زعموا ان لا حياة بعدها ابدا والمعنى اعرض عنهم واترك معاشرتهم وملاطفتهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تشغل قلبك بهم وليس المراد ان يترك انذارهم لانه تعالى قال { وذكر به } اى بالقرآن من يصلح للتذكر { ان تبسل نفس } اى لئلا تسلم الى الهلاك وترهن { بما كسبت } بسبب ما عملت من القبائح. واصل البسل والابسال المنع ولذا صح استعمال الابسال فى معنى الاسلام الى الهلاك لان الاسلام الى الهلاك يستلزم المنع فانه اذا اسلم احد الى الهلاك كان المسلم اليه وهو الهلاك يمنع المسلم وهو الشخص من الخروج عنه والخلاص منه وفى التفسير الفارسى للكاشفى [ تا تسليم كرده نشود بهلاك يا رسوا نكرده نفس هر كافرى بسبب انجه كرده است از بديها ] { ليس لها من دون اللّه ولى ولا شفيع } استئناف مسوق للاخبار بذلك والاظهر انه حال من نفس كأنه فى قوة نفس كافرة او نفوس كثيرة كما فى قوله تعالى { علمت نفس ما احضرت } ومن دون اللّه حال ومن ولى اى ليس لتلك النفس غيره تعالى من يدفع عنها العذاب { وان تعدل كل عدل } اى تفد تلك النفس كل فداء بان جاءت مكانها بكل ما كان فى الارض جميعا { لا يؤخذ منها } اى لا يقبل فقوله كل عدل نصب على المصدر فالعدل ههنا ليس بمعنى ما يفتدى به كما فى قوله تعالى { لا يؤخذ منها عدل } بل المراد المعنى المصدرى فان قلت الاخذ يتعلق بالاعيان لا بالمعنى قلت نعم الا ان الامام قال الاخذ قد يستعمل بمعنى القبول كما فى قوله تعالى { ويأخذ الصدقات } اى يقبلها واذا حمل الاخذ فى هذه الآية على القبول جاز اسناده الى المصدر بلا محذور والمقصود من هذه الآية بيان ان وجوه الخلاص منسدة على تلك النفس ومن ايقن بهذا كيف لا ترتعد فرائسه اذا اقدم على المعصية { اولئك } المتخذون دنيهم لعبا ولهوا المغترون بالحياة الدنيا { الذين ابسلوا } اى اسلموا الى العذاب { بما كسبوا } بسبب اعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة وفى التفسير الفارسى [ آن كروه آن كسانندكه سبرده شده اند بملائكة عذاب بسبب آنجه كرده اند ازقبائح افعال ] قال ابو السعود اولئك الذين اسلموا الى ما كسبوا من القبائح انتهى وهو جعل معنى الباء كما فى قوله مررت بزيد { لهم شراب } كأنه قيل ماذا لهم حين ابسلوا بما كسبوا فقيل لهم شراب { من حميم } اى من ماء مغلى يتجرجر فى بطونهم وتتقطع به امعاؤهم { وعذاب اليم } بنار تشتعل بابدانهم { بما كانوا يكفرون } اى بسبب كفرهم المستمر فى الدنيا واعلم ان التكذيب بآيات اللّه تعالى والاستهزاء بها هو الكفر وعاقبة الكفر هو العذاب الاليم وكذا الاصرار على المعاصى يجر كثيرا من عصاة المؤمنين الى الموت على الكفر والعياذ باللّه وعن ابى اسحق الفزارى قال كان رجل يكثر الجلوس الينا ونصف وجهه مغطى فقلت له انك تكثر الجلوس الينا ونصف وجهك مغطى اطلعنى على هذا فقال وتعطينى الامان قلت نعم قال كنت نباشا فدفنت امرأة فاتيت قبرها فنبشت حتى وصلت الى اللبن ثم ضربت بيدى الى الرداء ثم ضربت بيدى الى اللفافة فمددتها فجعلت تمدها هى فقلت اتراها تغلبنى فجيبت على ركبتى فجررت اللفافة فرفعت يدها فلطمتنى وكشف وجهه فاذا اثر خمس اصابع فقلت له ثم مه قال ثم رددت عليها لفافتها وازارها ثم رددت التراب وجعلت على نفسى ان لا انبش ما عشت قال فكتبت بذلك الى الاوزاعى فكتب الى الوزاعى ويحك سله عمن مات من اهل السنة ووجهه الى القبلة فسألته عن ذلك فقال اكثرهم حول وجهه عن القبلة فكتبت بذلك الى الوزاعى فكتب الىّ انا للّه وانا اليه راجعون ثلاث مرات اما من حول وجهه عن القبلة فانه مات على غير السنة واراد بالسنة ملة الاسلام تسأل اللّه تعالى العفو والمغفرة والرضوان : قال الحافظ قدس سره : يارب ازابر هدايت برسان بارانى ... بيشتر زانكه جو كردى زميان برخيزم وفى الايات اشارة الى انه لا يصلح للطالب الصادق المجالسة مع الذين يخوضون فى احوال الرجال ولا حظ لهم منها سوى التزيى بزيهم واللبس لخرقتهم لان الطبع من الطبع يسرق نفس از هم نفس بكيرد خوى ... بر حذر باش از لقاى خبيث باد جون بر فضاى بد كذر ... بوى بد كيرد از هواى خبيث فلا بد من الصحبة مع الاخيار والاتعاظ بكلمات الكبار وعن عبداللّه بن الاحنف قال خرجت من مصر اريد الرملة لزيارة الرود بادى قدس سره فرآنى عيسى بن يونس المصرى فقال لى هل ادلك قلت نعم قال عليك بصور فان فيها شيخا وشابا قد اجتمعا على حال المراقبة فلو نظرت اليهما نظرة لاغنتك باقى عمرك قال فدخلت عليهما وانا جائع عطشان وليس على ما يسترنى من الشمس فوجدتهما مستقبلين القبلة فسلمت عليهما وكلمتهما فلم يكلمانى فقلت اقسمت عليكما باللّه ألاما كلمتمانى فرفع الشيخ رأسه وقال يا ابن الاحنف ما اقل شغلك حتى تفرغت الينا ثم اطرق فاقمت بين يديهما حتى صلينا الظهر والعصر فذهب عنى الجوع والعطش فقلت للشاب عظنى بشئ انتفع به فقال نحن اهل المصائب ليس لنا لسان العظة فاقمت عندهما ثلاثة ايام بلياليها لم نأكل فيها شيأ ولم نشرب فلما كان عشية اليوم الثالث قلت فى قلبى لا بد من سؤالهما فى وصية انتفع بها باقى عمرى فرفع الشاب رأسه الىّ وقال عليك بصحبة من يذكرك اللّه بنظره ويعظك بلسان فعله لا بلسان قوله ثم التفت فلم ارهما وانشد لسان الحال شدوا المطايا قبيل الصبح وارتحلوا ... وخلفونى على الاطلال ابكيها ثم ان النصيحة سهلة والمشكل قبولها ومن اراد اللّه تعالى هدايته وسيقت منه له عناية يجذبه لا محالة الى باب ناصح له فى ظاهره وباطنه فيهتدى بنور العظة والتذكير الى مسالك الوصول الى اللّه الخبير فيترقى من حضيض هوى النفس التى تلعب كالصبيان الى اوج هدى الروح الذى له وقار واطمئنان وعلو شأن فهذه الآيات الكريمة تنادى على داء النفس ودوائها ومن اللّه الاعانة فى اصلاحها ٧١ { قل أندعو } أتعبد والاستفهام للانكار { من دون اللّه } اى متجاوزين عبادة اللّه تعالى { ما لا ينفعنا ولا يضرنا } اى ما لا يقدر على نفعنا اذا عبدناه ولا على ضرنا اذا تركناه وهو الاصنام والقادر على النفع والضر هو اللّه تعالى { ونرد على اعقابنا } جمع عقب بالفتح وكسر القاف موخر القدم اى نرجع من الاسلام الى الشرك باضلال المضل { بعد اذ هدانا اللّه } الى الاسلام وانقذنا من الشرك { كالذى استهوته الشياطين } حال من فاعل نرد اى انرد على اعقابنا مشبهين بالذى ذهبت به مردة الجن الى المهامة واضلته { فى الارض } متعلق باستهوته { حيران } حال من هاء استهوته وهو صفة مشبهة مؤنثة حيرى والفعل منه حار يحار حيرة اى متحيرا ضالا عن الطريق { له اصحاب } الجملة صفة حيران اى لهذا المستوى رفقة { يدعونه الى الهدى } اى يهدونه الى الطريق المستقيم وسماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر مبالغة كأنه نفس الهدى { ائتنا } على ارادة القول على انه بدل من يدعونه اى يقولون له ائتنا شبه اللّه تعالى من اشرك وعبد غير اللّه مع قيام البرهان الفاصل بين القح والباطل بشخص موصوف بثلاثة اوصاف الاول استهوته مردة الجن والغيلان فى المهامة والمفاوز والثانى كونه حيران تائها ضالا عن الجادة لا يدرى كيف يصنع والثالث ان يكون له اصحاب يدعونه قائلين له ائتنا فقد اعتسفت المهامه وضللت عن الجادة وهو لا يجيبهم ولا يترك متابعة الجن والشياطين. والجن اجسام لطيفة تتشكل باشكال مختلفة وتقدر على ان تنفذ فى بواطن الحيوان نفوذ الهواء فى خلال الاجسام المتخلخلة { قل ان هدى اللّه } الذى هدانا اليه وهو الاسلام { هو الهدى } وحده وما عداه ضلال محض وغى بحت { و } قل ايضا { امرنا لنسلم لرب العالمين } اى بان نسلم فاللام بمعنى الباء والعرب تقول امرتك لتفعل وان تفعل وبان تفعل ٧٢ { وأَن } اى بان { اقيموا الصلاة واتقوه } تعالى فالاسلام رئيس الطاعات الروحانية والصلاة رئيس الطعات الجسمانية والتقوى رئيس ما هو من قبيل التروك والاحتراز عن كل ما لا ينبغى { وهو الذى اليه تحشرون } تجمعون يوم القيامة للحساب ٧٣ { وهو الذى خلق السموات والارض } اى العلويات والسفليات وما فيهما { بالحق } حال من فاعل خلق اى قائما بالحق والحكمة { ويوم يقول كن فيكون قوله الحق } يوم ظرف لمضمون جملة قوله الحق والواو بحسب المعنى داخل عليها والمعنى وامره المتعلق بكل شئ يريد خلقه من الاشياء فى حين تعلقه به لا قبله ولا بعده من افراد الاحيان الحق اى المشهود له بالحقية المعروف بها { وله الملك يوم ينفخ فى الصور } لا ملك فيه لغيره ولو مجازا كما فى الدنيا { عالم الغيب والشهادة } اى هو عالم ما غاب وما شوهد { وهو الحكيم } فى كل ما يفعله { الخبير } بجميع الامور الجلية والخفية وفى الحديث ( لما فرغ اللّه من خلق السموات والارض خلق الصور فاعطاه اسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره الى العرش متى يؤمر ) قال ابو هريرة رضى اللّه عنه قلت يا رسول اللّه ما الصور قال ( القرن ) قلت كيف هو قال ( عظيم والذى نفسى بيده ان عظم دائرة فيه كعرض السماء والارض ) ويقال ان فيه من الثقب على عدد ارواح الخلائق قالوا ان النفخة ثلاث. اولاها نفخة الفزع فانهم اذا سمعوا النفخة يعلمون انهم يموتون يقينا ولم يبق من ايام الدنيا شئ فيأخذهم الفزع لاجل العرض والحساب والعذاب. والنفخة الثانية الصعق وهو موت الخلائق اجمعين حلا لا يبقى الا اللّه تعالى كل شئ هالك الا وجهه. والنفخة الثالثة نفخة البعث من القبور ومن النفخة الى النفخة اربعون عاما فعند موت جميع الخلائق تجعل ارواحهم فى الصور وليس من الانسان شئ الا يبلى الا عظما واحدا لا تأكله الارض ابدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة ويجمع اللّه ما تفرق من اجساد الناس من بطون السباع وحيوانات الماء وبطن الارض وما اصاب النيران منها بالحرق والمياه بالغرق وما ابلته الشمس وذرته الرياح وذلك بعدما انزل ماء من تحت العرش يقال له الحيوان فتمطر السماء اربعين سنة حتى يكون من الفوق اثنى عشر ذراعا ثم يأمر اللّه الاجساد فتنبت كنبات البقل فاذا جمعها واكمل كل بدن منها ولم يبق الا الارواح يحيى حملة العرش ثم يحيى جبرائيل وميكائيل واسرافيل فينفخ فى الصور فتخرج الارواح من ثقب الصور كامثال النحل قد ملأت ما بين السماء والارض فيقول اللّه تعالى ليرجعن كل روح الى جسده فتدخل الارواح فى الارض الى الاجساد ثم تدخل فى الخياشيم فتمشى فى الاجساد مشى السم فى اللديغ ثم تنشق الارض فاول من يخرج منها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم الامة شبابا كلهم ابناء ثلاث وثلاثين واللسان يومئذ بالسريانية سراعا الى ربهم هذا فى المؤمنين المخلصين. واما الكافرون فيقولون هذا يوم عسير فيوقفون حفاة عراة مقدار سبعين عاما لا ينظر اللّه اليهم فتبكى الخلائق حتى تنقطع الدموع ثم تدمع دما حتى يبلغ منهم الاذقان ويلجمهم ثم يفعل اللّه فيهم ما يشاء فعليك بالاسلام الحقيقى والتسليم حتى تنجو وهو ترك الوجود كالكرة فى ميدان القدر مستسلما لصولجدان القضاء المجارى احكام رب العالمين وهو انما يحصل بمحض فضل اللّه تعالى لكن الانبياء والاولياء وسائط : كما اشار اليه صاحب المثنوى فقال سازد اسرافيل روزى ناله را ... جان دهد بوسيده صد ساله را اوليارا دردرون هم نغمها ست ... طالبانرا زان حياة بى بهاست تشنود آن تغمهارا كوش حس ... كزستمها كوش حس باشد نجس هين كه اسرافيل وقتند اوليا ... مرده را زيشان حياتست ونما تغمهاى اندرون اوليا ... اولا كويد كه اى اجزاى لا هين زلاى نفى سرها بر زنيد ... اين خيال و وهم يكسو افكنيد اى همه بوسيده دركون وفساد ... جان باقيان نروئيد ونزاد ٧٤ { واذ قال ابراهيم لابيه آزر } اعلم ان ابراهيم عليه السلام لما سلم قلبه للعرفان ولسانه لاقامة البرهان على فساد طريق اهل الشرك والطغيان وسلم بدنه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان ثم انه سأل ربه وقال { واجعل لى لسان صدق فى الآخرين } وجب فى كرم اللّه تعالى انه يجيب دعاءه ويحقق مطلوبه فاجاب دعاءه وجعل جميع الطوائف واهل الاديان والملل معترفين بفضله حتى ان المشركين ايضا يعظمونه ويفتخرون بكونهم من اولاده ولما كانوا معترفين بفضله لا جرم جعل اللّه تعالى مناظرته مع قومه حجه على مشركى العرب اى واذكر يا محمد لاهل مكة وقت قول ابراهيم لابيه آزر اى مو بخاله على عبادة الاصنان فان ذلك مما يبكتهم وآزر عطف بيان لابيه وهو تارح بفتح الراء وسكون الحاء المهملة علمان لاب ابراهيم كاسرائيل ويعقوب او آزر لقبه وتارح اسم له وكان من قرية من سواد الكوفة ياقل لها كوثى { أتتخذ اصناما آلهة } اى أتجعلها لنفسك آلهة على توجيه الانكار الى اتخاذ الجنس من غير اعتبار الجمعية وانما اريد صيغة الجمع باعتبار الوقوع { انى اريك وقومك } الذين يتبعونك فى عبادتها { فى ضلال } عن الحق { مبين } اى بين كونه ضلالا لا اشتباه فيه. والرؤية اما علمية فالظرف مفعولها الثانى واما بصرية فهو حال من المفعول والجملة تعليل للانكار والتوبيخ ثم اعلم ان عبادة الاصنام كفر فدلت الآية على ان آزر كان كافرا وذلك لا يقدح فى شأن نسب نبينا صلى اللّه عليه وسلم واما قوله عليه اسلام ( لم ازل انقل من اصلاب الطاهرين الى ارحام الطاهرات ) فذلك محمول على انه ما وقع فى نسبه من ولد من الزنى ونكاح اهل الجاهلية صحيح كما يدل عليه قوله عليه السلام ( ولدت من نكاح لا من سفاح ) اى زنى وقوله ( لما خلق اللّه تعالى آدم اهبطنى فى صلبه الى الارض وجعلنى فى صلب نوح فى السفينة وقذفنى فى صلب ابراهيم ثم لم يزل تعالى ينقلنى من الاصلاب الكريمة والارحام حتى اخرجنى بين اوبى لم يلتقيا على سفاح قط ) وروى ان حواء لما وضعت شيتا انتقل النور المحمدى من جبهتها الى جبهته ولما كبر وبلغ مبلغ الرجال اخذ آدم عليه العهود والمواثيق ان لا يودع هذا السر الا فى المطهرات المحصنات من النساء ليصل الى المطهرين من الرجال فانتقل ذلك النور الى يانش ويقال انوش ثم الى قنان ثم الى مهلائيل ثم الى يرد ثم الى خنوخ على وزن ثمود وهو ادريس عليه السلام ويقال اخنوخ ثم الى متوشلح ثم الى لمك ثم الى نوح عليه السلام ثم الى سام ابو العرب ثم الى رافخشذ ثم الى شالخ ثم الى عابر على وزن ناصر ويقال عبير على وزن جعفر ثم الى فالخ ويقال فاغل ثم الى ارغو ويقال راغو ثم الى شارو ثم الى ناخود ثم الى تارح وهو آزر ثم الى ابراهيم عليه السلام ثم الى اسمعيل عليه السلام وفيه لغة اخرى وهى اسمعين بالنون على ما حكاه النوى ثم الى قندار ثم الى حمل ثم الى النبت ثم الى سلامان ثم الى يشجب على وزن ينصر ثم الى يعرب على وزن ينصر ايضا ثم الى الهميسمع ثم الى اليسع ثم الى ادد ثم الى اد والى هنا اختلف فى اسماء اهل النسب بخلاف ما بعده ثم الى عدنان ثم الى معد ثم الى نزار ثم الى مضر ثم الى الياس بفت حالهمزة فى الابتداء والوصل وقيل بكسر الهمز ضد الرجاء ثم الى مدركة ثم الى خزيمة ثم الى كنانة ثم الى النضر ثم الى مالك ثم الى فهر ثم الى غالب ثم الى لوى ثم الى كعب ويجتمع عمر رضى اللّه عنه مع النبى عليه السلام فى النسب فى كعب ثم الى مرة ويجتمع ابو بكر مع النبى عليه السلام فى النسب فى مرة ثم الى كلاب ثم الى قصى ثم الى عبد مناف ثم الى هاشم ثم الى عبد المطلب ثم الى عبداللّه اب السر المصون والدر المكنون محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ولم يرض بعض اهل العلم بما اشتهر بين الناس من عبادة قريش صنما استدلالا بقوله تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السلام { واجنبنى وبنى ان نبعد الاصنام } فى سورة ابراهيم وقوله تعالى فى حق ابراهيم { وجعلها كلمة باقية فى عقبه } فى حم الزخرف والجواب ان الآية الاولى تدل بظاهرها على الابناء الصلبية ولو سلم دلالتها على الاحفاد ايضا كما تدل على كل ولد من ذريته. ومعنى الآية الثانية وجعل اللّه كلمة التوحيد كلمة باقية فى نسله وذريته على انه لا تخلو سلسلة نسبه عن اهل التوحيد والايمان فلا تدل على ايمان كل اعقابه واحفاده وهو اللائح بالبال واللّه اعلم بحقيقة الحال والاشارة فى الآية ان اللّه تعالى اظهر قدرته فى اخراج الحى من الميت بقوله { واذا قال ابراهيم لابيه آزر أتتخذ اصناما آلهة } دون اللّه اذ الاصل منهمك فى الجحود لموت قلبه والنسل مضمحل فى الشهود لحياة قلبه والاصنام ما يبعد من دون اللّه { انى اراك وقومك فى ضلال مبين } بما ارانى اللّه ملكوت الاشياء كما فى التأويلات النجمية ومن بلاغات الزمخشرى كم يحدث بين الخبيثين ابن لا يؤبن والفرث والدم يخرج من بينهما اللبن : قال السعدى جو كنعانرا طبيعت بى هنر بود ... بيمبر زاد كى قدرش نيفزود هنر بنماى اكر دارى نه كوهر ... كل ازخارست وابراهيم از آزر وقال [ خاكستر اكرجه نسب عالى دار كه آتش جوهر علويست وليكن بنفس خودجون هنرى ندارد باخاك برابراست قيمت شكرنه ازنى است كه آن خاصيت وى است ] فظهر ان اللّه تعالى من شأنه القديم اخراج الحى من الميت ولا يختص به نسب وكذا امر العكس ومن اللّه التوفيق ٧٥ { وكذلك نرى ابراهيم } ذلك اشارة الى الاراءة التى تضمنها قوله نرى لا الى اراءة اخرى يشبه بها هذه الاراءة كما يقال ضربته كذلك اى هذا الضرب المخصوص والكاف مقحمة لتأكيد ما افاده اسم الاشارة من الفخامة. والمعنى كذلك التبصير نبصره عليه السلام { ملكوت السموات والارض } ارى ربوبيته تعالى وما لكيته لهما وسلطانه القاهر عليهما وكونهما بما فيهما مربوبا ومملوكا له تعالى لا تبصيرا آخر ادنى منه والملكوت مصدر على زنة المبالغة كالرهبوت والجبروت ومعناه الملك العظيم والسلطان القاهر والاظهر مختص بملك اللّه عز سلطانه وهذه الاراءة من الرؤية البصرية المستعارة للمعرفة ونظر البصيرة اى عرفناه وبصرناه وصيغة الاستقبال حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها فان قيل رؤية البصيرة حاصلة لجميع الموحدين كرؤية البصر ومقام الامتنان يأبى ذلك والجواب انهم وان كانوا يعرفون اصل دليل الربوبية الا ان الاطلاع على آثار حكمة اللّه تعالى فى كل واحد من مخلوقات هذا العالم بحسب اجناسبها وانواعها واشخاصها واحوالها مما لا يحصل الا لاكابر الانبياء ولهذا كان عليه السلام يقول فى دعائه ( ارنا الاشياء كما هى ) قال فى التأويلات النجمية اعلم ان لكل شئ من العالم ظاهرا. يعبر عنه تارة بالجسمانى لما له من الابعاد الثلاثة من الطول والعرض والعمق ولتحيزه وقبول القسمة والتجزى. وتارة بالدنيا لدنوها الى الحسن. وتارة بالصورة لقبول التشكل ولادراكه بالحس. وتارة بالشهادة لشهوده فى الحس. وتارة بالملك لتملكه والتصرف فيه بالحس. وباطنا يعبر عنه تارة بالروحانى لخلوه عن الابعاد الثلاثة وعن التحيز والتجزى فى الحس. وتارة بالآخرة لتأخره عن الحس. وتارة بالمعنى لتعريه عن التشكل وبعده عن الحس. وتارة بالغيب لغيبوبته عن الحس. وتارة بالملكوت لملاك عالم الملك والصورة به فان قيام الملك بالملكوت وقيام الملكوت بقدرة الحق كما قال اللّه تعالى { فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون } اى من طريق الملكوت والملكوت من الاوليات التى خلقها اللّه تعالى من لا شئ بامركن اذا كان اللّه ولم يكن معه شئ يدل عليه قوله { او لم ينظروا فى ملكوت السموات والارض وما خلق اللّه من شئ } فنبه على ان الملكوت لم يخلق من شئ وما سواه خلق من شئ وقد سمى اللّه تعالى ما خلق بالامر امرا وما خلق من الشئ خلقا فقال { ألا له الخلق والامر } فاللّه تعالى ارى ابراهيم ملكوت الاشياء والآيات المودعة فيها الدالة على التوحيد انتهى وقد اطلق العلماء الملك على ما يدرك بالبصر والملكوت على ما يدرك بالبصيرة فالملكوت لا ينكشف لارباب العقول بل لاصحاب القلوب فان العقل لا يعطى الا الادراك الناقص بخلاف الكشف وتلك المكاشفة لا تحصل الا لاهل المجاهدة فانها ثمرة المجاهدة وهى مما يعز منا له جدا اللّهم اجعلنا من اهل العيان دون السامعين للاثر { وليكون من الموقنين } اللام متعلقة بمحذوف مؤخر والجملة اعتراض مقرر لما قبلها اى ليكون من زمرة الراسخين فى الايقان البالغين درجة عين اليقين من معرفة اللّه تعالى فعلنا ما فعلنا من التبصير البديع المذكور لا لامر آخر فان الوصول الى تلك الغاية القاصية كمال مترتب على ذلك التبصير لا ععينه وليس القصر لبيان انحصار فائدته فى ذلك كيف لا وارشاد الخلق والزام المشركين من فوائده بل لبيان انه الاصل الاصيل والباقى من مستتبعاته ٧٦ { فلما جن عليه الليل } اى ستره بظلامه { رأى كوكبا } جواب لما فان رؤيته انما تحقق بزوال نور الشمس عن الحس وهذا صريح فى انه لم يكن فى ابتداء الطلوع بل كان غيبته عن الحس بطريق الاضمحلال بنور الشمس والتحقيق انه كان قريبا من الغروب قيل كان ذلك هو الزهرة وقيل هو المشترى وكلاهما من الكواكب السبعة السيارة { قال } كأنه قيل فماذا صنع عليه السلام حين رأى الكوكب فقيل قال على سبيل الموافقة مع الخصم { هذا ربى } وكان ابوه وقومه يعبدون الاصنام والكواكب والمستدل على فساد قول يحكيه على رأى خصمه ثم يكر عليه بالابطال { فلما افل } اى غرب { قال لا احب الآفلين } اى الارباب المنتقلين من مكان الى مكان المتغيرين من حال الى حال المحتجبين بالاستار فانهم بمعزل عن استحقاق الربوبية قطعا ٧٧ { فلما رأى القمر بازغا } اى مبتدئا فى الطلوع اثر غروب الكوكب { قال هذا ربى فلما افل } كما افل النجم { قال لئن لم يهدنى ربى } الى جنابه { لأكونن من القوم الضالين } تعريض لقومه بانهم على ضلال ولعله عليه السلام كان اذ ذاك فى موضع كان من جانبه الغربى جبل شامخ يستتر به الكواكب والقمر وقت الظهر من النهار او بعده بقليل وكان الكوكب قريبا منه وافقه الشرقى مكشوف والا فطلوع القمر بعد افول الكوكب ثم افوله قبل طلوع الشمس مما لا يكاد يتصور ٧٨ { فلما رأى الشمس بازغة } اى مبتدئة فى الطلوع { قال هذا } الجرم المشاهد { ربى هذا اكبر } من الكوكب والقمر وهو تأكيد لما رامه من اظهار النصفة بقوله { لاكونن من الضالين } { فلما افلت } كما افل الكوكب والقمر وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا { قال } مخاطبا للكل صادعا بالحق بين اظهرهم { يا قوم انى بريئ مما تشركون } باللّه تعالى من الاصنام والاجرام المحتاجة الى محدث فقالوا له ما تعبد قال ٧٩ { انى وجهت وجهى } اى اخلصت دينى وعبادتى وجعلت قصدى { للذى فطر السموات والارض } اى للّه الذى خلقهما { حنيفا } اى مائلا عن الاديان الباطلة كلها الى الدين الحق ميلا لا رجوع فيه { وما انا من المشركين } به تعالى فى شئ من الافعال والاقوال وهذه حال من كملت صقالة مرآة قلبه عن طبع الطبع وتنزهت عن ظلمة هوى النفس وشهواتها فانه لا يلتفت الى الاجرام والاكوان بل الى اليمين والشمال لان شوق الخلة الى الحضرة نصبه فى محاذاة ذاته المقدسة عن الجهة : قال فى المثنوى آفتاب از امر حق طباخ ماست ... ابلهى باشد كه كوثيم اوخداست آفتابت كر بكيرد جون كنى ... آن سياهى زوتوجون بيرون كنى نى بدركاه خدا آرى صداع ... كه سياهى را ببرداده شعاع كركشندت نيم شب خورشيدكو ... تابنالى يا امان خواهى ازو حادثات اغلب بشب واقع شود ... وان زمان معبود تو غائب شود سوى حق كرر استانه خم شوى ... وارهى از اختران محرم شوى ٨٠ { وحاجه قومه } اى جادلوه فى دينه وهددوه بالاصنام ان تصيبه بسوء ان تركها { قال أتحاجونى } بنون ثقيلة اصله أتحاجوننى بنونين اولاهما نون الرفع والثانية نون الوقاية فاستثقل اجتماعهما فادغم الاولى فى الثانية اى أتجادلوننى { فى اللّه } اى فى شأنه تعالى ووحدانيته { وقد هدين } اى والحال ان اللّه تعالى هدانى الى الحق { ولا اخاف ما تشركون به } اى ما تشركون به تعالى من الاصنام ان يصيبنى بسوء لعدم قدرتها على شئ { الا ان يشاء ربى شيأ } استثناء متصل والمستثنى منه وقت محذوف والتقدير لا اخاف معبوداتكم فى وقت من الاوقات الا وقت مشيئته تعالى شيأ من اصابة مكروه بى من جهتها وذلك انما يكون من جهته تعالى من غير دخل لآلهتكم فيه اصلا { وسع ربى كل شئ علما } كأنه تعليل للاستثناء اى احاط بكل شئ علما فلا يبعد ان يكون فى علمه تعالى ان يحيق به مكروه من قبلها بسبب من الاسباب لا بالطعن فيها { أفلا تتذكرون } اى أتعرضون عن التأمل فى ان آلهتكم جمادات غير قادرة على شئ ما من نفع ولا ضر فلا تتذكرون انها غير قادرة على اضرارى ٨١ { وكيف اخاف ما اشركتم } باللّه من الاصنام وهى لا تضر ولا تنفع والاستفهام انكار الوقوع ونفيه بالكلية { ولا تخافون انكم اشركتم باللّه } حال من ضمير اخاف بتقدير مبتدأ اى وكيف اخاف انا ما ليس فى حيز الخوف اصلا وانتم لا تخافون غاثلة ما هو اعظم المخوفات واهولها وهو اشراككم باللّه الذى ليس كمثله شئ فى الارض ولا فى السماء ما هو من جملة مخلوقاته وانما عبر عنه بقوله { ما لم ينزل به } اى باشراكه { عليكم سلطانا } اى حجة وبرهانا على طريقة التهكم مع الايذان بان الامور الدينية لا يعول فيها الا على الحجة المنزلة من عند اللّه تعالى { فأى الفريقين احق بالامن } أنحن ام انتم قال المولى ابو السعود المراد بالفريقين الفريق الآمن فى محل الأمن والفريق الآمن فى محل الخوف { ان كنتم تعلمون } من احق به فاخبرونى ٨٢ { الذين آمنوا } اى احد الفريقين الذين آمنوا { ولم يلبسوا ايمانهم } اى لم يخلطوه { بظلم } اى بشرك كما يفعله الفريق المشركون حيث يزعمون انهم يؤمنون باللّه تعالى وان عبادتهم للاصنام من تتمات ايمانهم واحكامه لكونها لاجل التقريب والشفاعة كما قالوا { ما نعبدهم الا ليقربونا الى اللّه زلفى } وهذا معنى الخلط { اولئك لهم الأمن } فقط من العذاب { وهم مهتدون } الى الحق ومن عداهم فى ضلال مبين ٨٣ { وتلك } اشارة الى ما احتج به ابراهيم على قومه من قوله { فلما جن } الى قوله { وهم مهتدون } { حجتنا } الحجة عبارة عن الكلام المؤلف للاستدلال على الشئ { آتيناها ابراهيم } اى ارشدناه اليها او علمناه اياها وهو حال من حجتنا لاصفة لانها معرفة بالاضافة { على قومه } متعلق بحجتنا والاشارة ان محجة السلوك الى اللّه تعالى انما هى تحقق بالآيات التى هى افعاله وهذه مرقاة لهم وهى الرتبة الاولى ثم شهود صفاته باراءته لهم وهى الرتبة الثانية ثم التحقق بوجوده وذاته عند التجلى لاسرارهم وهذا مبدأ الوصول ولا غاية له فقوله وتلك اى اراءة الملكوت وشواهد الربوبية فى مرآة الكواكب وصدق التوجه الى الحق والاعراض والتبرى مما سواه والخلاص من شرك الانانية والايمان الحقيقى والايقان بالعيان آتيناها ابراهيم واريناه بذاتنا من غير واسطة حتى جعلها حجة على قومه { نرفع } الى { درجات } اى رتبا عظيمة عالية من العلم والحكمة { من نشاء } رفعه كما رفعنا درجات ابراهيم حتى فاق فى زمن صباه شيوخ اهل عصره واهتدى الى ما لم يهتد اليه الا اكابر الانبياء عليهم السلام داد حق را قابليت شرط نيست ... بلكه شرط قابليت داد اوست { ان ربك حكيم } فى كل ما فعل من رفع وخفض { عليم } بحال من يرفعه واستعداده له على مراتب متفاوتة ثم ان المقصود من المباحث الجارية بين ابراهيم وبين قومه انما هو الزام القوم وارشادهم الى طريق النظر والاستدلال وتنبيههم على ضلالهم فى امر دينهم كما هو المختار عند اجلاء المفسرين وعلى هذا المسلك جريت فى تفسير الآيات كما وقفت وقال بعضهم المقصود مما حكى اللّه عن ابراهيم من الاستدلال على وحدانية اللّه تعالى وابطال الوهية ما سواه نظره واستدلاله فى نفسه وتحصيل المعرفة لنفسه فيحمل على ان ذلك فى زمان مراهقته واول اوان بلوغه وان المراد بالملكوت الآيات قال الحدادى وهو الاقرب الى الصحة قال الكاشفى فى تفسيره الفارسى { وكذلك } وجنانكه بدو نموده بوديم كمراهئ قوم اورا همجنان { نرى ابراهيم } بنموديم ابراهيم را { ملكوت السموات والارض } عجائب وبدائع آسمانها وزمينها ازذروه عرش تاتحت الثرى بروى منكشف ساخته تاستدلال كندبدان در قدرت كامله حق تعالى { وليكون من الموقنين } وتا باشد ازبى كمانان يا موفق بود در علم استدلال در معالم آورده كه نمرود بن كنعانكه بادشاهى روى زمين تعلق بدوداشت درشهر بابل نشستى شبى در واقعه ديدكه كوكبى اذا فق آن بلده طلوع نمود كه در شعشه جمال اونور آفتاب وماه نابود كشت ازغايت فزع بيدارشد وكاهنان وحكماء مملكت تعبير اين واقعة برين وجه كردندكه درين سال بولايت بابل مولودى حجسته طالع ازخلو تخانة عدم بفضاء صحراى وجود خرامدكه هلاك تو واهل مملكت تو بدودست او باشد وهنوز اين مولود از مستقر صلب بمستودع رحم نييوسته نمرود بفرمود تاميان زنان و شوهران تفريق كردند وبر هزده يكى برايشان مؤكل ساخت وآزررا كه يكى از محرمان ومقربان نمرود بود شبى بازن خود او فى بنت نمر بنهان زمؤكلان خلوت دست داد وحامله شد وبامدادش را كاهنان بانمرود كفتند امشب آن كودك برحم بيوسته ىست نمرود خثم كرفته بفرمود تابرهر حامله بكى مؤكل ساختند تا اكر بسر بزايد بكشند زنانى كه در تفحص احوال حامله بودند جون مادر ابراهيم را اثر حمل ظاهر نبود ازو دركذشتند وديكر كسى بدو التفات نكرد تاوقتى كه وضع حمل نزديك رسيد او فى ترسيدكه اكربسرى زايدنا كاه خبر بكسان نمرود رسد فى الحال اورابكشند ببهانه ازشهر بيرون رفت وغارى درميان كوه نشان داشت دران غار ابراهيم را بزاد ودر خرقه بيجيد وهمانجا كذاشته درغار بسنك استوار كرد وآزرراكه ازحمل خبر داشت كفت كه ازترس كما شتكان نمرود بصحرا رفتم وبسرى بزادم وفى الحال بمرد در خاكش دفن كردم وبازكشتم آزر باور كرد واوفى روز ديرك باغار آمد ديدكه ابراهيم انكشتان خودرا ازيكى شير واز ديكرى عسل بيرون ميكشد ومى نوشد او فى جون اين حال بديد خوش وقت شد وباشهر مراجعت نمود : القصه ابراهيم جون شير تر بيت از بستان عنايت الهى نوشيد بروزى جندان مى باليدكه كودك ديكر درماهى وبما هى جندان بزرك ميشدكه ديكرى درسالى جو ماه نوكه باروى دل افروز ... بود زاينده نورش روز تاروز جون بانزده ماهه شد باجوانان بانزده ساله مقابل كشت وازخانه بيرون آمد وكفته اند هفت سال باسيزده سال ياهفتده سال درغار بود برهر تقدير جون ابراهيم بزرك شد او فى بآزر كفت كه بسرتو آنروز خبر مرك او بدروغ دادم جوانى رسيده است درغايت خوب رويى ونيكو خويى بس آزررا بغار آورد وابراهيم را بوى نمود آزر بجمال بسر خوش آمد وبا او كفت اين را ازغار بخانه آوركه بملازمت نمرود بريم آزر برفت واوفى ازغار بدر آوردنماز شام بود در بايان غار كلهاى اسب واشتر ورمهاى كوسفند جمه بودند ابراهيم ازمادر برسيده هر آيينه اين هارا برورد كارى خواهد بودكه آفريده وروزى ميدهد يس ما دررا كفت كه هيج مخلوقى را ازخالفى جاره نيست آفريده كارا وباشد وبمدد تربيت يابد برمورد كار من كيست مادرش كفت من بروردكار توام ابراهيم كفت بروردكار توكيست كفت بدرتو ابراهيم كفت خداى او كيست كفت نمرود كفت خداى نمرود كيست مادرش بانك بر ابراهيم زدكه مثل اين سخنان مكوكه خطر عظيم دارد در زمان نمرود بعضى ستاره وآفتاب وماه مى برسيتدند وبرخى بت برست بودند وجمعى برستش نمرود مى كردند ابراهيم بامادر بشهر روانه شد { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا } بس بعضى كه ستاره برست بودندى روى بوى سجده كردند { قال هذا ربى } اى اينست برورد كار من بر سبيل استفهام يا بزعم آن قوم { فلما افل قال لا احب الآفلين } بس قدرى ديكر راه فتند وشب جهاردهم بودماه طبق سمين بر كناره خوان سبز فلك نمودار شد { فلما رأى القمر بازغا } جمعى ماه برستان بيش وى بسجده درفتادند { قال هذا ربى فلما افل } يعنى ازخط نصف النهار بجانب مغرب ميل كرد { قال لئن لم يهدنى ربى لاكونن من القوم الضالين } بس از آنجا دركذشتند ونزديك شهر رسيدند آفتاب ابتداء طلوع كرد جمعى متوجه اوشده عزم سجود كردند { فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا اكبر فلما افلت قال يا قوم انى برئ مما تشركون انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض حنيفا } درحالتى كه من مائلم ازهمه اديان بدين توحيد { وما انا من المشركين } در تفسير منير مذ كوراست كه جون ابراهيم عليه السلام بشهر در آمد اورا بديدن نمرود بردند اومردى ديدكه كريه منظر وابراهيم اوراديد برتختى نشيته وغلامان ماه منظر وكنيز ان برى بيكر كرد تخت او صف زده ازمادر برسيدكه اين جه كس است كه مرا بدين او آوريده آيد كفتند خداى همه كس ىست برسيده اين ملازمان بر حوالئ تخت كيانند كفت آفريدكان اويند ابراهيم تبسم فرمود وكفت اى مادر جكونه است كه اين خداى شماديكر انرا ازخود خوبتر آفريده است بايستى كه اوزايشان خوبتر بودى كذا فى ذلك التفسير للكاشفى مع اختصار ٨٤ { ووهبنا له } الهبة فى اللغة التبرع والعطية الخالية عن تقدم الاستحقاق والضمير لابراهيم عليه السلام { اسحق } ابنه الصلبى وهو ابن انبياء بنى اسرائيل { ويعقوب } ابن اسحق { كلا هدينا } اى كل واحد منهما وفقنا وارشدنا الى الفضائل الدينية والكلمات العلمية والعملية لا احدهما دون الآخر { ونوحا } منصوب بمضمر يفسره { هدينا من قبل } اى من قبل ابراهيم وعّد هداه نعمة على ابراهيم من حيث انه ابوه وشرف الوالد يتعدى الى الولد { و } هدينا { من ذريته } اى ذرية نوح ولم يرد من ذرية ابراهيم لانه ذكر فى جملتهم يونس ولوطا ولم يكونا من ذرية ابراهيم كذا قال البغوى وقال ابن الاثير فى جامع الاصول يونس من ذرية ابراهيم لانه كان من الاسباط فى زمن شعيب ارسله اللّه الى نينوى من بلد الموصل ولابعد فى عد لوط من ذرية ابراهيم ايضا باعتبار انه كان ابن اخيه هاجر معه الى الشام قال سعدى جلبى المفتى ومحيى السنة يعنى البغوى اوثق من ابن الاثير { داود } ابن ايشا { وسليمان } ابنه وسلسلتهما تنتهى الى يهودا بن يعقوب { وايوب } من اموص بن رازخ بن روم بن عيصا بن اسحق بن ابراهيم { ويوسف } ابن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم { وموسى } ابن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب { وهرون } هو اخو موسى اكبر منه بسنة وليس ذكرهم على ترتيب ازمانهم { وكذلك } اى كما جزيناهم برفعة الدرجات { نجزى المحسنين } على احسانهم على قدر استحقاقهم فاللام للجنس ويجوز ان تكون الكاف مقحمة واللام للعهد والمعنى ذلك الجزاء البديع الذى هو عبارة عما اوتى المذكورون من فنون الكرامات نجزيهم لا جزاء آخر ادنى منه فالمراد بالمحسنين هم المذكورون والاظهار فى موضع الاضمار للثناء عليهم بالاحسان الذى هو عبارة عن الاتيان بالاعمال الحسنة على الوجه اللائق الذى هو حسنها الوصفى المقارن لحسنها الذاتى ٨٥ { وزكريا } اى وهديناه ايضا وهو ابن اذن وسلسلته تنتهى الى سليمان { ويحيى } ابنه { وعيسى } ابن مريم ابنة عمران من بنى ماثان الذين هم ملوك بنى اسرائيل. وفى ذكره دليل على ان الذرية تتناول اولاد البنت فيكون الحسن والحسين من ذرية سيد المرسلين محمد صلى اللّه عليه وسلم مع انتسابهما اليه بالام ومن آذاهما فقد آذى ذريته عليه السلام فيقول الفقير فاذا كان النسب من طرف الام صحيحا معتبرا فالذى كانت سيادته من طرفها مقبول كما هو من طرف الاب اذ المعتبر انتهاء السلسلة الى الحسنين من اى جانب كان { والياس } ابن اخ هارون اخى موسى قال البغوى الصحيح ان الياس غير ادريس لان اللّه تعالى ذكره فى ولد نوح وادريس هو جد ابى نوح { كل } منهم { من الصالحين } الكاملين فى الصلاح وهو الاتيان بما ينبغى والتحرز عما لا ينبغى ٨٦ { واسمعيل } عطف على نوحا اى وهدينا اسماعيل بن ابراهيم كما هدينا نوحا ولعل الحكمة فى افراد اسمعيل عن باقى ذرية ابراهيم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان من ذرية اسماعيل والكائنات كانت تبعا لوجوده فما جعل اللّه اسماعيل تبعا لوجود ابراهيم ولا هدايته تبعا لهدايته لشرف محمد صلى اللّه عليه وسلم فلذا افرده عنهم واخره فى الذكر آنجه اول شد بديد از جبيب غيب ... بود نور جان او بى هيج ريب بعد ازان ان نور مطلق زد علم ... كشت عرش وكرسى ولوح وقلم يك علم از نور باكش علم اوست ... يك علم ذريت آدم ازوست { واليسع } ابن اخطوب بن العجوز واللام زائدة لانه علم اعجمى { ويونس } ابن متى { ولوطا } بن هاران بن اخى ابراهيم { وكلا } منهم { فضلنا على العالمين } اى عالمى عصرهم بالنبوة لا بعضهم دون بعض ٨٧ { ومن آبائهم } من تبعيضية اى وفضلنا بعض آباء المذكورين كآدم وشيث وادريس اذ من الآباء من لم يكن نبيا ولا مفضلا مهديا { وذرياتهم } اى وبعض ذرياتهم من بعضهم كأولاد يعقوب ومن جملة ذرياتهم نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم كما فى تفسير الحدادى وانما اراد ذرية بعضهم لان عيسى ويحيى لم يكن لهما ولد وكان ذرية بعضهم من كان كافرا { واخوالهم } كأخوة يوسف فى عصرهم ويحتمل ان يكون المراد بهم كل من آمن معهم فانهم كلهم دخلوا فى هداية الاسلام { واجتبيناهم } عطف على فضلنا اى اصطفيناهم { وهديناهم } اى ارشدناهم { الى صراط مستقيم } لا يضل من سلك اليه ٨٨ { ذلك } الهدى { هدى اللّه } الاضافة للتشريف { يهدى به من يشاء من عباده } وهم مستعدون للّهداية والارشاد { ولو اشركوا } اى لو اشكر هؤلاء الانبياء مع فضلهم وعلو شأنهم { لحبط عنهم } اى بطل وذهب { ما كانوا يعملون } من الاعمال المرضية الصالحة فكيف بمن عداهم وهم هم واعمالهم اعمالهم وهذا غاية التوبيخ والترهيب للعوام والخواص لئلا يأمنوا مكر اللّه ٨٩ { اولئك } المذكورون من الانبياء الثمانية عشر { الذين آتيناهم الكتاب } اى جنس الكتاب المتحقق فى ضمن اى فرد كان من افراد الكتب السماوية والمراد بايتائه التفهيم التام بما فيه من الحقائق والتمكين من الاحاطة بالجلائل والدقائق اعم من ان يكون ذلك بانزال ابتداء او بالايراث بقاء فان المذكورين لم ينزل على كل واحد منهم كتاب معين { والحكم } اى الحكمة او فصل الخطاب على ما يقتضيه الحق والصواب { والنبوة } اى الرسالة { فان يكفر بها } اى بهذه الثلاثة { هؤلاء } اهل مكة { فقد وكلنا بها } اى امرنا بمراعاتها وفقنا للايمان بها والقيام بحقوقها { قوما ليسوا بها بكافرين } فى وقت من الاوقات بل مستمرون على الايمان بها وهم اصحاب النبى عليه السلام والباء صلة كافرين وفى بكافرين لتأكيد النفى ٩٠ { اولئك } الانبياء المتقدم ذكرهم { الذين هدى اللّه } اى هداهم اللّه الى الحق والنهج المستقيم { فبهداهم اقتده } اى فاختص هداهم بالاقتداء ولا تفتد بغيرهم والمراد بهداهم طريقتهم فى الايمان باللّه تعالى وتوحيده واصول الدين ودون الشرائع القابلة للنسخ فانها بعد النسخ لا تبقى هدى واحتج العلماء بهذه الآية على انه عليه السلام افضل جميع الانبياء عليهم السلام لان خصال الكمال وصفات الشرف كانت متفرقة فيهم. فداود وسليمان كانا من اصحاب الشكر على النعمة. وايوب كان من اصحاب الصبر على البلية. ويوسف كان جامعا بينهما. وموسى كان صاحب المعجزات القاهرة. وزكريا. ويحيى. وعيسى. والياس كانوا اصحاب الزهد. واسماعيل كان صاحب الصدق فكل منهم قد غلب عليه خصلة معينة فجمع اللّه كل خصلة فى حبيبه عليه السلام لانه اذا كان مأمورا بالاقتداء لم يقصر فى التحصيل هرجه بخوبان جهان داده اند ... قسم تونيكوتر ازان داده اند هرجه بنازند بدان دلبران ... جمله تراهست زيادت بران وفى التأويلات النجمية { اولئك الذين هداهم اللّه } بصفاته الى ذاته { فبهداهم اقتده } لا انهم سلكوا مسلكا غير مسلوك حتى انتهى سير كل واحد منهم الى منتهى قدر له كما اخبرت انى رأيت آدم فى السماء الدنيا ويحيى وعيسى فى السماء الثانية ويوسف فى السمءا الثالثة وادريس فى السماء الرابعة وهارون فى السماء الخامسة وموسى فى السماء السادسة وابراهيم فى السماء السابعة فاقتد بهم حتى تسلك مسالكهم الى ان تنتهى الى سدرة المنتهى وهو منتهى مقام الملائكة المقربين ثم يعجر بك الى المحل الادنى والمقام الارفع حتى تخرج من نفسك وتدنو اليه به الى ان تصل الى مقام قاب قوسين او ادنى مقاما لم يصل اليه احد قبلك لا ملك مقرب ولا نبى مرسل { قل } لكفار قريش { لا اسئلكم عليه } اى على القرآن { اجرا } اى جعلا من جهتكم كما لم يسأله من قبلى من الانبياء عليهم السلام وهذا من جملة ما امر بالاقتداء بهم فيه { ان هو } اى ما القرآن { الا ذكرى للعالمين } اى الاعظة وتذكير لهم من جهته سبحانه فلا يختص بقوم دون آخرين وعلى هذا جرى الاولياء من اهل الارشاد اذلا اجر للتعليم والارشاد اذ الاجر من الدنيا ولا يجوز طمع الدنيا لاهل الآخرة ولا لاهل اللّه تعالى وانما خدمة الدين مجردة عن الاغراض مطلقا ٩١ { وما قدروا اللّه حق قدره } اصل القدر السبر والحرز يقال قدر الشئ يقدره بالضم قدرا اذا سبره وحزره ليعلم مقداره ثم استعمل فى معرفة الشئ مقداره واحواله واوصافه فقيل لمن عرف شيأ هو يقدر قدره ولمن لم يعرفه بصفاته انه لا يقدر قدره ونصب حق قدره على المصدرية وهو فى الاصل صفة للمصدر اى قدره الحق وضميره يرجع الى اللّه تعالى واما ضمير الجمع فالى اليهود لما روى ان مالك بن الصيف من احبار اليهود ورؤسائهم خرج مع نفر الى مكة معاندين ليسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أشياء وكان رجلا سمينا فاتى رسول اللّه بمكة فقال له عليه السلام انشدك بالذى انزل التوراة على موسى هل تجد فيها ان اللّه تعالى يبغض الحبر السمين قال نعم قال فانت الحبر السمين وقد سمنت من مأكلتك التى تطعمك اليهود ولست تصوم اى تمسك فضحك القوم فخجل مالك بن الصيف فقال غضبا ما انزل اللّه على بشر من شئ فلما رجع مالك الى قومه قالوا له ويلك ما هذا الذى بلغنا عنك أليس ان اللّه انزل التوراة على موسى فلم قلت ما قلت قال اغضبنى محمد فقلت ذلك قالوا له وانت اذا غضبت تقول على اللّه غير الحق وتترك دينك فاخذوا الرياسة والحبرية منه وجعلوهما الى كعب بن الاشرف فنزلت هذه الآية والمعنى ما عرفوه تعالى حق معرفته فى اللطف بعباده والرحمة عليهم ولم يراعوا حقوقه تعالى فى ذلك بل اخلوا بها اخلالا فعبر عن المعرفة بالقدر لكونه سببا لها وطريقا اليها { اذ قالوا } منكرين لبعثة الرسل وانزال الكتب كافرين بنعمه الجليلة فيهما { ما انزل اللّه على بشر من شئ } اى كتاب ولا وحى مبالغة فى انكار انزال القرآن اذ القائلون من اهل الكتاب كما مر آنفا { قل } لهم على طريق التبكيت والقام الحجر { من انزل الكتاب الذى جاء به موسى } يعنى التوراة حال كون ذلك الكتاب { نورا } بينا بنفسه ومبينا لغيره. بالفارسى [ روشناى دهنده ] { وهدى } بيانا { للناس } وحال كونه { تجعلونه قراطيس } اى تضعونه فى قراطيس مقطعة وورقات مفرقة بحذف الجار بناء على تشبيه القراطيس بالظرف المبهم وهى جمع قرطاس بمعنى الصحيفة { تبدونها } صفة قراطيس اى تظهرون ما تحبون ابداءه منها { وتخفون كثيرا } مما فيها كنعوت النبى عليه السلام وآية الرجم وسائر ما كتموه من احكام التوراة { وعلمتم } ايها اليهود على لسان محمد { ما لم تعلموا انتم ولا آباؤكم } وهو ما اخذوه من الكتاب من المعلوم والشرائع. فقوله علمتم حال من فاعل تجعلونه باضمار قد مفيد لتأكيد التوبيخ فان ما فعلوه بالكتاب من التفريق والتقطيع للابداء والاخفاء شناعة عظيمة فى نفسها ومع ملاحظة كونه مأخذا لعلومهم ومعارفهم اشنع واعظم { قل اللّه } اى انزله اللّه امره عليه السلام بان يجيب عنهم اشعارا بان الجواب متعين لا يمكن غيره تنبيها على انهم بهتوا وافحموا ولم يقدروا على التكلم اصلا { ثم ذرهم } اى دعهم واتركهم { فى خوضهم } اى فى باطلهم الذى يخوضون فيه اى يشرعون فلا عليك بعد الا التبليغ والزام الحجة { يلعبون } حال من الضمير الاول والظرف صلة ذرهم او يلعبون ويقال لكل من عمل ما لا ينفعه انما انت لاعب ٩٢ { وهذا } القرآن { كتاب انزلناه } وصفه به ليعلم انه هو الذى تولى انزاله بالوحى على لسان جبريل وليس تركيب الفاظه على هذه الفصاحة من قبل الرسول { مبارك } اى كثير الفائدة والنفع وكيف وقد احاط بالعلوم النظرية والعملية فان اشرف العلوم النظرية هو معرفة ذات اللّه وصفاته وافعاله واحكامه ولا يوجد كتاب يفيد معرفة هذه الامور مثل ما افاده القرآن. واما العلوم العملية فالمطلوب منها اما اعمال الجوارح واما اعمال القلوب وهى المسمى بعلم الاخلاق وتزكية النفس فانك لا تجد شيأ منهما مثل ما تجده فى القرآن العظيم قال فى التأويلات النجمية { مبارك } على العوام بان يدعوهم الى ربهم. وعلى الخواص بان يهديهم الى ربهم. وعلى خواص الخواص بان يوصلهم الى ربهم ويخلقهم باخلاقه وفى كتاب المحبوب شفاء لما فى القلوب كما قيل وكتبك حولى لا تفارق مضجعى ... وفيها شفاء للذى انا كاتمه اين جه منشور كريمست كه ازهر شكنش ... بوى جان برور احسان وعطا مى آيد اين جه انفاس روان بخش عبير افشانست ... كه ازو رائحه مسك خطامى آيد { مصدق الذى بين يديه } من التوراة لنزوله حسبما وصف فيها { ولتنذر ام القرى } عطف على ما دل عليه مباك اى للبركات ولانذارك اهل ام القرى فالمضاف محذوف والمراد بام القرى مكة وسميت بها لان الارض دحيت من تحتها فهى اصل الارض كلها كالام اصل النسل قال الكاشفى فى تفسيره الفارسى قرى جمع قرية است واورا ازقرا كرفته اند بمعنى جمع است بس هرجا كه مجتمعى باشد ازشهر وده انرا قريه توان كفت { ومن حولها } اهل الشرق والغرب قال فى التأويلات النجمية ام القرى هى الذرة المودعة فى القلب التى هى المخاطب فى الميثاق وقد دحيت جميع ارض القالب من تحتها ومن حولها من الجوارح والاعضاء والسمع والبصر والفؤاد والصفات والاخلاق بان يتنوروا بانواره وينتفعوا باسراره ويتخلقوا باخلاقه { والذين يؤمنون بالآخرة } وبما فيها من انواع العذاب { يؤمنون به } اى بالكتاب لانهم يخافون العاقبة ولا يزال الخوف يحملهم على النظر والتأمل حتى يؤمنوا به { وهم على صلاتهم يحافظون } يعنى المؤمنون بالكتاب يداومون على الصلوات الخمس التى هى اشرف التكاليف والطاعات ولذا خصص محافظتها من بين سائر العبادات وفى الآيات امور الاول ان المخلوق لا يقدر قدر الخالق ولا يدركه باعتبار كنه ذاته وتجرده عن التعينات الاسماتية والصفاتية بخيال درنكنجد توخيال خود مرنجان ... فكل من عرف اللّه بآلة محلوقة فهو على الحقيقة غير عارف ومن عرفه بآلة قديمة كما قال بعضهم عرفت ربى بربى فقد عرف اللّه ولكن على قدر استعداده فى قبول فيض نور الربوبية الذى به عرف اللّه على قدره لانها بينت ذاته وصفاته فالذى يقدر اللّه حق قدره هو اللّه تعالى لا غيره كنه خردم درخور اثبات تونيست ... داننده ذات توبجزذات تونيست ما للترات ورب الارباب والثانى ذم السمن كما عرف فى سبب النزول قال ابن الملك السمن المذموم ما يكون مكتسبا بالتوسع فى المأكل لا ما يكون خلقة وفى الحديث ( ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند اللّه جناح بعوضة واقرأوا ان شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) قال العلماء معنى هذا الحديث انه لا ثواب لهم واعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن فى موازين القيامة من لا حسنة له فهو فى النار قال القرطبى فى تذكرته وفيه من الفقه ذم السمن لمن تكلفه لما فى ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم بل يدل على تحريم كثرة الاكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن انتهى وفى الفروع ان الاكل فرض ان كان لدفع هلاك نفسه ومأجور عليه ان كان لتمكينه من صومه وصلاته قائما ومباح الى الشبع ليزيد قوته وحرام فوق الشبع الا لقصد قوة صوم الغد ولئلا يستحي ضيفه : قال السعدى قدس سره باندازه خورزاد اكرمر دمى ... جنين برشكم آدمى ياخمى ندارند تن بروان آكهى ... كه بر معده باشد زحكمت تهى قال الامام السخاوى فى المقاصد الحسنة فى الحديث ( ان اللّه يكره الحبر السمين ) وفى التوراة ( ان اللّه ليبغض الحبر السمين ) وفى رواية ( ان اللّه يبغض القارئ السمين ) قال الشافعى رحمه اللّه ما افلح سمين قط الا ان يكون محمد بن الحسن فقيل له ولم قال لانه لا يفكر والعاقل لا يخلو من احدى حالتين اما ان يهمّ لآخرته ومعاده او لدنياه ومعاشه والشحم مع الهم لا ينعقد فاذا خلا من المعنيين صار فى حد البهائم بعقد الشحم ثم قال الشافعى كان ملك فى الزمان الاول كثير اللحم جدا فجمع المتطببين وقال احتالوا حيلة تخف عنى لحمى هذا قليلا فما قدروا فنقبو له رجلا عاقلا اديبا متطببا وبعثوه فاشخص اليه بصره وقال أيعالجنى ذلك الفتى قال اصلح اللّه اللمك انا رجل متطبب منجم دعنى انظر الليلة فى طالعك اى دواء يوافق فاشفيك فهدأ عليه فقال ايها الملك الامان قال لك الامان قال رأيت طالعك يدل على ان عمرك شهر فمتى اعالجك وان اردت بيان ذلك فاحبسنى عندك فان كان لقولى حقيقة فخل عنى والا فاقتص منى قال فحبسه ثم رفع الملك الملاهى واحتجب عن الناس وخلا وحده مغتما ما يرفع رأسه يعد الايام كلما انسلخ يوم ازدادغما حتى هزل وخف لحمه ومضى لذلك ثمانية وعشرون يوما فبعث اليه فاخرجه فقال ما ترى فقال اعز اللّه الملك انا اهون على اللّه من ان اعلم الغيب واللّه ما اعرف عمرى فكيف اعرف عمرك انه لم يكن عندى دواء الا الهم فلم اقدر اجلب اليك الهم الا بهذه العلة فاذابت شحم الكلى فاجازه واحسن اليه والثالث ما فى قوله تعالى { قل اللّه } من لطائف العبارات من اهل الاشارات قال فى التفسير الفارسى [ شيخ ابو سعيد ابو الخير قدس سره در كلمه { قل اللّه ثم ذرهم } فرموده كه اللّه بس وما سواه هوس وانقطع النفس وشيخ الاسلام فرموده كله { قل اللّه } دل سوى اوداد { ثم ذرهم } غير اورافرو كذار وشبلى بابعض اصحاب خود ميكفت كه عليك باللّه ودع ما سواه ] جون تفرقه دلست حاصل زهمه ... دلرا بيكى سبار وبكسل زهمه فالآية باشارتها تدل على ان من اراد الوصول الى اللّه تعالى فلينقطع عما سواه فانه لعب ولهو واللاهى واللاعب ليس على شئ نسأل اللّه سبحانه ان يحفظنا من اشتغال بما سواه والرابع مدح القرآن وبيان فضيلته وفائدته قال احمد بن حنبل رأيت رب العزة فى المنام فقلت يا رب ما افضل ما تقرب به المتقربون اليك قال كلامى يا احمد قلت يا رب بفهم ام بغير فهم قال بهفم وبغير فهم والنظر الى المصحف عبادة برأسه وله أجر على حدته ما عدا اجر القراءة وعن حميد بن الاعرج قال من قرأ القرآن وختمه ثم دعا امن على دعائه اربعة آلاف ملك ثم لا يزالون يدعون له ويستغفرون ويصلون عليه الى المساء او الى الصباح فعلى العاقل ان يجتهد حتى يختم القرآن فى اوائل الايام الصيفية والليالى الشتائية ليستزيد فى دعائهم واستغفارهم وفى الحديث ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) وينبغى ان يقتدى برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلا يطلب عوضا ولا يقصد جزاء ولا شكورا بل يعلم للتقرب الى اللّه تعالى ويقتدى بالانبياء حيث قدم كل واحد منهم على دعوته قوله { لا أسألكم عليه اجرا } قال فى الاسرار المحمدية من اخذ الجراية ليتعلم فهى له حلال ولكن من تعلم ليأخذ الجراية فهى عليه حرام. وفيه ايضا لا يتخذ صحيفة القرآن اذا درست وقابة للكتب بل يمحوها بالماء وكان من قبلنا يستشفى بذلك الماء وينبغى لقارئ القرآن ان يجود ويحسن صوته وفى الحديث ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن وحسنوا القرآن باصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ) قيل اراد بالتغنى الاستغناء وقيل الترنم وترديد الالحان وهو اقرب عند اهل اللغة كذا فى الاسرار ويحكى عن ظهير الدين المرغينانى انه قال من قال لمقرئ زماننا احسنت عند قراءته يكفر كذا فى شرح الهداية لتاج الشريعة وقال فى البزازية من يقرأ القرآن بالالحان لا يستحق الاجر لانه ليس بقارئ قال اللّه تعالى { قرآنا عربيا غير ذى عوج } انتهى وسأل الحجاج بعض جلسائه عن ارق الصوت عندهم فقال احدهم ما سمعت صوتا ارق من صوت قارئ حسن الصوت يقرأ كتاب اللّه تعالى فى جوف الليل قال ذلك الحسن وقال آخر ما سمعت صوتا اعجب من ان اترك امرأتى ما خضا واتوجه الى المسجد بكيرا فيأتينى آت فيبشرنى بغلام فقال واحسناه فقال شعبة بن علقمة التميمى لا واللّه ما سمعت اعجب الى من ان اكون جائعا فاسمع خفخفة الخوان فقال الحجاج ابيتم يا بنى تميم الاحب الزاد والمقصود من هذه الحكاية بيان اختلاف مشارب الناس فمن احب اللّه وانس بكلامه وتجرد عن الاعراض وكان القارئ متحاشيا من الانغام الموسيقية والحان اهل الفسق قارئا على لحون العرب محسنا صوته فلا مجال للطعن فيه والدخل ظاهرا وباطنا واللّه اعلم ٩٣ { ومن } استفهام مبتدأ اى لا احد { اظلم } خبره { ممن افترى على اللّه كذبا } مفعول افترى اى اختلق كذبا وافتعله فزعم انه تعالى بعثه نبيا كمسيلمة الكذاب والاسود العبسى او اختلق عليه احكاما كعمرو بن لحى وهو اول من غير دين اسماعيل عليه السلام ونصب الاوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة قال عليه السلام فى حقه ( رأيته يجر قصبه فى النار ) قال قتادة كان مسيلمة يسجع ويتكهن كما قال فى معارضة سورة الكوثر انا اعطيناك الجماهر فصل لربك وهاجر انا كفيناك المكابر والمجاهر فانظر كيف كان سافل الالفاظ والبنا فاسد المعانى والجنى فادعى النبوة وكان قد ارسل الى رسلو اللّه صلى اللّه عليه وسلم رسولين فقال عليه السلام { اتشهدون ان مسيلمة نبى } قالا نعم فقال عليه السلام { لولا ان الرسل لا تقتل لضربت اعناقكما } وفى الحديث ( بينا انا نائم اتيت بخزائن الارض فوضع فى يدى سواران من ذهب فكبرا علىّ واهمانى فاوحى الى ان انفخهما فنفختهما فذهبا فاولتهما بالكذابين اللذين انا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة ) قال القاضى وجه تأويلهما بالكذابين ان السوار كالقيد لليد يمنعها عن البطش فكذا الكذابان يقومان بمعارضة شريعته ويصدان عن نفاذ امرها قتل صاحب صنعاء وهو الاسود العبسى فى مرض موت النبى عليه السلام قتله فيروز الديلمى فلما بلغ خبر قتله النبى عليه السلام قال فاز فيروز وقتل صاحب اليمامة وهو مسيلمة فى عهد الصديق قتله الوحشى قاتل حمزة فلما قتله قال قتلت خير الناس فى الجاهلية وشر الناس فى اسلامى { او قال اوحى الى } من جهته تعالى { ولم يوح اليه } اى والحال انه لم يوح اليه { شئ } اصلا كعبد اللّه بن سعد بن ابى سرح كان يكتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما نزلت { ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين } فلما بلغ { ثم انشأناه خلقا آخر } قال عبد اللّه { فتبارك اللّه احسن الخالقين } تعجبا من تفصيل خلق الانسان فقال عليه السلام ( اكتبها فكذلك نزلت ) فشك عبداللّه وقال لئن كان محمد صادقا اى فى قوله فكذلك نزلت لقد اوحى الى كما اوحى اليه ففى التحقيق انا اكون مثله ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال فعلىّ ان ادعى نزول الوحى مثله فارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين ثم رجع الى الاسلام قبل فتح مكة اذ نزل النبى عليه السلام بمرو { ومن } اى وممن { قال سأنزل مثل ما انزل اللّه } وهم المستهزئون الذين قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا { ولو ترى اذ الظالمون } الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومفعول ترى محذوف لدلالة الظرف عليه اى ولو ترى الظالمين اذ هم. فالظالمون مبتدأ وما بعده خبره واذ مضاف الى الجملة والمراد بالظالمين الجنس فيدخل فيهم المتلبئة وغيرهم وجواب لو محذوف اى لو ترى الظالمين فى هذا الوقت لرأيت امرا عظيما { فى غمرات الموت } اى شدائده وسكراته. جمع غمرة وهى الشدة الغالبة من غمره الماء اذا علاه وغطاه { والملائكة } اى ملك الموت واعوانه من ملائكة العذاب { باسطوا أيديهم } بقبض ارواحهم كالمتقاضى الملظ اى كالغريم الملازم الملح الذى يبسط يده الى من عليه الحق ويعنفه علهي فى المطالبة ولا يمهله ويقول له اخرج الى ما لى عليك الساعة ولا ازال من مكانى حتى انزعه من كبدك وحدقتك او باسطوها بالعذاب قائلين { اخرجوا انفسكم } اى ارواحكم الينا من اجسادكم وهذا القول منهم تغليظ وتعنيف والا فلا قدرة لهم على الاخراج المذكور اواخر جوها من العذاب وخلوصا من ايدينا { اليوم } اى وقت الاماتة او الوقت الممتد بعده الى ما لا نهاية له { تجزون عذاب الهون } اى العذاب المتضمن لشدة واهانة والهون الهوان اى الحقارة { بما كنتم تقولون على اللّه غير الحق } كاتخاذ الولد ونسبة الشريك وادعاء النبوة والوحى كذبا { وكنتم عن آياته تستكبرون } فلا تتأملون فيها ولا تؤمنون بها وفى الحديث ( ان المؤمن اذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر من الريحان وتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين ويقال لها ايتها النفس الطيبة اخرجى راضية مرضية ومرضيا عنك الى روح اللّه وكرامته فاذا خرجت روحه وضعت على ذلك المسك والريحان وطويت عليها الحريرة وبعث بها الى عليين وان الكافر اذا احتضر أتته الملائكة بمسح فيه جمرة فتنزع روحه انتزاعا شديدا ويقال لها أيتها النفس الخبيثة اخرجى ساخطة ومسخوطا عليك الى هوان اللّه وعذابه فاذا خرجت روحه وضعت على تلك الجمرة وان لها نشيجا اى صوتا ويطوى عليها المسح ويذهب بها الى سجين ) كذا فى تفسير ابى الليث رحمه اللّه والاشارة ان الذين يراؤن فى التأوه والزعقات واظهار المواجيد والحالات لهم من اللّه خطرات ونظرات وليس لهم منها نصيب الا الزفرات والحسرات والمتشبع بما لم يملك كلابس ثوبى زور وفى معناه انشدوا اذا انسكبت دموع فى خدود ... تبين من بمى ممن تباكى والذى نزل نفسه منزلة المحدثين واهل الاشارة ولم يلق الى اسرارهم خصائص الخطاب ولم تلهم نفوسهم بها والذين يتشدقون ويتفيهقون فى الكلام الذين يدعون انهم يتكلمون بمثل ما انزل اللّه من الحقائق والاسرار على قلوب عباده الواصلين الكاملين فكلهم من الظالمين وتظهر مضرة ظلمهم وافترائهم عند انقطاع تعلق الروح عن البدن واخراج النفس من القالب كرها لتعلقها بشهوات الدنيا ولذاتها وحرمانها من لذة الحقائق الغيبية والشهوات الاخروية اذا الملائكة يبسطون ايديهم بالقهر اليهم لنزع انفسهم بالهوان والشدة وهى متعلقة بحسب الافتراء والكذب واستحلاء رفعة المنزلة عند الخلق وطلب الرياسة باصناف المخلوقات فتكون شدة النزع والهوان بقدر تعلقها بها كما قال { اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } يعنى آياته المودعة فى انفسكم تعرضون عنها وتراؤن بما ليس لكم ولعل تعلق النفس يتقطع عن البدن بيوم او يومين او ثلاثة ايام وتعلقها عن اوصاف المخلوقات لا ينقطع بالسنين ولعله الى الحشر والكفار الى الابد وهم فى عذاب النزع بالشدة ابدا وهو العذاب الاليم والعذاب الشديد ومن نتائج هذه الحالة عذاب القبر فافهم جدا وحكى عن بعض العصاة انه مات فلما حفروا قبره وجدوا فيه حية عظيمة فحفروا له قبرا آخر فوجدوها فيه ثم كذلك قبر ابعد قبر الى ان حفروا نحوا من ثلاثين قبرا وفى كل قبر يجدونها فلما رأوا انه لا يهرب من اللّه هارب ولا يغلب اللّه غالب دفنوه معها وهذه الحية هى عمله : قال الحافظ كارى كنيم ورثه خجالت برآورد ... روزى كه رخت جان بجهان دكركشيم ٩٤ { ولقد جئتمونا } للحساب والجزاء وهو بمعنى المستقبل اى تجيئوننا وانما ابرز فى صورة الماضى لتحققه كقوله تعالى { أتى امر اللّه } والخطاب لكفار قريش لانها نزلت حين قالوا افتخارا واستخفافا للفقراء نحن اكثر اموالا واولادا فى الدنيا وما نحن بمعذبين فى الآخرة { فرادى } جمع فرد اى منفردين عن الاموال والاولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا { كما خلقناكم اول مرة } بدل من فرادى اى على الهيئة التى ولدتم عليها فى الانفراد او حال من ضمير فرادى اى مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غر لا بهما اى ليس بهم شئ مما كان فى الدنيا نحو البرص والعرج كذا فى القاموس وفى الخبر ( انهم يحشرون يوم القياة عراة حفاة غرلا ) قالت عائشة رضى اللّه عنها واسوءتاه الرجل والمرأة كذلك فقال عليه السلام ( لكل امرى منهم يومئذ شأن يغنيه لا ينظر الرجال الى النساء ولا النساء الى الرجال شغل بعضهم عن بعض ) { وتركتم ما خولناكم } ما تفضلنا به عليكم فى الدنيا فشغلتم به عن الآخرة. والتخويل تمليك الخول اى الخدم والاتباع واحدهم خائل او الاعطاء على غير جزاء { وراء ظهوركم } ما قدمتم منه شيأ ولم تحملوا نقيرا بخلاف المؤمنين فانهم صرفوا همتهم الى العقائد الصحيحة والاعمال الصالحة فبقيت معهم فى قبورهم وحضرت معهم فى محفل القيامة فهم فى الحقيقة ما حضروا فرادى جون ازنيجا وارهى انجاروى ... درشكر خانه ابد شاكر شوى { وما نرى معكم شفعاءكم } الاصنام { الذين زعمتم انهم فيكم شركاء } اى شركاء للّه فى ربوبيتكم واستحقاق عبادتكم { لقد تقطع بينكم } اى وقع التقطع بينكم كما يقال جمع بين الشيئين اى اوقع الجمع بينهما قال الكاشفى [ منقطع كشت آنجه ميان شمابود ازو صلت ومودت ] { وضل عنكم } اى بطل وضاع { ما كنتم تزعمون } انها شفعاؤكم فلم يقدروا على دفع شئ من العذاب عنكم اوانها شركاؤكم للّه فى ربوبيتكم وهو الانسب لسياق النظم ألا ترى الى قوله تعالى { الذين زعمتم انهم فيكم شركاء } اعلم ان للانسان اعداء اربعة هى المال والاهل والاولاد والاصدقاء وهى لا تدخل فى القبر مع الميت فيبقى فريدا وحيدا منهم. واصدقاء اربعة هى كلمة الشهادة والصلاة والصوم وذكر اللّه وهى تدخل فى القبر وتشفع عند اللّه تعالى فتصحب الميت لا يبقى وحيدا فعلى العاقل ان يتفكر فى تجره وتفرده فيسعى فى تحصيل لباس له هو التقوى ومصاحب هو العمل الصالح وفى الحديث ( ان عمل الانسان يدفن معه فى قبره فان كان العمل كريما اكرم صاحبه وان كان لئيما اسلمه وان كان عملا صالحا آنس صاحبه وبشره ووسع عليه قبره ونوره وحماه من الشدائد والاهوال والعذاب والوبال وان كان عملا سيئا فزع صاحبه وروّعه واظلم عليه قبره وضيقه وعذبه وخلى بينه وبين الشدائد والاهوال والعذاب والوبال ) قال اليافعى وقد سمت عن بعض الصالحين فى بعض بلاد اليمن انه لما دفن بعض الموتى وانصرف الناس سمع فى القبر صوتا ودقا عنيفا ثم خرج من القبر كلب اسود فقال له الشيخ الصالح ويحك ايش انت فقال انا عمل الميت فقال فهذا الضرب فيك ام فيه قال بل فى وجدت عنده سورة يس واخواتها فحالت بينى وبينه وضربت وطردت فانظرانه لما قوى عمله الصالح غلب على عمله الطالح وطرده عنه بكرم اللّه تعالى ولو كان عمله القبيح اقوى لغلب عليه وافزعه وعذب : قال السعدى غم وشادمائى نماند وليك ... جزاى عمل ما ندونام نيك مكن تكيه برملك وجاه وحشم ... كه بيش ازتو بودتس وبعد ازتوهم قال القشيرى { ولقد جئتمونا فرادى } اى دخلتم الدنيا بخرقة وخرجتم منها بخرقة ألا وتلك الخرقة ايضا لبسه وما دخلت الا بوصف التجرد وما خرجت الا بحكم التجرد ثم الاثقال والاوزار والاعمال والاوصال لا يأتى عليها حصر ولا مقدار فلا مالكم اغنى ولا حالكم يدفع عنكم ولا شفيع يخاطبنا فيكم ولقد تفرق وصلكم وتبدد شملكم وتلاشى ظنكم وخاب سعيكم انتهى كلام القشيرى والاشارة ان المجيء الى اللّه يكون بالتجريد ثم بالتفريد ثم بالتوحيد فالتجريد هو التجرد عن الدنيا وما يتعلق بها والتفريد هو التفرد عن الدنيا والآخرة رجوعا الى اللّه خاليا عن التعلق بهما كما كان فى بدء الخلقة روحا مجردا عن تعلقات الكونين كقوله { لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة } يعنى اول خلقة الروح قبل تعلقه بالقالب فانه خلقة ثانية كما قال { ثم انشأناه خلقا آخر } وقال { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } فللعبد فى السير الى لاله كسب وسعى بالتجريد والتفريد عن الدنيا والآخرة كما قال { وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم } يعنى من تعلقات الكونين { وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء } يعنى الاعمال والاحوال التى ظننتم انها توصلكم الى اللّه فاذا وصل العبد الى سرادقات العزة انتهى سيره كما انتهى سير جبرائيل ليلة المعراج عند سدرة المنتهى وهو منتهى سير السائرين من الملك والانس والتوحيد هو التوحد لقبول فيض الوحدانية عن التجلى بصفات الواحدية لتوصل العبد بجذبة ارجعى الى ربك الى مقام الوحدة ولو لم تدركه العناية الزلية بجذبات الربوبية لانقطع عن السير فى اللّه باللّه وبقى فى السدرة وهو يقول وما منا الا له مقام معلوم فافهم كذا فى التأويلات النجمية ٩٥ { ان اللّه فالق الحب } الفلق الشق بابانة. والحب جمع حبة وهى اسم لجميع البزور المقصودة بذواتها كالبر والشعير والذرة ونحوها والمعنى شاق الحب بالنبات اى يشق الحبة اليابسة فيخرج منها ورق اخضر { والنوى } واحدتها نواة وهى الشئ الموجود فى داخل الثمر مثل نواة الخوج والمشمش والتمر ونحوها والمعنى شاق النوى بالشجر اى يشق النواة الصلبة فيخرج شجرة ذات اورقا واغصان { يخرج الحى من الميت } بيان لما قبله اى يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات مما لا ينمو من النطفة والحب { ومخرج الميت } كالنطفة والحب { من الحى } كالحيوان والنبات وهو معطوف على فالق الحب فالحى والميت مجاز عن النامى والجامد تشبيها للنامى بالحى والحى حقيقة فيما يكون موصوفا بالحياة المستتبعة للحس والحركة الارادية والميت حقيقة فيما يكون خاليا عن صفة الحياة ممن تكون الحياة من شأنه ومنهم من حمل اللفظ على الحقيقة وقال يخرج من النطفة الميتة بشرا حيا ومن الدجاجة بيضة ميتة قال ابن عباس رضى اللّه عنهما يخرج المؤمن من الكافر كما فى حق ابراهيم عليه السلام والكافر من المؤمن كما فى حق ولد نوح عليه السلام والعاصى من المطيع وبالعكس والعالم من الجاهل وبالعكس والعاقل من الاحمق وبالعكس والاشارة يخرج نخل الايمان من نوى الحروف الميتة فى كلمة لا اله الا اللّه ومخرج ميت النفاق من الكلمة الحية وهى لا اله الا اللّه { ذلكم } القادر العظيم الشأن { اللّه } المستحق للعبادة وحده { فأنى تؤفكون } فكيف تصرفون عن عبادته الى غيره ولا سبيل اليه اصلا. والافك فى اللغة قلب الشئ وصرفه والخطاب لكفار قريش لان السورة مكية ٩٦ { فالق الاصباح } خبر آخر لان. والاصباح بكسر الالف مصدر بمعنى الدخول فى ضوء النهار سمى به الصبح اى فالق عمود الفجر عن بياض النهار واسفاره { وجعل الليل سكنا } يسكن اليه التعب بالنهار لاستراحته من سكن اليه اذا اطمأن اليه استئناسا به او سكن فيه الخلق من قوله تعالى { لتسكنوا فيه } { والشمس والقمر } اى وجعلهما { حسبانا } اى على ادوار مختلفة يحسب بها الاوقات فانه تعالى قدر حركه الشمس بمقدار من السرعة والبطئ بحيث تتم دورتها فى سنة وقدر حركة القمر بحيث تتم الدورة فى شهر وبهذا التقدير تنتظم المصالح بالفصول الاربعة كنضج الثمار وامور الحرث والنسل ونحو ذلك مما يتوقف عليه قوام العالم وباختلاف منازل القمر وتجدد الاهلة فى كل شهر بعلم آجال الديون ومواقيت الاشياء فمعنى جعل الشمس والقمر حسبانا جعلهما علمى حساب. فالحسبان بالضم مصدر بمعنى الحساب والعد وبابه نصر. واما الحسبان بكسر الحاء فهو من باب علم ومعناه الظن والتخمين وتقديم الشمس لضيائها على القمر لانها معدن الانوار الفلكية من البدور والنجوم واصلها فى النورانية وان انوارهم مقتبسة من نور الشمس على قدر تقابلهم وصفوة اجرامهم قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره نور القمر ليس من نفسه وانما هو من عالم الانوار فهو ليس بناقص فى ذاته وانما ذلك بسبب عروض الكشافة بالتدريج ولولا ذلك لم تعرف الشهور والسنون والشمس والقمر عينا هذا التعين وظاهرهما الى الفوق والذى نراه جانبهما الداخل فهو تارة يفتح عينيه واخرى يغمض كما انا نفعل كذلك والكواكب ليست مركوزة فيه وانما هى بانعكاس الانوار فى بعض عروقه اللطيفة والذى يرى كسقوط النجم فكدفع الشمس من موضع الى موضع وهذا لا يطلع عليه الحكماء وانما يعرفه اهل السلوك ثم قال الليل والنهار فى عالم الآخرة ليسا بالظلمة والضياء بل لهما علامة اخرى بتجلى من التجليات فيعرفون به الليل والنهار وكيف يكون الليل هنا بالظلمة وقد قال عليه السلام ( لو خرج ورق من اوراقها الى الدنيا لاضاء العالم ) انتهى كلامه { ذلك } اشارة الى جعلهما حسبانا اى ذلك التسيير البديع بالحساب المعلوم { تقدير العزيز } الذى قهرهما وسيرهما على الوجه المخصوص { العليم } بما فيهما من المنافع والمصالح المتعلقة بمعاش الخلق ومعادهم : قال السعدى ابر وباد ومه وخورشيد وفلك دركارند ... تاتو نانى بكف آرى وبغفلت نخورى همه ازبهر توسر كشته وفرمان بردار ... شرط انصاف نباشد كه توفرمان نبرى ٩٧ { وهو الذى } [ واوست خداونديكه بقدرت كامله ] { جعل لكم } اى انشأ لاجلكم وابدع { النجوم } التى تختلف مواضعها من جهة الشمال والجنوب والصبا والدبور { لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر } اى فى ظلمات الليل فى البر والبحر واضافتها اليهما للملابسة فان الحاجة الى الاهتداء بها انما تحقق عند ذلك قال الحدادى لتعرفوا بها الطرق من بلد الى بلد فى المفاوز ولجج البحار فى الليالى المظلمة فى السفن فان من النجوم ما يجعله السائر تلقاء وجهه. ومنها ما يجعله على يمنيه. ومنها ما يجعله على يساره. ومنها ما يجعله خلفه ليظهر له الطريق التى تؤديه الى بغيته. وللنجوم فوائد اخر وهى انها زينة السماء ورمى الشياطين وغير ذلك { قد فصلنا الآيات } اى بينا الآيات الدالة على قدرتنا فصلا فصلا { لقوم يعلمون } فانهم المنتفعون بها ٩٨ { وهو الذى انشأكم } مع كثرتكم { من نفس واحدة } من نفس آدم وحدها فانه خلقنا جميعا منه وخلق امّنا حواء من ضلع من اضلاع آدم فصار كل الناس محدثة مخلوقة من نفس واحدة حتى عيسى فان ا بتداء تكوينه من مريم التى هى مخلوقة من ماء ابويها وانما منّ علينا بهذا لان الناس اذا رجعوا الى اصل واحد كانوا اقرب الى ان يألف بعضهم بعضا قال اهل الاشارة ان اللّه تعالى كما خلق آدم ابتداء وجعل اولاده منه كذلك خلق روح محمد صلى اللّه عليه وسلم قبل الارواح كما قال ( اول ما خلق اللّه روحى ) ثم خلق الارواح من روحه فكان آدم أبا البشر وكان محمد صلى اللّه عليه وسلم ابا الارواح واليه يشير قوله تعالى { هو الذى انشأكم من نفس واحدة } { فمستقر ومستودع } كل واحد منهما مصدر ميمى مرفوع على الابتداء والخبر محذوف اى فلكم استقرار فى الاصلاب او فوق الارض واستيداع فى الارحام او تحت الارض وجعل صلب الاب مستقر النطفة ورحم الام مستودعا لها لان النطفة حصلت فى صلب الاب لا من قبل الغير وحصلت فى رحم الام بفعل الغير فاشبهت الوديعة كأن الرجل اودعها ما كان مستقرا عنده وقال الحسن يا ابن آدم انت وديعة فى اهلك ويوشك ان تلحق بصاحبك وانشد قول لبيد وما المال والاهلون الا وديعة ... ولا بد يوما ان ترد الودائع والقلب ايضا من الودائع والامانات : قال الصائب ترا بكوهر دل كردماند اما نتدار ... نه دزد امانت حق را نكاه دار مخسب { قد فصلنا الآيات } المبينة لتفاصيل خلق البشر من هذه الآية ونظائرها { لقوم يفقهون } غوامض الدقائق باستعمال الفطنة وتدقيق النظر وانما ذكر مع ذكر النجوم يعلمون ومع ذكر تخليق بنى آدم يفقهون لان ذلك اشارة الى آيات الآفاق وهذا الى آيات الانفس ولا شك ان آيات الآفاق اظهر واجلى وآيات الانفس ادق واخفى فكان ذكر الفقه لها انسب واولى لان الفقه عبارة عن الوقوف على المعنى الخفى واصل تركيب الفقه يدل على الشق والفتح والفقيه العالم الذى يشق الاحكام ويفتش عن حقائقها ويفتح ما استغلق منها فالفقه انما يطلق حيث يكون فيه حذاقة وتدقيق نظر قال الحدادى الفقه فى اللغة هو الفهم لمعنى الكلام الا انه قد جعل فى العرف عبارة عن علم الغيب على معنى انه استدراك معنى الكلام بالاستنباط من الاصول ولهذا لا يجوز ان يوصف اللّه تعالى بانه فقيه لانه لا يوصف بالعلم على جهة الاستنباط ولكنه عالم بجميع الاشياء على وجه احد انتهى ثم هذه الآيات الآفاقية والانفسية تفصح عن صنع اللّه البديع وتدعو اهل الشرك الى التوحيد والايمان واهل الاخلاص الى الشهود والعيان واهل المعصية الى الطاعة والتوبة باللسان والجنان فان الامتنان بذكر النعم الجليلة يستدعى شكرا لها ومعرفة لحقها ولكل قوم وفريق سلوك الى طريق التحقيق على حسب ما انعم عليه من توحيد الافعال والصفات والذات فعلى العاقل ان يجتهد فى طلب الحق فان المقصود من ترتيب مقدمات العوالم آفاقية كانت او انفسية هو الوصلو الى الظاهر من جهة المظاهر وانما اصل الحجاب هو الغفلة وحكى ان الشيخ أبا الفوارس شاهين بن شجاع الكرمانى رحمه اللّه خرج للصيد وهو ملك كرمان فامعن فى الطلب حتى وقع فى برية مقفرة وحده فاذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع فلما رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا اليه سلم عليه وقال له ياشاه ما هذه الغفلة عن اللّه اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذاتك وهواك عن خدمة مولاك انما اعطاك اللّه الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة الى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه اذ خرجت عجوز بيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب فدفع باقيه الى الشاه فشربه فقال ما شربت شيأ ألذ منه ولا ابرد ولا اعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب هذه الدنيا وكلها اللّه الى خدمتى فما احتجت الى شئ الا احضرته الى حين يخطر ببالى أما بلغك ان اللّه تعالى لما خلق الدنيا قال لها ( يا دنيا من خدمنى فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه ) فلما رأى ذلك تاب وكان منه ما كان وانشد بعضهم خدمت لما ان صرت من خدمك ودار عندى السرور من نعمك ... وكانت الحادثات تطرقنى فاستحشمتنى اذ صرت من حشمك ... اللّهم اجعلنا من الملازمين لبابك ولا تقطعنا عن جنابك ٩٩ { وهو } اى اللّه تعالى { الذى انزل من السماء ماء } خاصا هو المطر ثم التفت من الغيبة الى التكلم فقال { فاخرجنا } بعظمتنا فالنون للعظة لا الجمع فان الملك العظيم يعبر عن نفسه بلفظ الجمع تعظيما له { به } اى بسبب ذلك الماء مع وحدته { نبات كل شئ } ينب كنبات الحنطة والشعير والرمان والتفاح وغيرها فشئ مخصص فلا يلزم ان يكون لكل شئ بنات كالحجر مثلا والنبت والنبات ما يخرج من الارض من الناميات سواء كان له ساق كالشجر او لمي كن كالنجم فان قيل كيف جعل اللّه المطر سببا للنبات والفاعل بالسبب يكون مستعينا بفعل السبب واللّه تعالى مستغن عن الاسباب قيل لان المطر سبب يؤدى الى النبات وليس بمولود له واللّه تعالى قادر على انبات النبات بدون المطر وانما يكون الفاعل بالسبب مستعينا بذلك السبب اذا لم يمكنه فعل ذلك الشئ الا بذلك السبب كما ان الانسان اذا لم يمكنه ان يصعد السطح الا بالسلم فان السلم آلة للصعود والظاهر انه اذا صعد السطح بالسلم لم يكن السلم آلة له لانه يمكنه ان يصعد السطح بدون السلم { فاخرجنا منه } شروع فى تفصيل ما اجمل من الاخراج وقد بدأ بتفصيل حال النجم اى فاخرجنا من النبات الذى لا ساق له شيأ غضا { خضرا } بمعنى اخضر وهو اى الشئ الاخضر الخارج من النبات ما تشعب من اصل النبات الخارج من الحبة { تخرج منه } صفة لخضرا اى نخرج من ذلك الخضر المتشعب { حبا متراكبا } هو السنبل المنتظم للحبوب المتراكبة بعضها فوق بعض على هيئة مخصوصة { ومن النخل } شروع فى تفصيل حال الشجر اثر بيان حال النجم وهو خبر مقدم { من طلعها } بدل منه باعادة العالم وهو شئ يخجر من النخل كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود { قنوان } مبتدأ اى وحاصلة من طلع النخل قنوان جمع قنو وهو للثمر بمنزلة العنقود للعنب { دانية } سهلة المجتنى قرييبة من القاطف فانها وان كانت صغيرة ينالها القاعد تأتى بالثمر لا تنتظر الطلو او ملتفة متقاربة وفيه اختصار معناه من النخل ما قنوانها دانية ومنها ما هى بعيدة فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لان النعمة فى القريبة اكمل واكبر وفى الحديث ( اكرموا عماتكم النخل فانها خلقت من فضلة طينة آدم وليس من الشجر شجرة اكرم على اللّه من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر ) انتهى فظهر ان السبب فى اطعام النفساء رطبا ان مريم رضى اللّه عنها كان اول ما اكلت حين وضع عيسى عليه السلام هو الرطب كما قال تعالى فى سورة مريم { وهزى اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } وورد فى فضيلة السفرجل ايضا انه شكا بعض الانبياء الى اللّه تعالى من قبح اولاد امته فاوحى اللّه اليه مرهم ان يطعموا نساءهم الحبالى السفرجل فى الشهر الثالث والرابع لان فيه تصور الجنين فانه يحسن الولد { و } اخجرنا به { جنات } بساتين كائنة { من اعناب } فهو عطف على نبات كل شئ ولعل زيادة الجنات هنا من غير اكتفاء يذكر اسم الجنس كما فيما تقدم وما تأخر لما ان الانتفاع بهذا الجنس لا يتأتى غالبا الا عند اجتماع طائفة من افراده وكل نبت متكائف يستر بعضه بعضا فهو جنة من جن اذا استتر والاعناب جمع عنب وهو بالفارسية [ انكور ] { والزيتون والرمان } اى واخرجنا ايضا شجر الزيتون وشجر الرمان { مشتبها } اوراقهما ومشتملا على الغصن من اوله الى آخره فى كليهما وهو حال { وغير متشابه } ثم هما وفى التفسير الفارسى [ { مشتبها } در حالتى كه آن درختان بعضى ببعضى ما نند دربرك { وغير متشابه } ونه ما ننند يكديكر درطعم ميوه جه بعضى بغايت ترش ميباشد وبعضى شيرين وبرخى تشر وشيرين ] { انظروا } يا مخاطبين نظر اعتبار { الى ثمره } [ بميوه هردرختى ] { اذا اثمر } اذا اخرج ثمره كيف يخرجه ضئيلا لا يكاد ينتفع به { وينعه } والى حال نضجه كيف يعود ضخما ذا نفع ولذة والينع فى الاصل مصدر ينعت الثمرة اذا ادركت. وقوله اذا اثمر ظرف لقوله انظروا امر بالنظر فى اول حال حدوث الثمرة وفى كمال نضجها مع كونها نابتة من ارض واحدة ومسقية بماء واحدة ليعلم كيف تتبدل وتنتقل الى احوال مضادة للاحوال السابقة وحصول هذه التغيرات مسند الى القادر الحكيم العليم المدبر لهذا العالم على وفق الرحمة والحكمة والمصلحة قال القرطبى هذا الينع هو الذى يتوقف عليه جواز بيع الثمرة وهو ان يطيب اكل الفاكهة وتأمن العاهة وهو عند طلوع الثريا بما اجرى اللّه تعالى عادته عليه روى ابو هريرة عن النبى عليه السلام انه قال ( اذا طلعت الثريا صباحا رفعت العاهة عن اهل البلد ) وطلوعها صباحا فى اثنتى عشرة تمضى من شهر ايار وهو آخر الشهور الثلاثة من اول فصل الربيع وهى اذار ونيسان وايار { ان فى ذلكم } اشارة الى ما امر بالنظر اليه { لآيات } عظيمة دالة على وجود القادر الحكيم ووحدته { لقوم يؤمنون } خصوا بالذكر لانهم المنتفعون بالاستدلال بها والاعتبار والاشارة فى الآية ان اللّه تعالى ينزل من سماء العناية ماء الهداية فيخرج به انواع المعارف والاسرار على حسب مراتب اهل الزهد والفتوى واهل العشق والتقوى اذا القلب كالروضة ينشأ منه ما هو مستعد له وكل نبت يترجم عن ترابه : كما قال فى المثنوى درزمين كرنى شكر ورخود نى است ... ترجمان هر زمين نبت وى است والنخل اعلى من غيره ولذا يقال انه اشارة الى اصحاب الولايات فمن ثمرات ولايتهم ما هو متدان للطالبين والمريدين يعنى منهم من يكون مريبا فينتفع بثمرات ولايته ومنهم من يختار العزلة والانقطاع عن المتمسكين به وجملة شؤونهم ناظرة الى امر اللّه تعالى واذنه ولذا لا يطعن فيهم الا جاهل وهم فى خلواتهم وجلواتهم يتفكهون من روضات القلوب ويتلذذون بلذائذ حبات الغيوب وامرهم مستور عن الخلق واعينهم وعن بعضهم قال رأيت عند قبر النبى عليه السلام تسعة من الاولياء فتبعتهم فالتفت الى احدهم وقال اين تمر قلت اسير معكم لحبى فيكم فانى سمعت عمن زرتموه عليه السلام انه قال ( المرء مع من احب ) فقال احدهم انك لا تقدر على المسير الى هذا الموضع الذى نقصده فانه لا يقدر عليه الا من بلغ سنه اربعين سنة فقال آخر دعه لعل اللّه يرزقه فسرت معهم والارض تطوى من تحتنا طيا فلم نزل حتى انتهينا الى مدينة مبنية بالذهب والفضلة واشجارها متكاثفة وانهارها مطردة رائقة وفواكهها كبيرة فائقة فدخلنا واكلنا من ثمرها واخذت معى ثلاث تفاحات فلم يمنعونى من اخذها فسألتهم عند الانصراف عن المدينة قالوا مدينة الاولياء اذا ارادوا التنزة ظهرت لهم اينما كانوا ما دخلها احد قبل الاربعين غيرك وكنت كلما جعت اكلت من التفاحة وهى لا تتغير ورجعت الى اهلى وقد بقى معى تفاحة واحد غير التى ادخرتها لنفسى فعانقتنى اختى وقالت اين الذى اطرفتنا به من سفرك فقلت وما الذى اطرفكم به وانا بعيد عن الدنيا وعن الراحة قالت فاين التفاحة فعميت عليها وقلت وأى تفاحة قالت يا مسكين واللّه لقد ادخلونى تلك المدينة وانا بنت عشرين سنة واما انت فلم ترها الا بعد ان طردونك وانا واللّه جذبت اليها جذبة وخطبت اليها خطجبة قلت اى اخت فالبدل الكبير منهم يقول لى لم يدخلها احد لم يبلغ اربعين سنة غيرك قالت نعم من المريدين واما المرادون فيدخولنها ولا يرضون بها ومتى شئت ارتيكها فقلت قد شئت فقالت يا مدينتى احضرى فواللّه لقد رأيت المدينة بعينها تتدلى اليها وترف عليها فمدت يدها وقالت اين تفاحك قال فتساقط على من التفاح ما علانى فضحكت ثم قالت من عنده من الملك هذا يحتاج الى تفاحتك قال فاستحقرت واللّه نفسى عند ذلك وما كنت اعلم ان اختى منهم رضى اللّه عنها وعنهم : قال السعدى هركس سزاوار باشد بصدر ... كرامت بفضلست ورتبت بقدر ١٠٠ { وجعلوا للّه شركاء الجن } قال الكاشفى الاصح انها نزلت فى الزنادقة اعنى المجوس ويقال لهم الثنوية ايضا قالوا ان اللّه تعالى وابليس اخوان فاللّه تعالى خالق الناس والدواب والانعام وكل خير ويعبرون عن اللّه بيزدان وابليس خالق السباع والحيات والعقارب وكل شر ويعبرون عن ابليس باهر من وهذا كقوله تعالى { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } وابليس من الجنة والمعنى وجعلوا الجن شركاء للّه فى اعتقادهم الباطل { وخلقهم } حال من فاعل جعلوا بتقدير قد اى والحال انهم قد علموا ان اللّه خالقهم دون الجن وليس من يخلق كمن لا يخلق فالضمير للجاعلين ويحتمل ان يكون للجن اى والحال انه تعالى خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكا له { وخرقوا له } اى افتعلوا وافتروا له تعالى يقال خرق واخترق واختلق وافترى اذا كذب { بنين وبنات } فقالت اليهود عزير ابن اللّه وقالت النصارى المسيح ابن اللّه وقالت طائفة من العرب الملائكة بنات اللّه { بغير علم } بحقيقة ما قالوه من خطأ او صواب بل رميا بقول من عمى وجهالة من غير فكر وروية. والباء متعلقة بمحذوف هو حال من فاعل خرقوا اى خرقوا ملتبسين بغير علم { سبحانه } اى تنزه تعالى بذاته تنزها لألقابه { وتعالى } من العلو اى استعلى ويجوز فى صفات اللّه تعالى علا ولا يجوز ارتفع لان العلو قد يكون بالاقتدار والارتفاع يقتضى الجهة والمكان ولما فى السبحان والتعالى من معنى التباعد قيل { عما يصفون } اى تباعد عما يصفونه من ان له شريكا او ولدا ١٠١ { بديع السموات والارض } اى هو مبدع من غير مثال سبق لقطرى العالم العلوى والسفلى بلا مادة فاعل على الاطلاق منزه عن الانفعال بالمرة والوالد عنصر الولد منفعل بانتقال مادته عنه فكيف يكون له ولد فالفعيل بمعنى المفعل كالاليم والحكيم بمعنى المؤلم والمحكم والاضافة حقيقية وقيل هو من اضافة الصفة المشبهة الى فاعلها اى بديع سمواته وارضه من بدع اذا كان على نمط عجيب وشكل فائق وحسن رائق { انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة } اى من اين او كيف يوجد له ولد والحال ان اسباب الولادة منتفية فان وجود الولد بلا والدة محال وان امكن بلا والد كعيسى عليه السلام والمراد بالصاحبة الزوجة : وفى المثنوى لم يلد لم يولداست او ازقدم ... نى بدر دارد نه فرزندونه عم { وخلق كل شئ } انتظم بالتكوين والايجاد من الموجودات التى من جملتها ما سموه ولداله تعالى فكيف يتصور ان يكون المخلوق ولدا لخالقه خالق افلاك وانجم بلاعلا ... مردم ود يووبرى ومرغ را { وهو بكل شئ } من شأنه ان يعلم كائنا ما كان مخلوقا او غير مخلوق { عليم } مبالغ فى العلم ازلا وابدا فلا يخفى عليه خافية مما كان وما سيكون من الذوات والصفات والاحوال التى من جملتها ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز من المحالات التى كان ما زعموه فردا من افرادها ١٠٢ { ذلكم } اى ذلك الموصوف بتلك الصفات العظيمة ايها المشركون { اللّه } المستحق للعبادة خاصة مبتدأ وخبره { ربكم } اى مالك امركم نيست خلقش را دكركس مالكى ... شركتش دعوى كند جزهالكى { لا اله الا هو } اى لا شريك له اصلا { خالق كل شئ } مما كان وما سيكون فلا تكرار وهذه اخبار مترادفة { فاعبدوه } حكم مسبب عن مضمونها فان من جمع هذه الصفات استحق العبادة خاصة { وهو على كل شئ وكيل } اى وهو مع تلك الصفات متولى اموركم فكلوها اليه وتوسلوا بعبادته الى انجاح مآربكم الدنيوية والاخروية ورقيب على اعمالكم فيجازيكم قال الامام الغزالى قدس سره والوكيل ينقسم الى من يفى بما وكل اليه وفاء تاما من غير قصور والى من لا يفى بالجميع والوكيل المطلق هو الذى يفى بالامور الموكولة اليه وهو ملى بالقيام بها وفى باتمامها وذلك هو اللّه تعالى فقط وقد فهمت م هذا مقدار يدخل العبد فى معنى هذا الاسم انتهى كلامه وعن الشيخ ابى حمزة الخراسانى رحمه اللّه قال حججت سنة من السنين فبينما انا امشى اذ وقعت فى بئر فنازعتنى نفسى ان استغيث فقلت لا واللّه لا استغثيث فما استتم هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان فقال احدهما للآخر تعالى حتى نسد رأس هذا البئر لئلا يقع فيه احد فأتيا بقصب وبارية وطمسا رأس البئر فهممت ان اصيح ثم قلت فى نفسى الجأ الى من هو اقرب منهما وسكت وفوضت امرى الى اللّه تعالى فبينما انا بعد ساعة اذا بشئ جاء وكشف عن رأس البئر وادلى رجله وكأنه يقول تعلق بى فى حمهمة منه كنت اعرف منها ذلك فتعلقت به فاخرجنى فاذا هو سبع فمر وهتف بى هاتف يا ابا حمزة أليس هذا احسن نجيناك من التلف بالتلف فاللّه تعالى قادر على ذلك وهو على كل شئ وكيل والاشارة فى الآيات ان اللّه تعالى كما اخرج بماء اللطف والهداية من ارض القلوب لأربابها انواع الكمالات اخرج بماء القهر والخذلان من ارض النفوس لأصحابها انواع الضلالات حتى اشركوا باللّه تعالى وقالوا ما قالوا من اسوأ المقال مع انه تعالى متفرد بالذات والصفات والافعال فعلى العاقل ان يستعيذ باللّه من مكره وقهره ويستجلب بطاعته مزيد رضاءه ورحمته ويقطع النظر عن الغير فى كل شر وخير فان الكل من اللّه تعالى وان كان لا يرضى لعباده الكفر كناه اكرجه نبود اختيار ما حافظ ... تودر طريق ا دب كوش وكوكناه منست اللّهم لا تؤمنا مكرك فانه لا يأمن منه الا القوم الكافرون ١٠٣ { لا تدركه الابصار } البصر حاسة النظر وقد تطلق على العين من حيث انها محله وادراك الشئ عبارة على الوصول اليه والاحاطة به اى لا تصل اليه الابصار ولا تحيط به { وهو يدرك الابصار } اى يحيط بها علمه { وهو اللطيف الخبير } فيدرك ما لا تدركه الابصار ولهذا خص الابصار بادراكه تعالى اياها مع انه يدرك كل شئ لان الابصار لا تدرك نفسها ولا يجوز فى غيره ان يدرك البصر وهو لا يدركه ففيه دليل على ان الخلق لا يدركون بالابصار كنه حقيقة البصر وهو الشئ الذى صار به الانسان يبصر من عينيه دون ان يبصر من غيرهما من سائر اعضائه اعلم ان الادراك غير الرؤية لان الادراك هو الوقوف على كنه الشئ والاحاطة به والرؤية المعاينة وقد تكون الرؤية بلا ادراك لانه يصح ان يقال رآه وما ادركه فالادراك اخص من الرؤية ونفى الاخص لا يستلزم نفى الاعم فاللّه يجوز ان يرى من غير ادراك واحاطة كما يعرف فى الدنيا ولا يحاط به يعنى ان معرفة اللّه تعالى ممكنة من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية اذ منه ما لا تفيه الطاقة البشرية وهو ما وقع به الكمل فى ورطة الحيرة واقروا بالعجز عن حق المعرفة وقالوا ما عرفناك حق معرفتك فذات اللّه تعالى من حيث تجرده عن النسب والاضافات لا يدرك ولهذا سئل النبى عليه السلام هل رأيت ربك قال ( نورانى اراه ) اى النور المجرد لا يمكن رؤيته وكذا اشار الحق فى كتابه لما ذكر ظهور نوره فى مراتب المظاهر قال اللّه تعالى { اللّه نور السموات والارض } فلما فرغ من ذكر مراتب التمثيل قال { نور على نور } فاحد النورين هو الضياء والآخر هو النور المطلق الاصلى ولهذا تمم فقال { يهدى اللّه لنوره من يشاء } اى يهدى اللّه بنوره المتعين فى المظاهر والسارى فيها الى نوره المطلق الاحدى فانما تتعذر الرؤية والادراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والاضافات فاما فى المظاهر ومن ورائية حجابية المراتب فالدراك ممكن كما قيل كالشمس تمنعك اجتلاءك وجهها ... فاذا اكتست برقيق غيم امكنا والى مثل هذا اشار النبى صلى اللّه عليه وسلم فى بيان الرؤية الجنانية المشبهة برؤية الشمس والقمر فاخبر عن اهل الجنة انهم يرون ربهم وانه ليس بينه وبينهم حجاب الا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن فنبه صلى اللّه عليه وسلم على بقاء الرتبة الحجابية وهى رتبة المظهر وتحقيقه ان اهل الاعتزال بالغوا فى نفى الرؤية واستدلوا على مذهبهم بما ورد فى الصحيحين عن ابى موسى ( جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه ) قالوا ان الرداء حجاب بين المرتدى والناظرين فلا تمكن الرؤية وجوابهم انهم حجبوا وان المرتدى لا يحتجب عن الحجاب اذ المراد بالوجه الذات وبرداء الكبرياء هو العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامعة للحقائق الامكانية والالهية والرداء هو الكبرياء واضافته للبيان والكبرياء رداؤه الذى يلبسه عقول العلماء باللّه يقول الفقير فى شرح هذا المقام قوله ولكنهم حجبوا الخ وذلك لان المرآة لا تكون حجابا للناظر كما ان اللباس كذلك بالنسبة الى البدن نفسه اذ لا واسطة بينهما فالرداء من المرتدى بمنزلة المرآة من النظر وكذا المرتدى من الرداء بمنزلة الناظر من المرآة اذ المراد بالوجه الذات بطريق اطلاق اسم الجزء على الكل فالمرتدى وهو الذات لا يحتجب عن حجابه وانما يحتجب به عن الغير كالقناع للعروس فانه كشف بالاضافة اليها وحجاب بالنسبة الى غيرها وبرداء الكبرياء الخ الحقيقة المحمدية التى هى حقيقة الحقائق ولكل موجود حصة من تلك الحقيقة بقدر قابليته لكنها فى نفسها حقيقة واحدة وهو الوجود العام الشامل كالحيوان الناطق فانه معنى واحد عام شامل لجميع الافراد وكثرته بالنسبة الى تكل الافراد لا تنافى وحدته الحقيقية فمعنى قوله عليه السلام وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الارداء الكبرياء على وجهه حقيقة كل منهما التى تجلى الذات فيها بحسب صفاء مرآتها ومعرفتها وتلك الحقيقة ليست بحجاب بين القوم وبين الذات الاحدية اذ ما وراء تلك الحقيقة مع قطع النظر عن التجلى فيها وكونها مرآة له اطلاق صرف لا يتعلق به رؤية رداء ايا كان فكل ناظر ينكشف له جمال الذات من حقيقة نفسه فينظر اليه من تلك الحقيقة وهى ليست بحجاب للنظر ولا للذات اذهى كالمرآة فالنظر الظاهرى قيد تام وما وراء تلك الحقيقة من الذات اطلاق صرف فلا مناسبة بينهما بوجه من الوجوه وتلك الحقيقة بين التقييد والاطلاق برزخ جامع لهما كما قال عليه السلام ( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) فالعارف اذ لم يتعلق عرفانه بنفسه الكلية وحقيقته الجامعة لا يتأتى منه عرفان ربه لان ربه مطلق عن القيود والنسب والاضافات وهو بهذا الاعتبار لا تتعلق به المعرفة واما نفسه المتجلى فيها الرب بحقائق اسمائه فتتعلق بها تلك الرؤية من تلك الحيثية فتكون حقيقة نفسه ومعرفتها مرآة معرفة ربه فلا حجاب بين المرتدى وردائه اصلا وانما غ لط من غلط بقياس الغائب على الشاهد وهو ممنوع باطل لانه لا يلزم ان يكون هناك رداء مانع وبرزخ بين الناظر والمرتدى ولذا قال الكبرياء رداؤه الذى يلبسه عقول العلماء باللّه فالتردد فى ان الرداء حجاب بين المرتدى والناظرين فلا يمكن الرؤية انما هو من عمى البصيرة والعياذ باللّه وهو فى ثلاثة اشياء ارسال الجوارح فى معاصى اللّه والتصنع بطاعة اللّه والطمع فى خلق اللّه فالحق ليس بمحجوب عنك لثبوت احاطته وانما المحجوب انت عن النظر اليه بما تراكم على بصيرتك من العيوب العارضة وما يلازم بصرك من العيب اللازم الذى هو الفناء الحسى الذى لا يرتفع الا فى الدار الآخرة فلذلك كانت الرؤية موقوفة عليها والا فالحجاب فى حقه تعالى ممتنع غير متصور فلا تكن ممن يطلب اللّه لنفسه ولا يطالب نفسه لربه فذلك حال الجاهلين وقال بعض المفسرين ان الدراك اذا قرن بالبصر كان المراد منه الرؤية فانه يقال ادركت ببصرى ورأيت ببصرى بمعنى واحد فمعنى قوله { لا تدركه الابصار } اى لا تراه فى الدنيا فهو مخصوص برؤية المؤمنين له فى الآخرة لقوله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة } وحديث الشيخين ( انكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ) والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية فى الجلاء والوضوح لا تشبيه المرئى بالمرئى اى فى الجهة وانما يرونه فى الآخرة لانها قلب الدنيا فالبصيرة هناك كالبصر فى الدنيا فيكون البصر الظاهر فى الدنيا باطنا فى الآخرة والبصيرة الباطنة ظاهرة فيستعد الكل للرؤية بحسب حاله واما فى الدنيا فالرؤية غاية الكرامة فيها وغاية الكرامة فيها لأكرم الخلق وهو سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم صاحب المقام المحمود الذى شاهد ربه ليلة المعراج بعينى رأسه يعنى رآه بالسر والروح فى صورة الجسم فكان كل وجوده الشريف عينا لانه تجاوز فى تلك الليلة عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة ثم عن عالم الارواح حتى وصل الى عالم الامر وعين الرأس من عالم الاجسام فانسخل عن الكل ورأى ربه بالكل فافهم هداك اللّه الى خير السبل فان العبارة ههنا لا تسع غير هذا قال فى التأويلات النجمية { لا تدركه الابصار } اى لا تلحقه المحدثات لا الابصار الظاهرة ولا الابصار الباطنة تقدست صمديته عن كل لحوق ودرك ينسب الى مخلوق ومحدث بل { وهو يدرك الابصار } بالتجلى لها فيفنى المحدثات فيكون هو بصره الذى يبصر به فاستوت عند التجلى الابصار الظاهرة والباطنة فى الرؤية بنور الربوبية { وهو اللطيف } من ان يدركه المحدثات او يلحقه المخلوقات { الخبير } بمن يستحق ان يتجلى له الحق ويدرك ابصارها باطلاعه عليها فيستعدها للرؤية ومن لطف اللّه انه اوجد الموجودات وكون المكونات فضلا منه وكرما من غير ان يكون استحقاقها للوجود انتهى ولو رآه انسان فى الموطن الدنيوى لوجب عليه شكره ولو شكره لاتسحق الزيادة ولا مزيد على الرؤية ولذلك حرمها وهذا هو المعنى فى قوله عليه السلام ( لن تروا ربكم حتى تموتوا ) قال ابن عطاء اتمام النعيم بالنظر الى وجه اللّه الكريم على الوجه اللائق بجلاله فى الدار الآخرة حسبما جاء الوعد الصدق بذلك كما فى الدنيا اذ غالب النصوص يقتضى منع ذلك بل يكاد يقع الاجماع على نفى وقوع ذلك ومنعه شرعا وان جار عقلا انتهى واما الرؤية فى المنام فقد حكيت عن كثير من السلف كابى حنيفة وعن ابى يزيد رحمه اللّه رأيت ربى فى المنام فقلت له كيف الطريق اليك فقال اترك نفسك ثم تعال وروى عن حمزة القارئ انه قرأ على اللّه القرآن من اوله الى آخره فى المنام حتى اذا بلغ الى قوله { وهو القاهر فوق عباده } قال اللّه تعالى يا حمزة وانت القاهر ولا خفاء فى ان الرؤية فى المنام نوع مشاهدة يكون بالقلب دون العين وفى الحديث ( رأيت ربى فى المنام فى صورة شاب امرد ) وسر تجليه فى صورة الانسانية بصفة الربوبية ان الحقيقة الانسانية اجمع الحقائق فانه تعالى لما استخلف الانسان وجعله خاتما على خزائن الدنيا والآخرة ظهر جميع ما فى الصورة الآلهية من الاسماء فى النشأة الانسانية الجامعة بين النشأة العنصرية والروحانية واليه يشر قوله عليه السلام ( ان اللّه خلق آدم على صورته ) واطلاق الصورة على الحق مجاز باعتبار اهل الظاهر اذ لا تستعمل فى الحقيقة الا فى المحسوسات ففى المعقولات مجاز واما عند المحققين فحقيقة لان العالم الكبير باسره صورة الحضرة الآلهية ومظاهر اسمائها بحضراتها تفصيلا واجمالا والانسان الكامل صورته جمعا فان قلت أ لرؤية اقوى انواع الادراك ام العلم قلت قد قيل بالاول ولهذا يتلذذ المؤمنون برؤية اللّه تعالى فوق ما يتلذذون بمعرفته قال الامام فى الاحياء ان الرؤية نوع كشف وعلم الا انها اوضح واتم من العلم فاذا جاز تعلق العلم به ليس فى جهة جاز تعلق الرؤية من غير جهة وكما جاز ان يعلم من غير كيفية وصورة جاز ان يرى كذلك من غير كيفية وصورة قال بعضهم الرؤية اعلى من المعرفة لان العرافين مشتاقون الى منازل الوصال والواصلون لايشتاقون الى منازل المعرفة وقال بعضهم المعرفة ألطف والرؤية اشرف قال حضرة الشيخ الشهير بافناده افندى قدس سره وصلة العلماء على قدر علمهم واستدلالهم ووصلة الكمل على قدر مشاهدتهم وعيانهم لكن لا على وجه مشاهدة سائر الاشياء فانه تعالى منزه عن الكيف والاين بل هى عبارة عن ظهوره وانكشاف الوجود الحقيقى عند اضمحلال وجود الرائى وفنائه انتهى اقول فظهر من هذا ان من فنى عن ذاته وصفاته وافعاله واضمحل عن بشريته وهويته فجائز ان يرى اللّه تعالى فى الدنيا بالبصيرة بعد الانسلاخ التام جون تجلى كرد اوصاف قديم ... بس بسوزد وصف حادث راكليم وذلك كالشمس فى الجلاء لا يكابر فيه احد اصلالان القلب من عالم الملكوت والبصيرة كالبصر له وعالم الملكوت مطلق عن قيود الامور الوهمية التى هى الزمان والمكان والجهة والكيفية وغيرها لانها من احكام عالم الملك فاين هذا من ذاك ولا يقاس احدهما على الآخر وحقيقة ذوق هذا المطلق الاعلى لا تعرف الا بالسلوك : قال الحافظ شكر كمال حلاوت بس از رياضت يافت ... نخست درشكن ننك ازان مكان كيرد ثم اللطيف من يعلم دقائق المصالح وغوامضها ومادق منها وما لطف ثم يسلك فى ايصالها الى المستصلح سبيل الرفق دون العنف واذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى الادراك تم معنى اللطيف ولا يتصور كمال ذلك فى العلم والفعل الا للّه تعالى وحظ العبد من هذا الوصف الرفق بعباد اللّه تعالى والتلطف بهم فى الدعوة الى اللّه تعالى والهداية الى سعادة ا لآخرة من غير ازراء وعنف ومن غير تعصب وخصام واحسن وجوه اللطف فيه الجذب الى قبول الحق بالشمائل والسير المرضية والاعمال الصالحة فانها اوقع وألطف من الالفاظ المزينة قال الشيخ الاكبر قدس سره قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( صلوا كما رأيتمونى اصلى ) ولم يقل صلوا كما قلت لكم لان الفعل ارجح فى نفس التابع المقتدى من القول كما قيل واذا المقال مع الفعال وزنته ... رجع الفعال وخف كل مقال انتهى : وفى المثنوى بند فعلى خلق را جذاب تر ... كه رسد درجان هربا كوش كر والخبير هو الذى لا تعزب عنه الاخبار الباطنة ولا يجرى فى الملك والملكوت شئ ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن الا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم لكن العلم اذا اضيف الى الخفايا الباطنة سمى خبرة وسمى صاحبه خبيرا وحظ العبد من ذلك ان يكون خبيرا بما يجرى فى عالمه وعالمه قلبه وبدنه والحفايا التى يتصف القلب بها من الغش والخيانة والطواف حول العاجلة واضمار الشر واظهار الخير والتجمل باظهار الاخلاص والافلاس عنه لا يعرفها الا ذو خبرة بالغة قد خبر نفسه ومارسها وعرف مكرها وتلبيسها وخدعها فحادبها وتشمر لمعاداتها واخذ الحذر منها فذلك من العباد جدير بان يسمى خبيرا ١٠٤ { قد جاءكم } اى قل يا محمد للناس وخصوصا لاهل مكة قد جاءكم { بصائر } كائنة { من ربكم } اى دلائل التوحيد وحقية النبوة ودلائل البعث والحساب والجزاء وغير ذلك. والبصائر جمع بصيرة وهى نور تبصر به النفس كما ان البصر نور تبصر به العين فاستعير لفظ البصيرة من القوة المودعة فى القلب لادراك المعقولات للحجة البينة لكون كل واحدة منهما سبب الادراك { فمن ابصر } اى الحق بتكل البصائر وآمن به { فلنفسه } ابصر لان نفعه لها { ومن عمى } اى لم يبصر الحق بعد ما ظهر له بتلك ظهورا بينا وضل عنه وانما عبر بالعمى عنه تقبيحا له وتنفيرا عنه { فعليها } وباله والاشارة ان اللّه تعالى اعطى لكل عبد بصيرة لقلبه يبصر بها الحقائق المودعة فى الغيوب والكمالات المعدة لأرباب القلوب كما اعطى بصرا لقالبه يبصر به الاعيان فى الشهادة ما اعد لهم فيها من المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح فمن نظر ببصر البصيرة الى المراتب العلوية الاخروية الباقية وابصر كمالات القرب وما اعد اللّه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيشتغل بتحصيله ويقبل على اللّه بسلوك سبيله ويعرض عن الدنيا الدنية ويترك زينتها وشهواتها الفانية فذلك تحصيل سعادة وكرامة لنفسه فان اللّه غنى عن العالمين ومن عمى عن النظر بالبصيرة وغير هذه الكمالات لما ابصر ببصر القالب الى الدنيا وزينتها واستلذ بشهواتها واستحلى مراتعها الحيوانية فعميت بصيرته فانها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور فذلك تحصيل شقاوة وخسارة على نفسه كذا فى التأويلات النجمية { وما انا عليكم بحفيظ } وانما انا منذر ومبلغ واللّه هو الحفيظ عليكم يحفظ اعمالكم ويجازيكم عليها ١٠٥ { وكذلك نصرف الآيات } اى ومثل هذا التصريف البديع نصرف الآيات الدالة على المعانى الرائقة الكاشفة عن المعانى الفائقة ولا تصرف ادنى منه من الصرف وهو نقل الشئ من حال الى حال { وليقولوا درست } علة لمحذوف واللام للعاقبة والدرس القراءة والتعلم اى وليقولوا فى عاقبة امرهم درست صرفنا اى قرأت وتعلمت من غيرك نحو سيار وجبير كانا عبدين لقريش من سبى الروم كان قريش يقولون له عليه السلام انك تتعلم هذه الاخبار منهما ثم تقرأ علينا على زعم انها من عند اللّه { ولنبينه } عطف على ليقولوا واللام على الاصل اى التعليل لان التبيين مقصود التصريف والضمير للآيات باعتبار القرآن { لقوم يعلمون } وتخصيص التبيين بهم لما انهم المنتفعون به ١٠٦ { اتبع ما اوحى اليك من ربك } اى دم يا محمد على ما انت عليه من اتباع القرآن الى عمدة احكامه التوحيد وان قدحوا فى تصريف آياته { لا اله الا هو } لا شريك له اصلا { واعرض عن المشركين } ولا تبال باقوالهم ولا تلتفت الى آرائهم فانه لا يجوز الفتور فى تبليغ الدعوة والرسالة بسبب جهل الجاهلين بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكر هيج كس را نيايد بسند كه فردا بشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش ١٠٧ { ولو شاء اللّه } توحيدهم وعدم اشراكهم { ما اشركوا } وهو دليل على انه تعالى لا يريد ايمان الكافر لكن لا بمعنى انه تعالى يمنعه عنه مع توجهه اليه بل بمعنى انه تعالى لا يريده منه لعدم صرف اختياره الجزئى نحو الايمان واصراره على الكفر { وما جعلناك عليهم } متعلق بما بعده وكذا عليهم الآتى { حفيظا } رقيبا مهيمنا من قبلنا تحفظ عليهم اعمالهم { وما انت عليهم بوكيل } من جهتهم تقوم بامورهم وتدبر مصالحهم قال الحدادى وانما جمع بين حفيظ ووكيل لاختلاف معناهما. فان الحافظ للشئ هو الذى يصونه عما يضره. والوكيل بالشئ هو الذى يجلب الخير اليه فقد ظهر ان عدم قبول الحق من الشقاوة الاصلية ولذا لم يشأ اللّه سعادتهم وهدايتهم. وعلامة الشقاوة جمود العين وقساوة القلب وحب الدنيا وطول الامل. وعلامة السعادة حب الصالحين والدنو منهم وتلاوة القرآن وسهر الليل ومجالسة العلماء ورقة القلب وعن ابراهيم المهلب السائح رحمه اللّه قال بينا انا اطوف اذا بجارية متعلقة باستار الكعبة وهى تقول بحبك لى ألا رددت علىّ قلبى فقلت يا جارية من اين تعلمين انه يحبك قالت بالعناية القديمة جيش فى طلبى الجيوش وانفق الاموال حتى اخرجنى من بلاد الشرك وادخلنى فى بلاد التوحيد وعرفنى نفسى بعد جهلى اياها فهل هذا يا ابراهيم الا لعناية او محبة : قال الحافظ جون حسن عاقبت نه برندى وزاهد بس ... آن به كه كار خود بعنايت رها كنند والواجب على العبد ان يسارع الى الاعمال الصالحة فانها من علامات السعادة والتأخير وطول الامل من علامات الشقاوة حكى ان بعض العباد كان يسأل اللّه تعالى ان يريه ابليس فقيل له اسأل اللّه العافية فابى الا ذلك فاظهره اللّه تعالى له فلما رآه العباد قصده بالضرب فقال له ابليس لو انك تعيش مائة سنة لاهلكتك ولعاقبتك فاغتر بقوله فقال فى نفسه ان عمرى بعيد فافعل ما اريد ثم اتوب فوقع فى الفسق وترك العبادة وهلك وهذه الحكاية تحذرك طول الامل فانه آفة عظيمة : قال الصائب درسراين غافلان طول امل داتى كه جبست ... آشيان كردست مارى در كبوتر خانه واعلم انه ما على الرسول عليه السلام الا التبليغ ودلالة كل قوم الى ما خلق له. فيدعو العوام الى التوحيد. والخواص الى الوحداية. وخواص الخواص الى الوحدة وكذا حال الولى الوارث لكن الوصول الى هذه المقامات انما يكون بهداية اللّه ومشيئته فليس فى وسع المرشد ان يوصل كل من اراد الى ما اراده فيبقى من يبقى فى الاثنينية ويصل من يصل الى عالم الوحدة والسبب الموصل هو التويحد فكما ان الكافر لا يكون مؤمنا الا بكلمة التوحيد فكذا المؤمن لا يكون مخلصا الا بتكرارها لان الشرك مطلقا جليا كان او خفيا لا يزول الا بالتوحيد مطلقا فالمؤمن الناقص كما انه لا يلتفت الى المشرك بالشرك الجلى وحاله كذلك المؤمن الكامل لا ينظر الى جانب المشرك بالشرك الخفى ولذا قال تعالى { لا اله الا هو واعرض عن المشركين } لكن الاعراض من حيث الحقيقة لا ينافى الاقبال من حيث الظاهر لاجل الدعوة حتى يلزم الحجة ويحصل الافحام { واللّه يدعو الى دار السلام } فالسلام على من اتبع الهدى والملام على من اتبع الهدى قال الحافظ : جه شكر هاست درين شهركه قانع شده اند ... شاهبازان طريقت بمقام مكسى ١٠٨ { ولا تسبوا } اى لا تشتموا ايها المؤمنون { الذين } اى الاصنام { يدعون } اى يدعونها آلهة ويعبدونها { من دون اللّه } اى متجاوزين عبادة اللّه تعالى والمراد بالداعين كفار مكة وقال المولى ابو السعود رحمه اللّه اى لا تشتموهم من حيث عبادتهم لآلهتهم كأن تقولوا تبا لكم ولما تعبدونه مثلا { فيسبوا اللّه عدوا } اى تجاوزا عن الحق الى الباطل بان يقولوا لكم مثل قولكم لهم وهو منصوب على المصدر لكونه نوعا من عامله لان السبب من جنس العدو او على ا نه مفعول له اى لاجل العدو { بغير علم } حال اى يسبونه غير عالمين باللّه تعالى وبما يجب ان يذكر به اى مصاحبين للجهل لانهم لوقدروا اللّه حق قدره لما اقدموا عليه فان قتل انهم كانوا مقرين باللّه وعظمته وان الاصنام انما تعبد ليكونوا شفعاء عند اللّه فكيف يسبونه قلت انهم لا يفعلون ذلك صريحا لكن ربما يفضى فعلهم الى ذلك وايضا ان الغيظ والغضب انما يحمل النسان على التكلم بما ينافى العقل ألا يرى ان المسلم قد يتكلم لشدة غضبه بما يؤدى الى الكفر والعياذ باللّه وفى الآية دليل على ان الطاعة اذا ادت الى معصية راجحة وجب تركها فان ما يؤدى الى الشرشر ألا يرى ان سب الاصنام وطعنها من اصول الطاعات وقد نهى اللّه تعالى عنه لكونه مؤديا الى معصية عظيمة وهى شتم اللّه وشتم رسوله وفتح باب السفاهة قال الحدادى وفى هذا دليل على ان الانسان اذا اراد ان يأمر غيره بالمعروف ويعلم ان المأمور يقع بذلك فى اشد مما هو فيه من شتم او ضرب او قتل كان الاولى ان لا يأمره ويتركه على ما هو فيه : قال السعدى قدس سره مجال سخن تانيابى مكوى ... جو ميد ان نبينى نكهدار كوى { كذلك } اى مثل ذلك التزيين القوى وهو تزيين المشركين سب اللّه تعالى وعبادة الاوثان { زينا لكل امة عملهم } من الخير والشر والطاعة والمعصية باحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا او تخذيلا { ثم الى ربهم } مالك امرهم { مرجعهم } اى رجوعهم بالبعث بعد الموت { فينبئهم } [ بس خبر دهد ايشانرا ] من غير تأخير { بما كانوا يعملون } فى الدنيا على الاستمرار من السيآت المزينة لهم وهو وعيد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت وفيه نكتة وهى ان كل ما بظهر فى هذه النشأة من الاعيان والاعراض فانما يظهر بصورة مستعارة مخالفة لصورته الحقيقية التى بها يظهر فى النشأة الآخرة فان المعاصى سموم قاتلة قد برزت فى الدنيا بصورة يستحسنها نفوس العاصة كما نطقت به هذه الآية الكريمة وكذا الطاعات فانها مع كونها احسن الاحاسن قد ظهرت عندهم بصورة مكروهة ولذلك قال عليه السلام ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) فاعمال الكفرة قد برزت لهم فى هذه النشأة بصورة مزينة يستحسنها الطغاة وستظهر فى النشأة الآخرة بصورتها الحقيقية المنكرة الهائلة فعند ذلك يعرفون ان اعمالهم ماذا فعبر عن اظهارها بصورها الحقيقية بالاخبار بها لما ان كلام منهما سبب للعلم بحقيقتها كما هى كذا فى تفسير الارشاد ويظهر صور الاعمال القبيحة لاهل السلوك فى البرزخ الدنيوى فيجتهدون فى تبديلها حكى عن الشيخ ابى بكر الضرير رحمه اللّه قال كان فى جوارى شاب حسن الوجه يصوم النهار ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام فجاءنى يوما وقال يا استاذ انى نمت عن وردى الليلة فرأيت كأن محرابى قد انشق وكأنى بجوار قد خرجن من المحراب لم ار احسن اوجها منهن واذا فيهن واحدة شوهاء لم ار اقبح منها منظرا فقلت لمن انتن ولمن هذه فقلن نحن لياليك التى مضين وهذه ليلة نومك فلو مت فى ليلتك هذه لكانت هذه حظك ثم انشأت الشوهاء تقول اسأل لمولاك وارددنى الى حالى ... فانت قبحتنى من بين اشكالى وقد اردت بخير اذ وعظت بنا ... ابشر فانت من المولى على حال قالت جارية من الحسان نحن الليالى اللواتى كنت تسهرها ... تتلو القرآن بترجيع ورنات وقد قال بعض الكبار انشكاف عيب النفس خير من انكشاف الملكوت اذ المقصود اصلاح الطبيعة والنفس والاكل والشرب والمنام من الصفات البهيمية التى هى مقتضى الطبيعة وفى التأويلات النجمية { زينا لكل امة عملهم } من المقبولين اعمال اهل القبول ومن المردودين اعمال اهل الرد { ثم الى ربهم مرجعهم } اى باقدام تلك الاعمال كلا الفريقين يذهبون الى ربهم { فينبئهم بما كانوا يعملون } اما اهل القبول فيسلكون على اقدام الاعمال الصالحة طريق اللطف فينبئهم بالفضل والاحسان انهم كانوا يحسنون واما اهل الرد فيقطعون على اقدام المخالفات فى بوادى القهر والهلكات فينبئهم بالعدل والخسران انهم كانوا يسيئون انتهى فى المثنوى جمله دانند هين اكر تو نكروى ... هرجه مى كاريش روزى بدروى وعن بعض الصالحين قال كانت فى جانبى عجوز قد اضنتها العبادة فسألتها ان ترفق بنفسها فقالت يا شيخ اما علمت ان رفقى بنفسى غيبنى عن باب المولى ومن غاب عنه مشتغلا بالدنيا عرض نفسه للمحن والبلوى وما قدر عملى اذا اجتهدت فكيف اذا قصرت ثم قالت واسوأتاه من حسرة السباق وفجعة الفراق. فاما حسرة السباق فاذا قام القائمون من قبورهم وركب الابرار نجائب الانوار وساروا الى قصر من العز والجلال ورفعت لهم منازل المحبين وقدمت بين ايديهم نجائب المقربين وبقى المسبوق فى جملة المحزونين فعند ذلك ينقطع فؤاده حسرة وتأسفا ويذوب ندامة وتلهفا. واما فجعة الفراق فعند تمييز الناس والافتراق وذلك ان اللّه سبحانه اذا جمع الخلق فى صعيد واحد امر ملكا فنادى ايها المجرمون امتازوا ان المتقين قد فازوا وهو قوله تعالى { وامتازوا اليوم ايها المجرمون } فيتميز الرجل من زوجته والولد من والدته والحبيب من حبيبه هذا يحمل مبجلا الى رياض النعيم وهذا يساق مسلسلا مغلغلا الى عذاب الجحيم وقد طال منهم التلفت والوداع ودموعهم تجرى كالانهار بفجعة الفراق وانشدوا بالبين والفراق لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... ورأيت كيف نكرر التوديعا لعلمت ان من الدموع لأبحرا ... تجرى وعاينت الدماء دموعا ١٠٩ { واقسموا باللّه } روى ان قريشا قالوا يا محمد انك تخبرنا ان موسى عليه السلام كانت معه عصا فيضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشر عينا وتخبرنا ان عيسى عليه السلام كان يحيى الموتى وان صالحا عليه السلام اخرج الناقة من الجبل فائتنا انت ايضا بآية بينة فان فعلت ذلك لنصدقنك ونؤمنن لك وحلفوا على ذلك وبالغوا فى تأكيد الحلف فقال عليه السلام ( اشى شئ تحبون ) قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا او ابعث لنا بعض موتانا حتى نسأله عنك أحق ما تقول ام باطل او أرنا الملائكة يشهدون لك فقال عليه السلام ( فان فعلت بعض ما تقولون تصدقوننى ) قالوا نعم واللّه لئن فعلت لنتبعنك اجمعين وسأل المسلمون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان ينزلها عليهم حتى يؤمنوا فهم عليه السلام بالدعاء فجاء جبريل عليه السلام فقال ان شئت كان ذلك ولئن كان فلم يصدقوا عنده ليعذبنهم بعذاب الاستئصال ولئن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فانزل اللّه تعالى هذه الآية اى حلف كفار قريش باللّه تعالى { جهد ايمانهم } مصدر فى موقع الحال اى جاهدين فى ايمانهم وجهد الايمان اغلظها واشدها { لئن جاءتهم آية } من مقترحاتهم { ليؤمنن بها قل } لهم { انما الآيات } كلها { عند اللّه } اى هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء وليس شئ منها بقدرتى وارادتى وانما انا نذير ثم بين تعالى الحكمة فى عدم مجئ الآيات فقال مخاطبا للمسلمين { وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون } اى اى شئ يعلمكم ان الآية التى يقترحونها اذا جاءت لا يؤمنون بل يبقون على ما كانوا عليه من الكفر والعناد اى لا تعلمون ذلك فتتمنون مجيئها طمعا فى ايمانهم فانكر السبب اى الاشعار مبالغة فى نفى المسبب اى الشعور وفيه بيان ان ايمانهم فاجرة وانه لا يغنى وضوح الادلة لمن لم يساعده سوابق الرحمة ١١٠ { ونقلب افئدتهم } عطف على لا يؤمنون اى وما يشعركم انا حينئذ نحول قلوبهم عن الحق فلا يفهمون { وابصارهم } عن اجتلائه فلا يبصرونه فلا يؤمنون بها { كما لم يؤمنوا به } اى بما جاء من الآيات { اول مرة } من انشقاق القمر ونحوه { ونذرهم } اى ندعهم عطف على لا يؤمنون داخل فى حكم الاستفهام الانكارى { فى طغيانهم } ضلالهم متعلق بنذرهم { يعمهون } اى متحيرين لانهديهم هداية المؤمنين فهو حال من الضمير المنصوب فى نذرهم ووجه هذا التقليب والترك فساد استعدادهم واعراضهم عن الحق بالكلية فان اللّه تعالى لا يفعل بهم ذلك مع توجههم الى الحق واستعدادهم لقبوله فانه اجبار محض فان كان مقهورا مطبوعا على قلبه فليعلم ان ذلك لعدم تأثير اللطف فيه اصلا فللّه الحجة البالغة ومن اللّه الهداية والتوفيق. تم الجزء السابع فى اوائل شهر ربيع الآخر من سنة الف ومائة ١١١ { ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة } تفصيل ما ذكر على الاجمال بقوله { وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون } اى ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة كما سألوه بقولهم لو انزل علينا الملائكة فنراهم عيانا { وكلمهم الموتى } وشهدوا بحقية الايمان بعد ان احييناهم حسبما اقترحوه بقولهم فائت بآية قال صاحب التيسير واحيينا لهم كل الموتى فكلموهم بان شهدوا لك وان كانوا سألوا منك احياء اثنين من موتاهم قصى بن كلاب وجدعان بن عمرو وكانا كبيرين منهم وصدوقين حيث قالوا لئن احييتهما فشهدا لك بالنبوة لشهدنا نحن ايضا { وحشرنا } اى جمعنا { عليهم كل شئ قبلا } جمع قبيل بمعنى كفيل وانتصابه على الحالية من المفعول اى كفلاء بصحة الامر وصدق النبى عليه السلام او جمع قبيل الذى هو جمع قبيلة بمعنى جماعات اى وحشرنا كل شئ نوعا نوعا وفوجا فوجا من سائر المخلوقات وفى التيسير اى وبعثنا كل حيوان من الفيل الى البعوض اى اقمنا القيامة { ما كانوا ليؤمنوا } فى حال من الاحوال الداعية الى الايمان { الا ان يشاء اللّه } اى الا فى حال مشيئة اللّه لايمانهم وهيهات ذلك وحالهم حالهم من التمادى فى العصيان والغلو فى التمرد والطغيان { ولكن اكثرهم يجهلون } اى ولكن اكثر المؤمنين يجهلون عدم ايمانهم عند مجيئ الآيات لجهلهم عدم مشيئة اللّه تعالى لايمانهم فيتمنون مجيئها طمعا فيما لا يكون فالجملة مقررة لمضمون قوله تعالى { وما يشعركم } الآية واعلم ان الآية وان عظمت لا تضطر الى الايمان ان لم يشأ اللّه تعالى فانه لا آية اعظم من قيام الساعة واللّه تعالى يقول { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } وجملة الامر ان المشيئة تغير السجية وعدمها من فساد الاستعداد فلذا بقى اهل الضلال فى يد القهر والجلال : قال السعدى زوحشى نه يايدكه مردم شود ... بسعى اندر اوتربيت كم شود توان باك كردن ززنك آيينه ... ولكن نيايد زسنك آيينه وقال الحافظ كرجان بدهد سنك سيه لعل نكردد ... باطينت اصلى جه كند بدكهر افناد واما قول المولوى قدس سره فى المثنوى كرتو سنك خاره ومرمر شوى ... جون بصاحب دل رسى كوهر شوى فاشارة الى المستبعد بحكم الاصل فان التربية تنفع فيه فجميع المعجزات من الانبياء والكرمات من الاولياء علمية كانت او كونية تربية لمن فى زمانهم فمن حسن استعداده مال واهتدى ومن فسد اعرض وضل وترى كثيرا من المغرورين المشغولين باحكام طبائعهم الخبيثة ونفوسهم المتمردة يقولون كالطلبة لو انا صادفنا المرشد الكامل ورأينا منه العلامة واضحة لكنا اول من يسلك بطريقتهم ويتمسك باذيال حقيقتهم فقل لهم ان الشمس شمس وان لم يرها الضرير والعسل عسل وان لم يجه طعمه الممرور والطالب المتسعد لا يقع فى الامنية ولا يضيع نقد عمره بخسارة بل يجتهد كل حين بما امكن له من الطاعات ويكون فى طريق الطلب فان ما لا يدرك كله لا يترك قله : قال فى المثنوى كركران وككرشتابنده بود ... عاقبت جوينده يابنده بود ثم هذا الاستعداد وانشراح الصدر فى طريق الحق نور من اللّه تعالى يقذفه فى قلب اى عبد شاء وليس بحداثة السن ولا بالشيخوخة وكم رأيت وسمعت من غلبه الحال فى عنفوان عمره وعنوان امره وعن بعض الصالحين قال حججت سنة من السنين وكانت سنة كثيرة الحر والسموم فلما كان ذات يوم وقد توسطنا ارض الحجاز انقطعت عن الحاج وغفلت قليلا فلم اشعر ليلا الا وانا ودى فى البرية فلاح لى شخص امامى فاسرعت اليه ولحقته واذا به غلام امرد لانبات بعارضيه كأنه القمر المنير والمشس الضاحية وعليه اثر الدلال والترف فقلت له السلام عليك يا غلام فقال وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته يا ابراهيم فعجبت منه كل العجب ورابنى امره فلم اتمالك ان قلت له يا غلام سبحان اللّه من اين تعرفنى ولم ترنى قبلها فقال لى يا ابراهيم ما جهلت مذعرفت ولا قطعت مذ وصلت فقلت ما الذى اوقعك فى هذه البرية فى مثل هذه السنة الكثيرة الحر والقيظ فاجابنى يا ابراهيم ما آنس بسواء ولارافقت غيره وانا منقطع اليه بالكلية مقر له بالعبودية فقلت له من اين المأكول والمشروب فقال لى تكفل به المحبوب فقلت واللّه انى خائف عليك لاجل ما ذكرت لك فاجابنى ودموعه تنحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب فلو اجوع فذكر اللّه يشبعنى ... ولا اكون بحمد اللّه عطشانا وان ضعفت فوجد منه يحملنى ... من الحجاز الى اقصى خراسانا فقلت له باللّه عليك يا غلام ألا ما اعلمتنى حقيقة عمرك فقال اثنتا عشرة سنة ثم رجوته فدعا لى باللحوق الى اصحابى فلما وقفنا بعرفة ودخلنا الحرم اذا انا بالغلام وهو متعلق باستار الكعبة وهو يبكى ويناجى ثم وقع ساجدا ومات الى رحمة اللّه تعالى ثم رأيته فى المنام فقلت ما الذى فعل بك الهك فقال اوقفنى بين يديه وقال لى ما بغيتك فقلت الهى وسيدى انت بغيتى فقال لى انت عبدى حقا ولك عندى ان لا احجب عنك ما تريد فقلت اريد ان تشفعنى فى القرن الذى انا فيه قال شفعتك فيه ثم انه صافحنى فاستيقظت بعد المصافحة فلم ار احدا الا ويقول لى يا ابراهيم لقد ازعجت الناس من طيب رائحة يدك قال بعض المحدثين ولم تزل رائحة الطيب تخرج من يد ابراهيم حتى قضى نحبه رحمه اللّه رحمة واسعة ١١٢ { وكذلك } اى كما جعلنا لك عدوا كأبى جهلٍ وغيره من كفار قريش { جعلنا لكل نبى } قبلك { عدوا } وفيه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حيث ان عداوتهم وما ينبنى عليها مما لا خير فيه من الاقاويل الكاذبة والافاعيل الباطلة ليس مختصا به عليه السلام بل كما ابتلى هو وامته بكيد الاعداء ابتلى جميع الانبياء واممهم { شياطين الانس والجن } اى مردة الفريقين على ان الاضافة بمعنى من البيانية وهو بدل من عدوا. والشياطين جمع شيطان وهو يطلق على كل عات متمرد من الانس والجن والشيطان من الجن اذا اعياه المؤمن وعجز عن اغوائه ذهب الى متمرد من الانس فاغراه على المؤمن ليفتنه وعن مالك بن دينار انه قال شياطين الانس اشد علىّ من شياطين الجن وذلك انى ان تعوذت باللّه من شياطين الجن ذهبت عنى وشياطين الانس تجيئنى فتجرنى الى المعاصى عيانا { يوحى بعضهم الى بعض } كلام مستأنف مسوق لبيان احكام عداوتهم وتحقيق وجه الشبه بين المشبه والمشبه به. والوحى الكلام الخفى والقول السريع الذى يلقى سرا اى يلقى يوسوس شياطين الجن والانس او بعض الجن الى بعض وبعض الانس الى بعض { زخرف القول } اى المموه منه المزين ظاهره والباطل باطنه يقال فلان زخرف كلامه اذا زينه بالكذب والباطل { غرورا } مفعول له ليوحى اى ليغرّوهم { ولو شاء ربك } عدم ما ذكر من العداوة والايحاء { ما فعلوه } اى ما ذكر فاعيد ضمير الواحد الى الاثنين باعتباره { فذرهم } اى اذا كان ما فعلوه فى حقك بمشيئته تعالى فاتركهم { وما يفترون } وافتراءهم اى كفرهم وسائر مكائدهم فان لهم فى ذلك عقوبات شديدة ولك عواقب حميدة لابتناء مشيئته تعالى على الحكم البالغة البتة ١١٣ { ولتصغى اليه } الى زخرف القول علة اخرى للايحاء معطوفة على غرورا وانما لم ينصب لفقد شرطه اذ الغرور فعل الموحى واصغاء الافئدة فعل الموحى اليه اى يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول ليغروهم به ولتميل اليه { افئدة } قلوب { الذين لا يؤمنون بالآخرة } واما المؤمنون بها فلا يتصور منهم الميل الى تلك المزخرفات لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها { وليرضوه } لانفسهم بعدما مالت اليه افئدتهم { وليقترفوا } اى يكتسبوا بموجب ارتضائهم له { ما هم مقترفون } له من القبائح التى لا يليق ذكرها وهى ما قضى عليهم فى اللوح المحفوظ يقال اقترف فلان ذنبا اذا عمله ومالا اذا اكتسبه وفى الآية اشارة الى ان البلايا للسائرين الى اللّه هى المطايا وان اشد البلاء شماتة الاعداء فلما كانت رتبة الانبياء اعلى كانت عداوة الكفار لهم اوفى وفى ذلك ترقيات لهم وتجليات : قال الحافظ جه جورها كه كشيدند بلبلان ازدى ... ببوى آنكه درك نوبهار باز آيد والاشارة فى شيطان الانس الى النفس الامارة بالسوء وهى اعدى الاعداء ولهذا قدم ذكره على الجن ههنا بخلاف المواضع الاخر وليعلم ان عداوة النفس واصحاب النفوس اشد واصعب من عداوة شياطين الجن فان كيد الشيطان مع كيد الانسان ضعيف وارباب القلوب لا يصغون الى زخارف اقوال اصحاب النفوس بل كلما تشتد عداوة الاعداء يقوى ايمان الاولياء وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم ... كه در طريقت ما كافريست رنجيدن وانما يتسلط الشيطان على ابن آدم بفضول النظر والكلام والطعام وبمخالطة الناس ومن اختلط فقد استمع الى الاكاذيب وعن بعض الشيوخ ان الشيطان اشد بكاء على المؤمن اذا مات من بعض اهله لما فاته من افتتانه اياه فى الدنيا واذا عرج بروح المؤمن الى السماء قالت الملائكة سبحان الذى نجى هذا العبد من الشيطان يا ويحه كيف نجا فعلى المؤن ان يحترز من وساوسه وحديث نفسه ايضا كيلا يفتضح عند اله وعنند الناس فانه روى ان الوسواس الخناس يخبر بما وقع فى قلب ابن آدم وحدث به نفسه وان لم يخبره لغيره كما حكى ان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه ذكر امرأة فى نفسه فجعل الناس يتحدثون به فيما بينهم والعم ان قرين المرء من لاجن اذا اسلم سلم من شره ومن الجن قوم مؤمنون منتفعون بعلوم كل البشر محبون حكى عن ابراهيم الخواص قال حججت سنة من السنين فبينا انا امشى مع اصحابى اذا عارضنى عارض من سرى يقتضى الخلوة وخروجا عن الطريق الجادة فاخذت طريقا غير الطريق الذى عليه الناس فمشيت ثلاثة ايام بليالهن ما خطر على سرى ذكر طعام ولا شراب ولا حاجة فانتهيت الى برية خضراء فيها من كل الثمرات والرياحين ورأيت فى وسطها بحيرة فقلت كانها الجنة وبقيت متعجبا فبينا انا اتفكر اذا انا بنفر قد اقبلوا بسيماهم سيما الآدميين عليهم المرقعات الحسان فحفوا بى وسلموا علىّ فقلت وعليكم السلام ورحمة اللّه وبكراته وفقع فى خاطرى انهم من الجن فقال قائل منهم قد اختلفنا فى مسألة ونحن نفر من الجن قد سمعنا كلام اللّه تعالى من محمد صلى اللّه عليه وسلم ليلة الجن وسلبتا نغمة كلامه جميع امور الدنيا وقد عين اللّه لنا هذه البحيرة فى هذه البرية قلت وكم بيننا وبين الموضع الذى تركت فيه اصحابى فتبسم بعضهم وقال يا ابا اسحق للّه عز وجل عجائب واسرار الموضع الذى انت فيه لم يحضره آدمى قبلك الا شاب من اصحابهم توفى ههنا وذاك قبره اشار الى قبر على شفير البحيرة حوله روضة ورياحين لم ار مثلها قبل ثم قال بينك وبين القوم الذين فارقتهم مسيرة كذا وكذا شهرا او قال كذا وكذا سنة فقلت اخبرونى عن الشاب فقال قائل منهم بينما نحن قعود على شفير البيحرة نتذاكر المحبة اذ بشخص قد اقبل الينا وسلم علينا فرددنا عليه السلام فقلنا له من اين اقبل الشاب قال من مدينة نيسابور قلنا له ومتى خرجت منها قال منذ سبعة ايام قلنا له وما الذى ازعجك على الخروج من وطنك قال سمعت قول لاله تعالى { وانيبوا الى ربكم واسلموا له من قبل ان يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } قلنا له ما معنى الانابة وما معنى الاسلام وما معنى العذاب فقال النابة ان ترجع بك منك اليه والاسلام ان تسلم نفسك له وتعلم انه اولى بك منك والعذاب الفرقة ثم صاح صحية عظيمة فمات فواريناه وهذا قبره رضى اللّه عنه قال ابراهيم فتعجبت مما وصفوا ثم دنوت من قبره واذا عند رأسه باقة نرجس كأنها رحى عظيمة وعلى قبره مكتوب هذا حبيب اللّه فتيل الغيرة وعلى ورقها مكتوب صفة الانابة فقرأت ما هو على النرجس مكتوب فسألونى ان افسره لهم ففسرته فوقع فيهم الطرف فلما افاقوا وسكنوا قالوا قد كفينا جواب مسألتنا قال ووقع علىّ النوم فما انتبهت الا وانا قريب من مسجد عائشة رضى اللّه عنها واذا فى وعائى باقة ريحان فبقيت معى سنة كاملة لم تتغير فلما كان بعد فقدتها رضى اللّه عنه وعنهم وعن جميع الصالحين ١١٤ { أفغير اللّه ابتغى حكما } الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر وغير مفعول ابتغى وحكما حال وتقديم المفعول للايذان بان مدار الانكار هو ابتغاء غيره حكما لا مطلق الابتغاء والحكم ابلغ من الحاكم وادل على الرسوخ لما انه لا يطلق الا على العادل وعلى من تكرر منه الحكم بخلاف الحاكم وفى الكلام ارادة القول واضماره روى ان مشركى مكة قالوا يا محمد اجعل بيننا وبينك حكما من احبار اليهود او من اساقفة النصارى يفصل بين المحق والمبطل فانهم قرأوا الكتب قبلك فانزل اللّه هذه الآية وقال قل يا محمد أاميل عن الحق فاطلب غير اللّه تعالى حال كون ذلك الغير قاضيا بينى وبينكم { وهو الذى انزل اليكم الكتاب } الجملة حال من فاعل ابتغى اى والحال ان اللّه تعالى هو الذى انزل اليكم وانتم امة امية لا تدرون ما تأتون وما تذرون القرآن الناطق بالحق والصواب { مفصلا } اى مبينا فيه الحق والباطل والحلال والحرام وغير ذلك من الاحكام وهذا كما ترى صريح فى ان القرآن الكريم كاف فى امر الدين مغن عن غيره بيانه وتفصيله { والذين آتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك } كلام مستأنف غير داخل تحت القول المقدر مبين ان الذين وثقوا بهم ورضوا بحكميتهم من علماء اهل الكتابين عالمون بحقية القرآن ونزوله من عند اللّه تعالى والمعنى وعلماء اليهود والنصارى الذين فهمناهم التوراة والانجيل يعلمون ان ذلك الكتاب اى القرآن منزل من ربك حال كونه ملتبسا { بالحق } والصدق وهو بالفارسى [ براتسى ودرستى ] وهو متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المستكن فى منزل { فلا تكونن من الممترين } اى من الشاكين فى انهم يعلمون بحقية القرآن لما لا تشاهد منهم آثار العلم واحكام المعرفة فالفاء لترتيب النهى على الاخبار بعلم اهل الكتاب بشأن القرآن وفى انه منزل من ربك بالحق فيكون من باب التوبيخ والالهاب اى الثبات على اليقين كقوله { ولا تكونن من المشركين } فالفاء لترتيب النهى على نفس علمهم بحال القرآن ثم انه تعالى لما بين كمال الكتاب المذكور من حيث اضافته اليه تعالى بكونه منزلا منه بالحق بين ايضا كماله من حيث ذاته فقال ١١٥ { وتمت كلمة ربك } عبر عن الكتاب اى القرآن بالكلمة لانها الاصل فى الاتصاف بالصدق والعدل وبها يظهر الآثار من الحكم { صدقا وعدلا } مصدران نصبا على الحال اى صادقة وعادلة ومعنى تمامها عبارة عن بلوغها الغاية فى كونها كافية فى بيان ما يحتاج اليه المكلفون الى يوم القيامة علما وعملا وفى كونها صدقا وعدلا والمعنى انها بلغت الغاية القاصية صدقا فى الاخبار والمواعيد كالخبر عن وجود ذات اللّه تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية وكالخبر عن احكام اللّه تعالى فى الوعد والوعيد والثواب والعقاب وكالخبر عن احوال المتقدمين وعن الغيوب المستقبلة وعدلا فى الاقضية والاحكام المتعلقة بالمكلفين من الجن والانس كالصلاة والصوم والزكاة والحج وسائر التكاليف الشرعية سواء كانت امرا او نهيا { لا مبدل لكلماته } لا ا حد يبدل شيأ من ذلك بما هو اصدق واعدل ولا بما هو مثله فكيف يتصور ابتغاء حكم غيره تعالى { وهو السميع } لكل ما يتعلق به السمع { العليم } بكل ما يمكن ان يعلم فيدخل فى ذلك اقوال المتحاكمين واحوالهم الظاهرة والباطنة دخولا اوليا ومحصول الآية ان القرآن حكم اللّه تعالى وحجته الغالبة بين الناس فلا عدول عنه الى غيره اذ لا يعدل عنه الا المنكر سواء كان انكاره عناديا كالعالم بحقيته او تكذيبيا كالجاهل بها واما المقر فهو له جذبة الهية ينجذب بالعمل بما فيه الى درجات العلم والعرفان وكمال الايقان اذ هو كلمة حق وصدق والصدق يهدى الى الجنة والقربة والوصلة ولا ترتفع التكليفات عن العبد وان وصل الى تجلى الذات ما دام فى عالم الدنيا لا كما زعمه بعض الزاعمين واما فى عالم الآخرة فترتفع التكليفات فعبادة ذلك العالم التوحيد ليس الا ولابد من رعاية الشريعة فى جميع المراتب فان الكمال فيه والا فهو ناقص ولذلك ترى المجاذيب لا يخلون عن نقصان ألا يرى ان الانبياء عليهم السلام لم يسمع عن واحد منهم عروض السفه والجنون فكامل العقل يحس صرير الباب وصوت الذباب فى حال استغراقه حكى ان الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قال يوما لمريديه هل صدر منى شئ يخالف الشريعة قالوا لا فحمد اللّه تعالى قوال ما كنت ههنا منذ ثلاثين سنة والانسان اشرف المخلوقات واشرف الانسان نبينا محمد صلى اللّه عليه و سلم ولذلك صار مظهرا للفرقان الكريم من المبتدأ القديم وهو الحكم الذى نصبه اللّه تعالى لاحقاق الحق وابطال الباطل ألا اى احمد مرسل شود هرمشكل ازتوحل ... كنم وصف ترا مجمل توبى سلطان هرمولى شريعت ازتو روشن شد طريقت هم مبرهن شد ... حقيقت خود معين شد زهى سلطان بى همتا واعلم ان هذه الآية متعلقة بمرتبة النفس واصلاحها فان ابتغاء حكم غير اللّه تعالى من هوى النفس فاصلاحها بالانقياد والتسليم وكل من له حظ من علم القرآن ظاهرا او باطنا فهو وارث النبى عليه السلام بقدر حاله والحاكم هو عالم امر اللّه لا الجاهل قال على كرم اللّه وجهه من افتى الناس بغير علم لعنه السماء والارض وسألت بنت علىّ البلخى اباها عن القيئ اذا خرج الى الحلق فقال يجب اعادة الوضوء فرأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال لا يا على حتى يكون ملئ الفم فقال علمت ان الفتوى تعرض على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فآليت على نفسى ان لا افتى ابدا وسئل الشعبى عن مسأةل فقال لا اعلم فقيل ألا تستحى وانت فقيه العراقين قال ولم لا استحيى مما لا تستحيى منه الملائكة حيث قالت { لا علم لنا الا ما علمتنا } فعلى العامة ان يرجوا فى الامور الظاهرة الى اعلم البلدة او العصر بقدر الامكان وعلى الخاصة ان يستفتوا فى الاحوال الباطنة من الاعرف وان كان اميا لا يعرف اصطلاحات العلماء اذ له حكمة معنوية تغنى عن الاصطلاحات وهو الذى يليق بان يسمى حكيما وقد اتفق اهل اللّه تعالى على ان العبد اذا وصل الى اللّه فاللّه تعالى يعلمه ويلهمه فيميز بين الحق والباطل ولا يكون ما يتكلمه خارجا عن الشريعة واليه يشير قول من قال ما اتخذ اللّه من ولى جاهل ولو اتخذه لعلمه وكما ان الاصحاب ما خرجوا عن حكم النبى عليه السلام كما قال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } وقال { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم } كذلك اهل الارادة ما خرجوا عن امر المرشد الكامل اذ الحكم وان كان للّه تعالى فى الحقيقة كما نطقت به الآية الا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو خليفة اللّه تعالى وكذا من ورثه قولا وحالا ١١٦ { وان تطع اكثر من فى الارض } وذلك ان اهل مكة كانوا يستحلون اكل الميتة ويدعون المسلمين الى اكلها وكانوا يقولون انما ذلك ذبح اللّه فهو احل مما ذبحتم انتم بسكاكينكم فانزل اللّه تعالى هذه الآية والمعنى ان تطع الكفار يا محمد لانهم اكثر من فى الارض { يضلوك عن سبيل اللّه } اى دينه وشريعته كأنه قيل كيف يضلون فقيل { ان يتبعون } اى ما يتبعون فى امور دينهم ومجادلتهم لك فى امر الميتة { الا الظن } وهو ظنهم ان آباءهم كانوا على الحق فهم على آثارهم يهتدون فيضلون ضلالا مبينا ولا ريب ان الضال المتصدى للارشاد انما يرشد غيره الى مسلك نفسه فهم ضالون مضلون فان سبيل الحق لا يسلك بالظن والتقليد والهوى وانما يسلك بالصدق والتحقيق والهدى { وان هم الا يخرصون } اى ما هم الا يكذبون على اللّه تعالى فى تحليل الميتة وغيره ١١٧ { ان ربك هو اعلم } بعلم { من يضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين } فيجازى كلا منهم بما يستحقون فاحذر ان تكون من الفريق الاول قال الحدادى وانما قال اعلم لان اللّه يعلم الشئ من كل جهاته وغيره يعلم الشئ من بعض جهاته ١١٨ { فكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه ان كنتم بآياته مؤمنين } مسبب عن انكار اتباع المضلين الذين يحرمون الحلال ويحللون الحرام. والمعنى كلوا ايها المؤمنون مما ذكر اسم اللّه تعالى خاصة على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره فقط او مع اسم اللّه تعالى او مات حتف انفه فان الايمان بالآيات القرآنية يقتضى استباحة ما احله اللّه والاجتناب عما حرمه ١١٩ { وما لكم ان لا تأكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه } وأى سبب حاصل لكم فى ان لا تأكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه قال الامام ان المشركين كانوا يبيحون اكل ما ذبح على اسم اللّه تعالى ولا ينازعون فيه وانما النزاع فى انهم ايضا كانوا يبيحون اكل الميتة والمسلمون كانوا يحرمونها واذا كان كذلك كان ورود الامر باباحة ما ذكر اسم اللّه عليه عبثا لانه يقتضى اثبات الحكم فى المتفق عليه وترك الحكم فى المختلف فيه فاجاب بان معنى كلوا اجعلوا اكلكم مقصورا على ما ذكر اسم اللّه عليه ومعنى ان لا تأكلوا ان لا تجعلوا اكلكم مقصورا عليه فيفيد تحريم اكل الميتة فقط { وقد فصل لكم } اى والحال انه تعالى قد بين لكم { ما حرم عليكم } مما لم يحرمه بقوله تعالى فى هذه السورة { قل لا اجد فيما اوحى الىّ محرما } ية فبقى ما عدا ذلك على الحل لا بقوله تعالى { حرمت عليكم الميتة والدم } الآية لانها مدنية وهذه السورة مكية فان قلت قوله تعالى { قل لا اجد } الآية مذكور بعده هذه الآية وصيغة فصل تقتضى التقدم قلت ان التأخر فى التلاوة لا يوجب التأخر فى النزول ويجوز ان يحمل على التفصيل بالوحى الغير المتلو كما ذهب اليه سعدى جلبى المفتى وجعله اولى عنده { الا ما اضطررتم اليه } مما حرم عليكم فانه ايضا حلال حال الضرورة فالاستثناء متصل والمستثنى منه ما حرم وما مصدرية بمعنى المدة اى وقد فصل لم الاشياء التى حرمت عليكم فى جميع الاوقات الا وقت الاضطرار اليها وان جعلت موصولة تعين ان يكون الاستثناء منقطعة لان ما اضطر اليه حلال فلا يدخل تحت ما حرم عليهم { وان كثيرا } من الكفار { ليضلون } الناس { باهوائهم } بما تهواه انفسهم من تحليل الميتة وغيرها { بغير علم } مقتبس من الشريعة الشريفة مستند الى الوحى { ان ربك هو اعلم بالمعتدين } المتجاوزين الحق الى البالط والحلال الى الحرام اعلم ان اهل الهوى على انواع فالمعتزلة والشيعة ونحوهما من اهل القبلة اهل هوى لانهم يخالفون اهل السنة والجماعة بتأويل الكتاب والسنة على حسب هواهم فيضلون الناس بهواهم كما يضل الكفار واهل الشرك. واما اخذ الاشارة من الآيات والاحاديث على وجه يطابق الشرع الشريف فذلك ليس بهو بل هو عرفان محض : قال فى المثنوى توزقر آن اى بسر ظاهر مبين ... ديو آدم را نبيند جزكه طين ظاهر قرآن جو شخص آدميست ... كه نقوشش ظاهر وجانش خفيست فالتقليد لاصحاب الاشارات ليس كالتقليد لاصحاب الضلالات لانهم بنوا امرهم على العيان واليقين لا على الظن والتخمين وكذا اهل الدنيا اهل هوى بالنسبة الى اهل العقبى فان الكون كله خيال وتابع الخيال لا يعد من العقلاء والرجال وعن بهلول رحمه اللّه قال بينما انا ذات يوم فى بعض شوارع البصرة اذا الصبيان يلعبون بالجوز واللوز واذا انا بصبى ينظر اليهم ويبكى فقلت هذا صبى يتسحر على ما فى ايدى الصبيان ولا شئ معه فيلعب به فقلت له اى بنى ما يبكيك اشترلك من الجوز واللوز ما تلعب به مع الصبيان فرفع بصره الىّ وقال يا قليل العقل ما للعب خلقنا فقلت اى بنى فلما ذا خلقنا فقال للعلم والعبادة فقلت من اين لك ذلك بارك اللّه فيك قال من قول اللّه عز وجل { أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون } المولى فاهل المولى تجردوا عن تعلق الكونين وتجاوزوا عن اعتبار الوصل والبين وما نظروا الى شئ غيره : قال صاحب المحمدية سالكان دركهت را هردو عالم يك نفس ... والهان حضرتت را ازحور جنت ملال وقد حرم اللّه الدنيا على اهل الآخرة والآخرة على اهل الدنيا وحرم كلا منهما على اهل اللّه تعالى لكن من تناول من الدنيا قدر ما يسد به جوعته ويستر به عورته فانه ليس من اهل الدنيا لان ذلك من الضرورات البشرية وفيه اذن اللّه تعالى لمحافظة الدائرة البدنية التى هى الاس والاشارة فى قوله تعالى { فكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه ان كنتم بآياته مؤمنين } يعنى ان من امارات الايمان ان تأكلوا الطعام بحكم الشرع لا على وفق الطبع وتذيبوه بذكر اللّه كما قال عليه السلام ( اذيبوا طعامكم بذكر اللّه ) فان الاكل على الغفلة والنسيان والاستعانة به على العصيان يورث موت الجنان والحرمان من الجنان وفى هذا الحديث اشارة الى مشروعية الجهر اذ ذوبان الطعام فى صورة الجهر اظهر ويدل عليه ما ورد ايضا من الركعتين بعد الطعام او من تلاوة عشر آيات من القرآن اذ الحركة البدنية تفضى الى استمراء الطعام وانهضامه الذى به تحصل قوة البدن وبقوة البدن يقوى المرء على العبادة وفى العبادة بعد الطعام شكر للنعمة والشكر اما بالقلب او باللسان او بالاعضاء والجوارح ١٢٠ { وذروا } اى اتركوا ايها المؤمنون { ظاهر الاثم وباطنه } من اضافة الصفة الى الموصوف اى الاثم الظاهر والاثم الباطن والمراد بالاثم ما يوجب الاثم وهو المعاصى كلها لانها لا تخلو من هذين الوجهين فيدخل فيه ما يعلن وما يسر سواء كان من اعمال القلوب او الجوارح فاعمال الجوارح ظاهرة كالاقوال والافعال واعمال القلوب باطنة كالعقائد الفاسدة والعزائم الباطلة وحقيقة ظاهر الاثم طلب نعم الدنيا وباطنه الميل الى نعم العقبى لان كلا منهما يصير سببا للبعد عن حضرة المولى ظاهر وباطن خود باك كن ازلوث كناه ... تاكه باكيزه شوى درصف مردان اله { ان الذين يكسبون الاثم } اى يعملون المعصية ظاهرا وباطنا { سيجزون } سيعاقبون فى الآخرة { بما كانوا يقترفون } اى يكسبون فى الدنيا كائنا ما كان فلا بد من اجتنابهما جمله دانند اين اكر تونكروى ... هرجه ميكاريش روزى بد روى والاشارة ان اللّه تعالى كما خلق للانسان ظاهرا هو بدن جسمانى وباطنا هو قلب روحانى فكذلك جعل للاثم ظاهرا هو كل قول وفعل موافق للطبع مخالف للشرع وباطنا هو كل خلق حيوانى وسعى وشيطانى جبلت النفس عليه { وذروا ظاهر الاثم وباطنه } اى اتركوا الاعمال الطبيعة باستعمال الاعمال الشرعية واتركوا الاخلاق الذميمة النفسانية بالتحلق بالاخلاق الملكية الروحانية { ان الذين يكسبون الاثم } ظاهره وباطنه بالافعال والاخلاق { سيجزون بما كانوا يقترفون عاجلا } وآجلا اما عاجلا فلكل فعل وقول طبيعى ظلمة تصدأ مرآة القلب بها فيخرف مزاج الاخلاق القلبية الروحانية ويتقوى مزاج الاخلاق النفسانية الظلمانية وبه يغلب الهوى ويميل الى الدنيا وشهواتها فباظهار كل خلق منها على وفق الهوى يزيد رينا وقسوة فى القلب فيحتجب به عن اللّه تعالى كما قال تعالى { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } واما آجلا فبهذه الموانع والحجب ينقطع العبد عن اللّه ويبقى محجوبا معذبا فى النار خالدا مخلدا كما قال تعالى { كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } كذا فى التأويلات النجمية اعلم ان العصاة كلهم فى خطر المشيئة بل الطائعون لا يدرون بماذا يختم لهم فيا ايها العاصى لا تغتر فان العناية لا تحصل لكل عاص ولا تدرى انك ممن اراد اللّه تعالى عفوه فان المعفو من اول الامر وقع قليلا كما حكى عن مالك بن دينار قال رأيت بالبصرة قوما يحملون جنازة وليس معهم احد ممن يشيع الجنازة فسألتهم عنه قالوا هذا رجل من كبار المذنبين قال فصليت عليه وانزلته فى قبره ثم انصرفته الى الظل فنمت فرأيت ملكين قد نزلا من السماء فشقا قبره ونزل احدهما اليه وقال لصاحبه اكتبه من اهل النار فما فيه جارحة سلمت من المعاصى والاوزار فقال له صاحبه يا اخى لا تعجل عليه اختبر عينيه قال قد اختبرتها فوجدتهما مملوءتين بالنظر الى محارم اللّه قال فاختبر سمعه قال قد اختبرته فوجدته مملوأ بسماع الفواحش والمنكرات قال فاختبر لسانه قال قد اختبرته فوجدته مملوأ بالخوض فى المحظورات وارتكاب المحرمات قال فاختبر يديه قال قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بتناول الحرام وما لا يحل من الشهوات واللذات قال فاختبر رحليه قال فاختبر رحليه قال قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بالسعى فى النجاسات والامور المذمومات قال يا اخى لا تعجل عليه ودعنى انزل اليه فنزل اليه الملك الثانى واقام عنده ساعة وقال يا اخى قد اختبرت قلبه فوجدته مملوأ ايمانا فاكتبه مرحوما سعيدا ففضل اللّه تعالى يستغرق ما عليه من الذنوب والخطايا : قال السعدى قدس سره ود نوبت ما تمت ... كرت نيك روزى بود خاتمت وفاتك يكون يوم فرح وسرور ان كنت ممن قبض على الايمان تسأل اللّه عفوه ورجاه ق بنى فاطمه ... كه برقول ايمان كتم خاتمه ١٢١ { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّه عليه } اى عمدا اذ الناسى حال نسيانه لا يكون مكلفا وذكر اللّه تعالى فى قلب كل مؤمن واما العامد فلأنه لما ترك التسمية عمدا فكأنه نفى ما فى قلبه ويدخل فيه الميتة لانها مما لم يذكر اسم اللّه عليه وكذا ما ذبح على اسم غيره تعالى { وانه } اى الاكل منه او عدم ذكر التسمية { لفسق } اى خروج لما لا يحل فان من ترك التسمية عامدا حال الذبح لا يحل اكل ذبيحته عند الامام الاعظم واعلم ان المشركين جادلوا المسلمين فقالوا أتأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتله اللّه فانزل اللّه الآية واجاب بجواب اعم وبنى الحرمة على وصف يشمل الكل وهو ترك الذكر { وان الشياطين } اى ابليس وجنوده { ليوحون الى اوليائهم } اى يوسوسون الى المشركين. والوحى القاء المعنى الى النفس مع الخفية { ليجادلوكم } ايها المؤمنون فى تحليل الميتة بالوساوس الشيطانية { وان اطعتموهم } فى استحلال الحرام وساعدتموهم على اباطيلهم { انكم لمشركون } ضرورة ان من ترك طاعة اللّه الى طاعة غيره واتبعه فى دينه فقد اشرك به تعالى بل آثره عليه سبحانه والاشارة لا تأكلوا طعاما الا بامر اللّه وعلى ذكر اللّه وفى طلب اللّه ليندفع بنور الذكر ظلمة الطعام وشهوته وان ظلمة الطعام وشهوته مؤدية الى الفسق الذى هو الخروج من النور الروحانى الى الظلمة النفسانية وفى الحديث ( ان الشيطان يستحل الطعام الا بذكر اسم اللّه عليه ) اى لانه لا يذكر اسم اللّه عليه بعد الشروع وما لم يشرع فيه احد لا يتمكن الشيطان من استحلاله وفيه اشارة الى انه ان سمى واحد من الآكلين حصل اصل السنة ومن نسى التسمية فى اول الطعام فانه يقول حين يذكر بسم اللّه اوله وآخره فاذا قال ذلك فقد تدارك تقصيره وهذا بخلاف الوضوء فان التسمية وذلك لان الوضوء كله عمل واحد بخلاف الاكل فان كل لقمة اكلة وكان رجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه الا لقمة فلما رفعها الى فيه قال بسم اللّه اوله وآخره فضحك النبى عليه السلام ثم قال ( ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم اللّه تعالى استقاء ما فى ما بطنه ) وهذا الحديث يدل على ان الشيطان يأكل بمضغ وبلغ كما ذهب اليه قوم وقال آخرون اكل الشيطان صحيح لكنه تشمم واسترواح وانما المضغ والبلع لذوى الحثث والشياطين اجسام رقاق قال فى آكام المرجان كل ما لم يسم عليه من طعام او شراب او لباس او غير ذلك مما ينتفع به فللشيطان تصرف واستعمال اما باتلاف عينه كالطعام واما مع بقاء عينه قال ثعلبة بن سهيل كنت اصنع شرابا لى اشربه فى السحر فاذا جاء السحر جئت فلا اجد شيئا فوضعت شرابا آخر وقرأت عليه يس فلما كان السحر جئت فاذا الشراب على حاله واذا شيطان اعمى يدور حول البيت وفى الحديث ( ان الشيطان حساس لحاس فاحذروه على انفسكم من بات وفى يده ريح غمر فاصابه شئ فلا يلومنّ الا نفسه ) قال بعض ارباب الاشارة انما حرم اكل ما لم يذكر اسمه عليه لان العارف حبيب اللّه والحبيب لا يذبح ولا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يفرش ولا يفعل شيأ الا باسم حبيبه ألا ترى ان يعقوب عليه السلام كان يقول فى جميع احواله يوسف وانما وجبت التسمية عند الذبائح لان مرارة النزع شديدة وذكر اسم اللّه تعالى احلى من كل شئ فامرنا بالتسمية عند الذبائح كى تسمع الشاة ذكر اللّه عند الموت فلا تشتد مرارة النزع مع حلاوة اسم اللّه ولذلك قال عليه السلام ( لقنوا موتاكم بشهادة ان لا اله الا اللّه يسهل عليكم سكرات الموت ) فلما كان الاحياء والاماتة من اللّه تعالى وحده لم يجز ان يذبح باسم غيره تعالى ونهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن اكل ما ذبح للجن وعلى اسمها واستنبط بعض الخلفاء عينا واراد اجراءها وذبح للجن عليها لئلا يغور ماؤها فاطعم ذلك ناسا فبلغ ذلك ابن شهاب فقال اما انه قد ذبح ما لم يحل له واطعم الناس ما لا يحل لهم وكان من عادة الجاهلية قبل الاسلام تزيين جارية حسناء والباسها احسن ثيابها والقاءها فى النيل حتى يطلع ثم قطع تلك السنة الجاهلية على يدى من اخاف الجن وقمعها عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه وهكذا هذه العين لو حفرها رجل عمرى لم يذبح لهم عصفورا فما فوقه ولكن لكل زمان رجال فول داوم انسان على اسم اللّه لاتحرقه النار ولا تغرقه البحار ولا تنهشه الحيات ولا تضره السموم لان كل مضر خلق مخوفا لمن يخاف اللّه فاذا خاف العبد من اللّه بكماله فله التسخير والتأثير توهم كردن از حكم داور مييج ... كه كردن نييجد زحكم توهيج محالست جون دوست دارد ترا ... كه در دست دشمن كذارد ترا وقد ظهر لك من هذا كله ان احراق البخور والقاء ماء الورد ورشه وذبح شئ من مكان يتوهم فيه الجن كله شرك يجب ان يترز عنه وكذا من ذبح دجاجة لتصويتها مثل الديك او ذبح ديكا لتصويته قبل الوقت وهو السحر والقاها فى مكان فقد ذبح ذلك للجن فى اعتقاده لانه اراد به صيانة نفسه واهله واولاده وماله من اصابة الجن والبلاء ولو كان للّه تعالى لأكلها بل لو كان مخلصا لما فعل مثل هذا ١٢٢ { أو من كان ميتا } روى عن ابن عباس ان ابا جهل رمى النبى عليه السلام بفرث فاخبر حمزة بما فعل ابو جهل وهو راجع من الصيد بيده قوس وكان يومئذ لم يؤمن بعد فلقى ابا جهل فضرب رأسه بالقوس فقال ابو جهل أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا فقال حمزة وانتم اسفه الناس تعبدون الحجارة من دون اللّه تعالى اشهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله فنزلت هذه الآيات والهمزة للانكار والنفى والواو لعطف الجملة الاسمية على مثلها الذى يدل عليه الكلام اى انتم ايها المؤمنون مثل المشركين ومن كان ميتا { فاحييناه } اعطيناه الحياة وما يتبعها من القوى المدركة والمتحركة { وجعلنا له } مع ذلك من الخارج { نورا } عظيما { يمشى به } اى بسببه { فى الناس } اى فيما بينهم آمنا من جهتهم { كمن مثله } اى صفته العجيبة { فى الظلمات } خبر مبتدأ محذوف اى هو فى الظلمات { ليس بخارج منها } بحال وهو حال من المستكن فى الظرف فمن الاولى موصولة مبتدأة وكمن خبرها وهى ايضا موصولة صلتها الجملة الاسمية الواقعة بعدها فالاولى تمثيل لمن هداه اللّه تعالى وانقذه من الضلال وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها فى الاشياء فيميز بين الحق والباطل والحق والمبطل كحمزة رضى اللّه عنه والثانية تمثيل لمن بقى على الضلالة لا يفارقها اصلا كأبى جهل { كذلك } اى كما زين للمؤمن من ايمانه { زين } اى من جهة اللّه تعالى بطريق الخلق او من جهة الشيطان بطريق الوسوسة { للكافرين ما كانوا يعملون } اى ما استمروا على عمله من فنون الكفر والمعاصى وبهذا التزيين بقوا فى ظلمات الكفر والضلالة ولم يهتدوا الى نور الايمان والهداية قال ارباب الحقيقة الموت بهوى النفس والحياة بمحبة الحق وايضا الموت بالنكرة والحياة بالمعرفة وفرق بين حياة المعرفة وحياة البشرية فاهل العموم حى بحياة البشرية لكنه كلاميت فى قبر قالبه لا يمكنه الخروج من ظلمات وجوده المجازى واهل الخصوص حى بحياة المعرفة فحياة البشرية تزول لقوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } بخلاف حياة المعرفة لقوله تعالى { لنحيينه حياة طيبة } وقوله عليه السلام ( المؤمن حى فى الدارين ) نميرد هر كرا جانش توباشى ... خوشا جانى كه جانانش توباشى قال الحافظ : هركزنميرد آنكه دلش زنده شد بعشق ... ثبت است بر جريده عالم دوام ما وفى التفسير الفارسى [ شاه كرمانى اين آيت برخواندكه { أو من كان ميتا فأحييناه } كفت نشان اين آبت سه جيزاست ازخلق عزلت وباحق دعوت ودوام ذكر برزبان ودل وبزركى اين معنى را نظم فرموده ] برروى خلائق در صحبت مكشاى ... مى باش بكلى متوجه بخداى غافل مشو ازذوق دل وذكر زبان ... تازنده جاويد شوى دردو سراى واعلم ان الحى الحقيقى الذى ما كان ميتا ولا يموت ابدا هو اللّه تعالى وما سواه فهو ميت لانه كان ميتا فى العدم وسيموت ايضا : قال الحافظ من هماندم كه وضو ساختم ازجشمه عشق ... جار تكبير زدم يكسره تر هرجه كه هست يعنى شاهدت جميع الخلق موتى بسبب الوصول الى مقام العشق والفناء قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر من شهد الخلق لافعل لهم فاز ومن شهدهم لا حياة لهم فقد فاز ومن شهدهم عين العدم فقد وصل وعن عبد الواحد بن زيد رحمه اللّه قال مررت براهب فسألته منذ كم انت فى هذا الموضع فقال منذ اربع وعشرين سنة قلت من انيسك قال الفرد الصمد قلت ومن المخلوقين قال الوحش فسألته وما طعامك قال ذكر اللّه تعالى قلت ومن المأكولات قال ثمار هذه الاشجار ونبات الارض قلت أفلا تشتاق الى احد قال نعم الى حبيب قلوب العارفين قلت ومن المخلوقين قال من كان شوقه الى اللّه تعالى سبحان كيف يشتاق الى يره قلت فلم اعتزلت عن الخلق قال لانهم سراق العقول وقطاع طريق الهدى قلت ومتى يعرف العبد طريق الهدى قال اذا هرب الى ربه من كل شئ سواه واشتغل بذكره عن ذكر ما سواه ولكل سالك خطوة فى السلوك الى ملك الملوك كما حكى ايضا عن الشيخ عبد الواحد بن زيد قال قصدت بيت المقدس فضلت الطريق فاذا بامرأة اقبلت الىّ فقلت لها يا غريبة انت ضالة فقالت كيف يكون غريبا من يعرفه وكيف يكون ضالا من يحبه ثم قالت خذ رأس عصاى وتقدم بين يدى فاخذت رأس عصاها وتقتدمت بين يديها ست اقدام او اقل او اكثر فاذا انا بمسجد بيت المقدس فدلكت عينى وقلت لعل هذا غلط منى فقالت يا هذا سيرك سير الزاهدين وسيرى سير العارفين فالزاهد سيار والعارف طيار ومتى يلحق السيار بالطيار ثم غابت عنى فلم ارها بعد ذلك فظهر من هذه الحكاية ان للعارف نورا يمشى به الى حيث شاء والجاهل يبقى فى وادى الحيرة ولا يجد سبيلا الا بتوفيق اللّه تعالى وهدايته فكما ان الاعمى والبصير ليسا على سواء فكذلك البصير الجاهل والعالم سواء كان جهله وعلمه فى مرتبة الشريعة او الطريقة او المعرفة او الحقيقة فاللّه تعالى باين بين اهل الحال كما باين بين اهل المقال وعظم النور وسعته بالنسبة الى فسحة القلب ومعرفته فالقلب بيد اللّه تعالى يقلبه كيف يشاء ولذلك زين لاهل الايمان وجوه الخير والطاعات وزين لاهل الكفر صنوف الشر والسيآت لكن العباد ليسوا بمجبورين فلهم اختيار فى الخروج من الظلمات فاذا لم يصرفوا استعداداتهم الى ما خلقوا لاجله بقوافى ظلمات الطبيعة والنفس هذا هو الكلام بالنسبة الى ظاهر الحال واما ان نظرت الى اسناد الاحياء والجعل فى الآية المذكورة الى اللّه تعالى فمقتضى التوحيد ان الكل بيد اللّه ولا تأثير الا من عند اللّه فان وجدت خيرا فلتحمد اللّه كثيرا فقد سبقت لك العناية وساعدك التوفيق فرب تقليد يوصل الى التحقيق واللّه الهادى ١٢٣ { وكذلك } اى كما صيرنا فى مكة فساقها اكابر { جعلنا فى كل قرية } متعلق بالفعل { اكابر } مفعول ثان جمع اكبر بمعنى عظيم { مجرميها } مفعول اول جمع مجرم. بالفارسية [ كنهكار ] { ليمكروا فيها } اى ليفعلوا المكر فى تلك القرية لانهم لاجل رياستهم اقدر على المكر والغدر وترويج الاباطيل على الناس من غيرهم وكان صناديد قريش ومجرموها اجلسوا على كل طريق من طرق مكة اربعة نفر ليصرفوا الناس عن الايمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم يقولون لكل من تقدم اياك وهذا الرجل فانه كاهن ساحر كذاب قال البغوى وذلك سنة اللّه تعالى ان جعل فى كل قرية اتباع الرسل ضعفاءهم كما قال فى قصة نوح { أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } وجعل فساقهم اكابرها ليمكروا فيها والمكر السعى بالفساد فى خفية ومداجاة والآية تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { وما يمكرون الا بانفسهم } لان وباله عليهم { وما } والحال انهم لا { يشعرون } بذلك اصلا بل يزعمون انهم يمكرون بغيرهم ١٢٤ { واذا جاءتهم } لما بين ان فساق كل قرية يكونون رؤساءها المتميزين بكثرة المال والجاه بين ما كان من رؤساء مكة من الجرم والفسق وهو انه اذا جاءتهم { آية } دالة على صحة النبوة { قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتى رسل اللّه } من الوحى والكتاب لما روى ان ابا جهل قال زاحمنا بنى عبد مناف فى الشرف حتى اذا صرنا كفرسى رهان قالوا منا نبى يوحى اليه واللّه لا نرضى به الا ان يأتينا وحى كما يأتيه فارادوا اى قوم مكة ان تحصل لهم النبوة والرسالة كما حصلتا لمحمد عليه السلام وان يكونوا متبوعين لا تابعين قال صاحب التيسير وهذه غاية السفه ان يقال لرجل آمن فيقول لا اومن حتى يجعلنى اللّه نبيا قال الامام الثعلبى المراد برسل اللّه هو حضرة النبى عليه السلام كما انه المخاطب فى قوله تعالى { يا ايها الرسل } هرجه هوبان همه دارند توتنا دار ... واعلم ان ما بين الجلالتين من هذه السورة من الاماكن التى يرجى فيها استجابة الدعاء فليحافظ على ذلك { اللّه اعلم } من كل شئ يعلم { حيث يجعل رسالته } اى الموضع الصالح لوضعها فيه ويضعها وهؤلاء ليسوا اهلالها لان الاهلية بالفضائل النفسانية لا بالنسب والمال فحيث نصب على المفعولية بيعلم المقدر توسعا { سيصيب الذين اجرموا } اى يصيبهم البتة مكان ما تمنوه من عز النبوة وشرف الرسالة { صغار } اى ذلة وحقارة بعد كبرهم { عند اللّه } اى يوم القيامة فهو منصوب بقوله سيصيب مجاز عن حشرهم يوم القيامة { وعذاب شديد بما كانوا يمكرون } اى بسبب مكرهم المستمر وحيث كان هذا من معظم مواد اجرامهم صرح بسببيته واعلم ان النبوة اختصاص الهى عطائى غير كسبى كالسلطنة فلا ينالها المجاهد وان اتى بجميع الشرائط والاسباب وكذا الولاية لكنها كالوزارة فيجوز ان ينالها بعض المجاهدين فليس كل مجاهد واصلا وقد يكون الوصول بدون المجاهدة ايضا اذا كمل الاستعداد وسبقت العناية كما روى عن بعض شيوخ اليمن انه خرج يوما من زبيد الى نحو الساحل المعروف بالاهواز ومعه تلميذ له فمر فى طريقه على قصب ذرة كبار فقال للتلميذ خذ معك من هذا القصب ففعل المريد وتعجب فى نفسه وقال ما مراد الشيخ بهذا ولم يقل له الشيخ شيأ حتى اذا بلغ الى محله لعبيد يقال لهم السناكم يأكلون الميتات ويشربون المسكرات ولا يعرفون الصلوات واذا بهم يشربون ويلعبون ويلهون ويطربون ويغنون ويضربون فقال الشيخ للتلميذ ائتنى بهذا الشيخ الطويل الذى يضرب الطبل فاتاه التلميذ فقال له اجب الشيخ فرمى الطبل من رقبته ومشى معه الى الشيخ فلما وقف بين يديه قال الشيخ للتلميذ اضربه فضربه حتى استوفى منه الحد ثم قال له الشيخ امش قدامنا فمشى حتى بلغوا البحر فامره الشيخ ان يغسل ثيابه ويغتسل وعلمه كيفية ذلك وكيفية الوضوء ففعل ثم علمه كيف يصلى وتقدم الشيخ فصلى بهما الظهر فلما فرغوا من الصلاة قام الشيخ ووضع سجادته على البحر وقال له تقدم فقام ووضع قدميه على السجادة ومشى على الماء حتى غاب عن العين فالتفت التلميذ الى الشيخ وقال وامصيبتاه واحسرتاه لى معك كذا وكذا سنة ما حصل لى من هذا شئ وهذا فى ساعة واحدة حصل له هذا المقام وهذه الكرامات العظام فبكى الشيخ قال يا ولدى وايش كنت انا هذا فعل اللّه تعالى قيل لى فلان من الابدال توفى فاقم فلانا مقامه فامتثلت الامر كما يمتثل الخدام وودت انه حصل لى هذا المقام فظهر ان اللّه تعالى اعلم حيث يجعل ولايته ايضا : قال الحافظ جون حس عاقبت نه برندى وزاهديست ... آن به كه كارخود بعنايت رها كنند والاشارة { وكذلك جعلنا فى كل قرية اكابر مجرميها ليمكروا فيها } ان القرية هى القالب. واكابر مجرميها اى مفسدى حسن الاستعداد بقبول الشقاوة هى النفس والهوى والشيطان يمكرون فيها بمخالفات الشرع وموافقات الطبع { وما يمكرون الا بانفسهم } لا فساد استعدادهم عائد الى انفسهم بحصول الشقاوة وفوات السعادة { وما يشعرون } ولا شعور لهم على ما يفعلون بانفسهم وان مرجعهم الى النار { واذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن } اى النفس والهوى والشيطان من دأبهم ان لا يؤمنوا برؤية الآيات اذ جبلوا على التمرد والاباء والانكار ولسان حالهم يقول لن نؤمن { حتى نؤتى مثل ما اوتى رسل اللّه } اى القلب والسر والروح لانهم مهبط اسرار الحق والهاماته { اللّه اعلم حيث يجعل رسالته } يخص بها القلب والسر والروح ونفسا تطمئن بذكر اللّه فتستحق رسالة ارجعى الى ربك { سيصيب الذى اجرموا صغار عند اللّه } يعنى اصحاب النفس الامارة بالسوء لهم ذلة البعد من عند اللّه { وعذاب شديد } وهو عذاب الفرقة والانقطاع { بما كانوا يمكرون } اى بما افسدوا استعداد الوصلة وهو جزاء مكرهم وكيدهم كذا فى التأويلات النجمية ١٢٥ { فمن يرد اللّه } معناه بالفارسية [ يس هركرا خواهد خداى ] { ان يهديه } اى يعرفه طريق الحق ويوفقه للايمان { يشرح صدره للاسلام } فيتسع له وينفسح وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة بحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه فالمعنى من اراد اللّه منه الايمان قوى صوارفه عن الكفر ودواعيه الى الايمان وجعل قلبه قابلا لحلول الايمان مهيئا لتحليه به صافيا خاليا عما بنا فيه ويمنعه ولما نزلت هذه الآية سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن شرح الصدر فقال ( نور يقذفه اللّه فى قلب المؤمن فينشرح له وينفسح ) فقالو هل لذلك امارة يعرف بها فقال ( نعم الانابة الى دار الخلود والتجافى عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله ) واعلم ان العلم علمان علم المعاملة وعلم المكاشفة فالاول هو العلم بما يقرب اليه تعالى وما يبعد عنه وهو مقدم على الثانى الذى هو نور يظهر فى القلب فيشاهد به الغيب لانه الشرط له قال تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } لا ينفك عنه لان الحديث المذكور صرح بان الانابة والتجافى والاستعداد التى هى من علم المعاملة علامة ذلك النور وفى فضل المكاشفة ورد قوله عليه السلام ( فضل العالم على العباد كفضلى على امتى ) اذغير المكاشفة تبع للعمل لثبوته شرطا له قال فى التأويلات النجمية كلما كان الحجاب ارق كان الايمان اقوى والقلب انور واصفى الى ان يصير الايمان ايقانا لكمال رقة الحجاب وتنور القلب الى ان يصير الايقان عيانا عند رفع الحجاب وتجلى الحق بصفة جماله الى ان يصير العيان عينا بتجلى صفة جلاله { ومن يرد ان يضله } اى يخلق فيه الضلال لصرف اختياره اليه { يجعل صدره ضيقا } بالفارسية [ تنك ] { حرجا } بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الايمان اى من اراد اللّه منه الكفر قوى صوارفه عن الايمان وقوى دواعيه الى الكفر. والحرج بالفتح مصدر وصف به مبالغة وبالكسر اسم الفاعل وهو المتزايد فى الضيق فهو اخص من الاول فكل حرج ضيق من غير عكس قيل الحرج موضع الشجر المتلف يعنى ان قلب الكافر لا يصل اليه الايمان كما لا تصل الراعية الى الموضع الذى التف فيه الشجر { كأنما يصعد فى السماء } قال الامام فى كيفية هذا التشبيه وجهان الاول كما ان الانسان اذا كلف الصعود الى السماء نقل ذلك التكليف عليه وعظم وقعه عليه وقويت نفرته منه فكذلك الكافر يثقل عليه الايمان وتعظم نفرته منه. والثانى ان يكون التقدير ان قلبه يتباعد عن الاسلام ويتباعد عن قبول الايمان فشبه ذلك البعد ببعد من يصعد من الارض الى السماء انتهى كما قال الكاشفى فى تفسيره الفارسى [ كوبى بالا ميرود در آسمان يعنى ميكريزد از قبول حق ميخواهدكه بآسمان رود ] واعلم ان القلوب متفاوتة. فمنهما ما يشق عليه الايمان وهى قلوب الكفرة. ومنا ما يشق عليه الذوق والوجدان وهى قلوب اهل النقصان من اهل الايمان فان بعض الناس منهم من يتباعد عن الكلمات العرفانية بل ينكر احوال اصحاب الفضائل النفسانية وهذا لان من انهمك فى الصفات الحيوانية وحكم عليه الصفات السبعية والشيطانية لا يسوغ له الشرب من المشارب الروحانية ولذا يوصى بكتم ما يتعلق بالاسرار عن الاغبار جرا صدف نكند جاك سينه را صائب ... درين زمانه كه جوهر شناس نايابست { كذلك } اى مثل الجعل المذكور { يجعل اللّه الرجس } اى العذاب والخذلان او اللعنة او الشيطان اى يسلطه { على الذين لا يؤمنون } اى عليهم فوضع الظاهر موضع المضمر للاشعار بان جعله تعالى معلل بما فى حيز الصلة من كمال نبوهم عن الايمان واصرارهم على الكفر والطغيان ١٢٦ { وهذا } اى البيان الذى جاء به القرآن { صراط ربك } اى طريقه الذى ارتضاه حال كونه { مستقيما } لمن يسلكه فلا يعوج به حتى يورده الى الجنة { قد فصلنا الآيات } اى ذكرناها فصلا فصلا بحيث لا يختلط واحد منها بالآخر { لقوم يذكرون } اى يتعظون وخصوا بالذكر لانهم المنتفعون بتفصيل الآيات ١٢٧ { لهم } كأن سائلا يسأل عما اعد اللّه تعالى للمتذكرين بما فى تضاعيف الآيات فقيل لهم { دار السلام } اى السلامة من كل المكاره وهى الجنة { عند ربهم } حال من دار السلام اى نزله وضيافته كما تقول نحن اليوم عند فلان اى فى كرامته وضيافته. وقيل العندية كناية عن وعدها والتكفل بها { وهو وليهم } اى مولاهم ومحبهم او ناصرهم على اعدائهم { بما كانوا يعملون } اى بسبب الاعمال الصالحة واعلم ان اللّه تعالى بين حسن الايمان وقبح الكفر وحال السعيد والشقى ورغب فى طريق الانبياء والاولياء وجعل العمل الصالح وهو ما اريد به وجه اللّه سببا لمحبة اللّه ودخول دار السلام وهى دار القرار التى يأمن من دخلها من العذاب مطلقا فاللّه تعالى ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور روى ان عمر بن الخطاب جهز جيشا الى فتح بعض حصون ديار العجم اربعة آلاف فارس وامر عليهم ابنه عبداللّه رضى اللّه عنهما قال فسرنا حتى حاصرنا قلعة على جبل عال لا يصل اليه اسلحتنا فحاصرناها وكان فيها جيش من الكفار وكانت اميرتهم امرأة حسناء فحصل لنا تعب شديد ففى ذات يوم نظرت اميرتهم من المنظرة عسكرنا فرأت شابا حسنا من شبان العرب وكان شابا فارسا ماهرا فى الحرب فلما وقع نظرها عليه تأوهت فقالت لها بعض جواريها لم تأوهت يا ملكة وانت فى حصار ومنعة فقالت ان حصننا هذا يفتحه هذا الشاب قالت وكيف ذلك قالت سترين بعد ساعة ثم ارسلت اليه الملكة رسولا تقول هل اجد اليك سبيلا فتكون لى واكون لك فقال الشاب نعم بشرطين ان تسلمى الحصن الخرج الينا والداخل اليه فارسلت مع الرسول تستفهم اما الخارج فعرفنا واما الداخل فما عرفنا قال لها تسلمى قلبك الى اللّه تعالى وتقرين له بالوحدانية فارسلت اليه قوما ادخل بعسكرك فانى قد فتحت لك الباب فلما دخل الحصن عرض عليها الاسلام فقالت اعلم انى ملكة ذات همة عالية فهل فى عسكرك من هو اكبر منك حتى اسلم على يديه قال نعم اميرنا وكبيرنا وهو ابن امير المؤمنين فلما حضرت بين يدى عبداللّه بن عمر رضى اللّه عنهما عرض عليها الاسلام فقالت كالاول هل احد اكبر منك فى المسلمين حتى اسلم بين يديه فقال لها نعم والدى امير المؤمنين عمر رضى اللّه عنه فقالت ارسلنى اليه حتى اسلم بين يديه فارسلها ومعها عسكر واموال جزيلة اخرجتها معها من الحصار فلا زالت حتى وصلت الى عمر رضى اللّه عنه فقالت له يا امير المؤمنين هل هنا احد اكبر منك قال نعم محمد رسول اللّه وهذا قبره الشريف واشار الى الروضة المطهرة فقالت لا اسلم الا بين يديه فاجابها لما قالت فلما اتت الروضة المنورة سلمت وجلست بادب ووقار فى حضرة النبى عليه السلام وقالت اشهد ان لا اله الا اللّه واشهد ان محمدا عبده ورسوله ثم قالت خرجت من الظلمات الى النور وانا اخشى يا رسول اللّه ان يدنس ايمانى المعاصى فاسأل ربك الذى ارسلك الينا بالحق ان يقبض روحى قبل ان اعصيه مرة اخرى ثم وضعت رأسها على عتبة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فماتت من ساعتها فبكى عمر رضى اللّه عنه من حسن حالها وامر بغسلها وتجهيزها ودفنها بالبقيع بين الصحابة رضى اللّه عنهم بروز واقعة تابوت من زسر وكنيد ... كه ميروم بهواى بلند بالانى اللّهم اجعلنا من الذين سلكوا الصراط المستقيم ووصلوا الى جنابك بالقلب السليم فنجوا من عذابك الاليم آمين كريم يا رحيم ١٢٨ { ويوم يحشرهم جميعا } اى واذكر يا محمد لاهل مكة وغيرهم يوم يحشر اللّه الثقلين جميعا ويجمعهم فى موقف القيامة فيقول بطريق التوبيخ { يا معشر الجن } اى يا جماعة الشياطين فان المعشر الجماعة التى تضبطهم جهة واحدة وحصل بينهم معاشرتهم ومخالطتهم ويجمع على معاشر. قال بعضهم سميت الجماعة بالمعشر لبلوغها غاية الكثرة فان العشر هو العدد الكامل الكثير الذى لا عدد بعده الا بتركيبه بما فيه من الآحاد فتقول احد عشر واثنا عشر فاذا قيل معشر فكأنه قيل محل العشر الذى هو الكثرة الكاملة. وسمى الجن جنا لاجتنانهم اى استتارهم عن اعين الناس { قد استكثرتم من الانس } اى من اغوائهم واضلالهم اى اضللتم خلقا كثيرا من الانس { وقال اولياؤهم } اى اولياء الشياطين الذين اطاعوهم حال كونهم { من الانس } فهو حال من اولياؤهم { ربنا استمتع بعضها ببعض } اى انتفع الانس بالجن والجن بالانس. اما انتفاع الانس بالجن فمن حيث ان الجن كانوا يدلونهم على انواع الشهوات وما يتوصل به اليها ويسهلون طريق تحصيلها عليهم. واما انتفاع بالجن بالانس فمن حيث ان الانس اطاعوهم ولم يضيعوا سعيهم والرئيس المطاع ينتفع بانقياد اتباعه له { وبلغنا اجلنا الذى اجلت لنا } اى ادركنا الوقت الذى وقت لنا وهو يوم القيامة قالوه اعترافا بما فعلوا من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتكذيب البعث واظهارا للندامة عليها وتحسرا على حالهم واستسلاما لربهم كنون بايدا اى خفته بيدار بود ... جومر لئا ندر آرد زخوابت جه سود جه خوش كفت باكودك آموزكار ... كه كارى نكرديم وشد روزكار ولعل الاقتصار على حكاية كلام الضالين للايذان بان المضلين فداقحموا بالمرة فلم يقدروا على التكلم اصلا { قال } كأنه قيل فماذا قال اللّه تعالى حينئذ فقيل قال { النار مثواكم } اى منزلكم فهو اسم مكان بمعنى مكان الاقامة { خالدين فيها } قال ابن عباس رضى اللّه عنهما الخلق اربعة. فخلق فى الجنة كلهم. وخلق فى النار كلهم. وخلقان فى الجنة والنار. اما الذى فى الجنة كلهم فالملائكة. واما الذى فى النار كلهم فالشياطين. واما الذى فى الجنة والنار فالانس والجن لهم الثواب وعليهم العقاب { الا ما شاء اللّه } قال فى التأويلات النجمية ( الا ما شاء اللّه ) من الاوقات التى يخرجون فيها لشوب بن حميم فانه خارجها كما قال اللّه { ثم ان مرجعهم لإلى الجحيم } وقيل يفتح لهم وهم فى النار باب الى الجنة فيسرعون نحوه حتى اذا صاروا اليه سد عليهم الباب وقيل { الا ما شاء اللّه } قبل الدخول كأنه قيل النار مثواكم ابدا الا وقت امهالكم الى وقت الادخال والخلود كما ينتقص من الآخر كذلك ينتقص من الاول هذا ما ذهب اليه علماء الظاهر فى توجيه الاستثناء الا ان حضرة الشيخ نجم الدين قدس سره قال فى ذلك حفظا لظاهر الشرع وللعلماء باللّه تحقيق بديع فى هذه المقام لا يتحمله عقول العوام ونحن نشير الى نبذ من ذلك ونوصى بالستر الاعلى السالك قال المولى رمضان فى شرح العقائد اعلم ان اهل النار لم يقنطوا من الخلاص حتى اذا ذبح كبش الموت بين الجنة والنار ونودى اهلهما بالخلود ايس اهل النار من الخلاص فاعتادوا بالعذاب ولم يتألموا حتى آل امرهم الى ان يتلذذوا به حتى لو صب عليهم نسيم الجنة استنكروه وتعذبوا به كالجعل يستطيب الروث ويتألم من الورد انتهى كلامه وهذا معنى ما قال الشيخ الاكبر والمسك الاذفر والكبريت الاحمر قدس سره الاطهر تبقى جهنم خالية وان العذاب من العذب انتهى ولا يغرنك ظاهر هذا الكلام الاكبرى فان اتفاق العلماء من الطرفين على ان المخلد لا يخرج من النار ولا تبقى جهنم خالية من جسده قال حضرة شيخنا وسندنا الذى فضله اللّه تعالى على العالمين بما خصه من كمالات الدين فكما اذا استقر اهل دار الجمال فيها يظهر عليهم اثر الجمال ويتذوقون دائما ابدا ويختفى منهم جلال الجمال واثره بحيث لا يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به قطعا سرمدا فكذلك اذا استقر اهل دار الجلال فيها بعد مرورو الاحقاب يظهر على بواطنهم اثر جمال الجلال ويتذوقون به ابدا ويختفى منهم اثر نار الجلال بحيث لا يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به سرمدا لكن كما عرفت ليس كذلك الا بعد انقطاع احراق النار بواطنهم وظواهرهم بعد مرور الايام والاحقاب وكل منهم تخرقه النار خمسين الف سنة من سنى الآخرة لشرك يوم واحد من ايام الدنيا والظاهر عليهم بعد مرور الاحقاب هو الحال الذى يدوم عليهم ابدا وهو الحال الذى كانوا عليه فى الازل وما بينهما ابتلا آت رحمانية والابتلاء حادث قال تعالى { ونبلوكم بالشر والخبير فتنة والينا ترجعون } عصمنا اللّه واياكم من دار البوار انتهى كلام الشيخ رضى اللّه عنه { ان ربك حكيم } فى افعاله ومنها تخليد اولياء الشياطين فى النار { عليم } باحوال الثقلين واعمالهم وبما يليق بها من الجزاء ١٢٩ { وكذلك } اى كما خذلنا عصاة الجن والانس حتى استمتع بعضهم ببعض { نولى بعض الظالمين بعضا } اى نسلط بعضهم على البعض فنأخذ من الظالم بالظالم { بما كانوا يكسبون } بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصى وجاء ( من اعان ظالما سلطه اللّه عليه ) وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما اذا اراد اللّه بقوم خيرا ولى امرهم خيارهم واذا اراد بقوم شرا ولى امرهم شرارهم وجاء فى بعض الكتب الالهية انى انا اللّه ملك الملوك قلوب الملوك بيدى فمن اطاعنى جعلتهم عليه رحمة ومن عصانى جعلته عليه نقمة فلا تشغلوا انفسكم بسبب الملوك ولكن توبوا الى اعطفهم عليكم وفى الحديث ( الظالم عدل اللّه فى الارض ينتقم به ثم ينتقم منه ) وفى المرفوع ( يقول اللّه عز وجل انتقم ممن ابغض بمن ابغض ثم اصير كلا الى النار ) وفى الزبور انى لانتقم من المنافق بالمنافق ثم انتقم من المنافقين جميعا وقول القائل كيف يجوز وصفه بالظلم وينسب الى انه عدل من اللّه تعالى جوابه ان المراد بالعدل هنا ما يقابل بالفضل فالعدل ان يعامل كل احد بفعله ان خيرا فخير وان شرا فشر والفضل ان يعفو مثلا عن المسيئ وهذا على طريق اهل السنة بخلاف المعتزلة فانهم يوجبون عقوبة المسيئ ويدعون ان ذلك هو العدل ومن ثمة سموا انفسهم اهل العدل والى ما صار اليه اهل السنة يشير قوله تعالى { وقل رب احكم بالحق } اى لا تمهل الظالم ولا تتجاوز عنه بل عجل عقوبته لكن اللّه تعالى يمهل من يشاء ويتجاوز عمن يشاء ويعطى من يشاء لا يسأل عما يفعل كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى : وفى المثنوى جونكه بدكردى بترس ايمن مباش ... زانكه تخمست وبرو ياند خداش جند كاهى اوبيو شاندكه تا ... آيدت زان بد بشيمان وحيا بارها بوشد بى اظهار فضل ... باز كيرد از بى اظهار عدل تاكه اين هردو صفت ظاهر سود ... آن مبشر كردد اين منذر شود واعلم ان الظلم مطلقا مفسد للاستعداد الفطرى الروحانى القابل للفيض الربانى ولذا لا ينجع فى الظالم الكلام الحق واكثر ما يكون من ارباب الرياسة للقدرة والغلبة وفى الحديث ( ان من اشراط الساعة اماتة الصلوات واتباع الشهوات وان تكون الامراء خونة والوزراء فسقة ) فوثب سلمان فقال بابى وامى أهذا كائن قال ( نعم يا سلمان عندها يذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح فى الماء ولا يستطيع ان يغير ) قال أو يكون ذلك قال ( نعم يا سلمان ان اذل الناس يومئذ المؤمن يمشى بين اظهرهم بالمخافة ان تكلم اكلوه وان سكت مات بغيظه ) كذا فى روضة الاخبار : قال السعدى قدس سره خبر دارى از خسروان عجم ... كه كردندبر زير دستان ستم نه آن شوكت وبادشاهى بماند ... نه آن ظلم برروستايى بماند مكن تاتواننى دل خلق ريش ... وكرميكنى ميكنى بيخ خويش اللّهم احفظنا من الظلم والفساد انك حافظ العباد والبلاد ١٣٠ { يا معشر الجن والانس ألم يأتكم } اى يقول اللّه تعالى يوم القيامة للثقلين جميعا ألم يأتكم فى الدنيا اى كل فريق منكم { رسل } اى رسول معين من اللّه تعالى { منكم } صفة لرسل اى كائنة منكم اعلم ان الجن والانس مكلفون بالاتفاق لكن الرسول اليهم يحتمل ان يكون من جنسهم كما كان جبريل ونحوه رسل الملائكة من جنسهم وخواص البشر رسل الانس من انفسهم لان الجنس الى الجنس اميل والاستفادة والاستئناس فى الحنسية وخواص البشر رسل الانس من انفسهم لان الجنس الى الجنس اميل والاستفادة والاستئناس فى الحنسية اظهر ويحتمل ان يكون من غير جنسهم بان يكون من البشر وذلك لا يمنع الاستفادة لانه يجوز ان يستفيد خواصهم من الرسل ويكونوا رسل الرسول الى قومهم كاستفادة خواص البشر من خواص الملائكة وقد قام الاجماع على ان نبينا محمدا صلى اللّه عليه وسلم مرسل الى الثقلين ودعا كل واحد من الفريقين الى الايمان باللّه واليوم الآخر وقد كان الانبياء قبله يبعثون الى قومهم خاصة واما سليمان عليه السلام فانه لم يبعث الى الجن بالرسالة العامة بل بالملك والضبط والسياسة التامة فقوله تعالى { رسل منكم } اما محمول على المعنى الاول بان يكون الرسل من جنس الفريقين وقد ذهب اليه الضحاك ومن تبعه حيث قالوا لا معنى للعدول عن الظاهر بغير ضرورة وأيدوه بما قال ابن عباس رضى اللّه عنهما فى قوله تعالى { ومن الارض مثلهن } فى كل ارض نبى مثل نبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوح وابراهيم كابراهيم وعيسى كعيسى وصححه صاحب آكام المرجان كيف وابن عباس رضى اللّه عنهما سلطان المفسرين بالاتفاق ولا معنى لقول السخاوى فى المقاصد الحسنة انه اخذه من الاسرائيليات وهذا كما قالوا ان فى كل سماء كعبة حيالها يطوفها اهلها وكذا فى كل ارض ويناسب هذا ما قاله حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره خطايا لحضرة الهدائى الآن عوالم كثيرة يتكلم فيها محمود وافتاده كثير واما محمول على المعنى الثانى وهو الذى ادعوا فيه الاجماع وفيه تفصيل شأن البشر فالرسل من الانس خاصة لكن لما جمعوا مع الجن فى الخطاب صح ذلك ونظيره { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } والمرجان يخرج من الملح دون العذب وقيل الرسل يعم رسل الرسل وقد ثبت ان نفرا من الجن قد استمعوا القرآن وانذروا به قومهم هذا ما وفقنى اللّه تعالى لترتيبه وتهذيبه فى هذا الباب واللّه يقول الحق ويهدى الى الصواب { يقصون عليكم آياتى } اى يقرأون عليكم كتبى { وينذرونكم لقاء يومكم هذا } يعنى يوم القيامة { قالوا } جوابا عند ذلك التوبيخ الشديد { شهدنا على انفسنا } ان قد بلغنا وهو اعتراف منهم بالكفر واستحقاق العذاب وشهدنا انشاء الشهادة مثل بعت واشتريت فلفظ الماضى لا يقتضى تقدم الشهادة { وغرتهم الحياة الدنيا } فلم يؤمنوا { وشهدوا على انفسهم } فى الآخرة { انهم كانوا } فى الدنيا { كافرين } اى بالآيات والنذر التى أتى بها الرسل وهو ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم فانهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات على انفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذيرا للسامعين من مثل حالهم ١٣١ { ذلك } اى ارسال الرسل { ان } اللام مقدرة وهى مخففة اى لان الشأن { لم يكن ربك مهلك القرى بظلم } اى بسبب ظلم منها { واهلها غافلون } لم يرسل اليهم رسول يبين لهم قال البغوى وذلك ان اللّه تعالى اجرى السنة اى لا يأخذ احدا الا بعد وجود الذنب وانما يكون مذنبا اذا امر فلم يأترم ونهى فلم ينته ويكون ذلك بعد انذار الرسل وهو التفسير الفارسى [ استئصال هيج قوم نباشد الا بعد از تقدم وعيد واكرنه ايشانرا برحق حجت باشدكه لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع آياتك ] قال فى التأويلات النجمية الاستعداد الروحانى لا يفسد باستيفاء الحظ الحيوانى فى الطفولية الا بعد ان يصير العبد مستعدا لقبول فيض العقل وفيض الهام الحق عند البلوغ فيخالف الالهام ويتبع الهوى فيفسد بذلك حسن الاستعداد لقبول الفيض الالهي كقوله تعالى { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه } وهذا كما انه تعالى لا يعذب قوما ما بلغتهم الدعوة حتى يبعث فيهم رسولا فيخالفونه فيعذبهم بها وقد عبر لسان الشرع عن هذا المعنى بان لا يجرى عليه قلم تكاليف الشريعة الا بعد البلوغ بالاوامر والنواهى لانه اوان ترقى الروح باستعمال المأمورات ونقصانه باستعمال المنهيات انتهى فعلى العاقل ان يتدارك حاله ويخاف من الخطاب القهرى يوم القيامة كر بمحشر خطاب قهر كند ... انيسارا جه جاى معذرتست قال الحسن البصرى رحمه اللّه الناس فى هذه الدنيا على خمسة اصناف. العلماء وهم ورثة الانبياء. والزهاد وهم الادلاء. والغزاة وهم اسياف اللّه. والتجار وهم امناء اللّه. والملوك وم رعاة الخلق فاذا اصبح العالم طامعا وللمال جامعا فبمن يقتدى ولذا قال من قال شيخ جون مائل بمال آيد مريد او معاش ... مائل دينار هر كز مالك ديدار نيست واذا اصبح الزاهد راغبا فبمن يستدل ويهتدى اززاهدان خشك رسائى طمع مدار ... سبل ضعيف واصل دريا نميشود واذا اصبح الغازى مرائيا والمرائى لا عمل له فمن يظفر بالاعداء عبادت بالاخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغز بوست واذا كان التاجر خائنا فمن يؤمن ويرتضى درين زمانه مكر جبرئيل امين باشد ... واذا اصبح الملك ذئبا فمن يحفظ الغنم ويرعى بادشاهى كه طرح ظلم افكند ... باى ديوار ملك خويش بكند نكند جور بيشه سلطانى ... كه نيايد زكرك جوبانى واللّه ما هلك الناس الا العلماء المداهنون والزهاد الراغبون والغزاة المراؤون والتجار الخائنون والملوك الظالمون { وسيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون } ثم ان الاحكام الالهية قد بلغت الى كل اقليم وبلغ الشاهد الغائب الى يومنا هذا من قديم وامتلاء الآذان من سماع الحق والكلام المطلق فلم يبق للسلطان ولا للوزير ولا لغيرهما من الوضيع والخطير عذر ينجيه من الهلاك وقهر مالك الاملاك والتنبيه مقدم لكل خامل ونبيه فهلاك القرى واهلها وظهور الظلمات فرعها واصلها انما هو من غفلة الانسان ايقظه اللّه الملك المنان فلا تلومن عند وجود التنزل الا نفسك الابية وظهور التسفل الا طبيعتك الغبية فقد استبان البرهان والحجة ووضع لسالكيها المحجة ألم تسمع الى قوله تعالى { فللّه الحجة البالغة } واراك انك القمت الحجر ولا تدرى ما فعل بك بل تتمادى فى تعبك وتتمرغ فى غضبك فعالج نفسك ايها المريض قبل الحلول الى الحضيض ١٣٢ { ولكل } من المكلفين من الثقلين مؤمنين كانوا او كفارا { درجات مما عملوا } اى مراتب كائنة من اعمالهم صالحة كانت او مسيئة فلاهل الخير درجات بالمراتب لان الدرجات غلب استعمالها فى الخير والثواب والكفار لا ثواب لهم { وما ربك بغافل عما يعملون } فيخفى عليه عمل من اعمالهم طاعة او معصية والمقصود ان اللّه يجزى كل عامل بما عمل ١٣٣ { وربك الغنى } عن العباد والعبادة. والغنى هو الذى لا يحتاج الى شئ فيكون وجود كل شئ عنده وعدمه سواء وغيره تعالى لا يسمى غنيا الا اذا لم يبق له حاجة الا الى اللّه تعالى فاصل الحاجة لا ينقطع عن غير اللّه لانه فى وجوده وغناه يحتاج الى الغنى الحقيقى { ذو الرحمة } يترحم عليهم بالتكليف تكميلا لهم ويمهلهم على المعاصى وفى التأويلات النجمية يعنى مع غناه عن الخلق له رحمة قد اقتضت ايجاد الخلق ليربحوا عليه لا ليربح عليهم : قال فى المثنوى جون خلقت الخلق كى يربح على ... لطف توفر مود اى قيوم وحى لا لان اربح عليهم جود تست ... كه شود زو جمله ناقصها درست عفو كن اين بند كان تن برست ... عفو از درياى عفو اولى ترست عفو خلقان همجو جو وهمجو سيل ... هم بدان درياى خود تازند خيل { ان يشأ يذهبكم } ايها العصاة اى يهلككم { ويستخلف } بالفارسى [ خليفه وجانشين شما سازد ] { من بعدكم } اى من بعد اذهابكم واهلاككم { ما يشاء } اى خلقا آخر اطوع للّه منكم وايثار ما على من لا ظهار كمال الكبرياء واسقاطهم عن رتبة العقلاء { كما انشأكم من ذرية قوم آخرين } اى من قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهو اهل سفينة نوح عليه السلام لكنه ابقاكم ترحما عليكم وفى التفسير الفارسى [ همجاننكه شمارا بيدا كرد از ذرية قومى ديكركه بدران شمابودند ] ١٣٤ { ان ما توعدون } اى الذى توعدون من البحث والعذاب { لآت } لواقع لا محالة لا خلف فيه { وما انتم بمعجزين } اى بفائتين ذلك وان ركبتم فى الهرب متن كل صعب وذلول ١٣٥ { قل } لاهل مكة { يا قوم اعملوا على مكانتكم } المكانة مصدر بمعنى التمكن وهو القوة والاقتدار اى اعملوا على غاية تمكنكم ونهاية استطاعتكم يعنى اعملوا ما انتم عاملون واثبتوا على كفركم وعداوتكم { انى عامل } ما كتب على من المصابرة والثبات على الاسلام والاستمرار على الاعمال الصالحة. والامر للتهديد من قبيل الاستعارة تشبيها للشر المهدد عليه بالمأمور به الواجب الذى لا بد ان يكون قال فى التأويلات النجمية { اعملوا على مكانتكم } اى على ما جبلتم عليه نظيره قوله { قل كل يعمل على شاكلته } { فسوف تعلمون من } استفهامية او موصولة { تكون له عاقبة الدار } اى اينا تكون له العاقبة المحمودة التى خلق اللّه تعالى هذه الدار لها او فسوف تعرفون الذى له العاقبة الحسنى فالدار دار الدنيا والعاقبة الاصلية لهذه الدار هى عاقبة الخير واما عاقبة السوء فمن نتائج تحريف الفجار { انه } اى ان الشان { لا يفلح } يسعد { الظالمون } اى الكافرون اى لا يظفرون بمرادهم وبالفارسى [ بدرستى كه بيروزى ورستكارى نيابند ستمكاران يعنى كفار. صاحب كشف الاسرار فرموده كه هم درين روزى بدانيد كه دنيا كجارسد ودولت فلاح كرا رسد بينيد كه درويشان شكسته بال را بسراى كرامت جون خوانند وخواجكان صاحب اقبال را سوى زندان ندامت جون رانند ] باش تاكل يابى آنهاراكه امر وزندجزو ... باش تاكل بينى انهارا كه امر وزندخار تاكه ازدار الغرورى ساختن دار السرور ... تاكى ازدار الفرارى ساختن دار القرار وليس الفلاح الا فى العلم والعمل وترك الدنيا والكسل والذلل حكى عن بعضهم انه دخل عليه بعض الفقرا ولم يجد فى بيته شيأ من المتاع فقال امالك شئ قال بلى لنا داران احداهما دار امن والاخرى دار خوف فما يكون لنا من الاموال ندخره فى دار الامن يعنى نقدمه للدار الآخرة فقال له انه لا بد لهذا المنزل من متاع فقال ان صاحب هذا المنزل لا يدعنا فيه وذلك ان الدنيا عارية ولا بد للمعير ان يرجع فى عاريته فعاقبة الدار انما هى للاخيار الابرار الذين عملوا للّه فى ليلهم ونهارهم ولم ينقطعوا عن التوجه اليه حال سكونهم وقرارهم وكان شاب يجتهد فى العبادة فقيل له فى ذلك فقال رأيت فى منامى قصرا من قصور الجنة مبنيا بلبنة من ذهب ولبنة من فضة وكذلك شراريفه وبين كل شرافتين حورية لم ير الراؤون مثلها لما بها من الحسن والجمال وقد ارخين ذوائب شعورهن فتبسمت احداهن فى وجهى فانارت الجنة بنور ثناياها ثم قالت يا فتى جد للّه تعالى فى طلبى لاكون لك وتكون لى فاستيقظت فحقيق على ان اجد فاذا كان هذا الاجتهاد فى طلب حورية فكيف بمن يطلب رب الحورية فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد فظهر ان الاجتهاد فى طريق الحق له عاقبة حميدة فانه موصل الى الجنة والقربة والوصلة فسيظهر اثره فى الدار الآخرة. واما الظالمون الذين افسدوا استعداداتهم بما عملوا من المعاصى فانهم لا يفلحون بمثل هذه السعادة الى دار البوار وحالهم فى الدنيا هى الخسارة لا غير فان الباطل يفور ثم يغور والدولة فى الدنيا والآخرة لاهل الايمان والخلاص من التنزل لا يحصل الا بالايمان فمن دخل فى حصن الايمان وقوة اليقين يترقى الى ما شاء اللّه تعالى من الدرجات والشيطان وان كل ينبح عليه خارج الحصن لكنه لا يضره وفى الحديث ( جددوا ايمانكم ) والمراد الانتقال من مرتبة الى مرتبة فان اصل الايمان قد تم بالاول ولكن الايمان على ثمانى عشرة مرتبة العناية من اللّه تعالى وتوحيد كل شخص على قدر يقينه وهو قد يكون على قدر يقينه فى ملك وجوده وقد لا يكون على قدر هذا اليقين فالذين يظهرون الدعوى فتوحيدهم فى ملك وجودهم فقط فلو انهم جاوزوا الى هذا اليقين لندموا عليها ورغبوا عن انفسهم فعلى العاقل ان لا يسامح فى باب الدين بل يجتهد فى تحصيل اليقين فان الاجتهاد باب لهذا التحصيل ووسيلة فى رطيقة التكميل وان كان اللّه تعالى هو الموصل برحمته الخاصة والمؤثر فى كل الامور اللّهم اجعلنا من اهل التوحيد الحقانى وشرفنا بالايمان العيانى فانك الغنى ونحن الفقراء ١٣٦ { وجعلوا } اى مشركوا العرب { للّه مما ذرأ } اى خلق { من الحرث } اى الزرع { والانعام نصيبا } ولشركائهم ايضا نصيبا { فقالوا هذا } النصيب { للّه بزعمهم } اى بادعائهم الباطل من غير ان يكون ذلك بامر اللّه تعالى { وهذا لشركائنا } اى آلهتنا التى شاركونا فى اموالنا من المتاجر والزروع والانعام وغيرها فهو من الشركة لا من الشرك والاضافة الى المفعول روى انهم كانوا يعينون شيأ من الحرث والنتائج للّه ويصرفونه الى الضيفان والمساكين وشيأ منهما لآلهتهم وان رأوا ما لآلهتهم ازكى تركوه معتلين بان اللّه تعالى غنى وما ذلك الا لحب آلهتهم وايثارهم لها { فما كان لشركائهم } من نماء الحرث والانعام { فلا يصل الى اللّه } اى الى المساكين والاضياف وقالوا لو شاء اللّه زكى نصيب نفسه { وما كان للّه } من ذلك النماء { فهو يصل الى شركائهم } بذبح النسائك عنده والاجراء على سدنتها لانهم اذا لم ينم نصيب الآلهية يبدلون ذلك النامى الذى عينوه للّه تعالى ويجعلونه لآلهتهم { ساء ما يحكمون } اى ساء الذى يحكمون حكمهم فيما فعلوا من ايثار آلهتهم على اللّه تعالى وعملهم بالم يشرع لهم ١٣٧ { وكذلك } ومثل ذلك التزيين وهو تزيين الشرك فى قسمة القربان بين اللّه تعالى وبين آلهتهم { زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم } اى اولياؤهم من الجن او من السدنة فقوله قتل مفعول زين وشركاؤهم فاعله وكان اهل الجاهلية يدفنون بناتهم احياء خوفا من الفقر او من التزويج او من السبى وكان الرجل منهم يحلف باللّه لئن ولد له كذا وكذا غلاما لينجرنّ احدهم كما حلف عبدالمطلب على ابنه عبداللّه روى ان عبد المطلب رأى فى المنام انه يحفر زمزم ونعت له موضعها وقام يحفر وليس له ولد يومئذ الا الحارث فنذر لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا لينحرن احدهم للّه تعالى عند الكعبة فلما تموا عشرة اخبرهم بنذره فاطاعوه وكتب كل واحد منهم اسمه فى قدح فخرج على عبداللّه فاخذ الشفرة لينحر فقامت قريش من انديتها فقالوا لاتفعل حتى ننظر فيه فانطلق به الى عرّافة فقالت قربوا عشرا من الابل ثم اضربوا عليه وعليها القداح فان خرجت على صاحبكم فزيدوا من الابل حتى يرضى ربكم واذا خرجت على الابل فقد رضى ربكم ونجا صاحبكم فقربوا من الابل عشرا فخرج على عبداللّه فزاد عشرا عشرا فخرجت فى كل مرة على عبداللّه الى ان قرب مائة فخرج القدح على الابل فنحرت ثم تركت لا يصدّ عنها انسان ولا سبع ولذلك قال عليه السلام ( انا ابن الذبيحين ) يريد اباه عبداللّه واسمعيل عليه السلام { ليردوهم } اى ليهلكوهم بالاغواء { وليلبسوا عليهم دينهم } وليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين اسمعيل عليه السلام واللام للتعليل ان كان التزيين من الشياطين وللعاقبة ان كان من السدنة لظهور ان قصد السدنة لم يكن الاردآء واللبس وانما كان ذلك قصد الشياطين { ولو شاء اللّه } اى عدم فعلهم ذلك { ما فعلوه } اى ما فعل المشركون ما زين لهم من القتل { فذرهم وما يفترون } الفاء فصيحة اى اذا كان ما فعلوه بمشيئة اللّه تعالى فدعهم وافتراءهم على اللّه انه امرهم بدفن بناتهم احياء فان اللّه تعالى مع قدرته عليهم تركهم فاتركهم انت فان لهم موعدا يحاسبون فيه وللّه تعالى فيما شاء حكم بالغة ١٣٨ { وقالوا هذه } اشارة الى ما جعلوه لآلهتهم { انعام وحرث حجر } اى حرام { لا يطعمها } بالفارسى [ نجشد ونخورد آنرا ] { الا من نشاء } يعنون خدم الاوثان والرجال دون النساء { بزعمهم } اى قالوه ملتبسين بزعمهم الباطل من غير حجة { وانعام } خبر مبتدأ محذوف والجملة معطوفة على قوله تعالى هذه انعام اى قالوا مشيرين الى طائفة اخرى من انعامهم اى وهذه انعام { حرمت ظهورها } يعنون بها البحائر والسوائب والحوامى { وانعام } اى وهذه انعام كما مر وقوله تعالى { لا يذكرون اسم اللّه عليها } صفة لانعام لكنه غير واقع فى كلامهم المحكى كنظائره بل مسوق من جهته تعالى تعيينا للموصوف وتمييزا له عن غيره كما فى قوله تعالى { إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه } على احد التفاسير كأنه قيل وانعام ذبحت على الاصنام فانها التى لا يذكر عليها اسم اللّه وانما يذكر عليها الاصنام { افتراء عليه } اى افتروا على اللّه افتراء يعنى انهم يفعلون ذلك ويزعمون ان اللّه تعالى امرهم به { سيجزيهم } بالفارسى [ زود باشدكه خدا جزادهد ايشانرا ] { بما كانوا يفترون } اى بسبب افترائهم ١٣٩ { وقالوا ما فى بطون هذه الانعام } يعنون به اجنة البحائر والسوائب { خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا } اى حلال للرجال خاصة دون الاناث وتأنيث خالصة محمول على معنى ما وتذكير محرم محمول على لفظه وهذا الحكم منهم ان ولد ذلك حيا { وان يكن ميتة } اى ولدت ميتة { فهم فيه } اى ما فى بطون الانعام { شركاء } يأكلون منه جميعا ذكورهم واناثهم { سيجزيهم وصفهم } اى جزاء وصفهم الكذب على اللّه تعالى فى امر التحيل والتحريم { انه حكيم عليم } تعليل للوعد بالجزاء فان الحكيم العليم بما صدر عنهم لا يكاد يترك جزاءهم الذى هو من مقتضيات الحكمة ١٤٠ { قد خسر الذين قتلوا اولادهم } جواب قسم محذوف وهم ربيعة ومضر واضرابهم من العرب الذين كانوا يئدون بناتهم محافظة السبى والفقر اى خسروا دينهم ودنياهم بالفارسى [ زيان كرند ] { سفها بغير علم } متعلق بقتلوا على انه علة له وبغير علم صفة لسفها اى لخفة عقلهم وجهلهم بان اللّه تعالى هو الرزاق لهم ولاولادهم { وحرموا } على انفسهم { ما رزقهم اللّه } من البحائر ونحوها { افتراء على اللّه } اى افتروا على اللّه افتراء حيث قالوا ان اللّه امرهم بها { قد ضلوا } عن الطريق المستقيم { وما كانوا مهتدين } اليه وان هدوا بفنون الهدايات روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان رجلا من اصحابه كان لا يزال مغتما بين يديه فقال عليه السلام ( مالك تكون محزونا ) فقال يا رسول اللّه انى قد اذنبت فى الجاهلية ذنبا فاخاف ان لا يغفر لى وان اسلمت فقال عليه السلام ( اخبرنى عن ذنبك ) فقال يا رسول اللّه انى كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لى بنت فشفعت الىّ امرأتى ان اتركها فتركتها حتى كبرت وادركت فصارت من اجمل النساء فخطبوها فدخلت على الحمية ولم يتحمل قلبى ان ازوجها او اتركها فى البيت بغير زوج فقلت للمرأة انى اريد ان اذهب الى قبيلة كذا فى زيارة اقربائى فابعثيها معى فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلل واخذت على المواثيق بان لا اخونها فذهبت بها الى رأس بئر فنظرت فى البئر ففطنت الجارية بنى انى اريد ان القيها فى البئر فالتزمتنى وجعلت تبكى وتقول يا ابى اى شئ تريد ان تفعل بى فرحمتها ثم نظرت فى البشر فدخلت على الحمية ثم التزمتنى وجعلت تقول يا ابى لا تضيع امانة امى فجعلت مرة انظر الى البئر ومرة انظر اليها وارحمها وغلبنى الشيطان فاخذتها وألقيتها فى البئر منكوسة وهى تنادى فى البئر يا ابى قتلتنى فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت فبكى رسول اللّه وقال ( لو امرت ان اعاقب احدا بما فعل فى الجاهلية لعاقبتك بما فعلت ) واعلم انهم لما انسد عليهم طريق الثقة باللّه حملتهم خشية الفقر على قتل الاولاد ولذلك قال اهل التحقيق من امارات اليقين وحقائقه كثرة العيال على بساط التوكل قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر من دخل هذا الطريق وهو ذو زوج فلا يطلق او عزب فلا يتزوج حتى يكمل فاذا كمل فهو فى ذلك على ما يلقى اليه ربه انتهى واختار اكثر الكمل موت اولادهم لان كل ما يشغل الطالب عن اللّه من الاموال والاولاد فهو فتنة ومنهم ابراهيم بن ادهم حيث اجتمع بولده بمكة فرأى فى قلبه ميلا اليه فقال الهى امتنى او هذا مشيرا الى ولده فمات والانسب ان يدفعه من قلبه بالتوحيد ولا يدعو عليه بالموت لان الدعاء تصرف من عند نفسه والمتصرف فى الحقيقة هو اللّه فاذا ادخل عبده فى امر لا يتولى العبد اخراج نفسه منه بل يصبر وينتظر الى امر اللّه تعالى وقلة المال مع كثرة العيال والصبر عليها من المجاهدات المعتبرة عند السلاك قال حضرة الشيخ افتاده افندى خطابا لحضرة الهدايى اذا اظهر اهل بيتك جوعا شديدا ورأيتهم قد اشرفوا على الهلاك فعليك ان تتوكل على اللّه وتسلم الامر اليه بان تقول عن صميم قلبك لا بمجرد لسانك الهى انا عبد ذليل مثلهم وهم عبادك فامرى وامرهم اليك الا احل انا بينك وبين عبادك يتم المقصود بالسهولة ويقضى الرب جميع حوائجك قال ويكون توكل الطالب على وجه لو ان اولاده ما توا من الجوع لما ترحم عليهم بل قال هذا الرب وهذا عبده وافوض امرى الى اللّه ان اللّه بصير بالعباد : قال الصائب فكر آب اودانه دركنج قفس بيحاصلست ... زير جرخ انديشه روزى جرا بلشد مراد ١٤١ { وهو الذى انشأ } اى خلق يقال نشأ الشئ نشأة اذا ظهر وارتفع وانشأه اللّه تعالى اى اظهره ورفعه { جنات } اى بساتين من الكروم { معروشات } اى مرفوعات على ما يحملها من خشب ونحوه { وغير معروشات } ملقيات على وجه الارض فان بعض الاعناب يعرش وبعضها لا يعرش بل يلقى على وجه الارض منبسطا او المعروشات الاعناب التى يجعل لها عروش وغير المعروشات كل ما نبت منبسطا على وجه الارض مثل القرع والبطيخ او المعروشات ما يحتاج الى ان يتخذ له عريش يحمل عليه فيمسكه وهو الكرم وما يجرى مجراه وغير المعروش ما لا يحتاج اليه بل يقوم على ساقه كالنخل والزرع ونحوهما من الاشجار والبقول او المعروشات ما لا يحتاج اليه بل يقوم على ساقه كالنخل والزرع ونحوهما من الاشجار والبقول او المعروشات ما يحصل فى البساتين والعمرانات مما يهتم به الناس ويغرسونه وغير المعروشات ما انبته اللّه تعالى فى البرارى والجبال { والنخل والزرع } اى انشأهما وافرادهما بالذكر مع انهما داخلان فى الجنات لكونهما اعم نفعا من جملة ما يكون فى البساتين والمراد بالزرع ههنا جميع الحبوب التى يقتات بها { محتلفا أكله } حال مقدرة اذ ليس كذلك وقت الانشاء اى انشأ كل واحد منهما فى حال اختلاف ثمره الذى يؤكل فى الهيئة والكيفية قال البغوى ثمره وطعمه منها الحلو والحامض والجيد والردى { والزيتون والرمان } اى انشأهما { متشابها وغير متشابه } نصب على الحالية اى يتشابه بعض افرادهما فى اللون والهيئة والطعم ولا يتشابه بعضها مثل الرمانين لونهما واحد وطعمهما مختلف { كلوا من ثمره } اى من ثمر كل واحد من ذلك { اذا اثمر } وان لم يدرك ولم يينع بعد ففائدة التقييد بقوله اذا اثمر اباحه الاكل منه قبل ادراكه وينعه { وآتوا حقه يوم حصاده } اشهر الاقوال على ان المراد ما كان يتصدق به على المساكين يوم الحصاد اى يوم قطع العنب والنخل ونحوهما بطريق الوجوب من غير تعيين المقدار حتى نسخه افتراض العشر فيما يسقى بماء السماء ونصف العشر فيما يسقى بالدلو والدالية او نحوهما { ولا تسرفوا } اى فى التصدق كما روى ان ثابت بن قيس جذ خمسمائة نخلة فقسمها فى يوم واحد ولم يترك لاهله شيأ وقد جاء فى الخبر ( ابدأ بمن تعول ) وقيل الخطاب للسلاطين اى لا تأخذوا فوق حقكم { انه لا يحب المسرفين } اى لا يرضى فعلهم ١٤٢ { ومن الانعام } اى انشأ من الانعام { حمولة } ما يحمل عليه الاثقال { وفرشا } وما يفرش للذبح او يتخذ من صوفه ووبره وشعره ما يفرش ولعله من قبيل التسمية بالمصدر { كلوا مما رزقكم اللّه } من تبعيضية وما عبارة عن الحمولة والفرش اى كلوا بعض ما رزقكم اللّه اى حلاله وفيه تصريح بان انشاءها لاجلهم ومصلحتهم وتخصيص الاكل بالذكر من غير تعرض للانتفاع بالحمل والركوب وغير ذلك مما حرموه فى السائبة واخواتها لكونه معظم ما ينتفع به ويتعلق به الحل والحرمة { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } اى لا تسلكوا الطريق التى سولها الشيطان لكم فى امر التحليل والتحريم فانه لا يدعوكم الا الى المعصية { انه لكم عدو مبين } اى ظاهر العداوة وقد ابان عداوته لابيكم آدم عليه السلام ١٤٣ { ثمانية ازواج } بدل من حمولة وفرشا والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه ويحصل منهما النسل فالاثنان المصطحبان يقال لهما زوجان لازوج فعلى هذا يقول مقراضان ومقصان لا مقراض ومقص لانهما اثنان والمراد بالازواج الثمانية الانواع الاربعة لانها باعتبار مزاوجها ثمانية { من الضأن اثنين } بدل من ثمانية ازواج اى انشا من الضان زوجين الكبش والنعجة والضأن معروف وهو ذو الصوف من النعم { ومن المعز اثنين } اى انشأ من المعز زوجين التيس والعنز والمعز ذو الشعر من النعم { قل } لهم يا محمد { آلذكرين } من ذينك النوعين وهما الكبش والتيس { حرم } اى اللّه تعالى كما تزعمون انه هو المحرم { ام الانثيين } وهما النعجة والعنز { امَّا اشتملت عليه ارحام الانثيين } اى ام ما حملت اناث النوعين حرم ذكرا كان او انثى { نبئونى بعلم } اى اخبرونى بامر معلوم من جهة اللّه تعالى من الكتاب او اخبار الانبياء يدل على انه تعالى حرم شيأ مما ذكر { ان كنتم صادقين } فى دعوى التحريم عليه سبحانه ١٤٤ { ومن الابل اثنين } عطف على قوله تعالى من الضأن اثنين اى وانشأ من الابل اثنين هما الجمل والناقة { ومن البقر اثنين } ذكرا وانثى { قل } افحاما لهم ايضا { آلذكرين } منهما { حرم ام الانثيين امّا اشتملت عليه ارحام الانثيين } من ذينك النوعين والمعنى انكار ان اللّه تعالى حرم عليهم شيأ من الانواع الاربعة ذكرا وانثى او ما يحمل اناثها ردا عليهم فانهم كانوا يحرمون ذكور الانعام تارة كالحام فانه اذا نتجت من صلب الفحل عشرة ابطن حرموه ولم يمنعوه ماء ولا مرعى وقالوا انه قد حمى ظهره وكالوصيلة فان الشاة اذا ولدت اثنى فهى لهم وان ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وان ولدتهما وصلت الانثى اخاها ويحرمون اناثها تارة كالبحيرة والسائبة فانه اذا نتجت الناقة خمسة ابطن آخرها ذكر بحروا اذنها وخلوا سبيلها فلا تركب ولا تحلب وكان الرجل منهم يقول ان شفيت فناقتى سائبة ويجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها وكانوا اذا ولدت النوق البحائر والسوائب فصيلا حيا حرموا لحم الفصيل على النساء دون الرجال وان ولدت فصيلا ميتا اشترك الرجال والنساء فى لحم الفصيل ولا يفرقون بين الذكور والاناث فى حق الاولاد { ام كنتم شهداء } ام منقطعة بمعنى بل والهمزة ومعنى الهمزة الانكار والتوبيخ ومعنى بل الاضراب عن التوبيخ بما ذكر الى التوبيخ بوجه آخر اى بل أكنتم حاضرين شاهدين { اذ وصيكم اللّه بهذا } اى حين وصاكم بهذا التحريم اذ انتم لا تؤمنون بنبى فلا طريق لكم حسبما يؤول اليه مذهبكم الى معرفة امثال ذلك الا المشاهدة والسماع { فمن اظلم ممن افترى على اللّه كذبا } فنسب اليه تحريم ما لم يحرم { ليضل الناس } متعلق بافترى قال سعدى جلبى المفتى الظاهر ان اللام للعاقبة { بغير علم } حال من فاعل يضل اى ملتبسا بغير علم بما يؤدى بهم اليه { ان اللّه لا يهدى القوم الظالمين } كائنا من كان الى ما فيه صلاح حالهم عاجلا وآجلا فاذا نفى الهداية عن الظالم فما ظنك بمن هو اظلم ١٤٥ { قل لا اجد فيما اوحى الى } طعاما { محرما } من المطاعم التى حرموها { على طاعم } اى طاعم كان من ذكر او انثى ردا على قولهم ومحرم على ازواجنا وقوله تعالى { يطعمه } لزيادة التقرير { الا ان يكون } ذلك الطعام { ميتة } لم تذك وهى التى تموت حتف انفها { او دما مسفوحا } اى مصبوحا كالدماء التى فى العروق لا كالطحال والكبد فانهما جامدان وقد جاء الشرع بإباحتهما وفى الحديث ( احلت لنا ميتتان ودمان ) والمراد من الميتتين السمك والجراد ومن الدمين الكبد والطحال وما اختلط باللحم من الدم وقد تعذر تخلصه من اللحم عفو مباح لانه ليس بسائل ايضا { او لحم خنزير فانه } اى الخنزير { رجس } اى قذر لتعوده اكل النجاسة قال الحدادى كل ما استقذرته فهو رجس ويجوز ان يعود الضمير الى اللحم وتخصيصه مع ان لحمه وشحمه وشعره وعظمه وسائر ما فيه كله حرام لكونه اهم ما فيه فان اكثر ما يقصد من الحيوان المأكول اللحم فالحل والحرمة يضاف اليه اصالة ولغيره تبعا قال سعدى جلبى المفتى الاصل عود الضمير الى المضاف لانه المقصود والمضاف اليه لتعريفه وتخصيصه { او فسقا } عطف على لحم خنزير { اهل لغير اللّه به } صفة موضحة اى ذبح على اسم الاصنام وانما سمى ذلك فسقا لتوغله فى الفسق { فمن اضطر } اى اصابته الضرورة الداعية الى تناول شئ من ذلك { غير باغ } على مضطر مثله { ولا عاد } قدر الضرورة { فان ربك غفور رحيم } مبالغ فى المغفرة والرحمة لا يؤاخذه بذلك والآية محكمة لانها تدل على انه عليه السلام لم يجد فيما اوحى اليه الى تلك الغاية غيره ولا ينافيه ورود التحريم بعد ذلك فى شئ آخر قال فى التأويلات النجمية يشير بالميتة الى ميتة الدنيا فانها جيفة مستحيلة كما قال بعضهم وما هى الا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همهن اجتذابها فان تجتنبها كنت سلما لاهلها ... وان تجتذبها نازعتك كلابها وفى الحديث ( اوحى اللّه الى داود مثل الدنيا كمثل جيفة اجتمعت عليها الكلاب يجرونها أفتحب ان تكون كلبا مثلهم فتجر معهم ) قال الحافظ : هما بى جون توعالى قدر حرص استخوان حيفست ... دريغاسايه همت كه برنا اهل افكندى والدم المسفوح هو الشهوات واللذات التى بهراق عليها دم الدين ولحم الخنزير هو كل رجس من عمل الشيطان كما قال { انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } وحقيقة الرجس الاضطراب عن طريق الحق والبعد منه كما جاء فى الخبر لما ولد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ارتجس ايوان كسرى اى اضطراب وتحرك حركة سمع لها صوت فالرجس ما يبعدك عن الحق او فسقا اهل لغير اللّه به اى خروجا عن طلب الحق فى طلب غير الحق : قال السعدى خلاف طريقت بود كاوليا ... تمنا كنند ازخدا جز خدا فالشروع فى هذه الاشياء محرم لانها تحرمك من اللّه وقرباته الا ان يكون بقدر ما يدفع الحاجة الانسانية فان الضرورات تبيح المحظورات قال بعضهم فى قوله عليه السلام ( تمعددوا واخشوشنوا ) اى اقتدوا بمعدّ بن عدنان والبسوا الخشن من الثياب وامشوا حفاة فهو حث على التواضع ونهى عن الافراط فى الترفه والتنعم كما قال عليه السلام ( اياك والتنعم فان عباد اللّه ليسوا بالمتنعمين ) بناز ونعمت دنيا منه دل ... كه دل برداشتن كاريست مشكل فعلى العاقل ان يكون ازهد الناس فى الدنيا ويتجرد عن الاسباب كالانبياء وكمل الاولياء وعن بعضهم قال رأيت فقيرا ورد على بئر ماء فى البادية فادلى ركوته فيها فانقطع حبله ووقعت الركوة فيها فاقام زمانا وقال وعزتك لا ابرح الا بركوتى او تأذن لى فى الانصراف عنها قال فرأيت ظبية عطشانة جاءت الى البئر ونظرت فيها وفاض الماء وطفح على البئر واذا بركوته على فم البئر فاذخا وبكى وقال الهى ما كان لى عند محل ظبية فهتف به هاتف يا مسكين جئت بالركوة والحبل وجاءت الظبية ذاهبة عن الاسباب لتوكلها علينا ففى هذه الحكاية ما يدل على كمال الانقطاع عن غير اللّه تعالى ١٤٦ { وعلى الذين هادوا } اى على اليهود خاصة لا على من عداهم من الاولين والآخرين { حرمنا كل ذى ظفر } كل ما له اصبع سواء كان ما بين اصابعه منفرجا كانواع السباع والكلاب والسنانير او لم يكن منفرجا كالابل والنعام والاوز والبط وكان بعض ذوات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا عم التحريم { ومن البقر والغنم } متعلق بقوله { حرمنا عليهم شحومهما } لا لحومهما فانها باقية على الحل. والشحوم الثروب وشحوم الكليتين { الا ما حملت ظهورهما } استثناء من الشحوم اى الا ما اشتملت على الظهور والجنوب من شحم الكتفين الى الوركين من داخل وخارج { او الحوايا } عطف على ظهورهما اى او الا الذى حملته الامعاء واشتمل عليها. جمع الحوية كما فى الصحاح وهى المباعر والمصارين { او ما اختلط بعظم } عطف على ما حملت وهو شحم الالية واختلاطه بالعظم اتصاله بالعصص وهو عجب الذنب اى عظمه واصله ويقال انه اول ما يخلق وآخر ما يبلى { ذلك } الجزاء { جزيناهم } اى اليهود { ببغيهم } اى بسبب ظلمهم وهو قتلهم الانبياء بغير حق واخذهم الربا واكلهم اموال الناس بالباطل وكانوا كلما اتوا بمعصية عوقبوا بتحريم شئ مما احل لهم وقد انكروا ذلك وادعوا انها لم تزل محرمة على الامم الماضية فرد عليهم ذلك واكد بقوله تعالى { وانا لصادقون } اى فى الاخبار عن كل شئ لا سيما فى الاخبار عن التحريم المذكور وفى الاخبار عن بغيهم ١٤٧ { فان كذبوك } اى اليهود والمشركون فيما فصل من احكام التحليل والتحريم { فقل ربكم ذو رحمة واسعة } لا يعاجلكم بالعقوبة على تكذيبكم فلا تغتروا بذلك فانه امهال لا اهمال { ولا يرد بأسه } عذابه { عن القوم المجرمين } حين ينزل ١٤٨ { سيقول الذين اشركوا لو شاء اللّه } عدم اشراكنا { ما اشركنا } نحن { ولا آباؤنا ولا حمنا من شئ } ارادوا به ان ما فعلوه حق مرضى عند اللّه تعالى { كذلك } اى كهذا التكذيب وهو قولهم انا انما اشركنا وحرمنا لكون ذلك مشروعا مرضيا عند اللّه تعالى وانك كاذب فيما قلت من ان اللّه تعالى منع من الشرك ولم يحرم ما حرمتموه { كذب الذين من قبلهم } اى متقدموهم الرسل { حتى ذاقوا } غاية لامتداد التكذيب { بأسنا } الذى انزلنا عليهم بتكذيبهم { قل هل عندكم من } زائدة { علم } من امر معلوم يضح الاحتجاج به على ما زعمتم { فتخرجوه لنا } فتظهروه لنا { ان تتبعون الا الظن } اى ما تتبعون فيما انتم عليه من الشرك والتحريم الا الظن الباطل من غير علم ويقين { وان انتم الا تخرصون } تكذبون على اللّه تعالى ١٤٩ { قل فللّه الحجة البالغة } الفاء جواب شرط محذوف اى واذا قد ظهر ان لا حجة لكم فللّه الحجة البالغة اى البينة الواضحة التى بلغت غاية المتانة والثبات او بلغ بها صاحبها صحة دعواه والمراد بها الكتاب والرسول والبيان { فلو شاء } هدايتكم جميعا { لهديكم اجمعين } بالتوفيق لها والحمل عليها ولكن شاء هداية قوم لصرف اختيارهم الى سلوك طريق الحق وضلال آخرين لصرف هممهم الى خلاف ذلك ١٥٠ { قل هلمّ } اسم فعل اى احضروا { شهداءكم الذين يشهدون ان اللّه حرم هذا } وهم قدوتهم الذين ينصرون قولهم ومذهبهم ولا من يشهد بصحة دعواهم كائنا من كان ولذلك قيد الشهداء بالاضافة اليهم وانما امروا باستحضارهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وانه لا متمسك لهم كمن يقلدهم { فان شهدوا } بعدما حضروا بان اللّه تعالى حرم هذا { فلا تشهد معهم } اى فلا تصدقهم فانه كذب محض وبين لهم فساده { ولا تتبع اهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة } كعبدة الاوثان والموصول الثانى عطف على الموصول الاول بطريق عطف الصفة على الصفة مع اتخاذ الموصوف فان من يكذب بآياته تعالى لا يؤمن بالآخرة وبالعكس { وهم بربهم يعدلون } اى يجعلون له عديلا عطف على لا يؤمنون. والمعنى لا تتبع اهواء الذين يجمعون بين تكذيب آيات اللّه وبين الكفر بالآخرة وبين الاشراك به سبحانه لكن لا على ان يكون مدار النهى المذكور بل على ان اولئك جامعون لها متصفون بكلها واعلم ان اللّه تعالى احل الطيبات ورد ما كان اهل الجاهلية يفعلونه من تحريم من عند انفسهم لان الدين يبتنى على الوحى لا على الهوى وحرم الخبائث كالخمر والميتة والدم والخنزير وغير ذلك اى تناولها وبيعها لان ما يحرم تناوله يحرم بيعه واكل ثمنه بخلاف ما اذا كان الانتفاع بغير ذلك كشحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فان ذلك ليس بحرام وما حرمه اللّه تعالى اما ان يكون بلاء ونقمة كما فعل اليهود وجزاء على انفسهم واما ان يكون رحمة ومنة لعلمه ان فيه ضررا نفسانيا او روحانيا فالنفسانى كضرر السم وامثاله والروحانى كضرر لحوم السباع والمؤذيات وامثالها فانه بتعدى اخلاقها تغير الاخلاق الروحانية كما قال عليه السلام ( الرضاع بغير الطباع ) ومن ثم لما دخل الشيخ ابو محمد الجوينى بيته ووجد ابنه الامام ابا المعالى يرتضع ثدى غير امه اختطفه منها ثم نكس رأسه ومسح بطنه وادخل اصبعه فى فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى خرج ذلك اللبن قائلا يسهل علىّ موته ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير امه ثم لما كبر الامام كان اذا حصلت له كبوة فى المناظرة يقول هذه من بقايا تلك الرضعة فعلم ان من ارتضع امرأة فالغالب عليه اخلاقهما من خير وشر وكذا لحوم الحيوانات لها تأثير عظيم وفى الحديث ( عليكم بالبان البقر وسمنانها واياكم ولحومها فان البانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء ) وقد صح ان النبى عليه السلام ضحى عن نسائه بالبقر قال الحليمى هذا ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاصه ذلك به وهذا التأويل المستحسن والا فالنبى عليه السلام لا يتقرب الى اللّه تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر لتلك اليبوسة. وجواب آخر انه عليه السلام ضحى بالبقر لبيان الجواز او لعدم تيسر غيره كذا فى المقاصد الحسنة. ومن فوائد سمن البقر انه لو شرب منه على الريق خمسين درهما ينفع للجنون ويؤثر فى دفعه قال الفقيه ابو الليث يستحب للرجل ان يعرف من الطب مقدار ما يمتنع به عما يضر ببدنه لان العلم علمان علم الابدان ثم علم الاديان واجاز عامة العلماء التداوى بالمحرمات عند الضرورة كاساغة اللقمة بالخمر اذا غص وفى الاشباه الطعام اذا تغير واشتد تغيره تنجس وحرم واللبن والزيت والسمن اذا نتن لا يحرم اكله والدجاجة اذا ذبحت ونتف ريشها واغليت فى الماء قبل شق بطنها صار الماء نجسا وصارت نجسة بحيث لا طريق لاكلها الا ان تحمل الهرة اليها لا ان تحمل الى الهرة فعلى العاقل ان يحترز عن الحرام وعما يضر بالبدن ومن المضر الامتلاء كما قال عليه السلام ( رأس الداء الامتلاء ورأس الدواء الاحتماء ) آن حكيمى كه در حكمت سفت ... كل قليلا تعش كثيرا كفت قال السعدى قدس سره : ندارند تن بروران آكهى ... كه برمعده باشدز حكمت تهى ومن اللّه التوفيق ١٥١ { قل } يا محمد لكفار مكة { تعالوا } امر من تعالى والاصل فيه ان يقوله من فى مكان عال لمن هو اسفل منه ثم اتسع فيه بالتعميم فتكلم به كل من تطلب ان يتقدم ويقبل اليه شخص سواء كان الطالب فى علو او سفل او غيرهما { اتل } جواب الامر اى اقرأ { ما حرم ربكم } اى الذى حرمه ربكم اى الآيات المشتملة عليه { عليكم } متعلق بحرم { ان } مفسرة { ألا } ناهية { تشركوا به } تعالى { شيأ } من الاشياء فتقدير الكلام ذلك التحريم هو قوله لا تشركوا به شيأ اعلم ان هذه الآيات الثلاث الى قوله { لعلكم تتقون } تشتمل على عشر خصال جامعة للخير كله لم ينسخهنّ شئ من جميع الكتب فهن محرمات على بنى آدم كلهم لم يختلفن باختلاف الامم والاعصار من عمل بهن دخل الجنة ومت تركهن دخل النار. اولاهن قوله { ألا تشركوا به شيئا } قدم الشرك لانه رأس المحرمات ولا يقبل اللّه تعالى معه شيأ من الطاعات وهو ينقسم الى جلى وخفى فالجلى عبادة الاصنام والخفى رؤية الاغيار مع اللّه الواحد القهار تادم وحدت زدى حافظ شوريده حال ... خامه توحيد كش برورق اين وآن { وبالوالدين احسانا } اى واحسنوا بهما احسانا اى لا تسيئوا اليهما لان المحرم هو الاساءة والامر بالشئ مستلزم للنهى عن ضده وكذا معنى اوفوا لا تبخسوا وانما وضع الامر موضع النهى للمبالغة فى ايجاب مراعاة حقوقهما فان مجرد ترك الاساءة غير كاف فى قضاء حقوقهما. وهذا هو الامر الثانى من الاحكام العشرة وانما ذكر بعد تحريم الشرك تحريم العقوق لان الوالدين سببان قريبان لوجوده كما ان اللّه تعالى موجده فالتقاعد عن اداء حقوقهما عقوق فهو اكبر الكبائر بعد الشرك قال بعض الاولياء كنت فى تيه بنى اسرائيل فاذا رجل يماشينى فتعجبت منه والهمت انه الخضر فقلت له بحق الحق من انت قال انا اخوك الخضر قلت بأى وسيلة رأيتك قال ببرك امك جنت كه سراى مادرانست ... زير قدمات مادرانست { ولا تقتلوا اولادكم } اى لا تدفنوا بناتكم حية { من املاق } من اجل فقر. والاملاق تفاد الزاد والنفقة يقال املق الرجل اذا نفد زاده ونفقته من الملق وهو بذل المجهود فى طلب المراد { نحن نرزقكم واياهم } لا انتم لا تخافوا الفقر بناء على عجزكم عن تحصيل الرزق. وهذا هو الحكم الثالث من الاحكام العشرة وانما حرم قتل الاولاد لما فيه من هدم بنيان اللّه وملعون من هدم بنيانه وفيه ابطال ثمرة شجرته ومحصوده وقطع نسله وترك التوكل فى امر الرزق يؤدى الى تكذيب اللّه تعالى لانه قال { وما من دابة فى الارض الا على اللّه رزقها } ما آبروى فقر وقناعت نمى بريم ... بايادشه بكوى كه روزى مقدرست { ولا تقربوا الفواحش } اى الزنى وحبى بصيغة الجمع قصدا الى النهى عن انواعها ولذلك ابدل منها بدل اشتمال قوله { ما ظهر منها وما بطن } اى ما يفعل منها علانية فى الحوانيت كما هو دأب ارذالهم وما يفعل سرا باتخاذ الاخدان كما هو عادة اشرافهم. وهذا هو الحكم الرابع منها وتوجيه النهى الى قربانها للمبالغة فى النهى عنها ويدخل فى ذلك ما يبعده من الجنة ويدنيه من النار وهو ما ظهر وما يبعده من الحق ويحجبه عنه وان لم يحجبه عن الجنة ولم يبعده منها وهو ما بطن وايضا ما ظهر منها بالفعل وما بطن بالنية ومن الزنى زنى النظر اين نظر ازدور جون تيراست وسم ... عشقت افزون ميشود صبر توكم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الشيطان من الرجل فى ثلاثة منازل فى عينيه وفى قلبه وفى ذكره وهو من المرأة فى ثلاثة منازل فى عينيها وفى قلبها وفى عجزها { ولا تقتلوا النفس التى حرم اللّه } اى حرم قتلها بان عصمها بالاسلام او بالعهد فيخرج منها الحربى { الا بالحق } استثناء مفرغ من اعم الاحوال اى لا تقتلوها فى حال من الاحوال الا حال ملابستكم بالحق الذى هو امر الشرع بقتلها وذلك بالكفر بعد الايمان والزنى بعد الاحصان وقتل النفس المعصومة. وهذا هو الحكم الخامس وفى القتل ترك تعظيم امر الحق وترك الشفقة على الخلق وهما ملاك الدين والاشارة ان القتل الحق هو القتل فى طلب الحق والمقتول فى سبيل اللّه هو حى عند ربه وعن ابى سعيد الخراز كنت بمكة فجزت يوما بباب بنى شيبة فرأيت شابا حسن الوجه ميتا فنظرت فى وجهه فتبسم فى وجهى وقال لى يا ابا سعيد اما علمت ان الاحباب احياء وان ماتوا وانما ينقلون من دار الى دار مشو بمرك زامداد اهل دل نوميد ... كه خواب مردم آكاه عين بيداريست { ذلكم } اشارة الى ما ذكر من التكاليف الخمسة { وصاكم به } اى امركم ربكم بحفظه امرا مؤكدا { لعلكم تعقلون } اى تستعملون عقولكم التى تعقل نفوسكم وتحبسها عن مباشرة القبائح المذكورة ١٥٢ { ولا تقربوا مال اليتيم } اى لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه اليتيم من الانسان من لا اب له ومن الحيوان من لا ام له والخطاب للاولياء والاوصياء { الا بالتى هى احسن } الا بالخصلة التى هى احسن ما يفعل بماله كحفظه وتثميره { حتى يبلغ اشده } غاية لما يفهم من الاستثناء لا للنهى كأنه قيل احفظوه حتى يصير بالغا رشيدا فحينئذ سلموه اليه وجعل ابو حنيفة غاية الاشد خمسا وعشرين سنة فاذا بلغها دفع اليه ماله ما لم يكن معتوها قال الجوهرى { حتى يبلغ اشده } اى قوته وهو ما بين ثمانى عشرة الى ثلاثين وهو واحد جاء على بناء الجمع مثل آنك وهو الاسرب ولا نظير لهما وكان سيبويه يقول واحدته شدة. وهذا هو الحكم السادس وانما وصى اللّه تعالى بحفظ مال اليتيم لانه عاجز فتولى اللّه امره وامر بالشفقة والنظر فى حقه ألا تانكر يدكه عرش عظيم ... بلرزد همى جون بكريد يتيم { واوفوا الكيل } فى المكيلات اى أتموه ولا تنقصوا منه شيأ { والميزان } فى الموزونات وهو بالفارسى [ ترازو ] { بالقسط } حال من فاعل اوفوا اى اوفو هما مقسطين اى ملتبسين بالقسط وهو العدل فان قيل ايفاء الكيل والميزان هو عين القسط فما فائدة التكرير قلنا ان اللّه تعالى امر المعطى بايفاء ذى الحق حقه من غير نقصان وامر صاحب الحق بأخذه من غير طلب زيادة { لا نكلف نفسا الا وسعها } الا ما يسعها ولا يعسر عيها. وذكره عقيب الامر للايذان بان مراعاة العدل عسير عليكم فعليكم بما فى وسعكم وما وراءه معفو عنكم فاذا اجتهد الانسان فى الكيل والوزن ووقعت فيه زيادة يسيرة او نقصان يسير لم يؤاخذه به اذا اجتهد جهده وان اعيد الكيل على ذلك فزاد او نقص لم يثبت التراجع اذا كان ذلك القدر من التفاوت مما يقع بين الكيلين. واما التقصير القصدى فليس بمعفو وينبغى الاحتياط بقدر الامكان روى عن بعضهم انه قال لبعض الناس وهو فى النزع وكان يعامل الناس بالميزان قل لا اله الا اللّه فقال ما اقدر اقولها لسان الميزان على لسانى يمنعنى من النطق بها قال فقلت له أما كنت توفى الوزن قال بلى ولكن ربما كان يقع فى الميزان شئ من الغبار لا اشعر به وعن مالك بن دينار انه دخل على جار له احتضر فقال يا مالك جبلان من النار بين يدى اكلف الصعود عليهما قال مالك فسألت اهله فقالوا كان له مكيالان يكيل باحدهما ويكتال بالآخر فدعوت بهما فضربت احدهما بالآخر حتى كسرتهما ثم سألت الرجل فقال ما يزداد الامر الا شدة. وهذا هو الحكم السابع والاشارة اوفوا بكيل العمر وميزان الشرع حقوق الربوبية واستوفوا بكيل الاجتهاد وميزان الاقتصاد حظوظ العبودية من الالوهية لا نكلف نفسا فى ايفاء الحقوق واستيفاء الحظوظ الا بحسب استعدادها هركس بقدر بال وبرخويش مى برد ... { واذا قلتم } قولا فى حكومة او شهادة او نحوهما { فاعدلوا } فيه { ولو كان } المقول له او عليه { ذا قربى } اى ذا قرابة منكم ولا تميلوا نحوهم اصلا لان مداد الامر اتباع الحق المشروع وطلب مرضاة اللّه تعالى فلا فرق بين ذى قرابة واجنبى. وهذا هو الحكم الثامن وحقيقة العدل فى الكلام ان يذكر اللّه ولا يذكر معه غيره وان يتكلم للّه وفى اللّه وباللّه وهذا لا يتيسر الا لارباب التحقيق فان كلام غيرهم مشوب بالغرض والدعوى بانك هدهدكر بياموزد فتى ... راز هدهد كوو بيغام سبا { وبعهد اللّه اوفوا } اى ما عهد اليكم اى عهد كان من ملازمة العدل وتأدية احكام الشرع وغيرهما فهو مضاف الى الفاعل او ما عاهدتم اللّه عليه من الايمان والنذور فهو مضاف الى المفعول ويحتمل ان يراد به العهد بين الانسانين ويكون اضافته الى اللّه تعالى من حيث انه امر يحفظه والوفاء به وفاء عهد نكو باشد اربيا موزى ... وكرنه هركه توبينى ستمكرى داند وهذا هو الحكم التاسع وحقيقة العهد ان لا يعبد الا مولاه ولا يحب الا اياه ولا يرى سواه ازدم صبح ازل تا آخر شام ابد ... دوستى ومهربريك عهد ويك ميثاق بود { ذلكم } اشارة الى ما فصل من التكاليف الاربعة { وصاكم به } امركم به امرا مؤكدا { لعلم تذكرون } تتذكرون ما فى تضاعيفه وتعملون بمقتضاه ١٥٣ { وان } بتقدير اللام علة للفعل المؤخر اى ولان { هذا } اى ما ذكر فى هذه السورة من اثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة { صراطى } اى مسلكى وشريعتى. وسمى الشرع طريقا لانه يؤدى الى الثواب فى الجنة ومعنى اضافته الى ضمير عليه السلام انتسابه اليه من حيث السلوك لامن حيث الوضع كما فى صراط اللّه { مستقيما } حال مؤكدة اى مستويا قويما { فاتبعوه ولا تتبعوا السبل } اى الطرق المختلفة التى عدا هذا الطريق مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل { فتفرق بكم } منصوب باضماران بعد الفاء فى جواب النهى اصله فتتفرق حذفت منه احدى التاءين والباء للتعدية اى فتفرقكم وتزيلكم { عن سبيله } اى عن دين اللّه الذى ارتضى وبه اوصى وهو الاسلام. وفيه تنبيه على ان صراطه عليه السلام عين سبيله تعالى. وهذا هو العاشر من الخصال خلاف بيغمبر كسى ره كزيد ... كه هر كز بمنزل نخواهد رسيد محالست سعدى كه راه صفا ... توان رفت جزدربى مصطفا { ذلكم } اى اتباع سبيله وترك اتباع سائر السبل { وصاكم به لعلكم تتقون } اتباع سبيل الكفر والضلالة ولما تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية خط خطا فقال ( هذا سبيل اللّه ) ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال ( هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه ) واعلم ان الشرع ههنا هو الصراط المستقيم وهو احد من السيف وادقّ من الشعر ولذا لانزال فى كل ركعة من الصلاة نقول انهدنا الصراط المستقيم ومن زل عن هذا الصراط فى الدنيا زل عن صراط الآخرة ايضا قال عليه السلام ( الزالون عن الصراط كثير واكثر من يزل عنه النساء ) واكثر الرجال فى هذا الزمان فى حكم النساء فى اتباع الشهوات والاخذ بالعادات والدين بدأ غريبا وعاد غريبا فلا يوجد من يستأنس به ويستأهل له الانادرا قال فى التفسير الفارسى [ محققان برآنندكه صراط متعين نكردد الاميان بدايتى ونهايتى وعارف داندكه بدايت همه ازكيست ونهايت همه يكيست وحضرت شيخ صدر الدين قونوى قدس سره واعجاز البيان فرموده كه احاطه حق بهمه اشيا ثابت است واللّه بكل شئ محيط وآن احاطه وجودى است يا علمى باختلاف افقال واقوال متنهاى سر صراط وغايت سر سالك خواهدبو جنانجه فرمود { صراط اللّه الذى له ما فى السموات وما فى الارض ألا الى اللّه تصير الامور } هرجا قدمى زديم دركوى توبود ... هركوشه كه برفتيم سوى توبود كفتيم مكر سوى ديكرراهى هست ... هرراه كه ديديم همه سوى توبود ١٥٤ { ثم آتينا موسى الكتاب } عطف على مقدر اى فعلنا تلك التوصية باتباع صراط اللّه ثم آتينا موسى الكتاب اى التوراة وثم للتراخى فى الاخبار كما فى قولك بلغنى ما صنعت اليوم ثم ما صنعت امس اعجب { تماما } مصدر من اتم بحذف الزوائد اى اتماما للكرامة والنعمة { على الذى احسن } اى على من احسن القيام به كائنا من كان من الانبياء والمؤمنين { وتفصيلا لكل شئ } وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج اليه فى الدين وهذا لا ينافى الاجتهاد فى شريعتهم كما لا ينافى قوله تعالى فى آخر سورة يوسف { وتفصيل كل شئ } فى شريعتنا لان التفصيل فى الاصول والاجتهاد فى الفروع { وهدى } من الضلالة { ورحمة } نجاة من العذاب لمن آمن به وعمل بما فيه { لعلهم } اى بنى اسرائيل المدلول عليهم بذكر موسى { بلقاء ربهم يؤمنون } الباء متعلقة بيؤمنون اى كى يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب ١٥٥ { وهذا } اى القرآن { كتاب انزلناه } ليس من قبل الرسول كما يزعم المنكرون { مبارك } اى كثير النفع دينا ودنيا قال فى التأويلات النجمية { مبارك } عليك وبركته انه انزل على قلبك بجعل خلقك القرآن ومبارك على امتك بانه حبل بينهم وبين ربهم ليوصلهم اليه بالاعتصام { فاتبعوه } واعملوا بما فيه { واتقوا } مخالفته { لعلكم ترحمون } بواسطة اتباعه والعمل بموجبه ١٥٦ { ان تقولوا } على حذف المضاف كما هو رأى البصريين اى انزلناه كراهة ان تقولوا يا اهل مكة يوم القيامة لم تنزله { انما انزل الكتاب } اى التوراة والانجيل { على طائفتين } كائنتين { من قبلنا } وهما اليهود والنصارى ولعل الاختصاص فى انما اشتهار الكتابين يومئذ فيما بين الكتب السماوية { وان } مخففة اى وانه { كنا عن دراستهم } قرآتهم ولم يقل عن دراستهما لان كل طائفة جماعة { لغافلين } لا ندرى ما فى كتابهم اذ لم يكن على لغتنا فلم نقدر على قرآته ١٥٧ { او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب } كما انزل عليهم { لكنا اهدى منهم } الى الحق الذى هو المقصد الاقصى او الى ما فى تضاعيفه من جلائل الاحكام والشرائع ودقائقها لحدة اذهاننا ونقابة افهامنا ولذلك تلقفنا فنونا من العلم كالقصص والاشعار والخطب مع انا اميون { فقد جاءكم } متعلق بمحذوف معلل به اى لا تعتذروا بذلك القول فقد جاءكم { بينة } كائنة { من ربكم } اى حجة واضحة { وهدى ورحمة } عبر عن القرآن بالبينة ايذانا بكمال تمكنهم من دراسته لانه على لغتهم ثم بالهدى والرحمة { فمن ظلم } اى لا احد اظلم { ممن كذب بآيات اللّه } اى القرآن { وصدف عنها } اى صرف الناس عنها فجمع بين الضلال والاضلال. فى القاموس صدف عنه يصدف اعرض وفلانا صرفه { سنجزى الذين } بالفارسى [ زود باشدكه جزادهم آنراكه ] { يصدفون } الناس { عن آياتنا } وعيد لهم ببيان جزاء اضلالهم بحيث يفهم منه جزاء ضلالتهم ايضا { سوء العذاب } اى شدته { بما كانوا يصدفون } اى بسبب ما كانوا يفعلون الصدف والصرف على التجدد والاستمرار فعلى العاقل ان يعمل بالقرآن ويرغب غيره بقدر الامكان لانه يكون شريكه فى الثواب الفائض من اللّه الوهاب والمعرض عن القرآن الذى هو غذاء الارواح كالمعرض عن شراب السكر الذى هو غذاء الاشباح. وله ظاهر فسره العلماء وباطن حققه اهل التحقيق وكل قد علم مشربه وفى الحديث ( انزل القرآن على سبعة احرف ) اى على سبع لغات وهى لغات العرب المشهورين بالفصاحة من قريش وهذيل وهوازن واليمن وطى وثقيف تسهيلا وتيسيرا ليقرأ كل طائفة بما يوافق لغتهم بشرط السماع من النبى عليه السلام اذ لو كلفوا القراءة بحرف واحد لشق عليهم اذ الفطام عن المألوف شاق او على سبع قراآت وهى التى استفاضت عن النبى عليه السلام وضبطتها الامة واضافت كل حرف منها الى من كان اكثر قراءة به من الصحابة ثم اضيفت كل قراءة منها الى من اختارها من القراء السبعة وهم نافع وابن كثير وابو عمر وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائى ويقال ان جاحد القراآت السبع كافر وجاحد الباقى آثم مبتدع ولما تنزل القرآن العظيم من عالم الحقيقة كتب فى جميع الالواح وفى لوح هذا التعين حتى فى لوح وجودك واودع القابلية فى كل منها لقرآته ومعرفته والمقصود الاصلى هو العمل به والتخلق باخلاقه دون تصحيح المخرج ورعاية ظاهر النظم فقط : ونعم قول من قال نقد عمرش زفكرت معوج ... خرج شد در رعايت مخرج صرف كردش همه حيات سره ... در قرا آت سبعه وعشره قال الحافظ عشقت رسد بفريادكر خود بسان حافظ ... قرآن زبربخوانى درجازده روايت وفى الحديث ( لو كان القرآن فى اهاب ما مسته النار ) قال القاضى البيضاوى اى لو صور القرآن وجعل فى اهاب والقى فى النار ما مسته ولا احرقته ببركة القرآن فكيف بالمؤمن الحامل له المواظب على تلاوته وعن على رضى اللّه عنه من قرأ القرآن وهو قائم فى الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات وروى عن بعض الاخيار من اهل التلاوة للقرآن الكريم انه لما حضرته الوفاة كان كلما قالوا قل { لا اله الا اللّه } قال { بسم اللّه الرحمن الرحيم طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى } الى قوله { اللّه لا اله الا هو له الاسماء الحسنى } فلم يزل يعيدها كلما اعادوا عليه حتى مات على هذه الآية الكريمة فظهر ان الموت على ما عاش عليه الشخص وكان حرفة رجل بيع الحشيش وهو غافل عن اللّه فلما حضرته الوفاة كان كلما قيل له قل لا اله الا اللّه قال حزمة بفلس نسأل اللّه تعالى التوفيق للموت على الاسلام ١٥٨ { هل ينظرون } هل استفهامية معناها النفى وينظرون بمعنى ينتظرون فان النظر يستعمل فى معنى الانتظار كأنه قيل انى اقمت على اهل مكة الحجة وانزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا فما ينتظرون { الا ان تأتيهم الملائكة } اى ملك الموت واعوانه لقبض ارواحهم { او يأتى ربك } اى امره بالعذاب والانتقام وقال البغوى { او يأتى ربك } بلا كيف لفضل القضاء بين موقف القيامة انتهى. او المراد باتيان الرب اتيان كل آية يعنى آيات القيامة والهلاك الكلى بقرينة قوله تعالى { او يأتى بعض آيات ربك } يعنى اشراط الساعة التى هى الدخان ودابة الارض وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من عدن وهم ما كانوا منتظرين لاحد هذه الامور الثلاثة وهى مجيئ الملائكة او ميجئ الرب او مجيء الآيات القاهرة من الرب لكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظرين شبهوا بالمنتظرين { يوم يأتى بعض آيات ربك } ظرف لقوله { لا ينفع نفسا ايمانها } كالمحتضر فان معاينة اشراط الساعة بمنزلة نفسها ووقوع العيان يمنع قبول الايمان لانه انما يقبل اذا كان بالغيب { لم تكن آمنت من قبل } صفة نفسا اى من قبل اتيان بعض الآيات { او كسبت فى ايمانها خيرا } الآية تقتضى ان لا ينفع الايمان بدون العمل الصالح ومذهب اهل السنة انه نافع حيث ان صاخبه لا يخلد فى النار قال حضرة الشيخ الشهير بالهدائى الاسكدارى فى الواقعات لاح لى فى توفيق هذه الآية على مذهب اهل السنة وجهان. الاول ان يكون قوله { او كسبت } معطوفا على آمنت المقدر لا على آمنت المذكور والتقدير لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل سواء آمنت ايمانا مجردا او كسبت فى ايمانها خيرا. والثانى ان يعطف على آمنت المذكور ولكن يعتبر فى اللف مقدر فيكون النشر ايضا على اسلوبه والتقدير لا ينفع نفسا ايمانها ولا كسبها خيرا لم تكن آمنت من قبل او كسبت فى ايمانها خيرا { قل انتظروا } ما تنتظرونه من اتيان احد الامور الثلاثة لتروا اى شئ تنتظرون { انا منتظرون } لذلك وحينئذ لنا الفوز وعليكم الوبال بما حل بكم من سوء العاقبة قال البغوى المراد ببعض الآيات طلوع الشمس من مغربها وعليه اكثر المفسرين قال الحدادى فى تفسيره قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( اذا غربت الشمس رفع بها الى السماء السابعة فى سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من اين تطلع أمن مطلعها او من مغربها وكذا القمر فلا تزال كذلك حتى يأتى اللّه بالوقت الذى وقته لتوبة عباده وتكثر المعاصى فى الارض ويذهب المعروف فلا يأمر به احد وينتشر المنكر فلا نيهى عه احد فاذا فعلوا ذلك حبست الشمس تحت العرش فاذا مضى مقدار ليلة سجدت واستأذنت ربها من اين تطلع فلم يجر لها جوابا حتى يوافيها القمر فيسجد معها ويستأذن من اين يطلع فلا يجر له جوابا فيحسبان مقدار ثلاث ليال فلا يعرف مقدار تلك الليلة الا المتهدون فى الارض وهم يومئذ عصابة قليلة فى هوان من الناس فينام احدهم تلك الليلة مثل ما ينام قبلها من الليالى ثم يقوم فيتهجد ورده فلا يصبح فينكر ذلك فيخرج وينظر الى السماء فاذا هو بالليل مكانه والنجوم مستديرة فينكر ذلك ويظن فيه الظنون فيقول أخففت قراءتى أم قصرت صلاتى ام قمت قبل حينى ثم يقوم فيعود الى مصلاه فيصلى نحو صلاته ف الليلة الثانية ثم ينظر فلا يرى الصبح فيشتد به الخوف فيجتمع المتهجدون من كل بلدة فى تلك الليلة فى مساجدهم ويجأرون الى اللّه بالبكاء والتضرع فيرسل اللّه جبريل الى الشمس والقمر فيقول لهما ان اللّه يأمركما ان ترجعا الى مغربكما فتطلعا منه فانه لا ضوء لكما عندنا ولا نور فيبكيان عند ذلك وجلا من اللّه بكاء يسمعه اهل السموات السبع واهل سرادقات العرش ثم يبكى من فيهما من الخلائق من خوف الموت والقيامة فبينما المتهجدون يبكون ويتضروعون والغافلون فى غفلاتهم اذا بالشمس والقمر قد طلعا من المغرب اسودان لا ضوء للشمس ولا نور للقمر كصفتهما فى كسوفهما فذلك قوله تعالى { وجمع الشمس والقمر } فيرتفعان كذلك مثل البعيرين ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقا فيتصارخ اهل الدنيا حينئذ ويبكون فاما الصالحون فينفعهم بكاؤهم ويكتب لهم عبادة واما الفاسقون فلا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك عليهم حسرة وندامة فاذا بلغ الشمس والقمر سرة السماء ومنتصفها جاء جبريل فأخذ بقرونهما فردهما الى المغرب فيغربان فى باب التوبة ) فقال عمر رضى اللّه عنه بابى انت وامى يا رسول اللّه ما باب التوبة فقال ( يا عمر خلق اللّه بابا للتوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب وما بين المصراع الى المصراع اربعون سنة للراكب فذلك الباب مفتوح مذ خلق اللّه خلقه الى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس من مغربها فاذا غربا فى ذلك الباب رد المصراعان والتأم بينهما فيصير كأن لم يكن بينهما صدع فاذا اغلق باب التوبة لم يقبل للعبد توبة بعد ذلك ولم ينفعه حسنة يعملها الا من كان قبل ذلك محسنا فانه يجزى كما قبل ذلك اليوم فذلك قوله تعالى { يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قل أو كسبت فى ايمانها خيرا } ) وانما لم يقبل الايمان فى ذلك الوقت لانه ليس بايمان اختيارى فى الحقيقة وانما هو ايمان لخوف الهلاك قال اللّه تعالى { فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا } قال السعدى قدس سره جه سود ازدزد آنكه توبه كردن ... كه نتواند كمند انداخت بركاخ بلند ازميوه كو كوتاه كن دست ... كه اين كوته ندارد دست برشاخ وعدم قبول الايمان والتوبة غير مخصوص بمن يشاهد طلوع الشمس من المغرب وهو الاصح والظاهر ان من تولد بعد طلوعها او ولد قبله ولم يكن مميزا بعد ذلك يقبل ايمانه وجعله فى شرح المصابيح اصح قالت عائشة رضى اللّه عنها اذا خرجت اول الآيات طرحت الاقلام وحبست الحفظة وشهدت الاجساد بالاعمال قال الامام السيوطى رحمه اللّه يظهر المهدى قبل الدجال بسبع سنين ويخرج الدجال قبل طلوع الشمس بعشر سنين ويقوم المهدى سنة مائتين بعد الالف او اربع ومائتين واللّه اعلم وقبل ظهور المهدى اشراط اخر من خروج بنى الاصفر وغيرها وفى التأويلات النجمية ان اللّه تعالى جعل نفس الانسان وقبله ارضا صالحا لقبول بذر الايمان وانباته وتربيته كما قال عليه السلام ( لا اللّه الا اللّه ينبت الايمان فى القلب كما ينبت الماء البقلة ) فالبذر هو قول المرء اشهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه عند تصديق القلب بشهادة اللسان وانما كان زمان هذه الزراعة زمان الدنيا لا زمان الآخرة ولهذا قال عليه السلام ( الدنيا مزرعة الآخرة ) فلا ينفع نفسا فى زمان الآخرة بذر ايمانها لم تكن بذرت من قبل فى زمان الدنيا او كسبت فى ايمانها خيرا من الاعمال الصالحة التى ترفع الكلمة الطيبة وهى لا اله الا اللّه وتجعلها شجرة طيبة مثمرة تؤتى اكلها كل حين باذن ربها من ثمار المعرفة والمحبة والكشف والمشاهدة والوصول والوصال ونيل الكمال انتهى ما فى التأويلات ونسأل اللّه ان يرزقنا التوفيق لتحقيق التوحيد ١٥٩ { ان الذين } اى اليهود والنصارى { فرقوا دينهم } اى بدّدوه وبعضوه فتمسك بكل بعض منه فرقة منهم { وكانوا شيعا } جمع شيعة يقال شايعه على الامر اذا تبعه اى فرقا تشيع كل فرقة اماما لها قال عليه السلام ( افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وستفترق امتى على ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة ) واستثناء الواحدة من فرق كل من اهل الكتابين انما هو بالنظر الى العصر الماضى قبل النسخ واما بعده فالكل فى الهاوية { لست منهم فى شئ } لست من البحث عن تفرقهم والتعرض لمن يعاصرك بالمناقشة والمؤاخذة فى شئ { انما امرهم الى اللّه } تعليل للنفى المذكور اى هو يتولى وحده اولاهم واخراهم ويدبرهم كيف يشاء حسبما تقتضيه الحكمة { ثم ينبئهم } اى يوم القيامة { بما كانوا يفعلون } عبر عن اظهاره بالتنبئة لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه من سوء عاقبته اى يظهر لهم على رؤوس الاشهاد ويعلمهم اى شئ شنيع كانوا يفعلونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء واعلم ان كل فعل شنيع وعمل قبيح فى الدنيا يتصور بصورة قبيحة فى الآخرة وهو قد كان بصورة قبيحة فى الدنيا ايضا لكنه برز لفاعله فى صورة مستحسنة امتحانا وابتلاء فصار كالشهد المختلفط بالسم نعوذ باللّه من سيآت الاعمال حفت الجنة بمكر وهاتنا وحفت النيران بشهواتنا يعنى جعلت الجنة محفوفة بالاشياء التى كانت مكروهة لنا وجعلت النار محاطة بالاشياء التى كانت محبوبة لنا يعنى ان نفوسنا تميل اليها وتحب ان تفعلها لكونها على وفق هواها فكما ان فى الآفاق فرقا مختلفة ينفى بعضهم الصانع وبعضهم صفاته وبعضهم يعتقد فى حقه تعالى ما لا يجوز اعتقاده وبعضهم يجرى على ما جرى عليه الانبياء والاولياء من حسن العقيدة وصالح العمل كذلك فى الانفس قوى مختلفة لا تتحد فى البنية ولا تجتمع على امر واحد فالطبيعة على التشهى والنفس على الهوى والروح على الاقبال الى المولى والدين الحقيقى الذى فيه كمالية الانسان انما يوجد بتوافق الظاهر والباطن فمن فارقه بقلبه وتمسك ببعض شعاره وبظاهره رياء وسمعة فهو من فرق اهل الدعوى من غير المعنى قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى مخاطبا لحضرة الهدائى قدس اللّه اسرارهما اشكر اللّه على عدم اقترانك بالملاحدة فان الالحاد كمرض الجذام بعيد عن الاصلاح قال واظن انهم لا يخرجون من النار لانهم فى دعوى المقال بدون الحال انتهى. ومن المدعين القلندرية وهم الذين يقصون لحاهم وشعورهم بل يحلقون قلندرى نه بريشست وموى ويا ابرو ... حساب راه قلندر بدانكه موى بموست كذشتن ازسر مو در قلندرى سهلست ... جو حافظ آنكه زسر بكذرد قلندر اوست ومن الفرق المبتدعة الجوالقية وهم الذين يحلقون لحاهم ويلبسون الجوالق والكساء الغليظ وقد نهى النبى عليه السلام عن لباس الشهرة سواء كان من جنس الرقيق او الغليظ لانه اشتهار بذلك وامتياز به عن المسلمين وقد قال عليه السلام ( كن كواحد من الناس ) ولا ينفع الجوالق والكساء اذا كان المرء صاحب الرياء : قال السعدى قدس سره. بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش باخدا در توانى فروخت كر آوزاره خواهى رد اقليم فاش ... برون حله كن كودرون حشو باش وقال درغزا كند مرد بايد بود ... مخنث سلاح جنك جه سود وكان الشيخ قطف الدين حيدر مجذوبا صاحب حال جدّا حتى حكى انه اخذ حديدا حارا من كير حداد صار كقطعة نار والقاه على عنقه ساعة فلم يحترق فاخذ الحيدرية بذلك ولبسوا الحديد تقليدا ولبس الحديد اكثر اثما من لبس الذهب فعلى العاقل ان يجتنب عن البدعة واهلها وروى ان ابن المبارك رؤى فى المنام فقيل له ما فعل ربك فقال عاتبنى واوقفنى ثلاثين سنة بسبب انى نظرت باللطف يوما الى مبتدع فقال انك لم تعاد عدوى فى الدين فكيف حال القاعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين واعلم ان اهل الهوى والبدعة ليس مخصوصا بالبشر كما قال الاعمش تزوج الينا جنى فقلت له ما احب الطعام اليكم فقال الارز فقال فأتنا به فجعلت ارى اللقم ترفع ولا ارى احدا فقلت هل فيكم من هذه الاهواء التى فينا قال نعم قلت فما الرافضة فيكم قال شرنا والروافض هم الذين رفضوا زيد بن على بن الحسني بن على بن ابى طالب لعدم تبريه من ابى بكر وعمر رضى اللّه عنهما ولزم هذا اللقب كل من غلا فى مذهبه واستجاز الطعن فى الصحابة واصله ان زيدا خرج بالكوفة داعيا لنفسه فبايعه جماعة من اهلها واتاه طائفة من اهل الكوفة وقالوا تبرأ من ابى بكر وعمر نبايعك فابى فقالوا اذا نرفضك فمن ذلك سموا الروافض وقالت طائفة من اهل الكوفة نتولاهما ونتبرأ ممن تبرأ منهما وخرجوا مع زيد فسموا الزيدية وسبب بغضهم للاصحاب انه لما وقعت الهزيمة فى غزوة احد ونادى الشيطان ان قد مات محمد اعتقده الاصحاب غير على رضى اللّه عنه حتى وقع النزاع فقال كرم اللّه وجهه هل اقتلكم لو لم يكن واقعا قالوا نعم فلما ظهر خلافه عفا عنهم فمن ثم احبوا عليا وتركوا الباقى وابغضوه جون خدا خواهد كه برده كس درد ... ميلس اندر طعنه باكان برد فعلى العاقل ان يحب الصالحين حبا شديدا كى ينال منهم شفاعة يوم القيامة فويل لمن كان شفعاؤه خصماءه اللّهم اعصمنا ولا تزغ قلوبنا واهدنا وسددنا فمنك التوفيق لسلوك طريق التحقيق ١٦٠ { من جاء بالحسنة } اى من جاء يوم القيامة بالاعمال الحسنة من المؤمنين اذ لا حسنة بغير ايمان قال القاضى عياض انعقد الاجماع على ان الكفار لا تنفعهم اعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم يكون اشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم انتهى نعم اذا اسلموا يثابون على الخيرات المتقدمة لما ورد فى الحديث ( حسنات الكفار مقبولة بعد اسلامهم ) وفى تفسير الكاشفى [ هركه بيايد دردنيا بنكوبى ] { فله عشر امثالها } اى فله عشر حسنات امثالها فضلا من اللّه تعالى فالامثال ليس مميزا للعشر بل مميزها هو الحسنات والامثال صفة لمميزها ولذا لم يذكر التاء للعشر. وقيل انما انث عشر وان كان مضافا الى ما مفرده مذكر لاضافة الامثال الى مؤنث هو ضمير الحسنة كقوله تعالى { يلتقطه بعض السيارة } { ومن جاء بالسيئة } اى بالاعمال السيئة كائنا من كان من العاملين { فلا يجزى الا مثلها } بحكم الوعد واحدة بواحدة فان قيل كفر ساعة يوجب عقاب الابد على نهاية التغليظ فما وجه المماثلة واجيب بان الكافر على عزم انه لو عاش ابدا لبقى على ذلك الاعتقاد فملا كان العزم مؤبدا عوقب بعقاب الابد بخلاف المسلم المذنب فانه يكون على عزم الاقلاع عن ذلك الذنب فلا جرم كانت عقوبته منقطعة { وهم لا يظلمون } بنقص الثواب وزيادة العقاب قال الحدادى وانما قال ذلك لان التفضل بالنعم جائز والابتداء بالعقاب لا يجوز انتهى واعلم ان الحسنات العشر اقل ما وعد من الاضعاف : قال السعدى قدس سره نكوى كارى از مردم نيك راى ... يكى را يده مينويسد خداى تونيز اى بسر هر كرايك هنر ... به بينى زده عيبش اندر كذر وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر فى العدد الخاص كما يقول القائل لئن اسديت الىّ معروفا لاكافئنك بعشر امثاله وحكمة التضعيف لئلا يفلس العبد اذا اجتمع الخصماء فى طاعته فيدفع اليهم واحدة ويبقى له تسع فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من اصل حسناته لان التضعيف فضل من اللّه تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة وفى الحديث ( ويل لمن غلب آحاده على اعشاره ) اى سيآته على حسناته وفى الحديث ( الاعمال ستة موجبتان ومثل بمثل وحسنة بحسنة وحسنة بعشر وحسنة بسبعمائة فاما الموجبتان فهو من مات ولا يشرك باللّه شيأ دخل الجنة ومن مات وهو مشرك باللّه دخل النار واما مل بمثل فمن عمل سيئة فجزاء سيئة مثلها واما حسنة بحسنة فمن هم بحسة حتى تشعر بها نفسه ويعلمها اللّه من قلبه كتبت له حسنة واما حسنة بعشر فمن عمل حسنة فهل عشر امثالها واما حسنة بسبعمائة فالنفقة فى سبيل اللّه ) كنون بركف دست نه هرجه هست ... كه فردا بدندان كزى بشت دست قال فى اسئلة الحكم اعلم ان الشارع قد يرتب الثواب للعمل لئلا يترك بل يرغب فيه فلا يكون ذلك العمل افضل من العمل المؤكد عليه الذى لم يترتب عليه ذلك الثواب فمن ذلك قوله عليه السلام ( من صلى الضحى اثنتى عشرة ركعة بنى اللّه له بيتات فى الجنة من ذهب ) مع ان السنة الراتبة لفرض الظهر افضل من الضحى ومن ذلك قوله عليه السلام ( من صلى ست ركعات بين المغرب والعشاء كتب اللّه له عبادة اثنتى عشرة سنة ) مع ان سنة المغرب افضل من ذلك وانما رتب الثواب على ذلك لكثرة الغفلة فيه وامثال ذلك كثيرة فى الاخبار فلا يفضل على الراتب المؤكد وان لم يعين اجره غير الراتب او غير راتبة فى الاجر والفضيلة فى عمل او حكم ولا يبلغ مرتبة الراتبة نقل من الاحكام وان لم يتعين قدر اجرها فان السنن شرعت لتتم نقائض الفرائض والنوافل الغير الراتبة لتتميم نقائص السنن الراتبة فلا ينوب نفل مناب فرض يجب قضاؤه فرض لا يسقط بالنوافل كما يزعم بعض العوام يترك الفرائض ويرغب فى النوافل مما ورد كثرة الاجر عليه كالصلاة بعد المغرب بزعم سقوط الفرائض بها وتنوب مناب القضاء وذلك غير مشروع اصلا وترتيب اجور الاعمال والاذكار موقوف على الوحى والالهام لا قدم فيه لتخمين العقول والاشارة فى الآية ان اللّه تعالى من كمال احسانه مع العبد احسن اليه بعشر حسنات قبل ان يعمل العبد حسنة واحدة فقال تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } يعنى قبل ان يجئ بحسنة احسن اليه بعشر حسنات حتى يقدر ان يجيء بالحسنة وهى حسنة الايجاد من العدم وحسنة الاستعداد بان خلقه فى احسن تقويم مستعدا للاحسان وحسنة التربية وحسنة الرزق بعثة الرسل وحسنة انزال الكتب وحسنة تبيين الحسنات والسيآت وحسنة التوفيق وحسنة الاخلاص فى الاحسان وحسنة قبول الحسنات { من جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها } والسر فيه ان السيئة بذر يزرع فى ارض النفس والنفس خبيثة لانها امارة بالسوء والحسنة بذر يزرع فى ارض القلب والقلب طيب لان بذكر اللّه تطمئن القلوب وقد قال تعالى { والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذى خبث لا يخرج الا نكدا } واما ما جاء فى القرآن والحديث من تفاوت الجزاء للحسنات فاعلم انه كما ان للاعداد اربع مراتب آحاد وعشرات ومآت والوف والواحد فى مرتبة الآحاد واحد بعينه وفى مرتبة العشرات عشرة وفى مرتبة المآت مائة وفى مرتبة الالوف الف فكذلك للانسان مراتب اربع النفس والقلب والروح والسر فالعمل الواحد فى مرتبة النفس اى اذا صدر منها يكون واحدا بعينه كما قال { وجزاء سيئة سيئة مثلها } اذا هى فى مرتبة الاحاد وفى مرتبة القلب يكون بعشر امثالها لانه بمرتبة العشرات وفى مرتبة الروح يكون بمائة لانه بمرتبة المآت وفى مرتبة السر يكون بالف الى اضعاف كثيرة بقدر صفاء السر وخلوص النية الى ما يتناهى لانه بمنزلة الالوف واللّه اعلم { وهم لا يظلمون } المعنى ان اللّه تعالى قد احسن اليهم قبل ان يحسنوا بعشر حسنات شاملات للحسنات الكثيرة فلا يظلمهم بعد ان احسنوا بل يضاعف حسناتهم يدل عليه قوله تعالى ( ان اللّه لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما ) كذا فى التأويلات النجمية ١٦١ { قل } يا محمد لكفار مكة الذين يدعون انهم على الدين الحق وقد فارقوه بالكلية { اننى هدانى ربى } اى ارشدنى بالوحى وبما نصب فى الآفاق والانفس من الآيات التكوينية { الى صراط مستقيم } موصل الى الحق { دينا } بدل من محل الى صراط والمعنى هدانى صراطا { قيما } مصدر بمعنى القيام وصف به الدين بمالغة والقياس قوما كعوض فاعل لاعلال فعله كالقيام { ملة ابراهيم } عطف بيان لدينا والملة من امللت الكتاب اى امليته وما شرعه اللّه لعباده يسمى ملة من حيث انه يدّون ويملى ويكتب ويتدارس بين من اتبعه من المؤمنين ويسمى دينا باعتبار طاعتهم لمن شرعه وسنه اى جعله لهم سننا وطريقا { حنيفا } حال من ابراهيم اى مائلا عن الاديان الباطلة ميلا لا رجوع فيه { وما كان من المشركين } اى ما كان ابراهيم منهم فى امر من امور دينهم اصلا وفرعا وانما اضاف هذا الدين الى ابراهيم لان ابراهيم كان معظما فى عيون العرب وفى قلوب اهل سائر الاديان اذ اهل كل دين يزعمون انهم ينتحلون الى دين ابراهيم عليه السلام فرد اللّه تعالى بقوله { وما كان من المشركين } على الذين يدعون انهم على ملته عليه السلام عقدا وعملا من اهل مكة واليهود المشركين بقولهم { عزير ابن اللّه } والنصارى المشركين بقولهم { المسيح ابن اللّه } والمشرك فى الحقيقة هو الذى يطلب مع اللّه تعالى شيأ آخر ومن اللّه غير اللّه : قال السعدى قدس سره خلاف طريقت بود كاوليا ... تمنا كنند از خدا جز خدا ١٦٢ { قل } اعيد الامر لما ان المأمور به متعلق بفروع الشرائع وما سبق باصولها { ان صلاتى } يعنى الصلوات الخمس المفروضة { ونسكى } اى عبادتى كلها. واصل النسك كل ما تقربت به الى اللّه تعالى ومنه قولهم للعابد ناسك. ويقال اراد بالصلاة صلاة العبد وبالنسك الاضحية وعن انس رضى اللّه عنه عن رسول اللّه انه قرب كبشا املح اقرن فقال ( لا اله الا اللّه واللّه اكبر ان صلاتى ونسكى ) الى قوله تعالى { وانا اول المسلمين } ثم ذبح فقال ( شعره وصوفه فداء لشعرى من النار وجلده فداء لجلدى من النار ودمه فداء لدمى من النار ولحمه فداء للحمى من النار وعظمه فداء لعظمى من النار وعروقه فداء لعروقى من النار ) فقالوا يا رسول اللّه هنيئا مريئا هذا لك خاصة قال ( بل لامتى عامة الى ان تقوم الساعة اخبرنى به جبريل عليه السلام عن ربى عز وجل ) { ومحياى ومماتى } اى وما انا عليه فى حياتى واكون عليه عند موتى من الايمان والطاعة فالتقدير ذا محياى وذا مماتى فجعل ما يأتى به فى حياته وعند موته ذا حياته وذا موته كقولك ذا انائك تريد الطعام فاضافته بادنى ملابسة { للّه رب العالمين لا شريك له } اى خالصة له تعالى لا اشرك فيها غيره { وبذلك } الاخلاص { امرت } لا بشئ غيره { وانا اول المسلمين } لان اسلام كل بنى متقدم على اسلام امته. وفيه بيان مسارعته عليه السلام الى الامتثال بما امر به وان ما امر به ليس من خصائصه عليه السلام بل الكل مأمورون به يقتدى به عليه السلام من اسلم منهم والاشارة { ان صلاتى ونسكى } اى سيرى على منهاج الصلاة هو معراجى الى اللّه تعالى وذبيحة نفسى { ومحياى } حياة قلبى وروحى { ومماتى } اى موت نفسى { للّه رب العالمين } لطلق الحق والوصول اليه ١٦٣ { لا شريك له } فى الطلب من مطلوب سواه { وبذلك امرت } اى ليس هذا الطلب والقصد الى اللّه من نظرى وعقلى وطبعى انما هو من فضل اللّه ورحمته وهدايته وكمال عنايته اذ اوحى الى وقال { وتبتل اليه تبتيلا } وقال { قل اللّه ثم ذرهم } { وانا اول المسلمين } يعنى اول من استسلم عند الايجاد لامركن وعند قبول فيض المحبة لقوله { يحبهم ويحبونه } والاستسلام للمحبة فى قوله يحبونه دل عليه قوله عليه السلام ( اول ما خلق اللّه نورى ) كذا فى التأويلات النجمية وفى الآية حث على التوحيد والاخلاص وعلامتهما التبرى من كل شئ سواه تعالى ظاهرا وباطنا ولو من نفسه والتحقق بحقائق المحبة الذاتية وعن مالك بن دينار قال خرجت حاجا الى بيت اللّه الحرام واذا شاب يمشى فى الطريق بلا زاد ولا راحلة فسلمت عليه فرد على السلام فقلت ايها الشاب من اين قال من عنده قلت والى اين قال اليه قلت واين الزاد قال عليه قلت ان الطريق لا يقطع الا بالماء والزاد وهل معك شئ قال نعم تزودت عند خروجى بخمسة احرف قلت وما هذه الخمسة الاحرف قال قوله تعالى { كهيعص } قلت وما معنى كهيعص قال اما قوله كاف فهو الكافى. واما الهء فهو الهادى. واما الياء فهو المؤدى. واما لعين فهو العالم. واما الصاد فهو الصادق ومن كان صاحبه كافيا وهاديا ومؤديا وعالما وصادقا لا يضيع ولا يخشى ولا يحتاج الى حمل الزاد والماء قال مالك فلما سمعت هذا الكلام نزعت قميصى على ان ألبسه اياه فابى ان يقبله وقال ايها الشيخ العرى خير من قميص دار الفناء حلالها حساب وحرامها عقاب وكان اذا جن الليل يرفع وجهه نحو السماء ويقول يا من تسره الطاعات ولا تضره المعاصى هب لى ما يسرك واغفر لى ما لا يضرك فلما احرم الناس ولبوا قلت لم لا تلبى فقال يا شيخ اخشى ان اقول لبيك فيقول لا لبيك ولا سعديك لا اسمع كلامك ولا انظر اليك ثم مضى فما رأيته الا بمنى وهو يقول اللّهم ان الناس ذبحوا وتقربوا اليك بضحاياهم وهداياهم وليس لى شئ اتقرب به اليك سوى نفسى فتقبلها منى ثم شهق شهقة فخر ميتا واذا قائل يقول هذا حبيب اللّه هذا قتيل اللّه قتل بسيف اللّه فجهزته وواريته وبت تلك اليلة متفكرا فى امره ونمت فرأيته فى منامى فقلت ما فعل اللّه بك قال فعلى بى كما فعل بشهداء بدر قتلوا بسيف الكفار وانا قتلت بسيف الجبار جان كه نه قربانى جانان بود ... جيفه تن بهتر از آنان بود هركه نشد كثته شمشير دوست ... لاشه مردار به ازجان اوست نسأل اللّه الكريم ان يجعلنا على الصراط المستقيم ١٦٤ { قل } يا محمد لمن يقول من الكفار ارجع الى ديننا { أغير اللّه ابغى } اطلب حال كونه { ربا } آخر فاشركه فى عبادته { وهو رب كل شئ } اى والحال ان ما سواه مربوب له مثلى فكيف يتصور ان يكون شريكا له فى العبودية { ولا تكسب كل نفس الا عليها } كانوا يقولون للمسلمين اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم اما بمعنى ليكتب علينا ما علمتم من الخطايا لا عليكم واما بمعنى لتحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا لا عليكم واما بمعنى لتحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا فهذا رد له بالمعنى الاول اى لا تكون جناية نفس من النفوس الا عليها ومحال ان يكون صدورها عن شخص وقرارها على شخص آخر حتى يتأتى ما ذكرتم وقوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر اخرى } رد له بالمعنى الثانى اى لا تحمل يومئذ نفس حامله حمل نفس اخرى حتى يصح قولكم ولنحمل خطاياكم. والوزر فى اللغة هو الثقل { ثم الى ربكم مرجعكم } اى الى مالك امركم رجوعكم يوم القيامة { فينبئكم } يومئذ { بما كنتم فيه تختلفون } اى يبين الرشد من الغىّ ويميز المحق من المبطل وفى الآية امور الاول ان غاية المبتغى ونهاية المرام هو اللّه الملك العلام فمن وجده فقد وجد الكل ومن فقده فقد فقد الكل والعاقل العاشق لا يطلب غير اللّه لانه الحبيب والمحب لا يتسلى بغير المحبوب : قال الحافظ : دردمرا طبيب نداند دواكه من ... بى دوست خسته خاطر وبادرد خوشترم والثانى ان كل ما تكسب النفس من خير او شر فهو عليها اما الشر فهى مأخوذة به واما الخبر فالمطلوب منها صحة القصد والخلو من الرياء والعجب والافتخار به : قال السعدى قدس سره جه قدر آورد بنده بدرديس ... كه زير قبادارد اندام بيس والنفس امارة بالسوء فلا تكسب الاسوأ والسوء عليها لا لها وهذا دأب النفس ما وكلت الى نفسها الا ان رحمها ربها كما قال { ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربى } ولهذا كان من دعائه عليه السلام ( رب لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك ) وهى اى النفس مأمور بالسير الى اللّه بقدم العبودية والاعمال الصالحة قال الشيخ ابو عبداللّه محمد بن الفضل العجب ممن يقطع الاودية والمفاوز والقفاز ليصل الى بيته وحرمه لان فيه آثار انبيائه كيف لا يقطع باللّه نفسه وهواه حتى يصل الى قلبه فان فيه آثار مولاه والثالث ان كل نفس مؤاخذ بذنبه لا بذنب غيره فان قلت قوله عليه السلام ( من كانت عنده مظلمة لاخيه من عرض او شئ فليستحلل منه اليوم قبل ان لا يكون دينار ولا درهم الا ان كان له عمل صالح اخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن له حسنات اخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه ) يدل على خلاف ذلك وكيف يجوز فى حكم اللّه وعدله ان يضع سيآت من اكتسبها على من لم يكتسبها وتؤخذ حسنات من عملها فتعطى من لم يعملها فالجواب على ما قال الامام القرطبى فى تذكرته ان هذا لمصلحة وحكمة لا نطلع عليها وان اللّه تعالى لم يبن امور الدين على عقول العباد ولو كان كل ما لا تدركه العقول مردودا لكان اكثر الشرائع مستحيلا على موضوع عقول العباد انتهى يقول الفقيران الذنب ذنبان ذنب لازم وذنب متعد. فالذنب اللازم كسرب الخمر مثلا يؤخذ به صاحبه دون غيره فهذا الذنب له جهة واحدة فقط. والذنب المتعدى كقتل النفس مثلا فهذا وان كان يؤخذ به صاحبه ايضا لكن له جهتان جهة التجاوز عن حد الشرع وجهة وقوع الجناية على العبد فحمل سيآته وطرح حسناته عليه حمل سيآت نفسه فى الحقيقة وما طرح حسنات غيره فى نفس الامر ولا ظلمة اصلا فالآية والحديث متحدان فى المآل واللّه اعلم بحقيقة الحال والرابع كما ان الاختلاف واقع بين اهل الكفر والايمان كذلك بين اهل الاخلاص والرياء والشرع وان كان محكا يميز بين المحقق والمبطل الا ان انكشاف حقيقة الحال وظهور باطن الاقوال والافعال انما يكون يوم تبلى السرائر وتبدى الضمائر : وفى المثنوى جون كند جان بازكونه بوستين ... جند واويلا برآيد زاهل دين بردكانهر زرنما خندان شده است ... زانكه سنك امتحان بنهان شده است قلب بهلومى زند بازر بشب ... انتظار روز مى دارد ذهب باز زبان حال زر كويدكه باش ... اى مزور تا برآيد روز فاش وفى الحديث ( يخرج فى آخر الزمان اقوام يجتلبون الدينا بالدين ) يعنى يأخذونها ويلبسون لباس جلود الضأن من اللين ( ألسنتهم احلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب فيقول اللّه تعالى ابى تقترفون ام على تجترئون فى حلفت لأبعثن على اولئك فتنة تدع الحليم فهيا حيران ) فعلى المؤمن ان يصحح الظاهر والباطن ويرفع الاختلاف فان الحق واحد فماذا بعد الحق الا الضلال. واما اختلاف الائمة فرحمة لعامة الناس وليس ذلك من قبيل الاختلاف بحسب المراء والجدال بل بحسب اختلاف الاشخاص والاحوال فالحق احق ان يتبع عصمنا اللّه واياكم من الاختلاف المفسد للدين والجدل المزيل لاصل اليقين وجعلنا من اهل التوفيق للصواب انه الكريم المفيض الوهاب ١٦٥ { وهو } اى اللّه تعالى { الذى جعلكم } ايها الناس { خلائف الارض } من بعد بنى الجان او خلائف الامم السابقة البشرية او خلفاء اللّه فى ارضه تنصرفون فيها. والخلائف جمع الخليفة كالوصائف جمع الوصيفة وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفته لانه يخلفه قال فى التأويلات النجيمة هو جعل كل واحد من بنى آدم آدم وقته وخليفة ربه فى الارض وسر الخلافة انه صوره على صورة صفات نفسه حيا قيوما سميعا بصيرا عالما قادرا متكلما مريدا آدمى جيست بررخ جامع ... صورت خلق وحق درو واقع متصل بادقائق جبروت ... مشتمل برحقائق ملكوت { ورفع بعضكم } فى الشرف والغنى { فوق بعض } الى { درجات } كثيرة متفاوتة { ليبلوكم فيما آتاكم } من المال والجاه اى ليعاملكم معاملة من يبتليكم ويمتحنكم لينظر ماذا تعملون من الشكر وضده حكى ان جنيدا كان يلعب مع الصبيان فى صباوته فمر به السرى السقطى فقال ما تقول فى حق الشكر يا غلام قال الشكر ان لا تستعين بنعمه على معاصيه { ان ربك } يا محمد { سريع العقاب } اى عقابه سريع الاتيان لمن لم يراع حقوق ما آتاه اللّه ولم يشكره وانما قال سريع العقاب مع انه موصوف بالحلم والامهال لان كل ما هو آت قريب : قال الحافظ بمهلتى كه سبهرت دهد زراه مرو ... تراكه كفت كه اين زال ترك دستان كرد { وانه لغفور رحيم } لمن راعاها كما ينبغى وفى الحديث ( يؤتى بالرجل يوم القيامة وقد جمع مالا من حرام وانفقه فى حرام فيقال اذهبوا به الى النار ويؤتى بالرجل قد جمع مالا من حلال وانفقه فى حلال فيقال له تف لعلك فرطت فى هذا فى شئ مما فرض عليك من صلاة لم تصلها لوقتها او فرطت فى ركوعها وسجودها ووضوئها فيقول لا يارب كسبت من حلال وانفقت فى حلال ولم اضيع شيأ مما فرضت فيقال لعلك اختلت فى هذا المال فى شئ من مركب او ثوب باهيت به فقال لا يا رب لم اختل ولم اباه فى شئ فيقال لعلك منعت حق احد امرتك ان تعطيه من ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فيقول لا يارب كسبت من حلال وانفقت فى حلال ولم اضيع شيأ مما فرضت علىّ ولم اختل ولم ا باه ولم اضيع حق احد امرتنى ان اعطيه قال فجيئ باولئك فيخاصمونه فيقولون يا رب اعطيته وجعلته بين اظهرنا وامرته ان يعطينا فانه اعطانا وما ضيع شيأ من الفرائض ولم يختل فى شئ فيقال قف الآن هات شكر نعمة انعمتها عليك فى اكلة او شربة او لذة فلا يزال يسأل ) واعلم ان اللّه تعالى كما اعطى المال والجاه ليتميز من هو على الشكر ومن هو على الكفران كذلك اعطى الحال اى استعداد الخلافه ليظهر من المتخلق باخلاق اللّه القائم باوامره فى العباد والبلاد ومن الذى رجع القهقرى الى صفات البهائم والانعام فمن اضاع صفات الحق بتبديلها بصفات الحيوانات عوقب بالختم على قلبه وسمعه وبصره فهو لا يرجع الى مكان الغيب الذى خرج منه بل حبس فى اسفل سافلين الطبيعة ومن تاب عن متابعة النفس والهوى ومخالفة الحق والهدى وآمن وعمل عملا صالحا للخلافة فقد اهتدى ولم يرجع القهقرى حكى عن ابراهيم بن ادهم انه حج الى بيت اللّه الحرام فبينما هو فى الطواف اذ بشاب حسن الوجه قد اعجب الناس حسنه وجماله فصار ابراهيم ينظر اليه ويبكى فقال بعض اصحابه انا للّه وانا اليه راجعون غفلة دخلت على الشيخ بلا شك ثم قال يا سيدى ما هذا النظر الذى يخالطه البكاء فقال له ابراهيم يا اخى انى عقدت مع اللّه تعالى عقدا لا اقدر على فسخه والا كنت ادنى هذا الفتى واسلم عليه فانه ولدى وقرة عينى تركته صغيرا وخرجت فارا الى اللّه تعالى وها هو قد كبر كما ترى وانى لاستحيى من اللّه سبحانه ان اعود لشئ خرجت عنه قال ثم قال لى امض وسلم عليه لعلى اتسلى بسلامك عليه وابرد نارا على كبدى قال فاتيت الفتى فقلت له بارك اللّه لأبيك فيك فقال يا عم واين ابى ان ابى خرج فارا الى اللّه تعالى ليتنى اراه ولو مرة واحدة وتخرج نفسى عند ذلك هيهات وخنقته العبرة وقال واللّه اودذ انى رأيته واموت فى مكانى قال ثم رجعت الى ابراهيم وهو ساجد فى المقام وقد بل الحصى بدموعه وهو يتضرع الى اللّه تعالى ويقول هجرت الخلق طرا فى هواك ... وايتمت العيال لكى اراك فلو قطعتنى فى الحب اربا ... لما سكن الفؤاد الى سواك قال فنلت له ادع له فقال حجبه اللّه عن معاصيه واعانه على ما يرضيه انتهى فانظر الى حال من ترك السلطنة واختار الفقر والقناعة وانت تؤثر الغنى والمقال على الفقر والحال وفى الحديث ( اللّهم اجعل رزق آل محمد قوتا ) اى قدر ما يمسك الرمق وقيل القوت هو الكفاية من غير اسراف وفيه بيان ان الكفاف افضل من الغنى لان النبى عليه السلام انما يدعو لنفسه بافضل الاحوال : قال الحافظ درين بازار كر سوديست يادورويس خرسندست ... الهى منعمم كردان بدرويشى وخرسندى جملنا اللّه واياكم من المقتفين لآثار سنة سيد المرسلين وحقق آمالنا من الوصول الى مقام التوكل واليقين انه لا يخيب رجاء سائله وداعيه ولا يقطع اجر عبده فى كل مساعيه تمت سورة الانعام بمعونة الملك العلام فى سلخ جمادى الاولى المنتظم فى سلك شهور سنة الف ومائة ويتلوها سورة الاعراف |
﴿ ٠ ﴾