١١١

{ ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة } تفصيل ما ذكر على الاجمال بقوله

{ وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون } اى ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة كما سألوه بقولهم لو انزل علينا الملائكة فنراهم عيانا

{ وكلمهم الموتى } وشهدوا بحقية الايمان بعد ان احييناهم حسبما اقترحوه بقولهم فائت بآية قال صاحب التيسير واحيينا لهم كل الموتى فكلموهم بان شهدوا لك وان كانوا سألوا منك احياء اثنين من موتاهم قصى بن كلاب وجدعان بن عمرو وكانا كبيرين منهم وصدوقين حيث قالوا لئن احييتهما فشهدا لك بالنبوة لشهدنا نحن ايضا

{ وحشرنا } اى جمعنا

{ عليهم كل شئ قبلا } جمع قبيل بمعنى كفيل وانتصابه على الحالية من المفعول اى كفلاء بصحة الامر وصدق النبى عليه السلام او جمع قبيل الذى هو جمع قبيلة بمعنى جماعات اى وحشرنا كل شئ نوعا نوعا وفوجا فوجا من سائر المخلوقات وفى التيسير اى وبعثنا كل حيوان من الفيل الى البعوض اى اقمنا القيامة

{ ما كانوا ليؤمنوا } فى حال من الاحوال الداعية الى الايمان

{ الا ان يشاء اللّه } اى الا فى حال مشيئة اللّه لايمانهم وهيهات ذلك وحالهم حالهم من التمادى فى العصيان والغلو فى التمرد والطغيان

{ ولكن اكثرهم يجهلون } اى ولكن اكثر المؤمنين يجهلون عدم ايمانهم عند مجيئ الآيات لجهلهم عدم مشيئة اللّه تعالى لايمانهم فيتمنون مجيئها طمعا فيما لا يكون فالجملة مقررة لمضمون قوله تعالى

{ وما يشعركم } الآية واعلم ان الآية وان عظمت لا تضطر الى الايمان ان لم يشأ اللّه تعالى فانه لا آية اعظم من قيام الساعة واللّه تعالى يقول

{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } وجملة الامر ان المشيئة تغير السجية وعدمها من فساد الاستعداد فلذا بقى اهل الضلال فى يد القهر والجلال : قال السعدى

زوحشى نه يايدكه مردم شود ... بسعى اندر اوتربيت كم شود

توان باك كردن ززنك آيينه ... ولكن نيايد زسنك آيينه

وقال الحافظ

كرجان بدهد سنك سيه لعل نكردد ... باطينت اصلى جه كند بدكهر افناد

واما قول المولوى قدس سره فى المثنوى

كرتو سنك خاره ومرمر شوى ... جون بصاحب دل رسى كوهر شوى

فاشارة الى المستبعد بحكم الاصل فان التربية تنفع فيه فجميع المعجزات من الانبياء والكرمات من الاولياء علمية كانت او كونية تربية لمن فى زمانهم فمن حسن استعداده مال واهتدى ومن فسد اعرض وضل وترى كثيرا من المغرورين المشغولين باحكام طبائعهم الخبيثة ونفوسهم المتمردة يقولون كالطلبة لو انا صادفنا المرشد الكامل ورأينا منه العلامة واضحة لكنا اول من يسلك بطريقتهم ويتمسك باذيال حقيقتهم فقل لهم ان الشمس شمس وان لم يرها الضرير والعسل عسل وان لم يجه طعمه الممرور والطالب المتسعد لا يقع فى الامنية ولا يضيع نقد عمره بخسارة بل يجتهد كل حين بما امكن له من الطاعات ويكون فى طريق الطلب فان ما لا يدرك كله لا يترك قله : قال فى المثنوى

كركران وككرشتابنده بود ... عاقبت جوينده يابنده بود

ثم هذا الاستعداد وانشراح الصدر فى طريق الحق نور من اللّه تعالى يقذفه فى قلب اى عبد شاء وليس بحداثة السن ولا بالشيخوخة وكم رأيت وسمعت من غلبه الحال فى عنفوان عمره وعنوان امره وعن بعض الصالحين قال حججت سنة من السنين وكانت سنة كثيرة الحر والسموم فلما كان ذات يوم وقد توسطنا ارض الحجاز انقطعت عن الحاج وغفلت قليلا فلم اشعر ليلا الا وانا ودى فى البرية فلاح لى شخص امامى فاسرعت اليه ولحقته واذا به غلام امرد لانبات بعارضيه كأنه القمر المنير والمشس الضاحية وعليه اثر الدلال والترف فقلت له السلام عليك يا غلام فقال وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته يا ابراهيم فعجبت منه كل العجب ورابنى امره فلم اتمالك ان قلت له يا غلام سبحان اللّه من اين تعرفنى ولم ترنى قبلها فقال لى يا ابراهيم ما جهلت مذعرفت ولا قطعت مذ وصلت فقلت ما الذى اوقعك فى هذه البرية فى مثل هذه السنة الكثيرة الحر والقيظ فاجابنى يا ابراهيم ما آنس بسواء ولارافقت غيره وانا منقطع اليه بالكلية مقر له بالعبودية فقلت له من اين المأكول والمشروب فقال لى تكفل به المحبوب فقلت واللّه انى خائف عليك لاجل ما ذكرت لك فاجابنى ودموعه تنحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب

فلو اجوع فذكر اللّه يشبعنى ... ولا اكون بحمد اللّه عطشانا

وان ضعفت فوجد منه يحملنى ... من الحجاز الى اقصى خراسانا

فقلت له باللّه عليك يا غلام ألا ما اعلمتنى حقيقة عمرك فقال اثنتا عشرة سنة ثم رجوته فدعا لى باللحوق الى اصحابى فلما وقفنا بعرفة ودخلنا الحرم اذا انا بالغلام وهو متعلق باستار الكعبة وهو يبكى ويناجى ثم وقع ساجدا ومات الى رحمة اللّه تعالى ثم رأيته فى المنام فقلت ما الذى فعل بك الهك فقال اوقفنى بين يديه وقال لى ما بغيتك فقلت الهى وسيدى انت بغيتى فقال لى انت عبدى حقا ولك عندى ان لا احجب عنك ما تريد فقلت اريد ان تشفعنى فى القرن الذى انا فيه قال شفعتك فيه ثم انه صافحنى فاستيقظت بعد المصافحة فلم ار احدا الا ويقول لى يا ابراهيم لقد ازعجت الناس من طيب رائحة يدك قال بعض المحدثين ولم تزل رائحة الطيب تخرج من يد ابراهيم حتى قضى نحبه رحمه اللّه رحمة واسعة

﴿ ١١١