تفسير روح البيان إسماعيل حقى بن مصطفى بروسوي الإستانبولي الحنفي الجلوتي (ت ١١٣٧ هـ ١٧٢٥ م) سُورَةُ الْأَعْرَافِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَتَانِ وَسِتُّ آياَتٍ ١ { المص } ( ا ) اشارة الى الذات الاحدية ( ل ) الى الذات مع صفة العلم ( م ) الى معنى محمد صلى اللّه عليه وسلم اى نفسه وحقيقته ( ص ) الى الصورة المحمدية وهى جسده وظاهره وعن ابن ع باس رضى اللّه عنهما ( ص ) جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين لا ليل ولا نهار اشارة بالجبل الى جسد محمد صلى اللّه عليه وسلم. وبعرش الرحمن الى قلبه كما ورود فى الحديث ( قلب المؤمن عرش اللّه ) وقوله حين لا ليل ولا نهار اشارة الى الوحدة لان القلب اذا وقع فى ظل ارض النفس واحتجب بظلمة صفاتها كان فى الليل واذا طلع عليه نور شمس الروح واستضاء بضوئه كان فى النهار واذا وصل الى الوحدة الحقيقية بالمعرفة والشهور الذاتى واستوى عنده النور والظلمة لفناء الكل فيه كان وقته لا ليل ولا نهار ولا يكون عرش الرحمن الا فى هذا الوقت. فمعنى الآية ان وجود الكل من اوله الى آخره كتاب انزل اليك عمله كذا فى التأويلات القاشانية وقال الشيخ نجم الدين انه تعالى بعد ذكر ذاته وصفاته بقوله { بسم اللّه الرحمن الرحيم } عرف نفسه بقوله { المص } يعنى اللّه اله من لطفه فرد عبده للمحبة والمعرفة وانعم عليه بالصبر والصدق لقبول كمالية المعرفة والمحبة بواسطة كتاب انزل اليك انتهى وقال فى تفسير الفارسى [ المص : نام قرآنست. يا اسم اين سوره. ياهر حرفى اشارتست باسمى ار اسماى الهى جون اله ولطيف وملك وصبور. ياهر حرفى كنايتست از صفتى جون اكرام ولطف ومجد وصدق. يا ايمايست باسم المصور. يا بعض حروف دلالت براسمادارد بعض برافعال وتقدير جنان بودكه انا اللّه اعلم وافضل منم خداى كه ميدانم وبيان ميكنم يا ازهمه داناترم وحق از باطل جدا ميكردانم در حقايق سلمى كويدكه. الف ازلست. ولام ابد. وميم ما بين ازل وابد. وصاد اشارتست باتصال هر متصلى وانفصال هر منفصلى وفى الحقيقه نه اتصال را مجال كنجايش ونه انفصال را محل نمايش ] اين جه راهست اين برون ازفصل ووصل ... كاندرونى فرع مى كنجد نه اصل نى معانى نى عبارت نى عيان ... نى حقائق نى اشارت نى بيان بر ترست ازمدركات عقل ووهم ... لا جرم كم كشت دروى فكر وفهم جون بكلى روى كفت وكوى نيست ... هيجكس راجز خموشى روى نيست يقول الفقير غفر اللّه ذنوبه ان الحروف المقطعة من المتشابهات القرآنية التى غاب علمها عن العقول وانما اعطى فهمها لاهل الوصول وكل ما قيل فيها فهو من لوازم معانيها وحقائقها فلنا ان نقول ان فيها اشارة الى هذا التركيب الصفاتى والفعلى الواحدى الايدى كان افرادا فى مرتبة الوحدة الذاتية الازلية فبالتجلى الالهى صار المفرد مركبا والمقطع موصلا والقوة فعلا والجمع فرقا وتعين النسب والاضافات كما ان اصل المركبات الكلامية هو حروف التهجى ثم بالتركيب يحصل اب ثم ابجد ثم الحمد للّه وكما ان اصل الانسان بالنسبة الى تعين الجسم هو النطفة ثم بالتصوير يحصل التركيب الجسمى واللّه اعلم ٢ { كتاب } اى هذا كتاب { انزل اليك } اى من جهته تعالى { فلا يكن فى صدرك حرج منه } اى شك ما فى حقيته كما فى قوله تعالى { فان كنت فى شك مما انزلنا اليك } خلا انه عبر عنه بما يلازمه من الحرج فان الشاك يعتريه ضيق الصدر كما ان المتيقن يعتريه انشراحه خاطب به النبى عليه السلام والمراد الامة اى لا ترتابوا ولا تشكوا. قوله منه متعلق بحجر يقال حرج منه اى ضاق به صدره ويجوز ان يكون الحرج على حقيقته اى لا يكن فيك ضيق صدر من تبليغه مخافة ان يكذبوك فانه عليه السلام كان تعالى ونهاه عن المبالاة بهم { لتنذر به } اى بالكتاب المنزل متعلق بانزل { وذكرى للمؤمنين } اى ولتذكر المؤمنين تذكيرا ٣ { اتبعوا } ايها المكلفون { ما انزل اليكم من ربكم } يعنى القرآن { ولا تتبعوا من دونه } اى من دون ربكم الذى انزل اليكم ما يهديكم الى الحق وهو حال من الفاعل اى لا تتبعوا متجاوزين اللّه تعالى { اولياء } من الجن والانس باطاعتهم فى معصية اللّه { قليلا ما تذكرون } بحذف احدى التاءين وما مزيد لتأكيد العلة اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تذكرون لا كثيرا حيث لا تتأثرون بذلك ولا تعملون بموجبه وتتركون دين اللّه تعالى وتتبعون غيره ثم شرع فى التهديد ان لم يتعظوا بما جرى على الامم الماضية بسبب اصرارهم عى اتباع دين اوليائهم فقال ٤ { وكم } للتكثير مبتدأ والخبر هو جملة ما بعدها { من قرية } تمييز { اهلكناها } الضمير راجع الى معنى اى كثير من القرى اردنا اهلاكها او كثيرا منها على ان يكون كم فى موضع نصب باهلكناها كما فى قوله تعالى { انا كل شئ خلقناه بقدر } { فجاءها } اى فجاء اهلها { بأسنا } اى عذابنا { بياتا } مصدر بمعنى الفاعل واقع موقع الحال اى بائتين كقوم لوط قال الحدادى سمى الليل بياتا لانه يبات فيه والبيتوتة خلاف الظلول وهو ان يدركك الليل نمت او لم تنم وهى بالفارسية [ شب كذا شتن ] { او هم قائلون } عطف على بياتا اى قائلين من القيلولة نصف النهار كقوم شعيب اهلكهم اللّه فى نصف النهار وفى حر شديد وهم قائلون قال فى التفسير الفارسى [ تخصيص اين دووقت بجهت آنست كه زمان آسايش واستراحتند وتصور وتوقع عذاب دران نيست ] ٥ { فما كان دعواهم } اى دعاؤهم وتضرعهم { اذ جاءهم بأسنا } عذابنا وعاينوا اماراته { الا ان قالوا } جميعا { انا كنا ظالمين } اى الا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وشهادتهم ببطلانه تحسرا عليه وندامة وطمعا فى الخلاص وهيهات لانه لا تنفع التوبة وقت نزول العذاب اذهو وارتفاع التكليف مقارنان وقوم يونس مستثنى من هذا كما يجئ : وفى المثنوى همجو آن مرد مفلست روز مرك ... عقل را مى ديد بس بى بال وبرك بى غرض مى كرد آندم اعتراف ... كزذكاوت رانده ايم اسب ازكزاف از غرورى سر كشيديم از رجال ... آشنا كرديم در بحر خيال آشنا هيجست اندر بحر روح ... نيست انجا جاره جز كشتى نوح اينجنين فرموده آن شاه رسل ... كه منم كشتى درين درياى كل باكسى كودر بصيرتهاى من ... شد خليفه راستين بر جاى من كشتئ نوحيم در درياكه تا ... رو نكردانى زكشتى اى فتى ٦ { فلنسئلن الذين ارسل اليهم } الفاء لترتيب الاحوال الاخروية على الدنيوية اى لنسألن الامم قاطبة يوم الحشر قائلين ماذا اجبتم المرسلين { ولنسئلن المرسلين } عما اجيبوه او المراد بالسؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم والذى نفى بقوله تعالى { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } سؤال الاستعلام او الاول فى موقف الحساب والثانى فى موقف العقاب وفى التفسير الكبير انهم لا يسألون عن الاعمال ولكن يسألون عن الدواعى التى دعتتهم الى الاعمال وعن الصوارف التى صرفتم عنها ٧ { فلنقصن عليهم } اى على الرسل حين يقولون لا علم لنا انك انت علام الغيوب { بعلم } اى عالمين بظواهرهم وبواطنهم { وما كنا غائبين } عنهم فى حال من الاحوال فيخفى علينا شئ من اعمالهم واحوالهم واعلم ان الرسل يقولون يوم الحشر اللّهم سلم سلم ويخافون اشد الخوف على اممهم ويخافون على انفسهم والمطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهرهم ايضا بالمخالفات الشرعية آمنون يغبطهم النبيون فى الذى هم عليه من الامن لما هم اى النبيون عليه من الخوف على اممهم فمن لقى اللّه تعالى فى ذلك اليوم شاهدا له بالاخلاص مقرا بنبيه صلى اللّه عليه وسلم بريئا من الشرك ومن السحر بريئا من اهراق دماء المسلمين ناصحا للّه تعالى ولرسوله محبا لمن اطاع اللّه ورسوله مبغضا لمن عصى اللّه ورسوله استظل تحت ظل عرش الرحمن ونجا من الغم ومن حاد عن ذلك ووقع فى شئ من هذه الذنوب بكلمة واحدة او تغير قلبه او شك فى شئ من دينه بقى الف سنة فى الحر والهم والعذاب حتى يقضى اللّه فيه بما يشاء روى ان ملكا من ملوك كندة كان طويل المصاحبة لهو واللذات كثير العكوف على اللعب فركب يوما للاصطياد او غيره فانقطع عن اصحابه فاذا هو برجل جالس قد جمع عظاما من عظام الموتى وهى بين يديه يقلبها فقال ما قصتك ايها الرجل وما الذى بلغ بك ما ارى من سوء الحال ويبس الجلد وتغير اللون والانفراد فى هذه الفلاة فقال اما ما ذكرت من ذلك فلانى على جناح سفر بعيد وبى موكلان مزعجان يحدوان بى الى منزل كبيت النمل مظلم القمر كريه المقر يسلمانى الى مصاحبة البلى ومجاورة الهلكى تحت اطباق الثرى فلو تركت بذلك المنزل مع ضيقه ووحشته وارتعاء حشاش الارض من لحمى حتى اعود رفاتا وتصير اعظمنى رماما لكان للبلى انقضاء وللشقاء نهاية ولكنى ادفع بعد ذلك الى صيحة الحشر واردا طول مواقف الجرائم ثم لا ادرى الى اى الدارين يؤمر بى فأى حال يلتذ به من يكون هذا الامر مصيره فلما سمع الملك كلامه القى نفسه عن فرسه وجلس بين يدى وقال ايها الرجل لقد كدّر مقالك على صفو عيشى وملك قلبى فاعد علىذ بعض قولك فقال له اما ترى ههذ التى بين يدى قال بلى قال هذه عظام ملوك غرتهم الدنيا بزخرفها واستحوذت على قلوبهم بغرورها فالهتهم عن التأهب لهذه المصارع حتى فاجأتهم الآجال وخذلتهم الآمال وسلبتهم بهاء النعة وسنشر هذه العظام فتعود اجساما ثم تجازى باعمالها فاما الى دار النعيم والقرار واما الى دار العذاب والبوار ثم غاب الرجل فلم يدر اين ذهب وتلاحق اصحاب الملك به وقد تغير لونه وتواصلت عبراته فلما جن عليه الليل نزع ما عليه من لباس الملك ولبس طمرين وخرج تحت الليل فكان آخر العهد به وانشدوا افتى القرون التى كانت منعمة ... كر اللييلات اقبالا وادبارا ياراقد الليل مسرورا باوله ... ان الحوادث قد يطرقن اسحارا لا تأمنن بليل طاب اوله ... فرب آخر ليل اجج النارا قال الامام زين العابدين. عجبت للمتكبر الفخور الذى كان بالامس نطفة ويكون غذا جيفة. وعجبت كل العجب لمن شك فى اللّه وهو يرى خلقه. وعجبت كل العجب لمن انكر النشأة الآخرة وهو يرى النشأة الاولى. وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء فعلى العاقل ان يعتبر بمن مضى قبل ان يجبيء على رأسه القضاء ويجتهد فى طريق الحق ذاكرا له فى الغدو والرواح ويتهيأ للموت قبل نزوله والوقت يمضى كالرياح فاين الذين وقعوا فى انكار الرسل وتكذيب الانبياء مضوا واللّه الى دار الجزاء وسينقضى الزمان كله فلا يبقى احد على بساط العالم من ملك وجن وبنى آدم وتطوى صحائف الاعمال وتنشر يوم السؤال ويظهر كل جليل ودقيق فيا شقاوة اهل الخذلان ويا سعادة اهل التوفيق اللّهم انا نسألك مراقبة الاوقات ومحافظة الطاعات والتمشى على الصراط السوى فى المسلك الصورى والمعنوى فاعن الضعفاء يا قوى آمين يا معين ٨ { والوزن } اى وزن الاعمال التمييز بين راجحها وخفيفها وجيدها ورديها والمعنى بالفارسية ( سنجيدن اعمال هريك ) { يومئذ } اى يوم القيامة { الحق } بالفارسية [ راستست وبودنى ] { فمن ثقلت موازينه } اى حسناته التى توزن فهو جمع موزون ان يكون جمع ميزان باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن وقال فى التأويلات النجمية وانما قال موازينه بالجمع لان كل عبد ينصب له موازين بالقسط تناسب حالاته فلبدنه ميزان يوزن به اوصافه ولروحه ميزان يوزن به نعوته ولسره ميزان يوزن به احواله ولخفيه ميزان يوزن به اخلاقه والخفى لطيفة روحانية قابلة لفيض الاخلاق الربانية ولهذا قال عليه السلام ( ما وضع فى الميزان اثقل من حسن الخلق ) وذلك لانه ليس من نعوت المخلوقين بل هو من اخلاق رب العالمين والعباد مأمورون بالتخلق باخلاقه { فاولئك } الجمع باعتبار معنى من { هم } ضمير فصل يفيد اختصاص المسند بالمسند اليه { المفلحون } الفائزون بالنجّاته والثواب ٩ { ومن خفت موازينه } بالفارسية [ عملهاى وزن كرده او وآن سبكى بمعصيت خواهد بود ] { فأولئك الذين خسروا انفسهم } بتضييع الفطرة السليمة التى فطرت عليها واقتراف ما عرضها للعذاب قال الحدادى الخسران اذهاب رأس المال ورأس مال الانسان نفسه فاذا هلك بسوء عمله فقد حسر نفسه { بما كانوا بآياتنا يظلمون } يعنى وضعوا التكذيب بها موضع التصديق. قوله بما متعلق بخسروا وما مصدرية وبآياتنا متعلق بيظلمون على تضمين معنى التكذيب قال فى التأويلات النجمية الوزن عند اللّه يوم القيامة لاهل الحق وارباب الصدق واعمال البر فلا وزن للباطل واهله ويدل عليه قوله تعالى { فلا نقيم له يوم القيامة وزنا } وروى انه يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فيوزن فلا يزن جناح بعوضة انتهى وهذه الرواية تدل على ان الموزون هو الاشخاص كما ذهب اليه بعض العلماء ولكن الجمهور على ان صحائف الاعمال هى التى توزن بميزان له لسان وكفتان ينظر اليه الخلائق اظهارا للمعدلة وقطعا للمعذرة كما يسألهم عن اعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم وتشهد عليهم الانبياء والملائكة والاشهاد وكما تثبت فى صحائفهم فيقرأونها فى موقف الحساب ويؤيده ما روى ان الرجل يؤتى به الى الميزان فينشر له تسعة وتسعون سجلا مدى البصر فتخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة فتوضع السجلات فى كفه والبطاقة فى كفة فيطيش السجلات وتثقل البطاقة والبطاقة رقعة صغيرة وهى ما يجعل فى طى الثوب يكتب فيها ثمنه روى ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان الذى ينصب يوم القيامة فرأى كل كفة ملئ ما بين المشرق والمغرب فغشى عليه فلما افاق قال الهى من يقدر ان يملأ كفته بالحسنات فقالف اللّه تعالى يا داود اذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة من صدقة وقال فى التفسير الفارسى [ درتيبان از ابن عباس ثقل ميكندكه درازى عمود ميزان بنجاه هزار ساله راهست وكفين او يكى از نورست ويكى ازظلمت حسنات در بله نورنهند وسيآت دريله ظلمت ] ويحكى عن بعضهم انه قال رأيت بعضهم فى المنام فقلت ما فعل اللّه بك فقال وزنت حسناتى فرجحت السيآت على الحسنات فجاءت صرة من السماء وسقطت فى كفة الحسنات فرجحت فحللت الصرة فاذا فيها كف تراب القيته فى قبر مسلم ويجاء بعمل الرجل فيوضع فى كفة ميزانه فيخف فيجاء بشئ امثال الغمام فيوضع فى كفة ميزانه فترجيح فيقال له أتدرى ما هذا فيقول لا فيقال له هذا فضل العلم الذى كنت تعلمه الناس وتستوى كفتا الميزان لرجل فيقول اللّه تعالى لست من اهل الجنة ولا من اهل النار فيأتى الملك بصحيفة فيضعها فى كفة الميزان فيها مكتوب أف فيترجح على الحسنات لانها كلمة عقوق ترجح بها جبال الدنيا فيؤمر به الى النار فيطلب الرجل ان يرد الى اللّه تعالى فيقول ردوه فيقول ايها العبد العاق لأى شئ تطلب الرد الى فيقول الهى رأيت انى سائر الى النار وان لا بدل لى منها زمن عاقا لأبى وهو سائر الى النار مثل فضعف على بى عذابى وأنقذه منها فيضحك اللّه تعالى ويقول عققته فى الدنيا وبررته الآخرة خذ بيد ابيك وانطلق الى الجنة : قال الحافظ طمع زفيض كرامت مبركه خلق كريم ... كنه بنجشد وبر عاشقان بنجشايد واعلم ان السبعين الالف الذين يدخلون الجنة بلا حساب لا يرفع لهم ميزان وكذا يؤتى باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان فيصب لهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون فى الموقف ان اجسامهم قد قرضت بالمقاريض من حسن ثواب اللّه فهم يكونون تحت شجرة فى الجنة تسمى شجرة البلوى قال اللّه تعالى { انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب } قال ارباب التحقيق التويحد الرسمى يدخل فى الميزان لانه يوجد له ضد كما اشير اليه بحديث صاحب السجلات واما التوحيد الحقيقى فلا يدخل فى الميزان لانه لا يعادله شئ اذ لا يجتمع ايمان وكفر بخلاف ايمان وسيآت ولهذا كانت لا اله الا اللّه افضل الاذكار فالذكر بها افضل من الذكر بكلمة اللّه اللّه وهو هو عند العلماء باللّه لانها جامعة بين النفى والاثبات وحاوية على زيادة العلم والمعرفة فمن نفى بلا اله عين الخلق حكما لا علما فقد أثبت كون الحق حكما وعلما والاله من له جميع الاسماء وما هو الا عين واحدة هى مسمى اللّه الذى بيده ميزان الرفع والخفض قال حضرة لاشيخ الاكبر قدس سره لا تدخل الموازين الا اعمال الجوارح وهى سبع السمع والبصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل. واما الاعمال المعنوية فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان المعنوى فحس لحس ومعنى لمعنى يقابل كل شئ بشاكلته قال العلماء اذا انقضى الحساب كان بعده وزن الاعمال لان الوزن للجزاء ينبغى ان يكون بعد المحاسبة فان المحاسبة لتقرير الاعمال والوزن لاظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها كذا فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى فعلى العاقل ان يسارع الى الطاعات ويبادر الى الحسنات خصوصا الى احسن الحسنات وهو كلمتا الشهادة ليكون ممن ثقلت موازينه ويدخل فى زمرة المفلحين ١٠ { ولقد مكناكم فى الارض } اى جعلنا لكم منها مكانا وقرارا وأقدرناكم فى التصرف فيها على اى وجه شئتم { وجعلناكم فيها معايش } اى انشأنا وأبدعنا لمصالحكم ومنافعكم فيها اسبابا تعيشون بها جمع معيشة وهى ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرهما والخطاب لقريش فانه تعالى فضلهم على العرب بان مكنهم من الرحلة الى الشام اوان الصيف ومن الرحلة الى اليمن اوان الشتاء آمنين بسبب كونهم سكان حرم اللّه تعالى ومجاورى بيته الشريف ويتخطف الناس من حولهم فيتجرون بتينك الرحلتين ويكسبون ما يكون سببا لحياتهم من المآكل والمشارب والملابس وغيرها { قليلا ما تشكرون } فيما صنعت اليكم والاشارة ان التمكين لفظ جامع للتمليك والتسليط والقدرة على تحصيل اسباب كل خير وسعادة دنيوية كانت او اخروية وكمال استعداد المعرفة والمحبة والطلب والسير الى اللّه ونيل الوصول والوصال ما تشرف بهذا التمكين الا الانسان وبه كرم وفضل وبه يتم امر خلافته ولهذا امر الملائكة بسجود آدم وبه من اللّه على اولاده بقوله { لقد مكناكم فى الارض } اى سيرناكم ووهبنا لكم فى خلافة الارض ما لم نمكن احدا غيركم فى الارض من الحيوانات ولا فى السماء من الملائكة وجعلنا لكم خاصة فيها معايش اى جعلنا لكل صنف من الملك والحيوان والشيطان معيشة يعيش بها او جعلنا لكم فيها معايش لان الانسان مجموع من الملكية والحيوانية والشيطانية والانسانية فمعيشة الملك هى معيشة روحه ومعيشة الحيوان هى ميعشة بدنه ومعيشة الشيطان هى معيشة نفسه الامارة بالسوء ولما حصل للانسان بهذا التركيب مراتب الانسانية وانها لم تكن لكل واحد من الملك والحيوان والشيطان وهى القلب والسر والخفى فمعيشة قلبه هى الشهود ومعيشة سره هى الكشوف ومعيشة خفيه هى الوصال والوصول قليلا ما تشكرون اى قليلا منكم من يشكر هذه النعم اى نعمة التمكن ونعمة المعايش برؤية هذه النعم والتحدث بها فان رؤية النعم شكرها والتحدث بالنعم ايضا شكر كذا فى التأويلات النجمية نعمت بسى وشكر كزارنده اندكست ... كوينده سياس الهى زصد يكست واعلم ان النعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها ولا يؤدى شكرها روى ان بعض الانبياء عليهم السلام سأل اللّه تعالى عن امر بلعم وطرده بعد تلك الآيات والكرامات فقال اللّه تعالى لم يشكرنى يوما من الايام على ما اعطيته ولو شكرنى على ذلك مرة لما سلبته فتيقظ ايها الرجل واحتفظ بركن الشكر جدا جدا واحمد اللّه على مننه التى اعلاها الاسلام والمعرفة وادناها مثلا توفيق لتسبيح او عصمة من كلمة لا تعنيك عسى ان يتم نعمه عليك ولا يبتليك بمرارة الزوال فان امر الامور واصعبها الاهانة بعد الاكرام والطرد بعد التقريب والفراق بعد الوصال : قال السعدى قدس سره نداند كسى قدر روز خوشى ... مكر روزى افتد بسختى كشى مكن تكيه برد ستاكهى كه هست ... كه باشد كه نعمت نماند بدست بسا اهل دولت ببازى نشت ... كه دولت برفتش ببازى زدست فضيحت بود خوشه اندوختن ... بس ازخرمن خويشتن سوختن توبيش ازعقوبت درعفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير جوب اكر بنده كوشش كند بنده وار ... عز يزش ندارد خداوندكار وكر كند رايست در بندكى ... ز جاندارى افتد بخر بندكى اللّهم احفظنا من الكفران ووفقنا للشكر كل حين وآن ١١ { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } اى خلقنا اباءكم آدم طينا غير مصور بصورته المخصوصة ثم صورناه عبر عن خلق نفس آدم وتصويره بخلق الكل وتصويرهم تنزيلا لخلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويرهم من حيث ان المقصود من خلقه وتصويره تعمير الارض باولاده فكان خلقه بمنزلة خلق اولاده فالاسناد فى ضمير الجمع مجازى { ثم قلنا للملائكة } كلهم لعموم اللفظ وعدم المخصص { اسجدوا لآدم } سجدة تحية وتكريم لان السجود الشرعى وهو وضع الجبهة على قصد العبادة انما هو للّه تعالى حقيقة { فسجدوا } اى الملائكة بعد الامر من غير تلعثم { الا ابليس } اى لكن ابليس { لم يكن من الساجدين } اى ممن سجد لآدم والا فهو كان ساجدا للّه تعالى ١٢ { قال } استئناف كأنه قيل فماذا قال اللّه تعالى حينئذ فقيل قال { ما } اى اى شئ { منعك ان لا تسجد } اى ان تسجد ولا صلة كما فى قوله تعالى { لئلا يعلم اهل الكتاب } اى ليتحقق علم اهل الكتاب { اذ امرتك } اى وقت امرى اياك به { قال } ابليس { انا خير منه } اى الذى منعنى من السجود هو انى افضل منه لانك { خلقتنى من نار وخلقته من طين } والنار جوهر لطيف نورانى والطين جسم كثيف ظلمانى فهو خير منه ولقد اخطأ اللعين حيث لاحظ الفضيلة باعتبار المادة والعنصر ز آدمى ابليس صورت ديد وبس ... غافل ازمعنى شد آن مردود خس نيست صورت جشم را نيكو بمال ... تابيينى شعشع نور جلال ونعم ما قيل ايضا صورت خاك ارجه دارد تيركى درتيركى ... نيك بنكر كزره معنى صفا اندر صفاست اين هما يومن خاك كاندر وصف او صاحب دلى ... نكته كفتش كه ازوى ديده جانرا اجلا ست جستن كوكرد احمر عمر ضايع كردنست ... روى برخاك سياه آوركه يكسر كيمياست وفى المثنوى كفت نار ازخاك بى شك بهترست ... من زنارو او ز خاك اكدرست بس قياس فرع بر اصلش كنيم ... او زظلمت من زنور روشنيم كفت حق نى بكله لا انساب شد ... زهد وتقوى فضل را محراب شد اين نه ميراث جهان فانيست ... كه بانسابش بيان جانيست بلكه اين ميراثها ى انبياست ... وارث ابن جانهاى اتقياست بور آن بوجهل شد مؤمن عيان ... بور آن نوح نبى از كمرهان زاده خاكى منور شد جو ماه ... زاده آتش توئى اى رو سياه اين قياسات وتحرى روز ابر ... يا بشب مر قبله را كردست جبر ليك با خورشيد وكعبه بيش رو ... اين قياس واين تحرى را مجو كعبه ناديده مكن رو زومتاب ... از قياس اللّه اعلم بالصواب وفى التأويلات النجمية ان شرف مسجودية آدم وفضيلته على ساجديه لم يكن بمجرد خواصه الطينية وان تشرفه التخمير بغير واسطة كقوله تعالى { ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدى } وكقوله عليه السلام ( خمر اللّه طينة آدم بيده اربعين صباحا ) وانما كانت فضيلته عليهم لاختصاصه بنفخ الروح المشرف بالاضافة الى الحضرة فيه من غير واسطة كما قال { ونفخت فيه من روحى } ولاختصاصه بالتجلى فيه عند نفخ الروح كما قال عليه السلام ( ان اللّه تعالى خلق آدم فتجلى فيه ) ولهذا السر ما امر الملائكة بالسجود بعد تسوية قالب آدم من الطين بل امرهم بالسجود بعد نفخ الروح فيه كما قال اللّه تعالى { انى خالق بشرا من طين فاذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين } وذلك لان آدم بعد ان نفخ فيه الروح صار مستعدا للتجلى لما حصل فيه من لطافة الروح ونورانيته التى يستحق بها التجلى ومن امساك الطين الذى يقبل ا لفيض الالهى ويمسكه عند التجلى فاستحق سجود الملائكة فانه صار كعبة حقيقة ١٣ { قال } اللّه تعالى { فاهبط } يا ابليس { منها } اى من الجنة والاضمار قبل ذكرها لشهرة كونه من سكانها وكانوا فى جنة عدن لا فى جنة الخلد وفيها خلق آدم وهذا امر عقوبة على معصية { فما يكون لك } اى فما يصح ويستقيم لك ولا يليق بشأنك { ان تتكبر فيها } اى فى الجنة ولا دلالة فيه على جواز التكبر فى غيرها { فاخرج } تأكيد للامر بالهبوط { انك من الصاغرين } اى من الاذلاء واهل الهوان على اللّه تعالى وعلى اوليائه لتكبرك وفى الىية تنبيه على ان اللّه تعالى انما طرده واهبطه لتكبره لا لمجرد عصيانه وفى الحديث ( من تواضع للّه رفعه اللّه ومن تكبر وضعه اللّه ) وفى المثنوى علتى بد تر ز بندار كمال ... نيست اندرجانت اى مغرورو ضال ازدل وازديده ات بس خون رود ... تاز تو اين معجبى بيرون شود علت ابليس انا خير بدست ... وين مرض در نفس هر مخلوق هست كرجه خودرا بس شكسته بينداو ... آب صافى دان وسركين زيرجو جون بشورانى مراوراز امتحان ... آب سركين رنك كردد در زمان درتك جوهست سركين اى فتى ... كرجه جو صافى نمايد مر ترا وكان الاصحاب رضى اللّه عنهم يبكون دما من اخلاق النفس وذكر ان قاضيا جاء الى ابى يزيد البسطامى يوما فقال نحن نعرف ما تعرفه ولكن لا نجد تأثيره فقال ابو يزيد خذ مقدارا من الجوز وعلق وعاءه فى عنقك ثم ناد فى البلد كل من يلطمنى ادفع له جوزة حتى لا تبقى منه شيأ فاذا فعلت ذلك تجد التأثير فاستغفر القاضى فقال ابو يزيد قد اذنبت لانى اذكر ما يخلصك من كبر نفسك وانت تستغفر من ذلك لكمال كبرك قال ابو جعفر البغدادى ست خصال لا تحسن بست رجال. لا يحسن الطمع فى العلماء. ولا العجلة فى الامراء. ولا الشح فى الاغنيا. ولا الكبر فى الفقراء. ولا السفه فى المشايخ. ولا اللؤم فى ذوى الا حساب فعليك بالتوحيد فانه سيف صارم يقطع عرق كل خلق مذموم ١٤ { قال } الشيطان بعد كونه مطرودا { انظرنى } اى امهلنى ولا تمتنى { الى يوم يبعثون } اى آدم وذريته للجزاء بعد فنائهم وهو وقت النفخة الثانية واراد اللعين بذلك ان يجد فسحة من اغوائهم ويأخذ منهم ثاره وينجو من الموت لاستحالته بعد الموت ١٥ { قال } اللّه تعالى { انك من المنظرين } اى من جملة الذين اخرت آجالهم الى وقت النفخة الاولى لا الى وقت البعث الذى هو المسئول كما بين مدة المهلة فى قوله تعالى { انك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم } وهو يوم النفخة الاولى يموت الخلق فيه ويموت ابليس معهم وبين النفخة الاولى والثانية اربعون سنة فاستجيب بعض دعائه لاكله والفتوى على ان دعاء الكافر يستجاب استدراجا ودل ظاهر قوله { انك من المنظرين } على ان ثمة منظرين غير ابليس وعن ابن عباس قال ان الدهر يمبر بابليس فيهرم ثم يعود ابن ثلاثين غافلان از مرك مهلت خواستند ... عاشقان كفتند نى نى زود باد وانما انظره ابتلاء للعباد وتمييزا بين المخلص للّه ومتبع الهوى وتعريضا للثواب بمخالفته. وقيل انظره مكافأة له بعبادته التى مضت فى السماء وعلى وجه الارض ليعلم انه لا يضيع اجر العاملين وقيل امهله وابقاه الى آخر الدهر استدراجا له من حيث لا يعلم ليتحمل من الوزار ما لا يتحمل غيره من الاشرار والكفار فأنظره الى يوم القرار ليحصل الاعتبار به لذوى الابصار بان اطول الاعمار فى هذه الدار لرئيس الكفار وقائد زمرة الفجار واختلف العلماء هل كلم اللّه تعالى ابليس بغير واسطة اولا والصحيح انه انما كلمه بواسطة ملك لان كلام البارى لمن كلمه رحمة ورضى وتكرم واجلال ألا ترى ان موسى عليه السلام فضل بذلك على الانبياء ما عدا الخليل ومحمدا صلى اللّه عليه وسلم فان قيل أليس رسالته ايضا تشريفا لابليس. قيل مجرد الارسال ليس بتشريف وانما يكون لاقامة الحجة بدلالة ان موسى عليه السلام ارسله اللّه الى فرعون وهامان ولم يقصد اكرامهما واعظامهما لعلمه بانهما عدوان وكان كلامه اياه تشريف له وقوله تعالى { ويوم يناديهم } اى على لسان بعض ملائكته ١٦ { قال } ابليس { فبما اغويتنى } الباء متعلقة بفعل القسم المحذوف. والاغواء الاضلال عن المنهج القويم والهمزة فيه للصيرورة اى بسبب ان صيرتنى غاويا ضالا عن الهدى محرما من الرحمة لاجلهم اقسم بعزتك { لاقعدن لهم } اى لآدم وذريته ترصدا بهم كما يقعد القطاع للقطع على السابلة { صراطك } اى على صراطك { المستقيم } الموضل الى الجنة وهو دين الاسلام فالقعود كناية عن الاجتهاد فى اغواء بنى آدم فان من هلك بسبب الاجتهاد فى تكميل امر من الامور يقعد حتى يصير فارغ البال عما يشغله عن اتمام مقصوده ويتوجه اليه بكليته ١٧ { ثم لآتيناهم } [ بس بيايم بديشان ] { من بين ايديهم } اى من قبل الآخرة فاشككهم فيها. وايضا من قبل الحسد فازين لهم الحسد على الاكابر من العلماء والمشايخ فى زمانهم ليطعنوا فى احوالهم واعمالهم واقوالهم { ومن خلفهم } من جهة الدنيا ارغبهم. فيها وايضا من قبل العصبية ليطعنوا فى المتقدمين من الصحابة والتابعين والمشايخ الماضين ويقدحوا فيهم ويبغضوهم { وعن ايمانهم } من جهة الحسنات واوقعهم فى العجب والرياء. وايضا من قبل الانبساط فاحرض المريدين على سوء الادب فى صحبة المشايخ وترك الحشمة والتعظيم والتوسع فى الكلام والمزاح لانزلهم عن رتبة القول { وعن شمائلهم } من جهة السيآت فازينها لهم. وايضا من قبل المخالفة فامرهم بترك اوامر المشايخ ونواهيهم لأوردهم به موارد الرد واهلكهم بسطوات غيره الولاية وردها بعد القبول والمقصود من الجهات الاربع التى يعتاد هجوم العدو منها مثل قصده اياهم للتسويل والاضلال من اى وجه يتيسر باتيان العدو من الجهاد الاربع ولذلك لم يذكر الفوق والتحت وانما عدى الفعل الى الاولين بحرف الابتداء لانه منهما متوجه اليهم والى الآخرين بحرف المجاوزة فان الآتى منهما كالمنحرف المتجافى عنهم المار على عرضهم وجانبهم كما تقول جلست عن يمينه اذا جلست متجافيا عن جانب يمينه غير ملاصق له فكأنك انحرفت عنه وتجاوزت { ولا تجد اكثرهم شاكرين } اى مطيعين وفى التفسير الفارسى [ يعنى كافران باشندكه منعم را نشتاسد ] وانما قال ظنا لا علما لقوله تعالى { ولقد صدق عليهم ابليس ظنه } لما رأى فيهم مبتدأ الشر متعددا وهو الشهوة والغضب ومبدأ الخير واحدا وهو العقل : قال السعدى قدس سره نه ابليس درحق ما طعنه زد ... كزينان نيايد يجز كاريد فغان ازبديها كه در نفس ماست ... كه ترسم شودظن ابليس راسب جومعلون بسند آمدش قهرما ... خدايش بر انداخت ازبهرما كجاسر بر آريم عاروننك ... كه با او بصلحيم وباحق بجنك ١٨ { قال } اللّه تعالى لابليس { اخرج منها } اى من الجنة حال كونك { مذؤما } اى مذموما من ذأمه اذا ذمه فالذام من المهموز العين والذم من المضاعف كلاهما بمعنى واحد وهو التعييب البليغ { مدحورا } اى مطرودا فاللعين مطرود من الجنة ومن كل خير لعجبه ونظره الى نفسه ففيه عبرة لكل مخلوق بعده { لمن اتبعك منهم } اللام لتوطئة القسم ومن شرطية ومعناه بالفارسية [ بخداى كه هركه دربى توبيايد از اولاد آدم ] { لأملأن جهنم منكم اجمعين } جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط ومعنى منكم اى من ومن ذريتك ومن كفار ذرية آدم وفى الحديث ( تحاجت النار والجنة فقالت هذه يدخلنى الجبارون المتكبرون وقالت هذه يدخلنى الضعفاء والمساكين فقال اللّه تعالى لهذه انت عذابى اعذب بك من اشاء وقال لهذه انت رحمتى ارحم بك من اشاء ولكل واحدة منكما ملؤها ) والتابعون للشيطان هم الذين يأتيهم من الجهات الاربع المذكورة فيقبلون منه ما امره فليحذر العاقل عن متابعته وليجتهد فى طاعة اللّه وعبادته حتى لا يدخل النار مع الداخلين وفى الحديث ( اذا كان يوم القيامة رفع الى كل مؤمن رجل من اهل الملل فقيل هذا فداؤك من النار ) وفى هذا الحديث دليل على كمال لطف اللّه بعباده وكرامتهم عليه حيث فدى اولياءه باعدائه ويحتمل ان يكون معنى الفداء ان اللّه تعالى وعد النار ليملأها من الجنة والناس فهى تستنجز اللّه موعده فى المشركين وعصاة المؤمنين فيرضيها اللّه تعالى بما يقدم اليها من الكفار فيكون ذلك كالمفاداة عن المؤمنين وقال بعضهم معناه ان المؤمنين يتوقون بالكفار من نفح النار اذا مروا على الصراط فيكونون وقاية وفداء لاهل الاسلام قال بعضهم رأيت ابا بكر بن الحسين المقرى فى المنام فى الليلة التى دفن فيها فقلت له ايها الاستاذ ما فعل اللّه بك قال ان اللّه تعالى اقام ابا الحسن العامرى صاحب الفلسفة فدائى وقال هذا فداؤك من النار وقد كان ابو الحسن توفى فى الليلة التى توفى فيها ابو بكر المقرى وفى الحديث ( يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب امثال الجبال فيغفرها اللّه لهم ويصعها على اليهود والنصارى ) ولا يستبعد من فضل اللّه مع اهل الاسلام والايمان ان يفديهم باهل الكفر والطغيان وذلك عدل من اللّه مع اهل المعصية وفضل على اهل طاعته خلافا للمعتزلة فانهم انكروا هذه واستدلوا بقوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر اخرى } والذى صاروا اليه خلاف الكتاب والسنة قال اللّه تعالى { وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم } فلا يصح استدلالهم بالآية لان كل كافر معاقب بوزره ١٩ { ويا آدم } اى وقلنا لآدم بعد اخراج ابليس من الجنة يا آدم { اسكن انت } اى لازم الاقامة على طريق الاباحة والتكريم { وزوجك } حواء والزوج فى كلام العرب هو العدد الفرد المزاوج لصاحبه فاما الاثنان المصطحبان فيقال لهما زوجان { الجنة } اى فيها وهى اما جنة الخلد التى جعلت دار الجزاء وعليه اكثر اهل العلم لوجوه ذكروها فى كتبهم او جنة فى المساء هبطا منها او جنة فى الارض كانت مرتفعة على سائر بقاع الارض ذات اشجار واثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور اعدها اللّه لهما وجعلها دار ابتلاء وعليه بعض المحققين من اهل الظاهر والباطن لانه كلف فيها ان لا يأكل من تلك الشجرة ولا تكليف فى الجنة الجزائية ولانه نام فيها واخرج منها ودخل عليه ابليس فيها ولا نوم فى الجنة ولا خروج بعد الدخول ولا يجوز دخول الشيطان فيها بعد الطرد والاخراج ولقول قابيل انا من اولاد الجنة كما لا يخفى ولما روى ان آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة فانطلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الملائكة فقالوا اين تريدون يا بنى آدم فقالوا ان ابانا اشتهى قطفا من عنب الجنة فقالوا لهم ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا اليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبرآئيل وبنوه خلف الملائكة ودفنوه وقالوا هذه سنتكم فى موتاكم قالوا فلولا ان الوصول الى الجنة التى كان فيها آدم التى اشتهى منها القطف كان ممكنا لما ذهبوا يطلبون ذلك فدل على انها فى الارض لا فى السماء وقد تبت ان النيل يخرج من الجنة ولا شك انها من جنان الارض وبساتينها واللّه اعلم { فكلا من حيث شئتما } من اى مكان شئتما ومن اى شئ شئتما من نعم الجنة وثمارها موسعا عليكما { ولا تقربا ههذ الشجرة } اختلفوا فى هذه الشجرة ايضا وقد ابهم اللّه ذكرها وتعيينها ولو كان فى ذكرها مصلحة تعود الينا لعينها للنا كما فى غيرها كذا فى آكام المرجان { فتكونا من الظالمين } اى فتصيرا من الذين ظلموا انفسهم ٢٠ { فوسوس لهما الشيطان } قال فى الصحاح فوسوس لهما الشيطان يريد اليهما وكلن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل انتهى. والوسوسة الكلام الخفى المكرر يلقيه الشيطان الى قلب البشر ليزين له ما هو المكر شرعا واول ما ابتدأهما به من كيده اياهما انه ناح عليهما نياحة احزنتهما حين سمعاها فقالا له ما يبكيك قال ابكى عليكما تموتان فتفارقان ما انتما فيه من النعمة والكرامة فوقع ذلك فى نفهسما ثم اتاهما فوسوس اليهما وقال ما نها كما كما يجيء { ليبدى لهما } اى ليظهر لهما. واللام للعاقبة لان اللعين انما وسوس لهما ليوقعهما فى المعصية لا لظهور عورتهما لكن لما كان عاقبة وسوسته ظهور سواتهما شبه ظهورها بالغرض الحامل على الوسوسة ويحتمل ان يكون اللام لام الغرض على انه اراد بوسوسته ان يسوءهما اى يخزيهما بانكشاف عورتهما عند الملائكة وكان قد علم ان لهما سوءة بقراءته كتب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك وفى كون الانشكاف غرضا لا بليس دليل على ان كشف العورة فى الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع ولم يقع نظر على رضى اللّه عنه الى عورته حذرا من ان يراها بالعين التى يرى بها جمال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاذا كان النظر الى سوءته بهذه الرتبة فما ظنك بالنظر الى سوءة الغير وما اشد قبح كشف العورة قالت عائشة رضى اللّه عنها ما رأى منى ولا رأيت منه اى العورة { ما وورى عنهما } اى الذى ستر عنهما وهو مجهول وارى { من سوآتهما } اى عورتها وكانا لا يريانها من انفسهما ولا احدهما من الآخر لانهما قد البسا ثوبا يستر عورتهما. والسوآت جمع السوءة والتعبير بلفظ الجمع عن اثنين لكراهة اجتماع لفظى التثنية ويحتمل ان يكون الجمع على اصل وضعه باعتبار ان كل عورة هى الدبر والفرج وذلك اربعة فهى جمع وسميت العورة سوءة لانه يسوء الانسان انكشافها { وقال } عطف على وسوس بيانا وتفصيلا لكيفية وسوسته { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } اى عن اكلها لامر مّا { الا } كراهة { ان تكونا ملكين } اى كالملائكة فى لطافة البينة والاستغناء عن التغذى بالاطعمة والاشربة ونحوهما وفضل الملائكة من بعض الوجوه لا يدل على فضلهم على الانبياء مطلقا لجواز ان يكون لنوع البشر فضائل اخر راجحة على ما للملك فليس المراد انقلاب حقيقتهما البشرية الى الحقيقة الملكية فانه محال قال سعدى المفتى فيه بحث اذ لا مانع منه عند الا شاعرة لتجانس الاجسام انتهى واعلم ان اللّه تعالى باين بين الملائكة والجن والانس فى الصورة والاشكال فمن حصل على بينة الانسان ظاهرا وباطنا فهو انسان فلو قلب الانسان الى بينة الملك لخرج بذلك عن كونه انسانا لكن الملك والشيطان لا يخرجان بالتشكلات الظاهرية المختلفة عن حقيقتهما { او تكونا من الخالدين } الذين لا يموتون ويخلدون فى الجنة ٢١ { وقاسمهما } اى اقسم لهما. فالقسم انما وقع من ابليس فقط الا انه عبر عن اقسامه بزنة المفاعلة للدلالة على انه اجتهد فى القسم اجتهاد المقاسم وهو الذى حلف فى مقابله حلف شخص آخر { انى لكما لمن الناصحين } فيما اقول والنصح بذل المجهود فى طلب الخير فى حق غيره ٢٢ { فدلاهما } فنزلهما الى الاكل من الشجرة وحطهما من المرتبة العالية وهى مرتبة الطاعة الى المنزلة السافلة وهى الحالة المغضبة والتدلية ارسال الشئ من الاعلى الى الاسفل كارسال الدلو فى البئر { بغرور } اى بسبب تغريره اياهما باليمين باللّه كاذبا وكان العين اول من حلف باللّه كاذبا وظن آدم ان احدا لا يحلف باللّه كاذبا فاغتريه فان شأن المؤمن ان يعتقد بصدق من حلف باللّه لتمكن عظمة اسم اللّه تعالى فى قلبه وكان بعض العلماء يقول من خادعنا باللّه خدعنا وفى الحديث ( المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم ) { فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما } اى فلما وجدا طعمها آخذين فى الاكل منها اخذهما العقوبة وشؤم المعصية فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما فاستحييا وفى الاخبار ان غيرهما لم ير عورتهما قيل كان لباسهما فى الجنة ظفرا فى اشد اللفطافة واللين والبياض يكون حاجبا من النظر الى اصل البدن فلما اصابا الخطيئة نزع ذلك عن بدنهما وبقى عند رؤس الاصابع تذكيرا لما فات من النعم وتجديدا للندم. وقيل كان لباسهما نورا يحول بينهما وبين النظر الى حد البدن. وقيل كان حلة من حلل الجنة { وطفقا يخصفان } اى اخذا يرقعان يلزقان ورقة فوق ورقة { عليهما } اى على بدنهما او على سوآتهما من قبيل صغت قلوبكما فى التعبير عن المثنى بالجمع لعدم التباس المراد فجاز ان يرجع اليه ضمير التثنية { من ورق الجنة } قيل كان ذلك ورق التين ولم يستره من الشجر الأجشر التين فقال اللّه تعالى كما سترت آدم اخرج منك المعنى قبل الدعوى وسائر الاشجار يخرج منها الدعوى قبل المعنى فلهذه الحكمة يخرج ثمر سائر الاشجار فى كمامها اولا ثم تظهر الثمرة من الكمام ثانيا وشجرة التين اول ما يبدو ثمره يبدو بارزا من غير كمام وفى الآية دليل على ان كشف العورة قبيح من لدن آدم عليه السلام ألا ترى انهما كيف بادرا الى الستر لما تقرر فى عقلهما من قبح كشف العورة { وناداهما ربهما } مالك امرهما بطريق العتاب والتوبيخ يحتمل ان يكون ذلك بان اوحى اليهما بواسطة الملك ذلك الكلام او بان الهمهما ذلك فى قلبهما. قيل كانت حجتهما بهذا العتاب اشد عليهما من كل محنة اصابتهما { الم انهكما } وهو تفسير للنداء فلا محل له من الاعراب { عن تلكما الشجرة واقل لكما } عطف على انهكما اى الم اقل لكما { ان الشيطان لكما عدو مبين } اشارة الى قوله تعالى { ان هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } ولكما متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل روى ان اللّه تعالى قال لآدم الم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال بلى وعزتك ولكن ما ظننت ان احدا من خلقك يحلف بك كاذبا قال فبعزتى لاهبطنك الى الارض ثم لا تنال العيش الا كدا فاهبط وعلم صنعه الحديد وامر بالحرث فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وطحن وعجن وخبز ٢٣ { قالا } اعترافا بالخطيئة وتسارعا الى التوبة { ربنا } اى يا ربنا { ظلمنا انفسنا } اى ضررناهما بالمعصية وعرضناها للاخراج من الجنة { وان لم تغفر لنا } تستر علينا ذنبنا { وترحمنا } بقبول توبتنا { لنكونن من الخاسرين } اى الهالكين الذين باعوا حظهم فى الآخرة بشهوة ساعة وهو دليل على ان الصغائر معاقب عليها ان لم تغفر والمغفرة مشكوك فيها فكان ذنب آدم صغيرة لانه لم يأكل من الشجرة قصدا لمخالفة حكم اللّه تعالى بل انما اكل بناء على مقالة اللعين عن اكله فحمله طبعه عليه ولانه انما اقدم عليه بسبب اجتهاد اخطأ فيه فانه ظن ان النهى للتنزيه اوان الاشارة فى قوله { ولا تقربا هذه الشجرة } الى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها وقد كان المراد بها الاشارة الى النوع كما روى انه عليه السلام اخذ حريرا وذهبا بيده وقال ( هذان حرامان على ذكور امتى حل لاناثها ) ٢٤ { قال } اللّه تعالى { اهبطوا } خطاب لآدم وحواء وذريتهما اولهما ولابليس { بعضكم لبعض عدو } جملة حالية من فاعل اهبطوا اى متعادين فطبع ابليس على العداوة كطبع العقرب على اللدغ والذئب على السلب فعادى آدم لذهاب رياسته بين الملائكة بسبب خلافة آدم وامرنا بمعاداة ابليس لان الابن يعادى عدو ابيه { ولكم فى الارض مستقر } [ قرار كاهى وآرام جابى ] { ومتاع } اى تمتع وانتفاع { الى حين } هو حين انقضاء آجالهم فاغتم آدم وظن انه لا يرجع الجنة ٢٥ { قال } اللّه تعالى { فيها تحيون } اى فى الارض تعيشون { وفيها تموتون } وتقبرون { ومنها تخرجون } للجزاء فعلم آدم من مضمون هذا الخطاب انه يعود الى الجنة فصار متسليا بفضل اللّه تعالى ووعده قال الامام القشيرى ونعم ما قال اصبح آدم عليه السلام محسود الملائكة مسجودا لكافتهم على رأسه تاج الوصلة وعلى جسده لباس الكرامة وفى وسطه نطاق القربة وفى جيده قلادة الزلفى لا احد من المخلوق فوقه من الرتبة ولا شخص مثله فى الرفعة يتوالى عليه النداء كل لحظة يا آدم فلم يمس حتى نزع عنه لباسه وسلب استثنائه وتبدل مكانه وتشوش زمانه فاذا كان شؤم معصية واحدة على من اكرمه اللّه بكل كرامة هكذا فكيف شؤم المعاصى الكثيرة علينا انتهى : قال الحافظ جه كونه دعو وصلت كنم بجانكه شدست ... سم وكيل قضا ودلم ضمان فراق وقضاء اللّه تعالى يجرى على كل احد نبيا كان او وليا نه من ازبرده تقوى بدر افتادم وبس ... بدرم نيز بهشت ابد از دست بهشت واعلم ان آدم تناول من شجرة المحبة حقيقة فوقع فى شبكة المحنة وامر بالصبر على الهجر ووعد بالوجد بعد الفقد فكان ما كان من الترقيات المعنوية بعد التنزلات الصورية مقام عيش ميسر نمى شود بى رنج ... بلى بحكم بلاسته اند حكم الستد وشجرة العلم المجرد منهى عن ان يقربها احد بدون المكاشفة والمشاهدة والمعاينة فان صاحبه محجوب ومحروم من لذات ثمرات الحققة فلتكن المشاهدة همته من اول امره الى ان يصل الى ذروة الكمال قبل مجيئ الآجال فان فاجأه الموت وهو فى الطريق فاللّه تعالى يوصله الى مطلبه ولو فى البرزخ. وايضا لا ينبغى لاحد ان يقرب من شجرة التدبير فان التقدير كاف لكل غنى وفقير ألا ترى الى قيام الصلاة فانه اشارة الى التقدير الازلى وهو التفويض. والركوع اشارة الى التدبير الابدى وهو التسليم. والسجدة اشار الى الفناء الكلى عنهما اذ كما لا بد من التخلق بمثل هذه الصفات لا بد من الفناء عنها فى غاية الغايات قال تعالى { فيها تحيون } اى فى المحبة وصدق الطلب وقرع باب الفرج بالصبر والثبات على العبودية وفى طلب الحق تموتون على جادة الشريعة باقدام الطريقة ومنها تخرجون الى عالم الحقيقة يدل عليه قوله عليه السلام ( كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون ) بكوش خواجه واز عشق بى نصيب مباش ... كه بنده را نخرد كس بعيب بى هنرى مرادرين ظلمات آنكه رهنما يى كرد ... دعاى نيم شبى بود وكريه سحرى ٢٦ { يا بنى آدم } خطاب للناس كافة روى ان العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف فى ثياب عصينا اللّه فيها فنزلت الى آخر الآيات الثلاث { قد انزلنا عليكم لباسا } اى خلقنا لكم بانزلا سببه من السماء وهو ماء المطر فما تنبته الارض من القطن والكتان من ماء السماء وما يكون من الكسوة من اصواف الانعام فقوام الانعام ايضا من ماء السما واعلم ان المساء فاعلة والارض قابلة والحوادث الارضية منسوبة الى السماء فكل ما فى الارض انما هو بتدبيرات سماوية { يوارى سوآتكم } اى يستر عوراتكم فكشف العورة مع وجود ما يسترها من اللباس فى غاية القباحة ولا شك ان الشيطان اغوى من فعل ذلك كما اغوى آدم وحواء فبدت لهما سوآتهما ونستعيذ باللّه من شره { وريشا } هو من قبيل ما حذف فيه الموصوف واقيمت صفته مقامه كأنه قيل ولباسا ريشا اى ذا ريش وزينة تتجملون به عبر عن الزينة بالريش تشبيها لها بريش الطائر لان الريش زينة الطائر كما ان اللباس زينة لبنى آدم كأنه قيل انزلنا عليكم لباسين لباسا يوارى سوآتكم ولباسا يزينكم فان الزينة غرض صحيح قال تعالى { لتركبوها وزينة } قال الحسين الكاشفى [ در تفسير امام زاهد فرموده كه لباس آنست كه از ينبه باشد وريش ازابرشيم وكتان وبشم ] { ولباس التقوى } اى خشية اللّه تعالى مبتدأ خبره قوله { ذلك خير } شبهت التقوى بالملبوس من حيث انها تستر صاحبها وتحفظه مما يضره كما يحفظه الملبوس قال قتادة والسدى هو العمل الصالح لانه يقى من العذاب كأنه قال لباس التقوى خير من الثياب لان الفاجر وان كان حسن الثياب فهو بادى العورة قال الشاعر انى كأنى ارى من لا حياء له ... ولا امانة وسط القوم عريانا قال الحافظ فلندران حقيقت بنيم جو نخرند ... قباى اطلس آنكس كه ازهنر عاريست وفى التفسير الفارسى [ { ولباس التقوى } وبوشش تقوى يعنى لباس كه براى تواضع بوشند جون بشيمينها وجامها درشت { ذلك خير } آن بهتراست كه ازلباسهاى نرم ] وفى الحديث ( من رق ثوبه رق دينه ) وقيل اول من لبس الصوف آدم وحواء حين خرجا من الجنة وكان عيسى عليه السلام يلبس الشعر ويأكل من الشجر ويبيت حيث امسى فلبس الصوف والشعر علامة التواضع وفيه تشبيه بالمساكين والعاقل من اختار ما اختاره الصلحاء : قال الصائب جمعى كه بشت كرم بعشق نيند ... ناز سمور ومنت سنجاب ميكشند واعلم ان اكل جزء من اجزاء الانسان لباسا يوارى سوآة ذلك الجزء من ظاهره وباطنه فلباس الشريعة يوارى سوآة الافعال القبيحة باحكام الشريعة فى الظاهر. وسوآة الصفات الذميمة النفسانية والحيوانية بآداب الطريقة فى الباطن والتقوى هو لباس القلب والروح والسر والخفى. فلباس القلب من التقوى هو الصدق فى طلب المولى يوارى سوآة طبع الدنيا وما فيها. ولباس الروح من التقوى محبة الحق تعالى يوارى به سوآة التعلق بغير المولى. ولباس السر هو شهود انواع اللقاء يوارى به سوآة رؤية ما سوى اللّه تعالى. ولباس الخفى هو البقاء بهوية الحق يوارى به سوآة هوية الخلق [ يعنى همه تعينات مضمحل ومتلاشى كردد وحجاب بندار ازسر وجودات متكثرة دركشيده آيد وسر { لمن الملك اليوم } برغوفه وحدت قهارى جلوه نمايد ] ملك ملك اوست او خود ما لكست ... غير ذاتش كل شئ هالكست كل شئ ما خلا اللّه باطل ... ان فضل اللّه غيم هاطل هالك آيدييشى وجهش هست نيست ... هستى اندرنيسنى خود طرفه ايست { ذلك } اى انزال اللباس { من آيات اللّه } الدالة على فضله ورحمته { لعلهم يذكرون } فيعرفون نعمته حيث اغناهم باللباس عن خصف الورق او يتعظون فيتورعون عن القبائح نحو كشف العورة وفى الاسرار المحمدية العالم مشحون بالارواح فليس فيه موضع بيت ولا زاوية الا وهو معمور بما لا يعلمه الا اللّه وما يعلم جنود ربك الا هو قال حجة الاسلام فى كتابه معراج السالكين والدليل على ذلك امر النبى عليه السلام بالتستر فى الخلوة وان لا يجامع الرجل امرأته عريانين وكان الحسن والحسين وعبداللّه بن جعفر يدخلون الماء وعليهم السراويلات تسترا عن سكان الماء يحكى عن احمد بن حنبل قال كنت يوما مع جماعة يتجردون ويدخلون الماء فاستعملت خبر النبى عليه السلام ( من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر ) فلم اتجرد فرأيت تلك الليلة فى المنام كأن قائلا يقول ابشر يا احمد فان اللّه تعالى قد غفر لك باستعمال السنة فقلت ومن انت قال انا جبرائيل فقد جعلك اللّه اماما يقتدى بك قال فى الشرعة وينوى بلبس الثياب ستر العورة والعيب الواقع فى البدن والتزين بها توددا الى اهل الاسلام لا لحظ النفس فان ذلك اللبس بتلك النية يصفى وينور العقل عن الكدورات تصفية بحيث لا يشوبه شئ من اهوية النفس وحظوظها ويؤجر عليه بتلك النية قيل الاعمال البهيمية ما كان بغير نية فعلى العاقل جميع الهمم بحيث لا يسخ فى السر ذكر غيره تعالى ٢٧ { يا بنى آدم لايفتننكم الشيطان } اى لا يوقعنكم فى الفتنة والمحنة بان يمنعكم من دخول الجنة باغوائكم { كما اخرج ابويكم من الجنة } نعت لمصدر محذوف اى لا يفتننكم فتنة مثل فتنة اخراج ابويكم آدم وحواء من الجنة فانه اذا قدر بكيده على ازلالهما فان يقدر على ازلال اولاده اولى فوجب عليكم ان تحترزوا عن قبول وسوسته والنهى فى اللفظ للشيطان والمعنى نهيهم عن اتباعه والافتتان به وهو ابلغ من لا تقبلوا فتنة الشيطان { ينزع عنهما لباسهما } حال من ابويكم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان لباسهما كان من الظفر اى كان يشبه الظفر فانه كان مخلوقا عليهما خلقة الظفر واسند نزع اللباس الى الشيطان مع انه لم يباشر ذلك لكونه سببا فى ذلك النزع { ليريهما سوآتهما } اى ليظهر لهما عوراتهما وكانا قبل ذلك لايريانها من انفسهما ولا احدهما من الآخر كما روى ان آدم كان رجلا طوالا وكأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس فلما وقع بالخطيئة بدت سوآته وكان لا يراها فانطلق هاربا فى الجنة فعرضت له شجرة من شجر الجنة فحبسته بشعره فقال لها ارسلينى فقالت لست مرسلتك فناداه ربه يا آدم أمنى تفرّ قال لا ولكنى استحييت { انه } اى الشيطان او الشان { يراكم هو وقبيله } اى جنوده وذريته { من حيث لا ترونهم } من لابتداء غاية الرؤية وحيث ظرف لمكان اتفاء الرؤية ومعناه بالفارسية [ ازجايى كه شما اورانمى بينيد يعنى اجسام ايشان از غايت رقت ولطافت در نظر شما نمى آيد وايشان اجاسم شمارا بواسطة غلظت وكثافت مى بينند حذر از جنين دشمن لازمست ] : وفى المثنوى ازنبى برخوان كه ديو و قوم او ... مى برنداز حال انسى خفيه بو ازر هى كه انس ازان آكاه نيست ... زانكه زين محسوس وزين اشباه نيست مسلكى دارند ازديده درون ... مازد دذديهاى ايشان سرنكون دمبدم خبط وزبانى ميكنند ... صاحب نقب وشكاف زوربند ورؤيتهم ايانا من حيث لا نراهم فى الجملة اى فى بعض احوالهم وهو حال بقائهم على صورهم الاصلية لا يقتضى امتناع رؤيتنا اياهم بان يتمثلوا لنا كما تواتر من ان بعض الناس رأى الجن جهارا علنا قال فى آكام المرجان فى احكام الجان لو كشف اللّه اجاسمهم وقوى شعاع ابصارنا لرأيناهم او لو كثفهم وشعاع ابصارنا على ما هو عليه من غير ان يقوى لرأيناهم ألا ترى ان الريح ما دامت رقيقة لطيفة لا ترى فاذا كشفت باختلاف الغبار رأيناهم ولم يمتنع دخولهم فى ابداننا كما يدخل الريح والنفس المتردد الذى هو الروح فى ابداننا من التخرق والتخلخل وفى الحديث ( ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم ) وقد يحتاج فى ابراء المصروع ودفع الجن عنه الى الضرب فيضرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلاثمائة او اربعمائة ضربة او اقل او اكثر والضرب انما يقع على الجنى ولا يحس به المصروع ولو كان على الانسى لقتله وكذا يجوز دخولهم فى الاحجار اذا كان مخلخلة كما يجوز دخول الهواء فيها فان قلت لو دخل الجن فى جسد ابن آدم لتداخلت الاجسام ولاحترق الانسان قلت الجسم اللطيف يجوز اني دخل الى مخاريق الجسم الكثيف كالهواء الداخل فى سائر الاجسام ولا يؤدى ذلك الى اجتماع الجواهر فى حيز واحد لانها لا تجتمع الا على طريق المجاورة لا على سبيل الحلول وانما يدخل فى اجسامنا كما يدخل الجسم الرقيق فى الظروف والجن ليسوا بنار محرقة بل هم خلقوا من نار فى الاصل كما خلق آدم من التراب فالنسبة باعتبار الجزء الغالب قال فى بحر الحقائق الاشارة انهم انما يرونكم من حيث البشرية التى هى منشأ الصفات الحيوانية وانكم محجوبون بهذه الصفات عن رؤيتهم لا من حيث الروحانية التى هى منشأ علوم الاسماء والمعرفة فانهم لا يرونكم فى هذا المقام وانتم ترونهم بالنظر الروحانى بل بالنظر الربانى انتهى. ثم قوله { انه يراكم } تعليل للنهى بيان انه عدو صعب الاحتراز عن ضرره فان العدو الذى يراك ولا تراه شديد المؤونة لا يتخلص منه الا من عصمة اللّه فلا بد ان يكون العاقل على حذر عظيم من ضرره فان قيل كيف نحاربهم ونحترز عنهم ونحن لا نراهم قلنا لم نؤمر بمحاربة اعيانهم وانما امرنا بدفع وسوستهم وعدم قبول ما القاه فى قلوبنا بالاستعاذة منه الى اللّه تعالى روى عن ذى النون المصرى انه قال ان كان هو يراك من حيث لا تراه فان اللّه يراه من حيث لا يرى اللّه فاستعن بالهل عليه فان كيد الشيطان كان ضعيفا { انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون } بما اوجدنا بينهم من التناسب فى الخذلان والغواية فصار بعضهم قرين بعض واغواه. فالاولياء جمع ولى بمعنى الصديق ضد العدو يقال منه تولاه اى اتخذه صديقا وخليلا وذكر عن وهب بن منبه انه قال امر اللّه تعالى ابليس ان يأتى محمدا عليه السلام ويجيبه عن كل ما يسأله فجاء على صورة شيخ وبيده عكازة فقال له ( من انت ) قال انا ابليس قال ( لماذا جئت ) قال امرنى ربى ان آتيك واجيبك فاخبرك عما تسألنى فقال عليه الصلاة والسلام ( فكم اعداؤكم من امتى ) قال خمسة عشر انت يا محمد. وامام عادل. وغنى متواضع. وتاجر صدوق. وعالم متخشع. ومؤمن ناصح. ومؤمن رحيم القلب. وثابت على التوبة. ومتورع عن الحرام. ومديم على الطهارة. ومؤمن كثير الصدقة. وحسن الخلق مع الناس. ومن ينتفع الناس. وحامل القرآن مديم عليه. وقائم الليل والناس نيام قال ( فكم رفقاؤكم من امتى ) فقال عشرة. سلطان جائر. وغنى متكبر. وتاجر خائن. وشارب الخمر والقتال. وصاحب الرياء. وآكل مال اليتيم. وآكل الربا. ومانع الزكاة. والذى يطيل الامل فهؤلاء اصحابى واخوانى فظهر ان الشياطين كما انهم اولياء لاهل الكفر كذلك هم اولياء لمن هو فى حكم اهل الكفر من اهل المعصية ونسأل اللّه العناية والتوفيق ويحكى ان الخبيث ابليس تبدى ليحيى بن زكرياء عليهما السلام فقال انى اريد ان انصحك قال كذبت انت لا تنصحنى ولكن اخبرنى عن بنى آدم قال هم عندنا على ثلاثة اصناف. اما الصنف الاول منها فاشد الاصناف علينا نقبل عليه حتى نفته ونتمكن منه ثم يفزع الى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شئ ادركنا منه ثم نعود له فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك فى عناء. واما الصنف الثانى فهم فى ايدينا بمنزلة الكرة فى ايدى صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا قد كفونا انفسهم. واما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شئ قال يحيى بعد ذلك هل قدرت منى على شئ قال لا الا مرة واحدة فانك قدمت طعاما تأكله لم ازل اشهيه اليك حتى اكلت منه اكثر مما تريد فنمت تلك الليلة فلم تقم الى الصلاة كما كنت تقوم اليها فقال له يحيى لا جرم انى لا اشبع من طعام ابدا قال له الخبيث لا انصح آدميا بعدك ولقى يحيى بن زكريا ابليس فى صورته ايضا فقال له اخبرنى من احب الناس اليك وابغض الناس اليك فقال احب الناس الى المؤمن البخيل وابغضهم الى الفاسق السخى قال يحيى وكيف ذلك قال لان البخيل قد كفانى بخله والفاسق السخى اتخوف ان يطلع اللّه عليه فى سخاه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا انك يحيى لم اخبرك كذا فى آكام المرجان فى احكام الجان ٢٨ { واذا فعلوا } اى كفار قريش { فاحشة } اى فعلة متناهية فى القبح كعبادة الصنم وكشف العورة فى الطواف ونحوهما { قالوا } جوابا للناهين عنها محتجين على حسنها بامرين الاول تقليد الآباء وهو قولهم { وجدنا عليها آباءنا } والثانى الافتراء على اللّه وهو قولهم { واللّه امرنا بها } فاعرض اللّه تعالى عن رد احتجاجهم الاول لظهور فساده فان التقليد لا يعتبر دليلا على صحة الفعل الذى قام الدليل على بطلانه وان كان معتبرا فى غيره ورد الثانى بقوله { قل ان اللّه لا يأمر بالفحشاء } لان عادته تعالى جرت على الامر بمحاسن الافعال والحث على مكارم الخصال { أتقولون على اللّه مالا تعلمون } انه امركم بذلك وذلك لان طريق العلم اما السماع من اللّه تعالى ابتداء اى من غير توسط رسول يبلغهم ان اللّه تعالى امرهم بذلك وانتفاؤه ظاهر واما المعرفة بواسطة الانبياء وهم ينكرون نبوة الانبياء على الاطلاق فلا طريق لهم الى العلم باحكام اللّه تعالى فكان قولهم واللّه امرنا بها قولا على اللّه بما لا يعلمون وهو اى قوله أتقولون من تمام القول المأمور به والهمزة لانكار الواقع واستقباحه والاشارة فى الآية ان الفاحشة طلب الدنيا وحبها والحرص على جمعها فان افحش الفواحش حب الدنيا لانه رأس كل حطيئة. والمعنى اذا قوع اهل الغفلة فى طلب الدنيا وزينتها والتمتع بها بتلقين الشياطين وتدبيرهم وتزيينهم فيدعوهم داع الى اللّه وطلبه وترك الدنيا وطلبها { قالوا وجدنا عليها آباءنا } اى على محبة الدنيا وشهواتها { واللّه امرنا بها } اى بطلبها بالكسب الحلال { قل ان اللّه لا يأمر بالفحشاء } اى لا يأمر بحب الدنيا والحرص على جمعها وانما يأمر بالكسب الحلال بقدر الحاجة الضرورية لقوام القالب بالقوة واللباس ليقوم باداء حق العبودية { أتقولون على اللّه مالا تعلمون } اى تفترون على اللّه مالا تعلمون آفته ولا وبال عاقبته ولا تعلمون ان ذلك ن فتنة الشيطان وتزيينه واغوائه كذا فى التأويلات النجمية : وفى المثنوى اين جهان جيفه است ومردار رخيص ... برجنين مردار جون باشم حريص ٢٩ { قل امر ربى بالقسط } بيان للمأمور به اثر نفى ما اسند اليه امره به تعالى من الامور المنهى عنها. والقسط العدل وهو الوسط من كل شئ المتجاوز عن طرفى الافراط والتفريط وفى الخبر ( خير الامور اوساطها ) توسد اذا ما شئت امرا فانه ... كلا طرفى قصد الامور ذميم { واقيموا وجوهكم } معطوف على امر بتقدير قل لئلا يلزم عطف الانشاء على الاخبار اى وقل لهم توجهوا الى عبادته مستقيمين غير عادلين الى غيرها او اقيموا وجوهكم نحو القبلة { عند كل مسجد } يحتمل ان يكون اسم زمان وان يكون اسم مكان اى فى كل وقت سجود او مكان سجود والمراد بالسجود الصلاة بطريق ذكر الجزء وارادة الكل وقال الكلبى معناه اذا حضرت الصلاة وانتم فى مسجد فصلوا فيه ولا يقولن احدكم اصلى فى مسجدى واذا لم يكن عند مسجد فليأت اى مسجد شاء وليصل فيه وفى الفروع مسجد المحلة افضل من الجامع اذا كان الامام عالما ومسجد المحلة فى حق السوقى نهارا ما كان عند خانوته نهارا وليلا ما كان عند منزله قال الحدادى وهذه الآية تدل على وجوب فعل الصلاة المكتوبة فى الجماعة وفى الحديث ( من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له الا من عذر ) وصلاة الجماعة افضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة وذلك لان كل صلاة اقيمت فى الجماعة كصلاة يوم وليلة اذا اقيمت بغير جماعة لان فرائض اليوم والليلة سبع عشرة ركعة والرواتب عشر فالجميع سبع وعشرون قال العلماء كل ما شرعت فيه الجماعة كالفرائض والتراويح ونحوهما فالمسجد فيه افضل من ثواب المصلين فى البيت بالجماعة لان فيه اظهار شعائر الاسلام كما ان ثواب المصلين فى البيت وحدانا دون ثواب المصلين فى البيت بالجماعة { وادعوه } اى واعبدوه فهو من اطلاق الخاص على العالم فان الدعاء من ابواب العبادة وهو الخضوع للبارى مع اظهار الافتقار والاستكانة وهو المقصود من العبادة والعمدة فيها { مخلصين له الدين } اى الطاعة فان مصيركم اليه فى الآخرة فرداكه بيشكاه حقيقت شود بديد ... شرمنده رهروى كه عمل برمجاز كرد { كما بدأكم } اى انشأكم ابتداء { تعودون } اليه باعادته فيجازيكم على اعمالكم والكاف فى محل النصب على انه صفة مصدر محذوف تقديره تعودون عودا مثل ما بدأكم وهو بالهمزة بمعنى انشأ واخترع وانما شبه الاعادة بالابداء تقريرا لامكانها والقدرة عليها. يعنى قيسوا الاعادة بالابداء فلا تنكروها فان من قدر على الانشاء قدر على الاعادة اذ ليس بعثكم اشد من ابتداء خلقكم ٣٠ { فريقا } منصوب بما بعده { هدى } بان وفقهم للايمان { وفريقا } نصب بفعل مضمر يفسره ما بعده من حيث المعنى اى واضل فريقا { حق عليهم } [ سزاوار كشت برايشان ] { الضلالة } بمقتضى القضاء السابق التابع للمشيئة المبنية على الحكم البالغة { انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون اللّه } تعليل لما قبله اى حقت عليهم الضلالة لاتخاذهم الشياطين اولياء وقبولهم ما دعوا اليه بدون التأمل فى التمييز بين الحق والباطل وكل واحد من الهدى والضلال وان كان يحصل بخلق اللّه تعالى اياه ابتداء الا انه يخلق ذلك حسبما اكتسبه العبد وسعى فى حصوله فيه { ويحسبون انهم مهتدون } اى يظنون انهم على الهدى. وفيه دلالة على ان الكافر المخطئ والمعاند سواء من حيث انه تعالى ذم المخطئ الذى ظن انه فى دينه على الحق بانه حق عليه الضلالة وجعله فى حكم الجاحد والمعاند فعلم منه ان مجرد الظن والحسبان لا يكفى فى صحة الدين بل لا بد فيه من الجزم واليقين لانه تعالى ذم الكفار بانهم يحسبون انهم مهتدون ولو كفى مجرد الحسبان فيه لما ذمهم بذلك فعلى العاقل تحصيل اليقين وترك التقليد والاقتداء باصحاب التحقيق والتوحيد فان المرء لا يعرف حاله ومقامه الا بالتعريف : ونعم ما قال الصائب واقف نميشوند كه كم كرده اندراه ... تا رهروان براهنمابى نمى رشد وكل واحد من التقليد الباطل والشك والرياء وحب الدنيا وحب الخلق مذموم لا يجدى نفعا وعن ذى النون رضى اللّه عنه قال بينما انا فى بعض جبال لكان اذا برجل قائم يصلى والسباع حوله ترتبض فلما اقبلت نحوه نفرت عنه السباع فاوجز فى صلاته وقال يا ابا لفيض لو صفوت لطلبتك السباع وحنت اليك الجبال فقلت ما معنى قولك لو صفوت قال تكون للّه خالصا حتى يكون لك مريدا قال فقلت فبم الوصول الى ذلك قال لا تصل الى ذلك حتى تخرج حب الخلق من قلبك كما خرج الشرك منه فقلت هذا واللّه شديد على فقال هذا ايسر الاعمال على العارفين فولاية الخلق مطلقا اذا كانت سبيلا للضلالة فما ظنك بولاية الشيآطين سواء كانوا شياطين الانس او شياطين الجن فلا بد من محبة اللّه تعالى فويل لمن جاوز محبة اللّه تعالى الى محبة ما سواه وقد ذمه اللّه بقوله من دون اللّه نسأل اللّه تعالى ان لا يزيغ قلوبنا بعدما هدانا الى محبته وارشدنا الى طريق طاعته وعبادته ٣١ { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } الزينة وان كانت اسما لما يتزين به من الثياب الفاخرة الا ان المفسرين اجمعوا على ان المراد بالزينة ههنا الثياب التى تستر العورة استدلالا بسبب نزول الآية وهو ان اهل الجاهلية من قبائل العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وقالوا لا نطوف فى ثياب اصبنا فيها الذنوب ودنسناها بها فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة فامرهم اللّه تعالى ان يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا عند كل مسجد سواء دخلوه للصلاة او للطواف وكانوا قبل ذلك يدعون ثيابهم وراء المسجد عند قصد الطواف وفى تفسير الحدادى كانوا اذا قدموا منى طرح احدهم ثيابه فى رحله فان طاف وهى عليه ضرب وانتزعت منه وكانت المرأة تطوف بالليل عريانة الا انها كانت تتخذ سيورا مقطعة تشدها فى حقويها فكانت السيور لا تسترها سترا تاما وهذه الآية اصل فى وجوب ستر العورة فى الصلاة والمعنى خذوا ثيابكم لمواراة عورتكم عند كل مسجد لطواف او صلاة قال شيخ الاسلام خواهر زاده فيه دليل على ان اللبس من احسن الثياب مستحب حالة الصلاة لان المراد من الزينة الثوب بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب انتهى فاخذ الثوب واجب ولباس التجمل مسنون وكان ابو حنيفة رحمه اللّه اتخذ لباسا لصلاة الليل وهو قميص وعمامة ورداء وسراويل قيمة ذلك الف وخمسمائة درهم يلبسه كل ليلة ويقول التزين للّه تعالى اولى من التزين للناس قال الفقهاء ولا اعتبار لستر الظلمة لان الستر وجب لحق الصلاة وحق الناس وفى التفسير الفارسى [ كفته اند بزبلن علم ستر عوتست براى نماز وبزبان كشف حضور دلست براى عرض راز ذوق طاعت بى حضور دل ثيابد هيجكس ... طالب حق را دل حاضر برين دركاه بس { وكلوا واشربوا } ما طاب لكم من الاطعمة والاشربة روى ان بنى عامر فى ايام حجهم كانوا لا يأكلون الطعام الا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فهم المسلمون به فنزلت والاشارة كلوا مما يأكل اهل البينات فى مقام العبودية واشربوا مما يشربون كما قال عليه السلام ( ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى ) وكان عليه السلام يخص رمضان من العبادات بما لا يخص به غيره من الشهور حتى انه كان يواصل احيانا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة وكان ينهى اصحابه عن الوصال فيقولون له فانك تواصل فيقول ( لست كاحدكم انى ابيت ) وفى رواية ( اظل عند ربى يطعمنى ويسقينى ) وقد اختلف العلماء فى هذا الطعام والشراب المذكور على قولين. احدهما انه طاعام وشراب حسى بالفم قالوا وهذا حقيقة اللفظ ولا يجب العدول عنه وكان يؤتى بطعام من الجنة. والثانى ان المراد به ما يغذيه اللّه به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه لقربه ونعيم محبته وتوابع ذلك من الاحوال التى هى غذاء القلوب ونعيم الارواح وقرة الاعين وبهجة النفوس حكى ان مريد اخدم الشيخ منصور الحلاج فى الكعبة حين كان مجاورا سنتين قال كان يجئ له طعام من ارباب الخيرات فاضعه عنده ثم اجده فى الصبح من غير نقصان فاطعمه فقيرا فما رأيته فى السنتين اكل لقمة قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان النبى عليه السلام انما اكل فى الظاهر لاجل امته الضعيفة والا فلا احتياج له الى الاكل والشرب وما روى من انه كان يشد الحجر فهو ليس من الجوع بل من كمال لطافته لئلا يصعد الى الملكوت فكان يشد الحجر حتى يحصل الاستقرار فى عالم الارشاد قال يعنى انه صلى اللّه عليه وسلم كان ينظر الى حدوث العالم فيتنعم بتجل البقاء انتهى كلامه { ولا تسرفوا } بتحريم الحلال فان بتحريم الحلال يتحقق تضييع المال وهو اسراف او بالتعدى الى الحرام بان يتناول ما حرمه اللّه عليه من المأكول والمشروب والملبوس او بافراط الطعام والشره علهي بان يتناول ما لا يحتاج اليه البدن فى قوامه فان ذلك ايضا من قبيل الاسراف { انه لا يحب المسرفين } لا يرتضى فعلهم ولا يثنى عليهم قال بعضهم الاسراف هو ان يأكل الرجل كل ما يشتهيه ولا شك ان من كان تمام همته مصروفا الى فكر الطعام والشراب كان اخس الناس واذلهم خواجه را بين كه ازسحر تاشام ... دارد انديشه شراب وطعام شكم ازخوش دلى وخوش حالى ... كاه بر ميكند كهى خالى فارغ ازخلد وايمن از دوزخ ... جاى اومزبلس ويا مطبخ [ شيخ الاسلام عبداللّه الانصارى فرموده كه اكرهمه دنيارا لقمه سازى ودردهان درويشى نهى اسراف نباشد اسراف آن بودكه نه برضاى حق تعالى صرف كنى ] يك جوانراكه خير دائم داشت ... بند ميداد راهبى دردير كاى بسرخير نيست دراسراف ... كفت اسراف نيست اندرخير قال فى التأويلات النجمية الاسراف نوعان افراط وتفريط فالافراط ما يكون فوق الحاجة الضرورية او على خلاف الشرع او على وفق الطبع والشهوة او على الغفلة او على ترك الادب او بالشره او على غير ذلك والتفريط ان ينقص من قدر الحاجة الضرورية ويقصر فى حفظ القوة والطاقة للقيام بحق العبودية او يبالغ فى اداء حق الربوبية باهلاك نفسه فيضيع حقها او يضيع حقوق الربوبية بحظوظ نفسه او يضيع حقوق القلب والروح والسر التى هى مستعدة لحصولها بحظوظ النفس فالمعنى لا تسرفوا اى لا تضيعوا حقوقنا ولا حقوقكم لحظوظكم انتهى ويروى ان هرون الرشيد كان له طبيب نصرانى حاذق فقال لعلى بن حسيبن بن واقد ليس فى كتابكم من علم الطب شئ والعلم علمان علم الاديان وعلم الابدان فقال له ان اللّه تعالى قد جمع الطب كله فى نصف آية من كتابنا قال وما هى قال قوله تعالى { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } فقال النصرانى وهل يؤثر عن رسولكم شئ من الطب قال نعم جمع رسولنا صلى اللّه عليه وسلم الطب فى الفاظ يسيرة قال وما هى قال قوله ( المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وعودوا كل جسم ما اعتاد ) فقال النصرانى ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا وعن ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وينبغى لاهل الرخصة ان يقتصروا على اكلتين فى اليوم والليلة فى غير شهر رمضان ولاهل العزيمة على اكلة واحدة فان ما فوق الاكلتين للطائفة الاولى وما فوق الاكلة للثانية تجاوز عن الحد وميل الى الاتصاف بصفات البهائم. والهند جل معالجتهم الحيمة يمتنع المريض عن الاكل والشرب والكلام عدة ايام فيبرأ فجانب الاحتماء اولى ٣٢ { قل } لما طاف المسلمون فى ثيابهم واكلوا اللحم والدسم عيرهم المشركون لانهم كانوا يطوفون عراة ولا يأكلون اللحم والدسم حال الاحرام فامر اللّه حبيبه صلى اللّه عليه وسلم ان يقول لهم { من } استفهام انكار { حرم زينة اللّه } من الثياب وسائر ما يتجمل به { التى اخرج } بمحض قدرته { لعباده } من النبات كالقطن والكتان ومن الحيوان كالحرير والصوف ومن المعادن كالدروع { والطيبات من الرزق } عطف على زينة اللّه اى من حرم ايضا المستلذات من المآكل والمشارب كاللحوم والدسوم والالبان اعلم ان الرجل اذا ادى الفرائض واحب ان يتنعم بمنظر حسن وجوار جميلة فلا بأس به فمن قنع بادنى المعيشة وصرف الباقى الى ما ينفعه فى الآخرة فهو اولى لان ما عند اللّه خير وابقى لان الاقتصار على ادنى ما يكفيه عزيمة وما زاد عليه من التنعم ونيل اللذة رخصة دلت عليها هذه الآية ودلت ايضا على ان الاصل فى المطاعم والملابس والتجمل بانواع التجملات الاباحة لان الاستفهام فى من انكارى كما هو مذهب الشافعى واكثر اصحاب ابى حنيفة فانهم قالوا ان الاصل فى الاشياء الاباحة وذهب بعضهم الى التوقف وبعضهم الى الحظر ووجه قول القائلين بالاباحة انه سبحانه وتعالى غنى على الحقيقة جواد على الاطلاق والغنى الجواد لا يمنع ماله عن عبيده الا ما كان فيه ضرر فتكون الاباحة هى الاصل باعتبار غناه سبحانه وجوده والحرمة لعوارض فلم تثبت فبقى على الاباحة ووجه القول بالحظر ان الاشياء كلها مملوكة للّه تعالى على الحقيقة والتصرف فى ملك الغير لا يثبت الا باباحة المالك فلما لم تثبت الاباحة بقى على الحظر لقيام سببه وهو ملك الغير ووجه القول بالتوقف ان الحرمة والاباحة لاتثبت الا بالشرع فقبل وروده لا يتصور ثبوت واحدة منهما فلا يحكم فيها بحظر ولا اباحة قال عبد القاهر البغدادى وتفسير الوقف عندهم ان من فعل شيأ قبل ورود الشرع لم يستحق بفعله من اللّه تعالى ثوابا ولا عقابا { قل هى } اى الزينة والطيبات كما فى التفسير الفارسى { للذين آمنوا } اى مستقرة لهم { فى الحياة الدنيا } متعلق بآمنوا او بالاستقرار الذى تعلق به للذين والمقصود الاصلى من خلق الطيبات تقوية المكلفين على طاعة اللّه تعالى لا تقويتهم على الكفر والعصيان فهى مختصة لاصالة للمؤمنين والكفار تبع لهم فى ذلك قطعا لمعذرتهم ولذا لم يقل هى للذين آمنوا ولغيرهم فى الدنيا { خالصة يوم القيامة } لا يشاركهم فيها غيرهم وان اشترك فيها المؤمنون والكفار فى الدنيا وانتصابها على الحال من المنوى فى قوله للذين آمنوا ويوم القيامة متعلق بخالصة والاشارة فى الآية من يمنعكم عن طلب كمالات اخرجها اللّه تعالى من غيب الغيب لخواص عباده من الانبياء والاولياء ومن حرم عليكم نيل هذه الكرامات والمقامات فمن تصدى لطلبها وسعى لها سعيا فهى مباحة له من غير تأخير ولا قصور واضافة الزينة الى اللّه لانه اخرجها من خزائن الطاقه وحقائق اعطافه فزين الابدان بالشرائع وآثارها وزين النفوس بالآداب واقدارها وزين القلوب بالشواهد وانوارها وزين الارواح بالمعارف واسرارها وزين الاسرار بالطوالع واثمارها بل زين الظواهر بآثار التوفيق وزين البواطن بانوار التحقيق بل زين الظواهر بآثار التوفيق وزين البواطن بانوار الشهود بل زين الظواهر بآثار الجود وزين البواطن بانوار الوجود والطيبات من الرزق وان ارزاق النفوس بحكم افضاله وارزاق القلوب بموجب اقباله والطيبات من الرزق على الحقيقة ما لم يكن مشوبا بحقوق النفس وحظوظها ويكون خالصا من مواهبه وحقوقه قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا اى هذه الكرامات والمقامات لهؤلاء السادات فى الدنيا مشوبة بشوائب الآفات النفسانية وكدورات الصفات الحيوانية خالصة يوم القيامة من هذه الآفات والكدورات كما قال { ونزعنا ما فى صدورهم من غل } { كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون } اى كتفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الاحكام لقوم يعلمون ما فى تضاعيفها من المعانى الرائقة ٣٣ { قل انما حرم ربى الفواحش } اى ما تفاحش قبحه من الذنوب وتزايد وهى الكبائر { ما ظهر منها وما بطن } بدل من الفواحش اى جهرها وسرها كالكفر والنفاق وغيرهما { والاثم } اى ما يوجب الاثم وهو يعم الصغائر والكبائر { والبغى } اى الظلم او الكبر افرده بالذكر مع دخوله فى الاثم للمبالغة فى الزجر عنه { بغير الحق } متعلق بالبغى مؤكد له لان البغى لا يكون بالحق { وان تشركوا باللّه } معطوف على مفعول حرم اى وحرم عليكم اشراككم به تعالى { ما لم ينزل به } اى باشراكه وعبادته { سلطانا } اى حجة وبرهانا وهو تهكم بالمشركين لانه اذا لم يجز انزال البرهان بالاشراك كان ذكر ذلك تهكما بهم واستهزاء ومعلوم انه لا برهان عليه حتى ينزل { وان تقولوا على اللّه ما لا تفعلون } بالالحاد فى صفاته والافتراء عليه كقولهم واللّه امرنا بها وفى التأويلات النجمية الفواحش ما يقطع على العبد طريق الرب ويمنعه عن السلوك ففاحشة العوام ما ظهر منها ارتكاب المناهى وما بطن خطورها بالبال وفاحشة الخواص ما ظهر منها ما لانفسهم نصيب فيه ولو بذرة وما بطن الصبر عن المحبوب ولو بلحظة وفاحشة الاخص ما ظهر منها ترك ادب من الآداب او التعلق بسبب من الاسباب وما بطن منها الركون الى شئ من الدارين والالتفات الى غير اللّه من العالمين والاثم هو الاعراض عن اللّه ولو طرفة عين والبغى هو حب غير اللّه فانه وضع فى غير موضعه وان تشركوا باللّه يعنى وان تستعينوا بغير اللّه ما لم ينزل به سلطانا اى ما لم يكن لكم به حجة ورخصة من الشريعة المنزلة وان تقولوا على اللّه ما لا تعلمون اى وان تحكموا بفتوى النفس وهواها او تقولوا بنظر العقل على اللّه ما لا تعلمون حقيقته وفيه معنى آخر وان تقولوا فى معرفة اللّه وبيان احوال السائرين وشرح المقامات واثبات الكرامات ما أنتم عنه غافلون ولستم به عارفين انتهى ثم هدد اللّه المشركين المكذبين للرسل بقوله ٣٤ { ولكل امة } من الامم المهلكة { اجل } حد معين من الزمان مضروب لمهلكهم { فاذا جاء اجلهم } الضمير لكل امة خاصة حيث لم يقل آجالهم اى اذا جاءها اجلها الخاص بها والوقت المعين لنزول عذاب الاستئصال عليها { لا يستأخرون } عن ذلك الاجل { ساعة } اى شيأ قليلا من الزمان فانها مثل فى غاية القلة منه اى لا يتأخرون اصلا وصيغة الاستفعال للاشعار بعجزهم وحرمانهم من ذلك مع طلبهم له { ولا يستقدمون } اى لا يتقدمون عليه اجل جون فردا آيدت بيش وبس ... بيش وبس نكذار دست يكنفس روى ان بعض الملوك كان متنسكا ثم رجع ومال الى الدنيا ورياسة الملك وبنى دارا وشيدها وأمر بها ففرشت ونجدت واتخذ مائدة ووضع طعاما ودعا الناس فجعلوا يدخلون عليه ويأكلون ويشربون وينظرون الى بنائه ويتعجبون من ذلك ويدعون له وينصرفون فمكث بذلك اياما ثم جلس هو ونفر من خاصة اصحابه فقال قد ترون سرورى بدارى هذه وقد حدثت نفسى ان اتخذ لكل واحد من اولادى مثلها فاقيموا عندى اياما استأنس بحديثكم واشاوركم فيما اريد من هذا البناء فاقاموا عنده اياما يلهون ويلعبون ويشاورهم كيف يبنى وكيف يصنع ويرتب ذلك فبينما هم ذات ليلة فى لهوهم اذ سمعوا قائلا من اقصى الدار يقول يا ايها البانى الناسى لميتته ... لا تأمنن فان الموت مكتوب هذى الخلائق ان سروا وان فرحوا ... فالموت حتف لدى الآمال منصوب لاتبنين ديارا لست تسكنها ... وارجع النسك كما يغفر الحوب ففزع لذلك وفزع اصحابه فزعا شديدا وراعهم فقال هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال فهل تجدون ما اجد قالوا وما تجد قال مسكة على فؤادى وما اراها الا علة الموت فقالوا كلا بل البقاء والعافية فبكى ثم امر بالشراب فاهريق وبالملاهى فاخرجت او قال فكسرت وتاب الى اللّه سبحانه ولم يزل يقول الموت الموت حتى خرجت نفسه رحمه اللّه : قال السعدى خواجه دربند نقش ايوانست ... خانه از باى بست ويرانست وقال : آنكه قرارش نكرفتى وخواب ... تاكل ونسرين نفشاندى نخست كردش كيتى كل رويش بريخت ... خاربنان بر سرخاكش برست والاشارة { ولكل امة اجل } اى لكل قوم من السائرين الى اللّه والى الجنة والى النار مدة معلومة ومهلة موقتة { فاذا جاء اجلهم } مدتهم كما قدر اللّه فى الازل { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } هذا وعد للاولياء استمالة لقلوبهم ووعيد للاعداء سياسة لنفوسهم كذا فى التأويلات النجمية ٣٥ { يا بنى آدم } خطاب لكافة الناس { اما } اصله ان ما ضمت كلمة ما الى ان الشرطية تأكيدا لما فيها من معنى الشرط { يأتينكم رسل } كائنون { منكم } اى من جنسكم فهو صفة لرسل { يقصون عليكم آياتى } صفة اخرى لرسل اى يبينون لكم احكامى وشرائعى ومقتضى الظاهر كلمة اذا بدل ان لكون الاتيان محقق الوقوع فى علم اللّه تعالى لكنه سيق المعلوم مساق المشكوك للتنبيه على ان ارسال الرسل امر جائز لا واجب عقلا حتى لا يقدر على عدم ارساله ولا واجب شرعا حتى يأثم بترك ارساله لانه لا يجب على اللّه شئ لا عقلا ولا شرعا لكن مقتضى الحكمة ارسال الرسل لما فيه من الحكم والمصالح { فمن } شرطية بالفارسية [ يس هركه ] { اتقى } منكم التكذيب { واصلح } عمله واطاع رسوله الذى يقص آياته { فلا خوف عليهم } اى لا يخافون ما يلحق العصاة فى المستقبل { ولا هم يحزنون } على ما فاتهم فى الدنيا لاستغراقهم فى الاستلذاذ بما اعد للمتقين فى دار الكرامة والرضوان ٣٦ { والذين كذبوا } منكم { بآياتنا } يعنى [ تكذيب رسل كردند ] { واستكبروا } [ وكبر آورند وتعظم كردند يعنى شركسى نمودند ] { عنها } [ ازايمان بدلائل وحدت ما ] { اولئك اصحاب النار } [ ملازمان آتش اند ] { هم فيها خالدون } [ باقى اند ببقاء ابدى ] ٣٧ { فمن اظلم } اى فمن اعظم ظلما اى لا احد { ممن افترى على اللّه كذبا } اى ممن تقول عليه ما لم يقل ويدخل فى التقول عليه اثبات الشريك والصاحبة والولد { او كذب بآياته } اى كذب ما قاله وقد جعل اللّه الكذب عليه والتكذيب بآياته مساويا فى الاثم حيث قال { اولئك } الموصوفون بما ذكر من الافتراء والتكذيب { ينالهم } [ برسد بديشان ] { نصيبهم } كائنا { من الكتاب } اى مما كتب لهم من الارزاق والاعمار { حتى اذا جاءتهم رسلنا } اى ملك الموت واعوانه { يتوفونهم } اى حال كونهم متوفين لارواحهم قابضين لها وحتى وان كانت هى التى يبتدأ بها الكلام لكنها غاية لما قبلها من الفعل اى ينالهم نصيبهم من الكتاب الى ان تأتيهم ملائكة الموت فاذا جاءتهم { قالوا } توبيخا لهم { اينما كنتم تدعون من دون اللّه } اى اين الآلهة التى كنتم تعبدونها فى الدنيا. وما وصلت باين فى خط المصحف وحقها الفصل لانها موصولة { قالوا } اى الكفار { ضلوا عنا } اى غابوا عنا اى لا ندرى مكانهم { وشهدوا على انفسهم } عطف على قالوا اى اعترفوا على انفسهم { انهم كانوا } اى فى الدنيا { كافرين } اى عابدين لمن لا يستحق العبادة اصلا حيث شاهدوا مآله وضلاله ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى { واللّه ربنا ما كنا مشركين } لاحتمال بذلك من طوائف مختلفة او فى اوقات مختلفة وفى الارشاد ولعله قصد بيان غاية سرعة وقوع البعث والجزاء كأنهما حاصلان عند ابتداء التوفى كما ينبئ عنه قوله عليه السلام ( من مات فقد قامت قيامته ) والا فهذا السؤال والجواب وما يترتب عليهما من الامر بدخول النار وما جرى بين اهلها من التلاعن والتقاول انما يكون بعد البعث لا محالة ٣٨ { قال } اللّه تعالى لهم يوم القيامة او احد الملائكة { ادخلوا فى امم } اى كائنين فى جملة امم مصاحبين لهم { قد خلت } اى مضت { من قبلكم من الجن والانس } يعنى كفار الامم الماضية من النوعين { فى النار } متعلق بقوله ادخلوا وانما قدم الجن على الانس لتقدمهم عليهم فى الخلقة وذلك ان اللّه تعالى لما خلق الجن فمنهم مؤمن ومنهم كافر فلما استولى اهل الكفر منهم على اهل الايمان حتى استأصلوهم بعث اللّه اليهم جندا من الملائكة كان رئيسهم ابليس فسلطهم اللّه عليهم حتى اهلكوا جميعهم ثم خلق اللّه آدم بعدهم فخلق منه ذريته فمنهم كافر كقابيل ومنهم مؤمن كهابيل اذ كان فى كل زمان منهم امة كافرة مستحقة لدخول النار وامة مؤمنة مستحقة لدخول الجنة حتى الآن الى انقراض العالم كما قال عليه السلام ( لا تقوم الساعة وفى الارض من يقول اللّه اللّه ) { لكما دخلت امة } من الامم السابقة واللاحقة اى فى النار { لعنت اختها } التى ضلت بالاقتداء بها فلعنت المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والمجوس المجوس وعلى هذا القياس ويلعن الاتباع القادة يقولون لعنكم اللّه انتم غررتمونا فالمراد الخت فى الدين والملة ولم يقل اخاها لانه اراد الامة والجماعة { حتى اذا اداركوا فيها جميعا } غاية لما قبلها. والمعنى انهم يدخلونها فوجا فوجا لاعنا بعضهم بعضا الى انتهاء تداركهم وتلاحقهم فى النار واجتماعهم فيها واصل اداركوا تداركوا ادغمت التاء فى الدال فاجتلبت همزة الوصل { قالت اخراهم } اى دخولا وهم الاتباع واخرى ههنا بمعنى آخرة مؤنث آخر مقابل اول لا مؤنث آخر بمعنى غير كقوله تعالى { وزر اخرى } { لأولاهم } اى لاجل اولاهم اذا الخطاب مع اللّه تعالى { ربنا هؤلاء اضلونا } اى سنوا لنا الضلال عن الهدى بالقاء الشبهة علينا فاقتدينا بهم { فآتهم عذابا ضعفا } اى مضاعفا { من النار } لانهم ضلوا واضلوا { قال } اللّه { لكل } من الاولين والآخرين { ضعف } اما القادة فبكفرهم وتضليلهم واما الاتباع فبكفرهم وتقليدهم فليس المراد تضعيف ما يستحق كل واحد من العذاب لانه ظلم بل تضعيفه عذاب الضلال بان يضم اليه عذاب الاضلال والتقليد { ولكن لا تعلمون } ما لكم وما لكل فريق من العذاب ٣٩ { وقالت اولاهم } اى مخاطبين { لاخراهم } حين سمعوا جواب اللّه لهم { فما كان لكم علينا من فضل } من حيث الاجتناب عن الكفر والضلال فكيف تطمعون ان يكون عذابكم اخف من عذابنا ويكون عذابنا ضعف عذابكم والحال انا ما ألجأناكم على الكفر بل كفرتم لكون الكفر موافقا لهواكم { فذوقوا العذاب } المعهود المضاعف وهو قول القادة على سبيل التشفى { بما كنتم تكسبون } [ بسبب آنكه بوديدكه كسب مى كرديد از كفر اكنون احوالهُ عذاب بديكرى ميكنيد ] جمله داننداين اكرتونكروى ... هرجه مى كاريش روزى بدروى واعلم ان الكفار اهل الانكار اعرضوا عن ارشاد الاخبار واكتسبوا سننا سيئة وذهلوا عن السنن الحسنة التى سنتها الانبياء العظام والاولياء الكرام ثم آل امرهم الى الاعتراف بجرائمهم وضلالهم حين لا ينفع الاقرار فعلى العاقل تدارك الحال قبل حلول الآجال وفى الحديث ( جددوا ايمانكم ) والمراد الانتقال من مرتبة الى مرتبة فان اصل الايمان قد تم بالاول ولكن الايمان على ثمانى عشرة مرتبة فالعناية من اللّه تعالى : وفى المثنوى تازه كن ايمان نه ازقول زبان ... اى هوارا تازه كرده درنهان تاهواتازه است وايمان نيست ... كين هواجز قفل آن دروازه نيست فاللّه تعالى دعا الخلق الى الايمان بواسطة الانبياء عليهم السلام فمن اجاب اهتدى الى طريق الجنة ومن لم يجب سقط فى النار قيل انما خلق اللّه النار لغلبة شفقته وموالاته كرجل يضيف الناس ويقول من جاء الى ضيافتى اكرمته ومن لم يجئ ليس عيه شئ ويقول مضيف آخر من جاء الىّ اكرمته ومن لم يجئ ضربته وحبسته ليبين غاية كرمه وهو آكد واتم على الكرام الاول قال بعضهم نار جهنم خير من وجه وشر من وجه كنار نمرود شر فى اعينهم وبرد وسلام على ابراهيم كالسوط فى يد الحاكم السوط خير للطاغى وشر للمطيع فمن اراد ان يسلم من عذاب النار فعليه بطريق الاخيار وكان المولى جلال الدين قدس سره يعظ يرما لاهل قرامان ويحكى ان من كان عاصيا ومات قبل التوبة من العصيان فانه يدخل النار بعدله تعالى فبعد احتراقه بقدر خطاه يخرجه اللّه تعالى منها ويعتقه ويدخله الجنة فقال شخص كان فى ذلك المجلس ليت هذا حصل قبل ان يهدم عرض المرء وينكسر فادع اللّه تعالى ايها المولى حتى يشرفنا بالجنة قبل انكسار الاعراض نسأل اللّه تعالى ان يعاملنا بلطفه وكرمه انه ولى الهداية والتوفيق ٤٠ { ان الذين كذبوا بآياتنا } وهى الحجج الدالة على اصول الدين من التوحيد ونبوة الانبياء والبعث والجزاء { واستكبروا عنها } اى تعظموا وترفعوا عن الايمان بها والعمل بمقتضاها وهم الكفار { لا تفتح } التشديد لكثرة الابواب { لهم ابواب السماء } اى لا تقبل ادعيتهم ولا اعمالهم اولا تعرج اليها ارواحهم كما هو شأن أدعية المؤمنين واعمالهم وارواحهم وفى الحديث ( ان روح المؤمن يعرج بها الى السماء فيستفتح لها فيقال مرحبا بالنفس الطيبة التى كانت فى الجسد الطيب الى ان تنتهى الى السماء السابعة ويستفتح لروح الكافر فيقال لها ارجعى ذميمة فيهوى بها الى سجين ) وهو مقر ابليس الأبالسة تحت الارض السابعة فالارواح كلها سعيدها وشقيها متصلة باجسادها فتعذب الارواح وتتألم الاجساد منه كالشمس فى السماء ونورها فى الارض واعلم ان ارواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والارض بعضها فى الهواء وبعضها فى افنية القبور الى سبعة ايام الى سنة الى غير ذلك من الزمان حتى تصعد وتتخلص بدعوات الاحياء وامداد الحسنات وتصل الى المقر السماوى الدنيوى { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط } اى حتى يدخل ما هو مثل فى عظم الجرم وهو البعير فى ما هو مثل فى ضيق المسلك وهو ثقب الابرة وذلك مما لا يكون فكذا ما توقف عليه ( هو كارى موقوف محالست محالست ) والعرب اذا ارادت تأكيد النفى علقته بما يستحيل كونه كما قال الشعر اذا شاب الغراب اتيت اهّلى ... وصار القار كاللبن الحليب والجمل زوج الناقة وانما يسمى جملا اذا اربع اى اذا دخل فى السنة السابعة فانه يقال له فى السنة السابعة رباع وللانثى رباعية بالتخفيف. والخياط ما يخاط به فم الخياط بالفارسية [ سوراخ سوزن ] وقرئ الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وهو الحبل الغليظ من القنب او حبل السفينة التى يقال له القلس وهى حبال مجموعة مفتولة { وكذلك } اى مثل ذلك الجزاء الفظيع وهو الحرمان من الجنة { نجزى المجرمين } اى جنس المجرمين فدخلوا فى زمرتهم دخولا اوليا ٤١ { لهم من جهنم مهاد } من جهنم حال من مهاد ومعناه فراش من النار يضطجعون ويقعدون فيه { ومن فوقهم مهاد } من جهنم حال من مهاد ومعناه فراش من النار يضطجعون ويقعدون فيه { ومن فوقهم غواش } اى اغطية جمع غاشية وهو ما يغشى الشئ ويستره ومعنى الآية الاخبار عن احاطة النار بهم من كل جانب حيث كانت غطاء لهم ووطاء وفى الحديث ( الكافر يكسى لوحين من نار فى قبره ) { وكذلك } اى مثل ذلك الجزاء الشديد وهو التعذيب بالنار { نجزى الظالمين } ولما كان التعذيب المؤبد بنار جهنم اشد العقوبات دل ذكر الظلم معه على انه اعظم الاجرام واعلم ان فوت النعيم ايسر من مقاساة الجحيم والمصيبة العظمى هى الخلود وذكر عند الحسن البصرى ان آخر من خرج من النار رجل يقال له هناد عذب الف عام ينادى يا حنان ويا منان فبكى الحسن وقال ليتنى كنت هنادا فتعجبوا منه فقال ويحكم أليس يوما يخرج والاشارة { ان الذين كذبوا بآياتنا } وهى السنن الحسنة المنزلة على الانبياء وما اظهره اللّه تعالى على يد الاولياء من الكرامات والعلوم اللدنية فانكروها { واستكبروا عنها } اى تكبروا عن قبولها والايمان بها { لا تفتح لهم ابواب السماء } اى ابواب سماء القلوب الى الحضرة { ولا يدخلون الجنة } اى جنة القربة والوصلة { حتى يلج الجمل } اى جمل النفس المتكبرة { فى سم الخياط } وهو مدخل الطريقة التى بها تربى النفوس الامارة وتزكى لتصير مطمئنة فتستحق بها خطاب ارجعى الى ربك. فالمعنى ان النفس المتكبرة لما صارت كالجمل لتكبرها لا تصلح لدخول جنة الحقيقة الا بعد تزكيتها باحكام الشريعة وآداب الطريقة حتى تصير بالتربية فى ازالة الصفات الذميمة وقطع تعلقات ما سوى اللّه تعالى ادق من الشعر بالف مرة فيلج فى سم خياط الفناء فيدخل الجنة جنة البقاء فافهم جدا { وكذلك نجزى المجرمين } الذى اجرموا على انفسهم الضعيفة اللطيفة حتى صارت من الاوزار كالجمل بان نجل { لهم من جهنم } المجاهدة والرياضة فراشا وهو قوله { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } يعنى من مخالفة النفس وقمع الهوى يكون فراشهم ولحافهم حتى تحيط بهم فتذيبهم وتحرق منهم انانيتهم مع اثقال اوزارهم ليستحقوا دخول الجنة { وكذل نجزى الظالمين } يعنى بهذه الطريقة تضع عنهم اوزارهم ونرد مظالمهم فى الدنيا ليردوا القيامة مستعدين لدخول الجنة ومن لم نجزه فى الدنيا بهذه الطريقة فنجزه فى الآخرة كما قال { ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر } فى الآخرة { لعلهم يرجعون } فيه كذا فى التأويلات النجمية فالمجاهدة وسلوك طريق التصفية من دأب الاخيار ذكر عن ابراهيم ابن ادهم انه لما اراد ان يدخل البادية اتاه الشيطان فخوفه ان هذه بادية مهلكة ولا زاد معك ولا مركب فعزم على نفسه رحمه اللّه ان يقطع البادية على تجرده ذلك وان لا يقطعها حتى يصلى تحت كل ميل من اميالها الف ركعة وقام بما عزم عليه وبقى فى البادية اثنتى عشرة سنة حتى ان الرشيد حج فى بعض تلك السنين فرآه تحت ميل يصلى فقيل له هذا ابراهيم بن ادهم فأتاه فقال كيف نجدك يا ابا اسحق فانشد ابراهيم بن ادهم يقول نرفع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع فطوبى لعبد آثر اللّه ربه ... وجاء بدنياه لما يتوقع قال الحافظ : دع التكاسل تغنم فقد جرى مثل ... كه زاد رهروان جستيست وجالا كى ٤٢ { والذين آمنوا } بالآيات { وعملوا الصالحات } اى الاعمال الصالحات التى شرعت بالآيات وهى ما اريد به وجه اللّه تعالى { لا نكلف نفسا الا وسعها } اى طاقتها وقدرتها هو اعتراض بين المبتدأ والخبر للدلالة على ان استحقاق الخلود فى النعيم المقيم بسبب اتصافهم بالايمان والعمل الصالح على حسب ما تسعه طاقتهم وان لم يبذلوا مجهودهم فيه { اولئك اصحاب الجنة } [ ملازمان بهشت اند ] { هم فيها خالدون } حال من اصحاب الجنة ٤٣ { ونزعنا } النزع قلع الشئ عن مكانه { ما فى صدورهم } قلوبهم { من غل } وهو الحقد الكامن والبغض المختفى فى الصدور اى تخرج من قلوبهم اسباب الحقد الذى كان لبعضهم فى حق بعض فى الدنيا فان ذلك الحقد انما نشأ من التعلق بالدنيا وما فيها وبانقطاع تلك العلاقة انتهى ما يتفرع عليه من الحقد ومن جملة اسبابه ايضا ان الشيطان كان يلقى الوساوس الى قلوب بنى آدم فى الدنيا وقد انقطع ذلك فى الآخرة بسبب ان الشيطان لما استغرق فى عذاب النيران لم يتفرغ لالقاء الوسوسة فى قلب الانسان ويجوز ان يكون المراد نطهر قلوبهم من الغل نفسه حتى لا يكون بينهم الا التواد يعنى لا يحسد بعض اهل الجنة بعضا اذا رآه ارفع درجة منه ولا يغتم بسبب حرمانه من الدرجات الرفيعة العالية قال ابن عباس رضى اللّه عنهما نزلت هذه الآية فى ابى بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وابن مسعود وعمار بن ياسر وسلمان وابى ذر ينزع اللّه فى الآخرة ما كان فى قلوبهم من غش بعضهم لبعض فى الدنيا من العداوة والقتل الذى كان بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والامر الذى اختلفوا فيه فيدخلون اخوانا على سرر متقابلين باك وصافى شو وازجاه طبيعت بدرآى ... كه صفا بى لدهد آب تراب آلو ده { تجرى من تحتهم } اى من تحت شجرهم وغرفهم { الانهار } زيادة فى لذتهم وسرورهم { وقالوا } اى اهل الجنة اذا رأوا منازلهم { الحمد للّه الذى هدينا } بفضله { لهذا } اى لدين وعمل جزاؤه هذا { وما كنا لنهتدى } اى لهذا الاعلى { لولا ان هدانا اللّه } ووفقنا له كر بدرقه لطف تو ننمايد راه ... ازراه تو هيجكس نكردد آكاه آنكه كه بره رسند وبايد رفتن ... توفيق رفيق نشد واو يلاه روى عن السدى انه قال فى هذه الآية ان اهل الجنة اذا سبقوا الى الجنة وجدوا عند بابها شجرة فى اصل ساقها عينان فشربوا من احداهما فينزغ ما فى صدورهم من غل وهو الشراب الطهور واغتسلوا من الاخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعده ابدا والشعث انتشار شعر الرأس والاشعث مغبر الرأس ويقال شحب جسمه يشحب بالضم اذا تغير وشربوا واغتسلوا ويبشرهم خزنة الجنة قبل ان يدخلوها بان يقولوا لهم { ان تلكم الجنة التى اورثتموها بما كنتم تعملون } فاذا دخلوها واستقروا فى منازلهم منها قالوا الحمد للّه الآية واعلم ان الغل ظلمة الصفات البشرية وكدورتها وطهارة القلوب بنور الايمان والارواح بماء العرفان والاسرار بشراب طهور تجلى صفات الجمال وليس فى صدور اهل الحقيقة من غل وغش اصلا لا فى الدنيا ولا فى العقبى { لقد جاءت رسل ربنا } جواب قسم مقدر اى واللّه لقد جاؤا { بالحق } فالباء للتعدية او لقد جاؤا ملتبسين بالحق فهى للملابسة يقوله اهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا واستقروا فيه اظهارا لكمال نشاطهم وسرورهم قال الحدادى شهادة منهم بتبليغ الرسل للحق اليهم اى جاؤا بالصدق فصدقناهم { ونودوا ان تلكم الجنة } يعنى ان الملائكة ينادونهم حين رأى المؤمنون الجنة من بعيد بان يقولوا لهم ان تلك التى رأيتموها هى الجنة التى وعدتم بها فى الدنيا فان مفسرة او مخففة وتلك مبتدأ اشير به الى ما رأوه من بعيد والجنة خبره واللام فيها للعهد { اورثتموها } اى اعطيتموها والجملة حال من الجنة { بما كنتم تعملون } فى الدنيا من الاعمال الصالحة اى بسبب اعمالكم فان قيل هذه الآية تدل على ان العبد يدخل الجنة بعمله وقد قال عليه السلام ( لن يدخل الجنة احدكم بعمله وانما تدخلونها برحمة اللّه تعالى وفضله ) فما وجه التوفيق بينهما اجيب بان العمل لا يوجب دخول النة لذاته وانما يوجبه من حيث انه تعالى وعد للعاملين ان يتفضل بها بمحض رحمته وكمال فضله واحسانه ولما كان الوعد بالتفضل فى حق العاملين بمقابلة عملهم كان العمل بمنزلة السبب المؤدى اليها فلذلك قيل اورثتموها باعمالكم كذا فى حواشى ابن الشيخ وفى الخبر انه يقال لهم يوم القيامة ( جوزوا الصراط بعفوى وادخلوا الجنة برحمتى واقتسموها باعمالكم ) وهى جنة الاعمال وهى التى ينزل الناس فيها باعمالهم فمن كان افضل من غيره فى وجوه التفاضل كان له من الجنة اكثر سواء كان الفاضل بهذه الحالة دون المفضول او لم يكن فما من عمل الا وله جنة يقع التفاضل فيها بين اصحابها ورد فى الحديث الصحيح عن النبى عليه السلام انه قال لبلال يا بلال ( بم سبقتنى الى الجنة فما وطئت منها موضعا الا سمعت خشخشتك ) فقال يا رسول اللّه ما أحدثت قط الا توضأت وما توضأت الا صليت ركعتين فقال عليه السلام ( بهما ) فعلمنا انها كانت مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه الا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها والتفاضل على مراتب. فمنها بالسن ولكن فى الطاعة والاسلام فيفضل الكبير السن على الصغير السن اذا كانا على مرتبة واحدة من العمل. ومنها بالزمان فان العمل فى رمضان وفى يوم الجمعة وفى ليلة القدر وفى عشر ذى الحجة وفى عاشوراء اعظم من سائر الزمان. ومنها بالمكان فالصلاة فى المسجد الحرام افضل منها فى مسجد المدينة وهى من الصلاة فى المسجد الاقصى وهى منها فى سائر المساجد. ومنهما بالاحوال فان الصلاة بالجماعة افضل من صلاة الشخص وحده. ومنها بنفس الاعمال فان الصلاة افضل من اماطة الاذى ومنها فى العمل الواحد فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة وكذا من اهدى هدية لشريف من اهل البيت افضل ممن اهدى لغيره او احسن اليه ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد اعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما يبتغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فعل وترك فيؤجر فى الزمن الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس له ذلك ومن الجنات جنة اختصاص الهى وهى التى يدخلها الاطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحده من اول ما يولد اى يستهل صارخا الى انقضاء ستة اعوام ويعطى اللّه من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء. ومن اهلها المجانين الذين ما عقلوا. ومن اهلها اهل التوحيد العلمى. ومن اهلها اهل الفترات ومن لم يصل اليهم دعوة رسول ومن الجنات جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهى الاماكن التى كانت معينة لاهل النار لو دخلوها وفى الحديث ( كل من اهل النار يرى منزله فى الجنة فيقولون لو هدانا اللّه فيكون عليهم حسرة وكل من اهل الجنة يرى منزله فى النار فيقولون لولا ان اللّه هدانا ) واعلم ان الجنة صورية ومعنوية صورية محسوسة مؤجلة ومعنوية معقولة معجلة واهلها اهل الفناء فى اللّه والبقاء باللّه : قال الحافظ جنت نقدست اين جا عشرت وعيش وحضور ... زانكه درجنت خدا بربنده نتويسد كناه اللّهم شرفنا بالجنان انك انت المنان ٤٤ { ونادى اصحاب الجنة اصحاب النار } سرورا بحالهم وشماتة باصحاب النار وتحسيرا لهم لا لمجرد الاخبار بحالهم والاستخبار عن حال مخاطبهم ووجه تيسر المناداة والمكالمة بين اهل الجنة واهل النار مع ان بعد ما بين الجنة والنار لا يعلم مقداره الا اللّه تعالى اذ كل درجة من درجات الجنان يقابلها دركة من دركات النيران فأى درجة فيها العامل بسبب عمله يستحق تارك ذلك العمل بسبب تركه اياه دركة من دركاة الجحيم فيكون اهل الدرجة مشرفا على اهل الدركة التى تقابلها كما قال تعالى { فاطلع فرآه فى سواء الجحيم } فامكن لهم تقريع اهل النار وتحسيرهم بقولهم { ان } تفسيرية للمنادى له لان النداء فى معنى القول او مخففة { قد وجدنا ما وعدنا ربنا } من الثواب والكرامة { حقا } بالفارسية [ راست ودرست ] { فهل وجدتم ما وعد ربكم } من العذاب. والوعد يستعمل فى الخير والشر { حقا } حذف المفعول من الفعل الثانى حيث لم يقل ما وعدكم كما قال ما وعدنا اسقاطا لهم عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد { قالوا نعم } اى وجدناه حقا فاعترفوا فى وقت لا ينفعهم الاعتراف ولذا قيل كنون بايد اى خفته بيدار بود ... جو مرك اندر آرد زخوابت جه سود توبيش از عقوبت در عفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير جوب { فأذن } [ بس آواز دهد ] { مؤذن } [ آواز دهنده ] وهو ملك ينادى من قبل اللّه تعالى نداء يسمعه كل واحد من اهل الجنة واهل النار. وقيل هو صاحب الصور اى اسرافيل عليه السلام { بينهم } منصوب باذن اى اوقع ذلك الاذان بين الفريقين اى فى وسطهم { ان } تفسيرية لان التأذين فى معنى القول او مخففة { لعنة اللّه } استقرت { على الظالمين } اى على الكافرين دون المؤمنين لان الظلم اذا ذكر مطلقا يصرف الى الكمال وكمال الظلم هو الشرك وهو اخبار. وقيل هو ابتداء لعن منه عليهم ٤٥ { الذين يصدون } يعرضون فهو لازم لان جعله متعديا بمعنى يمنعون الناس محوج الى تقدير المفعول ولا يصار اليه من غير ضرورة { عن سبيل اللّه } اى عن الدين الذى هو طريق اللّه الى جنته. والسبيل الطريق وما وضح منه كذا فى القاموس { ويبغونها عوجا } اى يبغون لها عوجا بان يصفوها بالزيغ والميل عن الحق وهى ابعد شئ منهما { وهم بالآخرة كافرون } جاحدون بالبعث بعد الموت فلما كان الظالمين بمعنى الكافرين كانت الاوصاف الجارية عليه من قبيل الصفات المؤكدة فان الظالم وصف فى الآية بثلاث صفات مختصة بالكفار. الاولى كونهم صادين معرضين عن سبيل اللّه. والثانية كونهم طالبين امالة سبيل اللّه ودينه الحق وتغييره الى الباطل بالقاء الشكوك والشبهات فى دلائل حقيته. والثالثة كونهم منكرين للآخرة مختصين بهذا الوصف وكل واحدة من هذه الصفات الثلاث مقررة لظلمهم بمعنى الكفر والاشارة { ونادى اصحاب الجنة } اى ارباب المحبة { اصحاب النار } يعنى نار القطيعة { ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا } اى فيما قال ( ألا من طلبنى وجدنى ) { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا } اى فيما قال ( ومن يطلب غيرى لم يجدنى ) { قالوا نعم } فاجابوهم بلى وجدناه حقا { فأذن مؤذن } العزة والعظمة بينهم { ان لعنة اللّه على الظالمين } الذين وضعوا استعداد الطلب فى غير موضع مطلبه وصرفوه فى غير مصرفه { الذين يصدون } اى وهم الذين يصدون القلب والروح { عن سبيل اللّه } وطلبه { ويبغونها عوجا } اى يصرفون وجوههم الى الدنيا وما فيها { وهم بالآخرة كافرون } اى وهم ينكرون على اهل المحبة فيما يطلبون مما تأخر من حسهم وهم يطلبون ما يدركون بالخواس الظاهرة دون ما فى الآخرة كذا فى التأويلات النجمية فالناس على مراتب بحسب اقرارهم وانكارهم وسلوكهم وقعودهم : وفى المثنوى كودكان كرجه بيك مكتب درند ... در سبق هريك زيك بالا تريد خود ملائك نيز ناهمتا بدند ... زين سبب بر آسمان صف صف شدند فعلى السالك الاجتهاد فى طلب الحق الى ظهور كنز الحقيقة فان المطلب الاعلى عند من يميز النقد الجيد من التبهرج والزيوف وعن ذى النون رضى اللّه عنه قال اوحى اللّه سبحانه الى موسى عليه السلام يا موسى كن كالطير الوحدانى يأكل من رؤس الاشجار ويشرب الماء القراح او قال من الانهار اذا جنه الليل اوى الى كهف من الكهوف استئناسا بى واستيحاشا ممن عصانى يا موسى انى آليت على نفسى ان لا اتم لمدعى عملا ولأقطعن امل من امل غيرى ولأقصمنّ من استند الى سواى ولاطيلن وحشة من انس بغيرى ولاعرضن عمن احب حبيبا سواىً يا موسى ان لى عبادا ان ناجونى اصغيت اليهم وان نادونى ا قبلت عليهم وان اقبلوا على ادنيتهم وان دنوا منى قربتهم وان تقربوا منى كفيتهم وان والونى واليتهم وان صافونى صافيتهم وان عملوا الى جازيتهم انا مدبر امرهم كفيتهم وان والونى واليتهم وان صافونى صافيتهم وان عملوا الى جازيتهم انا مدبر امرهم وسائس قلوبهم ومتولى احوالهم لم اجعل لقلوبهم راحة فى شئ الا فى ذكرى فهؤلاء سقامهم شفاء وعلى قلوبهم ضياء لا يستأنسون الا بى ولا يحطون رحال قلوبهم الا عندى ولا يستقربهم قرار فى الايواه الى الىّ ٤٦ { وبينهما } اى بين الفريقين او بين الجنة والنار { حجاب } كسور المدينة حتى لا يقدر اهل النار ان يخرجوا الى الجنة ولئلا يتأذى اهل الجنة بالنار ولا يتنعم اهل النار بنعيم الجنة لان الحجاب المضروب بينهما يمنع وصول اثر احداهما الى الاخرى لانه قد جاء ان الحور العين لو نظرت واحدة منهن الى الدنيا نظرة لامتلأت الدنيا من ضوئها وعطرها وجاء فى وصف النار ان شرارة منها لو وقعت فى الدنيا لاحرقتها قال الحدادى فان قيل كيف يصح هذا التأويل فى الحجاب بين الجنة والنار ومعلوم ان الجنة فى السماء والنار فى الارض قيل لم يبين اللّه حال الحجاب المذكور فى الآية ولا قدر المسافة فلا يمتنع ان يكون بين الجنة والنار حجاب وان بعدت المسافة { وعلى الاعراف } اى اعراف ذلك الحجاب اى اعاليه وهو السور المضروب بينها قيل هو جبل احد يوضع هناك جمع عرف وهو كل عال مرتفع ومنه عرف الديك والفرس سمى عرفا لانه بسبب ارتفاعه يكون اعرف مما انخفض منه { رجال } طائفة من المؤمنين تساوت حسناتهم وسيآتهم فهم ينظرون الى النار وينظرون الى الجنة وما لهم رجحان بما يدخلهم احدى الدارين فاذا دعوا الى السجود وهو الذى يبقى يوم القيامة من التكليف يسجدون فيرجح ميزان حسناتهم فيدخلون الجنة وهو احد الاقوال فى تعيين اصحاب الاعراف وسيجيء الباقى { يعرفون } صفة رجال { كلا } اى كل فريق ن اصحاب الجنة واصحاب النار { بسيماهم } اى بسبب علاماتهم التى اعلمهم اللّه بها كبياض الوجه وسواده وهذا فى العرصات قبل دخول الجنة والنار فان المعرفة بعد الدخول تحصل بالمشاهدة والاحساس ولا يحتاج الى الاستدلال بسيماهم واما النداء والصرف والاتيان فبعد الدخول { ونادوا } اى الرجال وهو صفة ثانية لرجال عدل الى لفظ الماضى تنزيلا للنداء منزلة الواقع { اصحاب الجنة ان } تفسيرية او محققة { سلام عليكم } يعنى اذا نظروا اليهم سلموا عليهم سلام التحية والاكرام وبشروهم بالسلامة من جميع المكاره والآفات { لم يدخلوها } حال من فاعل نادوا اى نادوا حال كونهم لم يدخلوها { وهم يطمعون } اى والحال انهم طامعون فى دخولها حال من فاعل يدخلوها اى نادوهم وهم لم يدخلوها حال كونهم طامعين فى دخولها مترقبين له اى لم يدخلوها وهم فى وقت عدم الدخول طامعون وسبب طمعهم انهم من اهل لا اله الا اللّه ولا يرونها فى ميزانهم ويعلمون ان اللّه تعالى لا يظلم مثقال ذرة ولو جيئ بذرة لاحدى الكفتين لرجحت بها لانها فى غاية الاعتدال فيطمعون فى كرم اللّه وعدله وانه لا بد ان يكون لكلمة لا اله الا اللّه عناية بصاحبها فيظهر لها اثر عليهم فيقفون هناك حتى يقضى اللّه فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة برحمته وهم آخر من يدخل الجنة واذا اراد اللّه ان يعافيهم انطلق بهم الى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه قضب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك فالقوا فيه حتى تصلح الوانهم وفى نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ثم يؤتى بهم فيدخلون الجنة ويسمون مساكين اهل الجنة : قال الحافظ هست اميدكم على رغم عدو روز جزا ... فيض عفوش ننهد باركنه دوشم ٤٧ { واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار } اى الى جهنم وفى عدم الترعض لتعلق انظارهم باصحاب الجنة والتعبير عن تعلق ابصارهم باصحاب النار بالصرف اشعار بان التعلق الاول بطريق الرغبة والميل والثانى بخلافه وفى تفسير الزاهدى ان الملك يصرف ابصارهم اليهم بامر اللّه تعالى { قالوا } متعوذين باللّه تعالى من سوء حالهم { ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } اى فى النار اى يدعون بذلك خوفا من اللّه تعالى لاجل معاصيهم والقول الثانى فى تعيين اصحاب الاعراف انهم الانبياء اجلسهم اللّه على اعالى ذلك السور تمييزا لهم عن سائر اهل القيامة ليكونوا مشرفين على اله الجنة واهل النار مطلعين على احوالهم ومقادير ثوابهم وعقابهم شاهدين على اممهم وعلى هذا فقوله { لم يدخلوها وهم يطمعون } حال من مفعول نادوا وهو اصحاب الجنة لان طمع دخول الجنة لا يليق باشراف اهل الموقف اى نادى اشراف اهل الموقف وهم على الاعراف اصحاب الجنة حال كون اصحابها لم يدخلوها وهم طامعون فى دخولها وكذا التقدير فى صائر الوجوه الآتية المرادة بها اهل الدرجات العالية والقول الثالث هم الشهداء الذين يميزون من بين اهل الموقف بالاستحقاق لمزيد التعظيم والاجلاس فى اعالى السور المضروب ليشاهدوا حكم اللّه تعالى فى اهل الموقف بمقتضى فضله وعدله والرابع هم افاضل المؤمنين فرغوا من شغل انفسهم وتفرغوا لمطالعة احوال الناس وفى الحديث ( اذا جمع الخلائق يوم القيامة نادى مناد اين اهل الفضل فيقوم اناس وهم يسيرون فينطلقون سراعا الى الجنة فيقولون نحن اهل الفضل فيقال لهم ما كان فضلكم فيقولون كنا اذا ظلمنا صبرنا واذا سيئ الينا غفرنا واذا جهل حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين ) والخامس قوم صالحون فقهاء علماء وذلك لمزيتهم على غيرهم بشرف الفقه والعلم والسادس هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس باعمالهم وهم فى كل امة والسابع هم العباس وحمزة وعلى بن ابى طالب وجعفر ذو الجناحين رضى اللّه عنهم يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه والثامن انهم ملائكة موكولون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل ادخالهم الجنة والنار عبر عنهم باسم الرجال لكونهم يرون فى صورة الرجال كما عبر به عن الجن فى قوله تعالى { وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن } لكونهم فى صورة الرجال يقولون حين اشرفوا على اهل النار ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين لانهم مكلفون كبنى آدم فلا ينكر ان يدعوا اللّه لانفسهم بالامن والتاسع هم الشهداء الذين خرجوا الى الغزو وغزوا فى سبيل اللّه بغير اذن آبائهم فقتلوا شهداء فاعتقلوا من النار بان قتلوا فى سبيل اللّه واحتبسوا عن الجنة بعصيانهم آباءهم والعاشر قوم رضى عنهم آباؤهم دون امهاتهم او امهاتهم دون آبائهم والحادى عشر انهم اولاد الزنى والثانى عشر اولاد المشركين والثالث عشر هم الذين ماتوا فى الفترة ولم يبدلوا دينهم وزمان الفترة هو الزمان الذى بين عيسى ومحمد صلوات اللّه وسلامه عليهما والرابع عشر هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب فى الدنيا فوقفوا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع فى مقابلة صغائرهم والخامس عشر هم الذين ذكرهم اللّه فى القرآن اصحاب الذنوب العظام من اهل القبلة روى عن بعض الصالحين انه قال اخذتنى ذات ليلة سنة فنمت فرأيت فى منامى كأن القيامة قد قامت وكأن الناس يحاسبون فقوم يمضى بهم الى الجنة وقوم يمضى بهم الى النار قال فاتيت الى الجنة فناديت يا اهل الجنة بماذا تلتم سكنى الجنان فى محل الرضوان فقالوا لى بطاعة الرحمن ومخالفة الشيطان ثم اتيت الى باب النار فناديت يا اهل النار بماذا نلتم النار قالوا بطاعة الشيطان ومخالفة الرحمن قال فنظرت فاذا بقوم موقوفون بين الجنة والنار فقلت ما بالكم موقوفن بين الجنة والنار فقالوا لنا ذنوب جلت وحسنات قلت فالسيآت منعتنا من دخول الجنة والحسنات منعتنا من دخول النار وانشدوا نحن قوم لنا ذنوب كبار ... منعتنا من الوصول اليه تركتنا مذبذبين حيارى ... أمسكتنا عن القدوم عليه هذا ما تيسر لى جمعه من الاقوال واللّه تعالى اعلم بحقيقة الحال والاشارة ان بين اهل النار واهل الجنة حجابا وهو من اوصاف البشرية والاخلاق الذميمة النفسانية فلا يرى اهل النار اهل الجنة من وراء ذلك الحجاب وبين اهل الجنة واهل اللّه وهم اصحاب الاعراف حجابا وهو من الاوصاف الخلقية والاخلاق الحميدة الروحانية فلا يرى اهل الجنة اهل اللّه من وراء ذلك الحجاب كما قال اللّه تعالى { وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم } يعنى اصحاب الاعراف يعرفون اهل الجنة والنار بما يتوسمون فى سيماهم من آثار نور القلب وظلمته وسيمت الاعراف اعرافا لانها مواطن اهل المعرفة وانما سمى اللّه اهل المعرفة رجالا لانهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى اللّه تصرف الرجال فى النساء ولا يتصرف فيهم شئ منه كقوله { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه } وحيث ما ذكر اللّه الخواص ذكرهم برجال كقوله { رجال صدقوا } وكقوله { فيه رجال يحبون ان يتطهروا } لان وجه الامتياز بين الخواص والعوام بالرجولية فى طلب الحق وعلو الهمة فان اصحاب الاعراف بعلو هممهم ترقوا عن حضيض البشرية ودركات النيران وصعدوا على ذروة الروحانية ودرجات الجنان وما التفتوا الى نعيم الدارين وما ركنوا الى كمالات المنزلين حتى عبروا عن المكونات واقاموا على الاعراف وهى مرتبة فوق الجنان فى حظائر القدس عند الرحمن وهم مشرفون على اهل الجنة والنار فلما رأوا اهل الجنة وانهم فى شغل فاكهون { و } قد شغلوا بنعيميها عن المولى { نادوا اصحاب الجنة ان سلام عليكم } يعنى هنيئا لكم ما انتم فيه من النعيم المقيم والحور والقصور ثم اخبر عن همة اصحاب الاعراف فقال { لم يدخلوها وهم يطمعون } اى شاهدوا نعيم الجنة ودرجاتها ولم يركنوا الى شئ منها فعبروا عليها ولم يدخلوها وهم على الاعراف يطمعون فى الوصول الى اللّه والدخول فى الجنة التى اضافها اللّه تعالى الى نفسه بقوله { وادخلى جنتى } { واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار } ابتلاء ليريهم انه تعالى من أية دركة خلصهم وبأية كرامة خصهم فيعرفوا قدر ما انعم اللّه عليهم به ومن هذا القبيل يكون ما سنح لارباب الكمالات من الخواطر النفسانية وما ابتلاهم بشئ من الدنيا والجاه والقبول والاشتغال بالخلق ليعرفوا قدر العزلة والتجريد والانس مع اللّه فى الخلوات ففى اداء حق الشكر ورؤية النعمة { قالوا } مع المنعم { ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } اى بعد ان خلصتنا من اوصافهم واخلاقهم ودركاتهم ومما هم فيه لا تجعلنا مرة اخرى من جهتهم ولا تدخلنا فى زمرتهم كذا فى التأويلات النجمية ٤٨ { ونادى اصحاب الاعراف } وهم الذى علت درجاتهم من الانبياء واشراف اهل الموقف وهو الانسب بما بعد الآية اذ قولهم ادخلوا الجنة لا يليق بالمقصرين فى العمل { رجالا } من رؤساء الكفار حين رأوهم فيما بين اصحاب النار وهم ابو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وعاص بن وائل واضرابهم { يعرفونهم بسيماهم } اى علاماتهم الدالة على سوء حالهم حينئذ وعلى رياستهم فى الدنيا والباء سببية { قالوا } بدل من نادى اى قال اصحاب الاعراف وهم على السور مخاطبين لرؤساء الكفار توبيخا وشماتة { ما اغنى عنكم } ما استفهامية للتقريع او نافية ومعناه على الثانية [ دفع نكرد عذاب ازشما ] { جميعكم } اى اتباعكم واشياعكم او جمعكم للمال { وما كنتم تستكبرون } ما مصدرية اى واستكباركم المستمر على الخلق [ يعنى استكبار شما مانع عذاب نشد ] ٤٩ { أهؤلاء الذين اقسمتم لا ينالهم اللّه برحمة } هو من تمام قول اصحاب الاعراف للرجال الذين هم رؤساء الكفرة فيكون فى محل النصب بالقول المتقدم والاشارة الى ضعفاء المؤمنين الذين كانت الكفرة يحتقرونهم فى الدنيا ويحلفون صريحا انهم لا يدخلون الجنة قوله { لا ينالهم اللّه برحمة } جواب اقسمتم ومعناه بالفارسية [ اين كروه آنا نندكه دردنياسو كند ميخورديدكه الته خداى هركز بديشان نرساند بخشايش خودرا ] { ادخلوا الجنة } اى فالتفت اصحاب الاعراف الى فقراء المسلمين متل بلال وصهيب وسلمان وخباب وامثالهم وقالوا لهم ادخلوا الجنة على رغم انوف رؤساء الكفار { لا خوف عليكم } حين يخاف اهل النار { ولا انتم تحزنون } حين يحزن اهل النار وفى الآية ذم المال والاستكبار والافتخار بكثرة الخدم والاعوان والانصار نه منعم بمال از كسى بهترست ... خرارجل اطلس بيوشد خرست بدين عقل وهمت نخوانم كست ... وكرميرود صد غلام ازبست تكبر كند مرد حشمت برست ... نداند كه حشمت بحلم اندرست جو منعم كند سفله را روز كار ... نهد بر دل تنك درويش بار جوبام بلندش بود خود برست ... كند بول وخاشاك بر بام بست واعلم ان حب المال والاستكبار من اخلاق النفس فلا بد للسالك من تزكيتها وكان من دعاء النبى عليه السلام ( اللّهم حسن خلقى وخلقى ) وقد مدحه اللّه بقوله { وانك لعلى خلق عظيم } وكان عليه السلام يجالس الفقراء والمساكين ويواكلهم وكان يمر على الصبيان ويسلم عليهم واتى رجل فارتعد من هيبته فقال ( هون عليك فلست بملك انما انا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) وكان يجلس مختلطا باصحابه كأنه احدهم فيأتى الغريب فلا يدرى أيهم هو حتى يسأل وكان لا يدعوه احد الا قال لبيك وكل ذلك من تواضعه صلى اللّه عليه وسلم قال ذو النون المصرى علامة السعادة حب الصالحين والدنو منهم وتلاوة القرآن وسهر الليل ومجالسة العلماء ورقة القلب والاشارة ان المؤمنين والعلماء بعلم الظاهر فى بعض الاوقات يقولون لاهل المحبة والمعرفة وارباب الطلب من دناءة هممهم ان احدا منكم لا ينال درجة الوصول ومرتبة الوصال ويقسمون على ذلك ثم يقول اللّه لاصحاب الاعراف { ادخلوا الجنة } المضافة الىّ فى حظائر القدس وعالم الجبروت { لا خوف عليكم } من الخروج منها { ولا انتم تحزنون } على ما فاتكم من نعيم الجنة اذ تفرغتم لشهود جمالنا ووجود وصالنا واعلم ان اهل النار يرون اهل اللّه وهم اصحاب الاعراف بالصورة ما داموا فى مواطن الكونين فاذا دخلوا جنة الحقيقة المضافة الى اللّه فى سرادقات العزة وعالم الجبروت انقطع عنهم نظرهم ونظر الملائكة المقربين فافهم جدا وقد حكى عن بابا جعفر الابهرى انه دخل على بابا طاهر الهمذانى فقال اين كنت فانى حضرت البارحة مع الخواص على باب اللّه فما رأيتك ثم قال بابا طاهر صدقت كنت على الباب مع الخواص وكنت داخلا مع الاخص فما رأيتنى فعلى السالك ان لا ينقطع عنهم وعن اعتقادهم وفى الحديث ( لكل شئ مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء الصبرهم جلساء اللّه يوم القيامة ) حب درويشان كليدجنت است ... دشمن ايشان سزاى لعنت است لمثنوى فى حق حسن الظن بالفقراء : كر كدايان طامعند وزشت خو ... درشكم خوران تو صاحب دل بجو درتك دربا كهر ياسنكهاست ... فخرها اندرميان ننكهاست ه صلى اللّه عليه وسلم ( اللّهم احينى مسكينا وامتنى مسكينا واحشرنى فى زمرة المساكين ) وحقيقة المسكين من لا شئ له غير اللّه تعلاى وهو اهل اللّه واصحاب الاعراف ٥٠ { ونادى اصحاب النار اصحاب الجنة } بعد الاستقرار فى الدارين { ان } مفسرة او مخففة كما سبق غير مرة { افيضوا علينا } اى صبوا { من الماء } اى ماء الجنة حتى يطفئ عنا حر ما نجد من العطش وذلك انهم لما بقوا فيها جياعا عطاشا قالو ياربنا ان لنا قرابات فى الجنة فائذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فيؤذن لهم فى ذلك فينظرون الى قراباتهم فى الجنة والى ما هم فيه من انواع النعيم فيعرفونهم ولا يعرفهم اهل الجنة لسواد وجوههم فينادون قراباتهم من اهل الجنة بعد اخبارهم بقرابتهم ويقولون افيضوا علينا من الماء { او مما رزقكم اللّه } من سائر ليلائم الافاضة فان الاصل فيها ان تستعمل فى المائعات من المشروبات او من الاطعمة فنأكلها لعلها قد تدفع عنا الجوع على ان الافاضة عبارة عن الاعطاء بكثرة قال ابو حيان الصحيح تضمين افيضوا معنى القوا وهؤلاء القائلون كانوا فى الدنيا عبيد البطون حريصين على الطعام والشراب حتى ماتوا على ما عاشوا فيه فحشروا على ما ماتوا عليه وان اهل الجنة لما اطالوا الجوع والعطش فى الدنيا وانما جوعوا بطونهم لوليمة الفردوس كان اشتغالهم فى الجنة بشهوات النفس وفى الآية بيان ان الانسان لا يستغنى عن الطعام والشراب وان كان فى العذاب قال ابو الجوزاء سألت ابن عباس رضى اللّه عنهما اى الصدقة افضل قال الماء ارأيت اهل النار لما استغاثوا باهل الجنة قالوا افيضوا علينا من الماء وعن سعد بن عبادة انه قال يا رسول اللّه ان ام سعد ماتت فأى صدقة افضل قال عليه السلام ( الماء ) فحفر بئرا فقال عليه السلام ( هذه لام سعد ) يقول الفقير فى الحديث دلالة على نفع الصدقة فى الاموات كما ذهب اليه اهل السنة وتخصيص الماء اما لان ارض الحجاز احوج شئ اليه فيكون اكثر ثوابا واما لان جهنم بيت الحرارة واندفاعها بضدها وهى البرودة التى من اوصاف الماء فان كل شئ يقابل بنقيضه واللّه اعلم { قالوا } روى انه لا يؤذن لاهل الجنة فى الجواب مقدار اربعين سنة ثم يؤذن لهم فى جوابهم فيقولون { ان اللّه حرمهما على الكافرين } اى منع طعام الجنة وشرابها عنهم منع المحرم عن المكلف فلا سبيل الى ذلك قطعا وانما جعل شراب الكافرين الحميم الذى يصهر به ما فى بطونهم والجلود وطعامهم الضريع والزقوم ٥١ { الذين اتخذوا دينهم } الذى امروا بالتدين به وهو دين الاسلام { لهوا ولعبا } ملعبة يتلاعبون به يحرمون ما شاؤا ويحلون ما شاؤا ولا يتبعون امر اللّه تعالى وانما يتبعون اهواءهم التى زينها الشيطان لهم وقيل كان دينهم دين اسماعيل عليه السلام فغيروه وتدينوا بما شاؤا او صرفوا همتهم فيما لا ينبغى ان تصرف اليه الهمم وطلبوا ان يفرحوا بما لا ينبغى ان يطلب وفى التفسير الفارسى { دينهم } [ عيد خودرا { لهوا ولعبا } مشغول وبازيجه ايشان درعيد خود بحو الى كعبه مى آمدند ودوست ميزدند وبازيجه ميكردند ] انتهى ويرخص اللعب فى يوم العيد بالسلام والركض اى التسابق بالافراس والارجل وغير ذلك مما هو مباح مشروع وكانوا يضربون فى القرن الاول بالدف ولكن لم يكن فيه جلاجل فما يفعلونه فى هذا الزمان وقت العيد والختان وعند اجتماع الاخوان من ضرب المزمار وضرب الدف الى فيه جلاجل ونحوها هو آلة اللّهو ليس بمرخص وقولهم ان فى ديننا فسخة انما هو بالنسبة الى الامور المرخصة ألا يرى ان المزاج مباح اذا كان بما لا يخالف الشرع { وغرتهم الحياة الدنيا } بزخارفها العاجلة وطول الامل ولذلك كانوا يستهزئون بالمسلمين كما روى فى الخبر ان ابا جهل بعث الى النبى عليه السلام رجلا يستهزئ به ان اطعمنى من عنب جنتك او شيأ من الفواكه فقال ابو بكر رضى اللّه عنه ان اللّه حرمهما على الكافرين فعلى العاقل ان لا يغتر بالدنيا غدارة مكارة درديدهُ اعتبار خوابيست ... بر رهكذر اجل سرابيست مشغول مشو بسرخ وزردوش ... انديشه مكن زكرم وسردش سرمايه آفتست زنهار ... خودرا زفريب او نكهدار { فاليوم } اى يوم القيامة والفاء فصيحة { ننساهم } نفعل بهم ما يفعل الناسى بالمنسى من عدم الاعتداد بهم وتركهم فى النار كليا شبه معاملته تعالى مع الكفار بمعاملة من نسى عبده من الخير ولم يلتفت اليه والا فاللّه تعالى منزه عن حقيقة النسيان { كما نسوا لقاء يومهم هذا } فى محل النصب على انه نعت لمصدر محذوف اى ننساهم نسيانا مثل نسيانهم لقاء يومهم هذا فلم يخطروه ببالهم ولم يستعدوا له يعنى انه وان لم يصح وصفهم بنسيانه حقيقة لان النسيان يكون بعده المعرفة وهم لم يكونوا معترفين بلقاء يوم القيامة ومصدقين به لكنه شبه عدم اخطارهم لقاء اللّه تعالى ببالهم وعدم مبالاتهم به بحال من عرف شيأ ونسبه ومثل هذه الاستعارات كثير فى القرآن لان تفهيم المعانى الواقعة فى عالم الغيب انما يكون بان يعبر عنها بما يماثلها من عالم الشهادة { وما كانوا بآياتنا يجحدون } عطف على ما نسوا اى وكما كانوا منكرين بانها من عند اللّه انكارا مستمرا فما مصدرية ويظهر ان الكاف فى كما للتعليل فان التشبيه غير ظاهر فى ما كانوا الا باعتبار لازمه وهو الترك ٥٢ { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه } اى بيناه معانيه من العقائد والاحكام والمواعظ مفصلة والضمير للكفرة قاطبة والمراد بالكتاب الجنس او للمعاصرين منهم والكتاب هو القرآن { على علم } حال من فاعل فصلناه اى عالمين بوجه تفصيله حتى جاء حكيما او من مفعوله اى مشتملا على حكم كثيرة { هدى ورحمة } حال من هاء فصلناه اى حال كون ذلك الكتاب هاديا وذا رحمة ٥٣ فعلى العاقل ان يتدارك حاله ولا يطول آماله قال الامام الغزالى قدس سره من زرع واجتهد وجمع بيدرا ثم يقول ارجو ان يحصل لى منه مائة قفيز فذلك منه رجاء والآخر لا يزرع زرعا ولا يعمل يوما فذهب ونام واغفل سنته فاذا جاء وقت البيادر يقول ارجو ان يحصل لى مائة قفيز فهو امنية بلا اصل فكذلك العبد اذا اجتهد فى عبادة اللّه تعالى والانتهاء عن معصية اللّه يقول ارجو ان يتقبل اللّه هذا اليسير ويتم هذا التقسير ويعظم الثواب ويعفو عن الزلل فهذا منه رجاء. واما اذا اغفل ذلك وترك الطاعات فارتكب المعاصى ولم يبال سخط اللّه ولا رضاه ووعده ووعيده ثم اخذ يقول انا ارجو من الجنة والنجاة من النار فذلك منه امنية لا حاصل تحتها ويبين هذا قوله عليه السلام ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والفاجر من يتبع نفسه هواها ويتمنى على اللّه عز وجل ) قال بعضهم ان الغموم ثلاثة. غم الطاعة ان لا تقبل. وغم المعصية ان لا تغفر. وغم المعرفة ان لا تسلب قال يوسف بن اسباط دخلت على سفيان فبكى ليله اجمع فقلت بكاؤك هذا على الذنوب فحمل تبنا وقال الذنوب اهون على اللّه تعالى من هذا انما اخشى ان يسلبنى اللّه الاسلام فكل الرسل والابدال والاولياء مع كل هذا الاجتهاد فى الطاعة والحذر عن المعصية فأى شئ تقول اما كان لهم حسن الظن باللّه قال بلى فانهم كانوا اعلم بسعة رحمة اللّه واحسن ظن بجوده منك ولكن علموا ان ذلك دون الاجتهاد امنية وغرور جعلنا اللّه واياكم من العالمين بكتابه والواصلين الى جنابه دون من نسى اللّه واتبع هواه آمين آمين الف آمين ٥٤ { ان ربكم } الخطاب لكفار مكة المتخذين اربابا. والمعنى [ بدرستى كه برورد كارشما ] على التحقيق { اللّه } [ خداييست ] جامع جميع صفات كمال { الذى خلق السموات والارض } لا على مثال سبق { فى ستة ايام } اى فى ستة اوقات ولو شاء لخلقها فى اسرع من لحظة ولكنه علم عباده التأنى فى الامور : وفى المثنوى مكر شيطانست تعجيل وشتاب ... خوى رحمانست صبر واحتساب باتأبى كشت موجود از خدا ... تابشش روز اين زمين وجرخها ورنه قادر بود كزكن فيكون ... صد زمين وجرخ آوردى برون اين تأنى از بى تعليم تست ... صبركن دركار دير اى ودرست قالوا لا يحسن التعجيل الا فى التوبة من الذنوب وقضاء الدين بعد انقضاء مدته وقرى الضيف وتزويج البكر بعد بلوغها ودفن الميت والغسل من الجنابة واعلم ان اللّه تعالى بالقادرية والخالقية اوجد السموات والارض وبالمدبرية والحكيمية خلقها فى ستة ايام وانما حصر فى الستة انواع المخلوقات الستة. وهى الارواح المجردة. والثانى الملكوتيات فمنها الملائكة والجن والشياطين وملكوت السموات ومنها العقول المفردة والمركبة. والثالث النفوس كنفوس الكواكب ونفس الانسان ونفس الحيوان ونفس النبات والمعادن. والرابع الاجرام وهى البسائط العلوية من اجسام اللطيفة كالعرش والكرسى والسموات والجنة والنار. والخامس الاجسام المفردة وهى العناصر الاربعة. والسادس الاجسام المركبة الكثيفة من العناصر فعبر عن خلق كل منها بيوم والا فالايام الزمانية لم تكن قبل خلق السموات والارض { ثم استوى على العرش } العرش يطلق على السرير الذى يجلس عليه الملوك وعلى كل ما علاك واظل عليك وهو بهذين المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فجعل الاستواء على العرش كناية عن نفس الملك والعز والسلطنة على طريق ذكر اللازم وارادة الملزوم فالمعنى بعد ان خلق اللّه عالم الملك فى ستة ايام كما اراد استوى على الملك وتصرف فيه كيف شاء فحرك الافلاك وسير الكواكب وكور الليالى والايام ودبر امر مصنوعاته على ما تقتضيه حكمته. وهذا معنى قول القاضى استوى امره اى استقر امر ربوبيته وجرى امره وتدبيره ونفذ قدرته فى مصنوعاته وتخصيص العرش لانه اعظم المخلوقات فانه الجسم المحيط بجميع الاجسام فالاستواء عليه استواء على ما عداه ايضا من الجنة والنار والسموات والعناصر وغيرها وفى التفسير الفارسى { ثم استوى } [ بس قصد كرد على العرش بآفرينش عرش ] قال الحدادى ويقال ثم هنا بمعنى الواو على طريق الجمع والعطف دون التراخى فان خلق العرش كان قبل خلق السموات والارض وقد رود فى الخبر ( ان اول شئ خلق اللّه القلم ثم اللوح فامر اللّه القلم ان يكتب ما هو كائن الى يوم القيامة ثم خلق العرش ثم خلق حملة العرش ثم خلق السموات والارض ) قال شيخى العلامة ابقاه اللّه بالسلامة المراد بهذا الاستواء ما استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون بل باعتبار امره الايجادى وتجليه التجلى الاحدى المعبر عنه فى القرآن بالحق واستواء الامر الارادى الايجادى على العرش بمنزلة استواء الامر التكليفى الارشادى على الشرع فكما ان كل واحد من الامرين قلب الآخر وعكسه المستوى السوى فكذلك كل واحد من العرش والشرع قلب الآخر وعكسه السوى المستوى انتهى باختصار قال فى التأويلات النجمية لما اتم خلق المكونات من الانواع الستة استوى على العرش بعد الفراغ من خلقها استواء التصرف فى العالم وما فيه التدبر فى اموره من العرش الى تحت الثرى وانما خص العرش بالاستواء لانه مبدأ الاجسام اللطيفة القابلة للفيض الرحمانى وهذا الاستواء صفة من صفات اللّه تعالى لا يشبه استواء المخلوقين كالعلم صفة من صفاته لا يشبه علم المخلوقين اذ ليس كمثله شئ وهو السميع العليم ولو امعنت النظر فى خصوصية خلافتك الحق تعالى لعرفت نفسك فعرفت ربك وذلك ان اللّه تعالى لما اراد خلق شخصك من النطفة المودعة فى الرحم استعمل روحك بخلافته ليتصرف فى النطفة ايام الحمل فيجعلها عالما صغيرا مناسبا للعالم الكبير فيكون بدنه بمثابة الارض ورأسه بمثابة السماء وقلبه بمثابة العرش وسره بمثابة الكرسى وهذا كله بتدبير الروح وتصرفه خلافة عن ربه ثم استوى الروح بعد فراغه من الشخص الكالم على عرش القلب استواء مكانيا بل استوى ليتصرف فى جميع اجزاء الشخص ويدبر اموره بافاضة فيضه على القلب فان القلب هو القابل لفيض الحق تعالى الى المخلوقات كلها كما ان القلب مغتنم فيض الروح الى القالب كله فاذا تأملت فى هذا المثال تأملا شافيا وجدته فى نفى الشبيه عن الصفات المنزهة المقدسة كافيا وتحققت حقيقة من عرف نفسه فقد عرف ربه ان شاء اللّه تعالى ثم انه تعالى لما ذكر استواءه على العرش واخبر بما اخبر من نفاذ امره واطراد تدبيره بين ذلك بطريق الاستئناف فقال { يغشى الليل النهار } اى يجعل الليل غاشيا يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار ويغطيه بظلمة الليل ولم يذكر العكس اكتفاء باحد الضدين وفيه اشارة الى ليل ظلمات النفس عند استيلا صفاتها وغلبات هواها على نهار انوار القلب والى نهار القلب غلبات انواره واستيلاء المحبة عليه { يطلبه حثيثا } حال من الليل اى يجعل الليل غاشيا للنهار حال كون الليل طالبا له اى لمجيئه عقيب الليل سريعا. وحثيثا منصوب على انه صفة مصدر محذوف اى يطلبه طلبا حثيثا اى سريعا ولما كان كل واحد من الليل والنهار يعقب الآخر ويجئ بعده من غير ان يفصل بينهما بشئ صار كأنه يطلب الآخر على منهاج واحد { والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره } عطف على السموات اى خلق كل هذه المخلوقات حال كونها مستخرات بقضائه وتصرفه اى مذللت لما يراد منها من الطلوع والافول والحركات المقدرة والاحوال الطارئة عليها { ألا } تنبيه معناه اعلموا { له } اى للّه تعالى والتقديم للتخصيص { الخلق والامر } فانه الموجد للكل والمتصرف فيه على الاطلاق وفى التأويلات النجمية ما خلق بامره تعالى من غير واسطة امر وما خلق بواسطة خلق وذكر الامام ان العالم وهو ما سوى اللّه تعالى منحصر فى نوعين عالم الخلق وعالم الامر وان المراد بعالم الخلق عالم الاجساد والجسمانيات وبعالم الامر عالم الارواح والمجردات وان قوله تعالى { ألا له الخلق والامر } اشارة الى هذين العالمين عبر عن العالم الاول بعالم الخلق لان الخلق عبارة عن التقدير وكل ما كان جسما او جسمانيا كان مخصوصا بمقدار معين فعبر عنه بعالم الخلق وكل ما كان مجردا عن الحجم والمقدار كان من عالم الارواح ومن عالم الامر مكونات بمجرد امركن فخص كل واحد منهما باسم مناسب له وقيل ألا له الخلق والامر انتهى كلام الامام وقال حضرة شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة الخلق عالم العين والكون والحدوث روحا وجسما والامر عالم العلم والالة والوجوب وعالم الخلق تابع لعالم الامر اذ هو اصله ومبدأه { قل الروح من أمر ربى } واللّه غالب على امره { تبارك اللّه رب العالمين } اى تعالى بالوحدانية فى الالوهية وتعظم بالتفرد فى الربوبية قال ابن الشيخ اى تعاظم الاله الواحد الموجد للكل المتصرف فيه بالربوبية رد به على الكفرة الذين كانوا يتخذون اربابا فدعاهم الى التوحيد بالحكمة والحجة وصدر الآية بان ردا لانكارهم فقال ان ربكم المستحق للربوبية ليس الا واحدا وهو اللّه الموجد للكل على الترتيب المحكم المتقن الدال على كمال العلم والحكمة والقدرة وهو الذى انشأ ملكه على ما يشاهد ثم اخذ فى تدبيره كالملك المتمكن فى مملكته بتدبير ملكه انتهى يروى ان الصاحب ابن عباد كان يتردد فى معنى الرقيم وتبارك والمتاع ويدور على قبائل العرب فسمع امرأة تسأل اين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم هو ما يبل بالماء فيمسح به القصاع وان تبارك بمعنى صعد وتعالى وفى الحديث ( من لم يحمد اللّه على عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط عمله ومن زعم ان اللّه خلق للعباد من الامر سببا فقد كفر بما انزل اللّه على انبيائه ) لقوله تعالى { ألا له الخلق والامر } قال الشاعر الى اللّه كل الامر فى خلقه معا ... وليس الى المخلوق شئ من الامر ٥٥ { ادعوا ربكم } بمعنى المربى من التربية وهى تبليغ الشئ الى كماله شيأ فشيأ وهو تعالى مربى الظواهر بالنعمة وهى النفوس ومربى البواطن بالرحمة وهى القلوب ومربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ومربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ومربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة وهو اى الرب اسم اللّه الاعظم ولذلك كل اسم قلبته بطل معناه الا الرب فان مقلوبه البر وهو من اسمائه تعالى واليه يشير ما روى عن الخضر عليه السلام انه قال الاسم الاعظم ما دعا به كل نبى وولى وعدو اشار الى انه مقدمة دعوات الانبياء نحو { ربنا ظلمنا انفسنا } الآية ونحوه والصحابة نحو { ربنا ما خلقت هذا باطلا } الآيات والاعداد نحو { رب فأنظرنى } { ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا } { تضرعا وخفية } التضرع [ زارى كردن ] كذا فى تاج المصادر يقال ضرع الرجل يضرع ضراعة من باب فتح اى خضع وذل هما حالان من فاعل ادعوا اى متضرعين متذللين مخفين الدعاء ليكون اقرب الى الاجابة لكون الاخفاء دليل الاخلاص والاحتراز عن الرياء روى عن الصحابة رضى اللّه عنهم انهم كانوا فى غزوة فاشرفوا على واد فجعلوا يكبرون ويهللون رافعى اصواتهم فقال عليه السلام لهم ( اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا بصيرا قريبا وانه لمعكم ) اى بالعلم والاحاطة وفى الحديث استحباب الاخفاء فى ذكر اللّه لكن ذكر شارح الكشاف ان هذا بحسب المقام والشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لينقلع عن قلبه الخواطر الراسخة فيه كذا فى شرح المشارق لابن الملك قال حسين الكاشفى فى الرسالة العلية [ اى درويش قومى كه كمين كاه نفس را ديدندودا نستند ذكر بجهر كفتن مناسب نديدند كه بريا انجامد ومخفى بذكر مشغول شدند وقول حق تعالى راكه ] { واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة } [ كاربستند وجمعى كه بمرتبة اخلاص رسيدند وباطن خودرا از ريا باك يافتند ذكر را بجهر كفتند وهريكى ار ازين وطائفه بر عمل خود دلائل است ] : وفى المثنوى كفت ادعوا اللّه بى زارى مباش ... تابيايد فيضهاى دوست فاش تا سقاهم ربهم آيد خطاب ... تشنه باش اللّه اعلم بالصواب وعن عمر رضى عنه قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اذا رفع يديه فى الدعاء لا يردهما حتى يمسح بهما وجهه وذلك ليصل شئ من البركة الفائضة على اليد الى الوجه كما قال تعالى { سيماهم فى وجوههم من اثر السجود } وذلك المسح فى الحقيقة رجوع الى الحقيقة الجامعة فان الوجه هو الذات كما قال فى الاسرار المحمدية ان الانسان حال دعائه متوجه الى اللّه تعالى بظاهره وباطنه ولذا يشترط حضور القلب فيه وصحة الاستحضار فسر الرفع والمسح ان اليد الواحدة مترجمة عن توجهه بظاهره واليد الاخرى عن توجهه بباطنه واللسان مترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك والتنبيه على الرجوع الى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن لان وجه الشئ حقيقته والوجه الظاهر مظهرها وقال ايضا السنة للداعى فى طلب الحاجة له ان ينشرهما يعنى كفيه الى السماء وللمكروب ان ينصب ذراعيه حتى يقابل بكفيه وجهه واذا دعا على احد ان يقلب كفيه ويجعل ظهرهما الى السماء والسنة ان يخرج يديه حين الدعاء من كميه قال سلطان العارفين ابو يزيد البساطمى دعوت اللّه ليلة فاخرجت احدى يدى والاخرى ما قدرت على اخراجهما من شدة البرد فنمت فرأيت فى منامى ان يدى الظاهرة مملوءة نورا والاخرى فارغة فقلت ولم ذاك يارب فنوديت اليد التى خرجت ان يدى الظاهرة مملوءة نورا والاخرى فارغة فقلت ولم ذاك يا رب فنوديت اليد التى خرجت للطلب ملأناها والتى توارت حرمناها ورفع الايدى الى السماء والنظر اليها وقت الدعاء بمنزلة ان يشير سائل الخزانة السلطانية ثم بطلب من السلطان ان يفيض عليه سجال العطاء من هذه الخزانة قال تعالى { وفى السماء رزقكم وما توعدون } فالسماء قبلة الدعاء ومحل نزول البركات والافضل ان يبسط كفيه ويكون بينهما فرجة وان قلت ولا يضع احدى يديه على الاخرى فان كان وقت عذر او برد فاشار بالمسبحة قام مقام بسط كفيه. والمستحب ان يرفع يديه عند الدعاء بحذاء صدره كذا روى ابن عباس رضى اللّه عنهما فعل النبى عليه السلام كذا فى القنية { انه لا يحب المعتدين } اى المجاوزين ما امروا به فى الدعاء وغيره نبه به على ان الداعى ينبغى ان لا يطلب ما لا يليق كرتبة الانبياء والصعود الى السماء وقيل هو الصباح فى الدعاء والاسهاب فيه وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم ( سيكون قوم يعتدون فى الدعاء وحب المرء ان يقول اللّهم انى اسألك الجنة وما قرّب اليها من قول وعمل واعوذ بك من النار وما قرّب اليها من قول وعمل ثم قرأ انه لا يحب المعتدين ) فاللائق للداعى ان يدعو باهمّ الامور وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار كما قال النبى عليه السلام للاعرابى الذى قال انى اسأل اللّه الجنة واعوذ به من النار انى لا اعرف دندنتك ولا دندنة معاذ وقال ( حولهما ندندن ) ومعناه انى لا اعرف ما تقول انت ومعاذ يعنى من الاذكار والدعوات المطولة ولكنى اختصر على هذا المقدار فاسأل اللّه الجنة واعوذ به من النار ومعنى قوله عليه السلام ( حولهما ندندن ) ان القصد بهذا الذكر الطويل الفوز بهذا الاجر الجزيل ٥٦ { ولا تفسدوا فى الارض } بالكفر والمعاصى { بعد اصلاحها } ببعث الانبياء وشرع الاحكام قال الحدادى وقيل معناه لا تعصوا فى الارض فيمسك المطر عنها ويهلك الحرث بمعاصيكم { وادعوه خوفا وطمعا } مصدران فى موقع الحال اى خائفين من الرد لقصور اعمالكم وعدم استحقاقكم وطامعين فى اجابته تفضلا واحسانا لفرط رحمته { ان رحمة اللّه قريب من المحسنين } وتذكير قريب مع انه مسند الى ضمير الرحمة لتأويل الرحمة بالرحم فان الرحم بضم الراء بمعنى الرحمة قال اللّه تعالى { واقرب رحما } قال الكسائى اراد ان اتيان رحمة اللّه قريب كقوله { وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } اى لعل اتيانها والمعنى ان رحمة اللّه قريب من الداعين بلسان ذاكر شاكر وقلب حاضر طاهر وترجيح للطمع وتغليب لجانب الرحمة وتنبيه على وسيلة الاجابة اعنى الاحسان المفسر ( بان تعبد اللّه كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ) وفى الحديث ( ادعوا اللّه وانتم موقنون بالاجابة ) يعنى ليكن الداعى ربه على يقين بان اللّه يجيب لان رد الدعاء اما للعجز فى اجابته او لعدم كرم فى المدعو او لعدم علم المدعو بدعاء الداعى وهذه الاشياء منتفية عن اللّه تعالى فانه عالم كريم قادر لامانع له من الاجابة قال سهل ما اظره عبد فقره الى اللّه تعالى فى وقت الدعاء فى شئ يحل به الا قال اللّه تعالى لملائكته لولا انه لا يحتمل كلامى لأجبته لبيك وحكى ان موسى عليه السلام مرّ برجل يدعو ويتضرع فقال موسى لو كانت حاجته بيدى لقضيتها فاوحى اللّه تعالى اليه انا ارحم به منك ولكنه يدعونى وله غنم وقلبه فى غنمه وانا لا اقبل دعوة عبد قلبه عند غيرى فذكر ذلك للرجل فتوجه الى اللّه بقلبه فقضيت حاجته فيلزم حضور القلب وحسن الظن باللّه فى اجابة الدعاء وحكى عن بعض البله وهو فى طواف الوداع انه قال له رجل وهو يمازحه هل اخذت من اللّه براءتك من النار فقال الابله لا وهل اخذ الناس ذلك فقال نعم فبكى ذلك الابله ودخل الحجر وتعلق باستار الكعبة وجعل يبكى ويطلب من اللّه ان يعطيه كتابه بعتقه من النار فجعل اصحابه والناس يلومونه ويعرفونه ان فلانا مزح معك وهو لا يصدقهم بل بقى مستقرا على حاله فبينا هو كذلك اذ سقطت عليه ورقة من جهة الميزاب فيها مكتوب عتقه من النار فسرّ بها واوقف الناس عليها وكان من آية ذلك الكتاب ان يقرأ من كل ناحية على السواء لا يتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها فلعم الناس انه من عند اللّه. قيل دعاء العامة بالاقوال. ودعاء الزاهدين بالافعال. ودعاء العارفين بالاحوال واذا وفق اللّه عبدا الى نطق بامر مّا فما وفقه اليه الا وقد اراد اجابته فيه وقضاء حاجته وعدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند اهل الطريقة لانه كالمقاومة مع اللّه ودعوى التحمل لمشاقه كما قال الشيخ المحقق ابن الفارض قدس سره ويحسن اظهار التجلد لعلدى ... ويقبح غير العجز عند الاحبة قال الحافظ فقير خسته بدركاهت آمدم رحمى ... كه جز دعاى توام نيست هيج دست آويز [ ودر منا جات شيخ الاسلام است كه خدايا اكر وفاداران بتواميد دارند جفا كاران نيز بغير توبناهى ندارند ] والاشارة ان التضرع ما يطلع عليه الخلق والخفية ما يطلع عليه الحق اى تضرعا بالجوارح وخفية بالقلوب والاعتداء فى الدعءا طلب الغير منه والرضى بما سواه ولا تفسدوا فى الارض اى فى ارض القلوب بعد اصلاحها اى بعد ان اصلحها اللّه برفع الوسائط بينه وبين القلوب فان فساد القلوب فى رؤية غير الحق وصلاحها فى رؤية الحق ويقال من افساد القلوب بعد اصلاحها ارسالها فى اودية المنى بعد امساكها عن متابعة الهوى ومن ذلك الرجوع الى الحظوظ بعد القيام بالحقوق وادعوه خوفا من الانقطاع وطمعا فى الاصطناع ان رحمة اللّه وهى بذل المتمنى قريب من المحسنين الذين يرون اللّه فى الطاعات اى يعبدونه طمعا فهي لامنه كذا فى التأويلات النجمية ٥٧ { وهو الذى يرسل الرياح } كل ما كان فى القرآن من ذكر الرياح فهو للرحمة وما كان من ذكر الريح فهو للعذاب ويدل عليه انه عليه الصلاة والسلام كان يجثو على ركبتيه عند هبوب الرياح ويقول ( اللّهم اجعلها لنا رياحا ولا تحملها ريحا اللّهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك ) وفى الحديث ( لا تسبوا الريح فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللّهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما امرت به نعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما امرت به ) قال بعض المشايخ لا تعتمد على الريح فى استواء السفينة وسيرها وهذا شرك فى تويحد الافعال وجهل بحقائق الامور ومن انكشف له امر العالم كما هو عليه يعلم ان الريح لا تتحرك بنفهسا بل لها محرك والمحرك له محرك الى ان ينتهى الى المحرك الاول الذى لا محرك له ولا يتحرك هو فى نفسه ايضا بل هو منزه عن ذلك وعما يضاهيه سبحانه { بشرا } تخفيف بشر بضمتين جمع بشير نحو رغيف ورغف اى مبشرات { بين يدى رحمته } اى قدام رحمته التى هى المطر فان الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدّره والدبور تفرقه. الصبا ريح تهب من موضع طلوع الشمس عند استواء الليل والنهار. والدبور ريح تقابل الصبا اى تهب من موضع غروب الشمس. والشمال بالفتح الريح التى تهب من ناحية القطب والجنوب الريح التى تقابل الشمال والجنوب تدر السحاب اى تستحلبه قال ابن عباس رضى اللّه عنهما يرسل اللّه الرياح فتحمل السحاب فتمريه كما يمرى الرجل الناقة والشاة حتى تدر وفى الآية اطلاق الرحمة على المطر فقول من قال انى افر من الرحمة محمول على المطر { حتى اذا اقلت } غاية لقوله يرسل { سحابا } اى حملته ورفعته باليسر والسهولة بان وجدته خفيفا قليلا يقال اقللت كذا اى حملته بالسهولة ومن حمل الشئ بسهولة لا شك انه يعده قليلا فلذلك اشتق هذا الفعل من القلة { ثقالا } جمع ثقيل اى بالماء جمعه مع كونه وصفا للسحاب لان السحاب اسم جنس يصح اطلاقه على سحابة واحدة وما فوقها فيكون بمعنى الجمع اى السحائب والسحاب هو الغيم الجارى فى السماء { سقناه } من السوق والضمير للسحاب والافراد باعتبار اللفظ والمعنى بالفارسية [ برانيم ما آن ابررا ] { لبلد ميت } اى لا حياء بلد لا نبات فيه والبلد يطلق على كل موضع من الارض سواء كان عامرا اى ذا عمارة او غير عامر خاليا او مسكونا والطائفة منها بلدة والجمع بلاد { فانزلنا به الماء } اى بالبلد والباء للالصاق اى التصق انزال الماء بالبلد { فاخرجنا به } اى سبب ذلك الماء { من كل الثمرات } اى من كل انواعها والظاهر ان الاستغراق عرفى { كذلك نخرج الموتى } الاشارة فيها الى اخراج الثمرات او الى احياء البلد الميت اى كما نحييه باحداث القوة النباتية فيه وتطريته بانواع النبات والثمرات نخرج الموتى من الاجداس ونحييها برد النفوس الى مواد ابدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس { لعلكم تذكرون } بطرح احدى التاءين اى تتذكرون فتعلمون ان من قدر على هذا من غير شبهة قال ابن عباس وابو هريرة اذا مات الناس كلهم فى النفخة الاولى مطرت السماء اربعين يوما قبل النفخة الاخيرة مثل منى الرجال فينبتون من قبورهم بذلك المطر كم ينبتون فى بطون امهاتهم وكما ينبت الزرع من الماء حتى اذا استكملت اجسادهم نفخ فيها الروح ثم يلقى عليهم نومة فينامون فى قبورهم فاذا نفخ فى الصور النفخة الثانية وهى نفخة البعث جاشوا وخرجوا من قبورهم وهم يجدون طعم النوم فى رؤسهم كما يجده النائم اذا استيقظ من نومه فعند ذلك يقولون من بعثنا من مرقدنا فيناديهم المنادى هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون والاشارة فى الآية ان الرياح رياح العناية والسحاب سحاب الهداية والماء ماء المحبة فيخرج اللّه تعالى بهذا الماء سمرات المشاهدات والمكاشفات وانواع الكمالات كذلك نخرج الموتى اى موتى القلوب من فبور الصدور لعلكم تذكرون اى تذكرون ايام حياتكم دون حياض الانس ورياض القرب عند حظائر القدس واعلم ان العمدة هى العناية الازلية وهى تصل الى العباد فلا الخلا والملا حكى انه قيل لولى من اولياء اللّه تعالى اذهب الى دار الشكر فان فيها صديقا فكان ذلك الولى يقدر على الاختفاء فذهب الى دار المشركين فاسره مشرك وباعه لخادم كنيسة فخدم فيها زمانا بالصدق فجاء السلطان يوما الى الكنيسة فخلاها ثم صلى فاستتر الولى ثم ظهر للسلطان فقال من انت قال مسلم مثلك وقيل للولى هو الصديق ثم سأل الولى ذلك السلطان الصديق عن حاله فقال فى احسن الاحوال وارغد عيش آكل الرزق الحلال وابعد خالصا عن الرياء واقتل الكفار واعين المسلمين بحيث لو كنت سلطانهم ما قدرت ثم خرج من الكنيسة وقعد عند بابها فسأل عنى البطارقة والرهبان والخدام ثم قتل الكل وقال تتكبرون عن خدمة بيت الرب بانفسكم وتستخدمون غير اهل الملة ثم خلى سبيلى وفى هذه الحكاية اشارة الى ان اللّه تعالى اذا اراد اهلك العدو بادنى سبب من يحث لا يحتسب فان له الطافا خفية : قال الحافظ تيغى آسمانش ازفيض خوددهد آب ... تنها جهان بكيرد بى منت سباهى وقال ايضا دلاطمع مبراز لطف بى نهايت دوست ... كه ميرسدهمه را لطف بى نهايت او فنظر اهل التوحيد وارباب البصيرة الى المؤثر الحقيقى والفيض الازلى لا الى الخلق والوسائط والاسباب نسأل اللّه تعالى ان يجعلنا من الذين فازوا بالسعادة الابدية والعناية السرمدية ويسلك بنا مسلك الحقيقة والطريقة الاحمدية انه هو البر الرحيم ٥٨ { والبلد الطيب } اى الارض الكريمة التربة وفى التفسير الفارسى [ وزمين باك ازسنك وريك كه شايسته وصالح زراعت باشد ] { يخرج نباته باذن ربه } بمشيئته وتيسيره ما اذن اللّه فى خروجه لا يكون الا احسن اكثر عزيز النفع { والذى خبث } والبلد الذى خبث ترابه كالحرة والسبخة الحرة ارض ذات حجارة سود كأنها احرقت بالنار والسبخة الارض المالحة التى لا تنبت شيئا { لا يخرج } نباته فى حال من الاحوال { الا } فى حال كونه { نكدا } قليلا عديم النفع فهو مستثنى مفرغ من اعم الاحوال. والنكد بكسر الكاف القليل الخير الممتنع عن افادة النفع على جهة البخل والضنة والمصدر النكد بفتحتين يقال نكد عيشهم بكسر الكاف ينكد بالفتح نكدا اذا اشتد عيشهم وضاق { كذلك } اى مثل ذلك التصريف البديع { نصرف الآيات } نرددها ونكررها { لقوم يشكرون } نعمة اللّه فيتفكرون فيها ويعتبرون بها وتخصيصهم بالذكر لانهم المنتفعون بها كقوله تعالى { هدى للمتقين } والآية مثل لارسال الرسل عليهم السلام بالشرائع الى هى ماء حياة القلوب الى المكلفين المنقسمين الى المقتبسين من انوارها والمحرومين من مغانم آثارها وفى التفسير الفارسى [ هركاه كه باران مواعظ ازسحاب كلام رب الارباب بردل مؤمن بارد انوار طاعات وعبادات برجوارح او ظاهر كردد جون كافر استماع سخن كند زمين دلشن تخم نصحيت قبول نكند ازو هيج صفت كه بكار آيددر ظهور نيايد ] : قال السعدى قدس سره زمين شوره سنبل برنيارد ... دروتخم عمل ضايع مكردان وقال الحافظ قدس سره كوهر باك بيايدكه شود قابل فيض ... ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود وعن عبداللّه بن مهران قال حج الرشيد فوافى الكوفة فاقام بها اياما ثم امر بالرحيل فخرج الناس وخرج بهلول المجنون فيمن خرج فجلس بالكناسة والصبيان يؤذونه ويولعون به اذ اقبلت هوادج هارون فكف صبيان عن الولوع به فلما جاء هارون نادى باعلى صوته يا امير المؤمنين حدثنا ايمن بن نائل عن قدامة بن عبداللّه العامرى قال رأيت النبى صلى اللّه عليه وسلم يمضى على جمل وتحته رحل رث فلم يكن ضرب ولا طرد ولا اليك اليك وتواضعك فى سفرك هذا يا امير المؤمنين خير لك من تكبرك فبكى هارون حتى سقطت الدموع على الارض وقال يا بهلول زدنا يرحمك اللّه فقال هب انك قد ملكت الارض طرا ... وان لك العباد فكان ما ذا أليس غدا مصيرك جوف قبر ... ويحثو الترب هذا ثم هذا فبكى هارون ثم قال احسنت يا بهلول هل غيره قال نعم يا امير المؤمنين رجل آتاه اللّه مالا وجمالا فانفق فى ماله وعف فى جماله كتب فى خالص ديوان اللّه من الابرار فقال احسنت يا بهلول ثم امر له بجائزة فقال اردد الجائزة الى من اخنتها منه فلا حاجة لى فيها قال يا بهلول ان يكن عليك دين قضيناه قال يا امير المؤمنين لا يقضى دين بدين اردد الحق الى اهله واقض دين نفسك يا امير المؤمنين انا وانت من عيال اللّه تعالى فمحال ان يذكرك وينسانى فاسبل هارون السجاف ومضى والمقصود من هذه الحكاية بيان استماع هارون الحق وقبوله وذلك لانه كان كالمكان الزاكى وقلبه حيا بالحياة الطيبة فلذا لم يخرج منه الا الاخلاق الحميدة واما ارض النفس الامارة التى هى البلد الخبيث فلا يخرج منها الا الاخلاق الذميمة والافعال الرديئة فمن كان قلبه حيا بنور اللّه انعكس نور قلبه على نفسه فتنورت النفس فتبدلت اوصافها باوصاف القلب وتلاشت ظلمتها بنور القلب فيطمئن الى ذكر اللّه وطاعته كما هو من اوصاف القلوب وان كان القلب ميتا والنفس حيه فظلمات صفات النفس تطل على القلب وتبدل صفاته بصفاتها عند استيلاء صفاتها عليه فيحصل اطمئنانه بالدنيا وما فيها نسأل اللّه تعالى ان يجعل اطمئناننا الى ذكره وفكره وشكره ويجعلنا من الذين يعرفون قدر نعمة اللّه وحق المنعم ٥٩ { لقد ارسلنا نوحا الى قومه } جواب قسم محذوف تقديره واللّه لقد ارسلنا نوحا وهو ابن لمك بن متوشلخ بن اخنوخ وهو ادريس النبى بن يرد بن مهلا بيل بن قينان بن انوش بن آدم عليهم السلام ونوح اول نبى بعد ادريس بعد شيث وكان نوح نجارا بعثه اللّه الى قومه على رأس اربعين سنة وكان عمره الفا ومائتين واربعين سنة وفى التفسير الفارسى { الى قومه } [ بسوى قوم او كه اكثر اولاد قابيل بودند وبت مى برستيدند ] وذلك ان قابيل لما قتل اخاه هابيل طرده آدم فسكن مع اولاده واتباعه فى اليمن وهو اول من عبد الصنم { فقال } اى نوح { يا قوم اعبدوا اللّه } وحده فان العبادة بالاشراك ليس من العبادة فى شئ { وما لكم من اله غيره } اى من مستحق للعبادة وغيره بالرفع صفة لاله باعتبار محله الذى هو الرفع على الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ والخبر لكم { انى اخاف عليكم } اى ان لم تعبدوه حسبما امرت به وهو بيان للداعى الى عبادته { عذاب يوم عظيم } اى ع ذاب يوم القيامة او يوم الطوفان ٦٠ { قال الملأ من قومه } استئناف اى الرؤساء من قومه والاشراف الذين يملأون صدور المحافل باجرامهم والقلوب بجلالهم وهيبتهم والابصار بجمالهم وبهجتهم { انا لنراك } يا نوح { فى ضلال } ذهاب عن طريق الحق والصواب لمخالفتك لنا والرؤية قلبية { مبين } بين كونه ضلالا ٦١ { قال } استئناف ايضا { يا قوم } ناداهم باضافتهم اليه استمالة لقلوبهم نحو الحق { ليس بى } الباء للملابسة او للظرفية { ضلالة } بالغ فى النفى حيث نفى عن نفسه ملابسة ضلاله واحدة اى ليس بى شئ من افراد الضلال وجزئياته فضلا عن ان يكون بى ضلال عظيم بين كما بالغوا فى الاثبات حيث جعلوه مستقرا فى الضلال الواضح كونه ضلالا { ولكنى رسول } اى رسول كائن { من رب العالمين } فمن لابتداء الغاية مجازا والرسالة يلزمها الهدى التام الغير القابل للضلال فاستدرك الملزوم ليكون كالبرهان على استدراك اللازم كأنه قال ولكنى على هدى كامل فى الغاية لانى رسول من رب العالمين ٦٢ { ابلغكم رسالات ربى } الرسالة صفة واحدة قائمة بذات الرسول متعلقة بالاضافة الى المرسل والمرسل اليه الا انها جمعت نظرا الى تعددها بحسب تنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والاحكام او لان المراد بها ما اوحى اليه والى الانبياء قبله كصحف شيث وهى خمسون صحيفة وصحف ادريس وهى ثلاثون صحيفة { وأنصح لكم } زيادة اللام مع تعدى النصح بنفسه يقال نصحتك للدلالة على امحاض النصح لهم وانها لمنفعتهم ومصلحتهم خاصة فانه رب نصيحة ينتفع بها الناصح ايضا وليس الامر ههنا كذلك والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة ان تبيلغ الرسالة معناه ان يعرف انواع تكاليف اللّه واحكامه والنصيحة المراد بها الترغيب فى الطاعة والتحذير من المعاصى والارشاد الى ما فيه مصالح المعاد قال الحدادى النصح اخراج الغش من القول والفعل { وأعلم من اللّه ما لا تعلمون } اى اعلم من قدرته القاهرة وبطشه الشديد على اعدائه وان بأسه لا يرد عن القوم المجرمين ما لا تعلمونه قيل كانوا لم يسمعوا بقوم حل بهم العذاب قبلهم فكانوا غافلين آمنين لا يعلمون ما علمه نوح عليه السلام بالوحى ٦٣ { أو عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم } الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى استبعدتم وعجبتم من ان جاءكم وحى او موعظة من مالك اموركم ومربيكم { على رجل منكم } اى على لسان رجل من جنسكم فانهم كانوا يتعجبون من ارسال البشر ويقولون لا مناسبة بينه تعالى وبين البشر من حيث انه تعالى فى غاية التقدس والتنزه والبشر فى غاية التعلق والتكدر فانكر عليهم نوح عليه السلام لانه لا سبيل الى ان يكلف اللّه البشر بنفسه من غير واسطة لان حجاب العظمة والكبرياء يمنع من ان يتحقق بينهم الفيض والاستفاضة فتعين ان يكون التكليف بان يرسل بشرا ذا جهتين يستفيض من عالم الغيب بجهة تجرده وصفاء روحانيته ويفيض لبنى نوعه بجهة مشاركته لهم فى الحقيقة النوعية { لينذركم } علة للمجئ اى ليحذركم عاقبة الكفر والمعاصى { ولتتقوا } منها بسبب الانذار { ولعلكم ترحمون } اى ولتتعلق بكم الرحمة بسبب تقواكم وفائدة حرف الترجى التنبيه على عزة المطلب وان التقوى غير موجبة للرحمة بل هى منوطة بفضل اللّه تعالى وان المتقى ينبغى ان لا يعتمد على تقواه ولا يأمن من عذاب اللّه تعالى ٦٤ { فكذبوه } واستمروا على ذلك فى هذه المدة المتطاولة اذ هو الذى يعقبه الانجاء والاغراق لا مجرد التكذيب روى ان نوحا عليه السلام دعا بهلاك قومه فامره اللّه تعالى بصنع الفلك فلما تم دخل فيه مع المؤمنين فارسل اللّه الطوفان واغرق الكفار وانجى نوحا من المؤمنين فذلك قوله تعالى { فانجيناه والذين معه } من المؤمنين وكانوا اربعين رجلا واربعين امرأة { فى الفلك } متعلق بالاستقرار الذى تعلق به الظرف اى والذين استقروا معه فى الفلك { واغرقنا الذين كذبوا بآياتنا } اى استمروا على تكذيبها وليس المراد بهم الملأ المتصدين للجواب فقط بل كل من اصر على التكذيب منهم ومن اعقابهم. وتقديم ذكر الانجاء على الاغراق للايذان بسبق الرحمة التى هى مقتضى الذات وتقدمها على الغضب الذى يظهر اثره بمقتضى جرأتهم { انهم كانوا قوما عمين } اصله عميين جمع عم اصله عمى على وزن خضر فأعل كاعلال قاض قال اهل اللغة يقال رجل عم فى البصيرة واعمى فى البصر والمعنى عمين قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد غير مستبصرين وهذا العمى مانع عن رؤية الآيات ومشاهدة البينات قال الحافظ : جمال يار ندارد نقاب وبرده ولى ... غبار ره بنشان تا نظر توانى كرد بخلاف اعمى البصر اذا كان مستعدا للنظر فانه كم من اعمى قادر على الرؤية من حيث الحقيقة قال الصائب : دل جو بيناست جه غم ديده اكرنا بيناست ... خانه آيينه را روشنى از روزن نيست وفى الآية اشارة الى نوح الروح الذى ارسله اللّه الى قومه ببلاد القالب وهو القلب وصفاته والنفس وصفاتها ومن صفة الروح العبودية والطاعة ودعوة القلب والنفس وصفاتهما الى اللّه وعبوديته ومن صفات النفس وشأنها تكذيب الروح ومخالفته والاباء عن قبول نصحه والروح يحذر قومه من عبادة الدنيا وزينتها لئلا يحرموا من مساعدة الرحمة فكذبه قومه من النفس وصفاتها فانجينا الروح من ظلمات النفس وتمردها والذين معه وهم القلب وصفاته الذين قبلوا دعوة نوح الرسول وركبوا معه فى الفلك وهو فلك الشريعة والدين فاغرقنا الذين كذبوا بآياتنا اى النفس وصفاتها فى بحر الدنيا وشهواتها انهم كانوا قوما عمين عن رؤية اللّه والوصول اليه هذه حال الانفس والآفاق واهليهما ولو اصغوا الى داعى الحق واجتنبوا عما ارتكبوا لنجوا كما حكى ان الشيخ بقا رضى اللّه عنه كان يوما جالسا على شط نهر الملك فمرت به سفينة فيها جند ومعهم خمر وفواكه ونساء متبرجات وصبيان ومغنى وهم فى غاية من اللّهو والطغيان فقال الشيخ بقا للملاح اتق اللّه وقدم الى اللّه فلم يلتفتوا الى كلامه فقال ايها النهر المسخر خذ الفجرة فنما الماء عليهم حتى طلع الى السفينة فاشرفوا على الغرق فصاحوا بالشيخ واعلنوا بالتوبة فعاد الماء الى حاله وحسنت توبتهم وكانوا بعد ذلك يكثرون من زيارته : قال الحفاظ امروز قدر بند عزيز ان شناختم ... يارب روان ناصح ما ازتوشاد باد فعلى العاقل ان يقبل النصيحة ممن فوقه ودونه فان النصيحة سهلة والمشكل قبولها ونعم ما قال السعدى قدس سره مردبايدكه كيرد اندر كوش ... ورنوشت است بند برديوار اللّهم اجعلنا ممن قبل دعوتك ودخل جنتك ٦٥ { والى عاد } اى وارسلنا الى عاد وهم قوم من اهل اليمن وكان اسم ملكهم عادا فنسبوا اليه وهو عاد بن ارم بن سام بن نوح { اخاهم } اى واحدا منهم فى النسب لا فى الدين كقولهم يا اخا العرب { هودا } عطف بيان لأخاهم وهو هود بن عبداللّه بن رياح بن خلود بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وانما جعل الرسول من تلك القبيلة لانهم أفهم لكلامه واعرف بحاله فى صدقه واماننته واقرب الى اتباعه { قال } استئناف وفى التفسير الفارسى [ قبيلة عاد مردم تن آور وبلند بالا بودند واز ايشان درتمام روى زمين دران زمان قبيلة عظيمة نبود ومردم بسيار بودند ومال فراوان داشتند وعمر در برستش بت مى كذرا نيدند حق سبحانه وتعالى هودرا بديشان فرستاد بس هود بميان قبيله آمد وايشانرا بحق دعوت كرد ] قال { يا قوم } ( اى قوم من ) { اعبدوا اللّه } وحده { ما لكم من اله غيره } غيره بالرفع صفة لاله باعتبار محله وهو الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ ولكم خبره { أفلا تتقون } الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر اى ألا تتفركون فلا تتقون عذاب اللّه تعالى ٦٦ { قال الملأ الذين كفروا من قومه } استئناف كما مر وانما وصف الملأ بالكفر اذ لم يكن كلهم على الكفر كملأ قوم نوح بل كان منهم من آمن به عليه السلام كمرثد بن سعد وكتم ايمانه ولم يظهر الا عند مجيء وقد عاد الى مكة يستغيثون كما سيجئ قال عصت عاد رسولهمو فأمسوا ... عطاشا ما تبلهم السماء لهم صنم يقال له صمود ... يقابله صداء والبهاء فبصرنا الرسول سبيل رسد ... فأبصرنا الهدى وجلى العماء وان اله هود هو الهى ... على اللّه التوكل والرجاء والملأ اشراف القوم وهو فى الاصل بمعنى الجماعة { انا لنراك فى سفاهة } اى متمكنا فى خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين آبائك. والسفاهة فى اللغة خفة الحلم والرأى { وانا لنظنك من الكاذبين } اى فيما ادعيت من الرسالة وفيه اشارة الى ان قلوب قوم هود وسخة خبيثة كقلوب قوم نوح لم يخرج منها الخبث الا نكدا فلما اراد هود عليه السلام ان يبذر فيها بذر التوحيد والمعرفة ولم تكن صالحة وقلما خرج منها الا نبت التسفيه والتكذيب سلكوا طريق سلفهم واخوانهم وصنعوا مثل حالتهم : وفى المثنوى در زمين كرنى شكر ورخود نى است ... باز كويد ياتو انواع نبات زانكه خاك اين زمين باثبات ... ترجمان هرزمين نبت وى است ٦٧ { قال } اى هود عليه السلام سالكا طريق حسن المجادلة مع ما سمع منهم من الكلمة الشنعاء الموجبة لتغليظ القول والمشافهة بالسوء وهكذا ينبغى لكل ناصح { يا قوم ليس بى سفاهة } اى شئ منها ولا شائبة من شوائبها والباء للملابسة او للظرفية { ولكنى رسول من رب العالمين } اى لكنى فى غاية الرشد والصدق لانى رسول رب العالمين فالاستدراك باعتبار ما يلزمه وهو كونه فى الغاية القصوى من الرشد والصدق. والرشد هو الاهتداء لمصالح الدين والدنيا وهو انما يكون بالعقل التام ٦٨ { ابلغكم رسالات ربى وانا لكم ناصح امين } معروف بالنصح والامانة مشهور بين الناس بذلك قد سبق فى القصة المقدمة سرّ جمع الرسالات ومعنى النصح والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة وفى قوله { وانا لكم ناصح امين } تنبيه على انهم عرفوه بالامرين لان الجملة الحالية انما يؤتى بها لبيان هيئة ذى الحال والشئ لا يوصف الا بما يعلم المخاطب اتصافه به او لان فى جعل ذكر متعلق النصح والامانة من قبل المهجور دلالة على انه او حدى فيه موجد للحقيقتين كأنه صناعته ٦٩ { أوعجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم } اى استبعدتم وعجبتم من ان جاءكم وحى من مالك اموركم ومربيكم { على رجل منكم } اى على لسان رجل من جنسكم { لينذركم } ويحذركم عاقبة ما انتم عليه من الكفر والمعاصى فمن فرط الجهالة وغاية الغباوة عجبوا من كون رجل رسولا ولم يتعجبوا من كون الصنم شريكا { واذكروا اذ جعلكم خلفاء } شروع فى بيان ترتيب احكام النصح والامانة والانذار وتفصيلها واذ منصوب باذكروا على المفعولية دون الظرفية اى اذكروا وقت استخلافكم قال صاحب الفوائد يشكل هذا بقولهم اذ وانا وقوعهما ظرفين لازم واجيب بان باب الاتساع واسع قال المولى ابو السعود ولعله معطوف على مقدر كأن قيل لات عجبوا من ذلك وتدبروا فى اموركم واذكروا وقت جعله تعالى اياكم خلفاء { من بعد قوم نوح } اى فى مساكنهم او فى الارض بان جعلكم ملوكان فان شداد بن عاد ممن ملك معمورة الارض من رمل عالج الى شحر عمان قال فى التأويلات النجمية جعل اللّه الخلق بعضهم خلفاء عن بعض وجعل الكل خلفاء فى الارض ولا يفنى جنسا منهم الا اقام قوما خلفاء عنهم من ذلك الجنس فاهل الغفلة اذا انقرضوا اخلف عنهم قوما واهل الوصلة اذا انقرضوا ودرجوا اخلف عنهم قوما { وزادكم فى الخلق } اى فى الابداع والتصوير بالفارسى [ وبيفزود شما ] او فى الناس { بصطة } قامة وقوة فان لم يكن فى زمانهم مثلهم فى عظم الاجرام كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة الصغير ستين ذراعا قال وهب كان رأس احدهم كالقبة العظيمة وكان عين احدهم يفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم والاشارة كما ان اللّه تعالى زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق فكما اوقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود الى المبانى اوقع التباين بني قوم وقوم فيما يرجع الى المعانى قال الفرزدق وقد تلتقى الاسماء فى الناس والكنى ... كثيرا ولكن فرقوا فى الخلائق جمع الخليقة وهى الطبيعة وفى هذا المعنى قال الخاقانى نى همه يك رنك دارد درنيساتها وليك ... ازيكى نى قند خيزد وزدكرنى بوريا { فاذكروا آلاء اللّه } جمع الى بمعنى النعمة وهو تعميم بعد تخصيص { لعلكم تفلحون } لكى يؤديكم ذلك اى ذكر النعم الى الشكر المؤدى الى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب ولما لم يبق للقوم جواب الا التمسك بالتقليد ٧٠ { قالوا } مجيبين عن تلك النصائح الجليلة { أجئتنا } يا هود { لنعبد اللّه وحده } اى لنخصه بالعبادة { ونذر ما كان يعبد آباؤنا } اى نترك الآلهة التى كان آباؤنا يعبدونها ومعنى المجئ فى اجئتنا اما المجئ من مكان اعتزل عن قومه يعبد فيه ربه كما كان يعبد رسول اللّه صلى اللّه لعيه وسلم بحراء فلما اوحى اليه جاء قومه يدعوهم واما من السماء كمجئ الملك منها استهزاء به عليه السلام لانهم كانوا يعتقدون ان اللّه تعالى لا يرسل الا الملك واما القصد على المجاز وهو ان يكون مرادهم بالمجئ مجرد قصد الفعل ومباشرته كأنهم قالوا أتريد منا ان نعبد اللّه وحده وتقصد ان تكلفنا بذلك كما يقال ذهب يشتمنى من غير ارادة معنى الذهاب { فائتينا بما تعدنا } من العذاب المدلول عليه بقوله تعالى { أفلا تتقون } { ان كنت من الصادقين } اى فى الاخبار بنزول العذاب ٧١ { قال } هود عليه السلام { قد وقع عليكم } اى قد وجب فيكون مجازا من باب اطلاق المسبب على السبب فان نزول العذاب عليهم مسبب عن وجوب نزوله فى علمه تعالى { من ربكم } اى من جهته تعالى { رجس } عقاب من الارتجاس الذى هو الاضطراب { وغضب } ارادة انتقام { أتجادلوننى فى اسماء } عارية عن السمى جعل المجادل فيه اسماء مجردة عن المسميات لانهم كانوا يسمون الاصنام آلهة ويزعمون كونهم مستحقين للعبادة والحال انهم بمعزل عن الالوهية واستحقاق العبادة { سميتموها } اى سميتم بها { انتم وآباؤكم ما نزل اللّه بها من سلطان } اى حجة وبرهان فى عبادتها قوله سميتموها صفة للاسماء وكذا قوله ما انزل اللّه وقوله من سلطان مفعول انزل ومن مزيدة والمعنى أتجادلوننى فى مسميات لها اسم بدون ما يليق بها وتوجه الذم للتسمية الصرفة الخالية عن المعنى فلا يلزم ان يكون الاسم هو المسمى قال فى التفسير الفارسى [ فى اسماء دركار اين نامها يعنى اين بتان كه هريك را نامى نهاده آيد بعضى را سائقه مى كفتند وكمان ايشان آن بودكه باران از ايشان مى بارد وبعضى را حافظه مى خواندند بمظنه آنكه نكهبان درسفر ايشانند وهمجنين رازقه وسالمه واين الافظ اسما بودند بى مسما جه اصنام راكه جمادات بودند قدرت برينها نبوده بس هود عليه السلام فرموده كه شما جدال ميكنيد بدين جيزها كه ازورى جهالت شما نام نهاده آيد ايشانرا ] { فانتظروا } مترتب على قوله تعالى قد وقع عليكم اى فانتظروا ما تطلبونه بقولكم فائتينا بما تعدنا { انى معكم من المنتظرين } لما يحل بكم من العذاب ٧٢ { فأنجيناه } الفاء فصيحة كما فى قوله تعالى { فانفجرت } اى فوقع فأنجينا هودا { والذين معه } اى فى الدين { برحمة منا } اى برحمة عظيمة كائنة من جهتنا عليهم وفيه اشارة ان هودا مع رتبة فى النبوة ودرجته فى الرسالة انما نجا برحمة من اللّه هو والذين آمنوا معه ليعلم ان النجاة لا تكون باستحقاق العمل وانما تكون ابتداء فضل من اللّه ورحمة فما نجا الا بفضل الحق سبحانه { وقطعنا دابر } القوم { الذين كذبوا بآياتنا } اى استأصلناهم اى اهلكناهم جميعا بان قطعنا عرقهم واصلهم لان دابر الشئ آخره فقطع دابر القوم اهلاكهم من اولهم الى آخرهم { وما كانوا مؤمنين } عطف على كذبوا داخل معه فى حكم الصلة اى اصروا على الكفر والتكذيب ولم يراعوا عن ذلك أبدا وفيه تنبيه على ان مناط النجاة هو الايمان باللّه تعالى وتصديق آياته كما ان مدار البوار هو الكفر والتكذيب وقصتهم ان عادا كانوا يسكنون اليمن بالاحقاف وهى رمال يقال رمل عالج ودهمان ومرين ما بين عمان الى حضرموت وكانوا قد فشوا فى الارض وقهروا اهلها بقوتهم الى اعطاها اللّه اياهم وكانت لهم اصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث اللّه اليهم هودا نبيا من اوسطهم فى النسب وافضلهم فى الحسب فامرهم ان يوحدوا اللّه ولا يعبدوا غيره وان يكفروا عن ظلم الناس فابوا عليه وكذبوا وقالوا من اشد منا قوة ازدادوا عتوا وتجبرا فامسك اللّه عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان النسا اذا نزل بهم بلاء وجهد مضوا الى البيت الحرام بمكة مسلمهم وكافرهم وسألوا اللّه الفرج وكان اهل مكة يومئذ العماليق اولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان رئيس العماليق يومئذ بمكة رجلا يقال له معاوية بن بكر وكانت امه من عاد فلما قحط المطر من عاد وجهدوا قالوا جهزوا منكم وفدا الى مكة يستقسوا فجهزوا قيل بن عتر ومرثد بن سعد فى سبعين رجلا فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن كبر وهو فى خارج مكة فانزلهم واكرمهم وكانوا اخواله واصهاره فاقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية اسم احداهما وردة واسم الاخرى جرادة فغلبت جرادة على وردة فسميتا جرادتين فلما رأى معاوية طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذى اصابهم شق ذلك عليه وقال قد هلك اخوالى واصهارى جهدا وعطشا وهؤلاء مقيمون عندى واللّه ما ادرى كيف اصنع بهم استحيى ان آمرهم بالخروج الى حاجتهم فيظنون ان ذلك لثقل مقامهم علىّ فشكا ذلك الى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعر تغنيهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك يخرجهم فقال معاوية الا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل اللّه يسقينا غماما فيسقى ارض عاد ان عادا ... قدامسو ما يبينون الكلاما من العطش الشديد فليس ترجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كانت نساؤهمو بخير ... فقد امست نساؤهمو ايامى وان الوحش تأتيهم جهارا ... فلا تخشى لعادى سهاما وانت ههنا فيما اشتهيتم ... نهارمكو وليلكمو التماما فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض يا قوم لقد ابطأتم على اصحابكم فقوموا وادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثد واللّه لا تسقون بدعائكم ولكن ان اطعتم نبيكم هودا وتبتم الى اللّه سقيتم واظهر اسلامه فقالوا لمعاوية احبس عنا مرثدا لا يقدمن معنا مكة فانه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة فقام قيل يستسقى فى المسجد قوال اللّهم انى لم اجئ لمريض فاداوية ولا لاسير فافاديه اللّهم اسقنا فانا قد هلكنا اللّهم اسق عادا ما كنت تسقيهم وقال القوم اللّهم اعط قيلا ما يسألك واجعل سؤلنا مع سؤله فانشأ اللّه تعالى سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب ما شئت فقال اخترت السوداء فانها اكثر السحاب ماء فنودى اخترت دمارا رمدا لا يبقى من آل عاد ولدا ولا شيوخا الا فصاروا همدا ثم ساق اللّه السحابة السوداء التى اختارها قيل بما فيها من النقمة والبلاء الى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها فرحوا وقالوا هذا عارض ممطرنا يقول اللّه تعالى بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شئ بامر ربها اى كل شئ مرت به فجاءتهم من تلك السحابة ريح عقيم سخرها اللّه عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما اى دائما فكانت الريح تحمل الظعن ما بين السماء والارض وتدمغهم بالحجارة وكانوا قد حفروا لارجلهم فى الارض وغيبوها الى ركبهم فجعلت الريح تدخل اقدامهم وترفع كل اثنين وتضرب باحدهما الآخر فى الهواء ثم تلقيهما فى الوادى والباقون ينظرون حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالتراب عليهم فكان يمسع انينهم من تحت التراب فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين فى حظيرة فما كان يصيبهم من الريح الا ما يلين جلودهم وتلذ به انفسهم قالوا ولما اراد اللّه ارسال الريح العقيم الى عاد اوحى الى الريح ان تخرج الى عاد فتنتقم منهم فخرجت على قدر منخر ثور حتى رجفت الارض ما بين المشرق والمغرب فقالت الخزان يا رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لاهلكت ما بين مشارق الارض ومغاربها فاوحى اللّه تعالى اخرجى على قدر خرق الخاتم فخرجت على قدر ذلك قال السدى فلما بعث الريح اليهم ودنت منهم نظروا الى الابل والرحال تطير بهم الريح بين السماء والارض فتبادروا الى البيوت فاخرجتهم الريح من البيوت حتى اهلكتهم على ما ذكر وسبب هلاك الابل وغيرها من الحيوانات اتصالها بملك اهل الغضب والبلية اذا نزلت فانما تنزل عامة وللّه تعالى حكم ومصالح جليلة فى كل ما يحكم ويريد ولما نجا هود ومن معه من المؤمنين اتوا مكة فعبدوا اللّه فيها الى ان ماتوا وهكذا فعل كل نبى هلك قومه ونجا هو مع المؤمنين ق لبعضهم بين الركن والمقام وزمزم تسعة وتسعون نبيا وان قبر هود وشعيب وصالح واسماعيل فى تلك البقعة وسبب الهجرة ان ارض اهل الكفر والمعاصى قد حل فيها غضب اللّه وذهب خيرها فاقتضى كمال الخشية من جلال اللّه تعالى الرحلة الى دار الامان كما قال تعالى { ومن دخله كان آمنا } مع ان امكنة العبادات على طبقات مختلفة متفاوتة فى مراتب الثواب فعمل واحد بمكة خير من الف عمل فى غيرها اذ هى محل انفاس الانبياء ونفوسهم ومحط رحال الاولياء ورؤسهم كما ان حال الازمنة كذلك فطوبى لعبد هاجر من ارض اهل البدعة والهوى ونزل بارض اهل السنة والهدى لان نظر اللّه تعالى على اهل الخير والصلاح واما من اخلد الى ارضه طبيعته وزحزحه عن جنته واراد خسرانه فى تجارته والا فالمهتدى الى سبيل السلام لا يقيم مع الضالين مع وضوح البرهان التام سعد يا حب وطن كرجه حديث است صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من اينجا زادم يقول الفقير اللّهم انى هاجرت من ارض اهل البغى والفساد واخترت سلوك طريق اهل الرشاد فانتقلت من ديار الروم الى ما يلحق بارضك المقدسة اعنى بروسة المحروسة اللّهم ثبت قدمى فى طريقك الحق فانا الحقى ارشدنى الى ما فى الهجرة من السر المطلق آمين يا معين ٧٣ { والى ثمود } اى ارسلنا الى ثمود وهى قبلة من العرب سموا باسم ابيهم الاكبر ثمود بن عاد بن ارم ابن سام بن نوح وكانت مساكنهم الحجر بني الحجاز والشام الى ادى القرى وثمود فى كتاب اللّه مصروف وغير مصروف قال اللّه تعالى { ألا ان ثمودا كفروا ربهم الا بعدا لثمود } فمن صرفه جعله اسما للحى ومن لم يصرفه جعله اسما للقبيلة { اخاهم } من حيث النسب كهود عليه السلام كما تقدم { صالحا } عطف بيان لاخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر ابن ثمود { قال } استئناف { يا قوم } بحذف ياء المتكلم { اعبدوا اللّه } وحده { ما لكم من اله غيره } فيه اشارة الى ان اللّه تعالى وان غاير بين الرسل من حيث الشرائع الا انه جمع بينهم فى التوحيد حيث سلك كل واحد منهم فى الدعوة مسلك الآخر فقال نوح وهود وصالح يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من اله غيره روى انه لما هلكت عاد عمرت ثمود بلادها وخلفوهم فى الارض وكثروا فى خصب وسعة فعتوا على اللّه وافسدوا فى الارض وعبدوا الاصنام فبعث اللّه اليهم صالحا وكانوا قوما عربا وصالح من اوسطهم نسبا فدعاهم الى اللّه تعالى حتى شمط وكبر فلم يتبعه الا قليل منهم مستضعفون فحذرهم وانذرهم فسألوه آية تكون مصداقا لقوله فقال أية آية تريدون قالوا تخرج معنا الى عيدنا فى يوم معلوم لهم من السنة فتدعو الهك وتدعو الهتنا فان استجيب لك اتبعناك وان استجيب لنا اتبعتنا فقال صالح نعم فخرج معهم ودعوا اوثانهم وسألوا الاستجابة فلم تجبهم الى سؤلهم ولم يظهر اثم الانجاح فافتضحوا ثم قال سيدهم جندع ابن عمرو واشار الى صخرة منفردة فى ناحية الجبل يقال لها الكاتبة اخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخدجة على خلقة الجمل فى الجسامة وغلظة العظام والقوائم شبيهة بالبختى جوفاء وبراء عشراء فان فعلت صدقناك واجبناك فاخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن قالوا نعم فصلى ركعتين ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها الا اللّه وهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها فى العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ومنع الباقين من الايمان ذواب بن عمرو والجباب صاحب اوثانهم ورباب كاهنهم بكى بنور عنايت ره هدايت يافت ... يكى بوادى خذلان بماند سر كردان بكى بوسوسه ديورفت سوى سقر ... يكى زبيروى حق كرفت مالك جنان فمكثت الناقة مع ولدها فى ارض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء فبعد ظهور هذه المعجزة قال لهم صالح { قد جاءتكم بينة } اى آية ومعجزة ظاهرة وشاهدة بنبوتى { من ربكم } متعلق بجاءتكم او بمحذوف هو صفة لبينة قال المولى ابو السعود وليس هذا الكلام منه عليه السلام اول ما خاطبهم اثر دعوتهم الى التوحيد بل انما قاله بعد ما نصحهم وذكرهم بنعم اللّه فلم يقبلوا كلامه وكذبوه ألا يرى الى ما فى سورة هود من قوله تعالى { هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها } الى آخر الآيات { هذه ناقة اللّه لكم آية } استئناف كأنه قيل ما هذه البينة فقال هذه ناقة اللّه انبهكم عليها او اشير اليها فى حال كونها آية وعلامة دالة على صحة نبوتى واضافة الناقة الى الاسم الجليل لتعظيمها كما يقال بيت اللّه او لمجيئها من جهته تعالى بلا اسباب معهودة ووسائط معتادة يعنى كانت بالتكوين من غير اجتماع ذكر وانثى ولم تكن فى صلب ولا رحم ولم يكن للخلق فيها سعى ولكم بيان لمن هى آية له وخصوا بذلك لانهم هم الذين طلبوها وينتفعون بها لو تركوا العناد وطلبوا الاهتداء بالدليل والبرهان { فذروها } تفريع على كونها آية من آيات اللّه تعالى فان ذلك مما يوجب عدم التعرض لها اى دعوها { تأكل فى ارض اللّه } جواب الامر اى الناقة ناقة اللّه والارض ارض اللّه فاتركوهها ترتع ما ترتع فى ارض الحجر من العشب فليس لكم ان تحولوا بينها وبينها وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الاكل { ولا تمسوها بسوء } الباء للملابسة اى لا تمسوها ملتبسين بسوء ولا تتعرضوا لها بشئ مما يسوءها اصلا من قتل او ضرب او مكروه اكراما لآية اللّه تعالى والسوء اسم جامع لانواع الاذى ويجوز ان تكون الباء للتعدية والمعنى بالفارسية [ ومرسانيد بوى هيج بدى ] وفيه بمالغة حيث نهى عن المس الذى هو مقدمة الاصابة { فيأخذكم عذاب اليم } جواب اللنهى قال فى التفسير الفارسى [ استحقاق عذاب نه بواسطة ضرر ناقه است بكله باقامت ايشان بركفر بعد ا زشهود معجزه وعقر ناقه دليل عتو ايشانست در كفر ] والاشرة ان المعجزة للعوام ان يخرج لهم من حجارة الصخرة ناقة عشراء والمعجزة للخواص ان يخرج لهم من حجارة القلب ناقة السر بسقب سر السر وهو الخفى وناقة اللّه التى تحمل امانة معرفته وتعطى ساكنى بلد القالب من القوى والحواس لبن الواردات الالهية فذروها تأكل فى ارض اللّه اى ترتع فى رياض القدس وتشرب فى حياض الانس ولا تمسوها بسوء مخالفات الشريعة ومعارضات الطريقة فيأخذكم عذاب اليم بالانقطاع عن مواصلات الحقيقة ٧٤ { واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد } اى اذكروا وقت جعله تعالى اياكم خلفاء فى ارض الحجر او خلفاء لقوم عاد من بعد اهلاكهم فنصب اذا على المفعولية كما سبق فى القصة المتقدمة { وبوأكم فى الارض } اى انزلكم فى ارض الحجر بالفارسى [ جاى داد شمارا ] قال ابو السعود اى جعل لكم مباءة ومنزلا فى ارض الحجر بين الحجاز والشام { تتخذون من سهولها قصورا } استئناف مبين لكيفية التبوئة اى تبنون فى سهولها قصورا رفيعة على ان من بمعنى فى كما فى قوله تعالى { اذا نودى للصلاة من يوم الجمعة } او سهولة الارض بما تعملون منها من اللبن والآجر { وتنحتون الجبال } اى الصخور والنحت نجر الشئ الصلب وانتصاب الجبال على المفعولية { بيوتا } حال مقدرة من الجبال كما تقول خط هذا الثوب قميصا قيل كانوا يسكنون السهول فى الصيف والجبال فى الشتاء وقيل انهم لطول اعمارهم كانوا يحتاجون الى ان ينحتوا من البجال بيوتا لان السقوف والابنية كانت تبلى قبل فناء اعمارهم { فاذكروا آلاء اللّه } اى احفظوا نعم اللّه عليمك فان حق آلائه تعالى ان تكشر ولا يغفل عنها { ولا تعثوا فى الارض مفسدين } العشى اشد الفساد فقيل هم لا تتمادوا فى الفساد حال كونكم مفسدين فالمراد بهذه الحال تعريفهم بانهم على الفساد لا تقييد العامل ولا لكان مفهومه مفيدا معنى تمادوا فى الفساد حال كونكم مصلحين وهذا غير جائز وقيل انما قيد به لما ان العشى فى الاصل مطلق التعدى وان غلب فى الفساد فقد يكون فى غير الفساد كما فى مقابلة غير الظالم المتعدى بفعله وقد يكون فيه صلاح راجح كقتل الخضر عليه السلام للغلام وخرقه السفينة فيكون التقييد بالحال تقييدا للعام بالخاص ٧٥ { قال } استئناف { الملأ } اى الاشراف والرؤساء { الذين استكبروا من قومه } اى تعظموا عن الايمان به { للذين استضعفوا } اللام للتبليغ اى للذين استضعفوهم واستذلوهم { لمن آمن منهم } بدل من الذين استضعفوا بدل الكل والضمير للقوم { أتعلمون } [ اياشما ميدانيد ] { ان صالحا مرسل من ربه } قالوه بطريق الاستهزاء بهم { قالوا } اى المؤمنون المستضعفون { انا بما ارسل به } من التوحيد والعبادة { مؤمنون } عدلوا عن الجواب الموافق لسؤالهم بان يقولوا نعم او نعلم انه مرسل منه تعالى تنبيها على ان ارساله امر معلوم مقرر عندهم حيث اوردوه صلة للموصول ومن المعلوم ان الصلة لا بد ان تكون جملة معلومة الانتساب الى ذات الموصول فكأنهم قالوا لا كلام فى ارساله لانه اظهر من ان يشك فيه عاقل ويخفى على ذى رأى لما اتى به من هذا المعجز العظيم الخارق وانما الكلام فى الايمان به فنحن مؤمنون به فهذا الجواب من اسلوب الحكيم وهو تلقى المخاطب بغير ما يترقب ٧٦ { قال الذين استكبروا انا بالذي آمنتم به كافرون } عدلوا عن الجواب المطابق وهو انا بما ارسل به كافرون لدلالته على ان ارساله معلوم مسلم عندهم كما دل عليه قول المؤمنين فكأنهم قالوا ليس ارساله معلوما لنا مسلما عندنا وليس هناك الا دعواه وايمانكم به ونحن بما آمنتم به كافرون فالمؤمنون فرعوا ايمانهم على الارسال الثابت والكفار فرّعوا كفرهم على ايمان المؤمنين واعلم ان اللّه تعالى ذم الكفار بوجهين احدهما الاستكبار وهو رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق والآخر انهم استضعفوا من كان يجب ان يعظموه ويبجلوه ومدح المؤمنين حيث ثبتوا على الحق والآخر انهم استضعفوا من كان يجب ان يعظموه ويبجلوه ومدح المؤمنين حيث ثبتوا على الحق واظهروه مع ضعفهم عن مقاومة الكفار كما دل عليه قوله { انا بما ارسل به مؤمنون } ٧٧ { فعقروا الناقة } اى نحروها وبالفارسى [ بس بى كردند وبكشتند ناقه را ] اسند العقر الى الكل مع ان المباشر بعضهم للملابسة او لان ذلك كان برضاهم فكأنه فعله كلهم -روى- ان الناقة كانت ترد الماء غبا فاذا كانت يومها وضعت رأسها فى البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها لا تدع قطرة واحدة ثم تصدر من اعلى الفج الذى وردت منه لانها لا تقدر ان تصدر من حيث ترد لضيقه قال ابو موسى الاشعرى اتيت ارض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا وكانوا اذا جاء يومهم وردوا الناء فيشربون ويسقون مواشيهم ويدخرون من الماء ما يكفيهم اليوم الثانى وكانت النق اذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادى فيهرب منها انعامهم الى بطنه واذا وقع البرد تشتت ببطن الوادى فيهرب منه مواشيهم الى ظهره فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان عنيزة ام غنم وصدقة بنت المختار لما اضربت به من مواشيهما وكانتا كثيرتى المواشى قال الحدادى كان فى ثمود امرأة يقال له صدوق كانت جميلة غنية ذات ابل وبقر وغنم وكانت من اشد الناس عداوة لصالح وكانت تحب عقر الناقة لاجل انها اضربت بمواشيها فطلبت ابن عم لها يقال له مصدع بن دهر وجعلت له نفسها ان عقر الناقة فاجابها الى ذلك ثم طلبت قدار بن سالف وكان رجلا احمر ازرق قصيرا يزعمون انه ولد زنى ولكنه ولد على فراش سالف فقالت يا قدار ازوجك اى بناتى شئت على ان تعقر الناقة وكان منيعا فى قومه فاجابها ايضا فانطلق قدار ومصدع فاستعووا عواة فاتاهم تسعة رهط فاجتمعوا على عقر الناقة فاوحى اللّه تعالى الى صالح ان قومك سيعقرون الناقة فقال لهم صالح بذلك فقالوا ما كنا لنفعل ثم تقاسموا باللّه لنبيتنه واهله وقالوا نخرج فيرى الناس انا قد خرجنا الى سفر فنأتى الغار فنكون فيه حتى اذا كان الليل وخرج صالح الى مسجده قتلناه ثم رجعنا الى الغار فكنا فيه فاذا رجعنا قلنا ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون اى يعلمون انا خرجنا فى سفر لنا وكا صالح لا ينام فى القرية وكان له مسجد خارج القرية يقال له مسجد صالح ببيت فيه فاذ اصبح اتاهم فوعظهم واذا امسى خرج الى المسجد فانطلقوا ودخلوا الغار فلما كان الليل سقط عليهم الغار فقتلهم فلما اصبحوا رآهم رجل فصاح فى القرية فقال ما رضى صالح حتى قتلهم فاجتمع اهل القرية على عقر الناقة وقال ابن اسحق انما اجتمع التسعة الذين عقروا الناقة فقالوا هلموا لنقتل صالحا فان كان صالح صادقا منعنا قتله وان كان كذبا الحقناه بناقته فاتوا ليلا فبيتوه فى اهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة وقال بعضهم انطلق قدار ومصدع واصحابهما التسعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن له لها مصدع فى اصل صخرة اخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ثم خرج قدار فعقرها بالسيف فخرت ترغو ثم طعنها فى لبتها ونحرها وخرج اهل البلد واقتسموا لحمها فلما رآها سبقها كذلك رقى جبلا اسمه قارة فارغا ثلاثلا ودموعه تنحدر حتى اتى الصخرة التى خلق منها فانفتحت فدخلها فذلك قوله تعالى { فعقروا الناقة } { وعتوا عن امر ربهم } اى استكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح من الامر بقوله فذروها ومن النهى بقوله ولا تمسوها واستكبروا عن اتباع امر اللّه وهو شرعه ودينه ويجوز ان يكون المعنى صدر عتوهم عن امر ربهم كان امر ربهم بترك الناقة كان هو السبب فى عتوهم ونجوا من هذه كما فى قوله وما فعلته عن امرى كذا فى الكشاف { وقالوا } مخاطبين له عليه السلام بطريق التعجيز والافحام { يا صالح ائتنا بما تعدنا } من العذاب على قتل الناقة { ان كنت من المرسلين } فان كونك من جملتهم يستدعى صدق ما تقول من الوعد والوعيد ٧٨ { فاخذتهم الرجفة } اى الزلزلة الشديدة لكن لا اثر ما قالوا بل بعد ما جرى عليهم ما جرى من مبادئ العذاب فى الايام الثلاثة كما سيجيء ورد فى حكاية هذه القصة { فاخذتهم الرجفة } وفى موضع { فاخذتهم الصيحة } وفى موضع { فاهلكوا بالطاغية } ولا تناقض لان الرجفة مترتبة على الصيحة لانه لما سيح بهم رجفت قلوبهم فماتوا فجاز ان يسند الاهلاك الى كل واحدة منهما وقال الحدادى فأخذتهم الزلزلة ثم صيحة جبريل وفى التفسير الفارسى [ بس فرا كرفت ايشانرا بسبب كشتن ناقه زلزله بعد از سفيدن صيحة عظيم ] واما قوله بالطاغية فالباء فيها سببية والطاغية مصدر بمعنى الطغيان كالعاقبة والتاء للمبالغة كما فى علامة ومعناه اهلكوا بسبب طغيانهم { فأصبحوا فى دارهم } اى صاروا فى اراضيهم وبلدهم او فى مساكنهم { جاثمين } اى خامدين موتى لا حراك بهم واصل الجثوم البروك يقال الناس جثوم اى قعود لا حراك بهم قال ابو عبيدة الجثوم للناس والطير والبروك للابل والمراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب وحركية كما يكون عند الموت المعناد ولا يخفى ما فيه من شدة الاخذ وسرعة البطش اللّهم انا بك نعوذ من نزول سخطك وحلول غضبك قيل حيث ذكرت الصيحة جمعت لان الصيحة كانت من السماء فبلوغها اكثر وابلغ من الزلزلة فقرن كل منهما بما هو أليق به -روى- انهم لما عقروا الناقة هرب ولدها الى جبل فرغا ثلاثا وكان صالح قال لهم بعد بلوغ خبر القتل اليه ادركوا الفصيل عسى ان يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه فانفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها قال صالح لكل رغوة اجل يوم تمتعوا فى داركم اى فى بلادكم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب وقد عقروا الناقة يوم الاربعاء فقال لهم صالح ابشروا بعذاب اللّه ونقمته فقالوا له وما علامة ذلك فقال تصبحون غداة يوم الخميس ووجوهكم مصفرة ثم تصبحون يوم الجمعة وجوهكم محمرة ثم تصبحون يوم السبت ووجوهكم مسودة ثم يصبحكم العذاب اول يوم الاحد فكان الامر كما وثف نبيهم حيث اصبحوا يوم الخميس كأن وجوههم طليت بالزعفران صغيرهم وكبيرهم ذكرهم واناثهم فيقنوا بالعذاب وعلموا ان صالحا قد صدق فطلبوه ليقتلوه فهرب منهم واختفى فى موضع فلم يجدوه فجعلوا يعذبون اصحابه باجمعهم وضجوا وبكوا وعرفوا ان العذاب قددنا اليهم وجعل كل واحد منهم يخبر الآخر بما يرى فى وجهه ثم اصبحةا يوم السبت ووجوههم مسودة كأنها طليت بالقار والنيل فصاحوا جميعا الا قد حضر العذاب فلما كان ليلة الاحد خرج صالح من بين اظهرهم ومن آمن به الى الشام فنزل رملة فلسطين فلما كان يوم الاحد وهو اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر لئلا يتعرض لهم السباع لمرارته وتكفنوا بالانطاع والقوا نفوسهم على الارض يقلبون ابصارهم الى السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوت ورجفة من الارض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير الا هلك فان قلت مشاهدة العلامات المذكورة تلجئ المكلف الى الايمان فهل يحتمل ان يبقى العاقل بعدها مصرا على كفره قلت لما شاهدوا علامات نزول العذاب خرجوا عن حد التكليف فلم تقبل توبتهم بعد ذلك ٧٩ { فتولى عنهم } اثر ما شاهد ما جرى عليهم من الهلاك تولى مغتما متحسرا على ما فاتهم من الايمان متحزنا عليهم { وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالة ربى } [ بيغام برورد كار من كه باداء آن مامور ودم ] { ونصحت لكم } وقت الدعوة بالترغيب والترهيب وبذلت فيكم وسعى { ولكن لا تحبون الناصحين } صيغة المضارع حكاية حال ماضية اى شانكم الاستهزاء على بعض الناصحين لان قول الناصح ثقيل والحق مرّ وهما يفيدان البغضة كما قال قائلهم وكم سقت فى آثاركم من نصيحة ... وقد يستفيد البغضة المتنصح وذلك ايضا من خباثة ارض النفس الخبيثة لم تقبل بذر النصح ولم ينبت فيها -وروى- عن جابر ابن عبد اللّه انه قال لما امر النبى عليه السلام بالحجر فى غزوة تبوك يعنى مواضع ثمود قال لاصحابه ( لا يدخلن احد منكم هذه القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما اصابهم ) ثم قال ( لا تسألوا رسولكم الآيات فان هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث اليهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم وردها واراهم مرتقى الفصيل حيث ارتقى ) ثم اسرع رسول اللّه السير حتى جاوز الوادى وعنه عليه الصلاة والسلام انه قال لعلى ( يا على أتدرى من اشقى الاولين ) قال اللّه ورسوله اعلم قال ( عاقر الناقة ) ثم قال ( أتدرى من اشقى الآخرين ) قال اللّه ورسوله اعلم قال ( قاتلك ) وفى المثنوى ناقه صالح بصورت بد شتر ... بى بريدندش زجهل آن قوم مر ناقة اللّه آب خورد از جوى ميغ ... آب حق را داشتند از حق دريغ شحنع قهر خدا زيشان بجست ... خونبهاى اشترى شهرى درست صالح ازخلوت بسوى شهر رفت ... شهر ديد اندر ميان دود وتفت زاسخوانها شان شنيد اوثالها ... اشك خون ازجان شان جون زالها صالح آن بشنيد وكريه ساز كرد ... نوحه بر نوحه كنان آغار كرد كفت اى قومى بباطن زيسته ... واز شما من بيش حق بكريسته حق بكفته صبركن برجورشان ... بند شان ده بس نماند از دورشان من بكفته بند شد بند از جفا ... شير بند از مهر جوشد وز صفا بس كه كرديد از جفا برجاى من ... شير بند افرسد در ركهاى من حق مرا كفته ترا لطفى دهم ... بر سر آن زخمها مرهم نهم صاف كرده حق دلم را جون سما ... روفته از خاطرم جور شما در نصيحت من شده بار دكر ... كفته امثال سخنها جون شكر شير تازه از شكر انكيخته ... شير شهدى با سخن آميخته درشما جون زهر كشته اين سخن ... زانكه زهرستان بديد از بيخ وبن جون شوم غمكين كه غم شدسر نكون ... غم شما بوديد اى قوم حرون هيج كس برمرك غم نوحه كند ... ريش سر جون شدكسى مو بركند والاشارة الى ان صالح الروح ارسل بنفخة الحق الى بلد القلب وساكنيه ليدعوهم من الاوصاف الرديئة السفلية الظلمانية الحيوانية الى الاخلاق الحميدة العلوية النورانية الروحانية والنفس وصفاتها عقروا ناقة سر القلب بسكاكين مخالفات الحق والاستكبار وعتوا عن امر ربهم من التوحيد والمعرفة فصاروا الى الهلاك وبقوا فى اودية الجهل والانكار عصمنا اللّه واياكم من كل ما يسوء الروح ويمنع الفتوح ٨٠ { ولوطا } اى وارسلنا لوطا وهو لوط بن هاران ابن تارخ فهو ابن اخى ابراهيم كان من ارض بابل العراق فهاجر مع عمه ابراهيم الى الشام ونزل الاردن وهو كورة بالشام فأرسله اللّه الى اهل سدوم بلد بحمص قال فى التفسير الفارسى [ خداى تعالى ويرا بيغمبرى داد وباهل مؤتفكات فرستاد وآن بنج شهر بوده سدوم اعظم مداين بود وديكر عامه وداود وصابورا وصفود كويند درهر شهرى جهار باهزار هزار آدمى بودند لوط عليه السلام بسدوم آمد وخلق را بخجاى تعالى دعوت كرد بيست سال درميان ايشان بود وبخيرات مينمود وازفواحش نهى فرمود ويكى از فواحشها لواطه بود ] كما حكى اللّه تعالى بقوله { اذ قال لقومه } [ مرقوم سدوم را كه لوط عليه السلام درميان ايشان بود ] وهو ظرف لارسلنا المضمر اى ارسلنا لوطا الى قومه وقت قوله لهم قيل الارسال قبل وقته القول لا فيه واجيب بان هذا من قبيل قولك فى ظرف المكان زيد فى ارض الروم فهو ههنا غير حقيقى فيكفى وقوع المظروف فى بعض اجزائه { أتأتون الفاحشة } انكار وتفريغ على تلك الفعلة المتمادية فى القبح اى البالغة الى غاية القبح وهى اللواطة والمعنى أتفعلونها { ما سبقكم بها } ما فعلها قبلكم على ان الباء للتعدية كما فى قوله عليه السلام ( سبقك بها عكاشة ) من قولك سبقته بالكرة اى ضربتها قبله { من احد } من مزيدة لتأكيد لالنفى وافادة الاستغراق { من العالمين } من للتبعيض والجملة استئناف نحوى اى مبتدأة جئ بها تأكيدا للانكار السابق كأنه وبخهم اولا باتيان الفاحشة ثم باختراعها فانه اسوأ ٨١ { انكم لتأتون الرجال } بيان لتلك الفاحشة. قرأ نافع وحفص انكم بطريق الخبر والباقون ائنكم بطريق الاستفهام يقال اتى المرأة اذا غشيها وفى اياد لفظ الرجال دون الغلمان والمردان ونحوهما مببالغة فى التوبيخ { شهوة } مفعول له وفى التقييد بها وصفهم بالبهيمية الصرفة وتنبيه على ان العاقل ينبغى ان يكون الداعى له الى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لاقضاء الشهوة { من دون النساء } اى متجاوزين النساء اللاتى اباح اللّه لكم { بل انتم قوم مسرفون } اضراب عن الانكار المذكور الى الاخبار بحالهم التى ادت بهم الى ارتكاب امثالها وهى اعتياد الاسراف فى كل شيء يعنى انهم قوم عادتهم الاسراف وتجاوز الحد فى كل شيء فمن ثمة اسرفوا فى باب قضاء الشهوة وتجاوزوا عما عين لها الى غيره ٨٢ { وما كان جواب قومه الا ان قالوا } استثناء مفرغ من اعم الاشياء اى ما كان جوابا من جهة قومه شيء من الاشياء الا قول بعضهم لبعض { اخرجوهم } اى لوطا ومن معه من المؤمنين { من قريتكم } اى الا هذا القول الذى يستحيل ان يكون جوابا لكلام لوط وليس المراد لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن مقالات لوط ومواعظه الا هذه المقالة الباطلة كما هو المتسارع الى الافهام بل انه لم يصدر عنهم فى المرة الاخيرة من مرات المحاورات الجارية بينهم وبينه عليه السلام الا هذه الكلمة الشنيعة والا فقد صدر عنهم قبل ذلك كثير من الترهات حسبما حكة عنهم فى سائر السور الكريمة وهذا هو الوجه فى نظائره الواردة بطريق القصر وقوله { من قريتكم } اى من بلدكم فان العرب تسمى المدينة قرية والمراد بلدو سدوم {انهم اناس يتطهرون } اى يطلبون الطهارة من الفواحش قالوه على وجه الاستهزاء والسخرية بهم ٨٣ { فانجيناه } اى لوطا { واهله } ابنتيه رعوزا وريثا وسائر من آمن به فان الاهل يفسر بالازواج والاولاد وبالعبيد والاماء وبالاقارب وبالمجموع واهل الرجل خاصته الذين ينسبون اليه { الا امرأته } واهله فانه تسر الكفر وتغرى الكفار على انكار لوط وهو استثناء من اهله { كانت من الغابرين } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا على حالها فقيل كانت من الغابرين اى الباقين فى جيارهم الهالكين فيها من الغبور بالفارسى [ باقى بماندن ] والتذكير مع ان الظاهر ان يقال من الغابرات مبنى على انه بقى فى ديارهم رجال ونساء فغلب الرجال فقيل فى حقها انها كانت منهم ٨٤ فان الطواف فى الآية الاولى وانما يدل على كونهم خدام اهل الجنة وان اهل الجنة يتلذذون بالنظر الى جمالهم وبهجتهم وهذا لا يقتضى التلذذ بالاستمتاع ايضا كما فى حق الحور. والاشتهاء فى الآية الثانية وان كان عاما لكنه يجوز ان لا تكون اللواطة مشتهاة لاهل الحنة للحكمة التى عليها مدار حرمتها فى جميع الاديان كالزنى بخلاف الخمر فانها كانت حلالا فى بعض الاديان ولذا صارت من نعيم الجنان ايضا ومطلق ارتفاع موانع الحرمة لا يقتضى الحل والجواز ألا ترى الى تستر اهل الجنة عند الوقاع فان اهليهم لا يظهرن لغير المحارم كما فى الواقعات المحمودية هذا واما حكم الوطء بحسب الشرع فذهب الشافعى الى انه يقتل وذهب بن حنبل الى انه يرجم وان كان غير محصن قال فى شرح الوقاية ان من اتى دبر اجنبى او امرأة فعند ابى حنيفة لا يحد بل يعزر ويودع فى السجن حتى يتوب وعندهما يحد حد الزنى فيجلد ان لم يكن محصنا ويرجم ان كان محصنا قال قيدنا بدبر الاجنبى لانه لو فعل ذلك بعبده او امته او بمنكوحته لايحد اتفاقا لهما ان الصحابة اجمعوا على حده ولكن اختلفوا فى وجوهه فقال بعضهم يحبس فى انتن المواضع حتى يموت وقال بعضهم يهدم على الجدار لنتهى وقد يقال يلقى من مكان عال كالمنارة قال ابو بكر الوراق يحرق بالنار صرح بهم فى شرح المجمع قال فى الزيادات والرأى الى الامام ان شاء قتله ان اعتاد ذلك وان شاء حبسه كما فى شرح الاكمل والظاهر ان ما ذهب اليه ابو حنيفة انما هو استعظام لذلك الفعل فانه ليس فى القبح بحيث ان يجازى كالقتل والزنى وانما التعزير لتسكين الفتنة الناجزة كما انه يقول فى اليمين الغموس انه لا يجب فيه الكفارة لانه لعظمه لا يستتر بالكفارة وفى كتاب الحظر والاباحة رجل وطء بهيمة قال ابو حنيفة ان كانت البهيمة للواطء يقال له اذبحها واحرقها ان كانت مأكولة وان لم تكن مماتؤ كل تذبح ولا تحرق قال فى ترجمة الجلد الاخير من الفتوحات الملكية [ وازنكاح بهايم اجتناب كن نه شرع است ونه دين ونه مروت شخصى بود صالح اما قليل العلم درخانه خود منقطع بود ناكاه بهيمه خريد وبادرا بدان حاجتى ظاهر نه بعد از جند سال كسى ازوى برسيد تواين را جه ميكنى وترابوى شغلى وحاجتى نيست كفت درسن خودرا باين محافظت ميكنم اوخود با آن بهيمه جمع مى آمده است تاززنا معصوم ماند اورا اعلام كردندكه آن حرامست وصاحب شرع نهى فرمود است بسيار كريست وتوبه كرد وكفت ندانستم بس برتو فرض عين است كه از دين خوم باز حويى وحلال وحرام را تمييز كنى تاتصرفات تو بطريق استقامت باشد انتهى كلام الترجمة ] وفى الحديث ( من لم يستطع فعليه بالصوم ) استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه ارشد عنه العجز عن التزوج الى الصوم الذى يقطع الشهوة فلو كان الاسستمناء مباحا لكان الارشاد اليه اسهل وقد اباح الاستنماء طائفة من العملاء وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لاجل تسكين الشهوة جائز وفى رواية الخاصة الصائم اذا عالج ذكره حتى امنى يجب عليه القضاء ولا كفارة عليه اللا يحل هذا الفعل خارج رمضان ان قصد قضاها الشهوة وان قصد تسكين شهوته ارجو ان لا يكون عليه وبال وفى بعض حواشى البخارى والاستمناء باليد الحرام بالكتاب والسنة قال اللّه تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون } الى قوله { فاولئك هم العادون } اى الظالمون المتجاوزون الحلال الى الحرام قال البغوى فى الآية دليل على ان الاستنماء باليد حرام قال ابن جريج سألت عطاء عنه فقال سمعت ان قوما يحشرون وايديهم حبالى واظنهم هؤلاء وعن سعيعد بن جبير عذب اللّه امة كانوا يعبثون بمذاكيرهم والواجب على فاعله التعزيز كما قال ابن الملقن وغيره نعم يباح عند ابى حنيفة واحمد رحمهما اللّه اذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستنماء بيد زوجته او جاريته لكن قال القاضى حسين مع الكراهة لانه فى معنى العزل وفى التارخانية قال ابو حنيفة حسبه ان ينجو رأسا برأس كذا فى انوار المشارق لمفتى حلب الشهباء واللّه اعلم ٨٥ { والى مدين } اى وارسلنا الى قبيلة مدين وهم اولاد مدين بن ابراهيم خليل عليه السلام { اخاهم } فى النسب اى واحدا منهم { شعيبا } عطف بيان لاخاهم وهو شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين الذى تزوج ريثا بنت لوط فولدت له وكثر نسله فصار مدين قبيلتهم قال الضحاك بكى شعيب من خشية اللّه حتى ذهب عيناه وصار اعمى وكان يقال له خطيب الانبياء لحسن مراجعته قومه وكانوا اهل بخس للمكاييل والموازين مع كفرهم { قال } استئناف بيانى { يا قوم اعبدوا اللّه } وحده { ما لكم من اله غيره } مر تفسيره { وقد جاءتكم بينة } معجزة { من ربكم } متعلق بجاءتكم او بمحذوف هو صفة لفاعله مؤكدة لفخامة الذاتية المستفادة من تنكيره بفخامته الاضافية اى بينة عظيمة كائنة من مالك اموركم ولم يذكر معجزته فى القرآن كما لم يذكر اكثر معجزات نبينا عليه السلام قال فى التفسير الفارسى [ در قران معجزه شعيب مذكور نيست ودر احاديث نيز بنظر فقير نرسيده اما در آيات باهرات كه ذكر معجزات انبيا ميكنند ميكويدكه معجزه شعيب آن بودكه جون بكوه بلند برآمدى كوه سرفرود آوردى تا شعيب بآسانى بروى صعود كردى ] وذكر بعض معجزاته فى الكشاف فارجع اليه { فاوفوا الكيل } الكيل مصدر قولك كلت الطعام كيلا والمعنى المصدرى لا يمكن ايفاؤه لان النقص والا تمام من خواص الاعيان فحمله القاضى على حذف المضاف اى الآلة وان جاز كونه مصدرا كالميعاد فحمل الكيل على ما يكال به كما يطلق العيش على ما يعاش به وكان لهم مكيالان وميزانان احدهما اكبر من الآخر قال اكتالوا على الناس يستوفون بالاكبر واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون بالاصغر والمعنى ادوا حقوق الناس بالمكيال والميزان على التمام { ولا تبخسوا الناس } اى لا انقصوا { اشياءهم } التى يشترونها بها متعمدين على تمامها اى شء كان وأى مقدار كان فانهم كانوزا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير فالتعبير بالاشياء دون الحقوق للتعميم فان مفهوم الشيء اعم بالنسبة الى مفهوم الحق واعلم ان بخس الناس اشياءهم فى المكيل والموزون من خساسة النفس ودناءة الهمة وغلبة الحرص ومتابعة الهوى والظلم وهذه الصفات الذميمة من شيم النفوس وقد ورد الشرع بتبديل هذه الصفات وتزكية النفس فان اللّه تعالى يحب معالى الامور ويبغض سفاسفها وفى الحديث ( ما ذئبان جائعان ارسلا فى غنم بافسد لها من حرص المرء على المال والشرف ) وفى الحديث ( الصلاة امانة والوضوء امانة والوزن امانة والكيل امانة ) -روى- ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لاصحابه ( الكيل والوزن انتم قد وليتم امرا فيه هلكت الامم السالفة قبلكم ) { ولا تفسدوا فى الارض } اى بالكفر والحيف { بعد إِصْلاَحِهَا} واهلها الانبياء واتباعهم باجراء الشرائع { ذلكم } اشارة الى العمل بما امرهم به ونهاهم عنه { خير لكم } من التطفيف والبخس والافساد قيل خير ههنا ليس على بابه من التفضيل بل بمعنى نافع عند اللّه { ان كنتم مؤمنين } اى مصدقين بى فى قولى هذا ٨٦ { ولا تقعدوا بكل صراط } الباء للالصاق او المصاحبة لان القعود ملصق بالمكان وان القاعد ملابسه ويحتمل ان تكون بمعنى فى لان القاعد يحل بمكان قعوده وان تكون بمعنى على الاستيلاء القاعد على المكان { توعدون } حال من فاعل لا تقعدوا ولم يذكر الموعد به ليذهب الذهن كل مذهب. والمعنى ولا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين موعودين اى مخوفين كالشيطان حيث قال لاقعدن لهم صراطك المستقيم وصراط اللّه وان كان واحدا لكنه يتشعب الى معارف وحدود احكام وكانوا اذا رأوا احدا يسعى فى شيء منها منعوه وقيل كانوا يجلسون على المرصد فيقولون لمن يريد شعيبا انه كذاب لا يفتننك عن دينك ويتوعدون من آمن به وقيل يقطعون الطريق { وتضلون } عطف على توعدون اى تمنعون وتصرفون { عن سبيل اللّه } اى السبيل الذى قعدوا عليه { من آمن به } اى بكل صراط وهو مفعول تصدون { وتبغونها } من باب الحذف والايصال والتقدير وتبغون لها انت ضمير السبيل لانه يذكر ويؤنث. والمعنى وتطلبون لسبيل اللّه {عوجا } زيغا وعدولا عن الحق بالقاء الشبه او بوصفها للناس بانها معوجة وهى ابعد شيء من شائبة الاعوجاج وفيه اشارة الى الذين قطعوا طريق الوصول الى اللّه على الطالبين بانواع الحيل بالمكايد وطلبوا الاعوجاج فيه باظهار الباطل كما قطعوا على انفسهم قال فى شر المعاصى ما لا يكون لازما لصاحبه بل يكون متعديا عنه الى غيره لان ضرر التعدية عائد الى المبتدئ بقدر الاثر فى التعدى { واذكروا اذ كنتم قليلا فكثركم } بالبركة فى النسل والمال فصار ضعفكم قوة وفقركم غنى { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } من الامم الماضية كقوم نوح ومن بعدهم من عاد وثمود واضرابهم واعتبروا بهم واحذروا من سلوك مسالكهم ٨٧ { وان كان من طائفة منكم آمنوا بالذى ارسلت به } من الشرائع والاحكام { وان طائفة لم يؤمنوا } اى به قال فى التفسير الفارسى [ قومى از مدين بشعيب عليه السلام ايمان آوردند جمعة ديكر انكار كردند وكفتند قوت وثروت ما راست نه مؤمنارا بس حق باما باشد واكر حق با ايشان بودى بايستى كه توانكرى ووسعت معاش ايشانرا بودى شعيب عليه السلام فرمودكه اكرجه شما دوكره شد ايد ] { فاصبروا } فتربصوا { حتى يحكم اللّه بيننا } اى الفريقين بنصر المحقين على المبطلين فهو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين { وهو خير الحاكمين } اذ لا معقب لحكمه ولا حيف فيه وهو اعدل القاضين ٨٨ { قال الملأ الذين استكبروا من قومه } بعدما سمعوا هذه المواعظ من شعيب عليه السلام وهو استئناف بيانى { لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا } عطف على الكاف فى لنخرجنك ويا شعي اعتراض بين المتعاطفين ونسبة الاخراج اليه اولا والى المؤمنين ثانيا تنبيه على اصالته فى الاخراج وتبعيتهم له فيه كما ينبئ عنه قوله تعالى { معك } فانه متعلق بالاخراج لا بالايمان. والمعنى واللّه لنخرجنك واتباعك { من قريتنا } بغضا لكم ودفعا لفتنتكم المرتبة علىلمساكنة والجوار وفيه اشارة الى من شأن المتكبرين ودأب المتجبرين الاستعلاء وان يخرج الاعز الاذل وذلك لما فيهم من بطر النعم وطغيان الاستغناء وعمه الاستبداد ولما كان حب الدنيا رأس كل خطيئة وفتنتها اعظم من كل بلية جعل اللّه تعالى اهلها فى البلاد سببا للّهلاك والفساد كما قال اللّه تعالى { اذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها } الاية : قال الحافظ ايمن مشو زعشوه دنيا كه اين عجوز ... مكاره مى نشيند ومحتاله مى رود { او لتعودن فى ملتنا } العود هو الرجوع الى الحالة الاولى ومن المعلوم ان شعيبا لم يكن على دينهم وملتهم قد لان الانبياء لا يجوز عليهم من الصغائر الا ماليس فيه تنفير فضلا عن الكبائر فضلا عن الكفر الا انه اسند العود اليه والى من معه من المؤمنين تغليبا لهم عليه لان العود متصور فى حقهم. والمعنى واللّه ليكونن احد الامرين البتة على ان المقصد الاصلى هو العود وانما ذكر النفى والاجلاء كما يفصح عنه عدم تعرضه عليه السلام لجواب الاخراج كأنهم قالوا لا ندعكم فيما بيننا حتى تدخلوا فى ملتنا وانما لم يقولوا او لنعيدك على طؤيق ما قبله لما ان مرادهم ان يعودوا اليها بصورة الطواعية حذر الاخراج باختيار اهون الشرين لا اعادتهم بسائر وجوه الاكراه والتعذيب وفيه اشارة الى ام اهل الخير كما لا يميلون الا الى اشكالهم فكذلك اهل الشر لا يرضون ممن رأوا الا بان يساعدهم على ما هم عليه من احوالهم والاوحد فى بابه من باين نهج اضرابه همه مرغان كند باجنس برواز ... كبوتر با كبوتر باز باباز { قال } شعيب ردا لمقالتهم الباطلة وتكذيبا لهم فى ايمانهم الفاجرة { أو لو كنا كارهين } تقديره أنعود فيها ولو كنا كارهين اى كيف نعود فيها ونحن كارهون لها على ان الهمزة لانكار الوقوع ونفيه لا لانكار الواقع واستقباحه كالتى فى قوله تعالى { أولوجئتك بشيء مبين } ٨٩ { قد افترينا على اللّه كذبا } عظيما { وان عدنا فى ملتكم } التى هى الشرك وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان عدنا فى ملتكم { بعد اذ نجينا اللّه منها } فقد افترينا على اللّه كذبا عظيما حيث نزعم حينئذ ان اللّه تعالى ندا وليس كمثله شيء وانه قد تبين لنا ان ما كان عليه من الاسلام باطل وان كنتم عليه من الكفر حق وأى افتراء اعظم من ذلك { وما يكون لنا } اى وما يصح وما يستقيم لنا { ان نعوذ فيها } فى حال من الاحوال او فى وقت من الاوقات { الا ان يشاء اللّه } اى الاحالة مشيئة اللّه تعالى لعودنا فيها وذلك مما لا يكاد يكون كما ينبئ عنه قوله { ربنا } فان التعرض لعنوان ربوبيته تعالى لهم مما ينبئ عن استحالة مشيئته تعالى لارتدادهم قطعا وكذا قوله تعالى { بعد اذ نجينا اللّه منها } فان تنجيته تعالى لهم منها من دلائل عدم مشيئته تعالى لعودهم فيها وقيل معناه الا ان يشاء اللّه خذلاننا وفيه دليل على ان الكفر بمشيئة اللّه تعالى واياما كان فليس المراد بذلك بيان ان العود فيها فى حيز الامكان وخطر الوقوع بناء على كونه مشيئته تعالى كذلك بل بيان استحالة وقوعها كأنه قيل وما كان لنا ان نعوذ فيها الا ان يشاء ربنا وهيهات ذلك بدليل ما ذكر من موجبات عدم مشيئته تعالى له { وسع ربنا كل شيء علما } علما نصب على التمييز منقول عن الفاعلية تقديره وسع علم ربنا كل شيء كقوله { واشتعل الرأس شيبا } والمعنى احاطة علمه بكل ما كان وما سيكون من الاشياء التى من جملتها احوال عباده وعزائمهم ونياتهم وما هو اللائق بكل واحد منهم فمحال من لطفه ان يشاء عودنا فيها بعدما نجانا منها مع اعتصامنا به خاص حسبما ينطق قوله تعالى { على اللّه توكلنا } فى ان يثبتنا على الايمان ويخلصنا من الاشرار ثم اعرض عن المعاندين وتوجه الى مناجاة رب العالمين فقال { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } احكم بيننا وبينهم واقض بما يدل على انا الحق وهم على الباطل وافصل بما يليق بحال كل من الفريقين { وانت خير الفاتحين } والفاتح هو الحاكم بلغة اهل عمان سمى فاتحا لانه يفتح المشكلات ويفصل الامور ويجوز ان يكون من فتح المشكل اذا بينه. والمعنى اظهر امرنا حتى ينكشف ما بيننا وبينهم ويتميز المحق من المبطل وفى التأويلات النجمية { احكم بيننا وبينهم } باظهار حقيقة ما قدرت لنا من خاتمة الخير واظهار ما قدرت لهم من خاتمة السوء ٩٠ { وقال الملأ الذين كفروا من قومه } عطف على قوله { قال الملأ الذين استكبروا } اى قال اشرافهم الذين اصروا على الكفر لاعقابهم بعد ما شاهدوا صلابة شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين فى الايمان وخافوا ان يستتبعوا قومهم تثبيطا لهم عن الايمان وتنفيرا لهم منه على طريقة التوكيد القسمى واللّه { لئن اتبعتم شعيبا } ودخلتم فى دينه وتركتم دين آبائكم { انكم لخاسرون } اى فى الدين لاشترائكم الضلالة بهداكم او فى الدنيا لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتطفيف ٩١ { فاخذتهم الرجفة } اى الزلزلة الشديدة وهكذا فى سورة العنكبوت وفى سورة هود { واخذت الذين ظلموا الصيحة } اى صحة جبريل ولعلها من مبادئ الرجفة فاسند هلاكهم الى السبب القريب تارة والى البعيد اخرى قال ابن عباس رجفت بهم الارض واصابهم حر شديد فرفعت لهم سحابة فخرجوا اليها يطلبون الروح منها فلما كانوا تحتها سالت عليهم بالعذاب ومعه صيحة جبريل عليه السلام { فاصبحوا فى دارهم } اى صاروا فى مدينتهم وفى سورة هود { فى ديارهم } قال الحدادى اى بقرب دارهم تحا الظلة كما قال تعالى { فاخذهم عذاب يوم الظلة } { جاثمين } اى ميتين على وجوههم وركبهم لازمين لاماكنهم لا براح لهم منها -وروى- انهم احترقوا تحت السحابة فصاروا ميتين بمنزلة الرماد الجاثم اجساما ملقاة على الارض محترقة وقال ابن عباس فتح اللّه عليهم بابا من جهنم فارسل عليهم منه حرا شديدا فاخذ بانفاسهم فدخلوا جوف البيوت فلم ينفعهم ماء ولا ظل وانضجهم الحر فبعث اللّه سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فتنادوا عليكم بها فخرجوا نحوها فلما اجتمعوا تحتها رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ألهلها اللّه عليهم نارا ورجفت بهم الارض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلى وصاروا رمادا وهو عذاب يوم الظلة قال فى التأويلات النجمية من عنادهم رأوا الحق باطلا والباطل حقا والفلاح خسرانا والخسران فلاحا { فاخذتهم الرجفة } فصارت صورتهم تبعا لمعناهم { فانهم كانوا جاثمين } الارواح فى ديار الاشباح ٩٢ { الذين كذبوا شعيبا } استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم فيما سبق { لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا } وعقوبتهم بمقابلته والموصول مبتدأ وخبره قوله تعالى { كأن لم يغنوا فيها } اى استأصلوا بالمرة وصاروا كأنهم لم يقيموا بقريتهم اصلا اى عوقبوا بقولهم ذلك وصاروا هم المخرجين من القرية اخراجا لا دخول بعده ابدا والمغنى المنزل والمغانى المنازل التى كانوا بها يقال غنينا بمكان كذا اى نزلنا فيه. وفيه اشارة الى ان المكذبين والمتكبرين وان كانت لهم علبة فى وقتهم ولكن تنقضى ايامهم بسرعة ويسقط صيتهم ويخمل ذكرهم ويضمحل آثارهم ويكون اهل الحق مع الحق غالبا فى كل امر والباطل زاهق بكل وصف : وفى المثنوى يك مناره در ثناى منكران ... كودرين عالم كه تاباشد عيان منبرى كوكه برانجا مخبرى ... ياد آرد روز كار منكرى يا غالب شوكه تا غالب شوى ... يا مغلوبان مشوهين اى غوى { الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين } استئناف آخر لبيان ابتلائهم بعقوبة قولهم الاخير اى الذن كذبوه عليه السلام عوقبوا بمقالتهم الاخيرة فصاروا هم الخاسرين للدنيا والدين لا الذين اتبعوه وبهذا الحصر اكتفى عن التصريح بانجائه عليه السلام كما وقع فى سورة هود من قوله تعالى { فلما جاء امرنا نجينا هود والذين آمنوا معه } الآية ٩٣ { فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم } قال عليه السلام بعد ما هلكوا تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم انكر على نفسه ذلك فقال { فكيف آسى } اى احزن حزنا شديدا وبالفارسية [ بس جه كونه اندوه خورم وغمناك شوم ] فهو مضارع متكلم من الاسى من باب علم وهو شدة الحزن { على قوم كافرين } مصرين على الكفر ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم او قاله اعتذارا من عدم تصديقهم له وشدة حزنه عليهم. والمعنى لقد بالغت فى الابلاغ والانذار وبذلت وسعى فى النصح والاشفاق فلم تصدقوا قولى فكيف آسى عليكم : وفى المثنوى جون شوم غمكين كه غم شدسر نكون ... غم شما بوديد اى قوم حرون كثر مخوان اى راست خواننده ببين ... كيف آسى خلف قوم ظالمين قال فى التأويلات النجمية يعنى خرجت عن عهدة تكليف التبليغ فانه ما على الرسول الا البلاغ فانه وان نصحت لكم فما على من اقراركم وانكاركم شيء ان احسنتم فالميراث الجميل لكم وان اسأتم فالضرر بالتألم عائد عليكم ومالك الاعيان اولى بها من الاعيان فالخلق خلقه والملك ملكه ان شاء هداهم وان شاء اغواهم فكيف آسى على قوم كافرين فلا تأسف على نفى وفقد ولا اثر من كون ووجود لان الكل صادر من حكيم بالغ فى حكمته كامل فى قدرته انتهى قال اللّه تعالى { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } وهذا انما يحصل عند الفناء الكلى وهو للانبياء عليهم السلام وكمل الاولياء واعلم ان كل اهل ابتلاء ليس بمحل للرحمة عند نظر الحقيقة لان اللّه تعالى ابتلاه بسبب جفائه اياه فقد اكتسبه بعلمه فكيف يترحم له ولذا كان اهل الحقيقة كالسيف الصارم مع كونهم رحم خلق اللّه تعالى ألا ترى الى قوله تعالى { ولا تأخذكم بهما رأفة } قال السعدى قدس سره كراسرع فنوى دهد بر هلاك ... ألا تاندارى زكشتنش باك واللّه تعالى غيور وعبده فى غيرته فالحلم والغضب بقدر ما اذن فيه الشرع من اخلاق الانبياء وهو وهو لا يقدح فى فراغ القلب عن كل وصف لان رعاية الاحكام الظاهرة لا تنافى التوغل فى الحقيقة فعلى العاقل ان يدور بالامر اللّهى ويرفع على لسانه وقلبه لم لا وكيف فان الامر بيد اللّه تعالى لا بيده قال ابراهيم بن ادهم لرجل أتحب ان تكون للّه وليا قال نعم قال لا ترغب فى شيء من الدنيا والآخرة وفرغ نفسك للّه واقبل بوجهك عليه ليقبل علك ويواليك فعلم من هذا ان من كان اقباله الى نفسه والى هواها لا يجد الحق واقباله وموالاته فى كل حالاته ومقاماته كما لا يخفى ٩٤ { وما ارسلنا فى قرية } [ در شهرى وديهمى ] { من } مزيدة { نبى } كذبه اهلها { الا } قد {اخذنا اهلها } استثناء مفرغ من اعم الاحوال. والمعنى وما ارسلنا فى قرية من القرى المهلكة نبيا من الانبياء المكذبين فى حال من الاحوال الا فى كوننا آخذين اهلها { بالبأساء } بالبؤس والفقر { والضراء } بالضر والمرض لكن على معنى ان ابتداء الارسال مقارن للاخذ المذكور بل على انه مستتبع له غير منفك عنه بالآخرة لاستكبارهم عن اتباع نبيهم وتعززهم عليه { لعلهم يضرعون } كى يتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر والعزة على اكتافهم فان الشدة خصوصا الجوع يؤدى الى التواضع والانقياد فى حق اكثر العباد. ومن بلاغات الزمخشرى المرص والحاجة خطبان امرّ من نقيع الخطبان وهم بضم الخاء نوع من ورق الحنظل اصفر وهو ابلغ فى المرارة ٩٥ { ثم بدلنا } عطف على اخذنا داخل فى حكمه { مكان السيئة } التى اصابتهم { الحسنة } اى اعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة لان تسوء الانسان كما سمى الرخاء حسنة لا يحسن اثره على الانسان والا فالسيئة هى الفعلة القبيحة واللّه تعالى لا يفعل القبيح والحسنة والسيئة من الالفاظ المستغنية عن ذكر موصوفاتها حالة الافراد والجمع سواء كانتا صفتين للاعمال او المثوبة او الحالة من الرخاء والشدة { حتى عفوا } كثروا عددا وعددا وابطرتهم النعمة يقال عند النبات اذا كثر وتكاثف ومنه اعفاء اللحى فى الحديث وهو ( احفوا الشوارب واعفو اللحى ) قال الشاعر عفوا من بعد اقلال وكانوا ... زمانا ليس عندهمو بعير { وقالوا } غير واقفين على ان ما اصابهم فاثبتوا انتم على دينكم ولا تنتقلوا عنه { فاخذناهم } اثر ذلك { بغتة } فجأة اشد الاخذ وافظعه { وهم لا يشعرون } بنزول العقاب وهم لا يخطرون ببالهم شيأ من المكاره وهو اشد وحسرته اعظم لان المرء اذا رأى مقدمات الابتلاء يوطن نفسه عليها بخلاف حال الفجأة ٩٦ { ولو ان اهل القرى } اى القرى المهلكة المدلول عليها بقوله تعالى { من قرية } { آمنوا واتقوا } مكان كفرهم وعصيانهم { لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض } لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب مكان ما اصابهم من فنون العقوبات التى بعضها من السماء وبعضها من الارض واكثر اهل التفسير على ان بركات السماء هى المطر وبركات الارض النبات والثمار { ولكن كذبوا } الرسل { فاخذناهم } هذا الاخذ عبارة عما فى قوله تعالى { فاخذناهم بغتة } { بما كانوا يكسبون } من انواع الكفر والمعاصى وفى الآية دلالة على ان الكفاية والسعة فى الرزق من سعادة المرء اذا كان شاكرا او المراد بقوله لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة الكثرة التى تكون وبالا على من لا يشكر اللّه تعالى قال فى التفسير الفارسى [ در حقايق سلمى فرموده كه اكر بندكان بكرديدندى بمواعد من وحذر كردندى از مخالفت يا بترسيدندى از تهديد من دلهاء ايشانرا بنور مشاهده خود روشنى دادمى كه ببركت سما اشارت بدانست وجوارح واعضاء ايشانرا بخدمت خود بيا راستمى كه بركت زمين عبارت از آنست در زمين وآسمان درهاء جود ... مى كشايند ازبى اهل سجود از زمين بر اطاعت باز كن ... بر سماى معرفت برواز كن ٩٧ { أفأمن اهل القرى } الهمزة لانكار الواقع واستقباحه لا لانكار الوقوع ونفيه والفاء للعطف على قوله فاخذناهم بغتة. والمعنى ابعد ذلك الاخذ أمن اهل مكة ومن حولها من المكذبين لك يا محمد { أن يأتيهم بأسنا } عذابنا { بياتا } ليلا { وهم نائمون } فى فرشهم ومنازلهم لا يشعرون بالعذاب لغفلتهم ٩٨ { او أمن اهل القرى } [ يا ايمن شدند اهل شهرها ] { ان ياتيهم بأسنا ضحى } ضحوة النهار وبالفارسى [ دروقت جاشت ] وهو فى الاصل ضوء الشمس اذا ارتفعت { وهم يلعبون } اى يلهون من فرط الغفلة بصرف الهمم فيما لا ينفع لا فى امر الدين ولا فى امر الدنيا او يشتغلون بما لا ينفعهم من امور الدنيا فان من اشتغل بدنياه واعرض عن آخرته فهو كاللاعب [ ملخص سخن آنست كه بعد از تكذيب رسل از عذاب الهى ايمن نتوان بود نه بروز ونه بشب ] ٩٩ { أفأمنوا مكر اللّه } مكر اللّه استعارة لاستدراجه العبد واخذه من حيث لا يحتسب والمراد به اتيان بأسه تعالى فى الوقتين المذكورين قال الحدادى انما سمى العذاب مكرا على جهة الاتساع والمجاز لان المكر ينزل بالمكمور من جهة الماكر من حيث لا يشعر واما المكر الذى هو الاحتيال للاظهار بخلاف الاضمار فذك لا يجوز على اللّه { فلا يأمن مكر اللّه } الفاء فاء جواب شرط محذوف اى اذا كان استدراجه واخذه على هذا الوجه فلا يأمن مكره بهذا المعنى { الا القوم الخاسرون } الذين ليسوا من القوم الرابحين قيل معنى الآية ولا يأمن عذاب اللّه من العصاة اولا يأمن عذاب اللّه من المذنبين والانبياء عليهم السلام لا يأمنون عذاب اللّه على المعصية ولهذا لا يعصون بانفسهم انتهى قال فى التأويلات النجمية مكره تعالى مع اهل القهر بالقهر ومع اهل اللطف باللطف { فلا يأمن مكر اللّه } من اهل القهر { الا القوم الخاسرون } الذين خسروا سعادة الدارين ومن اهل اللطف الا الخاسرون الذين خسروا الدنيا والعقبى وربحوا المولى فعلى هذا اهل اللّه هم الآمنون من مكر اللّه لان مكر اللّه فى حقهم مكر باللطف دل عليه قوله { اولئك لهم الامن وهم مهتدون } ولهذا قال { وهو خير الماكرين } لان مكرهم مكر فى مستحقيه وغير مستحقيه بالقهر ومكره فى مستحقيه باللطف فافهم واعتبر جدا انتهى واعلم ان الامن من مكر اللّه تعالى قد عد كفرا لكن هذا بالنسبة الى اهل المكر دون اهل الكرم فان كمل الاولياء مبشرون بالسلامة فى حياتهم الدنيوية كما قال تعالى { لهم البشرى فى الحياة الدنيا } فلهم سلامة دنيوية واخروية كما قال تعالى { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } لكنهم يكتمون سلامتهم لكونهم مأمورين بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفى لهم ولا حاجه لهم بعلم غيرهم واما الانبياء عليهم الصلاة والسلام فلهم ان يخبروا بسلامتهم لكونهم شارعين فى بد لغيرهم من العلم بسلامتهم حتى يؤمن ويقبل دعوتهم ١٠٠ { أو لم يهد للذين يرثون الارض من بعد اهلها } عدى فعل الهداية باللام لانها بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل قوله لو ان لو نشاء ومعنى يرثون الارض من بعد اهلها يخلفون من خلا قبلهم من الامم المهلكة ويرثون ديارهم والمراد بهم اهل مكة ومن حولها. والمعنى او لمة يبين ويوضح لهم عاقبة امرهم ان سلكوا طريق اسلافهم { ان } مخففة اى ان الشأن { لو نشاء اصبناهم بذنوبهم } اى بجزاء ذنوبهم وسيآتهم او بسبب ذنوبهم كما اصبنا من قبلهم قال سعدى جلبى المفتى ويجوز ان يضمن معنى اهلكناهم فلا حاجة الى تقدير المضاف { ونطبع على قلوبهم } عطف على ما يفهم من قوله تعالى { أو لم يهد } كأنه قيل لا يهتدون ونطبع على قلوبهم اى نختم عليها عقوبة لهم { فهم لا يسمعون } اى اخبار الامم المهلكة فضلا عن التدبر والنظر فيها والاغتنام بما فى تضاعيفها من الهدايات قال الكاشفى [ كوش دل استماع سخن حق فائده داردنه كوش آب وكل ] اين سخن از كوش دل بايد شنود ... كوش كل اينجا ندارد هيج سود كوش سربا جمله حيوان همدم است ... كوش سر مخصوص نسل آدم است كوش سرجون جانب كوينده است ... كوش سر سهلت اكرا آكنده است ١٠١ { تلك القرى } يعنى قرى الامم المار ذكرهم فاللام للعهد { نقص عليك } [ خوانده ايم برتو ] { من انبائها } من للتبعيض اى بعض اخبارها التى فهيها عظة وتذكير { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات } الباء متعلقة اما بالفعل المذكور على انها للتعدية واما بمحذوف وقع حالا من فاعله اى ملتبسين بالبينات. والمعنى وباللّه لقد جاء كل امة من تلك الامم المهلكة رسولهم الخاص بهم بالمعجزات البينة المتكثرة المتواردة عليهم الواضحة للدلالة على صحة رسالته الموجبة للايمان حتما { فما كانوا ليؤمنوا } اى فما صح وما استقام لقوم من اولئك الاقوام ان يؤمنوا عند مجيء الرسل بها { بما كذبوا من قبل } الباء صلة لم يؤمنوا اى بما كذبوه من قبل مجيئ الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب فما كذبوه عبارة عن اصول الشرائع التى اجمعت عليها الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب فما كذبوه عبارة عن اصول الشرائع التى اجمعت عليها الرسل قاطبة ودعوا أممهم اليها مثل ملة التوحيد ولوازمها ومعنى تكذيبهم بها قبل مجيء رسلهم انهم ما كانوا فى زمن الجاهلية بحيث لم يسمعوا كلمة التوحيد قط بل كانت كل امة من اولئك الامم يتسامعون بها من بقايا من قبلهم فيكذبونها ثم كانت حالتهم بعد مجيء رسلهم كحالتهم قبل ذلك كان لم يبعث اليهم احد ويجوز ان يكون المراد بعدم ايمانهم المذكور اصرارهم على ذلك وبما اشير بقوله تعالى بما كذبوا من قبل تكذيبهم من لدن مجيء الرسل الى وقت الاصرار والعناد. فالمعنى حينئذ فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا عبارة عن جميع الشرائع التى جاء بها كل رسول اصولها وفروعها وعلى كلا التقديرين فالضمائر الثلاثة متوافقة فى المرجع. وقيل ضمير كذبوا راجع الى اسلافهم. والمعنى فما كان الابناء ليؤمنوا بما كذب به الآباء وحمله المولى ابو السعود على التعسف يقول الفقير لو كانت الضمائر الثلاثة متوافقة فى المرجع ايضا وجعل التكذيب تكذيب الآباء فى الحقيقة وانما اسند الى الابناء ما حقه ان ينسب اليهم من حيث الاتصال بينهم ورضى بعضهم عن بعض فيما فعله لكان معنى لا تعسف فيه اصلا كما سبق امثاله فى البقرة فى مخاطبات اليهود المعاصرين الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { كذلك } فى محل النصب على انه مفعول { يطبع } اى مثل ذلك الطبعالشديد المحكم يطبع { اللّه على قلوب الكافرين } اى من المذكورين وغيرهم فلا يكاد يؤثر فيها الآيات والنذر ويجوز ان يكون اشارة الى ما قبله مثل ذلك الطبع الذى طبع اللّه على قلوب كفار الامم الخالية يطبع على قلوب الكفرة الذين كتب عليهم ان لا يؤمنوا ابدا ١٠٢ { وما وجدنا لاكثرهم } لقينا فوجدنا بمعنى صادفنا { من عهد } من مزيدة فى المفعول والمضاف محذوف اذ لا وجه لنفس العهد اى ما وجدنا لاكثرهم من وفاء عهد فانهم نقضوا ما عاهدوا اللّه عليه عند مساس البأساء والضراء قائلين لان انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وتخصيص هذا الشان باكثرهم ليس لان بعضهم كانوا يفون بعهودهم بل لان بعضهم كانوا لا يعاهدون ولا يفون ويحتمل ان يكون وجدنا بمعنى علمنا ويكون من عهد مفعوله الاول ولاكثرهم مفعوله الثانى { وان } مخففة اى ان الشان { وجدنا اكثرهم } اى علمنا اكثر الامم { لفاسقين } خارجين عن الطاعة ناقضين للعهود وفى ترجمة الجلد الاخير من الفتوحات الملكية [ حق تعالى بموسى عليه السلام وحى كرد هركه باميدتون آيد اورا بى بهرة مكذار وهركه زينهار خواست اورا زينهاده موسى عليه السلام درسياحت بود ناكاه كبوترى بركتف نشست وبازى عقب او آمد وقصد ان كبوتر داشت بركتف ديكر فرود آمد آن كبوتر در آستين موسى عليه السلام در آمد وزينهار ميخواست وباز بزبان فصيح بموسى آوازدادكه اى يسر عمران مرا بى بهره مكذار وميان من ورزق من دايى ميكفن موسى عليه السلام كفت جه زود مبتلا شدم ودست كرد تا ازرانخود باره قطع كند براى طعمة باز تاحف عهد كرده باشد وبكار هردو فانموده كفتند يا ابن عمران تعجيل مكن كه مارسولا نيم وغرض آن بودكه صحت عهد توآز مايش كنيم ] ايا سامعا ليس السماع بنافع ... اذا انت م تفعل فما انت سامع اذا كنت فى الدنيا عن الخير عاجزا ... فما انت فى يوم القيامة صانع ولا كلام فى وفاء الانبياء بعهودهم ونقض الفاسقين لمواثيقهم وانما الكلام فيمن ادعى الايمان والاستسلام ثم لم يف بعهده يوما من الايمان : قال الحافظ وفامجو زكس ورسخن نمى شنوى ... بهرزه طالب سيمرغ وكيميا ميباش وعن عبد الرحمن بن عوف بن مالك الاشجعى قال كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تسعة او ثمانية او سبعة فقال ( ألا تبايعون رسول اللّه ) وكنا حديثى عهد بيتعته فقلنا قد بايعناك يا رسول اللّه فعلام نبايعك قال ( ان تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيأ وتقيموا الصلوات الخمس وتطيعوا ) واسر كلمة خفية ( ولا تسألوا الناس ) فقد رأيت بعض اولئك النفر يسقط سقوط احدهم ولم يسأل أحد يناوله اياه يعنى خوفا من نقض العهد واهتماما فى امر الوفاء فانظر الى هؤلاء الرجال ومبايعتهم ودخولهم فى طريق الحق ومسارعتهم فاذا احترزوا عن سؤال مناولة السوط الذى سقط من ايديهم فما ظنك فى الاحتراز عما فوقه من الاحوال المتواردة عليهم وانت يا رجل وكلنا ذلك الرجل تجول فى ميدان الخواطر الفاسدة ثم لا تقنع بذلك بل تطير الى جانب مرادك من الافعال الباطلة والاقوال الكاسدة ولعمرى هذا ليس فى طريق العوام فكيف فى طريق الصوفية الذين عقدوا على ان لا يخطر ببالهم سوى اللّه ولا يسألوا منه تعالى غير الوصول الى ذاته اين هم واللّه ان هذا زمان لم يبق من التصوف الا الاسم ولا من لباس التقوى الا الرسم نسال اللّه تعالى ان يوجهنا الى محراب ذاته ويسلك بنا الى طريق افعاله وصفاته ويفيض علينا من سجال بركاته ويشرفنا بالخاصة من هداياته انه هو الفياض من مشروع عناياته ١٠٣ { ثم بعثنا من بعدهم موسى } اى ارسلنا من بعد انقضاء وقائع الرسل المذكورين وهو نوح وهود ولوط وصالح وشعيب عليه السلام والتصريح بذلك مع دلالة ثم على التراخى للايذان بان بعثه عليه السلام جرى على سنن السن الآلهية من ارسال الرسل تترى فان اللّه تعالى من كمال رحمته على خلقه يبعث عند انصرام كل قرن وانقراض كل قوم نبيا بعد نبى كما يخلف قوما بعد قوم وقرنا بعد قرن ويظهر المعجزات على يدى النبى ليخرجهم بظهور نور المعجزات من ظلمات الطبيعة الى نور الحقيقة فان اغلب اهل كان زمان وقرن واكثرهم غافلون عن الدين وحقائقه مستغرقون فى بحر الدنيا مستهلكون فى اودية الشهوات واللذات النفسانية الحيوانية ظلمات بعضها فوق بعض { بآياتنا } حال من مفعول بعثنا وهو موس عليه السلام ملتبسا بآياتنا وهى الآيات التسع المفصلات التى هى العصا واليد البيضاء والسنون ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم كما سيأتى { الى فرعون } هو لقب لكل من ملك مصر من العمالقة كما ان كسرى لقب لكل من ملك فارس. وقيصر لكل من ملك الروم. وخاقان لكل من ملك الصين. وتبع لكل من ملك اليمن. والقيل لكل من ملك العرب. والنجاشى لكل من ملك الحبش. والخليفة لكل من ملك بغداد. والسلطان لآل سلجوق واسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن ريان وكان من القبط وعمر اكثر من اربعمائة سنة { وملائه } اى اشراف قومه وتخصيصهم مع عموم رسالته للقوم كافى لاصالتهم فى تدبر الامور واتباع غيرهم لهم فى الورود والصدور { فظلموا بها } عدى بالباء لتضمين ظلموا معنى كفروا بالمعجزات وظلموا علها بان جعلوها سحرا فوضعوها فى غير موضعها { فانظر } بعين عقلك يا من من شانه النظر والتأمل { كيف كان عاقبة المفسدين } الى كيفية ما فعلنا بهم فكيف خبر كان وعاقبة اسمها والجملة فى محل النصب بنزع الخافض اذ التقدير فانظر الى كذا ووضع المفسدين موضع ضميرهم للايذان بان الظلم مسلتزم للافساد وفى التفسير الفارسى [ حضرت موسى عليه السلام جون از مصر فرار نمود ودرمدين بصحبت شعيب عليه السلام رسيد ودختراو صفورا بعقد در آورده عزم مراجعت با مصر نمود دراثناى طريق بوادى ايمن رسيد وخلعت بيغمبرى يافت بمعجزة عصا ويد بيضا اختصاص بذيرفت حق سبحانه وتعالى فرمودكه بمصررو وفرعون را بخداى تعالى دعوت كن موسى بيامد وبعد از مدتى كه ملاقات فرعون دست داد آغار دعوت كرد ] قال الحدادى نقلا عن ابن عباس كان طول موسى عشرة اذرع على طوله وكانت من آس الجنة يضرب بها الارض فيخرج بها النبات فيلقيها فاذا هى حية تسعى ويضرب بها الحجر فيتفجر وضرب بها باب فرعون ففزع منها فشاب رأسه فاستحى فخضب بالسواد واول من خضب بالسواد فرعون وهو حرام لا يجد فاعله رائحة الجنة قال صاحب المحيط هذا فى حق غير الغزاة اما من فعله من الغزاة ليكون اهيب فى عين العدو لا للتزيين فغير حرام ١٠٤ { وقال موسى } اى لما دخل على فرعون ومن معه اخوه هارون بعثهما اللّه اليه بالرسالة قال { يا فرعون انى رسول } اى اليك { من رب العالمين } ادعوك الى عبادة رب العالمين وانهاك عن دعوى الربوبية فقال له فرعون كذبت ما انت برسول فقال موسى ١٠٥ { حقيق على ان لا اقول على اللّه الا الحق } اى جدير بان لا اقول على اللّه الا الحق فوضع على موضع الباء لافادة التمكن كقولك رميت علىلقوس وجئت على حالة حسنة اى رميت بالقوس وجئت بحالة حسنة او ضمن حقيق معنى حريص وفى المدارك ويجوز تعلق على بمعنى الفعل فى الرسول اى انى رسول حقيق جدير بالرسالة ارسلت على لا اقول على اللّه الا الحق انتهى. وقرأ نافع على بتشديد الياء ثم ان موسى لما ادعى انه رسول من رب العالمين ذكر ما يدل على صحة دعواه فقال { قد جئتكم ببينة } اى بمعجزة ظاهرة كائنة { من ربكم } يعنى العصا واليد { فارسل معى بنى اسرائيل } فى فخلهم حتى يذهبوا معى الى الارض المقدسة التى هى وطن آبائهم وكان قد استعبدهم [ وسبب آن بودكه جون يعقوب عليه السلام باولاد واحفاد خود بمصر آمدند همانجا قرار كرفتند ونسل ايشان بسيار شد ويعقوب ويوسف بابرادران دركذشتند وملك ريان كه فرعون زمان يوسف بود وبمرد بسرش مصعب بنى اسرائيل را حرمت ميداشت ومتعرض ايشان نمى شد جون او بمرد وليدكه فرعون زمان موسى بود برتخت سلطنت نشست وزبان بلاف انا ربكم الاعلى بكشاد بنى اسرائيل دعوى او قبول نكردند كفت بدر شما در مخريده كشان ما بود وشما بنده زادكان ماييد بس ايشانرا ببندكى كرفت ] وكان يستعملهم فى الاعمال الشاقة مثل ضرب اللبن ونقل التراب وبناء المنازل واشباه ذلك فلما جاء موسى اراد ان يرجع بهم الى موطن آبائهم الذى هو الارض المقدسة وكان بين اليوم الذى دخل فيه يوسف مصر واليوم الذى دخل فيه موسى اربعمائة عام ١٠٦ { قال } فرعون وهو استئناف بيانى { ان كنت جئت بآية } اى من عند من ارسلك كما تدعيه { فائت بها } قاحضرها عندى ليثبت به صدقك فان الاتيان والمجيئ وان كانا بمعنى واحدا لان بينها فرقا من حيث ان المجيئ هو جناب المرسل ومنتهى الاتيان هو المرسل اليه {ان كنت من الصادقين } فى دعواك ١٠٧ { فألقى عصاه } من يده { فاذا هى ثعبان } وهو الحية الصفراء الذكر اعظم الحيات لها عرف كعرف الفرس { مبين } اى ظاهر امره لا يشك فى كونه ثعبانا ولا يختلج ببال احد كونه من جنس العصا -روى- انه لما القاها صارت ثعبانا اشعر اى كان له على ظهره شعور سود مثل الرماح الطوال فاغرا على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب منه واحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون الفا فصاح فرعون يا موسى انشدك بلذى ارسلك خذه وانا اؤمن بك وارسل معك بنى اسرائيل فاخذه فعاد عصا والاشارة الى ان اللّه تعالى جعل عصاه ثعبانا لانه اضافها الى نفسه حين قال { هى عصاى } ثم جعلها محل حاجاته حيث قال { ولى فيها مآرب اخرى } ففيه اشارة الى ان كل شيء اضفته الى نفسك ورأيت حاجاتك فانه ثعبان يبتلعك ولهذا { فالقها يا موسى } يعنى لا تتمسك بها ولا تتوكأ عليها ولا كان قادرا على ان يجعلها فى يده ثعبانا كذا فى التأويلات النجمية ثم قال له فرعون هل معك آية اخرى قال نعم ١٠٨ { ونزع يده } اى اخرجها من جيبه او من تحت ابطه { فاذا هى بيضاء للناظرين } اى بيضاء بياضا نورانيا خارجا عن العادة ويجتمع عليها النظارة تعجبا من امرها وذلك ما يروى انه ارى فرعون يده وقال ما هذه فقال يدك ثم ادخلها جيبه وعليه مدرعة من صوف ونزعها فاذا هى بيضاء بياضا نورانيا غلب شعاعه شعاع الشمس وكان عليه السلام آدم شديد الادمة وفيه اشارة الى ان الايدى قبل تعلقها بالاشياء كانت بيضاء فلما تمسكت بالاشياء سارت ظلمانية فاذا نزعت عنها تصير بيضاء كما كانت فافهم جدا فلما شاهد فرعون هذه المعجزة تشاور مع اشراف قومه فى امر موسى ١٠٩ { قال الملأ من قوم فرعون } اى الاشراف منهم وهم اصحاب مشورته { ان هذا لساحر } [ جادويست ] { عليم } مبالغ فى عالم السحر ماهر فيه ولما كان السحر غالبا فى ذلك الزمان ولا شك ان اهل كل صنعة على طبقات مختلفة بحسب الحذاقة والمهارة زعم القوم ان موسى كان حتذقا فى علم السحر بالغا فيه الى اقصى الغاية وانه جعل علمه وسيلة الى طلب الملك والرسالة فلذلك قالوا ١١٠ { يريد ان يخرجكم } بسحره { من ارضكم } مصر ويجعل الحكومة لبنى اسرائيل فلما سمع فرعون هذا قال { فماذا تأمرون } بفتح النون وما فى فماذا فى محل النصب على انه مفعول ثان لتأمرون بحذف الجار والاول محذوف والتقدير بأى شئ تأمروننى اى فاذا كان كذلك فماذا تشيرون ١١١ { قالوا } لفرعون { ارجه } اصله ارجئه بهمزة ساكنة وهاء مضمومة والارجاء التأخير { واخاه } هارون وعدم التعرض لذكره قيل لظهور كونه معه حسبما تنادى به الآيات الاخر. والمعنى آخر امرهما ولا تعجل { وارسل فى المدائن } الجار متعلق بارسل. والمدائن جمع مدينة وهة البقعة المسورة المستولى عليها ملك والمدائن صعيد مصر وكان له مدائن فيها السحرة المعدة لوقت الحاجة اليهم. والمعنى وابعث الشرط الى هذه المدائن { حاشرين } مفعوله محذوف اى حاشرين السحرة. والمعنى ليحشروا ويجمعوا اليك من فيها من السحرة ١١٢ { يأتوك بكل ساحر عليم } اى ماهر فى السحر. والسحر فى اللغة لطف الحيلة فى اظهار الاعجوبة واصل ذلك من خفاء الامر ومن ذلك سمى آخر الليل سحرا لخفاء الشخص ببقاء ظلمته والسحر الرئة سميت بذلك لخفاء امرها بانتفاخها تارة وضمورها اخرى [ آورده اندكه بهيج قرن جندان ساحر نبوده كه قرن موس ورؤساء سحره باقصى مداين صعيد بودند در تفسير دمياطى آورده كه درمداين صعيد دو برادر بودندكه ايشانرا در فن سحر وقوفى تمام بود جون فرستاده فرعون بديشان رسيد مادرخودرا كفتند مارا بسر قبر بدرما بر جنان كرد وايشان بدر خود اواز دادنكه يا ابتا ملك مصر مارا طلبيده بجهت آنكه دوكس آمده اند بى شكر وسباه وكاربرو بد وننك آورده وايشانرا عصا بيست جون مى افكنند ازدرها ميشود وهرجه بيش او آيد مى خورد وفرعون داعيه نموده كه مارا با او معارضة فرمايد صاحب قبر جواب دادكه جون بمصر رسيد برسيدكه وقتى كه ايشان در خواب باشد اثر ندارد جون حال بدين منوال باشد نه شما وهيجكس از عالميان را قوت معارضه با ايشان نخواهد بود القصة برادران با شاكردان ومصاحبان كه دوازده هزار بودند ودرزاد المسير كويد هفتاد هزار بمصر آمدند وبنزد فرعون جمع شدند ] تهموا انهم بالتأخير وحسن التدبير وبذل الجهد والتشمير يغيرون شيأ من التقدير ولم يعلموا ان الحق غالب والحكم سابق وعند حلول الحكم فلا سلطان للعلم والفهم ١١٣ { وجاء السحرة فرعون } بعدما ارسل اليهم الحاشرين { قالوا } واثقين بغلبتهم { ان لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين } بطريق الاخبار بثبوت الاجر وايجابه كأنهم قالوا لا بد لنا من اجر عظيم حينئذ او بطريق الاستفهام التقريرى بحذف الهمزة وقولهم ان كنا لمجرد تعيين مناط ثبوت الاجر لا لترددهم فى الغلبة وتوسيط الضمير وتحلية الخبر باللام للقصر اى ان كنا نحن الغالبين لا موسى ١١٤ { قال نعم } اى ان لكم لاجرا { وانكم } مع ذلك لمن المقربين عندى فى المنزلة قال الكلبى قال لهم تكونون اول من يدخل مجلسى وآخر من يخرج منه وفى التأويلات النجمية اجرى اللّه هذا على لسان فرعون حقا وصدقا بانهم صاروا من المقربين عند اللّه لا عند فرعون انتهى [ آورده اندكه مهتراين جماعت جهارتن بودند وآن دو برادركه شابور وغادور ميكفتند وديكر حطط ومصفى ودر لباب آورده كه اين جهارنيز مهترى بود شمعون نام جون بمصر آمدند وشابور وغادور واقعه سؤال وجواب بدر با قوم كفتند ايثان از قصه حواب وبيدارى موسى وازدرها شدن عصا استفسار بليغ نمودند معلوم شدكه هركاه موسى درخوابست عصا ازدرهاشده باسبانى ميكند ايشانرا ترددى بديد آمد ودغدغه درخاطر خطور كرد نهان ميداشتند تاوقتى كه فرعون موسى را طلبيده ومقرر شدكه جادوان مناظره كنند ومجلس معارضه انتظام يافت ساحران وعصا ورسنى جند بميدان آودند فرعون بالاى تخت بتفرج بنشست ومردم مصر بنظارة حاضر شدند هفتاد هزار ساحر بريك طرف وموشى وهارون بريك جانب بايستاند جادوان بطريق ادب بيش آمده ] ١١٥ { قالوا يا موسى اما ان تلقى } اى عصاك اولا { واما ان نكون نحن الملقين } اى حبالنا وعصينا اوّلا خيروا موسى عليه السلام فكان ذلك سبب ايمانهم ١١٦ { قالوا القوا } ان قيل كيف القوا والامر بالسحر لا يجوز اجيب يجوز القوا ان كنتم محقين على زعمكم ويجوز ان يكون امرهم بالالقاء لتأكيد المعجزة قال القاضى قال القوا كرما وتسامحا وازدراء بهم ووثوقا على شانه يعنى ليس امرهم بالالقاء قبله من قبيل الاباحة للسحر والرضى بالكفر. والمعنى القوا ما تلقون { فلما القوا } ما القوا { سحروا أعين الناس } [ جادويى كردند برجشمهاى مردمان ] بان خيلوا اليهم ما لا حقيقة له قال ابن الشيخ قلبوها وصرفوها على ان تدرك الشيء على ما هو عليه بسبب ما فعلوه من التمويهات { واسترهبوهم } استفعل ههنا بمعنى افعل والسينلتأكيد معنى الرهبة اى بالغوافى ارهابهم { وجاؤا بسحر عظيم } فى وقته -روى- انهم جمعوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات جسام غلاظ ولطخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق داخل تلك العصى فلما اثرت حرارة الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض وكانت كثيرة جدا تخيل الناس انها تتحرك وتلتوى باختيارها وصار الميدان كأنه ماء مملوء بالحيات ١١٧ { واوحينا الى موسى ان الق عصاك فاذا هى} حية تلقف مَا يَأْفِكُونَ وتبتلع من لقفف يلقف على وزن علم يعلم يقال لقفته القفه لقفا وتلقفته تلقفا اذا اخذته بسرعة فاكلته وابتلعته فكون اى يزورون من الافك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه -روى- انها لنا تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها باسرها اقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم لا يعلم عددهم الا اللّه تعالى ثم اخذها موسى فصارت عصا كما كانت واعدم اللّه بقدرته القاهرة تلك الاجرام العظام او فرقها اجزاء لطيفة فقالت السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا ١١٨ { فوقع الحق } اى ثبت وصدق موسى عليه السلام فى قوله انى رسول من رب العالمين حيث صدق اللّه تعالى بما اظهر على يده من المعجزة الباهرة { وبطل ما كانوا يعملون } اى ظهر بطلان ما كانوا مستمرين على عمله وهو السحر ١١٩ { فغلبوا } اى فرعون واتباعه { هنالك } اى فى مجلسهم { وانقلوا صاغرين } اى صاروا اذلاء مبهوتين فالانقلاب هنا بمعنى الصيرورة ١٢٠ { والقى السحرة ساجدين } اى خروا سجدا كأنما القاهم ملق لشدة خرورهم كيف لا وقد بهرهم الحق واضطرهم الى ذلك. ففى الكلام استعارة تمثيلية حيث شبه حالهم فى سرعة الخرور وشدته حين شاهدوا المعجزة القاهرة بحال من القى على وجهه فعبر عن حالهم فى سرعة الخرور وشدته حين شاهدوا المعجزة القاهرة بحال من القى على وجهه فعبر عن حالهم بما يدل على حال المشبه به ١٢١ { قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون } ابدلوا الثانى من الاول لئلا يتوهم ان مرادهم فرعون لان فرعون وان ربى موسى وهو صغير الا انه لم ير هارون قطعا قال ابن عباس آمنت السحرة واتبع موسة من بنى اسرائيل ستمائة الف ١٢٢ { قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون } ابدلوا الثانى من الاول لئلا يتوهم ان مرادهم فرعون لان فرعون وان ربى موسى وهو صغير الا انه لم ير هارون قطعا قال ابن عباس آمنت السحرة واتبع موسة من بنى اسرائيل ستمائة الف ١٢٣ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ١٢٤ { لأقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف } اى من كل شق طرفا يعنى ايديكم اليمنى وارجلكم اليسرى { ثم لاصلبنكم اجمعين } على شاطئ نهر مصر على جذوع النخل تفضيحا لكم وتنكيلا لامثالكم قيل هو اول من سن ذلك فشرعه اللّه تعالى لقطاع الطريق تعظيما لجرمهم ولذلك سماهم تعالى محاربة اللّه ورسوله ١٢٥ { قالوا } ثابتين على ما احدثوا من الايمان وهو استئناف بيانى { انا الى ربنا منقلبون } راجعون اى بالموت لا محالة سواء كان ذلك من قبلك ام لا فلا نبالى بوعيدك وانا الى رحمة ربنا وثوابه منقلبون ان فعلت بنا ذلك كأنهم استطابوه شغفا على لقاء اللّه تعالى : وفى المثنوى جانهاى بسته اندر آب وكل ... جون رهند از آب وكلها شاد دل درهواى عشق حق رقصان شوند ... همجو قرص در بى نقصان شوند جون نقاب تن برفت ازروى روح ... ازلقاى دوست دارد صد فتوح ميزند جان در جهان آبكون ... نعره يا ليت قومى يعلمون ١٢٦ { وما تنقم منا } اى وما تنكر وما تعيب منا { الا ان آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا } وهو خير الاعمال واصل المناقب ليس مما يتأتى لنا العدول عنه طلبا لمرضاتك ثم فزعوا الى اللّه تعالى فقالوا { ربنا افرغ علينا صبرا } اى افض علينا من الصبر وعيد فرعون ما يغمرنا كما يغمر الماء فافراغ الماء اى صبه من فقبيل الاستعارة شبه الصبر على وعيد فرعون بالماء الغامر تشبيها مضمرا فى النفس وجعل نسبة الافراغاليه تخييلا للاستعارة بالكناية لان فراغ من لوازم الماء وملاثماته { وتوفنا مسلمين } ثابتين على ما رزقتنا من الاسلام غير مفتونين من الوعيد قيل لم يقدر عليهم لقوله تعالى { انتما ومن اتبعكما الغالبون } وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما فاخذ فرعون السحرة فقطعهم ثم صلبهم على شاطئ نيل مصر وفى المثنوى ساحران جون حق او بشناختند دست وبا در جرمها در باختند وفى القصة اشارة الى ان فرعون النفس ايضا منكر على ايمان سحرة صفاتها ويقول { آمنتم به } اى بموسى الروح { من قبل ان آذن لكم } يعنى الايمان به { ان هذا لمكر مكرتموه } يا سحرة الصفات فى موافقة موسى الروح { فى المدينة } مدينة القالب والبدن { لتخرجوا منها اهلها } وهو اللذات والشهوات البدنية الجسمانية فان صفات النفس اذا آمنت ووافقت الروح وصفاته خرجت من البدن لذات الدنيا وشهواتها { فسوف تعلمون } حيلى ومكايدى فى ابطالكم واستيفاء اللذات والشهوات { لأقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف } بسكين التسويل عن الاعمال الصالحة { ثم لاصلبنكم اجمعين } فى جذوع تعلقات الدنيا وزخارفها { قالوا انا الى ربنا منقلبون } لا الى الدنيا وما فيها { وما تنقم منا الا ان آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا افرغ علينا صبرا } على قطع تعلقات الدنيا { وتوفنا مسلمين } لعبوديتك ١٢٧ { وقال الملأ من قوم فرعون } -روى- ان فرعون بعد ما رأى من موسى عليه السلام ما رأى من معجزة العصا واليد البيضاء خافه اشد الخوف فلذلك لم يجب ولم يتعرض له بسوء بل خلى سبيله فلذلك قال له اشراف قومه { أتذر موسى وقومه } اى أتتركهم { ليفسدوا فى الارض } اى يفسدوا على الناس دينهم فى ارض مصر ويصرفوهم عن متابعتك { ويذرك } عطف على يفسدوا { وآلهتك } معبوداتك قيل كان يعبد الكواكب والاصح كما فى تفسير الفارسى تنه صنع وقومه اصناما على صورته وارمهم بان يعبدوا تقربا اليه ولذلك قال لنا ربكم الاعلى { قال } فرعون مجيبا لهم { سنقتل ابناءهم } [ زود باشد كه بكشيم بسران ايشانرا ] { وتستحيى نساءهم } اى نتركهن احياء ولا نقتلهن بل نستخدمهن والمقصود سنعود الى قتل ابنائهم واستخدام نسائهم كما كنا نفعل وقت ولادة موسى ليعلم انا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم انه المولود الذى حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه { وانا فوقهم قاهرون } اى مستعلون عليهم بالقوة كما كنا لم يتغير حالنا اصلا وهم مقهوروون تحت ايدينا ١٢٨ { قال موسى لقومه } تسلية لهم وعدة لحسن العاقبة حين سمعوا قول فرعون وعجزوا عنه { استعينوا باللّه } [ يارى خواهيد ازخداى تعالى دردفع بلاى فرعون ] { واصبروا } على ما سمعتم من اقاويله الباطلة { ان الارض للّه } اى ارض مصر { يورثها من يشاء من عباده } [ ميراث دهدهر كرا ميخواهد ازبندكان خود ] { والعاقبة } [ عاقبة نيكويا نصرت وظفر يابهشت ] { للمتقين } الذين انتم منهم لانه روى انه لما غلب سحرة فرعون وتبين نبوة موسى بسطوع حجته آمن بموسى من بنى اسرائيل ستمائة الف نفس واتقوا عن الشرك والعصيلن وفيه ايذان بان الاستعانة باللّه تعالى والصبر من باب التقوى : قال الحافظ آنكه بيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت ... اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم ١٢٩ { قالوا } اى بنوا اسرائيل { اوذينا } اى من جهة فرعون { من قبل ان تأتينا } اى بالرسالة يعنون بذلك قتل ابنائهم قبل مولد موسى عليه السلام وبعده { ومن بعد ما جئتنا } اى رسولا يعنون به ما توعدهم به من اعادة قتل الابناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والظلم والعذاب { قال } اى موسى عليه السلام لما راى شدة جزعهم { مما يشاهدونه مسليا لهم بالتصريح بما لوح به فى قوله ران الارض للّه } الآية { عسى ربكم ان يهلك عدوكم } اى يرجى ان ربكم قارب اهلاك عدوكم الذى فعل بكم ما فعل وتوعدكم باعادته. فعسى من العبد لطمع مضمون خبرها ومن اللّه تعالى اطماع وما اطمع اللّه فيه فهو واجب لان الكريم اذا طمع ووعد فيصير كانه اوجبه على نفسه { ويستخلفكم فى الارض } اى يجعلكم خلفاء فى ارض مصر وفى الارض المقدسة { فينظر } النظر قد يراد به الفكر المؤدى الى العلم وقد يراد به تقليب الحدقة نحو المرئى ليترتب عليه الرؤية وكل واحد من المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فهو مجاز عن الرؤية التى هى غاية للنظر اى فيرى { كيف تعملون } أحسنا ام قبيحا فيجازيكم حسبما يظهر منكم من شكر وكفران وطاعة وعصيان وفى الحديث ( ان الدنيا حلوة خضرة ) يعنى حسنة فى المنظر تعجب الناظر والمراد من الدنيا صورتها ومتاعها وانما وصفها بالخضرة لان العرب تسمى الشيء الناعم خضرا او لتشبهها { وان اللّه مستخلفكم فيها } اى جاعلكم خلفاء فى الدنيا يعنى ان اموالكم ليست هى فى الحقيقة لكم وانما هى اللّه تعالى جعلكم فى التصرف فيها بمنزلة الوكلاء { فناظر كيف تعملون } اى تتصرفون قيل معناه جاعلكم خلفاء ممن كان قبلكم ومعطى ما فى ايديهم اياكم فناظر هل تعتبرون بحالهم وتتدبرون فى مآلهم : قال السعدى قدس سره نرود مرغ سوى دانه فراز ... جون دكر مرغ بيند اندر بند بند كير از مصائب دكران ... تا نكيرند ديكران زتو بند والاشارة ان فرعون النفس قال له قوم الهوى والغضب والكبر { أتذر } موسى الروح { وقومه } من القلب والسر والعقل { ليفسدوا فى الارض } فى ارض البشرية { ويذرك آلهتك } من الدنيا والشيطان والطبع لا تعبد { قال } فرعون النفس { سنقتل ابناءهم } وابناء ثات الروح والقلب والنفس اعمالهالصالحة اى نبطل اعمالهم بالرياء والعجب { ونستحيى نساءهم } اى الصفات التى منها تتولد الاعمال { وانا فوقهم قاهرون } بالمكر والخديعة والحيلة { قال موسى } الروح { لقومه } وهم القلب والعقل والسر { استعينوا باللّه واصبروا } على جهاد النفس ومخالفاتها ومتابعة الحق { ان الارض } اى ارض البشرية { للّه يورثها من يشاء من عباده } يورث ارض بشرية السعداء الروح وصفاته فيتصف بصفاته ويورث ارض بشرية الاشقياء النفس وصفاتها فتتصف بصفاتها { والعاقبة للمتقين } يعنى عاقبة الخير والسعادة للاتقياء والسعداء منهم { قالوا } يعنى قوم الروح له { اوذينا من قبل ان تاتينا } اى قبل ان تأتينا بالواردات الروحانية قبل البلوغ كنا نتأذى من اوصاف البشرية ومعاملاتها { ومن بعد ما جئتنا } بالواردات والالهامات الروحانية بعد البلوغ تتأذى من دواعى البشرية { قال } يعنى الروح { عسى ربكم ان يهلك عدوكم } النفس وصفاتها بالواردات الربانية ويدفع اذيته عنكم فيه يشير الى ان الواردات الروحانية لا تكفى لافناء النفس وصفاتها ولا بد فى ذلك من تجلى صفات الربوبية { ويستخلفكم } يعنى اذا تجلى الرب بصفة من صفاته لا يبقى فى ارض البشرية من صفات النفس صفة الا ويبدلها بصفات الروح والقلب ويستخلفها { فى الارض فينظر كيف تعلمون } فى اقامو العبودية واذا شكر نعم الربوبية كذا فى التأويلات النجمية ١٣٠ { ولقد اخذنا آل فرعون } اى قوم فرعون واهل دينه آل الرجل خاصته الذين يؤول امرهم اليهم وامرهم اليه { بالسنين } جمع سنة وهى فى الاصل بمعنى العام مطلقا الا انها غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويؤرخ به حتى صارت كالعلم له كالنجم غلب علىلثريا { ونقص من الثمرات } باصابة العاهات زيادة فى القحط لات الثمار قوت الناس وغذاؤهم وعن كعب يأتى على الناس زمان لا تحمل النخلة الا تمرة قال ابن عباس اما السنون فكانت لباديتهم واهل ماشيتهم واما نقص الثمرات فكان فى امصارهم { لعلهم يذكرون } كى يتذكروا ويتعظوا بذلك ويتيقنوا ان ذلك لاجل معاصيهم وينزجروا عماهم عليه من العتو والعناد فلعل علة المأخذ اما ناء على تجويز تعليل افعاله تعالى باغراض راجعة الى العباد كما ذهب اليه كثير من اهل السنة. واما تنزيلا لترتب الغاية على ما هى ثمرة له منزلة ترتب الغرض له فان استتباع افعاله تعالى لغايات ومصالح متقنة جليلة من غير ان تكون هى علة غائية لها بحيث لولاها لما اقدم عليها ما نزاع فيه دلت الآية على ان المحن والشدائد والمصيبات موجبات الانتباه والاعتبار ولكن لاهل السعادة واولى الابصار فاما اهل الشقاوة فلا ينبههم كثرة النعمة ولا يوقظهم شدة النقمة : قال الشيخ السعدى قدس سره بكوشش نرويد از شاخ بيد ... نه زنكى بكرمايه كردد سفيد ١٣١ { فاذا جاءتهم الحسنة } اى السعة والخصب وغيرهما من الخيرات { قالوا لنا هذه } اى لاجلنا واستحقاقنا لها ولم يروا ذلك فضلا من اللّه { وان تصبهم سيئة } اى جدب وبلاء { يطيروا بموسى ومن معه } اى يتشاءموا بموسى واصحابه ويقولوا ما اصابتنا الا بشؤمهم واصله يتطيروا ادغمت التاء فى الطاء لقرب مخرجهما واشتقاق التطير من الطير كالغراب وشبهه سمى الشؤم ضد اليمن طيرا وطائرا تسمية للمدلول باسم ما يدل عليه فانهم يجعلون الطير والطائر امارة ودليلا على شؤم الامر وبناء التفعيل فيه للتجنب اى لبعد الفاعل عن اصلح كتحوب اى تجنب وتباعد من الحوب وهو الاثم وسيجيء تفصيل الطيرة قال سعيد بن جبير كان ملك فرعون اربعمائة سنة فعاش ثلاثمائة سنة لا يرى مكروها ولوارى فى تلك المدة جوع يوم او حمى يوم او وجع ساعة لما الدعى الربوبية ولما قالوا سبب ما جاءنا من الخير والحسنة هو استحقاق انفسنا اياه وسبب ما اصابنا من السيئة والشر هو شأمة موسى ومن معه كذبهم اللّه تعالى فى كل واحد من الحكمين بقوله { ألا } اعلموا { انما طائرهم عند اللّه } اى سبب ما اصابهم من الخير والشر انما هو عند اللّه تعالى وصفة قائمة به وهى قضاؤه وتقديره ومشيئته وهو الذى أيهما شاء اصابهم به وليس بيمن احد ولا بشؤمه عبر عما عند اللّه تعالى بالطائر تشبيها له بالطائر الذى يستدل به على الخير والشر او سببه شؤمهم عند اللّه تعالى وهو اعمالهم السيئة المكتوبة عنده فانها التى ساقت اليهم ما يسوءهم لا ما عداها فالطائر عبارة عن الشؤم {ولكن اكثرهم لا يعلمون } ان ما يصيبهم من اللّه تعالى او من شؤم اعمالهم فيقولون ما يقولون مما حكى عنهم واسناد عدم العلم الى اكثرهم للاشعار بان بعضهم يعلمون ذلك ولكن لا يعلمون بمقتضاه عنادا واستكبارا واعلم ان الطير بمعنى التشاؤم والاسم منه الطيرة على وزن العنبة وهو ما يتشاءم به من الفأل الرديئ والاصل فى هاذ ان العرب كانوا يتفاءلمون بالطير فان خرج احدهم الى مقصده واتى الطير من ناحية يمينه يتمين به ويتبرك ويسمسه سانحا وان اتى من ناحية شماله يتشاءم به ويسميه بارحا فيرجع الى بيته ثم كثر قولهم فى الطير حتى استعملوه فى كل ما تشاءموا به وابطل النبى عليه السلام الطيرة بقوله ( الطير شرك ) قاله ثلاثا وانما قال شرك لاعتقادهم ان الطيرة تجلب لهم نفعا او تدفع عنهم ضررا اذا عملوا بموجبها فكأنهم اشركوها مع اللّه تعالى قال عبد اله من خرج من بيته ثم رجع لم يرجعه الا الطيرة رجع مشركا او عاصيا وذكر فى المحيط اذا صاحت الحمامة فقال رجل يموت المريض كفر القائل عند بعض المشايخ. واذا خرج الرجل الى السفر فصاح العقعق فرجع من سفره فقد كفر عند بعض المشايخ قال عكرمة كنا عند ابن عمر وعنده ابن عباس رضى اللّه عنهما فمر غراب يصيح فقال رجل من القوم خير خير فقال لا خير ولا شر وانما اختص الغراب غالبا بلتشاؤم به اخذا من الاغتراب بحيث قالوا غراب البين لانه بان عن نوح عليه السلام لما وجهه لينظر الى الماء فذهب ولم يرجع ولذا تشاءموا به واستخرجوا من اسمه الغربة قال ابن مسعود لا تضر الطيرة الا من تطير ومعناه ان من تطير تطيرا منهيا عنه او يراه ما يتطير به حتى يمنعه مما يريده من حاجته فانه قد يصيبه ما يكره فاما من توكل على اللّه ووثق به بحيث علق قلبه باللّه خوفا ورجاه وقطعه عن الالتفات الىلاسباب المخوفة وقال ما امر به من الكلمات ومضى فانه لا يضره فالمراد بالكلمات ما فى قوله عليه السلام ( ليس عبد الا سيدخل قلبه الطيرة فاذا احس بذلك فليقل اللّهم لا طير الا طيرك ولا خير الا خيرك ولا اله غيرك ولا حول ولا قوة الا باللّه ما شاء اللّه كان لا يأتى بالحسنات الا اللّه ولا يذهب بالسيآت الا اللّه واشهد ان اللّه على كل شيء قدير ) ثم يمضى الى حاجته اى كل ما اصاب الانسان من الخير والشر واليمين والشؤم ليس الا بقضائك وتقديرك وحكمك ومشيئتك وفى الحديث ( الشؤم فى المرأة والفرس والدار ) فشؤمى المرأة سوء خلقها غلاها مهرها. وقل ان لا تلد. وشؤم الفرس عدم انقياده او انه لا يغزى عليه. وشؤم الدار ضيقها او سوء جارها وهذا الحكم على وجه الغلبة لا القطع خص الثلاث بالذكر لان فيها يصل الضرر الكثير الى صاحبها او لانها اقرب الى الآفة فيما يبتلى به الانسان فمن تشاءم بالمذكورات فليفارقها واعترض عليه بحديث ( لا طيرة ) اجاب ابن قتيبة بان هذا مخصوص منه اى لا طيرة الا فى هذه الثلاث وسمع فيلسوف صوت مغن بارد فقال يزعم اهل الكهانة ان صوت البوم يدل على موت الانسان فان كان ما ذكروه حقا فصوت هذا يدل على موت البومة زيبقم در كوش كن تانشنوم ... ياردم بكشاى تا بيرون روم وتساقطت النجوم فى ايام بعض الامراء فخاف من ذلك واحضر المنجمين والعلماء فما اجابوا بشيء فقال جميل الشاعر هذى النجوم تساقطت ... لرجوم اعداء الامير فتفاءل به وامر له بصلة حسنة ولا بأس بان يتفاءل بالفأل الحسن وكان النبى عليه السلام يجب الفأل ويكره الطيرة والفأل الحسن هى الكلمة الصالحة يسمعها من اخيه نحو ان يسمع احد وهو طالب امر يا واجد يا نجيح او يكون فى سفر فيسمع باراشد يعنى يا واجد الطريق المستقيم او مريضا فيسمع يا سالم فالتفاؤل بالامور المشروعة مشروع والطيرة منهى عنها والفرق بين الفأل والطيرة مع ان كل واحد منهما استدلال بالامارة على مىل الامر وعاقبته ان الارواح الانسانية اقوى واصفى من الارواح البهيمية والطيرية فالكلمة الحسنة التى تجرى على لسان الانسان يمكن الاستدلال بها على شيء من الاحوال ويروى ان النبى عليه السلام حول رداءه فى الاستسقاء وذكر فى الهداية انه كان تفاؤلا يعنى قلب علينا الحال كما قلبنا رداءنا وروى عن ابى هريرة رضى اللّه عنه انه قال قلت يا رسول اللّه انى اسمع منك حديثا كثيرا انساه فقال ( ابسط رداءك ) فبسطه ففرق بيديه ثم قال ( ضمه ) فضممته فما نسيت شيأ بعده وهذا البسط والفرق والضم ليس الا تفاؤلا والا فالعلم ليس مما يسقط على الرداء ويمكن فيه الفرق والضم ولكن التفاؤل يحصل به يعنى كما بسطت ردائى توقيا لما يسقط فيه كذلك اصغيت سمعى لما يقع فيه من الكلام وكما اعطيت شخصا كثيرا من الرزق يفرق بين اليدين فكذا اعطيته شيأ كثيرا من العلم وكما يؤمن بالضم من سقوط ما فى الرداء كذلك يؤمن من خروج ما فى السمع او نسيان ما فى الخاطر فبعض الاوضاع يدل على بعض الاحوال كما ان بعض الاسماء يدل على بعض الامور كما حكى ان عمر رضى اللّه عنه قال لرجل ما اسمك قال جمرة قال ابن من قال ابن شهاب قال من ابن قال من الخرقة قال اين تسكن فى الحرة وهى ارض ذات حجارة سود وكأنها احرقت فقال عمر ادرك اهلك فقد احترقوا فرجع فوجدهم قد احترقوا واراد عمر رضى اللّه عنه الاستعانة برجل فسأله عن اسمعه فقال ظالم بن شراق فقال تظلم انت ويسرق ابوك ولم يستعن ودل هذا على تبديل الاسماء القبيحة بالاسماء الحسنة فان فى الاسماء الحسنة التفاؤل ونظير ذلك ما يفهم من قوله عليه السلام ( لا تمارضوا فتمرضوا ) يعنى ان من اظهر المرض وقال انا مريض فهذا القول والفعل منه يثمر المرض ويؤاخذ به كفت بيغمبركه رنجورى بلاغ ... رنج آرد تابميرد جون جراغ واللّه الهادى الى الحسنات وهو دافع السيآت ١٣٢ { وقالوا } اى فرعون وقومه بعد ما رأوا من شان العصا والسنين ونقص الثمرات { مهما } اسم شرط يجزم فعلين كقولك مهما تفعل افعل كأن قائلا قال لك لا تقدر على ان تفعل ما افعل فتقول له مهما تفعل افعل ومحله الرفع على الابتداء وخبره فما نحن لك بمؤمنين اى اى شيء وبالفارسية [ هرجيز كه ] { تأتنا به } تظهر لدينا وتحضره والضمير لمهما { من آية } بيان لمهما وانما سوها آية على زعم موسى لا لاعتقادهم { لتسحرنا بها } اى لتسحر بتلك الآية اعيننا وتسكرها { فما نحن لك بمؤمنين } اى بمصدقين لك ومؤمنين بنبوتك ١٣٣ { فارسلنا عليهم } -روى- ان القوم لما عالجهم موسى بالآيات الاربع العصا واليد والسنين ونقص الثمرات فكفروا ودعا وكان حديدا قال يا رب ان عبدك فرعون علا فى الارض وبغى وعتا وان قومه نقضوا عهدك فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومى عظة ولمن بعدهم عبرة فارسل اللّه عليهم عقوبة لجرائمهم { الطوفان } اى الماء الذى طاف بهم واحاط وغشى اماكنهم وحرثهم من مطر او سيل { والجراد } فى التفسير الفارسى [ ملخ برنده ] وفى حياة الحيوان الجراد البرى اذا خرج من بيضته يقال له الدباء فاذا بدت فيه الالوان واصفرت الذكور واسودت الاناث يسمى جرادا حينئذ وفى الحديث ( لا تقتلوا الجراد فانه جند اللّه الاعظم ) وهذا ان صح اراد به اذا لم يتعرض لافساد الزرع فان تعرض له جاز دفعه بالقتل وغيره ووقعت بين يدى النبى عليه السلام جرادة فاذا مكتوب على جناحيها بالعبرانية نحن جند اللّه الاكبر ولنا تسع وتسعون بيضة ولو تمت لنا المائة لاكلنا الدنيا وما فيها فقال النبى عليه السلام ( اللّهم اهلك الجراد اقتل كبارها وامت صغارها افسد بيضها وسد افواهها عن مخزارع المسلمين وعن معايشهم انك سميع الدعاء ) فجاء جبرائيل عليه السلام فقال انه قد استجيب لك فى بعضه وعن حسن بن على كنا على مائدة نأكل انا واخى محمد ن الحنفية وبنوا عمى عبد اللّه وقثم الفضل بنى العباس فوقعت جرادة على المائدة فاخذها عبد اللّه وقال لى مكتوب عليها انا اللّه لا اله انا رب الجراد ورازقها وان شئت بعثتها رزقا لقوم وان شئت بعثتها بالا على قوم فقال عبد اللّه هذا من العلم المكنون وليس فى الحيوان اكثر فسادا لما قتاته الانسان من الجراد واجمع المسلمون على اباح اكله قال الاربعة يحل اكله سواء مات حتف انفه او بذكاة او باصطياد مجوسى او مسلم قطع منه شيء اولا والدليل على عموم حله قوله عليه السلام ( احلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد ) واذا تبخر انسام بالجراد البرى نفعه من عسر البول وقال ابن سينا اذا اخذنا منها اثنا عشر ونزعت رؤسها واطرافها وجعل معها قليل آس يابس وشرب للاستسقاء نفعه. واما الجراد البحرى فهو من انواع الصدف كثير بساحل البحر ببلاد المغرب ويأكلونها كثيرا مشويا ومطبوخا ولحمها نافع للجذام { والقمل } فى التفسير الفارسى [ ملخ بياده ] وقيل هو كبار القردان وهو جمع قراد يقال له بالتركى ( كنه ) مسلط على البعير وفى الامثال اسمع من قراد وذلك انه يسمع صوت اخفاف الابل من مسيرة يوم فيتحرك وقيل هو السوس الذى يخرج من الحنطة وقيل انه شيء فى الزرع وليس بجراد فيأكل السنبلة وهى غضة قبل ان تقوى فيطول الزرع ولا سنبل له وقرأ الحسن والقمل بفتح القاف وسكون الميم يريد به القمل المعروف الذى يقع فى بدن الانسان وثوبه واذا القيت القملة حية اورثت النسيان قال الجاحظ وفى الحديث ( اكل الحامض وسؤر الفار ونبذ القمل يورث النسيان ) واذا اردت ان تعلم هل المرأة حامل بذكر او انثى فخذ قملة واحلب عليها من لبنها فى كف انسان فان خرجت من اللبن فهى جارية وان لم تخرج فهو ذكر وان حبس على انسان بوله فخذ قملة من قمل بدنه واجعلها فى احليله فانه يبول من ورقته والقمل المعروف يتولد من العرق والوسخ اذا اصاب ثوبا او ريشا او شعرا حتى يصير المكان عفنا قال الجاحظ وربما كان للانسان قمل الطباع وان تنظف وتعطر وبدل الثياب كما عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام حيث استأذنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى لباس الحرير فاذن لهما فيه ولولا انهما كانا فى حد ضرورة لما اذن فى ذلك من التشديد فيجوز لبس الثوب الحرير لدفع القمل لانه لا يقمل بالخاصية قال فى انوار المشارق والاصح ان الرخصة لا تختص بالسفر انتهى وفى الواقعات المحمودية ان القمل يكون من البرودة ولذلك يكثر فى الشتاء ولا يكون فى الصيف قال السيوطى ولم يقع على ثيابه عليه السلام ذباب قط ولا اذاه القمل { والضفادع } جمع ضفدع مثل خنصر وهو الاشهر الصحيح من حيث اللغة والانثى ضفدعة وناس يقولون بفتح الدال كدرهم وانكره الخليل حيث قال ليس فى الكلام فعلل الا اربعة احرف دررهم وهجدم وهبلع وبلعم وهواسم والضفادع انواع كثيرة ويكون من سفاد وغير سفاد فالذى من سفاد يبيض فى البر ويعيش فى الماء والذى من غير سفاد يتولد فى المياه القائمة الضعيفة الجرى ومن العفونات وغب الامطار الغزيرة حتى يظن انه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على الاسطحة عقيب المطر والريح وليس ذلك عن ذكر وانثى وانما اللّه تعالى يخلقه فى تلك الساعة من طباع تلك التربة وهى من الحيوانات التى لا عظام لها وفيها ما ينق وفيها ما لا ينق منها يخرج صوته من قرب اذنه وتوصف بحده السمع اذا تركت النقيق وكانت خارج الماء واذا ارادت ان لا تنق ادخلت فكها الاسفل فى الماء ومتى دخل الماء فى فيها لا تنق وما اظرف قول بعض الشعراء وقد عوتب فى كلامه قالت الضفدع قولا فسرته الحكماء فى فمى ماء وهل ينطق من فى فيه ماء قال سفيان يقال انه ليس شيء اكثر ذكر اللّه منه قال الزمخشرى تقول فى نقيقها سبحان الملك القدوس -روى- ان داود عليه السلام قال لا سبحن اللّه الليلة تسبيحا ما سبحه احد من خلقه فنادته ضفدع من ساقيه فى داره يا داود أتفخر على اللّه تعالى بتسبيحك وان لى لسبعين سنة ما جف لى لسان من ذكر اللّه وان لى لعشر ليال ما طمعت خضراء ولا شربت كماء اشتغالا بكلمتين قال ما هما قالت يا مسبحا بكل لسان ومذكورا بكل مكان فقال دارد فى نفسه وما عسى ان اكون ابلغ من هذا وعن انس لا تقتلوا الضفادع فانها مرت بنار ابراهيم عليه السلام فحملت فى افواهها الماء وكانت ترشه على النار وقال ابن سينا اذا كثرت الضفادع فى سنة وزادت على العادة يقع الوباء عقبيه وفى الواقعات المحمودية تعبير الضفدع انه نقصان خفى فانه يذكر انه كان فى الاصل كيالا فلاجل نقصانه فى الكيل ادخل فيه. ومن خواصه انه اذا اخذت امرأة ضفدع الماء وفتحت فاه وبصقت فيه ثلاث مرات ورمته الى الماء فانها لا تحبل ودمه اذا طلى به الموضع الذى نتف شعره ولم ينبت ابدا وشحم الضفادع الاجامية اذا وضع على الاسنان قلعها من غير وجع قال القزوينى ولقد كنت بالموصل ولنا صاحب فى بستان بنى مجلسا وبركة فتولدت فيها الضفادع وتأذى سكان المكان بنقيقها وعجزوا عن ابطاله حتى جاء رجل وقال اجعلوا طشتا على وجه الماء مقلوبا ففعلوا فلم يسمعوا الها نقيقا بعد ذلك { والدم } -روى- انهم مطروا ثمانية ايام فى ظلمة شديدة لا يستطيع ان يخرج واحد من بيته ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه الى تراقيهم وهى جمع ترقوة وهى العظم الذى بين ثغر النحر والعاتق وهو موضع الرداء من المنكب ولم يدخل بيوت بنى اسرائيل منه قطرة مع انها كانت مختلطة ببيوت القبط فاض النماء على ارضهم وركد فمنعهم من الحرث والتصرف ودام سبعة ايام فقالوا له عليه السلام ادرع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشف عنهم فنبت من العشب والكلام ما لم يعهد مثله فقالوا هذا ما كنا نتمناه وما كان هذا الماء الا نعمة عليناع وخصبا فلا واللّه لا نؤمن بك يا موسى فنقضوا العهد واقاموا على كفرهم شهرا فبعث اللّه عليهم الجراد بحيث وقع على الارض بعضه على بعض ذراعا فاكل زروعهم وثمارهم وابوابهم وسقوفهم وثيابهم ولم يدخل بيوت بنى اسرائيل منه شيء ففزعوا اليه عليه السلام كما ذكر فخرج الى الصحراء واشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الى النواحى التى جاء منها بعد ان اقام فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق جرادة واحدة ثم نظروا فاذا فى بعض المواضع من نواحى مصر بقية كلاء وزرع فقالوا هذا يكفينا يقية عامنا هذا فلا واللّه لا نؤمن بك فسلط اللّه عليهم القمل فمكث فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق لهم عودا اخضر ولحس جميع ما فى اراضيهم مما ابقاه الجراد وكان يقع فى اطعمتهم ويدخل بين ثيابهم وجلودهم فيمصها وينهشهم ويأكل شعورهم وحواجبهم واشفار عيونهم ومنعهم النوم والقرار وظهر بهم منه الجدرى قال الحدادى فى تفسيره هم اول من عذبوا بالجدرى وبقى فى الناس الى الان ثم فزعوا اليه عليه السلام ثالثا فرفع عنهم فقالوا قد تحققنا الان انك ساحر قالوا وما عسى ربك ان يفعل بنا وقد اهلك كل شيء من نبات ارضنا فعلى اى شيء نؤمن بك اذهب فما استطعت ان تفعله فافعله ثم ارسل اللّه عليهم الضفادع بحيث لا ينكشف ثوب ولا طعام الا وجدت فيه وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب لى قدورهم وهى تغلى والى افواههم عند النكلم وكان بعضهم لا يسمع كلام بعض من كثرة صراخ الضفادع وكانوا اذا قتلوا واحدا منها خافوا ما حول محله حتى لا يستطيعون الجلوس فيه ففزعوا اليه رابعا وتضرعوا فاخذ عليهم العهود فدع فكشف اللّه عنهم بريح عظيمة نبذتها فى البحر فنقضوا العهد فارسل اللّه عليهم الدم فصارت مياههم وآبارها وانهارها دما احمر عبيطا حتى كان يجتمع القبطى والاسرائيلى على اناء فيكون ما يليه دما وما يلى الاسرائيلى ماء على حاله ويمص الماء من فم الاسرائيلى فيصير دما فيه قوم موسى شو بخور اين آب را ... صلح كن بامه ببين مهتاب را ثم ان فرعون اجهده العطش وكانوا يأتونه باوراق الاشجار الرطبة فيمصها فتصير دما عبيطا او اجاجا وكانوا لا يأكلون ولا يشربون سبعة ايام الا الدم فقال فرعون اقسم بالهك يا موسى لئن كشفت عنا هذا الدم لنؤمنن لك فدعا فعذب ماؤهم فعادوا لكفرهم الى ان كان من امر الغرق ما كان { آيات مفصلات } حال من مفعول ارسلنا اى ارسلنا عليهم هذه الاشياء حال كونها آيات وعلامات مبينات لا يشكل على عاقل انها آيات اللّه ونقمته وقيل معنى مفصلات مفرقات ومنفصلات بان فصل بعضها عن بعض بزمان لامتحان احوالهم هل يعتبرون او يستمرون على المخالفة والعناد وما كان بين كل اثنين منها شهر وكان امتداد ك واحدة منها اسبوعا { فاستكبروا } اى تعظموا عن الايمان بها { كانوا قوما مجرمين} [ كروهى مجرم يعنى معانددر كفركه باوجود تظاهر آيات وتتابع آن ايمان نياوردند ] ١٣٤ { ولما وقع عليهم الرجز } اى العذاب المذكور من الطوفان وغيره اى كلما وقع عليهم عقوبة من تلك العقوبات { قالوا } فى كل مرة { يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك } الباء صلة لادع وما مصدرية والمراد بالعهد النبوة اى ادع لنا ربك يكشف عنا العذاب بحق ما عندك من عهد اللّه تعالى وهو النبوة فان حق النبوة ومقتضاها ان يدعو النبى لامته لدفع ما اصابهم من البلايا والمحن سميت النبوة عهدا للمبالغة فى كونها معهودا بها فانه تعالى لما بعثه رسولا واوصاه بتحمل اعباء الرسالة وميثاق التبليغ فقد جعلت النبوة مما اوصى به وعهده فجعلت نفس العهد للمبالغة فى كونها معهودا بها وفى التفسير الفارسى { بما عهد عندك } [ بآنجه عهد كرده وآن عهد نزديك تست يعنى خداى تو باتو وعده كرده كه جون اورا بخوانى ابابت كند ] فما موصولة عبر بها عما يدعو به المتضرع الى اللّه تعالى فى طلب حاجته والباء ايضا صلة لادع { لئن كشفت } اى [ بازبرى وزائل كردانى ] { عنا الرجز } الذى وقع علينا { لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى اسرائيل } الى موطن آبائهم وهو الارض المقدسة ولنطلقنهم من التسخير والاعمال الشاقة ١٣٥ { فلما كشفنا عنهم الرجز الى اجل هم بالغوه } اى الى حد من الزمان معذبون فيه او مهلكون وهو وقت الغرق والى اجل متعلق بقوله لما كشفنا وقوله هم بالغوه فى محل الجر على انه صفة لاجل { اذا هم ينكثون } جواب اى لما كشفنا عنهم فاجأوا النكث من غير تامل وتوقف والنكث بالفارسى [ عهد شكستن ] ١٣٦ { فانتقمنا منهم } الفاء لسببية النكث للانتقام والعقاب واريد بالانتقام نتيجته وهو الاهلاك ومثله الغضب لان التشفى فى حقه تعالى محال قال ابن الشيخ الانتقام العقاب الواقع على مجازاة السيئة بالسيئة وانما اسند الانتقام الى ذاته الانبياء وكمل الاولياء كانوا فانين عما سوى اللّه باقين باللّه فكان اللّه خليفتهم فى اخد الانتقام من اعدائهم. والمعنى فاردنا الانتقام منهم اى من فرعون وقومه لما اسلفوا من المعاصى والجرائم فانه قوله تعالى { فاغرقناهم } عين الانتقام منهم فلا يصح دخول الفاء بينهما فاطلق اسم المسبب على السبب تنبيها على ان الانتقام لم ينفك عن الارادة ويجوز ان يكون المراد مطلق الانتقام. والفاء تفسيرية كما فو قوله تعالى { ونادى نوح ربه فقال رب } الخ { فى اليم } اى فى البحر الذى لا يدرك قعره او فى لجته ولجة البحر معظم مائه قال الحدادى فى اليم اى فى البحر يلبسان العبرانية وهى لغة اليهود وفى التفسير الفارسى { فى اليم } [ در درياى قلزم بنزديك مصر ] وذلك ان اللّه تعالى امر موسى ان يخرج ببنى اسرائيل فاستعار نسوة بنى اسرائيل من نساء آل فرعون حليهم وقلن ان لنا خروجا الى عيد فخرج ببنى اسرائيل فى اول الليل وهم ستمائة الف من رجل وامرأة وصبى فبلغ الخبر فرعون فركب ومعه الف الف ومائتا الف فادركهم فرعون حين طلعت الشمس وانتهى موسى الى البحر فضرب البحر فانفلق اثنى عشر طريقا وكانت بنو اسرائيل اثنى عشر سبطا فعبر عن كل سبط طريقا فاقبل اثنى عشر طريقا وكانت بنو اسرائيل اثنى عشر سبطا فعبر عن كل سبط طريقا فاقبل فرعون ومن معه فدخلوا بعدهم من حيث دخلوا فلما صاروا جميعا فى البحر امر اللّه البحر فالتطم عليهم فغرقوا { بانهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } تعليل للاغراق اى كان اغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات التسع الاتى جاء بها موسى واعراضهم عنها وعدم تفكرهم فيها بحيث صالروا كالغافلين عنها بالكلية والفاء وان دلت على ترتيب الاغراق على ما قبله من النكث لكنه صرح بالتعليل ايذانا بان مدار جميع ذلك تكذيب آيات اللّه والاعراض عنها ليكون ذلك مزجرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والاعراض عنها ١٣٧ { واورثنا } [ ميراث داديم ] { القوم الذين } يعنى بنى اسرائيل والقوم مفعول اول لاورثنا { كانوا يستضعفون } اى يستضعفهم القبط ويقهرونهم ويستذلونهم بدبح الابناء واستخدام النساء والاستعباد { مشارق الارض ومغاربها } مفعول ثان لاورثنا والارض ارض الشام ومشارقها ومغاربها جهاتها الشرقية والغربية ملكها بنو اسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فى نواحيها { التى باركنا فيها } بالخصب وسعة الارزاق صفة للمشارق والمغارب { وتمت كلمة ربك الحسنى } المراد بالكلمة وعده تعالى اياهم بالنصر والتمكين وهو ما ذكره بقوله { ونريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الارض ونرى فرعون وهامان وجنود هما منهم ما كانوا يحذرون } وتمامها مضيها وانتهاؤها الى الانجاز لان العدة بالشيء التزام يقاعه بالعبارة واللسان وتمامها لا يكون الا بوقوع الموعود فى الخارج والعيان { على بنى اسرائيل بما صبروا } اى بسبب صبرهم على الشدائد التى كابدوها من جهة فرعون وقومه { ودمرنا } اى خربنا واهلكنا { ما كان يصنع فرعون وقومه } من العمارات والقصور اى ودمرنا الذى كان فرعون يصنعه على ان فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف وقيل اسم ضمير عائد الى ما الموصولة ويصنع مسند الى فرعون والجملة خبر كان والعائد محذوف تقديره ودمرنا الذى كان يصنعه فرعون { وما كانوا يعرشون } اى يرفعون من الجنات اى الكروم والاشجار قال فى زبدة التفاسير العرش سقف فى الكروم والاشجار واشارت الآية الى ان العزيز من اعزه اللّه والذليل من اذله اللّه ومن صبر على مقاساة الذل فى اللّه توجه بتاج العزة وجعل له حسن العاقبة واللّه تعالى كما وعد لبنى اسرائيل وانجز وعده فاستخلفهم فى مشارق الارض ومغاربها كذلك وعد لهذه الامة كما قال تعالى فى سورة النور { وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم } والمراد بالارض ارض الكفار من العرب والعجم والمراد بالذين من قبلهم بنوا اسرائيل وفى الحديث ( ان اللّه زوى لى الارض فرأيت مشارقها ومغاربها وان ملك امتى سيبلغ ما زوى لى منها ) يقول ان اللّه تعالى جمع وضم هذه الارض ليلة المعراج او فى غير ذلك الوقت فرأيت جميع آفاق الارض من المشارق والمغارب ثم وعد امته بان اللّه تعالى يملأ الدنيا كلها عدلا وقسطا كما ملئت قبل ذلك جورا وظلما ويملك المؤمنين جميع الارض هذا على تقدير حمل اللام فى الارض على الاستغراق وقيل اللام للعهد الخارجى كما اذا قيل اغلق الباب اذا كان مشاهدا ومن للتبيين ولا دليل على جمع جميع الارض ولم يبلغ ملك امته جميع اجزائها فأى موضع من الارض وقع نظره عليه السلام عليه كان دار الاسلام وأى مكان كان محجوبا عنه كان دار الكفر واللّه اعلم بحقيقة الحال ومنه الكرم والنوال واليه الرجوع والمآل ١٣٨ { وجاوزنا ببنى اسرائيل البحر } فاعل بمعنى فعل يقال جاوز وجاز بمعنى واحد وجاوز الوادى اذا قطعه وجاوز بغيره البحر عبر به فالباء هنا معدية كالهمزة والتشديد فكأنه قال وجزنا ببنى اسرائيل البحر اى اجزناهم البحر وجوزناهم بالفارسية [ وبكذرانيديم بنى اسرائيل را از دريا بسلامت ] والمراد بحر القلزم واخطأ من قال انه نيل مصر قال فى القاموس القلزم كقنفذ بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور واليه يضاف بحر القلزم لانه على طرفه او لانه يبتلع من ركبه لان القلزمة الابتلاع -روى- انه عبر بهم موسى عليه السلام يوم عاشوراء فصاموا شكرا للّه تعالى { فأتوا } اى مروا { على قوم } كانوا من العمالقة الكنعانيين الذين امر موسى عليه السلام بقتالهم وقيل كانوا من لخم وهو حى من اليمن ومنهم كانت ملوك العرب فى الجاهلية وعن الزمخشرى انه قبيل بمصر { يعكفون على اصنام لهم } اى يواظبون علىعبادتها ويلازمونها قال فى تاج المصادر العكوف [ كرد جيزى در آمدن ودر جايى مقيم شدن ] يقال عكفه حبسه وعكف عليه اقبل عليه مواظبا { قالوا } عند ما شاهدوا احوالهم { يا موسى اجعل لنا إِلَهًا } مثالا نعبده {كما لهم آلهة } يعبدونها. والكاف متعلقة بمحذوف وقع صفة لآلها وما موصولة ولهم صلتها وآلهة بدل من ما والتقدير اجعل لنا آلها كائنا كالذى استقر هو لهم فالعائد محذزف وكانت اصنامهم تماثيل بقر وهو اول شأن العجل { قال انكم قوم تجهلون } وصفهم بالجهل المطلق حيث لم يذكر المفعول لبعد ما صدر عنهم عن العقل بعد ما شاهدوا من الآية الكبرى والمعجزة العظمى ١٣٩ { ان هؤلاء } يعنى القوم الذين يعبدون تلك التماثيل { متبر } اسم مفعول من باب التفعيل يقال تبره تتبيرا اى كسره واهلكه والمعنى مكسر ومهلك { ما هم فيه } اى من الدين الباطل. يعنى ان اللّه تعالى يهدم دينهم الذى هم عليه عن قريب ويحطم اصنامهم ويجعلها رضاضا اى فتاتا. قوله ما هم فيه مبتدأ ومتبر خبر له ويجوز ان يكون ما هم فيه فاعل متبر لاعتماده على المسند اليه { وباطل } اى مضمحل بالكلية { ما كانوا يعملون } من عبادتهم وان كان قصدهم بذلك التقرب الى اللّه تعالى فانه كفر محض ١٤٠ { قال } موسى { أغير اللّه } أغير المستحق للعبادة { أبغيكم } بحذف اللام اى ابغى لكم اى اطلب لكم { آلها } تمييز من غير او حال فانه مفعول ابغى والهمزة فيه للانكار والمنكر هو كون المبغى غيره تعالى { وهو فضلكم على العالمين } اى والحال انه تعالى خصكم بنعم لم يعطها غيركم وهى الآيات القاهرة والمعجزات الباهرة وانما لم يحصل مثلها لاحد من العالمين قال الحدادى على عالمى زمانكم من القبط وغيرهم بعدما كنتم مستعبدين اذلاء وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص اللّه اياهم من بين امثالهم بما لم يستحقوه تفضلا بان قصدوا الى اخس شيء من مخلوقاته تعالى فجعلوه شريكا له تعالى : قال الحافظ همايى جون توعالى قدر حرص استخوان تاكى ... دريغ آن سايه دولت كه برنا اهل افكندى فتبا لمن لا يعرف قدره ويعلق همته بما لا ينبغى له خلق نيست سيرت بدران ... همه برسيرت زمانه روند ثم ذكر نعمة الانجاء وما يتبعه قال تعالى ١٤١ { واذا انجيناكم من آل فرعون } اى واذكروا يا بنى اسرائيل صنيعة اللّه معكم فى وقت انجائكم وتخليصكم من ايدى آل فرعون باهلاكهم بالكلية ثم استأنف ببيان ما انجاهم منه فقال { يسومونكم سوء العذاب } اى يبغونكم اشد العذاب وافظعه من سام السلعة اذا طلبها ثم ابدل منه وبين فقال { يقتلون ابناءكم } اى يذبحونهم { ويستحيون نساءكم } اى يستبقونهن للاستخدام { وفى ذلكم } اى الانجاء او سوء العذاب { بلاء } اى نعمة او محنة فان البلاء يطلق على كل واحد منهما قال تعالى { وبلوناهم بالحسنات والسيآت } { من ربكم } من مالك اموركم فان النعمة والنقمة كلتيهما منه سبحانه وتعالى { عظيم } لا يقادر قدره. تقدم الكلام على الانجاء وفضيلة عاشوراء فى سورة البقرة فليطلب ثمة والاشارة ان بنى اسرائيل صفات القلب كانتى معذبة فى مصر القالب وصفاتها فلما خلصها اللّه تعالى من بحر الدنيا وفرعون النفس { فأتوا على قوم } اى وصلوا الى صفات الروح { يعكفون على اصنام لهم } من المعانى المعقولة والمعارف الروحانية فاستحسنوها وارادوا العكحوف على عتبة عالم الاوراح { قالوا } الموسى الوارد الربانى الذى جاوزم بهم فى بحر الدنيا { يا موسى اجعل لنا آلها كمالهم آلهة } يشير الى انه لولا ان فضل اللّه ورحمته على العبد يثبته على قدم العبودية وصدق الطلب الى ان يبلغه الى المقصد الا على لكان العبد يركن الى كل شيء من حسائس الدنيا فضلا عن نفائس العقبى كقوله تعالى لسيد البشر عليه السلام { ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن الهم شيأ قليلا } { قال } لهم موسى الوارد الربانى عند ركونهم الى الروحانية { انكم قوم تجهلون } قدر اللّه وعنايته معكم { ان هؤلاء } يعنى صفات الروح { متبر ما هم فيه } من الركون والعكوف على استجلاء المعانى المعقولة والمعارف الروحانية { وباطل ما كانوا يعملون } فى غير طلب الحق والوصول الى المعارف الربانية { قال أغير اللّه ابغيكم آلها } اى انزلكم منزلا غير الوصول والوصال { وهو فضلكم على العالمين } من الحيوانات والجن والملك تفضيل العبور من الجسمانيات والروحانيات والوصول الى المعارف والحقائق الآلهيات { واذا انجيناكم من آل فرعون } يعنى من النفس وصفاتها { يسومونكم سوء العذاب } اى سوء عذاب البعد { ويقتلون ابناءكم } اى يبطلون اعمالكم الصالحة التى هى متولدات من صفات القلب بآفة الرياء والعجب النفسانى { ويستحيون نساءكم } يعنى صفات القلب لاستخدام النفس وصفاتها { وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم } يعنى فكان فى استخدام صفات القلب للنفس وصفاتها بان تعمل الصالحات رياء وسمعة لجلب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلاء عظيم من ربكم فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه فلا تركنوا الى الروحانية والى المعقولات لكى تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال كذا فى التأويلات النجمية وعن بعض الكبار اول وصال العبد الحق هجرانه لنفسه واول هجران الحق العبج مواصلته لنفسه واول درجات القرب محو شواهد النفس واثبات شواهد الحق ومن طلب الدلالة فانها لا غاية لها ومن طلب اللّه عز وجل وحده باول خطوة يقصده بها : قال الحافظ غرض زمسجد وميخانه ام مصال شماست ... جز اين خيال ندارم خدا كواه منست قال بعض الصالحين عرضت على الدنيا بزينتها فاعرضت عنها ثم عرضت الاخرى بحورها وقصورها وزينتها فاعرضت عنها فقيل لو اقبلت على الاولى حجبناك عن الاخرى ولو اقبلت على الاخرى حجبناك عنا فها نحن لك وقسمتك فى الدارين تأتيك وقال احمد بن حضرويه رأيت رب العزة فى المنام فقال لى يا احمد كل الناس يطلبون منى الا ابا يزيد فانه يطلبنى وقال ابراهيم بن ادهم رأيت جبريل عليه السلام فى المنام وبيده قرطاش فقلت ما تصنع به قال اكتب اسما المحبين فقلت اكتب تحتهم محب المحبين ابراهيم بن ادهم فنودى يا جبريل اكتبه فى اولهم ١٤٢ { وواعدنا } الوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها { موسى } اسم اعجمى لا اشتقاق فيه واما موسى الحديد فهو مفعل من اوسيت رأسه اذا حلقته او فعلى من ماس يميس اذا تبختر فى مشيه فسميت موسى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الخلق { ثلاثين ليلة } [ سى شبانه روز جون مدار حساب شهور عرب برؤية هلالست وآن بشب مرئى ميشود تاريخ را بشب مقيد كرد ] وثلاثين مفعول ثان لواعدنا على حذف المضاف اى تمام او مكث ثلاثين قال ابن لشيخ الموعود يجب ان يكون من فعل الواعد وتفس الثلاثين ليس كذلك فكأنه قيل وواعدنا موسى ما يتعلق بثلاثين ليلة وهو منا انزال عند اتمام صوم الثلاثين ومن موسى صوم تلك المدة واتيان الطور انتهى بتغيير عبارته فواعدنا ليس بمعنى وعدنا بلا على بابه بناء على تنزيل قبول موسى عليه السلام منزلة الوعد { وأتممناها بعشر } اى زدنا على تلك الثلاثين عشر ليال { فتم ميقات ربه } ما وقت له فى الوقت الذى ضرب له والفرق بين الميقات والوقت ان الميقات وقت لا تقدر لان يقع فيه عمل من الاعمال وان الوقت ما يقع فيه شيء سواه قدره مقدر لان يقع فيه ذلك الشيء ام لا { اربعين ليلة } حال من قوله ميقات ربه اى تم بالغا هذالعدد وهو مفعول تم لانه بمعنى بلغ -روى- ان موسى عليه السلام وعد بنى اسرائيل وهم بمصر ان اهلك اللّه عدوهم اتاهم بكتاب فيه بيان ما ياتون وما يذرن فلما هلك فرعون سال موسى ربه الكتاب فارمه بصوم ثلاثين وهو ذو القعدة بتمامه ليكلمه ريوحى اليه وبكرمه بما يتم به امر نبوته فصامهن موسى عليه السلام على طريق المواصلة بين ليلهن ونهارهن وانما لم يجع فى تلك المدة وصبر لم يصبر نصف يوم فى سفر الخضر حيث قال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قيل لان سفر الحضر سفر التأديب والامتحان والابتلاء فزاد البلاء على الابتلاء حتى جاع فى نصف يوم فى صحبة المخلوق وحضوره الجبل وسفره اليه سفر اللقاء وصحبة الحق فانساه هيبة الموقف الطعام والشراب واغناه من غيره ثم لما اتم الثلاثين وانسلخ الشهر انكر خلوف فيه اى كره ان يكلم ربه وريح فمه ريح الصائم فتسوك بعود خرنوب وتناول شيأ من نبات الارض فمضغه فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك وقيل اوحى اللّه تعالى اليه اما علمت ان ريح فم الصائم اطيب عندى من ريح المسك ولذاكره التوسك عند الشافعى فى آخر نهار الصوم بناء على ان السواك يزيل الخلوف فامر اللّه تعالى بان يزيد عليها عشرة ايام من ذى الحجة ليعود فوه الى ما كان عليه فصم فتشرف بالوحى والكليم يوم النحر كذا قال اهل التفسير وفيه ان الوحى والتكليم اذا كان يوم النحر يلزم ان لا يكون ايام الصوم اربعين كملا وهو مخالف للنص اللّهم الا ان تعتبر الليالى او كان صوم يوم النحر مشروعا فى شريعته هكذا لاح بالبال ثم ان موسى علهي السلام لما اراد الانطلاق الى الجبل للمناجاة امره اللّه تعالى ان يختار سبعين رجلا من قومه من ذوى الحجى والعقل ليشهدوا له على ما يشاهدونه من كرامة اللّه تعالى اياه ففعل واستخلف هارون اخاه فى قومه كا قال تعالى { وقال موسى لاخيه هرون } قبل انطلاقه الى الجبل الذى امر بالعبادة فيه كما فى تفسير الحدادى وهارون وعطف بيان { اخلفنى } كن خليفتى وقم مقامى { فى قومى } وراقبهم فيما يأتون ويذرون { واصلح } ما يحتاج الى الاصلاح من امورهم وسرفيهم السيرة الصالحة التى لا فساد فيها وثبتهم على ما اخلفهم عليه من الايمان واخلاص العبادة { ولا تتبع سبيل المفسدين } اى ولا تتبع من سألك الافساد ولا تطع من دعاك اليه وذلك ان موسى عليه السلام كان يشاهد كثرة خلافهم حالا بعد حال فوصاه فى امرهم فان قيل ان هارون كان شريك موسى فى النبوة قال تعالى خبرا عن موسى { واشركه فى امرى } فكيف استخلفه قلنا المأموران بشيء لا ينفرد احدهما بفعله الا بمر صاحبه فلذلك قال اخلفنى ولأن موسى كان اصلا فيها وهارون معينا له قال موسى { فارسله معى ردئا يصدقنى } ولهذا كان هو المناجى على الخصوص والمعطى للالواح ولما امر بالذعاب الى فرعون سال اللّه ان يشرك معه هارون ولما ذهب الى الطور للمناجاة خلفه فى قومه واستخلفه وهو موضع الاعتراض فى الظاهر ولكن لا اعتراض على الاكابر لان حركاتهم الظاهرة انما تنبعث من دواعى قلوبهم وتلك الدواعى الهامات واردة من اللّه تعالى لاصنع لهم فيها فمن عرف دورانهم بامر الهى هان عليه التطبيق والتوفيق وسفقط عنه الاعتراض على اصحاب التحقيق مع ان درجات الانبياء متفاضلة كما قال تعالى { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض } فمن منع الرؤية عن موسى منع المناجاة عن هارون وكون هارون وشريكه فى الامر الظاهر لا يقتضى ان يكون رديفه فى الامر الباطن فان لكل مقام رجالا رموز مصلحت ملك خسروان دانند ... كداى كوشه نشينى توحافظا مخروش انظر ان موسى عليه السلام استخلف هارون واعتمد عليه فى حفظ قومه فعبدوا العجل فى العشر الذى زيد على الثلاثين ورسولنا صلى اللّه عليه وسلم قال اللّه خليفتى على امتى فثبتهم اللّه على الحق واعلم ان ذا القعدة وذا الحجة من الاشهر الحرم ويكفى شرفا لهما ان اللّه تعالى امر موسى بصومهما وجعلهما محل قبول الحاجات وميقات المناجات وفى الحديث ( صيام يوم من الاشهر الحرم يعدل شهرا وصيام يوم من غير الاشهر الحرم يعدل شهرا ) وفى الحديث ( من صلام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب اللّه له عبادة تسعمائة سنة ) وقال كعب الاحبار اختار اللّه الزمان فاحيه اليه الاشهر الحرم وذو القعدة من الاشهر الحرم بغير خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال احتراما له فعلى السالك ان يتهيأ فيه لمناجاته ربه بالصوم الظاهرى والامساك الباطنى فان موسى روحه متشوف لنوال الوصال ومتطلب لرؤية الجمال والاشارة فى الآية ان الميعاد فى الحقيقة كان اربعين ليلة وانما اظهر الوعد ثلاثين ليلة لضعف البشرية ولئلا تستكثر النفس الاربعين وتسوّل له ان لا يقوى على ذلك فيداخله خوف البشرية فواعده ثلاثين ليلة ثم اتمها بالعشر وفيه ان للارعين خصوصية فى استحقاق استماع الكلام للانبياء كما ان لها اختصاصا فى ظهور ينابيع الحكمة من قلوب الاولياء كقوله عليه السلام ( من اخلص للّه اربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ) قال اهل العرفان ان سر التربيع والاربعين الموسوية وكان بين خلفق آدم ونفخ روحه اربع جمع من جمع الآخرة فاكمل الاشكال تأثيرا صورة التربيع فى الآحاد والاعشار والمآت والالوف كما اشار صلى اللّه عليه وسلم بقوله ( خير الاصحاب اربعة وخير السرايا اربعمائة ) ١٤٣ { ولما جاء موسى لميقاتنا } اى لوقتنا الى وقتناه وعيناه وحددناه له وهو تمام الاربعين اى اختص مجيئه بميقاتنا كما فى قولك اتيته لعشر خلون من الشهر فاللام للاختصاص وليست بمعنى عند والميقات بمعنى الوقت وقد سبق الفرق بينهما فى المجلس المتقدم ان قيل لم وعده اللّه بالكلام فى الجبل وفوق العلى وتحت الثرى واحد عند حضرته وهو منزه عن الجهات قيل ان فى الجبل وصف الثبات والعلو والتفرد لان الارض ما استقرت بغير الجبال فاثبتها الحق بها واوتدها حكمة منه وعرض الامانة عليها لاتصافها بصفة التثبت والتمكن والتفرد والتعلى ولذلك فضل الجبال فى الامكنة وشرفها بمشهد الكلام وتعلق تجلى الجمال وعرض الامانة عليها وشرح الصدر المحمدى فيها ومناجاة موسى عليها فبدا من ذلك ان المقامات فاضلا ومفضولا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى البروسوى خير الجماعة جماعة الارواح وجماعتهم فى الجبال والمواضع الخالية وعلامة مجمعهم انه لا يذهب خضرة ذلك الموضع ونظارته فى الصيف والشتاء قال انما جئنا الى هذا المكان فى هذا الجبل بناء على مجيئتهم يقول الفقير عنى به موضع زاويته المنيفة فى مدينة بروسة فى سفح الجبل المعروف هناك وقد زرته وزرت مرقده العالى فى داخل القلعة قدس اللّه سره وقال وهب جاء الى طور سيناء ومعه جبريل فتطهر وطهر ثوبه وانزل اللّه الظلمة على سبعة فراسخ وطرد عنه الشيطان وطرد عنه هوام الارض ونحى عنه الملكين وكشط له السماء فرأى الملائكة قياما فى الهواء وراى العرش بارزا وسمع صرير القلم { وكلمه ربه } من غير واسطة وكيفية كما يكلم الملائكة وكان جبريل معه فلم يسمع ما كلمه ربه ولذا خص باسم الكليم لاختصاصه بذلك من بين البشر فان سائر الانبياء عليهم السلام انما يكلمهم اللّه بواسطة الكتاب والملك فان قيل بأى شيء علم وموسى انه كلام اللّه قيل لم ينقطع كلامه بالنفس مع الحق كما ينقطع مع المخلوق بل كلمه بمدد وحدانى غير منقطع شاهد نفسه بمنزلة الآلة عند الصانع والآلة يحركها الاستاذ كيف يشاء لانه ليس للآلة تصنع وتعمل وقيل علم انه كلام الحق وميزه عن غيره بانه سمع الكلام من الجوانب الستة فصارت جميع جوارحه كسمعه فصار الوجود كله سمعا فوجد لذة الكلام بوجوده كما وجدها بسمعه قال ابن الشيخ فى حواشيه كلامه تعالى صفة ازلية قائمة بذاته ليست من جنس هذه الحروف والاصوات وكما لا تبعد عن رؤيته تعالى مع ان ذاته ليست جسما ولا عرضا فكذلك لا يبعد سماع كلامه مع كونه ليس من جنس الحرف والصوت انتهى وفى حل الرموز المؤمن فى الآخرة وجه محض وعين محض وسمع محض ينظر من كل جهة وبكل جهة وعلى كل جهة وكذا يسمع بكل عضو من كل جهة بغير جهة خاصة واذا شاهد الحق يشهده بكل وجه ليس فيه من الجهات ولا يحتجب سمعه وبصره بالجهات كما اشار سبحانه بقوله { كنت سمعه وبصره } والكامل الواصل له حكم الآخرة فى الدنيا كما قال سيد الواصلين ( موتوا قبل ان تموتوا وحاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ) انتهى يقول الفقير هذا ليس بمحل الجرح والانكار لان اللّه تعالى وان خلق حاسة السمع لادراك الاصوات لكن يجوز ان يدرك بحاسة ما يدرك بحاسة اخرى كما ذهب اليه علماء الكلام لان ذلك الادراك يمحض خلق اللّه تعالى من غير تأثير للحواس فلا يمتنع ان يخلق عقيب صرف الباصرة ادراك الاصوات مثلا فثبت ان كل عضو من الاعضاء الانسانية يجوز ان يخلق اللّه تعالى فيه ما خلق فى السمع من ادراك الاصوات ان قيل لم لم يكلم اللّه سائر الانبياء مشافهة الا موسى قيل لانه لم يكن لهم من الاعداء ما لموسى كفرعون وهامان وقارون واليهود ولم يكن قوم اسوأ وكفر قوم من اليهود بعد مشاهدتهم معجزات كثيرة فايده اللّه بكلامه ليتحمل به ما امتحن به من البلايا فى قومه يقول الفقير كون عدو موسى اقوى واشد وانما هو بالنسبة الى اعداء الانبياء غير نبينا صلى اللّه عليه وسلم فانه قد ثبت ان فرعون آمن عند الغرق واما ابو جهل فلا بل اظهر العداوة عند النزع فاعتبر منه قوة حاله وعلو مقامه صلى اللّه عليه وسلم فى المكالمة والرؤية ليلة المعراج وفى الحديث ( ناجى موسى ربه بمائة الف واربعين الف كلمة فى ثلاثة ايام وصايا كلها ) كذا فى الوسيط وقال بعضهم كلم اللّه موسى اربعين يوما وليلة وهذا واللّه اعلم غير الاربعين المتقدمة على الوحى والتعليم وعن فضيل بن عياض قال حدثنى بعض اشياخى ان ابليس جاء الى موسى وهو يناجى ربه فقال الملك ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحال يناجى ربه قال ارجو منه ما رجوت من ابيه آدم وهو فى الجنة وكذا قال السدى لما كلم اللّه موسى غاص الخبيث ابليس فى الارض حتى خرج من بين يدى موسى فوسوس اليه ان مكلمك شيطان يقول الفقير يرده ما سبق من ان الشيطان طرد عنه وقتئذ وهو الصحيح لان المقام لا يسع الشيطان وانما سلطانه على اهل الملك دون ارباب الملكوت وفرق بينه وهو مناج فى الطور وبين آدم وهو معاشر فى الجنة فان قلت قوله تعالى فى سورة الحج { وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى اذا اذا تمنى القى الشيطان فى امنيته } يدل على ان كل نبى مبتلى بذلك خصوصا وقت التلاوة وهى من انواع المناجاة قلت فرق بين التلاوة الظاهرة والمناجاة الباطنة الا ترى الى قوله عليه السلام ( لى مع اللّه وقت يسعنى فيه ملك مقرب ولا تبى مرسل ) فما ظنك بالشيطان المردود الى اسفل سافلين البعد كما لاح ببالى واللّه اعلم ولما سمع موسى كلام ربه غلب عليه الشوق الى رؤيته وقال هذه لذة الخبر فكيف لذة النظر مع ان الكل يعمل على شاكلته وشاكلة البشر وفطرته على طلب العلو والترقى اذا ظفر بشيء طلب ما هو اعلى منه ولا اعلى من تجلى الجمال وفيض الوصال فسال الرؤية وفى التفسير الفارسى [ جون موسى كلام حق شنيد وازجام كلام ربانى جرعه ذوق محبت جشيد فراموش كردكه او در دنياست خيال بستكه درفردوس اعلاست وجون جنت جاى مشاهده لقاست ] { قال رب ارنى } ذاتك اى مكننى من رؤيتك { انظر اليك } ارك فالنظر بمعنى الرؤية الا ان المطلوب بقوله ارنى ليس ان يخلق اللّه تعالى رؤية ذاته المقدسة فى موسى حتى يلزم كون الشيء غاية ذاته المقدسة وتمكينه تعالى اياه من الرؤية سبب لرؤية موسى اياه تعالى فاطلق عليه اسم الرؤية المسببة عنه مجازا -روى- عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال لما قال موسى عليه السلام { ارنى انظر اليك } كشف الحجاب وابرز له الجبل { وقال انظر } فنظر فاذا امامه مائة الف نبى واربعة وعشرون الف نبى محرمين ملبين كلهم يقول ارنى ارنى واعلم ان الاجساد تنمو بنماء الاقوات كذلك الاحوال تصفو بصفاء الاوقات فقوت جسدك ما غذيته من الطيبات وقوت روحك ما ربيت به من اقوات الطاعات فى اوقات الخلوات كما ذفت الاوانى جلت ما فيها من جواهر المعانى فاذا كان عين بصيرتك منطمسة وخيول همتك منحبسة فمالك والتطاول الى منازل قوم عيون قلوبهم منبجسة وسرائرهم لانوار معارفهم من جذور الغيب مقتبسة فلا تدع بما ليس فيك وحسبك كما يعلم اللّه منك ويكفيك فينبغى لك ان تقف وقوف الاصاغر وتتأدب بآداب الاكابر هذا كليم اللّه موسى لما كان طفلا فى حجر تربية الحق سبحانه ما تجاوز حده بل قال { رب انى لما انزلت الى من خير فقير } فلما بلغ مبلغ الرجال ما رضى بطعام الاطفال بل قال { رب ارنى انظر اليك } وهو حجة اهل السنة والجماعة على جواز رؤية اللّه تعالى كفر ومن جوز ذلك على موسى او على احد من الانبياء فهو كافر كما فى التيسير قال حضرة الشيخ الكبير صدر الدين القنوى فى فك ختم الفص الداودى من شأن الكمل ان كل ما هو متعذر الحصول لاحد من الخلق وهو عندهم وبالنسبة الى كمال قابليتهم غير متعذر ولا يستحي الا ان يخبرهم الحق باخبار مخصوص خارج من خواص المواد والوسائط فحينئذ يصدقون ربهم ويحكمون باستحالته وحصول ذلك كحال موسى فى طلب الرؤية على وجه مخصوص فلما اخبر بتعذر ذلك تاب وآمن انتهى { قال } اللّه تعالى وهو استئناف بيانى { لن ترينى } لم يقل لن تنظر الى كقوله انظر اليك لان المطلوب هى الرؤية التى معها ادراك لا النظر الى هو عبادة عن تقليب الحدقة نحو المرئى لانه قد يتخلف عنه الادراك فى بعض الصور قال فى التفسير { لن ترينى } [ نتوانى ديد مرا در دنيا جه حكم ازلى برآن وجه واقع شده كه هر بشرى كه در دنيا بمن نظر كندبميرد ] وفى المدارك { لن ترينى } بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء والنوال بعين باقية [ صاحب كشف الاسرار كويدكه مقام موسى دران ساعت كه خطاب لن ترانى شنيد عالى بود ازان وقتكه كفت ارنى زيرا اين ساعت درعين مراد حق بود وآن وقت درعين مراد خود قائم بمراد حق بود كاملترست ارقيام بمراد خود ] لن ترانى ميرسد از طور موسى را جواب ... هرجه آن ازدوست آيدسربنه كردن متاب وهو دليل لنا ايضا لانه لم يقل لن ارى ليكون نفيا للجواز ولو لم يكن مرئيا لا خبر بانه ليس بمرئى اذ الحالة حالة الحاجة الى البيان فهو لا يدل على امتناع رؤيته فى نفس الامر بل يدل على قصور الطالب عن رؤيته لتوقف الرؤية على حصول ما يستعد به الطالب لرؤيته وعدم حصول ذلك المعد فيه بعد فانه يجوز ان يبقى فيه حينئذ شيء من الخجاب المانع لرؤيته اياه لم يرتفع ذلك الحجاب بعد يقول الفقير هذا ما عليه اكثر اهل التفسير وهو ليس بمرضى عندى الا اتيان الطور لم يكن فى اوائل حاله عليه السلام بل كان نظير المعراج الحمدى بالنسبة الى مرتبه والتحقيق بعيد عن درك اهل التقليد وقد سألت حضرة شيخى العلامة ابقاه اللّه بالسلامة عن قولهم فى قوله تعالى { لن ترانى } اى ببشريتك ووجودك فقاتل ان البشرية تنافى الرؤية وموسى عليه السلام انما سأل الرؤية بالنسبة الى ظاهر البشرية والوجود الكونى وهى لا تمكن ابدا بل او تعلقت الرؤية بذات اللّه تعالى لتعلقت حالة الفناء فى اللّه واضمحلال حالة البشرية فقلت يرد عليه ما وقع ليلة المعراج من الرؤية بعين الرأس فقال انه حبيب اللّه رأى ربه فى تلك الليلة بالسر والروح فى صورة الجسم ولا جسم هناك لانه تجاوز فى سيره عن عالم الاجسام كلها بل عن عالم الارواح حتى وصل الى عالم الامر فقلت يرد عليه ان الانبياء والاولياء مشتركون فى الرؤية بالبصيرة حالة الفناء الكلى فلا فرق بين موسى ومحمد عليهما السلام فأى فائدة فى قوله { لن ترينى } وايضا فى عروجه عليه السلام الى ما فوق العرش فان تلك الرؤية انما تحصل فى مقام العينية الجمعية القلبية لان فى مقام الغيرية الفرقية فقال ان امر الرؤية وان كان محتاجا الى الانسلاخ التام عن الاكوان مطلقا الا ان الانسلاخ بالقلب والقالب مختص بنبينا عليه السلام فان موسى وكذا غيره من الانبياء عليهم السلام انما يرون بالانسلاخ حين كون قوالبهم فى عالم العناصر. واما محمد صلى اللّه عليه وسلم فقد تجاوز عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة وذلك بالقلب والقالب جميعا فانى يكون هذا لغيره فافهم جدا انتهى ما جرى بينى وبين حضرة الشيخ من السؤال والجواب وما تحاورناه فى المجلس الخاص المفتوح بابه للاحباب لا للاغيار واهل الانكار والارتياب وقد كان ذلك كالقطرة من البحر الزاخر بالنسبة الى ما يحويه قلبه الحاضر قدس اللّه سره ورزقنى وجميع الاحباب شفاعته قال مرجع طريقتنا الجلوتية بالجيم حضرة الشيخ الشهير بافتاده البروسوى كما ان للانسان عينين فى الظاهر كذلك له عينان فى قلبه فاذا انفتحتا يشاهد بهما تجلى الصفات ولهما ايضا حدقتان لكنهما فى غاية اللطافة وانما قلنا يشاهد بهما تجلى الصفات لان تجلى الذات لا يشاهد الا بعين معنوية وراء عين القلب لا حدقة لها ولا كما زعمت الملاحدة والعياذ باللّه تعالى فان الممكن الحقيقى غير الواجب الحقيقى كيف والسالك الواصل اذا افنى وجوده يصير معدوما والمعدوم لا يحكم عليه بشيء فضلا عن الحلول والاتحاد بل اذا عبر بالاتحاد يراد به التقرب التام على وفق رضاه تعالى كما يراد ذلك فى قولهم فلان متحد مع فلان اذ لا شك انهما شخصان مستقلان حقيقة ومعنى كونه معدوما اذ ذاك انه يتلاشى ويغيب فى بحر الاستغراق وانوار التجلى بحيث يغيب عن نظره ما سوى اللّه تعالى حتى ينظر ولا يجد نفسه للتوجه التام الى جنابه والاعراض الكلى عما سوى اللّه تعالى كمن جعل نظره الى جانب السماء لا ترى له الارض ومن نظر الى المشرق لايرى له المغرب لا انه يعدم وجوده الخارجى ويضمحل والانبياء عليهم السلام وان تجلى لهم الات الا ان تعين نبينا فوق الكل حتى ان موسى لما سال ربه التجلى عن تعين نبينا قال تعالى { لن ترانى } كذا اوله بعضهم وليس بشيء لانه عالم بمرتبة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فكيف يطلبها فخاطب موسى { لن ترانى } لقطع طمع قومه حيث { قالوا ارنا اللّه جهرة } لانه اذا خوطب بذلك فهم اولى به فهذا فى الحقيقة ليس بالنسبة الى موسى عليه السلام فانه قد نال سعادة التجلى مرارا واصطفاه برسالته وبكلامه الى هنا كلام افتاده افندى كما فى الواقعات المحمودية وقال الشيخ على دده فى اسئلة الحكم فان قلت ما الحكمة الربانية فى منعة الرؤية فى الموطن الدنيوي قيل لان الرؤية غاية الكرامة فى الدنيا وغاية الكرامة فيها لا كرم الخلق وهو سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم صاحب المقام المحمود الذى شاهد ربه ليلة المعراج بعينى رأسه على هذا فابحث وقيل لو اعطاه الرؤية بالسؤال لكانت الرؤية مكافأة لسؤاله والرؤية فضل لا مكافأة وهى ربانية لا مدخل للسؤال والتعمل فيها فهى امتنان محض من اللّه تعالى قال الامام الواحدى كون كلمة لن مفيدة لتأبيد النفى دعوى باطلة علىهل اللغة لا يشهد لصحتها كتاب معتبر ولا نقل صحيح ويدل على فساده قوله تعالى فى صفة اليهود { ولن يتمنوه ابدا } مع انهم يتمنون الموت يوم القيامة ويقولون فيه { يا مالك ليقض ربك. ويا ليتها كانت القاضية } اى الموت فالاخبار بان موسى لا يرى اللّه لا يدل على انه لا يراه ابدا كما ذهبت اليه المعتزلة : قال المولى الجامى جهان مرآت حسن شاهدماست ... فشاهد وجهه فى كل ذرات قال الحافظ جو مستعد نظر نيستى وصال مجوى ... كه جام جم نكندسود وقت بى بصرى { ولكن انظر الى الجبل } اى لا تطلب النظر الىّ فانك لا تطيقه ولكن اجعل بينى وبينك ما هو اقوى منك وهو الجبل الذى بحضرتك قال الكلبى هو اعظم جبل بمدين يقال له زبير وفى القاموس زبير كامير الجبل الذى اللّه عليه موسى وقال ابن الجوزى فى مرآة الزمان والاصح انما خوطب موسى على جبل الطور الذى بقرب بحر القلزم فلما سمعت الجبال تعاظمت رجاء ان يتجلى لها وجعل زبير او الطور يتواضع فلما رأى اللّه تواضعه رفعه من بينها وخصه بالتجلى كذا فى عقد الدرر واللآلئ : وفى المثنوى اى خنك آنراكه ذلت نفسه ... واى آن كزسر كشى شد جون كه او وقال اهل الاشارة ان موسى عليه السلام لما اراد الخروج الى الميقات جعل بين قومه وبين ربه واسطة وهى الجبل فقال { لن ترانى ولكن انظر الى الجبل } فقال ان لم اصلح لخلافتك دون اخيك فانك لا تصلح لرؤيتى دون الجبل { فان استقر مكانه } اى سكن وثبت { فسوف ترينى } فسوف تطيق ان تنظر الىّ فان الجبل مع صلابته لما تأثر من التجلى ولم يطق ذلك بل اندك وتفتت وتلاشى فكيف يطيق الانسان الذى يدهش عند مشاهدة الامور الهائلة فكيف عند مشاهدة ذى العظمة والجلال المطلق الذى لا يوصف جلاله وكبرياؤه وهو دليل لنا ايضا لانه علق الرؤية باستقرار الجبل وهو ممكن وتعليق الشيء بما هو ممكن يدل على امكانه كالتعليق بالممتنع يدل على امتناعه ألا ترى ان دخول الكفار الجنة لما استحال علقه بمستحيل قال { حتى يلج الجمل فى سم الخياط } والدليل على انه ممكن قوله { جعله دكا } ولم يقل اندك وما اوجده تعالى كان جائزا ان لا يوجد لانه مختار فى فعله ولانه تعالى ما ايأسه من ذلك ولا عاتبه عليه ولو كان ذلك محالا لعاتبه كما عاتب نوحا عليه السلام بقوله { انى اعظك ان تكون من الجاهلين } حين سال انجاه ابنه من الغرق { فلما تجلى ربه للجبل } ظهر له عظمته وتصدى له اقتداره وامره ومعنى ظهور ذاته للجماد غير معقول قال فى تفسير العيون كشف نوره من حجبه قدر ما بين الخنصر والابهام اذا جمعتهما اى اذا وضعت الابهام على المفصل الاعلى من الخنصر وعن سهل بن سعد الساعدى ان اللّه اظهر من سبعين الف حجاب نورا قدر الدرهم وفى التفسير الفارسى : يعنى [ ظاهر كردانيد ازنور خود يا ازنور عرش بمقدار سوفار سوزنى ] وقال الشيخ ابو منصور معنى التجلى للجبل ما قال الاشعرى انه تعالى خلق فى الجبل حياة وعلما ورؤية حتى راى ربه وهذا ايضا فيه اثبات كونه مرئيا { جعله دكا } مصدر بمعنى المفعول اى صيره مدكوكا مفتتا واذا حل بالجبل ما حل مع عظم خلقه فما ظنك بابن آدم الضعيف كما فى تفسير الكواشى قال بعض الكبار جعل اللّه الجبل فداء لموسى ولولا ان موسى كان مدهوشا لذاب كما ذاب الجبل قالوا عذب اذ ذاك كل ماء وافاق كل مجنون وبرئ كل مريض وزال الشوك عن الاشجار واخضرت الملائكة وجعل الجبل ينهدم وينهال ويضطرب من تحت موسى حتى اندق كله فصار ذرات فى الهواء والذر هو الذى يرى اذا دخل الشعاع فى الكوى بتلك الكوة وفى بعض التفاسير صار لعظمته ستة اجبل وقعت ثلاثة بالمدينة احد ورقان ورضوى وثلاثة بمكة ثور وثبير وحراء وفى تفسير الحدادى فصار ثمانى فرق اربع قطع منه وقعن بمكة ثور وثبير وحراء وغار ثور واربع قطع وقعن بالمدينة احد ورقان ورضوى والمهراس وقال الحسن صار الجبل ثلاث فرق ساخت فرقة منه فى الارض وطارت فرقة فى البحر وطارت فرقة فوقعت بعرفان فهو شاحب مقشعر من مخافة اللّه تعالى وفى التفسير الفارسى [ عجبت سريست كه كوه بآن عظمت تحمل ديدار نداشت ودل انسانرا بحكم { ولكن ينظر الى قلوبكم } طاقت آن نظر كوهرا ويران ساخت واين نظر كوهرا ويران ساخت واين نظر دلرا معمور سازد ] والاشارة ان الجبل صورة الجسم الحجابى والجسم غير مستعد للتجلى ما لم يندك وينحل بالرياضة والفناء وانما التجلى للروح فى مقام القلب والجبل صورة التحيز الكونى والحصر الجمسانى ومشهد التجلى غير متحيز والسر فافهم وعليه فابحث كذا فى اسئلة الحكم { وخر موسى صعقا } اى سقط مغشيا عليه من هول ما رأى من عشية الخميس وهو يوم عرفة الى عشية يوم الدمعة وهو قول ابن عباس رضى اللّه عنهما وقال قتادة ميتا وقول ابن عباس اظهر لان اللّه تعالى قال { فلما افاق } ولا يقال للميت افاق من موته ولكن يقال بعث من موته كما قال فى حديث السبعين { فلما افاق } ولا يقال للميت افاق من موته ولكن يقال بعث من موته كما قال فى حديث السبعين { ثم بعثناكم من بعد موتكم } وفى المثنوى جسم خاك از عشق بر افلاك شد ... كوه در رقص آمد وجالاك شد عشق جان طور آمد عاشقا ... طور مست وخرّ موسى صعقا قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره الجبل المذكور وانى احترق ظاهره ولكن له وجود معنوى كانذلك لعلا خالصا بانعكاس التجلى من موسى ولذلك رآه كالعلل وكالمه وذلك الجبل يدخل الجنة وان كان من الدنيا بسبب كونه مظهرا للتجلى كما ان الكعبة ومسجد المدينة وبيت المقدس تدخل الجنة { فلما افاق } من صعقته قال المولى ابو السعود رحمه اللّه الافاقة رجوع العقل والفهم الى الانسان بعد ذهابهما بسبب من الاسباب { قال } تعظيما لما شاهده { سبحانك } اى تنزيها لك من انى اسألك بغير اذن منك { تبت اليك } اى من الجراءة والاقدام على السؤال بغير ازن او من السؤال فى الدنيا فانك انما وعدتها فى الآخرة { وانا اول المؤمنين } اى بعظمتك وجلالك واول من آمن بانك لا ترى فى الدنيا [ اى كه زيك لمعه ات كوه بصدد باره شد جه عجب ازمشت كل عاجز وبيجاره شد ] قال وهب بن اسحق لما سأل موسى ربه الرؤية ارسل اليه الضباب والصواعق والظلمة والرعد والبرق واحاطت بالجبل الذى عليه موسى اربعة فراسخ من كل جانب وامر اللّه عز وجل ملائكة السموات وان يعرضوا على موسى فمرت به ملائكة السماء الدنيا كثيران البقر تنبع افواههم بالتسبيح والتقديس باصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد ثم امر اللّه ملائكة السماء الثانية ان اهبطوا على موسى فهبطوا عليه امثال الاسود ولهم لجب بالتسبيح والتقديس ففزع موسى مما رأى وسمع واقشعرت كل شعرة فى رأسه وجسده ثم قال لقد ندمت على مسالتى فهل ينجينى من مكانى الذى انا فيه شيء فقال له خير الملائكة ورأسهم يا موسى اصبر لما سألت فقيل من كثير ما رأيت ثم امر اللّه ملائكة السماء الثالثة ان اهبطوا على موسى فهبطوا عليه امثال النسور لهم لجب شديد وافواههم تنبع بالتسبيح والتقديس كجلبة الجيش العظيم اولنهم كلهب النار ففزع موسى واشتد نفسه وايس من الحياة وقال له خير الملائكة مكانك يا ابن عمران حتى ترى ما لا تصبر عليه ثم امر اللّه ملائكة السماء الرابعة فهبطوا الوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الابيض اصواتهم عالية مرتفعة بالتسبيح والتقديس لا يشبههم شيء من الذين مروا به قبلخك فاصطكت ركبتاه وارتعد قلبه واشتد بكاؤه فقال له رئيس الملائكة اصبر يا ابن عمران لما سألت فقليل من كثير ما أريت ثم امر اللّه ملائكة السماء الخامسة فهبطوا ولهم سبعة الوان فلم يستطع موسى ان يتبعهم بصره ولم ير مثلهم ولم يسمع مثل اصواتهم فامتلأ جوفه خوفا واشتد حزنه وكثر بكاؤه فقال له خير الملائكة يا ابن عمران مكانك حتى ترى بعض ما لا تصبر عليه ثم امر اللّه ملائكة السماء السادسة فهبطوا وفى يد كل ملك منهم نار مثل النخلة الطويلة اشد ضوأ من الشمس ولباسهم كلهب النار كلهم يقولون بشدة اصواتهم سبوح قدوس رب العزة ابدا لا يموت فى رأس كل ملك منهم اربعة اوجه فجعل يسبح موسى معهم وهو يبكى ويقول رب اذكرنى ولا تنس عبدك فقال كبير الملائكة يا ابن عمران اصبر لما سالت ثم امر اللّه ان يحمل عرشه فى السماء السابعة وقال اروه اياه فلما بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب ورفعت ملائكة السموات جميعا اصواتهم يقولون سبحان اللّه القدوس رب العزة ابدا لا يموت فاندك الجبل وكل شجرة كانت فيه وخر موسى على وجهه كهيئة القبة لئلا يحترق موسى ثم اقامه كما تقيم الام جنينها اذا وضعته فقام موسى يسبح اللّه تعالى ويقول آمنت بك رب وصدقت انه لا يراك احد فى الدنيا فيحيى من نظر الى ملائكتك انخلع قلبه فما اعظمك واعظم ملائكتك انت رب الارباب وملك الملوك لا يعد لك شيء ولا يقوم لك شيء تبت اليك الحمد لك لا شريك لك قال فى التيسير قدروى فى هذا احاديث فيها ذكر فيهخا ذكر نزول الملائكة والتعنيف على موسى بما سأل ولكن ليس ورودها على وجه يصح ولا يجوز قبولها لانها لا تليق بحال الانبياء انتهى قال بعض المحققين من ارباب المكاشفة ان موسى عليه السلام طلب رؤية ذاته تعالى مع هوية نفسه حيث قال { رب ارنى انظر اليك } مشيرا الى هويته بصيغة المتكلم فرد اللّه تعالى بقوله { لن ترينى} اى مع بقاء هويتك التى تخاطب بها { ولكن انظر الى الجبل } اى بذاتك وهويتك { فان استقر مكانه } ولم يكن فانيا { فسوف ترينى } بهويتك { فلما تجلى ربه للجبل } اى القى عليه من نوره فاضطرب بدنه من رهبته { جعله دكا وخر موسى صعقا } وفنى عن هويته فراى الحق بعين الحق { فلما أفاق قال سبحانك تبت } الان من مسألة الرؤية مع بقاء الهوية وقال فى التأويلات النجمية { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } يعنى ولما حصل على بساط القرب تتابع عليه كاسات الشراب من صفو الصفات ودارت اقداح المكالمات واثر فيه لذا ذات الكلمات فطرب واضطرب اذ سكر من شراب الواردات وتساكر من سماع الملاطفات فى المخاطبات فطال لسان انبساطه عند التمكن على بساطه وعند استيلاء سلطان الشوق وغلبات دواعى المحبة فى الذوق { قال رب ارنى انظر اليك } قيل هيهات انت فى بعد الاثنينية منكوب وبحجب جبل الانانية محجوب وانك اذا نظرت بك الى { لن ترينى } لانه لا يرانى الا من كنت له بصرافبى يبصر { ولكن انظر } الى الجبل جبل الانانية { فان استقر مكانه } عند التجلى { فسوف ترينى } ببصرانانيتك { فلما تجلى ربه للجبل } جبل انانيته { جعله دكا } فانيا كان لم يكن { وخر موسى صَعِقًا} بلا انانية وكان ما كان بعد ان بان ما بان فاشرقت الارض بنور ربها وجاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا قد كان ما كان سرا لا ابوح به فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر ولو لم يكن جبل انانية النفس بين موسى الروح وتجلى الرب لطاش فى الحال وما عاش ولولا القلب كان خليفته عند الفناء بالتجلى لما امكنه الافاقة والرجوع الى الوجود فافهم جدا ولو لم يكن تعلق الروح بالجسد لما استسعد بالتجلى تفهم ان شاء اللّه تعالى { فلما افاق } من غشية الانانية بسطوة تجلى الربوبية { قال } موسى بلا هوية { سبحانك } تنزيها لك من خلقك واتصال الخلق بك { تبت } من انانيتى { اليك } الى هويتك بك { وانا اول المؤمنين } بانك لا ترى بالانانية ولا ترى الا بنور هويتك بك انتهى وقال القشيرى { ولما جاء موسى } مجيئ المشتاقين ومجيئ المغلوبين جاء موسى بلا موسى ولم يبق من موسى لموسى وآلاف آلاف رجال قطعوا مسافات وتحملوا مخافات فلم يذكرهم احد وهاذ موسى خطى خطوات والى يوم القيامة يقرأ الصبيان ولما جاء موسى لميقاتنا باسطه الحق بالكلام فلم يتمالك ان { قال رب ارنى انظر اليك } فان غلبات الوجد استنطقته بكمال الوصلة من الشهود وقالوا لا يؤاخذ المغلوب بما يقول وقالوا انه لا يشكر ثم ينكر قال واشد الخلق شوقا الى الحبيب اقربهم من الحبيب هذا موسى وقف فى محل المناجاة وحفت به الكرامات وكلة بلا واسطة ولا جهات { قال رب ارنى انظر اليك } كأنه غائب هو شاهد لكن ما ازداد القوم شربا الا ازدادوا عطشا ولا ازدادوا قربا الا ازدادوا شوقا وقال سأل موسى الرؤية بالكلام فاجيب { لن ترينى } بالكلام واسر المصطفى فى قلبه ما كان يرجوه من تحويل القبلة من ربه فقيل له { قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها } وقال انه سأل اللّه الرؤية فقال { لن ترينى } وقال للخضر { هل اتبعك على ان تعلمن مما علمت رشدا قال انك لن تستطيع معى صبرا } فصار جوابه لن من الحق ومن الخلق ليبقى موسى بلا موسى ويصفو موسى عن كل نصيب لموسى بموسى وانشد فى معناه فقيل ابنى ابينا نحن اهل منازل ... ابدا غراب البين فينا يزعق والبلاء الذى ورد عليه بقوله تعالى { فان استقر مكانه فسوف ترينى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } اشد من قوله { لن ترينى } لانه صريح فى الرؤية وفى اليأس راحة وقوله { فان استقر مكانه فسوف ترينى } هذا اطماع فيما يمنعه فلما اشتد توقعه جعل الجبل دكا وكان قادرا على امساك الجبل لكنه قهر الاحباب وبه سبق الكتاب وفى قوله { انظر الى الجبل } بلاء شديد لموسى لانه منع عن رؤية مقصوده وامر برؤية غيره ولو امر بان يغمض عينيه لا ينظر الى شيء بعده لكان الامر اسهل عليه ولكنه قيل له { لن ترينى ولكن انظر الى الجبل } ثم اشد من ذلك ان الجبل اعطى التجلى ثم امر موسى عليه السلام بالنظر الى الجبل الذى قدم عيله فى هذا السؤال وهذا صعب شديد ولكن موسى رضى به وانقاد لحكمه وفى معناه انشدوا اريد وصاله ويريد هجرى ... فاترك ما اريد لما يريد وقيل بل هو لطف به حيث لم يصرح برده بل عللّه عونا له على صبره وقيل ققدنا اصبر قليلا قليلا ولما منع النظر رجع الى رأس الامر فقالت تبت اليك وان لم تكن الرؤية التى هى غاية الرتبة من رأس الامر وهو التوبة ثم هذا اناخه لعقوق العبودية وشرطها ان لا تبرح عن محل الخدمة ان حال بينك وبينى وجود القربة لان القربة حظ نفسك والخدمة حق ربك ولأن تكون بحق ربك اتم من ان تكون بحظ نفسك كذا فى تفسير التيسير نقد عن القشيرى ذكر بعضهم ان رؤية اللّه تعالى ممكنة فى الدنيا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى الرؤية فى الآخرة موعودة واما فى الدنيا وان كانت فى حيز الامكان لكنها غري موعودة ولم تجر عادة اللّه عليها انتهى وقد ذكرنا موانع الرؤية فى سورة البقرة وانواع الرؤية فى سورة الانعام وفى الواقعات المحمودية سال بعض الكبار من العلماء وقال الذى لا زمان له ولا مكان فى اى مكان والادب فى السؤال ان يقال المنزه ذاته عن الزمان والمكان بأى وجه يطلب وبأى طريق يوجد ويوصل اليه وكذا الادب فى الجواب ان يقال من اراد رؤية جماله فلينظر فى قلوب اوليائه فان قلوبهم مظاهر ومرايا لجماله واعلم ان المعتزلة انكروا رؤية اللّه تعالى حتى قال صاحب الكشاف تشنيعا وتقبيحا وتضليلا لاهل السنة والجماعة ثم تعجب من المتسمين بالاسلام المتسمين باهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة فانه من مصوبات اشياخهم والقول ما قال بعض العدلية فيهم لجماعة سموا هواهم سنة ... لكنهم حمر لعمرى مؤكفه قد شبهوه بخلقه وتخوفوا ... شنع الورى فتستروا بالبكلفه وقال بعضهم جوابا عنهم عجبا لقوم ظالمين تلقبوا ... بالعدل ما فيهم لعمرى معرفه قد جاءهم من حيث لا يدرونه ... تعطيل ذات اللّه مع نفى الصفة قال المولى ابراهيم الاروسقى رضينا كتاب اللّه للفصل بيننا ... وقول رسول اللّه اوضح فاصل وتحريف آيات الكتاب ضلالة ... وليس بعدل رد نص الدلائل وتضليل اصحاب الرسول وذمهم ... وتصويب آراء النظام وواصل ولولا تكذيب الرسول عدالة ... فاعدل خلق اللّه عاص بن وائل فلولاك جار اللّه من فرقة الهوى ... لكنت جديرا باجتماع الفضائل ١٤٤ { قال } اللّه تعالى لموسى حين قال تبت اليك وانا اول المؤمنين { يا موسى } ان منعتك الرؤية لصلاح حالك وبقاء ذاتك فلا تكن مغمورا محزونا لذلك { انى اصطفيتك } اى اخترتك واتخذتك قوة وآثرتك { على الناس } اى الموجودين فى زمانك وهارون وان كان نبيا واكبر منه سنا كان مأمورا باتباعه وما كان كليما ولاصاحب شرع او على الناس جميعا لان الرسالة مع الكلام ولم يحصل هذا المجموع لغيره وانما قال على الناس ولم يقل على الخلق لان الملائكة قد سمعوا كلامه تعالى من غير واسطة كما سمعه موسى عليه السلام { برسالاتى } جمع الرسل وفى الاصل مصدر بمعنى الارسال والمراد به هنا الشيء المرسل به الى الغير وهو اسفار التوراة جمع سفر بمعنمى الكتاب يقال سفره اذا كتبه والواح التوراة اسفار من حيث انها كتبت فيها التوراة { وبكلامى } اى وبتكلمى اياك بلا واسطة وقيل المضاف محذوف اى وسماع كلامى وهذا يرد قول من يقول ان السبعين الذين اختارهم موسى سمعوا كلام اللّه تعالى لان فى الآية بيان الاصطفاء وهو تنصيص على التخصيص واعلم ان كل نبى قد اصطفاه اللّه على الخلق بنوع او نوعين او انواع من الكمال عند خلقته وركب فى ذرة طينته استعداده لظهور ذلك النوع من الكمال حين خمر طينة آدم بيده فاصطفى موسى بالرسالة والمكالمة دون نوح وكمال الرؤية مخصوص بنبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم وامته حتى استدعى موسى لنيل مقام رؤية ربه فقال اللّهم اجعلنى من اصحابه -روى- انه لما كان كلم اللّه تعالى موسى عليه السلام يوم الطور كان على موسى جبة من صوف وخللة بالعيدان محزوم وسطه بشريط ليف وهو قائم على الجبل وقد اسند ظهره الى صخرة من الجبل فقال اللّه يا موسى انى قد اقمتك مقاما لم يقمه احد قبلك ولا يقومه احد بعدك وقربتك نجيا فقال موسى عليه السلام يا رب فلم اقمتنى هذا المقام قال لتواضعك يا موسى فلما سمع موسى لذاذة الكلام من ربه نادى الهى أقريب فاناجيك ام بعيد فاناديك قال يا موسى انا جليس من ذكرنى وكان موسى عليه السلام بعدما كلمه اللّه تعالى لا يستطيع احد ان ينظر اليه لما غشى وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات -ويروى- ان امرأته قالت له انا ايم منك اى كأنى بلا زوج منذك كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فاخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها ساعة وقالت ادع اللّه ان يجعلنى زوجتك فى الجنة قال ذاك ان لم تتزوجى بعدى فان المرأة لآخر ازواجها. وقيل ان الرجل اذا تبكر بالمرأة تزوجها فى الجنة. وقيل انها تكون لاحسن ازواجها خلقا ومن خصائص نبينا صلى اللّه عليه وسلم تحريم ازواجه اللاتى توفى عنهن على غيره ابدا { فخذ ما آتيتك } اى اعطيتك من شرف النبوة والحكمة { وكن من الشاكرين } على النعمة وفى التأويلات النجمية { فخذ ما آتيتك } يعنى ما ركبت فيك استعداده واصطفيتك به من الرسالة والمكالمة { وكن من الشاكرين } فان الشكر يبلغك الى ما سألت من الرؤية لان الشكر يستدعى الزيادة لقوله تعالى { لئن شكرتم لازيدنكم } والزيادة هى الرؤية لقوله تعالى { للذين احسنوا الحسنى وزيادة } وقال عليه السلام ( الزيادة هى الرؤية والحسنى هى الجنة ) ١٤٥ { وكتبنا } [ ونوشتيم ما يعنى قلم اعلى را فرموديم كه كتابت كرد يا جبريل را كفتيم كه بقلم ذكر امداد نهلا النور نوشت ] { له } [ براى موسى ] { فى الالواح } اى فى تسعة الواح من الزمرد الاخضر وهو الاصح وفيها التوراة كنقش الخاتم طول كل لوح عشرة اذرع وفى القاموس اللوح كل صفيحة عريضة خشبا او عظما جمعه الواح -روى- ان سؤال الرؤية كان يوم عرفة واعطاء التوراة يوم النحر { من كل شيء } مما يحتاجون اليه من امور دينهم { موعظة وتفصيلا لكل شيء } بدل من الجار والمجرور لانه فى محل النصب على انه مفعول كتبنا ومن مزيدة لا تبعيضية اى كتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الاحكام قال مقاتل كتب فى الالواح انى انا اللّه الرحمن الرحيم لا نشركوا بى شيأ ولا تقطعوا السبيل ولا تزنوا ولا تقعوا الوالدين { فخذها } على اضمار القول عطفا على كتبنا اى فقلنا خذها اى الالواح { بقوة } بجد وعزيمة { وائمر قومك } اى على طريق الندب والحث على اختيار الافضل { ياخذوا } اى ليأخذوا { باحسنها } الباء زائدة فى المفعول به. الاحسن العزائم والحسن الرخص يعنى ليعلموا ان ما هو عزيمة يكون ثوابه اكثر كالجمع بين الفرائض والنوافل والصبر بالاضافة الى الانتصار وغير ذلك قال قطرب اى بحسنها وكلها حسن كقوله تعالى { ولذكر اللّه اكبر } { سأريكم } يا بنى اسرائيل { دار الفاسقين } دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها ومنازل عاد وثمود واضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا بمخالفة ما امرتم به من العمل باحكام التوراة او ارض مصر او ارض الجبابرة والعمالقة بالشام. ومعنى الاراءة الادخال بطريق الايراث فعلى الاول يكون وعيدا وترهيبا وعلى الثانى وعدا وترغيبا وفى الآية اشارة الى ان طلب الآخرة كان احسن من طلب الدنيا كذلك طلب اللّه احسن من طلب الآخرة فعلى العاشق ان يختار الاحسن وقوله { سأريكم دار الفاسقين } يعنى الخارجين من طلب الآخرة فدارهم الجنة ودار الخارجين من طلب الآخرة الى طلب اللّه فى مقعد صدق عند مليك مقتدر : قال الحافظ سايه طوبى ودلجويى حورولب حوض ... بهواى سركوى توبرفت ازيادم نيست برلوح دلم جز الف قامت دوست ... جه كنم حرف دكر يادنداد استادم ١٤٦ { سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الارض } المراد بالآيات ما كتب فى الواح التوراة من المواعظ والاحكام وغيرها من الآيات التكوينية التى من جملتها ما وعد اراءته من دار الفاسقين ومعنى صرفهم عنها الطبع على قلوبهم بحيث لا يكادون يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها لاصرارهم على ما هم عليه من التكبر والتجبر. والمعنى ساطبع على قلوب الذين يعدون انفسهم كبراء ويرون لهم على الخلق مزية وفضلا فلا ينتفعون بآياتى التنزيلية والتكوينية المنصوبة فى الانفس والآفاق ولا يغتنمون بمغانم آثارها فلا تسلكوا يا بنى اسرائيل مسلكهم فتكونوا امثالهم { بغير الحق } صلة للتكبر اى يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل وظلمهم المفرط قال ابن الشيخ لما كان التكبر مؤديا الى الحرمان من الانتفاع بالات المذكورة وتضييعها كان المقصود من الآية تحذير بنى اسرائيل عن التكبر المفضى الى ان يصرفهم اله عن التفكر فى الآيات والاهتداء بها حتى يأخذوا احكام التوراة بجد ورغبة انتهى فالآية متصلة بقصة بنى اسرائيل ويحتمل ان تكون كلاما معترضا خلال قصتهم اخبر به رسول اللّه انه حرم المتكبرين من ماته فهم معانى القرآن والتدبر فيها كما قيل ابى اللّه تعالى ان يكرم قلوب الظالمين بتمكينهم من فهم حكمة القرآن والاطلاع على عجائبه حيفست جنين كنج دران ويرانه ... { وان يروا } يشاهدوا { كل آية } من الآيات كانت معجزة { لا يؤمنوا بها } اى كفروا بكل واحدة منها لعدم اجتلائها اياها كما هى { وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا } اى لا يتوجهون الى الحق ولا يسلكون سبيله اصلا لاستيلاء الشيطنة عليهم ومطبوعيتهم على الانحراف والزيغ { وان يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا } اى يختارونه لانفسهم مسلكا لا يكادون يعدلون عنه لموافقته لاهوائهم الباطلة وافضائه بهم الى شهواتهم { ذلك } اشارة الى ما ذكر من تكبرهم وعدم ايمانهم بشيء من الآيات واعراضهم عن سبيل الرشد واقبالهم التام على سبيل الغى { بانهم } اى حاصل بسبب انهم { كذبوا بآيتنا } الدالة على بطلان ما اتصفوا به من القبائح وعلى حقية اضدادها وهى الآيات المنزلة والمعجزة { وكانوا عنها غافلين } لا يتفكرون فيها والا لما فعلوه من الاباطيل فالمراد بالغفلة عنها عدم التفكر والتدبر فيها عبر عن عدم تدبر الآيات بالغفلة عنها تشبيها للمعرض عن الشيء بمن غفل عنه ١٤٧ { والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة } من اضافة المصدر الى مفعوله والفاعل محذوف اى ولقائهم الدار الآخرة { حبطت اعمالهم } اى ظهر بطلان اعمالهم التى كانوا عملوها من صلة الارحام واغاثة الملهوفين ونحو ذلك فلا ينتفعون بها { هل يجزون } استفهام بمعنى النفى والانكار يعنى لا يجزون { الا ما كانوا يعملون } اى الاجزاء ما كانوا يعملون من الكفر والمعاصى قال فى التأويلات النجمية يعنى لما حبطت اعمالنها عندهم من بعثة الانبياء وانزال الكتب واظهار المعجزات لتكبرهم عنها جازيناهم بان حبطت اعمالهم عندنا لكبريائنا وغنانا عن اهل الشرك وشركهم نظيره قوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وفى الآية ذم التكبر وانه من اعظم اوصاف البشر حجبا لانه يزيد فى الانانية وما لعن من ابليس وطرد الا للتكبر وصف بعض البلغاء متكبرا فقال كأن كسرى حامل غاشيته وقارون وكيل نفقته وبلقيس احد داياته وكأن يوسف لم ينظر الا بمقلته ولقمان لم ينطق الا بحكمته كأن الخضراء له عرشت والغبراء باسمه فرشت : وفى المثنوى اين تكبر زهر قاتل دانكه هست ... ازمى برزهر شد آن كيج مست جون ما بر زهر نوشد مدبرى ... از طرب يكدم بجنباند سرى بعد يكرم زهر بر جانش زند ... زهر برجانش كند داد وستد كرندارى زهريش را اعتقاد ... كرجه زهر آمد نكر در قوم عاد جونكه شاهى دست يابد بر شهى ... بكشدش ياباز دارد در جهى ودر بيابد خسته افتاده را ... مرهمش سازد شه وبدهد عطا كه نه زهراست اين تكبر بس جرا ... كشت شه را بى كناه وبى خطا وين دكر رابى زخدمت جون نواخت ... زين دو جنبش زهررا شايد شناخت نردبان خلق اين ما ومنيست ... عاقبت زين نردبان افتاد نيست هركه بالا تر رود ابله ترست ... كاستخوتن او بترخواهد شكست اين فروعست واصولش آن بود ... كه ترفع ركت يزدان بود جون نمردى ونكشتى زنده زو ... باغى باشى بشركت ملك جو جون بدور زنده شدى آن خود دويست ... وحدت محض است آن شركت كى است فعلى العاقل ان يزكى نفسه عن الكبر ويأخذ التواضع فى طريق الحق ويخلص العمل للّه تعالى فان من اخلص فى العمل وان لم ينو ظهرت آثار بركته عليه وعلى عقبه الى يوم القيامة كما قيل انه لما هبط آدم عليه السلام الى الارض جاءت وحوش الفلاة تسلم عليه وتزوره فيدعو لكل جنس بما لا يليق به فجاءت طائفة من الظباء فدعا لهن ومسح على ظهورهن فظهر فيهن نوافج المسك فلما رأى بواقيها ذلك قلن من اين هذا لكن فقلت زرنا صفى اللّه آدم فدعا لنا ومسح على ظهورنا فمضى البواقى اليه فدعا لهن ومسح على ظهورهن فلم يظهر لهن من ذلك شيء فقالوا قد فعلنا كما فعلتم فلم نر شيأ مما حصل لك فقالوا انتم كان عملكم لتنالوا كما نال اخوانكم واولئك كان عملهم للّه من غير شوب فظهر ذلك فى نسلهم وعقبهم الى يوم القيامة فظهر ان الخلق لا يجزون الا ما كانوا يعملون والجزاء لا بد وان يكون من جنس العمل نسأل اللّه تعالى دفع الكسل ورفع الزلل ١٤٨ { واتخذ قوم موسى من بعده } اى من بعد ذهابه الى الطور ومن للابتداء الغاية { من } للتبعيض { حليهم } جمع حلى كثدى وثدى وهو ما تزين به من الذهب والفضة واضاة الحلى اليهم مع انها كانت للقبط لادنى الملابسة حيث كانوا استعاروا من اربابها حين هموا بالخروج من مصر { عجلا } مفعول اول لقوله اتخذ لانه متعد الى اثنين بمعنى التصيير والمفعول ثانى محذوف اى صيروه آلها والعجل ولد البقر وابو العجل الثور والجمع العجاجيل والانثى عجلة سمى عجلا لاستعجال بنى اسرائيل عبادته وكانت مدة عبادتهم له اربعين يوما فعوقبوا فى التيه اربعين سنة فجعل اللّه تعالى كل سنة فى مقابلة يوم { جسدا } بدل من عجلا اى جثة ذادم ولحم او جسدا من ذهب لا روح معه فان الجسد اسم لجسم له لحم ودم ويطلق على جثة لا روح لها { له خوار } اى صوت البقر وذلك ان موسى كان وعد قومه بالانطلاق الى الجبل ثلاثين يوما فلما تأخر رجوعه قال لهم السامرى رجل من قرية يقال لها سامرة وكان رجلا مطاعا من قوم موسى انكم اتخذتم الحلى من آل فرعون فعاقبهم اللّه بتلك الجناية ومنع موسى عنكم فاجمعوا الحلى حتى احرقها لعل اللّه يرد علينا موسى او سألوه آلها يعبدونه وقد كان لهم ميل الى عبادة البقر منذ مروا على العمالقة التى كانوا يعبدون تماثيل البقر وذلك بعد عبور النهر وقد مرت قصته فجعل السامر الحلى بعد جمعها فى النار وصاغ لهم من ذلك عجلا لانه كان صاغا والقى فى فمه ترابا من اثر فرس جبريل عليه السلام وكان ذلك الفرس فرس الحياة ما وضع حافره فى موضع الا اخضر وكان قد اتخذ ذلك التراب عند فلق البحر او عند وجهه الى الطور فانقلب ذلك الجسد لحما ودما وظهر فيه خوار وحركة ومشى فقال السامرى هذا آلهكم واله موسى فعبدوه الا اثنى عشر الفا من ستمائة الف وقيل انه جعل ذلك العجل مجوفا انابيب على شكل مخصوص وكان وضع ذلك التمثال على مهب الريح فكانت الريح تدخل فى تلك الانابيب فظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل فاوهم بنى اسرائيل انه حى يخور فزفنوا حوله اى رقصوا نقل القرطبى عن الطرطوشى انه سئل عن قو يجتعون فى مكان يقرأون شيا من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيأ من الشعر برقصون ويطربون ويضربون بالدف والشنانير هل الحضور معهم حلال اولا قال مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة وما الاسلام الا كتاب اللّه وسنة رسوله صلى اللّه عليه وسلم ز واما الرقص والتواجد فاول من احدثه اصحاب السامرى فلما اتخذوه عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون فهو دين الكفار وعباد العجل وانما كان يجلس النبى عليه السلام مع اصحابه كأنما على رؤسهم الطير من الوقار فينبغى للسلطان ونوابه ان يمنعهم من الحضور فى المساجد وغيرها ولا يحل لأحد يؤمن باللّه واليوم الآخر ان يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك والشافعى وابى حنيفة واحمد وغيرهم من ائمة المسلمين كذا فى حياة الحيوان قال فى نصاب الاحتساب هل يجوز له الرقص فى السماع الجواب لا يجوز ذكر فى الذخيرة انه كبيرة ومن اباحه من المشايخ فذلك للذى صارت حركاته كحركات المرتعش وهل يجوز السماع الجواب ان كان السماع سماع القرآن او الموعظة يجوز وان كان السماع الغناء فهو حرام لان التغنى واستماع الغناء حرام ومن اباحه من مشايخ الصوفية فلمن تخلى عن الهوى وتحلى بالتقوى الى ذلك احتياج المريض الى الدواء وله شرائط. احداها ان لا يكون فيهم امرد. والثانية ان لا يكون جمعيتهم الا من جنسهم ليس فيه فاسق ولا اهل دنيا ولا امرأة. والثالثة ان يكون نية القوال الاخلاص لا تخذ الاجرة والطعام. والرابعة ان لا يجتمعوا لاجل طعام او نظر الى فتوح والخامسة لا يقومون الا مغلوبين. والسادسة لا يظهرون الوجد الا صادقين قال الشيخ عمر ابن الفارض فى القصيدة الموسومة بنظم الدر اذهام شوقا بالمناغى وهمّ ان ... يطير الى اوطانه الاولية يسكن بالتحريك وهو بمهده ... اذا ناله ايدى اللمربى بهزة قال الامام القاشانى فى شرحه اذا هام الولى واضطرب شوقا الى مركزه الاصلى ووطنه الاولى بسبب مناغاة المناغى وهم طائر روحه الى ان يطير الى عشه ووكره الاولى تهزه ايدى من يربيه فى المهد فيسكن بسبب التحريك من قلقه وهمه بالطيران والمقصودمن ايراد هذا المعنى ان يشير الى فائدة الرقص والحركة فى السماع وذلك ان روح السامه يهم عند السماع ان يرجع الى وطنه المألوف ويفارق النفس والقالب فتحركه يد الحال وتسكنه عما يهم به بسبب التحريك الى حلول الاجل المعلوم وذلك تقدير العزيز العليم انتهى : قال السعدى قدس سره مكن عيب درويش مدهوش ومست ... كه غرقست از آن مى زند با دوست نكويم سماع اى برادر كه جيست ... مكر مستمع را بدانم كه كيست كر از برج معنى برد طير او ... فرشته فروماند از سير او اكر مرد بازى ولهوست ولاغ ... قوى تر شود ديوش اندر دماغ جه مرد سماعست شهوت برست ... بآواز خوش خفته خيزد نه مست قال السرورى [ جون سماع آواز خوش شنود دروحالتى بيدا شود ايني حالت را وجد كويند ] : وفى المثنوى بس غداى عاشقان آمد سماع ... كه دراو باشد خيال واجتماع قوتى كيرد خيالات ضمير ... بلكه صورت كردد ازبانك صفير واعلم ان الرقص والسماع حال المتلون لا حال المتمكن ولذا تاب سيد الكائفة الجنيد البغدادى قدس سره عن السماع فى زمانه فمن الناس من هو متواجد ومنهم من هو اهل وجد ومنهم من هو اهل وجود. فالاول المبتدئ الذى له انجذاب ضعيف. والثانى المتوسط الذى له انجذاب قوى. والثالث المنتهى الذى له انجذاب قوى وهو مستغن عن الدوران الصورى بالدوران المعنوى بخلاف الاولين ولا بد من العشق فى القلب والصدق فى الحركة حتى يصح الدوران والعلماء وان اختلفوا فى ذلك فمن مثبت ومن ناف لكن الناس لكن الناس متفاوتون والجواز للاهل المستجمع لشرائطه لا لغيره قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره ليس فى طريقنا رقص ولا فى طريق الشيخ الحاج بيرام ولى ايضا لان الرقص والاصوات كلها انما وضع لدفع الخواطر ولا شيء دفعها اشد تأثيرا من التوحيد ونبينا عليه الصلاة والسلام ولم يلقن الا التوحيد -ذكر- ان عليا قال يوما لا اجد لذة العبادة يا رسول اللّه فلقنه التوحيد ووصاه ان لا يكلم احدا بما ظهر من آثار التوحيد فلما امتلأ باطنه من انوار التوحيد واضطر الى التكلم جاء الى بئر فتكلم فيها فنبت منها قصب فأخذ راع وعمل منه المزمار وكان ذلك مبدأ لعلم الموسقى وقال قد يقال ان رجلا يقال له عبد المؤمن سمع صوت الافلاك فى دورها فأخذ مه العلم الموسقى ولذلك كان اصله اثنى عشر على عدد البروج ولكن صداها على طرز واحد فالانسان لقابليته الحق به زيادات كذا فى الواقعات المحمودية فقد عرفت من هذا البيان انه ليس فى الطريق الجلوتية بالجيم دور ورقص بل توحيد وذكر قياما وقعودا بشرائط وآداب وانما يفعله الخلوتية بالخاء المعجمة ما يتوارثون من اكابر اهل اللّه تعالى لكن انما يقبل منهم ويمدح اذا قارن شرائطه وآدابه كما سبق والا يرد ويذم وقد وجدنا فى زماننا اكثر المجالس الدورية على خلاف موضوعها فالعاقل يختار الطريق الاسلم ويجتنب عن القيل والقال وينظر الى قولهم لكل زمان رجال ولكل رجال مقام وحال قال الشيخ ابو العباس من كان من فقراء هذا الزمان آكلا لاموال الظلمة مؤثرا للسماع ففيه نزغة يهودية قال اللّه تعالى { سماعون للكذب اكالون للسحت } وقال الحاتمى السماع فى هذا الزمان لا يقول به مسلم ولا يفتدى بشيخ يعمل السماع وقد عرفت وشاهدت فى هذا الزمان ان المجالس الدورية يحضرها المراد ان الملاح والنساء وحضورهم آفة عظيمة فانهم والاختلاط بهم والصحبة معهم كالسم القاتل ولا شيء اسرع اهلاكا للمرء فى دينه من صحبتهم فانهم حبائل الشيطان ونعوذ باللّه من المكر بعد الكرم ومن الحور بعد الكور انه هو الهادى الى طريق وصاله وكاشف القناء عن ذاته وجماله والمواصل الى كماله بعد جماله وجلاله وهو الصاحب والرفيق فى كل طريق { ألم يروا } [ آيانديدند ونداستند ] { انه } اى العجل { يكلمهم } اى ليس فيه شيء من احكام الالوهية حيث لا يقدر على كلام ولا امر ولا نهى { ولا يهديهم سبيلا } اى ولا يرشدهم طريقا الى خير ليأتوه ولا الى شر لينتهوا عنه { اتخذوه } آلها ولو كان آلها لكلمهم وهداهم لان الاله لا يهمل عباده قوله اتخذوه تكرري للذم اى اتخذوه آلها وحسبوا انه خالق الاجسام والقوى والقدر { وكانوا ظالمين } اى واضعين الاشياء فى غير موضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم وفى التفسير الفارسى [ در لطائف قشيرى مذكورست كه جه دروست ميان امتى كه مصنوع خودرا برستند وامتى كه عبادت صانع خود كنند ] آنراكه توخاستى نسازد كارت ... سازنده توست در دو عالم يا رب ١٤٩ { ولما سقط فى ايديهم } كناية عن شدة ندمهم فان الذى يشتد ندمه وتحسره يعض يده مسقوط فيها كأنّ فاه وقع فيها. والمعنى ندموا على ما فعلوا من عبادة العجل غاية الندم وسقط مسند الى فى ايديهم { ورأوا انهم قد ضلوا } باتخاذ العجل آلها اى تبينوا بحيث تيقنوا بذلك حتى كأنهم رأوه باعينهم { لنكونن من الخاسرين } [ از زيانكاران وهلاك شد كان ] وما حكى عنهم من الندامة والرؤية والقول وان كان بعدما رجع موسى عليه السلام اليهم كما ينطق به الآيات الواردة فى سورة طه لكن اريد بتقديمه عليه حكاية موسى عليه السلام اليهم كما ينطق به الآيات الواردة فى سورة طه ولكن اريد بتقديمه عليه حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل فى موضع واحد ١٥٠ { ولما رجع موسى } من جبل الطور { الى قومه } حال كونه { غضبان اسفا } اى شديد الغضب يقال آسفنى فاسفت اى اغضبنى فغضبت ومنه قوله تعالى { فلما آسفونا انتقمنا منهم } وهو يدل على انه عليه السلام كان عالما باتخاذهم العجل آلها قبل مجيئه اليهم بسبب انه تعالى اخبره فى حال المكالمة بما كان من قومه من عبادة العجل { قال بئسما خلفتمونى من بعدى } اى ساء ما عملتم خلفى ايها العبدة بعد غيبتى وانطلاقى الى الحبل لانه يقال خلفه بما يكره اذا عمل خلفه ذلك. وما نكره موصوفة مفسرة لفاعل بئس المستكن فيه والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم { أعجلتم امر ربكم } الهمزة للانكار اى اتركتموه غير تام كأنه ضمن عجل معنى سبق والا فعجل يتعدى بعن يقال عجل عن الامر اذا تركه غير تام ونفيضه تم عليه. والمعنى أعجلتم عن امر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما اوصاكم به الى ان يجيء. فالامر واحد الاوامر او انه بمعنى المأمور به. والعجلة العمل بالشيء قبل وقته ولذلك صارت مذمومة بخلاف السرعة فانها غير مذمومة كونها عبادة عن العمل بالشيء فى اول وقته وفى التأويلات النجمية استعجلتم يا صفات الروح بالرجوع الى الدنيا وزينتها والتعلق بها قبل اوانه من غير ان يأمر به ربكم وفيه اشارة الى ان ارباب الطلب واصحاب السلوك لا ينبغى ان يلتفتوا الى شيء من الدنيا ولا يتعلقوا بها فى اثناء الطلب والسلوك لئلا ينقطعوا عن الحق اللّهم الا اذا قطعوا مفاوز النفس والهوى ووصلوا الى كعبة وصال المولى فلهم ان يرجعوا الى الدنيا لدعوة الخلق الى المولى وتسليكهم فى طريق الدنيا والعقبى { والقى الالواح } التى كانت فيها التوراة من يده { واخذ برأس اخيه } اى بشعر رأس هارون حال كونه اى موسى { يجز اليه } [ بطرف خود كشيد اورا بطريق معاتبه نه ازروى اهانت ] توهما انه قصر فى كفهم وهارون كان اكبر منه بثلاث سنين وكان حمولا لينا ولذلك كان احب الى بنى اسرائيل { قال } اى هارون مخاطبا لموسى { ابن ام } بحذف حرف النداء واصله يا ابن اما حذفت الالف المبدلة من الياء اكتفاء بالفتحة زيادة فى التخفيف لطوله باشتماله على اضافة بعد اضافة وكان هارون اخاه لاب وام ولكنه ذكر الام ليرفقه عليه اى يحمله على الرفق والشفقة وعلى هذا طريق العرب { ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى } اواحة لتوهم التقصير فى حقه. والمعنى بذلت وسعى فى كفهم حتى قهرونى واستضعفونى وقاربوا قتلى { فلا تشمت بى الاعداء } اى فلا تفعل بى ما يكون سببا لشماتتهم بى وبالفارسى [ بس شادمان مكردان بمن دشمنانرا وجنان مكن كه آرزوى ايشان حاصل شود از اهانت من ] يقال شمت به يشمت شماتة من باب علم يعلم اذا فرح ببلية اصابت عدوه ثم ينقل الى باب الافعال للتعدية فالشماتة [ شادى كردن بمكر وهى كه دشمن رارسد ] ويعدى بالباء. والاشمات [ شاد كام كردن دشمن ] كما فى تاج المصادر وشماتة العدو اشد من كل بلية فلذلك قيل والموت دون شماتة الاعداء { ولا تجعلنى مع القوم الظالمين } اى معدودا فى عدادهم بالمؤاخذة او النسبة الى التقصير والاشارة ان هارون القلب اخ موسى الروح والاعداء النفس والشيطان والهوى والقوم الظالمون هم الذين عبدوا عجل الدنيا ةهم صفات القلب يشير الى ان صفات القلب تتغير وتتلون بلون صفات النفس ورعوناتها ومن هنا يكون شنشنة الشطار من ارباب الطريقة ورعوناتهم وزلات اقدامهم ولكن القلب من حيث هو هو لا يتغير عما جبل عليه من محبة اللّه وطلبه وانما تتغير صفاته كما ان النفس لا تتغير من حيث هى هى عما جبلت عليه من حب الدنيا وطلبها وانما تتغير صفاتها من الامارية الى اللوامية والملهمية والمطمئنية والرجوع الى الحق ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشومة الى طبعها وجبلتها سنة اللّه التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة اللّه تبديلا ١٥١ { قال } موسى وهو استئناف بيانى { رب اغفر لى } اى ما فعلت باخى من غير ذنب مقرر من قبله { ولاخى } اى ان فرط فى كفهم استغفر عليه السلام لنفسه ليرضى اخاه ويظهر للشامتين رضاه ئلا تتهم به ولاخيه للايذان بتنه محتاج الى الاستغفار حيث كان عليه ان يقاتلهم { وادخلنا فى رحمتك } بمزيد الانعام علينا بعد غفران ما سلف منا قال الحدادى اى جنتك { وانت ارحمن الراحمين } وانت ارحم بنا منا على انفسنا ومن آبائنا وامهاتنا -حكى- انه اعتقل لسان فتى عن الشهادة حين اشرف على الموت فاخبروا النبى عليه السلام فدخل عليه وعرض الشهادة فاضطرب ولم يعمل لسانه فقال عليه السلام اما كان يصلى اما كان يزكى اما كان يصوم قالوا بلى قال فهل عق والديه قالوا نعم قالوا هاتوا بامه فجاءت وهى عجوز عوراء فقال عليه السلام هلا عفوت عنه فقالت لا اعفو جزاء لما عمل قالت عفوت اللنار حملته تسعة اشهر أللنار ارضعته سنتين فأين رحمة الام فعند ذلك انطلق لسانه بالكلمة والنكة انها كانت رحيمة الا رحمانة فللقليل من رحمتها ما جوزت احراقه بالنار فاللّه الذى لا يتضرر بجناية العباد كيف يستجيز احراق المؤمن المواظب على كلمة الشهادة سبعين سنة وهو ارحم الراحمين : قال الحافظ لطف خدا بيشتر ازجرم ماست ... نكته سربسته جه دانى خموش وقال دلا طمع مبر از لطف بى نهايت دوست ... كه ميرسد همه را لطف بى نهايت او قال بعض اهل التفسير ان قابيل لما قتل اخاه هابيل اشتد ذلك على آدم فقال اللّه تعالى يا آدم جعلت الارض فى امرك مرها فلتفعل ما تهوى بمكان ابنك قابيل فقال آدم عليه السلام يا ارض خذيه فاخذت الارض قابيل فقال قابيل يا ارض بحق اللّه ان تمهلينى حتى اقول قولى ففعلت فقال يا رب ان ابى قد عصاك فلم تخسف به الارض فقال اللّه نعم ولكنه ترك امرا واحدا وانت تركت امرى وامر ابيك وقتلت اخاك فقال آدم ثانيا يا ارض خذيه فقال قابيل بحرمة محمد عليه السلام ان تمهلينى حتى اقول قولى ففعلت فقال يا رب ان ابليس ترك امرك وعاداك ولم تخسف به الارض فاجاب اللّه تعالى مثل الاولى فقال الهى اليس لك تسعة وتسعون اسما فقال اللّه بلى فقال أليس الرحمن الرحيم من جملة ذلك قال بلى قال ألست سميت نفسك رحمانا رحيما لكثرة الرحمة قال بلى قال يا رب ان اردت اهلاكى فاخرج هذين الاسمين من بين اسمائك ثم اهلكنى لان اخذ العبد بجريمة واحدة لا يكون رحمة فامر اللّه الارض حتى خلت سبيله ةلم تهلكه فاعتبر اذا كانت رحمته بهذه المرتبة للكافر فما ظنك للمؤمن فينبغى للمقصر ان يرفع حاجته الى المولى ويستغفر من ذنبه الا خفى والا جلى مى يدخل فى الرحمة التى هى الفردوس الاعلى : قال الحافظ سياه نامه ترازخود كسى نمى بينم ... جكونه جون قلمم دوددل بسر نرود وفى قوله تعالى { رب اغفر لى } الآية اشارة الى السير فى الصفات لان المغفرة والرحمة من الصفات فيشير الى ان لموسى الروح ولاخيه هارون القلب استعداد لقبول الجذبة الالهية التىتدخلهما فى عالم الصفات { وادخلنا فى رحمتك وأنت ارحم الراحمين } لان غيرك من الراحمين عاجز عن ادخال غيره فى صفاته وانت قادر على ذلك لمن تشاء ويدل عليه قوله { يدخل من يشاء فى رحمته } كذا فى التأويلات النجمية ١٥٢ { ان الذين اتخذوا العجل } الا آلها واستمروا على عبادته كالسامرى واشياعه من الذين اشربوه فى قلوبهم { سينالهم } اى فى الآخرة { غضب } عظيم كائن { من ربهم } اى مالكهم لما ان جريمتهم اعظم الجرائم واقبح الجرائر والمراد بالغضب ههنا غايته وهى الانتقام والتعذيب لان حقيقة الغضب لا تتصور فى حقه تعالى { وذلة فى الحيوة الدنيا } هى ذلة الاغتراب والمسكنة المنتظمة لهم ولاولادهم والذلة التى اختص بها السامرى من الانفراد بالناس والابتلاء بلا مساس كما روى ان موسى عليه السلام هم بقتل السامرى فاوحى اللّه اليه لا تقتل السامرى فانه سخى ولكن اخرجه من عندك فقال له موسى فاذهب من بيننا مطرودا فان لك فى الحياة اى فى عمرك ان تقول لمن اراد مخالطتك جاهلا بحالك لا مساس اى لا يمسنى احد ولا امس احد وان مسه احدهما جميعا فى الوقت وروى ان ذلك موجود فى اولاده الى الآن وايراد ما نالهم فى حيز السين مع مضيه بطريق تغليب حال الاخلاف على حال الاسلاف { وكذلك نجزى المفترين } على اله ولا فرية اعظم من فريتهم هذا الهكم واله موسى ولعله لم يفتر مثلها احد قبلهم ولا بعدهم ١٥٣ { والذين عملوا السيآت } أية سيئة كانت { ثم تابوا } من تلك السيآت { من بعدها } اى من بعد عملها { وآمنوا } ايمانا صحيحا خالصا واشتغلوا بما هو من مقتضياته من الاعمال الصالحة ولم يصروا على ما فعلوه كالطائفة الاولى { ان ربك من بعدها } اى من بعد تلك التوبة المقرونة بالايمان { لغفور } للذنوب وان عظمت وكثرت { رحيم } مبالغ فى افاضة فنون الرحمة الدنيوية والاخروية والاشارة { ان الذين اتخذوا العجل } عجل الهوى آلها يدل علي قوله { أفرأيت من اتخذ آلهه هواه سيناله غضب من ربهم وذلة فى الحيوة الدنيا } يعنى عبادة الهوى موجبة لغضب اللّه تعالى دل عليه قول النبى عليه الصلاة والسلام ( ما عبد فى الارض اله ابغض على اللّه من الهوى ) وان عابد الهوى يكون ذليل شهوات النفس واسير صفاتها الذميمة من الحيوانية والسبعية والشيطانية ما دام يميل الى الحياة الدنيوية { وكذلك نجزى المفترين } يعنى وكذلك نجازى بالغضب والطرد والابعاد والذلة عباد الهوى المدعين الذين يفترون على اللّه انه اعطاها قوة لا تضربنا عبادة الهوى المدعين الذين يفترون على اللّه انه اعطانا قوة لا تضربنا عبادة الهوى والدنيا ومتابعة النفس وشهواتها { والذين عملوا السيآت } يعنى سيآت عبادة الهوى والدنيا والافتراء على اللّه تعالى { ثم تابوا من بعدها وآمنوا } بعبودية الحق تعالى وطلبه بلصدق { ان ربك من بعدها } اى من بعد ترك عبادة الهوى والرجوع الى طلب الحق { لغفور رحيم } يعنى يعفو عنهم تلك السيآت ويرحمهم بنيل القربات والكرامات كذا فى التأويلات النجمية واعلم ان التوبة عند المعتزلة علة موجبة للمغفرة وعندنا سبب محض للمغفرة والتوبة الرجوع اذا وصف بها العبد كان المراد بها الرجوع عن المعصية واذا وصف بها البارى تعالى اريد بها الرجوع عن العذاب بالمغفرة والتوبة على ضربين ظاهر وباطن. فالظاهر هو التوبة من الذنوب الظاهرة وهى مخالفات ظواهر الشرع وتوبتها ترك المخالفات واستعمال الجوارح بالطاعات. والباطن هو توبة القلب من ذنوب الباطن وهى الغفلة عن الذكر حتى يتصف به بحيث لو صمت لسانه لم يصمت قلبه وتوبة النفس قطع علائق الدنيا والاخذ باليسير والتعفف. وتوبة العقل التفكر فى بواطن الآيات وآثار المصنوعات. وتوبة الروح التحلى بالنعارف الآلهية. وتوبة السر التوجه الى الحضرة العليا بعد الاعراض عن الدنيا والعقبى : قال حضرة الدين الرومى قدس سره كرسيه كردى تونامه عمر خويش ... توبه كن زانها كه كردستى توبيش عمر اكر بكذشت بيخش اين دم است ... آب توبش ده اكر اوبى نم است جون برآرند از بشيمانى انين ... عرش لرزد از انين المذنبين والعبد اذا رجع عن السيئة واصلح عمله اصلح اللّه تعالى شأنه واعاد عليه نعمة الفائتة عن ابراهيم بن ادهم بلغنى ان رجلا من بنى اسرائيل ذبح عجلا بين يدى امه فيبست يده فبينما هو جالس اذ سقط فرح من وكره وهو يتبصبص فاخذه ورده الى وكره فرحمه اللّه تعالى لذلك ورد عليه يده بما صنع فينبغى للمؤمن ان يسارع الى التوبة والعمل الصالح فان الحسنات يذهبن السيآت عن ابى ذر رضى اللّه عنه قال قلت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا رسول اللّه علمنى عملا يقربنى الى الجنة ويباعدنى عن النار ( قال اذا عملت سيئة فاعمخل بجنبها حسنة فانها عشر امثالها قال اللّه تالى من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ) فقلت يا رسول اللّه لا اله الا اللّه من الحسنات قال ( هى احسن الحسنات ) كار نيكوتر بدان جز ذكر نيست ... واللّه الهادى ١٥٤ { ولما سكت عن موسى الغضب } اى ما سكن عنه الغضب باعتذار اخيه وتوبة القوم والسكوت قطع الكلام فرع ثبوته وهو لا يتصور قطعه ايضا فهو محمول على المعنى المجازى الذى و السكون شبه الغضب بانسان يغرى موسى عليه السلام ويقول له ان اخاك قصر فى كف قومك عن الكفر فاستحق اهانتك وعقوبتك خذ بشعر رأسه فجره الى نفسك وقل له كذا وكذا والق ما فى يدك من الالواح ثم يقطع الاغراء ويترك الكلام ففيه استعارة مكنية وسكت قرينة الاستعارة قال الحدادى قيل معناه سكت موسى عن الغضب وهذا من المقلوب كما يقال ادخلت قلنسوة فى رأسى يريد ادخلت رأسى فى قلنسوة { اخذ الالواح } التى القاها وهو دليل على انها لم تتكسر حين القاها وعلى انه لم يرفع منها شيء كما ذهب اليه بعض المفسرين { وفى نسختها } اى والحال انه فيما نسخ فيها وكتب نقلا عن الاصل وهو اللوح المحفوظ فان النسخ عبارة عن نقل اشكال الكتابة وتحويلها من الاصل المنقول عنه فاذا كتبت كتابا آخر حرفا بعد حرف قلت نسخت هذا الكتاب من ذلك الكتاب اى نقلته منه { هدى } اى بيان للحق وهو مبتدأ وفى نسختها خبره { ورحمة } للخلق بارشادهم الى ما فيه الخير والصلاح كائنة { للذين هم لربهم يرهبون } اى يخشون واللام فى لربهم لتقوية عمل الفعل المؤخر كما فى قوله تعالى { ان كنتم للرؤيا تعبرون } يعنى انها دخلت جابرة للضعف العارض للفعل بسبب تأخره عن مفعوله وانما خص اهل الرهبة بالذكر لانهم هم المنتفعون بآيات الكتاب فالعبد اذا رغب الى اللّه بصدق الطلب والى الجنة بحسن العمل ورهب من اليم عذاب فرقته والانقطاع ومن دخول النار فقد اخذ بالخوف والرجاء ووصل بهما الى ما هوى واعلم ان الخشية انما تنشأ عن العلم بصفات الحق سبحانه وعلامة خشية اللّه تعالى ترك الدنيا والخلق ومحاربة النفس والشيطان قالوا رهبوت خير من رحموت اى لان ترهب خير من ان ترحم وذلك لان التخلية قبل التحلية ومن الترهيبات ما حكى عن يحي بن زكريا عليهما السلام انه شبع مرة من خبز شعير فنام عن حزبه تلك الليلة فاوحى اللّه اليه يا يحيى هل وجدت جارا خيرا لك من دارى او جوارا خيرا لك من جوارى وعزتى وجلالى لو اطلعت على الفردوس اطلاعه لذاب جسمك ولزهقت نفسك اشتياقا الى الفردوس الاعلى ولو اطعت على نار جهنم اطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع وللبست الحديد بعد المنسوج قال الحسن البصرى الكلب اذا ضرب وطرد وجفى عليه وطرح له كسرة اجاب ولم يحقد على ما مضى وذلك من علامة الخاشعين فينبغى لكل مؤمن ان تكون فيه تلك الصفة : قال الحافظ وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم ... كه در طريقت ما كافريست رنجيدن وفى الحديث ( من لم يخف اللّه خف منه ) قال الامام السخاوى معناه معناه صحيح فان عدم الخوف من اللّه تعالى يوقع صاحبه فى كل محذور ومكروه : وفى المثنوى لا تخافوا هست نزل خائقان ... هست درخور ازبراى خائف آن هركه ترسد مرورا ايمن كنند ... مردل ترسنده را ساكن كنند آنكه خوفش نيست جون كويى مترس ... درس جه دهى نيست او محتاج درس ١٥٥ { واختار موسى } الاختبار افتعال من لفظ الخير يقال اختار الشيء اذا اخذ خيره وخياره { قومه } اى من قومه بحذف الجار وايصال الفعل الى المجرور وهو مفعول ثان { سبعين رجلا } مفعول اول { لميقاتنا } اى للوقت الذى وقتناه له وعيناه ليأتى فيه بسبعين رجلا من خيار بنى اسرائيل ليعتذروا عن ما كان من القوم من عبادة العجل فهذا الميقات ميقات التوبة لان ميقات المناجاة والتكليم وكان قد اختار موسى عليه السلام عند الخروج الى كل من الميقاتين سبعين رجلا من قومه وكانوا اثنى عشر سبطا فاختار من كل سبطة ستة فزاد اثنان فقال موسى ليتخلف منكم رجلان فانى انما امرت بسبعين فتنازعوا فقال ان لمن قعد مثل اجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين الى الجبل { فلما اخذتهم الرجفة } مما اجترأوا عليه من طلب الرؤية حيث قالوا { لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة } والرجفة هى الارتعاد والحركة الشديدة المراد اخذتهم رجفة الجبل فصعقوا منها اى ماتوا واكثر المفسرين على انهم سمعوه تعالى يكلم موسى يأمره بقتل انفسهم توبة فطمعوا ى الرؤية وقالوا ما قالوه ويرده قوله تعالى { يا موسى انى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى } كما ذهب الهي صاحب التيسير { قال } موسى { رب لو شئت اهلكتهم من قبل } اى حين فرطوا فى النهى عن عبادة العجل وما فارقوا عبدته حين شاهدوا اصرارهم عليها { واياى } ايضا حين طلبت منك الرؤية اى لو شئت اهلا كنا بذنوبنا لاهلكتنا حينئذ اراد به تذكر العفو السابق لاستجلاب العفو اللاحق { أتهلكنا } الهمزة لانكار وقوع الاهلاك ثقة بلطف اللّه تعالى اى لا تهلكنا { بما فعل السفهاء } حال كونهم { منا } من العناد والتجاسر على طلب الرؤية وكأن ذلك قاله بعضهم اىلا يليق بشأنك ان تهلك جما غفيرا بذنب صدر عن بعضهم الذى كان سفيها خفيف الرأى { ان هى } ا ما الفتنة التى وقع فيها السفهاء { الا فتنتك } اى محنتك وابتلاؤك حيث اسمعتهم كلامك فافتتنوا بذلك ولم يثبتوا فطمعوا فى الرؤية يقول الفقير هذا يدل على انهم سمعوا كلامه تعالى على وجه الامتحان والابتلاء لا على وجه التكرمة والاجلال وذلك لا يقدح فى كون موسى عليه السلام مصطفى بالرسالة والكلام مع انه فرق كثير بين سماعهم وسماعه عليه السلام واللّه اعلم [ ودر فصل الخطاب مذكورست كه حق تعالى موسى عليه السلام را در مقام بسط بداشت تابكمال حال انس رسيده وازروى دلال بدين جراءت اقدام نمود ودلالة مرتبه محبوبيت است وحضرت مولوى قدس سره فرمودكه كه كستاخى عاشق ترك ادب نيست بلكه عين ادبست ] كفت وكوى عاشقان دركار رب ... جوشش عشقست نه ترك ادب هركه كردازجام حق يكجرعه نوش ... نه ادب ماند درونه عقل وهوش { تضل بها } اى بسبب تلك الفتنة { من تشاء } ضلالة فيتجاوز عن حده بطلب ما ليس له { وتهدى من تشاء } هدايته الى الحق فلا يتزلزل فى امثالها فيقوى بها ايمانه { انت ولينا } اى القائم بامورنا الدنيوية والاخروية وناصرنا وحافظنا لا غي { فاغفر لنا } اى ما اقترفناه من المعاصى { وارحمنا } بافاضة آثار الرحمة الدنيوية والاخروية قال ابن الشيخ المغفرة هى اسقاط العقوبة والرحمة ايصال الخير وقدم الاول على الثانى لان دفع المضرة مقدم من تحصيل المنفعة { وانت خير الغافرين } تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة. وايضا كل من سواك انما يتجاوز عن الذنب اما طلبا للثناء الجميل او للثواب الجزيل او دفعا للقسوة من القلب واما انت فتغفر ذنوب عبادك لا لاجل غرض وعوض بل بمحض الفضل والكرم فلا جرم انت خير الغافرين وارحم الراحمين وتخصيص المغفرة بالذكر لانها الاهم بحسب المقام ١٥٦ { واكتب لنا } اى اثبت واعين لنا وذكر الكتابة لانها ادوم { فى هذه الدنيا حسنة } حسن معيشة وتوفيق طاعة { وفى الآخرة } اى واكتب لنا فيها ايضا حينة وهى المثوبة الحسنة او الجنة { انا هدنا اليك } تعليل لطلب الغفران والرحمة من هاد يهود اذا رجع اى تبنا ورجعنا اليك عما صنعنا من المعصية العظيمة التى جئناك للاعتذار عنها وعما وقع ههنا من طلب الرؤية فبعيد من لطفك وفضلك ان لا تقبل توبة التائبين. قيل لما اخذتهم الرجفة ماتوا جميعا فاخذ موسى عليه السلام يتضرع الى اللّه حتى احياهم وقد تقدم فى سورة البقرة { قال } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قال اللّه تعالى عند دعاء موسى عليه السلام فقيل قال { عذابى } [ عذاب من وصفت او آنست كه ] { اصيب به } البا للتعدية معناه بالفارسية [ ميرسانم ] { من أشاء } تعذيبه من غير دخل لغيرى فيه { ورحمتى } [ ورحمت من وصفت او آنست كه ] { وسعت } فى الدنيا معناه { رسيده است } { كل شيء } المؤمن والكافر بل المكلف وغيره من كل ما يدخل الشيئية وما من مسلم ولا كافر الا وعليه آثار رحمته ونعمته فى الدنيا فيها يتعيشون وبها ينقلبون ولكنها تختص فى الآخرة بالمؤمنين كما قال تعالى { فاكتبها } اى اثبتها واعينها فى الآخرة { للذين يتقون } الكفر والمعاصى { ويؤتون الزكاة } خصها بالذكر لانها كانت اشق عليهم { والذين هم بآياتنا } جميعا { يؤمنون } ايمانا مستمرا فلا يكفرون بشيء منها قال ابن عباس رضى اللّه عنهما لما انزلت هذه الآية تطاول لها ابليس فقال انا شيء من الاشياء فاخرجه اللّه تعالى من ذلك بقوله { فسأكتبها } الخ فقالت اليهود والنصارى نحن نتقى ونؤتى الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فاخرجهم اللّه منها بقوله ١٥٧ { الذين يتبعون الرسول } فى محل الجر انه صفة للذين يتقون او بدل منه يعنى محمدا صلى اللّه عليه وسلم الى نوحى اليه كتابا مختصا به { النبى } اى صاحب المعجزة وقال البياوى انما سماه رسولا بالاضافة الى نبينا وبالاضافة الى العباد { الامى } الذى ر يكتب ولا يقرأ وكونه عليه السلام اميا من جملة معجزاته فانه عليه السلام لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهما بانه ربما طالع فى كتب الاولين والآخرين فحصل هذه العلوم بتلك المطالعة فلما اتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على علوم الاولين من غير تعلم ومطالعة كان ذلك من جملة معجزاته الباهرة نكار من كه بمكتب نرفت وخط ننوشت ... بغمزه كسأله آموز صد مدرس شد من كان القلم الاعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج الى تصوير الرسوم وقد وصف اللّه تعالى هه الامة فى الانجيل امة محمد اناجيلهم فى صدورهم ولو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرائعه صلى اللّه وسلم بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعداداتهم. والام الاصل وعند ام الكتاب { الذين يجدونه مكتوبا } باسمه وصفته { عندهم } متعلق بيجدون او بمكتوبا وكذا قوله { فى التورية والانجيل } اللذين تعبد بهما بنوا اسرائيل سابقا ولاحقا : وفى المثنوى بيش ازانكه نقش احمد رونمود ... نعت اوهر كبررا تعويذ بود سجده مى كردند كارى رب بشر ... درعيان آريش هرجه زودتر نقش اومى كشت اندر راهشان ... دردل ودر كوش درافواه شان اين همه تعظيم وتفخيم ووداد ... جون بديدندش بصورت بردباد قلب آتش ديددردم شد سياه ... قلب را در قلب كى بودست راه فان قيل الرحمة المذكورة لو اختص بها لزم ان لا تثبت لغيرهم من المؤمنين وليس كذلك اجيب بان هذا الاختصاص بالاضافة الى بنى اسرائيل الموجودين فى زمان النبى الامى ولم يؤمنوا به لا بالاضافة الى جميع ما عداهم { يأمرهم بالمعروف } اى بالتوحيد وشرائع الاسلام { وينهيهم عن المنكر } اى عن كل ما يعرف فى شريعة ولا سنة { ويحل لهم الطيبات } التى حرمت عليهم بشؤم ظلمهم كالشحوم { ويحرم عليهم الخبائث } كالدم ولحم الخنزير. فالمراد بالطيبات ما يستطيبه الطبع ويستلذه. وبالخبائث ما يستخبثه الطبع ويتنفر منه فتكون الآية دليلا على ان الاصل فى كل ما يستطيبه الطبع الحرمة الا لدليل منفصل. ويجوز ان يراد بها ما طاب فى حكم الشرع. وما خبث كالربا والرشوة ومدلول الآية حينئذ ان ما يحكم الشرع بحله فهو حلال وما يحكم بحرمجته فهو حرام ولا حكم لاستطابة الطبع واستخباثه فيهما { ويضع عنهم اصرهم والاغلال التى كانت عليهم } اى يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعين القصاص فى العمد والخطأ من غير شرع الدية وقطع الاعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب وعدم الاكتفاء بغسله واحراق الغنائم وتحريم العمل يوم السبت بالكلية شبهت هذه التكاليف الشاقة بالحمل الثقيل وبالاغلال التى تجمع اليد الى العنق واصل الاصر الثقل الى يأصر صاحبه اى يحبسه من الحراك لصقله { فالذين آمنوا به } اى بينوه الرسول النبى الامى واطاعوه فى اوامره ونواهيه { وعزروه } اى عظموه ووقروه واعانوا بمنع اعدائه عنه { ونصروه } على اعدائه عنه { ونصروه } على اعدائه فى الدين { واتبعوا النور الذى انزل معه } يعنى القرآن الذى ضياؤه فى القلوب كضياء النور فى العيون قال صاحب الكشاف فان قلت ما معنى قوله انزل معه وانما انزل مع جبريل قلت انزل مع نبوته لان استتباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعا به انتهى فمعه متعلق بانزال حال من ضميره بتقدير المضاف اى انزل ذلك النور مصاحبت لنبوته { اولئك } المنعوتون بتلك النعوت الجلية { هم المفلحون } اى الفائزون بالمطلوب الناجون من الكروب لا غيرهم من الامم فيدخل فيهم قوم موسى خولا اوليا حيث لم ينجوا مما فى توبتهم من المشقة الهائلة وبه يتحقق التحقيق ويتأتى التوفيق والتطبيق بين دعائه عليه السلام وبين الجواب وهو من قوله عذابى الى هنا فقد علم ان اتباع القرآن وتعظيم النبى عليه السلام بعد الايمان سبب للفوز والفلاح عند الرحمن ونصرته عليه السلام على العموم والخصوص فالعموم للعامة من اهل الشريعة والخصوص للخاصة من ارباب الطريقة واصحاب الحقيقة وهم الواصلون الى كمال انوار الايمان واسرار التوحيد بالاخلاص والاختصاص واعلم ان المقصود الالهى من ترتيب سلسلة الانبياء عليهم السلام هو وجود محمد صلى اللّه عليه وسلم فوجود الانبياء قبله كالمقدمة لوجود الشريف فهو الخلاصة والنتيجة والزبدة واشرف الانبياء والمرسلين كما قال عليه السلام ( فضلت على الانبياء بست اعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب واحلت لى الغنائم وجعلت لى الارض مسجدا وطهورا وارسلت الى الخلق كافة وختم بى النبيون ) وكذلك المقصود من الكتب الالهية السالفة هو القرآن الذى انزل على النبى عليه السلام فهو زبدة الكتب الالهية واعظمها ومصدق لما بين يديه لانه بلفظ قد اعجز البلغاء ان يأتوا بسورة من مثله وبمعناه الجامع لما فى الكتب السالفة من الاحكام والآداب والفضائل متضمن للحجج والبراهين والدلائل وكذا المقصود من الامم السالفة هو وجود الامة المرحومة اعنى امة محمد صلى اللّه عليه وسلم فهى كالنتيجة لما قبلها وهى الامة الوسط كما قال تعالى { وكذلك جعلناكم امة وسطا } وكذا المقصود من الملوك الماضية والسلاطين السالفة هو الملوك العثمانية فهو زبدة الملوك ودولتهم زبدة الدول حيث لا دولة بعدها لغيرهم الى ظهور المهدى وعيسى ويقاتلون من هم مبادى الدجال من الكفرة الفجرة من الافرنج والانكروس وغيرهم ولهم الجمعية الكبرى واليد الطولى والدولة العظمى فى الاقاليم السبعة واطراف البلاد من المغرب والمشرق ولم يعط هذا لواحد قبل دولتهم ويدل على هه الجمعية كون اسم جدهم الاعلى عثمان فان عثمان رضى اللّه عنه جامع القرآن فهم مظاهر لاسم الحق كما كان عمر رضى اللّه عنه كذلك حيث انه لما اسلم قال لنا يا رسول اللّه ألسنا على الحق قال عليه السلام ( والذى بعثنى بالحق نبيا كلنا على الحق ) قال انا والذى بعثك بالحق نبيا لا نعبد اللّه بعد اليوم سرا فاظهر اللّه الدين بايمانه فكان ظهور الدين مشروطا بايمانه فهذا اول الظهور ثم وثم الى ان انتهى الى زمن الدولة العثمانية ولذلك يقاتلون على الحق فالسيف الذى بيدهم قد ورثوه كابرا عن كابر ومجاهدا عن مجاهد -حكى- ان عثمان الغازى جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام اللّه وانعكس اليه ذلك وذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاج بكتاش او غيره من الرجال فنزل فى بيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام اللّه تعالى فقال ليس من الادب ان نقعد عند كلام اللّه فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم تزل الى الصبح فلما اصبح ذهب الى طريقه فاستقبله رجل وقال انا مطلبك ثم قال له ان اللّه تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط براسها منديلا وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل اول غزوته الى بلادك وفتح بعناية اللّه تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا ثم بعد ارتحاله صار ولده اورخان سلطانا ففتح هو بروسة المحروسة بالعون الآلهى فالدولة العثمانية من ذلك الوقت الى هذا الآن على الازدياد بسبب تعظيم كلام اللّه القديم وكما ان اللّه تعالى اظهر لطفه للاولين وكذلك يظهر للآخرين وان كان فى بعض الاوقات بظهر القهر والحلال تأديبا وتنبيها فتحته لطف وجمال : قال السعدى قدس سره زظلمت مترس اى بسنديده دوست ... كه ممكن بود كاب حيوان دروست دل از يى مرادى بفكرت مسوز ... شب آبستن است اى برادر بروز والاشارة فى الآيات ان اللّه تعالى امتحن موسى موسى عليه السلام قومه ليعلم ان المختار من الخلق من اختاره اللّه لا الذى اختاره الخلق وان اللّه الاختيار الحقيقى لقوله { وربك يخلق ما يشاء ويختار } وليس للخلق الاختيار الحقيقى لقوله { ما كان لهم الخيرة } ثم استخرج من القوم المختار ما كان موجبا للرجفة والصعقة والهلاك وهو سوء الادب قى سؤال الرؤية جهارا وكان ذلك مستورا عن نظر موسى متمكنا فى جبلتهم وكان اللّه المتولى للسرائر وحكم موسى بظاهر صلاحيتهم فاراه اللّه ان الذى اختاره يكون مثلك كقوله تعالى { وانا اخترتك فاستمع لما يوحى } والاذى تختاره يكون كالقوم فلما تحقق لموسى ان المختار من اختاره اللّه حكم بسفاهة القوم واظهر الاستكانة والتضرع والاعتذار والتوبة والاستغفار والاسترحام كما قال { فلما اخذتهم الرجفة قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياى آتهلكنا بما فعل السفهاء منا } وفيه اشارة اخرى الى ان نار شوق الرؤية كما كانت متمكنة فى قلب موسى بالقوة وانما ظهرت بالفعل بعد ان مسع كلام اللّه تعالى من اصطكاك زناد الكلام وحجر القلب ظهر شرر نار الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان والصدوق وشعلت شعلة السؤال فقال { رب ارنى انظر اليك } كذلك كانت نار الشوق متمكنة فى احجار قلوب القوم فباصطكاك زناد سمع الكلام ظهر شرر الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان ولما لم يكن اللسان لسان النبوة صعد منه دخان السؤال الموجب للصعقة والرجفة والسر فيه ان يعلم موسى وغيره ان قلوب العباد مختصة بكرامة ايداع نار المحبة فيها لئلا يظن موسى انه مخصوص به ويعذر غيره فى تلك المسألة فانها من غلبات الشوق تطرأ عند استماع كلام المحبوب ولذا قال عليه السلام ( ما خلق اللّه من بنى آدم من بشر الا وقلبه بين اصبعين من اصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه ) وبالاصبعين يشير الى صفتى الجمال والجلال وليس لغير الانسان قلب مخصوص بهذه الكرامة واقامة القلب وازاغته فى ان يجعله مرآة صفات الجمال فيكون الغالب عليه الشوق والمحبة لطفا ورحمة وفى ان يجعله مرآة صفات الجلال فيكون الغالب عليه الحرص على الدنيا والشهوة قهرا وعزة فالنكتة فيه ان قلب موسى عليه السلام لما كان مخصوصا بالاصطفاء للرسالة والكلام دون القوم كان سؤاله لرؤية شعلة نار المحبة مقرونا بحفظ الادب على بساط القرب بقوله { رب ارنى انظر اليك } قدم عزة الربوبية واظهر ذلة العبودية وكان سؤال القوم من القلوب الساهية اللاهية فان نار الشوق تصاعدت بسوء الادب فقالوا { لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة } قدموا الجحود والانكار وطلبوا الرؤية جهارا فاخذتهم الصاعقة بظلمهم فشتان بين صعقه موسى وصعقة قومه فان صعقته كانت صعقة اللطف مع تجلى صفة الربوبية وان صعقتهم كانت صعقة القهر عند اظهار صفة العزة والعظمة ولما كان موسى عليه السلام ثابتا فى مقام التوحيد كان ينظر بنور الوحدة فيرى الاشياء كلها من عند اللّه فرأى سفاهة القوم وما صدر منهم من آثار صفة قهره فتنة واختبارا لهم فلما دارت كؤوس شراب المكالمات وسكر موسى باقداح المناجاة زل قدمه على بساط الانبساط فقال { ان هى الا فتنتك تضل بها من تشاء } باصبع صفة القهر { وتهدى من تشاء } اى تقيم قلب من تشاء باصبع صفة اللطف { انت ولينا } اى المتولى لامورنا والناصر فى هدايتنا { فاغفر لنا } ما صدر منا { وارحمنا } بنعمة الرؤية التى سألناكها { وانت خير الغافرين } اى خير من يستر على ذنوب المذنبين يعنى انهم يسترون النب ولا يعطون سؤلهم فانت الذى تستر الذنب وتبدله بالحسنات وتعطى سؤل اهل الزلات { واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة } يعنى حسنة الرؤية كما كتبت لمحمد عليه السلام ولخواص امته هذه الحسنة فى الدنيا وفى الآخرة يعنى خصنا بهذه الفضيلة فى الدنيا { وفى الآخرة انا هدنا اليك } رجعنا اليك فى طلب هذه الفضيلة فى السر لا بالعلانية وانت الذى تعلم الر والاخفى واجابهم اللّه تعالى سرا بسر واضمارا باضمار { قال عذابى اصيب به من اشاء } اى بصفة قهرى آخذ من اشاء وبقراءة من قرأ أساء فى الادب عند سؤال الرؤية حيث قالوا لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة آخذهم على سوء ادبهم فادبهم بتأديب عذاب الفرقة { ورحمتى وسعت كل شيء } نعمة وايجادا وتربية { فساكتبها } يعنة حسنة الرؤية والرحمة بها التى انتم تسألونها { للذين يتقون ويؤتون الزكاة } يعنى يتقون باللّه عن غيره ويؤتون من نصاب هذا المقام الزكاة الى طلابه { والذين يتبعون الرسول النبى الامى } وفيه اشارة الى ان فى امته من يكون مستعدا ىتباعه فى هذه المقلمات الثلاثة وهى مقالات لارسالة والنبوة التى هى مشتركة بينه وبين الرسول والانبياء والمقام الامى الى هو مخصوص به صلى اللّه عليه وسلم من بين الانبياء والرسل عليهم والسلام ومعنى الامى انه ام الموجودات واصل المكونات كما قال ( اول ما خلق اللّه روحى ) وقال حكاية عن اللّه ( لولاك لما خلقت الكون ) فلما كان هو اول الموجودات واصلها سمى اميا لانه مبدأ الكتب واصلها فاما فى مقام الرسالة والنبوة فبان يأخذ ما آتاه الرسول وينتهى عما نهاه عنه كما قال تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } فان الرسالة تتعلق واحكام الظاهر والنبوة تتعلق باحوال الباطن فللعوام شركة مع الخواص فى الانتفاع من الؤسالة وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة فمن ادى حقوق احكام الرسالة فى الظاهر يفتتح له بها احوال النبوة فى الباطن من مقام تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الاشارات والالهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية وربما يؤول حاله الى ان يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة ولعله يصير مأمورا بدعوة الخلق الى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما قال عليه السلام ( علماء امتى كانبياء بنى اسرائيل ) يشير الى هذا القوم بذلك وان المتقدمين من بنى اسرائيل فى زمن الانبياء عليهم السلام لما وصلوا الى مقام الانبياء اعطوا النبوة واللّه اعلم وكانوا مقررين لدين رسولهم حاكمين بالكتب المنزلة على رسلهم فكذلك هذا المقام كما قال تعالى { وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا } الآية واما اتباعه فى مقام اميته صلى اللّه عليه وسلم فذلك مخصوص باخص الخواص من متابعيه وهو انه صلى اللّه عليه وسلم رجع من مقام بشريته الى مقام روحانيته الاولى ثم بجذبات الوحى انزل فى مقام التوحيد ثم اختطف بانوار الهوية عن انانيته الى مقام الوحدة كما قال تعالى { قل انما انا بشر مثلكم يوحى الى انما الهكم اله واحد } وكما قال { ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى } فقاب قوسين عبارة عن مقام التوحيد واوادنى عن مقام الوحدة تفهم ان شاء اللّه تعالى فمن رجع بالسير فى متابعته من مقام البشرية الى ان بلغ مقام روحانيته ثم بجذبات النبوة انزل فى مقام التوحيد ثم اختطف بانوار المتابعة عن انانيته الى مقام الوحدة فقد حظى بمقام اميته صلى اللّه عليه وسلم وبقوله تعالى { الذين يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والانجيل } يشير الى انه مكتوب عندهم والا فهو مكنون عنده مقعد صدق { يأمرهم بالمعروف } وهو طلب الحق والنيل اليه { وينهيهم عن المنكر } وهو طلب ما سواه والانقطاع عنه { ويحل لهم الطيبات } اى القربات الى اللّه وان الطيب هو اللّه { ويحرم عليهم الخبائث } وهى الدنيا وما يباعدهم عن اللّه { ويضع عنهم اصرهم والاغلال التى كانت عليهم } يعنى اصرهم من العهد الذى كان بين اللّه تعالى وبين حبيبه صلى اللّه عليه وسلم بان لا يصل احد الى مقام اميته وحبيبته الا امته واهل شفاعته بتبعيته كما قال تعالى { قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعونى } الآية وقال عليه السلام ( الناس يحتاجون الى شفاعتى حتى ابراهيم ) فكان من هذا العهد عليهم شدة واغلال تمنعهم من الوصول الى هذا المقام فقد وضع النبى عليه السلام عنهم هذا الاصر والاغلال بالدعوة الى متابعته ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه } اى وقروه باختصاص هذا المقام فانه مخصوص به من بين سائر الانبياء والرسل ونصروه بالمتابعة { واتبعوا النور الذى انزل معه } يعنى حين اختطف بانوار الهوية عن انانيته فاستفاد نور الوحدة قلم يبق من ظلمة انانيته شئ وكان نورا صرفا فلما ارسل الهوية عن انانيته فاستفاد نور الوحدة كما قال تعالى { قد جاءكم من اللّه نور } يعنى محمدا صلى اللّه عليه وسلم وكتاب مبين يعنى القرآن فامروا بمتابعة هذا النور ليقتبسوا منه نور الوحدة فيفوزوا بالسعادة الكبرى والنعمة العظمى { أولئك هم المفلحون } فى حجب الانانية الفائزون بنور الوحدة كذا فى التأويلات النجمية ١٥٨ { قل } يا محمد { يا ايها الناس انى رسول اللّه اليكم جميعا } الخطاب عام وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مبعوثا الى الكافة من الثقلين الى من وجد فى عصره والى من سيوحد بعده الى يوم القيامة بخلاف سائر الرسل فانهم بعثوا الى اقوامهم اهل عصرهم ولم تستمر شرائعهم الى يوم القيامة واليكم متعلق بقوله رسول وجميعا حال من ضمير اليكم قال الحدادى انى رسول اللّه اليكم كافة ادعوكم الى طاعة اللّه وتوحيده واتباعه فيما اؤديه اليكم وفى آكام المرجان لم يخالف احد من طوائف المسلمين فى ان اللّه تعالى ارسل محمدا صلى اللّه عليه وسلم الى الجن والانس والعرب والعجم فان قلت فى بعثة سليمان عليه السلام مشاركة له لانه ايضا كان مبعوثا الى الانس والجن وحاكما عليهما بل جميع الحيوانات قلت ان سليمان لم يبعث الى الجن بالرسالة بل بالملك والضبط والسياسة والسلطنة لانه عليه السلام استخدمهم وقضى بينهم بالحق وما دعاهم الى دينه لان الشياطين والعفاريت كانوا يقومون فى خدمته وينقادون له مع انهم على كفرهم وطغيانهم كذا حققه والهى الاسكوبى قال ابن عقيل الجن داخلون فى مسمى الناس لغة وهو من ناس ينوس اذا تحرك قال الجوهرى وصاحب القاموس الناس يكون من الانس ومن الجن جمع انس اصله اناس جمع عزيز ادخل عليه ال { الذى } منصوب او مرفوع على المدح اى اعنى اللّه الذى او هو الذى { له ملك السموات والارض } [ مراوراست بادشاهى آسمانها وزمينها وتدبير وتصرف دران ] { لا اله الا هو } [ هيج معبودى نيست مستحق عبادت جزاو ] وهو بدل من الصلة النبى قبله وفيه بيان لهل لان من ملك العالم كان هو الاله المتفرد بالالوهية واسم هو ضمير غيبة وهو من اخص اسمائه تعالى اذا لغته الحقيقية انما هى له اذ لا تتصوره العقول ولا تحده الاوهام وهو اسم لحضرة الغيب الثانية التى هى اول تعينات الذات الذى هو برزخ جامع بين حكمى الاسم الباطن والظاهر وحيث تخفى فيه الواو فهو اسم لحضرة غيب الغيب وهى الحضرة الاولى من حضرات الذات وهو فاتحة الاسماء وام كتابها تنزل منزلة الالف من الحروف كذا فى ترويح القلوب لعبد الرحمن البسطامى قدس سره واعلم ان المقربين لا يرون موجودا سوى اللّه تعالى فاذا قالوا هو اشاروا له الى الحق سبحانه سواء تقدم له مرجع اولا وتحقيقه فى حواشى ابن الشيخ فى سورة الاخلاص { يحيى ويميت } زيادة تقرير للالوخية لنه لا يقدر على الاحياء والاماتة الا الذى لا اله الا هو قال الحدادى يحيى الخلق من النطفة ويمتهم عند انقضاء آجالهم لا يقدر على ذلك احد سواه وقيل معناه يحيى الاموات للبعث ويميت الاحياء فى الدنيا { فآمنوا باللّه ورسوله } الفاء لتفريع الامر على ما تمهد وتقرر من رسالته عليه الصلاة والسلام { النبى الامى } مدح له عليه السلام ومعنى الامى لا يقرأ ولا يكتب فيومن من جهته ان يقرأ الكتب وينقل اليهم اخبار الماضين ولكن يتبع لما يوحى اليه { الذى يؤمن باللّه وكلماته } اى ما انزل عليه من اخبار سائر الرسل ومن كتبه ووحيه وانما وصف به لحمل اهل الكتابين على الامتثال بما امروا به والتصريح بايمانه باللّه تعالى للتنبيه على ان الايمان به تعالى لا ينفك عن الايمان بكلماته ولا يتحقق الا به { واتبعوه } اى فى كل ما يأتى وما يذر من امور الدين { لعلكم تهتدون } علةة للفعلين او حال من فاعليهما اى رجاء لاهتدائكم الى المطلوب اوراجين وفى تعليقه بهما ايذان بان من صدقه ولم يتبعه بالتزام احكام شريعته فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغى والضلالة قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره الطرق كلها مسدودة على الخلق الا على من اقتفى اثر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته لان طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه وعلى المقتفين أثره والمتابعين سنته قال الشيخ العارف الواصل الوارث الكامل محيى الدين ابن العربى قدس سره فى بيان السنة والسنى الانسان لا يخلو ان يكون واحدا من ثلاثة بالنظر الشرعى وهو اما ان يكون باطنيا محصنا وهو القائل بتجريد التوحيد عندنا حالا وفعلا وهذا يؤدى الى تعطيل احكام الشرائع وقلب اعيانها وكل ما يؤدى الى هدم قاعدة من قواعد الدين او سنة من سننه ولو فى العادات كالاكل والشرب والرقاع فهو مذموم بالاطلاق عصمنا اللّه واياكم من ذلك واما ان يكون ظاهريا محصنا متقلقلا بحيث ان يؤذيه ذلك الى التجسيم والتشبيه نعوذ باللّه منهما فى باب الاعتقادات او يكون معتمدا على مذهب فقيه من الفقهاء اصحاب علوم الاحكام المحجوبة قلوبهم بحب الدنيا عن معاينة الملكوت فتراه خائفا من الخروج عن مذهبه فاذا سمع سنة من سنن النبى عليه السلام يحيلها على مذهب فقيه آخر فيترك العمل بها ولو اوردت الف حديث مأثور فى فضائلها فيتصامم عن سماعها بل يسئ الظن برواية المتقدمين من التابعين والسلف بناء على عدم ايراد ذلك الفقيه اياها فى كتابه فمثل ذلك ايضا ملحوق بالم شرعا والى اللّه نفزع ونلتجئ من ان يجعلنا واياكم منهم واما ان يكون جاريا مع الشريعة على فهم اللسان حيث ما مشى الشراع مشى وحيث ما وقف وقف قدما بقدم حتى فلا اقل شئ من الفضائل فى العبادات والعادات صارفا جل عنايته وباذلا كل مجهوده فى ان لا يفوته شئ من الافعال المحمدية فى عباداته وعاداته على حسب ما سنح له فى اثناء مطالعاته من كتب الاحاديث المعول عليها او القى فى اذنه من استاذه وشيخه المعتمد عليه ان لم يكن من اهل المطالعة فهذا هو الوسط وهو السنة والآخذ به هو السى وبهذا يصح محبة اللّه له - وحكى - ان الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قال راعيت جميع ما صدر عن النبى عليه السلام سوى واحد وهو انه عليه السلام زوج بنته عليا رضى اللّه عنه وكان يبيت فى بيتها بلا تكلف ولم يكن لى بنت حتى افعل كذلك -وحكى-عن سلطان العارفين ابى يزيد البسطامى قدس سره انه قال ذات يوم لاصحابه قوموا بنا حتى ننظر الى ذلك الذى قد سهر نفسه بالولاية قال فمضينا فاذا بالرجل قد قصد فرمى بزاقه نحو القبلة فانصرف ابو زيد ولم يسلم عليه وقال هذا ليس بمأمون على ادب من آداب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه من مقامات الانلياء والصديقين -وحكى- عن احمد بن حنبل رحمه اللّه قال كنت يوما ما مع جماعة تجر داود ودخلوا الماء فعملت بالحديث وهو ( من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر ) ولم اتجرد فرأيت تلك الليلة قائلا يقول لى يا احمد ابشر فان اللّه قد غفر لك باستعمالك السنة وجعلك اماما يقتدى بك فقلت من انت قال جبريل عليه السلام وعن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه يقبل الحجر الاسود ويقول انى لا علم انك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا انى رأيت رسول اللّه يقبلك ما قبلتك واتفق المشايخ على ان من القى زمامه فى يد كلب مثلا حتى لا يكون تردده بحكم طبعه أقوم لقبول الرياضة ممن جعل زمامه فى حكم نفسه يسترسل بها حيث شاء كالبهائم فالواجب عليك ان تكون تابعا لا مسترسلا سك اصحاب كهف روزى جند ... بى مردم كرفت ومردم شد فاذا اتبعت فاتبع سيد المرسلين محمدا صلى اللّه عليه وسلم الذى آدم ومن دونه من الانبياء والاولياء تحت لوائه فاذا اتبعت واحدا من امته فلا تتبعه لمجرد كونه رجلا مشهورا بين الناس مثبولا عند الامراء والسلاطين بل كان الواجب عليك ان تعرف اولا الحق ثم تزن الرجال به وفيه قال باب العلم الربانى على رضى اللّه عنه من عرف الحق بالرجال حار فى متاهات الضلال بل اعرف الحق تعرف اهله وبقدر متابعتك للنبى صلى اللّه عليه وسلم تستحكم مناسبتك به وتتأكد علاقة المحبة بينك وبينه كل ما يتعلق بالرسول صلى اللّه عليه وسلم من الصلاة عليه او زيارة قبره او جواب المؤذن والدعاء له عقيبه كنت مستحقا لشفاعته قالوا لو وضع شعر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصى ببركات تلك الذخيرة من العذاب وان كانت فى دار انسان او بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركاتها وان لم يشعروا بها ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به وبطانة استار الكعبة والتكفن بها قال الامام الغزالى رحمه اللّه واذا اردت مثالا من خارج فاعلم ان كل من اطاع سلطانا وعظمه فذا دخل بلدته ورأى فيها سهما من جعبته او سوطا له فانه يعظم تلك البلدة واهلها فلاملائكة يعظمون النبى صلى اللّه عليه وسلم فاذا رأوا ذخائره فى دار او بلدة او قبر عظموا صاحبه وخففوا عنه العذاب ولذلك السبب ينفع الموتى ان توضع المصاحف على قبورهم ويتلى عليهم القرآن ويكتسب القرآن على القراطيس وتوضع فى ايدى الموتى كذا فى الاسرار المحمدية : قال فى المجلد الثالث من المثنوى از انس فرزند مالك آمدست ... كه بمهانى او ضخصى شدست او حكايت كرد كز بعد طعام ... ديد انس دستار خوانرا زردفام جرك آلوده وكفت اى خادمه ... اندرا فكن درتنورش يكدمه درتنور بر زآتش درفكند ... آن زمان دستار خوانرا هوشمند جمله مهمانان دران حيران شدند ... انتظار دود كندورى بدند بعد يكساعت برآورد ازتنور ... باك باك واسبيدو ازان اوساخ دور قوم كفتند اى صحابى عزيز ... جون نسوزيد ومنقا كشت نيز كفت زانكه مصطفى دست ودهان ... بس بماليد اندرين دستارخوان اى دل ترسنده ازنار وعذاب ... باجنان دست ولبى كن اقتراب جون جمادى راجنتيت تشريف داد ... جان عاشق راجها خواهد كشاد اللّهم اجعل حرفتنا محبته وارزقنا شفاعته ١٥٩ { ومن قوم موسى } لما ذكر اللّه تعالى عبدة العجل ومن قالوا { لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة } وهم الاشقياء اتبع ذكرهم بذكر اضدادهم السعداء فالمراد بالقوم بنوا اسرائيل الموجودن فى زمن موسى عليه السلام { امة } اى جماعة { يهدون } [ راه مينمايندخلق را ] فالمفعول محذوف { بالحق } ملتبسين به اى محقين { وبه } اى بالحق { ويعدلون } اى فى الاحكام الجارية بينهم وصيغة المضارع فى الفعلين لحكاية الحال الماضية والاشهر ان المراد بهذه الامة قوم وراء الصين باقصى المشرق وذلك بان بنى اسرائيل لما بالغوا فى العتو والطغيان بعد وفاة موسى ووفاة خليفة يوشع حتى اجترأوا على قتل انبيائهم ووقع الهرج والمرج تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا اللّه تعالى ان يفرق بينهم وبين اولئك الطاغين ففتح اللّه لهم وهم فى بيت المقدس نفقا فى الارض وجعل امامهم المصابيح لتضئ لهم بالنهار فاذا امسوا اظلم عليهم النفق فنزلوا فاذا اصبحوا اضاءت لهم المصابيح فساروا ومعهم نهر من ماء يجرى واجرى اللّه تعالى عليهم ارزاقهم فساروا فيه على هذا الوجه سنة ونصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين الى ارض باقصى المشرق طاهرة طيبة فنزلوها وهم مختلطون بالسباع والوحوش والهوام لا يضر بعضهم وهم متمسكون بالتوراة مشتاقون الى الاسلام لا يعصون اللّه تعالى طرفة عين تصافحهم الملائكة وهم فى منقطع من الارض لا يصل اليهم احد منا ولا احد منهم الينا اما لان بين الصين وبينهم واديا جاريا من رمل فيمنع الناس من اتيانهم كما قال ابن عباس رضى اللّه عنهما او نهرا من شهد كما قال السدى وانهم كبنى اب واحد ليس لاحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون ويحصدون جميعا فيضعون الحاصل فى اماكن من القرية فيأخذ كل رجل منهم قدر حاجته ويدع الباقى - روى - ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لجبرائيل ليلة المعراج انى احب ان ارى القوم الذين اتى اللّه عليهم بقوله { ومن قوم موسى امة } الآية فقال ان بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذهابا وست سنين ايابا ولكن سل ربك حتى يأذن لك فدعا النبى عليه السلام وامن جبريل فاوحى اللّه تعالى الى جبريل انه اجيب الى ما سأل فركب البراق فخطا خطوات فاذا هويين اظهر القوم فسلم عليهم وردوا عيه سلامه وسألوه من انت فقال ( انا النبى الامى ) قالوا انت الذى بشر بك موسى عليه السلام واوصانا بان قال لنا من ادرك منكم احمد عليه الصلاة والسلام فليقرأ عليه منى السلام فرد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على موسى سلامه وقالوا فمن معك قال ( أو ترون قالوا ) نعم قال هو جبريل قال ( فرأيت قبورهم على ابواب دورهم فقلت فلم ذلك ) قالوا اجدر ان نذكر الموت صباحا ومساء فقال ( ارى بنيانكم مستويا ) قالوا ذلك لئلا يشرف بعضنا على بعض ولئلا يسد احد على احد الريح والهواء قال ( فمالى لا ارى لكم قاضيا ولا سلطانا ) قالوا انصف بعضنا بعضا واعطينا الحق فلم نحتج الى قاض ينصف بيننا قال ( فمالى ارى اسواقكم خالية ) وقالوا نزرع جميعا ونحصد جميعا ونحصد جميعا فيأخذ كل احد منا وما يكفيه ويدع الباقى لاخيه فلا نحتاج الى مراجعة الاسواق قال ( فمالى ارى هؤلاء القوم يضحكون ) قالوا مات لهم ميت فيضحكون سرورا بما قبضه فيغتمون لذلك قال ( فاذا ولد لكم ذكر فماذا تصنعون ) قالوا نصوم اللّه شكرا شهرا قال ( فالانثى ) قالوا نصوم للّه شكرا شهرين قال ( ولم ) قالوا لان موسى عليه السلام اخبرنا ان الصبر على الانثى اعظم اجرا من الصبر على الذكر قال ( أفتزنون ) قالوا وهل يفعل ذلك احد لو فعل ذلك احد لحصبته السماء وخسفت به الارض من تحته قال ( أفترابون ) قالوا انما يرابى من لا يؤمن برزق اللّه قال ( أفتمرضون ) قالوا لا نمرض ولا نذنب أنما تذنب امتك فيمرضون ليكون ذلك كفارة لذنوبهم قال ( هل فى ارضكم سباع وهوام ) قالوا نعم تمر بنا وتمر بها ولا تؤذينا ولا نؤذيها فعرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شريعته والصلوات الخمس عليهم وعلمهم الفاتحة وسورا من القرآن قال الحدادى اقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم يكن يؤمئذ نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فامرهم بالصلاة والزكاة وان يتركوا تحريم السبت ويجمعوا وامرهم ان يقيموا مكانهم فهم اليوم هناك حنفاء مسلمون مستقبلون قبلتنا يقول الفقير التجميع وهو بالفارسى [ نمار آذنيه آمدن وكزاردن آن ] انما شرع بعد الهجرة فتناقض اول الكلام مع آخره وكذا امر القبلة ولعل النبى عليه السلام علمهم اولا ما نزل بمكة من الشرائع والاحكام ثم اكمل لهم الدعوة بطريق آخر فان المعراج بالروح والجسد معاوان حصل له عليه السلام مرة واحدة بمكة وفى ليلته فرضت الصلاة على ما عليه الكل الا انه عليه السلام كان يصل جسده الشريف فى لمحة الى حيث يصلب اليه بصره وكان عنده القريب والبعيد على السواء هذا ما خطر بالضمير بعد ما رأيت من اهل التفسير ما يتنافى الاول منه بالاخير واللّه هو العليم الخبير والاشارة فى الآية { ومن قوم موسى امة يهدون بالحق } يهنى خواصهم يهدون بالحق يرشدون الخلق بالكتاب المنزل بالحق على موسى عليه السلام { وبه يعدلون } اى به يحكمون بين العوام او شتان بين امة امية بلغوا اعلى مراتب الروحانية بالسير فى متابعة النبى الامى ثم اختطفوا عن انانية روحانيتهم بجذباب انوار المتابعة الى مقام الوحدة التى هى مصدر وجودهم فى بقاء الوحدة كما قال تعالى { كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبى يسمع وبى يبصر وبى ينطق } وبالرجوع الى هذا المقام سموا اميين فانهم رجعوا الى اصلهم الذين صدروا عنه ايجادا وبين امة كان نبيهم محجوبا بحجاب الانانية عند سؤال الرؤية بقوله { ارنى انظر اليك } فاجيب { لن تريني } لانك كنت بك لابى فانه لا يرانى الا من كان بى لا به فاكون بصره الذى يبصر به وهذا مقام الامة الامية فلهذا قال موسى عليه السلام اللّهم اجعلنى من امة شوقا الى لقاء ربه فلفهم جدا كذا فى التأويلات النجمية مصطفى را نبيا امت شدند ... جمله در زير لواء اوبدند بابه اين امت مرحومه بين ... كى يقالوا بين ارباب اليقين رفعتش بين الامم جون آفتاب ... درميان انجم اى عالى جناب يبشه كن اى حقى شرع اين نبى ... تا نباشد فوت ازتو مطلبى ١٦٠ { وقطعناهم } اى قوم موسى لا الامة المذكورة منهم { اثنتى عشرة } ثانى مفعولى قطع لتضمنه معنى التصيير والتأنيث للحمل على الامة او القطعة اى صيرناهم اثنتى عشرة امة او قطعة متميزا بعضها من بعض { اسباطا } بدل منه ولذلك جمع لان مميز احد عشر الى تسعة عشر يكون مفردا منصوبا واسباطا جمع فلا يصلح ان يكون مميزا له وهى جمع سبط والسبط من ولد اسحق كالقبيلة من ولد اسماعيل وهو فى الاصل ولد الولد { امما } بدل بعد بدل جمع امة وهى بمعنى الجماعة وانحصر فرق بنى اسرائيل فى اثنتى عشرة فرقة لانهم تشبعوا من اثنى عشر رجلا من اولاد يعفوب فانعم اللّه عليهم بهذا التقطيع والتمييز لتنظيم احوالهم ويتيسر عيشهم وكانوا اقواما متباغضة متعصبة { واوحينا الى موسى اذ استسقيه قومه } اى طلبوا منه الماء حين استولى عليهم العطش فى التيه الذى وقعوا فيه بسوء صنيعهم { ان } مفسرة لفعل الايحاء { اضرب بعصاك } كان عصاه من آس الجنة وكان آدم حملها معه من الجنة الى الارض فتوارثها الانبياء صاغرا عن كابر حتى وصلت الى شعيب فاعطاها موسى { الحجر } قد سبق فى البقرة على الاختلاف الواقع فيه وقال فى التفسير الفارسى [ آن سنك راكه جون بتيه در آمدى باتو بسخن درآمدكه مرابرداركه ترابكار آيم وتوبراشتى وحالا درتوبره دارى موسى عليه السلام عصابران سمك زد ] { فانبجست } [ بس شكافته شد وكشاده كشت ] { منه } [ ازآن سنك ] { اثنتا عشرة عينا } [ دوازده جشمه ] بعدد الاسباط قال الحدادى الا بنجاس خروج الماء قليلا والانفجار خروجه واسعا وانما قال فانبجست لان الماء كان يخرج من الحجر فى الابتداء قليلا يتسع فاجتمع فيه صفة الانبجاس والانفجار { قد علم كل اناس } كل سبط عبر عنهم بذلك ايذانا بكثرة كل واحد من الاسباط { مشربهم } اى عينهم الخاصة بهم وكان كل سبط يشربون من عين لا يخالطهم فيها غيرهم للعصبية التىلا كانت بينهم قال ابن الشيخ كان فى ذلك الحجر اذنتا عشرة حفرة فكانوا اذا نزلوا وضعوا الحجر وجاء كل سبط الى حفرته فحفروا الجلد اول الى اهلهم فذلك قوله تعالى { قد علم كل اناس مشربهم } اى موضع شربهم { وظللنا عليهم الغمام } اى جعلناها بحيث تلقى عليهم ظلها تسير فى التيه بسيرهم وتسكن باقامتهم لتقيهم حر الشمس فى النهار وكان ينزل بالليل عمود من نار يسيرون بضوئه { وانزلنا عليهم المن } التربجين قال فى القاموس المن كل طل ينزل من السماء على شجر او حجر ويحلو وينعقد عسلا ويجف جفاف الصمغ كالشير حشت والترنجبين { والسلوى } قال القزوينى وابن البيطار انه السمانى وقال غيرهما طائر قريب من السمانى قال فى التفسير الفارسى [ مرغى بر شكل سمانى وآن طائر بست در طرف يمن از كنجشك يزركتر وازكبوتر خردتر ] وانما سمى سلوى لان الانسان يسلو به عن سائر الادام وفى الحديث ( اطيب اللحم لحم الطير ) وفى الحديث ايضا ( سيد الادام فى الدنيا والآخرة اللحم وسيد الشراب فى الدنيا والآخرة الماء وسيد الرياحين فى الدنيا والآخرة الفاغية ) ويدل على كون اللحم سيد الطعام ايضا قوله صلى اللّه عليه وسلم ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) قيل كان ينزل عليهم المن مثل الثلج من الفجر الى الطلوع لكل انسان صاع وتبعث الجنوب عليهم السمانى فيذبح الرجل منه ما يكفيه { كلوا } اى قلنا لهم كلوا { من طيبات ما رزقناكم } اى مستلذاته وما موصولة كانت او موصوفة عبارة عن المن والسلوى قال فى التفسير الفارسى [ از باكيزها ىنجه بمحض عنايت روزى كرديم شمارا يعنى هرجه روزى ميرسد بخوريدوبراى خود ذخيره منهيد بس ايشان خرف كرده وذخيره مى نهادند همه متعفن ومتغير ميشد ] { وما ظلمونا } عطف على جملة محذوفة للايجاز اى فظلموا بان كفروا بتلك النعم الجليلة وما ظلمونا بذلك { ولكن كانوا انفسهم يظلمون } اذ لا يتخطاهم ضرره قال الحدادى اى يضرون انفسهم باستيجابهم عذابى وقطع مادة الرزق الذى كان ينزل عليهم بلا كلفة ولا مشقة فى الدنيا ولا حساب ولا تبعة فى العقبى ١٦١ { واذ قيل لهم } اى واذكر لهم يا محمد وقت قوله تعالى لاسلافهم { اسكنوا هذه القرية } منصوبة على المفعولية يقال سكنت الدار وقيل على الظرفية اتساعا وهى بيت المقدس او اريحاء وهى قرية الجبارين بقرب بيت المقدس وكان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة رأسهم عوج بن عنق { وكلوا منها } اى من مطاعمها وثمارها { حيث شئتم } اى من نواحيها من غير ان يزاحمكم فيها احد { وقولوا حطة } اى مسألتنا حطة ذنوبنا عنا فعلة من الحط كالردة من الرد. والحط وضع الشيء من اعلى الى اسفل والمراد هنا بالحط المغفرة وحط الذنوب { وادخلوا الباب } اى باب القرية { سجدا } منحنين متواضعين او ساجدين شكرا على اخراجهم من التيه. ثم ان كان المراد بالقرية اريحاء فقد روى انهم دخلوها حيث سار اليها موسى عليه السلام بمن بقى من بنى اسرائيل او بذرياتهم على اختلاف الروايتين ففتحهما كما مر فى سورة المائدة. وان كان بيت المقدس فقد روى انهم لم يدخلوه فى حياة موسى فقيل المراد بالباب باب القبة التى كانوا يصلون فيها كذا فى الارشاد { نغفر لكم خطيئاتكم } ما سلف من ذنوبكم باستغفاركم وخضوعكم { سنزيد المحسنين } استئناف بيانى كأنه قيل فما ذالهم بعد الغفران فقيل سنزيد المحسنين احسانا وثوابا فالمغفرة مسببة عن الامتثال والاثابة محض تفضل ١٦٢ { فبدل الذين ظلموا منهم } ما امروا به من التوبة والاستغفار حيث اعرضوا عنه ووضعوا موضعه { قولا } آخر مما لا خير فيه -روى- انهم دخلوا زاحفين على استاهم وقالوا مكان حطة حنطة استخفافا بامر اللّه تعالى واستهزاء بموسى عليه السلام وعدولا عن طلب عفو اللّه تعالى ورحمته الى طلب ما يشتهون من اعراض الدنيا الفانية الدنية { غير الذى قيل لهم } نعت لقولا صرح بالمغايرة مع دلالة التبديل عليها قطعا تحقيقا للمخالفة وتنصيصا على المغايرة من كل وجه { فارسلنا عليهم } اى على الذين ظلموا اثر ما فعلوا من غير تأخر والارسال من فوق كالانزال { رجزا من السماء } عذابا كائنا منها والمراد الطاعون -روى- انه مات منهم فى ساعة واحدة اربعة وعشرون ألفا { بما كانوا يظلمون } بسب ظلمهم المستمر السابق واللاحق لا بسبب التبديل فقط كذا من لم يعرف قدر النعماء يقرع باب البلاء ليجرى عليه احكام القضاء فامتحن بانواع المحن والوباء واعلم ان الذين ظلموا من بنى اسرائيل افسدوا عليهم النعمتين نعمة الدنيا وهى المن والسلوى وغيرهما ونعمة العقبى وهى المغفرة والاثابة وبعد فوت زمان التدارك لا ينفع نفسا ايمانها ولا تحسرها وندمها -حكى- ان اخوين فى الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا فى ظل شجرة تحت صفاة فلما دنا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل دينارا فألقته اليهما فقالا ان هذا لمن كنز فاقاما عليه ثلاثة ايام كل يوم تخرج لهما دينارا فقال احدهما للآخر الى متى ننتظر هذه الحية الا نقلتها ونحفر عن هذا الكنز فنأخذه فنهاه اخوه فقال ما تدرى لعلك تعطب ولا تدرك المال فابى عليه فاخذ فأسا معه ورصد الحية حتى خرجت وضربها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها فبادرت الحية فقتلته ورجعت الى حجرها فدفنه اخوه واقام حتى اذا كان الغد خرجت الحية معصوبا رأسها ليس معها شيء فقال يا هذه انى واللّه ما رضيت بما اصابك ولقد نهيت اخى عن ذلك فهل لك ان نجعل اللّه بيننا لا تضرينى ولا اضرك وترجعين الى ما كانت عليه فقالت الحية لا فقال ولم قالت لانى اعلم ان نفسك لا تطيب لى ابدا وانت ترى قبر اخيك ونفسى لا تطيب لك وانا اذكر هذه الشحة كذا فى حياة الحيوان : قال فى المثنوى بركذشته حسرت آوردن خطاست ... باز نايد رفته باد آن هباست اللّهم اجعلنا من المتيقظين قبل طلوع صبح الآخرة ولا تجعلنا غافلين عما يهمنا من الامور الباطنة والظاهرة ووفقنا كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا وعن بواطننا خبيرا ١٦٣ { واسألهم } عطف على واذكر المقدر عند قوله { واذ قيل } والضمير البارز عائد الى اليهود المعاصرين لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وليس المقصود من السؤال استعلام ما ليس معلوما للسائل لانه عليه السلام كان قد علم هذه القصة من قبل اللّه تعالى بقديم كفرهم وتجاوزهم لحدود اللّه تعالى ومخالفتهم الانبياء على طريق التوارث من اسلافم وتقريعهم بذلك وان يظهر بذلك معجزة دالة على انه نبى حق اوحى اليه ما لا يعلم الا بتعليم او وحى فانه عليه السلام لما كان اميا ولم يخالط اهل الكتب السابقة وبين هذه القصة على وجهها من غير زيادة ولا نقصان تعيين انه علم ذلك بالوحى فكان بيانها على ما وقعت معجزة ظاهرة من جملة معجزاته عليه السلام { عن القرية } اى عن حالها وخبرها وما يجرى على اهلها من الداهية الدهياء وهى ايلة بين مدين والطور والعرب تسمى المدينة قرية { التى كانت حاضرة البحر } اى قريبة منه مشرفة على شاطئه { اذ يعدون فى السبت } اى يتجاوزون حدود اللّه تعالى بالصيد يوم السبت وهم منهيون عن الاشتعال فيه بغير العبادة واذ ظرف للمضاف المحذوف { اذ تأتيهم حيتانهم } ظرف ليعدون. والحيتان جمع حوت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كنون ونينان لفظا ومعنى. وكان على بن ابى طالب يقول سبحان من يعلم اختلاف النينان فى البحار الغامرات واضافتها اليهم لان المراد بالحيتان الكائنة فى تلك الناحية { يوم سبتهم } ظرف لتأتيهم اى تأتيهم يوم تعظيمهم لامر السبت فالسبت هنا مصدر سبتت اليهود اذا عظمت السبت بالتجرد للعبادة وفى التفسير الفارسى [ روز شنبه ايشان ] فهو اسم لليوم { شرعا } جمع شارع من شرع عليه اذا دنا واشرف وهو حالهم من حيتانهم اى تأتيهم يوم سبتهم ظاهرة على وجه الماء قريبة من الساحل { ويوم لا يسبتون } اى لا يراعون امر السبت لكن بمجرد عدم المراعاة مع تحققق يوم السبت كما هو المتبادر بل مع انتفائهما معا اى لا سبت ولا مراعاة { لا تأتيهم } كما كانت تأتيهم يوم السبت حذارا من صيدهم فان اللّه تعالى قوى دواعيها الى الشروع فى يوم السبت معجزة بنبى ذلك الوقت وابتلاء لتلك التى فصلت بين يوم السبت وغيره من الايام { كذلك نبولهم } الكاف فى موضع النصب بقوله نبلوهم اى مثل ذلك البلاء العجيب الفظيع نعاملهم معاملة من يختبرهم ليظهر عدوانهم ونؤتخذهم به { بما كانوا يفسقون } اى بسبب فسقهم المستمر فى كل ما يأتون وما يذرون ١٦٤ { واذ قالت } عطف على اذ يعدون { امة منهم } اى جماعة من صلحائهم الذين ركبوا فى عظمتهم متن كل صعب وذلول حتى يئسوا من احتمال القبول لآخرين لا يقلعون عن التذكير رجاء للنفع والتأثير مبالغة فى الاعذار وطمعا فى فائدة الانذار { لم تعظون } [ جرابند ميدهيد ] { قوما } [ كروهى را كه بى شبهة ] { اللّه مهلكهم } اى مستأصلهم ومطهر الارض منهم { او معذبهم عذابا شديدا } دون الاستئصال بالمرة. والمفهوم من بقية الآية كون المراد عذاب الدنيا قالوه مبالغة فى ان الوعظ لا ينجح فيهم لا انكارا لوعظهم ورضى بالمعصية منهم { قالوا } اى الوعاظ { معذرة الى ربكم } مفعول له اى نعظم معذرة اليه تعالى. والمعذرة اسم مصدر بمعنى العذر وهو بضم فسكون فى الاصل تحرى الانسان بما يمحو به ذنوبه بان يقول لم افعل او فعلت لاجل كذا او فعلت ولا اعود وهذا الثالث التوبة فكل توبة عذر بلا عكس وقيل المعذرة بمعنى الاعتذار يقال اعتذرت الى فلان من جرمى ويعدى بمن والمعتذر قد يكون محقا وغير محق كذا فى تاج المصادر : قال السعدى قدس سره كر بمحشر خطاب قهر كند ... انييارا جه جاى معذر تست برده از لطف كوك بردارد ... كاشقيارا اميد مغفرتست { ولعلهم يتقون } عطف على معذرة اى ورجاء لان يتقوا بعض التقاة ويتركوا المعصية لان قبول الحق الواضح يرجى من العاقل. واليأس لا يحصل الا بالهلاك وهذا صريح فى ان القائلين لم تعظون الخ ليسوا من الفرقة الهالكة والا لوجب الخطاب اى ولعلكم ١٦٥ { فلما نسوا ما ذكروا به } اى تركوا ما ذكرهم به صلحاؤهم ترك الناسى للشيء واعرضوا عنه اعراضا كليا بحيث لم يخطر ببالهم شيء من تلك المواعظ اصلا فيكون من ذكر المسبب وارادة السبب { انجينا الذين ينهون عن السوء } اى خلصنا الذين ينهون عن الاصطياد وهم الفريقان المذكوران قال ابن عباس رضى اللّه عنهما نزل واللّه بالمداهن ما نزل بالمستحل وقال الحسن نجت فرقتان وهلكت فقة وانكر القول الذى ذكره عن ابن عباس وقال ما هلك الا فرقة لانه ليس شيء ابلغ فى الامر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وقد ذكرت الفرقة الثالثة الوعيد فقالت لم تعظون قوما اللّه مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا وقول الحسن اقرب الى ظاهر الآية كذا فى تفسير الحدادى { واخذنا الذين ظلموا } بالاعتداء ومخالفة الامر { بعذاب بئيس } اى شديد وزنا ومعنى { بما كانوا يفسقون } متعلقباخذنا كالباء الاولى ولا ضير فيه لاختلافهما معنى اى اخذناهم بما ذكر من العذاب بسبب تماديهم فى الفسق الذى هو الخروج عن الطاعة وهو الظلم والعدوان ايضا ولعله تعالى قد عذبهم بعذاب شديد دون الاستئصال فلبم يقلعوا عما كانوا عليه بل ازدادوا فى الغى فمسخهم بعد ذلك لقوله تعالى ١٦٦ { فلما عتوا عن ما نهوا عنه } اى تمردوا وتكبروا وابوا عن ترك ما نهوا عنه قدر المضاف اذ التكبر والاباء من نفس المنهى عنه لا يذم فهو كقوله تعالى { وعتوا عن امر ربهم } اى عن امتثال امر ربهم والعاتى هو شديد الدخول فى الفساد المتمرد الذى لا يقبل الموعظة { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } صاغرين اذلاء بعداء عن الناس. فى القاموس خسأ الكلب كمنع طرده والكلب بعد. والقدة جمع قرد بالفارسى [ بوزينه ] والانثى قردة وجمعها قرد مثل قربة وقرب والمراد هو الامر النتكوينى لا القولى التكليفى لانهم لا يقدرون على قلب انفسهم قردة وتكليف العاجز غير معقول فليس ثمة قول ولا امر مأمور حقيقة وانما هو تعلق قدرة وارادة بمسخهم نعوذ باللّه تعالى -روى- ان اليهود امروا باليوم اذى امرنا به وهو يوم الجمعة فتركوه واختاروا يوم السبت وهو المعنى بقوله تعالى { انما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } فابتلوا به وحرم عليهم الصيد وامروا بتعظيمه فكانت الحيتان تاتهم يوم السبت كأنها المخاض والكباش البيض السمان تنتطح لا يرى وجه الماء لكثرتها ولا تأتيهم فى سائر الايام فكانوا على ذلك برهة من الدهر ثمجاء هم ابليس فقال لهم انما نهيتم عن اخذها يوم السبت فاتخذوا حياضا سهلة الورود صعبة الصدور ففعلوا فجعلوا يسوقون الحيتان اليها يوم السبت فلا تقدر على الخروج وياخذونها يوم الاحد واخذ رجل منهم حوتا وربط فى ذنبه حيطا الى خشبة فى الساحل ثم شواه يوم الاحد فوجد جاره ريح السمك فتطلع على تنوره فقال له انى ارى اللّه سيعذبك فلما لم ير عذاب اخذ فى السبت القابل حوتين فلما رأوا ان العذاب لا يعاجلهم استمروا على ذلك فصادوا واكلوا وملحوا وباعوا وكانوا نحوا م سبعين الفا فكان اهل القرية اثلاثا. ثلث استمروا على النهى. وثلث ملوا التذكير وشموه وقالوا للواعظين لم تعظون الخ. وثلث باشروا الخطيئة فلم ينتهوا قال المسلمون نحن لا نساكنكم فباعوا الدور والمساكن وخرجوا من القرية فضربوا الخيام خارجا منها او اقتسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب ولعنهم داود عليه السلام فاصبح الناهون ذات يوم فخرجوا من ابوابهم وانتشروا لمصالحهم ولم يخرج من المعتدين احد فقالوا لعل الخمر غلبتهم او ان لهم شأنا من خسف او مسخ او رمى بالحجارة فعلوا الجدر فنظروا فاذا هم قردة او صار الشبان قردة والشيوخ خنازير ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القردة انسابهم من الانس وهم لا يعرفونها فجعل القرد يأتى نسيبه فيشم ثيابه فيكى ويقول له نسيه ألم ننهكم فيقول القرد برأسه بلى ودموهم تسيل على خدودهم ثم ماتوا عن مكث ثلاثة ايام وعليه الجمهور. واما قوله عليه السلام ( فقدت امة من بنى اسرائيل لا يدرى ما فعلت ولا اراها الا الفأر الا ترونها اذا وضع لها البان الابل لم تشربها واذا وضع لها البان غيرها شربتها ) وما روى ان النب عليه السلام اتى بضب فابى ان يأكله وقال ( لا ادرى لعله من القرون التى مسخت ) فالجواب عنهما ان ذلك كان قبل ان يوحى اليه ان اللّه لم يجعل لممسوخ نسلا فلما اوحى اليه زال عنه ذلك المتخوف وعلم ان الضب والفأر ليسا مما مسخ فعند ذلك اخبرنا بقوله صلى اللّه عايه وسلم لمن شاله عن القردة والخنازير أهى مما مسخ اللّه فقال ( ان اللّه لم يهلك قوما او يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وان القردة والخنازير كانوا قبل ذلك وثبت النصوص باكمل الضب بحضرته وعلى مائدته ولم ينكره ) كذا فى حياة الحيوان وعن مجاهد انما مسخت قلوبهم فقط وردت افهامهم كافهام القردة وهذا قول تفرد به جميع المسلمين يقول الفقير مسخ القلب مشترك بين عصاة جميع الامم وعادة اللّه تعالى فى النبوة الاولى تعجيل عقوبة الدنيا على اقبح وجه وافظعه لا عقوبة ادهى من تبديل الصورة الحسنة الانسانية الى صورة اخس الحيوانات وهى صورة القردة والخنازير القبيحة نعم مسخ القلب والمعنى سبب لمسخ القالب والصورة نعوذ باللّه وعن الحسن وايم اللّه ما حوت اخذه قوم فأكلوه اعظم عند اللّه من قتل رجل مسلم ولكن اللّه جعل ذلك موعدا والساعة ادهى وامر قال ابن انس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انه سئل هل فى امتك خسف ( قال نعم ) قيل ومتى ذلك يا رسول اللّه قال ( اذا لبسوا الحرير واستباحوا الزنى وشربوا الخمور وطففوا المكيال والميزان واتخذوا القينات والمعازف وضربوا بالدفوف واستحلوا الصيد فى الحرم ) والاشارة ان القرية هى قرية الجسد الحيوانى على شاطئ بحر البشرية واهل قرية الحس الصفات الانسانية وهى على ثلاث اصناف. منها صنف روحانى كصفات الروح. وصنف قلبى كصفات القلب. وصنف نفسانى كصفات النفس والامارة بالسوء وكل قد نهوا عن صيد حيتان الجواعى البشرية فى سبت محارم اللّه. فصنف امسك عن الصيد ونهى عنه وهو الصفات الروحانية وصنف امسك ولم ينه وهو الصفات القلبية. وصنف انتهك الحرمة وهو الصفات النفسانية قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة يوم هور النفس الامارة بالسوء يوم السبت لانقطاع اهله باتباع الطاغوت والجبت وشهره شهر المحرم لحرمانه من القرية والنيل والوصلة ونجمه القمر وفلكه فلك السماء الدنيا وآيته قوله تعالى { يا ايها الذين آمنوا اتقوا اللّه ولتنظر نفس ما قدمت لغد } انتهى وتتوفر الدواعى البشرية فيما حرم اللّه باغراء الشيطان وتزيينه لان الانسان حريص على ما منع ولا يرغب فيما لم يحرم اللّه فمن كان الغالب عليه صفات الروح وقهر النفس وتبديل صفاتها بالتزكية والتحلية فان من اهل النجاة وارباب الدرجات واصحاب القربات. ومن كان الغالب عليه النفس وصفاتها فانه من اهل الهلاك وارباب الدركات واصحاب المباعدات : وفى المثنوى نفس توتامست وتازه است وقديد ... دانكه روحت حاسه غيبى نديد كه علاماتست زان ديدار نور ... التجافى منك عن دار الغرور واى آنكه عقل او ماده بود ... نفس زشتش نرو آماده بود لا جرم مغلوب باشد عقل او ... جزسوى خسران نباشد نقل او وصف حيوانى بود بر زن فزون ... زانكه سوى رنك وبودارد ركون ١٦٧ { واذ تأذن ربك } بمعنى آذن مثل توعد بمعنى اوعد. والايذان الاعلام وبمعنى عزم لان من عزم على الامر وصمم نيته عليه يحدث به نفسه ويؤذنها بفعله وعزم اللّه تعالى على الامر عبارة عن تقرر ذلك الامر فى علمه وتعلق ارادته بوقوعه فى الوقت المقدر له. والمعنى واذكر يا محمد لليهود وقت ايجابه تعالى على نفسه { ليبعثن } البتة { عليهم الى يوم القيمة } متعلق بقوله ليبعثن واللام فيه لام جواب القسم لان قوله { واذ تأذن ربك } جار مجرى القسم كعلم اللّه وشهد اللّه من حيث دلالته على تأكد الخبر المؤذن به { من يسومهم } السوم [ رنج بخشانيدن ] كذا فى تاج المصادر فالمعنى [ كسى كه بخشاند ايشانرا ] { سوء العذاب } [ عذابى سخت ] كالاذلال وضرب الجزية وغير ذلك من فنون العذاب. وقد بعث اللّه تعالى عليهم بعد سليمان عليه السلام بخت نصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقى منهم وكانوا يؤدونها الى المجوس حتى بعث اللّه محمدا صلى اله عليه وسلم ففعل ما فعل ثم ضرب الجزية فلا تزال مضروبة الى آخر الدهر قال الحدادى وفى هذه الآية دلالة على ان اليهود لا ترفع لهم راية عز الى يوم القيامة { ان ربك لسريع العقاب } يعاقبهم فى الدنيا { وانه لغفور رحيم } لمن تاب وآمن منهم وفى الآية اشارة الى ان الشيطان وهو المنظر الى يوم القيامة يبعث ليسوم الخلق سوء العذاب وهو الابعاد من القربة والاغراء فى الضلالة والاقعاد عن العبودية والاضلال عن الصراط المستقيم ان ربك لسريع العقاب يعاقبهم فى الدنيا وهى تورث العقوبة فى الآخرة وانه لغفور يغفر ذنوب من يرجع اليه ويتوب اى الارواح والقلوب لو رجعت عن متابعة النفس وهواها وتابت الى اللّه واستغفرت لغفر لها لانه رحيم يرحم من تاب اليه وفيه معنى آخر انه لسريع العقاب اى يعاقب المؤمنين فى الدنيا بانواع البلاء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات ويوفقهم الى الصبر على ذلك ليجعله كفارة لذنوبهم حتى اذا خرجوا من الدنيا خرجوا اتقياء لا يعذبون فى الآخرة انه لغفور رحيم لهم فى الآخرة لقى يحيى عيسى عليهما السلام فتبسم عيسى فى وجهه فقال مالى اراك لاهي كأنك آمن فقال الآخر مالى اراك عابسا كانك آيس فقال لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فاوحى اللّه تعالى احبكما الى احسنكما ظنا بى : قال السعدى نه يوسف كه جندان بلا ديد وبند ... جوحكمش روان كشت وقدرش بلند كنه عفو كرد آل يعقوب را ... كه معنى بود صورت خوب را بكردار بدشان مقيد نكرد ... بضاعات مزجات شان رد نكرد ز لطفت همى جشم داريم نيز ... برين بى بضاعت بيخش اى عزيز فينبغى للعاقل ان يحسن الظن بربه ولا يتكاسل فى باب العبادة فان السفينة لا تجرى على اليبس وعن مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا بسعدون المجنون فقلت كيف حالك وكيف انت قال يا مالك كيف يكون حال من امسى واصبح يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت ما يبكبك قال واللّه ما بكيت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى لا يحسن فيه عمل ابكانى واللّه قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا ادرى بعد ذلك اصير الى الجنة ام الى النار فسمعت منه كلام حكمة فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال وانت اغتررت بما اغتر به بنوا اسرائيل زعم الناس انى مجنون وما بى جنة ولكن حب مولاى قد خالط قلبى واحشائى وجرى بين لحمى ودمى وعظامى فانا واللّه من حبه هائم مشغوف فقلت يا سعدون فلم تجالس الناس وتخالطهم فانشا يقول كن من الناس جانبا ... وارض باللّه صاحبا قلت الناس كيف شئ ... ت تجدهم عقاربا كذا فى روض الرياحين لليافعى ١٦٨ { وقطعناهم } اى فرقنا بنى اسرائيل { فى الارض } وجعلنا كل فرقة منهم فى قطر من اقطارها بحي لا تخلو ناحية منها منهم تتميما لجزاء ادبارهم واعراضهم عن الحق حتى لا يكون لهم شوكة بالاجتماع ابدا { امما } حال من مفعول قطعناهم اى حال كونهم جماعات او مفعول ثان لقطعنا باعتبار تضمنه معنى صيرنا { منهم الصالحون } صفة لامما وهم المتدينون بدين موسى { ومنهم دون ذلك } تقديره ومنهم ناس دون ذلك على ان دون ذلك صفة لموصوف محذوف مرفوع على الابتداء. وقوله منهم خبر قدم عليه قال التفتازانى قد شاع فى الاستعمال وقوع المبتدأ والخبر ظرفين واستمر النحاة على جعل الاول خبرا والثانى مبتدأ بتقدير موصوف دون العكس وان كان ابعد من جهة المعنى والتأخير بالخبر اولى وكأنهم يرون المصير الى ان الحذف فى اوانه انتهى وذلك اشارة الى الصلاح المدلول عليه بقوله الصالحون بتقدير المضاف ليصح المعنى اى ومنهم دون اهل ذلك الصلاح منحطون عنهم وهم كفرتهم وفسقتهم وجوز بمعنى اولئك فالاشارة الى الصالحين وقد ذكر النحويون ان اسم الاشارة المفرد قد يستعمل للمثنى والمجموع كذا فى حواشى سعدى جلبى { وبلوناهم } اى عاملناهم معاملة المبتلى المختبر { بالحسنات والسيآت } بالنعم والنقم حيث فتحنا عليهم تارة باب الخصب والعافية وتارة باب الجدب والشدائد { لعلهم يرجعون } ينتهون فيرجعون عما كانوا عليه من الكفر والمعاصى فان كل واحد من الحسنات والسيآت يدعو الى الطاعة اما الحسنات فللترغيب فيها واما السيآت فللترهيب عن المعصية قال الكاشفى [ ايشانرا درنعمت شكر بايست كرد بطر واستغنا ظاهر كردند وكفتند ان اللّه فقير ونحن اغنياء ودر محنت صبرى بايست كرد آغار ناسزا كردند زكفتند يد اللّه مغلولة برمحك اختبار تمام عيار بيرون نيامدند ] خوش بود كرمحك تجربة آيدبميان ... تاسيه روة شودهر كه دروغش باشد وفى التأويلات النجمية { وبلوناهم بالحسنات } اى بكثرة الطاعات ورؤيتها والعجب بها كما كان حال ابليس { والسيآت } اى المعاصى ورؤيتها والندامة عليها والتوبة منها والخوف والخشية من ربهم كما كان حال آدم عليه السلام ورجع الى اللّه تعالى { وقال ربنا ظلمنا انفسنا } ١٦٩ { فخلف من بعدهم } من بعد المذكورين { خلف } اى بدل سوء وهم الذين كانوا فى عصر النبى صلى اللّه عليه وسلم الذين خلفوا من اليهود الذين فرقهم اللّه فى الارض امما موصوفين بانهم منهم الصالحون ومنهم دون ذلك. والخلف مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع يقال خلف فلان فلانا اذا كان خليفته وخلفه فى قومه خلامة اى قام مقامه فى تدبير احوال قومه قال الاعرابى الخلف بفتح اللام الصالح وباسكان اللام الطالح ومنه قيل لرديئ الكلام خلف وقال محمد بن جرير اكثر ما جاء فى المدح بفتح اللام وفى الذم بتسكينها وقد يحرك فى الذم ويسكن فى المدح قال واحسبه فى الذم مأخوذا من خلف اللبن اذا حمض من طول تركه فى السقاء حتى يفسد ممهه قولهم خلف فم الصائم اذا تغيرت ريحه وفسدت فكان الرجل الفاسد مشبه به والحاصل ان كليهما يستعملان فى الشر والخير الا ان اكثر الاستعمال فى الخير بالفتح كذا فى تفسير الحدادى { ورثوا الكتاب } اى التوراة من اسلافهم يقرأونها ويقفون على ما فيها. والميراث ما صار للباقى من جهة الهالك وهو فى محل الرفع على انه نعت لقوله خلف { يأخذون عرض هذا الادنى } استئناف اى يأخذون حطام هذا الشيء الادنى يعنى الدنيا وهو من الدنو اى القرب سميت هذه الدار وهذه الحياة دنيا لدنوها وكونها عاجلة يقال دنوت منه دنوا اى قربت والدانى القريب او من الدناءة يقال دنا الرجل دناء اى صار دنيئا خسيسا لا خير فيه والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشى فى الحكومات وعلى تحريف الكلام قال الحدادى سمى متاع الدنيا عرضا لقلة بقائه كأنه يعرض فيزول قال اللّه تعالى { هذا عارض ممطرنا } يريدون بذلك السحاب { ويقولون سيغفر لنا } لا يؤاخذنا اللّه بذلك ويتجاوز عنه يقال غفر اللّه له ذنبه غطى عليه وعفا عنه. قوله سيغفر اما مسند الى الجار والمجرور بعده وهولنا واما الى ضمير الاخذ فى يأخذون كقوله { اعدلوا هو اقرب } اى سيغفر لنا اخذ العرض الادنى وفى التأويلات النجمية من شأن النفوس ان يجعلوا المواهب الربانية والكشوف الروحانية ذريعة العروض الدنيوية ويصرفها ى تحصيل الماء والجاه واستيفاء اللذات والشهوات ويقولون سيغفر لنا لانا وصلنا الى مقام ورتبة يغفر لنا مثل الزلات والخطيآت كما هو مذهب اهل الاباحة جهالة وغرورا منهم وفيه معنى آخر وهوانهم يقولون سيغفر لنا اذا استغفرنا منها وهم يستغفرون باللسان لا بالقلب { وان يأتهم عرض مثله يأخذوه } حال من فاعل يقولون اى يأخذون الرشى فى الاحكام وعلى تحريف الكلم للتسهيل على العامة ويقولون انه تعالى لا يؤاخذنا باخذ ما اخذناه من عرض الدنيا ويتجاوز عنه والحال انهم مصرون على اخذه عائدون الى مثله غير تائبين عنه { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب } اى العهد المذكور فى التوراة { ان لا يقولوا على اللّه الا الحق } عطف بيان للميثاق اى لا تفتروا على اللّه مثل القطع على المغفرة مع الاصرار على الذنب { ودرسوا ما فيه } [ وخوانده اند آنجه دروست واين حكم دروى نديده اند ] وهو معطوف على ألم يؤخذ من حيث المعنى فانه تقرير اى اخذ عليهم ميثا الكتاب ودرسوا ما فيه ولك ان تقول درسوا عطف على لم يؤخذ فالاستفهام لتقريرى متعلق بهما { والدار الآخرة } [ ورستكارى سراى ديكركه عقابست { خير } بهترست از عرض دنيا ] { للذين يتقون } المعاصى والشرك واكل الحرام والافتراء على اللّه تعالى { أفلا تعقلون } تعلمون لك فلا تستبدلوا الادنى المؤدى الى العقاب بالنعيم المخلد ١٧٠ { والذين } اى وخير ايضا للذين { يمسكون بالكتاب } اى يتمسكون به فى امور دينهم يقال مسك بالشيء وتمسك به قال مجاهد هم الذين آمنوا من اهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام واصحابه تمسكوا بالكتاب الذى جاء به موسى عليه السلام فلم يحرفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه مأكلة اى وسيلة وسببا لاكل موال الناس وقال عطاء هم امة محمد عليه السلام فالمراد بالكتاب القرآن { واقاموا الصلاة } من قبيل ذكر الخاص بعد ذكر العام للتنبيه على شرف الخاص وفضله فان اقامة الصلاة اعظم العبادات وافضلها عد الايمان فافردت بالذكر لعلو قدرها بالنسبة الى سائر انواع التمسكات خانه دين خويش راجوخدا ... بر ستون نماز كردبنا بى شكى تاستون بجاى بود ... خانه دين حق بباى بود { اننا لا نضيع اجر المصلحين } اى نعطيهم اجرهم فى القول والعمل قال الكاشفى [ مزدكار بصلاح آرند كان كردار خودرا بلكه بتمام بديشان رسانيم ] والاصلاح اما اصلاح الظواهر واما اصلاح السرائر وذلك بالتقيد بالاعمال الظاهرة وتربية النفس الى ان تصلح لقبول فيض نور اللّه واعلم ان الغالب فى آخر الزمان ترك العمل بالقرآن ولقد خلف من بعد السعداء اشقياء اطمأنوا الى زخارف الدنيا قل الحسن رأي سبعين بدريا كانوا فيما احل اللّه لهم ازهد منكم فيما حرم اللّه عليكم وكانوا بالبلاء اشد منكم فرحا بالرخاء لو رأيتموهم قلتم مجانين ولو رأوا اخياركم قالوا ما لهؤلاء من خلاق ولو رأوا اشراركم حكموا بانهم ما يؤمنون بيوم الحساب اذا عرض عليهم الحلال من المال تركوه خوفا من فساد قلوبهم قال هرم لاويس اين تأمرنى ان اكون فومأ الى الشأم فقال هرم كيف المعيشة بها قال اويس أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها العظة قال من قال خانه بركندم ويك جونفر ستاده بكور ... غم مركت جوغم برك زمستانى نيست وهذا الشك لا يزول الا بالتوفيق الخاص الالهى ولا بد من تربية المرشد الكامل فانه اعرف بمصالح النفس ومفاسدها زمن اى دوست اين يك بند ببذير ... بروفتراك صاحب دولتى كير ١٧١ { واذ نتقنا الجبل فوقهم } النتق قلع الشيء من موضع الجبل وهو الطور الذى سمع موسى كلام اللّه واعطى الالواح وهو عليه او جبل من جبال فلسطين او الجبل الذى كان عند بيت المقدس وفوقهم منصوب بنتقنا باعتبار تضمنه لمعنى رفعنا كأنه قيل رفعنا الجبل فوق بنى اسرائيل بنتقه وقلعه من مكانه فالنتق من مقدمات الرفع وسبب لحصوله { كأنه ظلة } اى سقيفة وهى كل ما اظلك بالفارسية [ سايبان ] { وظنوا } اى تيقنوا { انه واقع بهم } اى ساقط عليهم لان الجبل لا يثبت فى الجو ولانهم كانوا يوعدون به على تقدير عدم قبولهم احكام التوراة -روى- ان موسى عليه السلام لما اتى بنى اسرائيل بالتوراة وقرأها عليهم وسمعوا ما فيها من التكاليف الشاقة ابوا ان يقبلوها ويندينوا بما فيها فامر اللّه الجبل فانقلع من اصله حتى قام على رؤوسهم بحيث حاذى معسكرهم جميعا ولم يبق منهم احد الا والجبل فوقه وكان معسكرهم فرسخا فى فرسخ وقيل لهم ان قبلتموها بما فيها والا ليقعن عليكم فلما نظروا الى الجبل خر كل رجل منهم ساجدا على جانبه الايسر وهو ينظر بعينه اليمنى الى الجبل خوفا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد الاعلى جانبه الايسر ويقولون هى السجدة التى رفعت عنا العقوبة فقبلوها جبرا قيل من اتى بشيء جبرا ينكص على عقبيه حين يجد فرصة كذلك اهل التوراة لما قبلوها جبرا ما لبثوا حتى شرعوا فى تحريفها { خذوا } على اضمار القول اى قلنا خذوا { ما آتيناكم } من الكتاب { بقوة } بجد وعزم على تحمل مشاقه وهو حال من الواو { واذكروا ما فيه } بالعمل ولا تتركوه كالمنسى { لعلكم تتقون } بذلك قبائح الاعمال ورذائل الاخلاق وفى الآية اشارة الى ان الانسان لو وكل الى نفسه وطبيعته لا يقبل شيا من الامور الدينية طبعا ولا يحمل اثقاله قطعا الا ان يعان على القبول والحمل بامر ظاهر او باطن فيضطر الى القبول والحمل فاللّه تعالى اعان ارباب العناية حتى حملوا اثقال المجاهدات والرياضات واخذوا ما آتاهم اللّه بقوة منه لا بقزتهم وارادتهم : وفى المثنوى جشمها وكوشهارا بسته اند ... جزمر آنهارا كه از خود رسته اند جز عنايت كه كشايد جشم را ... حز محبت كه نشايد خشم را جهد بى توفيق خود كس را مباد ... درجهان واللّه اعلم بالرشاد قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره مخاطبا لحضرة الهدايى ان كثيرا قد اجتهدوا ثلاثين سنة فلم يتيسر ما حصل لك فقال الهدايى ان بابنا الذى نخدم فيه اعلى مما خدموا فينبغى ان تكون لنا العناية بهذا القدر فتبسم حضرة الشيخ -يحكى- ان ابا يزيد البسطامى لم يأكل البطيخ الاخضر زمانا لعدم وقوفه على ان النبى عليه السلام بأى وجه قطعه والشمس التبريزى قال ان البسطامى كان فى الحجاب بسبب قصة البطيخ قال افتاده افندى كأنه اراد ان قوة زهد البسطامى جعلته محجوبا ولكن التحقيق ان كلا منهما على الكمال غايته ان ابا يزيد البسطامى وصل من طريق الرياضة والشمس التبريزى وصل من طريق المعرفة والطرق الى اللّه كثيرة ولكن طريق الرياضة اجكم واثبت فصاحب الزهد الغالب وان لم ينفتح له الطريق زمانا ولكنه اذا انفتح يكون دفعة وبذلم لم يقدر الحلاج على ضبطه لكماله فى الشريعة والطريقة فظهر حقيقة الحال على الاسلوب المذكور فعناية اللّه تعالى تهدى اولا الى القبول ثم الى الزهد والرياضة ثم الى العشق والحالة ثم الى عالم الحقيقة ولطرق الى اللّه تعالى بعدد انفاس الخلائق فكل احد يصل الى اللّه تعالى من طريق وهى غير متعينة وليس هى كما يزعمها الناس اذ ليست على الاسلوب الظاهر قال اللّه تعالى { وائتوا البيوت من ابوابها } فالمراد بها الطريق المناسب لكل احد وطريق الوصول هو التقوى والذكر واعلم ان الكتب الالهية انما جاءت رحمة من عند اللّه تعالى وعناية وكذا الانبياء عليهم السلام فمن اتبعهم وقبل ما جاءوا به فقد نجا من العقبات وخرج من محبس هذا العالم وطار الى الملكوت الاعلى وللّهمة تأثير عظيم -ذكر- ان فى الهند قوما اذا اهتموا بشيء اعتزلوا عن الناس وصرفوا همتهم الى ذلك الشيء فيقع على وفق اهتمامهم ومن هاذ القبيل ما ذكر ان السلطان محمود غزا بلاد الهند وكانت فيها مدينة كلما قصدها مرض فسأل عن ذلك فقيل له ان عندهم جمعا من الهند اذا صرفوا همتهم الى ذلك يقع المرض على وفق ما اهتموا فاشار اليه بعض اصحابه بدق طبول الذكر وجهره وتشوش همّ النفس وخواطرها الفاسدة وتخلص مدينة القلب من يدها بعناية اللّه تعالى وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اذا سلم من صلاته قال بصوته الاعلى ( لا اله الا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) قال الشيخ ابو المنجيب السهروردى المراد بقوله تعالى { ان تبدوا الصدقات فنعما هى } الجهر بالذكر وقال عمر النسفى والامام الواحدى فى تفسيريهما الذكر من جملة الفرائض واعلان الفرائض اولى واحب دفعا للتهمة والجهر يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف سمعه اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط : وفى المثنوى بادهان خويشتن را باك كن ... روح خودرا جابك وجالاك كن ذكر حق باكست جون باكى رسيد ... رخت بربندد برون آيد بليد مى كريزد ضدها از ضدها ... شب كريزد جون برافروزدضيا جون در آيد نام باك اندر دهان ... نى بليدى ماندو نى اندهان قوله تعالى { واذكروا ما فيه } يتناول الذكر اللفظى والحفظ الظاهرى وان كان العمدة هى العمل كما قال سعدى قدس سره [ مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب عامئ متعبد بياده رفتست وعالم متهاون سوار خفته ] ايقظنا اللّه واياكم من منام الغفلة والجهالة وختم عواقب امورنا باحسن الخاتمة والحالة آمين ١٧٢ { واذ أخذ ربك } اى واذكر يا محمد لبنى اسرائيل وقت اخذ ربك { من بنى آدم } اى آدم واولاده كأنه صار اسما للنوع كالانسان والبشر والمراد لهم كائنا من كان نسلا بعد نسل سوى من لم يولد له بسبب من الاسباب كالعقم وعدم التزوج والموت صغيرا { من ظهورهم } بدل من بنى آدم بدل البعض اى من اصلابهم وفيه تنبيه على ان الميثاق قد اخذ منهم وهم فى اصلاب الآباء ولم يستودعوا فى ارحام الامهات { ذريتهم } مفعول اخذ اى نسلهم قرنا بعد قرن يعنى اخرج بعضهم من بعض كما يتوالدون فى الدنيا بحسب الاصلاب والارحام والادوار والاطوار الى آخر ولد يولد { واشهدهم على انفسهم } اى اشهد كل واحد من اولئك الذريات المخصوصين المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسه لا على غيره تقريرا لهم بربوبيته التامة وما تستتبعه من العبودية على الاختصاص وغير ذلك من احكامها { ألست بربكم } على ارلدة القول اى قائلا ألست بربكم ومالك امركم ومربيكم على الاطلاق من غير ان يكون لاحد مدخل فى شأن من شؤونكم { قالوا } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قالوا فقيل قالوا { بلى شهدنا } اى على انفسنا بانك ربنا والهنا لا رب لنا غيرك والفرق بين بلى ونعم ان بلى اثبات لما بعد النفى اى انت ربنا فيكون ايمانا ونعم لتقرير ما سبق من النفى اى لست بربنا فيكون كفرا وهذا تمثيل وتخييل نزل تمكينهم من العلم بربوبيته بنصب الدلائل الآفاقية والانفسية وخلق الاستعداد فيهم منزلة الاشهاد وتمكينهم من معرفتها والاقرار بها منزلة الاعتراف فلم يكن هناك اخذ واشهاد وسؤال وجواب وباب التمثيل باب واسع وارد فى القرآن والحديث وكلام البلغاء قال اللّه تعالى { ان تقولوا } مفعول له لما قبله من الاخذ والاشهاد اى فعلنا ما فعلنا كراهة ان تقولوا { يوم القيامة } عند ظهور الامر { انا كنا عن هذا } اى عن وحدانية الربوبية واحكامها { غافلين } لم ننبه عليه بدليل فانهم حيث جبلوا على الفطرة ومعرفة الحق فى القوة القريبة من الفعل صاروا محجوبين عاجزين عن الاعتذار بذلك ولو لم تكن الآية على طريقة التمثيل بل لو اريد حقيقة الاشهاد والاعتراف وقد انسى اللّه تعالى بحكمته تلك الحال لم يصح قوله ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين كما فى حواشى سعدى جلى المفتى ١٧٣ { أو تقولوا انما اشرك آباؤنا } عطف على ان تقولوا ولمنع الخلود دون الجمع اى اخترعوا الاشراك وهم سنوه { من قبل } من قبل زماننا { وكنا } نحن { ذرية من بعدهم } لا نهتدى الى السبيل ولا نقدر على الاستدلال بالدليل فاقتديناهم { أفتهلكنا } اى أتؤاخذنا فتهلكنا { بما فعل المبطلون } من آبائنا المضلين بعد ظهور انهم المجرمون نحن عاجزون عن التدبر والاستبداد بالرأى فان ما ذكر من استعدادهم الكامل يسد عليهم باب الاعتذار بهذا ايضا فان التقليد بعد قيام الدلائل والقدرة على الاستدلال بما مما لا مساغ له اصلا ١٧٤ { وكذلك } اشارة الى مصدر الفعل المذكور بعده ومحله النصب على المصدرية اى مثل ذلك التفصيل البليغ المستتبع للمنافع الجليلة { نفصل الآيات } المذكورة لا غير ذلك { ولعلهم يرجعون } وليرجعوا عماهم عليه من الاصرار على الباطل وتقليد الاباء نفعل التفصيل المذكور. قالوا وان ابتدأ يتان ويجوز ان تكون الثانية عاطفة على مقدر مرتب على التفصيل اى وكذلك نفصل الآيات ليقفوا على ما فيها ومن المرغبات والزواجر وليرجعوا الخ هذا والاكثر على ان المقاولة المذكورة فى الآية حقيقة لما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما من انه لما خلق اللّه آدم عليه السلام مسح ظهره فاخرج منه كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة فقالت ألست بربكم قالوا بلى فنودى يومئذ جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة وقد روى عن عمر رضى اللّه عنه انه سئل عن الآية الكريمة فقال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عنها فقال ( ان اللّه تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال هؤلاء للنار ويعمل اهل النار يعملون ) فقال رجل ففيم العمل يا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ان اللّه اذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله به الجنة واذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخل به النار ) وليس المعنى انه تعالى اخلاج الكل من ظهره عليه السلام بالذات بل اخرج من ظهره عليه السلام ابناءه الصليبة ومن ظهورهم ابناءهم الصليبة وهكذا الى آخر السلسلة لكن لما كان الظهر الاصلى ظهره عليه السلام وكان مساق الحديثين الشريفين بيان حال الفريقين اجمالا من غير ان يتعلق بذكر الوسائط غرض علمى نسب اخراج الكل اليه واما الآية الكريمة فحيث كانت مسروقة للاحتجاج على الكفرة المعاصرين لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبيان افادة الاعتذار باسناد الاشراك الى آبائهم اقتضى الحال نسبة اخراج كل واحد منهم الى ظهر ابيه من غير تعرض لاخراج الابناء الصليبة لآدم عليه السلام من ظهره قطعا كذا فى الارشاد وقال الحدادى فان قيل كيف يكون الميثاق حجة على الكفار منهم وهم لا يذكرون ذلك حين اخرجهم من صلب آدم قيل لما ارسل اللّه الرسل فاخبروهم بذلك الميثاق صار قول الرسل حجة عليهم وان لم يذكروا ألا ترى ان من ترك من صلاته ركعة ونسى ذلك فذكرت له ذلك الثقات كان قولهم حجة عليه قال المولى ابو السعود على القول الثانى وهو ما ذهب اليه الاكثر من حقيقة المقاولة ان قوله تعالى { ان تقولوا } الخ ليس مفعولا له لقوله تعالى { واشهدهم } وما يتفرع عليه من قولهم { بلى شهدنا } حتى يجب كون ذلك الاشهاد والشهادة محفوظا لهم فى الزامهم بل لفعل مضمر ينسحب الكلام عليه والمعنى فعلنا ما فعلنا من الامر بذكر الميثاق وبيانه كراهة ان تقولوا ايها الكفرة يوم القيامة انا كنا غافلين عن ذلك الميثاق لم ننبه عليه فى دار التكليف والا لعلمنا بموجبه انتهى وقال الكاشفى [ اى درويش اين آيت مركز عهد ازلست بى جبران سركوجه غفلت را متنبه سازد والا هو شمندان ان بيدارد ازان سؤال وجواب غافل نيستند ] _@_ألست ازازل همجنانش بكوش_@_ بفرياد قالوا بلى در خروش_@_ [ در نفحات مذكورست كه على سهل اصفهانى را كفتند كه روز بلى را ياد دارى كفت جون ندارم كوئى دى بود شيخ الاسلام خوادجه انصارى فرمود كه درين سخن نقض است صوفى را دى وفردا جه بود آنروزرا هنوز شب در نيامده وصوفى در همان روزست ] روز امروزاست اى صوفى وشان كى بود ازدى واز فردا نشان آنكه از حق نييت غافل يكنفس ماضى ومستقبل وحالست وبس وشئل ذو النون رضى اللّه عنه عن سر ميثاق مقام ألست بربكم هل تذكره فقال كأن الآن فى اذنى واعلم ان لبعض ارواح الكمل تحقق الاتصاف بالعلم من قبل تعينه بهذا المزاج الجزئى العنصرى فى مرتبة العين والخارج من جهة كلية الروحانية المتعينة قبله فى مرتبة النفس الكلى بنفس تعيين الروح الالهى الاصلى فالروح الكلى اوصف والذات من ارواح الكمل يتعين فى كل مرتبة وعالم من المراتب والعوالم التى يمر عليها عند النزول والهبوط الى مرتبة الحسن الظاهر وعالم المزاج العنصرى الى حين اتصاله بهذه النشأة العنصرية تعينا يقتضيه حكم الروح الاصلى فى ذلك العالم وفى تلك المرتبة فيعلم حالتئذ اى حالة اذ تعين حين لاتصال بهذه النشأة العنصرية مما يعلم الروح الالهى الاصلى ما شاء اللّه ان يعلمه من علومه ومتى كشفت هذا السر عرفت قوله عليه السلام ( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ) وسر قول ذى النون كما سبق وان شئت زيادة تحقيق هذا المقام فارجع الى مطالعة مفتاح الغيب للصدر القنوى قدس سره وقال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى ان اخذ المخلوقين يكون اخذ الشيء الموجود من الشيء الموجود وان اخذ الخالق تارة هو اخذ الشيء المعدوم من العدم كقوله { خلقتك من قبل ولم تك شيأ } وتارة هو اخذ الشيء المعدوم من الشيء المعدوم كقوله { واذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم } فكان بنوا ١٧٥ { واتل } اقرأ يا محمد { عليهم } اى على اليهود { نبأ الذى آتيناه آياتنا } اى خبره الذى له شأن وخطر فان النبأ خبر عن امر عظيم ومعنى آتيناه آياتنا اى علمناه دلائل الوهيتنا ووحدانيتنا وفهمناه تلك الدلائل وفيه اقوال والانسب بمقام توبيخ اليهود ببهتانهم انه احد علماء بنى اسرائيل كما فى الارشاد اوهو بلعم بن باعورا كما فى منهاج العابدين للامام الغزالى وقولهم انه من الكنعانيين الجبارين انما هو لكونه ساكنا فى دارهم والمرء ينسب الى منشأه ومولده كما هو اللائح فافهم والاسلم فى تقرري القصة ما ذكره الحدادى فى تفسيره نقلا عن ابن عباس وابن مسعود حيث قال كان عابدا من عباد بنى اسرائيل وكان فى المدينة التى قصدها موسى عليه السلام وكان اهل تلك المدينة كفارا وكان عنده اسم اللّه الاعظم فساله ملكهم ان يدعو على موسى بالاسم الاعظم ليدفعه عن تلك المدينة فقال لهم دينه ودينى واحد وهذا شيء لا يكون وكيف ادعو عليه وهو نبى اللّه ومعه الملائكة والمؤمنون وانا اعلم من اللّه ما اعلم وانى ان فعلت ذلك اذهبت دنياى وآخرتى فلم يزالوا به يفتنونه بالمال والهدايا حتى فتنوه فافتتن قيل كان لبلعم امرأة يحبها ويطيعها فجمع قومه هدايا عظيمة فأتوا بها اليها وقبلتها فقالوا لها قد نزل بناماترين فكلمى بلعم فى هذا فقالت لبلعم ان لهؤلاء القوم حقا وجوارا عليك وليس مثلك يخذل جيرانه عند الشدائد وقد كانوا محسنين اليك وانت جدير ان تكافئهم وتهتم بامرهم فقال لها لولا انى اعلم ان هذا الامر من عند اللّه لاجبتهم فلم تزل به حتى صرفته عن رأيه فركب اتانا له متوجها الى الجبل ليدعو على موسى فما سار على الاتان الا قليلا فربضت فنزلت عنها فضربها حتى كاد يهلكها فقامت فركبها فربضت فضربها فانطقها اللّه تعالى فقالت يا بلعم ويحك اين تذهب الا ترى الى هؤلاء الملائكة امامى يردوننى عن وجهى فكيف اريد ان تذهب لتدعو على نبى اللّه وعلى المؤمنين فخلى سبيلها وانطلق حتى وصل الى الجبل وجعل يدعو فكان لا يدعو بسوء الا صرف اللّه به لسانه على قومه ولا يدعو بخير الا صرف اللّه به لسانه الى موسى فقال له قومه يا بلعم انما انت تدعو علينا وتدعو له فقال هذا واللّه الذى املكه وانطق اللّه به لسانى ثم امتد لسانه حتى بلغ صدره فقال لهم قد ذهبت واللّه منى الآن الدنيا والآخرة فلم يبق الا المكر والحيلة فسأمكر لكم واحتال حلوا النساء وزينوهن واعطوهن الطبيب وارسلوهن الى العسكر وائمروهن لا تمنع امرأة نفسها من رجل ارادها فانهم ان زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ففعلوا فلما دخلت النساء المعسكر مرت امرأة منهم برجل من عظماء بنى اسرائيل فقام اليها واخذ بيدها حين اعجبته بحسنها ثم اقبل بها الى موسى وقال انى لأظنك ان تقول هذه حرام قال نعم هى حرام عليك لا تقربها قال فواللّه لا نطيعك فى هذا ثم دخل بها قبة فوقع عليها فارسل اللّه على بنى اسرائيل الطاعون فى الوقت وكان فخاض بن العيزار صاحب امر موسى رجلا له بسطة فى الخلق وقوة فى البطش وكان غائبا حين صنع ذلك الرجل بالمرأة ما صنع فجاء والطاعون يجوس فى بنى اسرائيل فاخبر الخبر فاخذ حربته وكانت من حديد كلها ثم دخل على القبة فوجدهما كتضاجعين فدفهما بحريته حتى انتظمهما بها جميعا فخرج بهما يحملهما بالحربة رافعا بهما الى السماء والحربة قد اخذها بذراعه واعتمد بمرفقه واسند الحربة الى لحيته وجعل يقول اللّهم هكذا نفعل بمن يعصيك فرفع الطاعون من حينئذ عنهم فحسب من هلك من بنى اسرائيل فى ذلك الطاعون فوجدهم سبعين الفا فى ساعة من نهار وهو ما بين ان زنى ذلك الرجل بها الى ان قتل ثم ان موسى عليه السلام افتاه يوشع بن نون حاربوا أهل تلك البلدة وغلبوهم وقتلوا منهم واسروا ببلعم ايرا فقتل فجاؤا بما قبل من العطايا الكثيرة وغنموها { فانسلخ منها } اى من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة والحية ولم يخطرها بباله اصلا { فاتبعه الشيطان } اتبع وتبع بمعنى واحد كاردف وردف. والمعنى ان الشيطان كان وراءه طالبا لاضلاله وهو يسبقه بالايمان والطاعة لا يدركه الشيطان ثم لما انسلخ من الآيات لحقه وادركه { فكان } [ بس كشت آن داننده آيات ] اى فصار { من الغاوين } من زمرة الضالين الراسخين فى الغواية بعد ان كان من المهتدين. والغى يذكر بمعنى الهلاك ويذكر بمعنى الخيبة وفى القاموس غوى ضل قال الامام الغزالى كان بلعم بن باعورا بحيث اذا نظر رأى العرش ولم يكن له الا زلة واحدة مال الى الدنيا واهلها ميلة واحدة ولم يترك لولى من اوليائه حرمة واحدة فسلبه معرفته وكان فى اول امره بحيث يكون فى مجلسه اثنا عشر الف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ثم صار بحيث كان اول من صنف كتابا ان ليس للعالم صانع نعوذ باللّه من سخطه انتهى فلا يأمن السالك المحق مكر اللّه ولو بلغ اقصى مقامات الانبياء والمرسلين فلا يغلق على نفسه والتمتع الدنيوى فى المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمركب والمسكن لانه كما ان للّه تعالى فى مكامن الغيب للسعداء الطافا خفية مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كذلك له فيها بلايا لهم فليحترز السالك الصادق بل البالغ الواصل والكامل الحاذق من ان يتعرض لتلك البلايا بالتوسع فى الدنيا والتبسط فى الاحوال وتتبع الهوى كما فى التأويلات النجمية قال الكاشفى [ شيخ الاسلام فرمود تاباد تقدير از كجا برآيد وجه بوالعجبى نمايدا اكراز جانب فضل وزد زنار بهرام كبررا كمر عشقبازى راه دين كرداند واكراز طرف عدل وزد توحيد بلعم را برانداخته باسك خسيس برابرى دهدى ] انرا برى از صومعه بردير كبران افكنى ... وين راكشى از بتكده سر خلقه مردان كنى جون وجرا دركار تو عقل زبونرا كى رسد ... فرمان ده مطلق تويى حكمى كه خواهى آن كنى ١٧٦ { ولو شئنا } رفعه { لرفعناه } الى منازل الابرار من العلماء { بها } اى بسبب تلك الآيات وملازمتها وقال بعضهم هى صحف ابراهيم عليه السلام وكان بلعم قد قرأها او الكلمات التى اشتملت على الاسم الاعظم { ولكنه اخلد الى الارض } اى مال الى الدنيا فلم نشأ رفعه لمباشرته لسبب نقيضه. والاخلاد الى الشيء الميل اليه مع الاطمئنان وعبر عن الدناي بالارض لان ما فيها من العقار والرباع كلها ارض وسائر متاعها مستخرج من الارض والاخلاد الى الارض كناية عن الاعراض عن ملازمة الآيات والعمل بمقتضاها والكناية ابلغ من التصريح { واتبع هويه } فى ايثار الدنيا واسترضاه قومه فانحط ابلغ انحطاط وارتد اسفل سافلين والى ذلك اشير بقوله تعالى { فمثله } اى فصفته التى هى مثل فى الخسة والرذالة. والمثل لفظ مشترك بين الوصف وبين ما يضرب مثلا والمراد هنا الوصف كذا فى البحر { كمثل الكلب } اى كصفته فى اخس احواله وهو { ان تحمل عليه } [ اكر حمل كنى برو وبرانى اورا ] والخطاب لكل واحد ممن لا حظ له من الخطاب فانه ادخل فى اشاعة فظاعة حاله { يلهث } اللّهث ادلاع اللسان اى اخراجه بالنفس الشديد { او تتركه يلهث } اى يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد او ترك ولم يتعرض له فان فى الكلاب طبعا لا تقدر على نفض الهواء السخن وجلب الهواء البارد بسهولة لضعف قلبها وانقطاع فؤادها بخلاف سائر الحيوانات فانها لا تحتاج الى التنفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة الا عند التعب والاعياء فكما ان الكلب دائم اللّهث ضيق الحال فكذا هذا الكافر از زجرته ووعظته لم ينزجر ولم يتعظ وان تركته لم يهتد ولم يعقل فهو متردد الى ما لا غاية وراءه فى الحسة والدناءة فانظر حب الدنيا وشؤمها ماذا يجلب للعلماء خاصة وفى الحديث ( من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من اللّه تعالى الا بعدا ) والنعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها وهو الكفور الذى لا يؤدى شكرها وكما ان الكلب لا يعرف الا كرام من الاهانة والرفعة والشرف من الحقارة وانما الكرامة كلها عندخ فى كسره يطعمها او عراق مائدة يرمى اليه سواء تقعده على سرير معك او فى التراب والقذر فكذا العبد السوء لا يعرف قدر الكرامة ويجهل حق النعمة فينسلخ عن لباس الفضل والكرم ويرتدى برداء القهر والمكر قال فى التأيلات النجمية فلا يغترن جاهل مفتون بان اتباع الهزى لا يضره فان اللّه تعالى حذر الانبياء عن اتباه الهوى واوعدهم عليه بالضلال كقوله { يا داود انا جعلناك خليفة فى الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه } قال الحافظ مباش غره بعلم وعمل فقيه مدام ... كه هيجكس زقضاى خداى جان نبرد { ذلك } اى ذلك المثل السيئ { مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا } وهم اليهود وكما ان بلعم بعدما اوتى آيات اللّه انسلخ منها ومال الى الدنيا حتى صار كالكلب كذلك اليهود بعدما اوتوا التوراة المشتملة على نعت الرسول صلى اللّه عليه وسلم وذكر القرآن المعجز وبشرى الناس باقتراب مبعثه وكانوا يستفتحون به انسلخوا ما اعتقدوا فى حقه وكذبوه وحرفوا اسمه { فاقصص القصص } [ بس بخوان برايشان اين خبررا ] والقصص مصدر سمى به المفعول كالسلب واللام للعهد { لعلهم يتفكرون } راجيا تفكرهم تفكرا يؤدى بهم الى الاتعاظ ١٧٧ { ساء مثلا } ساء بمعنى بئس ومثلا تمييز من الفاعل المضمر فى ساء مفسر له { القوم } مخصوص بالذم بتقدير المضاف لوجوب التصادف بينه وبين الفاعل والتمييز اى شاء مثلا مثل القوم وبئس الوصف وصف القوم قال الحدادى وهذا السوء انما يرجع الى فعلهم لا الى نفس المثل كأنه قال ساء فعلهم الذى جلب اليهم الوصف القبيح فاما المثل فهو من اللّه حكم وصواب { الذين كذبوا بآياتنا } بعد قيام الحجة عليها وعلمهم بها { وانفسهم كانوا يظلمون } اى ما ظلموا بالتكذيب الا انفسهم فان وباله لا يتخطاها ١٧٨ { من يهد اللّه } اى يخلق فيه الاهتداء { فهو المهتدى } لا غير كائنا من كان وانما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية فى حصول الاهتداء من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعى الى صرف العبد اختياره نحو تحصيله { ومن يضلل } بان لم يخلق فيه الاهتداء بل خلق اللّه فيه الضلالة لصرف اختياره نحوها { فاولئك هم الخاسرون } اى الكاملون فى الخسران لا غير وفيه اشارة الى ان من ادركته العناية ولحقته الهداية اليوم لم ينزل عن المراتب العلوية الى المدارك السفلية فهم الذين اخطأهم ذلك النور الذى رش عليهم من نوره ومن خذله حتى اتبع هواه فاضله الهوى عن سبيل اللّه فهم الذين اخطأهم ذلك النور ولم يصبهم فوقعوا فى الضلالة والخسران وكان سفيان الثورى يقول اللّهم سلم سلم كأنه فى سفينة يخشى الغرق ولما قدم البشير على يعقوب عليه السلام قال على اى دين تركته قال على دين الاسلام قال الآن تمت النعمة وقيل ما من كلمة احب الى اللّه تعالى ولا ابلغ عنده فى الشكر من ان يقول العبد الحمد للّه الذى انعم علينا وهدانا الى الاسلام واياك ان تغفل عن الشكر وتغتر بما انت عليه فى الحال من الاسلام والمعرفة والتوفيق والعصمة فانه مع ذلك لا موضع للامن والغفلة فان الامور بالعواقب قال بعض العارفين ان بعض الانبياء عليهو السلام سال اللّه تعالى عن امر بلعم وطرده بعد تلك الآيات والكرامات فقال اللّه تعالى لم يشكرنى يوما من الايام على ما اعطيته لو شكرنى على ذلك مرة لما سلبته فمن كان له جوهر نفيس يمكنه ان يأخذ فى ثمنه الف الف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك خسرانا عظيما وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور العلم وضعف الرأة وقلة العقل فتيقظ حتى لا تذهب عنك الدنيا والآخرة وتنبه فان الامر خطير والعمر قصير وفى العمل تقصير والناقد بصير فان ختم اللّه بالخير اعمالنا وأقال عثراتنا فما ذلك عليه بعسير اللّهم حقق رجاء عبدك الفقير ١٧٩ { ولقد ذرأنا } اى وباللّه قد خلقنا قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق والشيء اكثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين { لجهنم } اى لدخولها والتعذيب بها وهى سجن اللّه فى الآخرة سميت جهنم لبعج قعرها يقال بئر جهنام اذا كانت بعيدة القعر وهى تحتوى على حرور وزمهرير ففيها الحر والبرد على اقصى درجاتهما وبين اعلاها وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين { كثيرا } كائنا { من الجن والانس } يعنى المصرين على الكفر فى عالم اللّه تعالى فاللام فى لجهنم للعاقبة لان من علم اللّه ان يصر على الكفر باختياره فهم يصير من اهل النار. والجن اجسام هوائية قادرة على التشكل باشكال مختلفة لها عقول وافهام وقدرة على الاعمال الشاقة وهى خلاف الانس سميت بذلك لاستجنانهم واستتارهم عن العيون يقال جنه الليل ستره والانس كالانسان من آنس الشيء ابصره وقدم اجن على الانس لانهم اكثر عددا واقدم خلقا ولان لفظ الانس أخف بمكان النون الخفيفة ةالسين المهموسة فكان الاثقل اولى باولى الكلام من الاخف لنشاط المتكلم وراحته والاجماع على ان الجن متعبدون بهذه الشريعة على الخصوص وان نبينا صلى اللّه عليه وسلم مبعوث الى الثقلين ولا شك انهم مكلفون فى الامم الماضية كما هم مكلفون فى هذه الامة لقوله تعالى { اولئك الذين حق عليهم القول فى امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا خاسرين } وجمع الفريقين انما هو باعتبار استعدادهم الكامل الفطرى للعبادة والسعادة والالم يصح التكليف عليهم فان قلت ما الحكمة فى ان اللّه تعالى جعل الكفار اكثر من المؤمنين قلت ليريهم انه مستغن عن طاعتهم وليظهر عز المؤمنين فيما بين ذلك لان الاشياء تعرف باضدادها والشيء اذا قل وجوده عز فان قلت ان رحمته غلبت غضبه فيقتضى الامر ان يكون اهل الرحمة امثر من اهل الغضب واهل الغضب تسع وتسعون وتسعمائة من كل الف وواحد يرخذ للجنة قلت هذه الكثرة بالنسبة الى بنى آدم واما بالنسبة الى الملائكة واهل الجنة فكثير لان بنى آدم قيل بالنسبة الى الملائكة ولحور الغلمان فيكون اهل الرحمة اكثر من اهل الغضب وقيل اكثر الكفار بشارة للاخيار بكثرة الفداء لانه ورد فى الخبر الصحيح ( ان كل مؤمن يأخذ كافرا بناصيته ويرميه الى النار فداء عن نفسه ) وفى الحديث ( ان اللّه لما زرأ لجهنم ما زرأ كان ولد الزنى ممن زرأ لجهنم ) قال فى المقاصد حديث ( لا يدخل الجنة ولد زنية ) ان صح فمعناه اذا عمل بمثل عمل ابويه واتفقوا على انه لا يحمل على ظاهره وقيل فى تأويله ايضا ان المراد به من يواظب الزنى كما يقال للشهود نوا الصحف وللشجعان بنوا الحرب ولاولاد المسلمين بنوا الاسلام واتفق المشايخ من اهل الوصول ان ولد الزنى لا يكون اهلا للولاية الخاصة { لهم قلوب } فى محل النصب على انه صفة اخرى لكثيرا { لا يفقهون بها } فى محل الرفع على انه صفة لقلوب اى لا يعقلون بها اذ لا يلقونها الى معرفة الحق والنظر فى دلائله والقلب كالمرآة يصدأ من الانكار والغفلة وجلاؤه التصديق والانابة : قل السعدى قدس سره غبار هوا جشم عقلت بدوخت ... سموم هوا كشت عمرت بسوخت بكن سرمه غفلت از جشم باك ... كه فرداشوى سرمه در جشم خاك { ولهم اعين لا يبصرون بها } اى لا ينظرون الى ما خلق اللّه نظر اعتبار دوجشم ازبى صنع بارى نكوست ... وعيب برادر فروكيرو دوست { ولهم آذان لا يسمعون بها } الآيات والمواعظ سماع تأمل وتذكر كذر كاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش { اولئك } الموصوفون بالاوصاف المذكورة { كالانعام } [ مانند جهار بايانند ] فى عدم الفقه والابصار للاعتبار والاستماع للتدبر او فى ان مشاعرهم وقواهم متوجهة الى اسباب لتعيش مقصورة عليها. والانعام جمع نعم بالتحريك وقد يسكن عينه وهى الابل والشاه او خاص بالابل كذا فى القاموس { بل هم اضل } بل للاضراب وليس ابطالا بل هو انتقال من حكم وهو التشبيه بالانعام الى حكم وهو كونهم اضل من الانعام طريقا فانها تدرك ما يمكن لها ان تدرك من المنافع والمضار وتجهد فى جلبها ودعها غاية جهدها وهو ليسوا كذلك وهى بمعزل من الخلود وهم يتركون النعيم المقيم ويقدمون على العذاب الخالد وقيل لانها لا تعرف صاحبها وتذكره وتطيعه وهؤلاء لا يعرفون ربهم ولا يذكرونهولا يطيعونه وفى الخبر ( كل شيء أطوع للّه من بنى آدم ) دريغ آدمى زاده برمحل ... كه باشد جوانعام بل هم اضل { اولئك هم الغافلون } عن امر الآخرة وما اعد فيها للعصاة وفى الانسان جهة روحانية وجهة جسمانية وقد ركب فيها عقل وشهوة فان كان عقله غالبا على هواه كان افضل من الملائكة وان كان مغلوبا للنفس والهوى كأن أخس وارذل من البهائم : ما قيل فى هذا المعنى بهره از ملكت هست ونصيبى ازديو ... ترك ديويى كن وبكذر بفضيلت زملك واعلم ان اللّه تعالى خلق الخلق اطوارا. فخلق طورا منها للقرب والمحبة وهم اهل اللّه وخاصته اظهارا للحسن والجمال وكانوا به يسمعون كلامه وبه يبصرون جماله وبه يعرفون كماله. وخلق طورا منها للجنة ونعيمها اظهارا للطف والرحمة فجعل لها قلوبا يفقهون بها دلائل التوحيد والمعرفة واعينا يبصرون بها آيات الحق. وخلق طورا منها للنار وجحيمها وهم اهل النار اظهارا للقهر والعزة اولئك كالانعام لا يحبون اللّه ولا يبطلونه بل هم اضل لانه لم يكن للانعام استعداد المعرفة والطلب وانهمكانوا مستعدين للمعرفة والطلب فابطلوا الاستعداد الفطرى للمعرفة واطلب بالركون الى شهوات الدنيا وزينتها واتباع الهوى فباعوا الآخرة بالاولى والدين بالدنيا وتركوا طلب المولى فصاروا أضل من الانعام لافساد الاستعداد اولئك هم الغافلون عن اللّه وكمالات اهل المعرفة وعزتهم كما قال فى التأويلات النجمية قدس اللّه سره ١٨٠ { وللّه الاسماء الحسنى } تأنيث الاحسن اى الاسماء الاتى هى احسن الاسماء واجلها لانها دالة على معانى هى احسن المعانى واشرفها والمراد بها الالفاظ الدالة الموضوعة على المعانى المختلفة دل على ان الاسم غير المسمى ولو كان هذا المسمى لكان المسمى عدد الاسماء وهو محال قال الامام الغزالى الحق ان الاسم غير التسمية وغير المسمى فان هذه ثلاثة اسماء متباينة غير مترادفة { فادعوه بها } فسموه بتلك الاسماء واذكروه بها وفى الحديث ( ان للّه تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من احصاها دخل الجنة هو اللّه الذى لا اله الا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العيلم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلى الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولى الحميد المحصى المبدئ المعيد المحيى المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المؤخر الاول الآخر الظاهر الباطن الوالى المتعالى البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والاكرام المقسط الجامع الغنى المغنى المانع الضار النافع النور الهادى البديع الباقى الوارث الرشيد الصبور ) واستحسن المشايخ المتقدمون ان يبدأ اولا ويقول اللّهم انى اسألك يا رحمن يا يا رحيم الى آخره فيجيء بجميع الاسماء بحرف النداء ثم يقول فى آخر الكل ان تصلى على محمد وآله وان ترزقنى وجميع من يتعلق بى بتمام نعمتك ودوام عافيتك يا ارحم الراحمين كما فى الاسرار المحمدية قال عبد الرحمن البسطامى فى ترويح القلوب ان العارفين يلاحظون فى الاسماء آلى التعريف واصل الكلمة. والملامية يطرحون منها آلة التعريف لانها زائدة على اصل الكلمة ومن السر المكنون فى الدعاء ان تأخذ حروف الاسماء التى تذكر بها مثب قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الالف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظر كم لها من الاعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد فى موضع خال من الاصوات بالشرائط المعتبرة عند اهل الخلوات لا تزيد على العدد ولا تنقص منه فانه يستجاب لك للوقت وهو الكبريت الاحمر باذن اللّه تعالى فان الزيادة على العدد المطلوب اسراف والنقص منه اخلال والعدد فى الذكر بالاسماء كأسنان الزيادة على العدد المطلوب اسراف والنقص منه اخلال والعدد فى الذكر بالاسماء كأسنان المفتاح لانها ان زادت او نقصت لا تفتح باب الاجابة البتة فافهم السر وحسن الدر واعلم انه لما كانت المقامات الدنية ثلاثة. ومقام الايمان. ومقام الاحسان. ومراتب الجنان المرتبة على الاحصاء لاهل الدين ثلاثا. جنة الاعمال. وجنة الميراث. وجنة الامتنان لا جرم كانت انواع الاحصاء ثلاثة. التعلق فى مقام الاسلام. والتخلق فى مقام الايمان. والتحقق فى مقام الاحسان فاحصاؤها بالتعلق فى مقام الاسلام هو ان يتطلب السالك آثار كل اسم منها فى نفسه وبدنه وجمعي فواه واعضائه واجزائه وجزيئاته فى جميع حالاته وهيآته النفسانية والجسمانية وفى جملة تطوراته وانواع ظهوراته فيرى جميع ذلك من احكام هذه الاسماء وآثارها فيقاتل كل اثر بما يليق به كمقالة الانعام بالشكر والبلاء بالصبر وغير ذلك فبمثل هذا الاحصاء يدخل جنة الاعمال التى هى محل ستر الاغراض الزائلة بالاعيان الثابتة الباقية وهى التى اخبر عنها ابراهيم الخليل عليه السلام بانها قيعان وان غراسها سبحان اللّه والحمد للّه واخصاؤها بالتخلق فى مقام الاسمان يكون بتطلع الروح الروحانية الى حقائق هذه الاسماء ومعانيها ومفهوماتها والتخلق بكل اسم منها على نحو ما امر به من قوله عليه السلام ( تخلقوا باخلاق اللّه ) بحيث يكون المتخلق هو عين ذلك الاسم اى ينفعل عنه ما ينفعل عن ذلك الاسم فبمثل هذا الاحصاء يدخل هذا المتخلق جنة الميراث التى هى اعلى من الجنة الاولى بل هى باطنها المنزل منها بمنزلة عالم الملكوت من عالم الملك وهى المشار اليها بقوله عليه السلام ( ما منعكم من احد الاولة منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مات ودخل النار ورث منزله اهل الجنة وان شئتم فاقرأوا اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) واحصاؤها بالتحقق فى مقام الاحسان بالتقوى والانخلاع عما قام بك واظهر فيك من الصور والمعانى المتسمة بسمة الحدوث والاستتار بسبحات الحضرة الحقية والاحتجاب بسجف استارها واعيانها : كما قال تسترت عن دهرى بظل جناحه ... بحيث ارى دخرى وليس يرانى فلو تسأل الايام ما اسمى مادرت ... واين مكانى مادرين مكانى فبمثل هذا الاحصاء يدخل المتحقق جنة الامتنان التى هى محل سر غيب الغيب المشار اليها بقوله عليه الصلاة والسلام ( ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) واليها الاشارة ايضا بقوله تعالى { ان المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر } قال ابن ملك من احصاها اى من اطاق القيام بحق هذه الاسماء وعمل بمقتضاها بان وثق بالرزق اذا قال لارازق وعلى ان الخير والشر من اللّه تعالى اذا قال الضار النافع فشكر على المنفعة وصبر على المضرة وعلى هذا سائر الاسماء وقيل معناه من عقل معانيها وصدقها وقيل معناه من عدها كلمة كلمة تبركا واخلاصا وقال البخارى المراد به حفظها وهذا هو الاظهر لانه جاء فى الرواية الاخرى من حفظها مكان من احصاها انتهى ولا يظن ان اسماء اللّه تعالى منحصرة فى هذا المقدار بل هى اشهر الاسماء ويجوز ان تتفاوت فضيلة اسماء اللّه تعالى بتفاوت معانيها كالجلال والشرف ويكون التسعة والتسعون منها تجمع انواعا للمعانى المنبئة عن الجلال لا يجمع ذلك غيرها فتختص بزيادة شرف ويدل على ان اسماء اللّه تعالى كثيرة قوله عليه السلام ( ما اصاب احدا هم ولا حزن فقال اللّهم انى عبدك وابن عبدك وابن امتك ناصيتى بيدك ماض فى حكمك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك وانزلته فى كتابك او علمته احدا من حلقك او اسأثرت به فى علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب همى الا اذهب اللّه عنه كل همه وحزنه وابدل مكانه فرحا ) وعن بريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمع رجلا يقول اللّهم انى اسألك بانك انت اللّه لا اله الا انت الاحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فقال صلى اللّه تعالى عليه وسلم ( دعا اللّه باسمه الاعظم الذى اذا سئل به اعطى واذا دعى به اجاب ) واعلم ان اسم اللّه اعظم الاسماء التسعة والتسعين لانه دال على الذات الجامعة لصفات الالهية كلها حتى لا يشذ منها شئ وسائر الاسماء لا يدل آحادها الا على آحاد المعانى من علم او قدرة او فعل او غيره ولانه اخص الاسماء اذ لا يطلقه احد على غيره لا حقيقة ولا مجازا وسائر الاسماء قد يسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيرها وقد جعل العلماء مة خصائص هذا الاسم انه ينسب جميع اسماء الحق اليه كما قال اللّه تعالى { وللّه الاسماء الحسنى } قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة فى بعض تحريراته واعلم ان الهوية الآلهية السارية فى جميع المراتب تعينت اولا فى مرتبة الحياة تعين تلك المرتبة بالاولية الكبرى فتعينت نسبة عالم الغيب ثم فى مرتبة العلم تعينت تلك المرتبة ثانيا بالآخرية العظمى فتعينت نسبة عالم المعانى ثم فى مرتبة الارادة بصورة تلك المرتبة تعينت ثالثا بالظاهرية الاولى فتعينت نسبة عالم الارواح ثم فى مرتبة القدرة تعينت تلك المرتبة رابعا بالباطنية الاولى فتعينت نسبة عالم الشهادة هو الحى العليم المريد القدير وهو الاول والآخر والظاهر والباطن وبذلك السريان ظهرت الحقائق الاربع التى هى امهات جميع الحقائق والاسماء والاسماء الالهية الكلية التى هى تسع وتسعون او الف وواحد وتلك الحقائق الكلية تعينت من دوران تعين الامهات الاربع فى عوالمها الاربعة فبضرب الاربعة فى الاربعة كانت ستة عشر ثم باعتبار الظهور والبطون صارت اثنين وثلاثين ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت ثلاثا وثلاثين ثم باعتبار دوران تعينها بعالم السمع ورتبة البصر ورتبة الكلام فيها صارت تسعة وتسعين ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت مائة لذلك سن رسول اللّه عليه السلام فى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة وثلاثا وثلاثين تكبيرة ثم تمم المائة بقوله لا اله الا اللّه وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثم كانت الفا باعتبار تعيناتها فى الحضرات الخمس من جهة الظهور والبطون حاصلة من ضرب المائة فى العشرة الكائنة من تلك الحضرات الخمس باعتبار ظواهرها وبواطنها ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت الفا وواحدا فامهات لاسماء والحقائق سبع وكلياتها تسع وتسعون او الف وواحد وجزيئات تلك الاسماء الحسنى لا تعد ولا تحصى انتهى باختصار { وذروا الذين يلحدون فى اسمائه } الالحاد واللحد الميل والانحراف عن القصد اى واتركوا الذين يميلون فى شأنها عن الحق الى الباطل اما بان يسموه تعالى بما لم يسم به نفسه ولم ينطق به كتاب سماوى ولا ورد فيه نص نبوى او بما يوهم معنى فاسدا وان كان له محمل شرعى كما فى قول اهل البدو يا ابا المكارم يا ابيض الوجه فان ابا المكارم وان كان عبارة عن المستجمع لصفات الكمال الا انه يوهم معنى لا يصح فى شأنه تعالى وكذا ابيض الوجه وان كان عبادة عن تقدس ذاته عن النقائض المكدرة الا انه يوهم معنى فاسدا فالمراد بالترك المأمور به الاجتناب عن ذلك وباسمائه ما اطلقوه عليه تعالى وسموه به على زعمهم لا اسماؤه حقيقة واما بان يعدلوا عن تسميته تعالى ببعض اسمائه الكريمة كما قالوا وما الرحمن ما نعرف رحمان اليمامة. فالمراد بالترك الاجتناب ايضا. وبالاسماء اسماؤه تعالى حقيقة فالمعنى سموه تعالى بجميع الاسماء الحسنى واجتنبوا اخراج بعضها من البعض - روى - ان رجلا من الصحابة دعا اللّه تعالى فى صلاته باسم اللّه وباسم الرحمن فقال رجل من المشركين أليس بزعم محمد واصحابه انهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا الرجل يدعو ربين اثنين فانزل اللّه تعالى هذه الآية فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن رغما لا نوف المشركين ) فان تعدد الاسم لا يستلزم تعدد المسمى { سيجزون ما كانوا يعملون } اى اجتنبوا الحادهم كيلا يصيبكم ما اصابهم فانه سينزل بهم عقوبة الحادهم فقوله { وذروا الذين } الخ معناه واتركوا تسمية الزائغين فيها بتقدير المضاف اذ لا معنى لترك نفس الملحدين وقال بعض العلماء المراد بالاسماء الالحسنى الصفات العلى فان لفظ الاسم قد يطلق على ما يسمونه الذات من صفاتها العظام يقال طار اسمه فى الآفاق اى انتشرت صفته ونعته فكأنه قيل واللّه الاوصاف قال فى التأويلات النجمية { وللّه الاسماء الحسنى } يشير الى ان اسم اللّه له بمثابة اسم العلم للخلق وهو اسم ذاته بتارك وتعالى والباقى من الاسماء هو اسماء الصفات لانه قال وللّه الاسماء الحسنى فاضاف الاسماء الى اسم اللّه واسماؤه كلها مشتقة من صفاته الا اسم اللّه فانه غير مشتق عندنا وعند الاكثرين لانه اسم الذات فكما ان ذاته تعالى غير مخلوق من شئ كذلك اسمه غير مشتق من شئ فان الاشياء مخلوقة فاسماء صفاته تعالى بعضها مشتق من الصفات الذاتية فهو غير مخلوق وبعضها مشتق من صفات الفعل فهو مخلوق لان صفات الذات كالحياة والسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة والارادة والبقاء قديمة غير مخلوقة وصفات الفعل مخلوقة تضاف اليه عند الايجاد فلما اوجد الخلق واعطاهم الرزق سمى خالقا ورازقا الا انه تعالى كان فى الازل قادرا على الخالقية والرازقية فقوله وللّه الاسماء الحسنى اى الصفات الحسنى { فادعوه بها } اى فادعوا اللّه بكل اسم مشتق من صفة من صفاته بان تتصفوا وتتخلقوا بتلك الصفة فالاتصاف بها بالاعمال والنيات الصالحات كصفة الخالقية فان الاتصاف بها بان تكون مناكحته للتوالد والتناسل بخلاف الخالق كما قيل لحكيم هو يواقع زوجته تعمل قال ان تم فانسان. والاتصاف بصفة الرازقية بان ينفق ما رزقه اللّه على المحتاجين ولا يدخر منه شيئا وعلى هذا فقس البواقى. واما التخلق بها فبالأحوال وذلك بتصفية مرآة القلب ومراقبته عن التعلق بما سموى اللّه والتوجه اليه ليتجلى له بتلك الصفات فيتخلق بها وهذا تحقيق قوله ( كنت له سمعا وبصرا فبى يسمع وبى يبصر ) { وذروا الذين يلحدون فى اسمائه } اى يميلون فى صفاته اى لا يتصفون بها وتسميته تعالى باسم لم يسم به نفسه ايضا من الالحاد كما يسمونه الفلاسفة بالعلة الاولى والموجب بالذات يعنون به انه تعالى غير مختار فى فعله وخلقه وايجاده تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ومن صفة تعالى بوصف او بصفة لم يرد بها النص فايضا الحاد { سيجزون ما كانوا يعملون } يعنى سيجزون الخذلان ليعلموا بالطبع والهوى ما كانوا يعملون بالالحاد فى الاسماء والصفات انتهى كلام. التأويلات بيجده شود بباى هركس عملش ... قال الحافظ دهقان سالخورده جه خوش كفت بابسر ... اى نور جشم من بجزاز كشه ندروى ١٨١ { وممن خلقنا } اعلم ان اللّه تعالى كما جعل من قوم موسى ائمة هادين مهديين كما قال { ومن قوم موسى امه يهدون بالحق وبه يعدلون } جعل من هذه الامة المرحومة ايضا كذلك فقال وممن خلقنا ومحل الظرف الرفع على انه مبتدأ اما باعتبار مضمونة او تقدير الموصوف وما بعده خبره اى وبعض من خلقنا او وبعض ممن خلقنا { امة } اى طائفة كثيرة { يهدون } الناس ملتبسين { بالحق } اى محققين او يهدونكم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة { وبه } اى وبالحق { يعدلون } اى يحكمون فى الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها وعنه عليه الصلاة والسلام ( ان امتى قوما على الحق حتى ينزل عيسى ) والمراد لا يخلو الزمان منهم وفى الحديث ( لا تقوم الساعة لا يقال فى الارض اللّه اللّه ) قال الشيخ الكبير صدر الدين الفنوى قدس سره اكده بالتكرار ولا شك ان لا يذكر اللّه ذكرا حقيقيا وخصوصا بهذا الاسم الاعظم الجامع المنعوت بجميع الاسماء الا الذى يعرف الحق بالمعرفة التامة واتم الخلق معرفة باللّه فى كل عصر خليفة اللّه وهو كامل ذلك العصر فكأن يقول صلى اللّه عليه وسلم لا تقوم الساعة وفى الارض انسان كامل وهو المشار اليه بانه العمد المعنوى الماسك وان شئت قلت الممسك لاجله فاذا انتقل اشنقت السماء وكورت الشمس وانكدرت النجوم ونشرت الصحف وسيرت الجبال وزلزلت اللارض وجاءت القيامة انتهى كلامه فى الفكوك ورووا عن ابن مسعود رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ان للّه فى الارض ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم وله اربعون قلوبهم على قلب موسى وله سبعة قلوبهم على قلب ابراهيم وله خمسة قلوبهم على قلب جبريل وله ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل وله واحد قلبه على قلب اسرافيل فاذا مات الواحد ابدل اللّه مكانه من الثلاثة واذا مات من الثلاثة ابدل اللّه مكانه من الخمسة واذا مات من الخمسة ابدل اللّه مكانه من السبعة واذا مات من السبعة ابدل اللّه مكانه من الاربعين واذا مات من الاربعين ابدل اللّه مكانه من الثلاثمائة ابدل اللّه مكانه من العامة يدفع اللّه بهم البلاء عن هذه الامة ) والواحد المذكور فى هذا الحديث هو القطب وهو الغوث ومكانه ومكانته من الاولياء كالنقطة من الدائرة التى هى مركزها به يقع صلاح العالم ورووا عن ابى الدرداء انه قال ( ان عبادا يقال لهم الابدال لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدور والرحمة لجميع المسلمين اصطفاهم اللّه بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم اربعون رجلا على مثل قلب ابراهيم لا يموت الرجل منهم حتى يكون اللّه قد انشأ من يخلقه ) واعلم انهم لا يسبون شيأ ولا يلعنونه ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدون من فوقهم اطيب الناس خبرا والينهم عربكة واسخاهم نفسا لا تدركهم الخيل المجراة ولا الرياح العواصف فيما بينهم ربين ربهم انما قلوبهم تصعد فى السقوف العلى ارتياحا الى اللّه تعالى فى استباق الخيرات اولئك حزب اللّه ألا ان حزب اللّه هم المفلحون انتهى كلامه فى روض الرياحين للامام اليافعى رحمه اللّه تعالى واعلم ان اهل الحق انما نالوا ما نالوا بهدايتهم للناس وعدلهم فيما بين الخلق بعد ما كانوا مهدين وعادلين فى انفسهم - وروى - عن عبد اللّه بن المبارك انه كان يتجر ويقول لولا خمسة ما اتجرت السفيانان وفضيل وابن السماك وابن علية ليصلهم فقدم سنة فقيل له قدولى ابن علية القضاء فلم يأته ولم يصله بشء فاتاه ابن علية فلم يرفع رأسه اليه ثم كتب اليه ابن المبارك يا جاعل العلم له بازيا ... يصطاد اموال المساكين احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين فصرت مجنونا بها بعدما ... كنت دواء للمجانين اين رواياتك فى سردها ... لترك ابواب السلاطين ان قلت اكرهت فذا باطل ... زل حمار العلم فى الطين فلما وقف اسماعيل بن علية على الابيات ذهب الى الرشيد ولم يزل به الى ان استعفاه من القضاء فاعفاه ونعم ما قيل ابو حنيفة قضا نكرد وبمرد ... تو بميرى اكر قضا نكنى وقيل اعدل تكن من صروف الدهر ممتنعا ... فالصرف ممتنع للعدل فى عمر والعدل من اسماء اللّه تعالى ومعناه العادل وهو الذى يصدر منه فعل العدل المضاد للجور والظلم ولن يعرف العادل من لم يعرف عدله ولا يعرف عدله من لم يعرف فعله وحظ العبد من العدل لا يخفى واول ما عليه من العدل فى صفات نفسه هو ان يجعل الشهوة والغضب اسيرين تحت اشارة العقل والدين ومهما جعل العقل خادنا للشهوة والغضب فقد ظلم نفسه هذا جملة عدله فى نفسه. وتفصيله مراعاة حدود الشرع كله وعدله فى كل عضو ان يستعمله على الوجه الذى اذن الشرع فيه. واما عدله فى اهله وذويه ثم فى رعيته ان كان من اهل الولاية فلا يخفى وربما ظن ان الظلن هو الايذاء والعدل هو ايصال النفع الى الناس وليس كذلك بل لو فتح الملك خزائنه المشتملة على الاسلحة والكتب وفنون الاموال ولكن فرق الاموال على الاغنياء ووهب الاسلحة للعلماء وسلم اليهم القلاع ووهب الكتب للاجناد واهل القتال وسلم اليهم المساجد والمدارس فقد نفع ولكنه قد ظلم وعدل عن العدل اذ وضع كل شئ فى غير موضعه اللائق به ولو آذى المريض بسقى الادوية والحجامة والفصد بالاجبار عليه وآذى الجناة بالعقوبة قتلا وقطعا وضربا كان عادلا لانه وضعها فى موشعها وحظ العبد دينا من هذا الوصف انه لا يعترض على اللّه تعالى فى تدبيره وحكمه وسائر افعاله وافق مراده او لم يوافق لان كل ذلك عدل وهو كما يبنغى وعلى ما ينبغى ولو لم يفعل لحصل منه امر آخر هو اعظم ضررا مما حصل كما ان المريض لو لم يحتجم ابصر ضررا يزيد على ألم الحجامة وبهذا يكون اللّه تعالى عدلا والايمان يقطع الانكار والاعتراض ظاهرا وباطنا. وتمامه ان لا يسب الاشياء الى الفلك ولا يعترض عليه كما جرت به العادة بل يعلم ان كل ذلك اسباب مسخرة وانها رتبت ووجهت الى المسببات احسن ترتيب وتوجيه باقصى وجوه العدل واللطف كذا فى المقصد الاقصى فى شرح معانى اسماء اللّه الحسنى للامام الغزالى عليه رحمة الملك المتعالى ١٨٢ { والذين كذبوا بآياتنا } اضافة الآيات الى نون العظمة لتشريفها واستعظام الاقدام على تكذيبها اى بآياتنا التى هى معيار الحق ومصداق الصدق والعدل { سنستدرجهم } اى سنقربهم البتة الى الهلاك على التدريج واصل الاستدارج اما الاستصعاد وهو النقل من سفل الى علو درجة درجة. واما الاستنزال وهو النقل من علو الى سفل كذلك والانسب هو النقل الى اعلى درجات المهالك ليبلغ اقصى مراتب العقوبة والعذاب { من حيث لا يعلمون } صفة لمصدر الفعل المذكور اى سنستدرجهم استدراجا كائنا من حيث لا يعلمون انه كذلك بل يحسبون انه اكرام من اللّه تعالى وتقريب منه اولا يعلمون ما نريد بهم وذلك ان يتواتر عليهم النعم فيظنوا انها لطف من اللّه بهم فيزدادوا بطرا وانهما كا فى الغى الى ان تحق عليهم كلمة العذاب على افظع حال واشنعها مده خودرا فريب ازرنك وبويم ... كه هست ازخنده من كريه آميز قال الحافظ بمهلتى كه سيهرت دهد زراه مرو ... تراكه كفت كه اين زال ترك دستان كفت ١٨٣ { واملى لهم } الاملاء اطالة مدة احدهم بابقائه على ما هو عليه وعدم الاستعجال فى مؤاخذته قال المولى ابو السعود عطف سنستدرجهم غير داخل فى حكم السين لما ان الاملاء وهو عبارة عن الامهال والاطالة وليس من الامور التدريجية كالاستدراج الحاصل فى نفسه شيأ فشيأ بل هو فعل يحصل دفعة وانما الحاصل بطريق التدريج آثاره واحكامه لا نفسه كما يلوح به تغيير التعبير بتوحيد الضمير { ان كيدى متين } اى ان اخذى شديد وانما سماه كيدا لان ظاهره احسان وباطنه خذلان قال سعدى جلى المفتى الاولى ان يقول سماه كيدا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون والكيد الاخذ بخفية_@_ وقال الحدادى الكيد هو الاضرار بالشئ من حيث لا يشعر به_@_ قال فى الحكم العطائية خف من وجود احسانه اليك ودوام اسائتك معه ان يكون ذلك استدراجا لك قال اللّه تعالى { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } قال سهل رضى اللّه عنه فى معنى هذه الآية نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها فاذا ركنوا الى النعمة وحجبوا عن المنعم اخذوا وقال ابو العباس بن عطاء يعنى كلما احدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وانسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة وقال الشيخ ابو القاسم القشيرى رحمه اللّه. الاستدراج تواتر المنة بغير خوف الفتنة الاستدراج انتشار الذكر دون خوف المكر. الاستدراج التمكن من المنية والصرف عن البغية. الاستدراج تعليل برجاء وتأميل بغير وفاء. الاستدراج ظاهر مضبوط وسر بالاغيار منوط انتهى. ومن وجوه الاستدراج ان يجهل المريد بنفسه ويحق ربه فيسئ الادب باظهار دعوى او تورط فى بلوى فتؤخر العقوبة عنه امهالا له فيظنه اهمالا فيقول لو كان هذا سوء ادب لقطع الامداد فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن من قطع المدد عنه من حيث لا يشعر الا منع المزيد لكان قطعا لان من لم يكن فى زيادة فهو فى نقصان وكان احمد بن حنبل رضى اللّه عنه يوصى بعض اصحابه ويقول خف من سطوة العدل وارج الفضل ولا تأمن مكره ولو ادخلك الجنة وقع لابيك آدم ما وقع فان قلت ما الحكمة فى امهال اللّه العصاة فى الدنيا قلت ليرى العباد ان العفو والاحسان احب اليه من الاخذ والانتقام وليعلموا شفقته وبره وكرمه وان رحمته سبقت غضبه وامهاله تعالى من اخلاق كرمه وجوده. وقيل يمهل من يشاء حكمة ليأخذ الظالم اخذ عزيز مقتدر ويعجل عقوبة من يشاء رحمه منه وتخفيفا بالنسبة الى عذاب الآخرة فعلى العاقل ان يخاف من المكر الالهى ويرى الفير والانكسار نعمة واكراما فان اللّه تعالى يحب الفقراء وهو عند المنكسرة قلوبهم وحال الدنيا ليس على القرار تسلب كما تهب وتهب كما تسلب : ونعم ما قيل زمانه به نيك وبد آيستن است ... ستاره كهى دوست وكه دشمن است ١٨٤ { أو لم يتفكروا ما بصاحبكم من جنة } - روى - انه عليه الصلاة والسلام كان كثيرا ما يحذر قريشا عقوبة اللّه تعالى ووقائعه النازلة فى الامم الماضية فقام ليلا على الصفا وجعل يدعوهم الى عبادة اللّه تعالى قبيلة قبيلة يا بنى فلان يا بنى فلان الى الصباح يحذرهم بأس اللّه فقال قائلهم ان صاحبكم هذا يعنى محمدا صلى اللّه تعالى عليه وسلم لمجنون بات يهوت الى الصباح فنزلت والهمزة للانكار والتعجب والتوبيخ والواو للعطف على مقدر وما ما استفهامية انكارية فى محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم واما انا نافية اسمها جنة وخبرها بصاحبهم والجملة معلقة لفعل التفكر لكونه من افعال القلوب ومحلها على الوجهين النصب على نزع الجار والجنة بناء نوع من الجنون ودخول من يدل على انه ليس به نوع من انواع الجنون. والمعنى أكذبوا بالآيات ولم يتفكروا فى اى شيء من جنون ما كائن بصاحبهم او فى انه ليس بصاحبهم شيء من جنة حتى يؤديهم التفكر فى ذلك الى الوقوف على صدقة وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما انزل عليه من الآيات فالتصريح بنفى الجنون للرد على عظيمتهم الشنعاء والتعبير عليه الصلاة والسلام بصاحبهم وارد على شاكلة كلامهم مع ما فيه من الايذان بان طول مصاحبتهم له عليه السلام مما يطلعهم على نزاهته عليه السلام عن شائبة الجنة وقد كانوا يسمونه قبل اظهار النبوة محمدا الامين صلى اللّه تعالى عليه وسلم وسلم { ان هو } اى ما هو عليه السلام { الا نذير مبين } اى مبالغ فى الانذار مظهر له غاية الاظهار ابرازا لكمال الرأفة ومبالغة فى الاعذار ١٨٥ { أو لم ينظروا } الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى اكذبوا بها ولم ينظروا نظر تأمل واستدلال { فى ملكوت السموات والارض } فيما تدل عليه السموات والارض من عظم الملك وكمال القدرة فيعلموا انه لم يخلقهما عبثا ولم يترك عباده سدى قال بعضهم ملكوت السموات النجوم والشمس والقمر وملكوت الرض البحور والجبال والشجر والملكوت الملك العظيم من الملك كالرهبوت من الرهب زيدت التاء للمبالغة يقال له ملكوت العراق اى الملك الاعظم متعلق به { وما خلق اللّه } عطف على ملكوت اى وفيما خلق اللّه { من شيء } بيان لما خلق مفيد لعد اختصاص الدلالة المذكورة بجلائل المصنوعات دون دقائقها اى من جليل ودقيق مما يقع عليه اسم الشيء من الاجناس التى لا يمكن حصرها اى ان كل فرد رد من الموجودات محل للنظر والاعتبار والاستدلال على الصلنع ووحدانيته كما قيل وفى كل شيء له آية ... تدل على انه واحد { وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم } عطف على مكلوت وان مخففة من ان واسمها ضمير الشان والخبر قد اقترب اجلهم. والمعنى او لم ينظروا فى ان الشان عسى ان يكون الشان قد اقترب اجلهم لعلهم يموتون عن قريب فمالهم لا يسارعون الى طلب الحق والتوجه الى ما ينجيهم قبل مجيء الموت ونزول العذاب زان بيش كاجل فرا رسد تنك ... وايام عنان ستاند ازجنك برمركب فكر خويش نه زين ... مردانه در اى درره دين فبأى حديث هو فى اللغة الجديد وفى عرف العامة الكلام { بعده } اى بعد القرآن { يؤمنون } اذا لم يؤمنوا به وهو النهاية فى البيان وليس بعده كتاب منزل ولا نبى مرسل وهو قطع لاحتمال ايمانهم ونفى له بالكلية والباء متعلقة بيؤمنون ١٨٦ { من يضلل اللّه } [ هركرا كمراه كرداند خداى تعالى وبقرآن نكرود ] { فلا هادى له } [ بس هيج راه نماينده نيست كه اورابراه آرد ] { ويذرهم } بالياء والرفع على الاستئناف اى وهو تعالى يتركهم { فى طغيانهم } فى مجاوزتهم الحد فى كفرهم { يعمهون } حال من مفعول يذرهم اى حال كونهم مترددين ومتحيرين فى القاموس العمه محركة التردد فى الضلال والتحير فى منازعة او طريق او ان لا يعرف الحجة وفى الآية حث على التفكر ودلالة على ان العاقل لو تفكر بالعقل السليم من آفات الوهم والخيال والتقليد والهوى فى حل النبى صلى اللّه عايه وسلم واخلاقه وسيره فضلا عن معجزاته لتحقق عنده انه النبى الصادق وان ما يدعوه اليه كله حق وصدق وانه لينجو بهذا التفكر من النار كما اخبر اللّه تعالى عن حال اهل النار بقوله { وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا فى اصحاب السعير } وفى قوله تعالى { أو لم ينظروا } الخ اشارة الى ان المكونات على نوعين وع منها ما خلق من غير شيء وهو الملكوت الذى هو باطن الكون والكون به قائم بيد القدرة كقوله تعالى { فسبحان الذى بيده ملكوت كل شيء } ونوع منها ما خلق من شيء وهو الملك الذى هو ظاهر الكون فكما ان النظر الى الملك بحسن البصر فالنظر الى الملكوت بالعقل والقلب فنظر ارباب العقول فيه يفيد رؤية الآيات والاستدلال بها على معرفة الخالق واثبات الصانع ونظر اصحاب القلوب فيه يفيد شهود شواهد الغيب بالولوج ليصير ايمانه ايقانا بل عيانا كقوله { وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين } وهذه الاراءة سنة آلهية قديمة للحق سبحانه يرى بها كل من جعله نبيا او وليا ناسوت العالم وملكوته وجبروته ولاهوته سواء كان عالما صغيرا او عالما كبيرا ولا تزال تلك السنة باقية الى يوم القيامة ما دام لم ينقطع السير والسلوك الى الحق سبحانه فلولاها لنوع الانسان لكان كسائر الحيوان الا ان اللّه الرحمن من بها على نوع الانسان وسار وسلك بها من شاء من اهل عنايته الى قبل الملك المنان حتى ترقى عن جميع الاكوان ونال الشهود والعيان ووصل الى الحق المحسان واتاه كمال الايقان وتمام الاحسان ثم جاء نبيا او وليا لارشاد الاخوان فقام بالحكمة والبيان وبين الاسلام والايمان ودعا الى اللّه الحليم الحنان وبشر بالجنان وانذر بالنيران فمن اجاب نال اللطف والاحسان ومن لم يجب خسر خسرنا مبينا وقال عليه الصلاة والسلام عن عيسى ( لن يلج ملكوت السموات والارض ومن لم يولد مرتين ) فالولوج لاصحاب القلوب والمشاهدة والنظر لارباب العقول والاستدلال كذا فى التأويلات النجمية مع مزج من كلام شيخنا العلامة احياه اللّه بالسلامة [ روزى امام ابى حنيفة رحمه اللّه در مسجد نشسته بود جماعتى از زنادقة در آمدند وقصد هلاك او كردند امام كفت يك سؤال را جواب دهيد بعد ازان تيغ ظلم را آب دهيد كفتند مسئله جيست فت من سفينة ديدم بربار كران برورى دريا روان ى آنكه هيج ملاحى محافظت ميكرد كفتند اين محالست زيرا كه كشتى بى ملاح بريك نسق رفتن محال باشد كفت سبحان اللّه سير جمله افلاك وكواكب ونظام عالمى وسفلى ازسيريك سفينه عجبترست همه ساكت كشتند واكثر مسلمان شدند ] : قال الحافظ الشيرازى درحشمت سليمان هركس كه شك نمايد ... برعقل ودانش او خندند مرغ وماهى ١٨٧ { يسألونك عن الساعة } اى عن القيامة وهى من الاسماء الغالبة فيها كالنجم فىلثريا وسميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة اة لكون الحساب الواقع فيها يتم وينقضى فى ساعة يسيرة لانه تعالى لا يشغله شأن عن شأن او لانها على طولها عند اللّه تعالى كساعة من الساعات عند الخلق واصلها ساعة قيام الناس من الاجداث فلما غلبت تعينت فاستغنت عن الاضافة -روى- ان قوما من اليهود قالوا يا محمد اخبرنا متى الساعة ان كنت نبيا فانا نعلم متى هى وكان ذلك امتحانا منهم مع علهم انه تعالى قد استأثر بعلمها فنزلت { ايان مرسيها } ايان ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام محله الرفع على انه خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر اى متى ارساؤها اى اثباتها وتقريرها فانه مصدر ميمى من ارساه اذا اثبته واقره ولا يكاد يستعمل الا فى الشيء الثقيل كما فى قوله تعالى { والجبال ارسيها } ولما كان اثقل الاشياء على الخلق هو الساعة سمى اللّه تعالى وقوعها وثبوتها بالارساء ومحل الجملة النصب بنزع الخافض فانها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط كأنه قيل يسألونك عن الساعة عن ايان مرسيها { قل انما علمها } لم يقل انما علم وقت ارسائها لان المقصد الاصلى من السؤال نفسها باعتبار حلولها فى وقتها المعين لا وقتها باعتبار كونه محلالها ولذلك اضاف العلم المطلوب بالسؤال الى ضميرها { عند ربى } خاصة قد استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا { لا يجليها } اى لا يظهر امرها من التجلية وهو اظهار الشيء والتجلى ظهوره {لوقتها } اى قى وقتها فاللام للتأقيت كاللام فى قوله { اقم الصلوة لدلوك الشمس } { الا هو } والمعنى انه تعالى يخفيها على غيره اخفاء مستمرا الى قوت وقوعها لا يظهرها الا فى ذلك الوقت الذى وقعت فيه بغتة بنفس الوقوع لا بالاخبار عنها لكون اخفائها ادعى الى الطاعة وازجر عن المعصية كاخفاء الاجل الخاص الذى هو وقت الموت كتم اللّه تعالى وقت قيام الساعة عن الخلق ليصير المكلف مسارعا الى التوبة والطاعة فى جميع الاوقات فانه لو علم وقت قيام الساعة لتقاصر الخلق عنها واخروها. وكذلك اخفى ليلة القدر ليجتهد المكلف فى العبادة فى ليالى الشهر كلها واخفى ساعة الاجابة من يوم الجمعة ليكون المكلف مجدا فى الدعاء فى جميع ساعاته { ثقلت فى السموات والارض } اى كبرت وشقت على اهلها من الملائكة والثقلين كل منهم اهمهم خفاؤها وخروجها عن دائرة المعقول وقيل عظمت على اهلها خوفا من شدائدها وما فيها من الاهوال ومن جملة اهوالها فناء من فى السموات والارض وهلاكهم وذلك ثقيل على القلوب { لا تأتيكم الا بغتة } الا فجاء على غفلة فتقوم والرجل يسقى ماشيته والرجل يصلح حوضه والرجل يقوم سلعته فو سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه والرجل يهوى لقمة فى فمه فما يدرك ان يضعها فى فمه { يسألونك كأنك حفى عنها } اى عالم بها من حفى عن الشيء اذا بالغ فى السؤال عنه ومن استقصى فى تعلم الشيء وبالغ فى السؤال عنه لزمه ان يستحكم علمه به ويعلمه باقصى ما يمكن ويكون ماهرا فى العلم فلذلك كنى بقوله تعالى { كانك حفى عنها } عن كونه عليه السلام عالما باقصى ما يمكن والتعدية عن مع كونه بمعنى العالم وهو يتعدى بالباء لكونه متضمنا لمعنى بليغ فى للسؤال عنها احكمت علمها والجملة التشبيهية فى محل النصب على انها حال من الكاف اى يسألونك مشبها حالك عندهم بحال من هو حفى عنها اى مبالغ فى العلم بها { قل انما علمها عند اللّه } الفائدة فى اعادته رد المعلومات كلها الى اللّه تعالى فيكون التكرار على وجه التأكيد والتمهيد للتعريض بجهلهم بقوله { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } اختصاص علمها به تعالى فبعضهم ينكرونها رأسا وبعضهم يعلمون انها واقعة البتة ويزعمون انك واقف على وقت وقوعها فيسألونك جهلا وبعضهم يدعون ان العلم بذلك من مواجب الرسالة فيتخذون السؤال عنها ذريعة الى القدح فى رسالتك ١٨٨ { قل لا املك لنفسى نفعا ولا ضرا } اى جلب نفع ولا دفع ضر فمن لا يعلم ان نفعه فى اى الاشياء ومضرته فى أيها كيف يعلم وقت قيام الساعة واللام متعلق باملك قال سعدة جلبى المفتى والظاهر انه متعلق بنفعا ولا ضرا { الا ما شاء اللّه } ان املكه من ذلك بان يلهمنيه فيمكننى منه ويقدرنى عليه فالاستثناء متصل او لكن ما شاء اللّه من ذلك كائن فالاستثناء منقطع وهذا ابلغ فى اظهار العجز عن علمها { وان كنت عالم الغيب } اى جنس الغيب { لاستكثرت من الخير } اى لجعلت المال والمنافع كثيرا على ان يكون بناء استفعل للتعدية كما فى نحو استذله { وما مسنى السوء } من كيد العدو والفقر والضر وغيرها { ان انا الا نذير وبشير } اى ما انا الا عبد مرسل للانذار والبشارة شأنى ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية لا الوقوف على الغيوب التى لا علاقة بينها وبين الاحكام والشرائع وقد كشفت عن امر الساعة ما يتعلق به الانذار من مجيئها لا محالة واقترابها واما تعيين وقتها فليس مما يستدعيه الانذار بل هو مما يقدح فيه لما مر من ان ابهامه ادعى الى الانزجار عن المعاصى { لقوم يؤمنون } اما متعلق بهما جميعا لانهم ينتفعون بالانذار كما ينتفعون بالبشارة واما البشير فقط وما يتعلق بالنذير محذوف او نذير للكافرين اى الباقين على الكفر وبشير لقوم يؤمنون اى فى اى وقت كان ففيه ترغيب للكفرة ى احداث الايمان وتحذير عن الاصرار على الكفر والطغيان قال الحدادى فى تفسيره فى الآية دلالة على بطلان قول من يدعى العلم بمدة الدنيا ويستدل بما روى ان الدنيا سبعة آلاف سنة لانه لو كان كذلك كان وقت قيام الساعة معلوما واما قوله صلى اللّه عليه وسلم ( بعثت انا والساعة كهاتين ) واشار الى السبابة والوسطى فمعناه تقريب الوقت لا تحديده كما قال تعالى { فقد جاء اشراطها } اى مبعث النبى عليه السلام من اشراطها انتهى يقول الفقير رواية عمر الدنيا وردت من طرق شتى صحاح لكنها لا تدل على التحديد حقيقة فلا يلزم ان يكون وقت قيام الساعة معلوما لاحد ايا من كان من ملك او بشر وقد ذهب بعض المشايخ الى ان النبى صلى اللّه عليه وسلم كان يعرف وقت الساعة باعلام اللّه تعالى وهو لا ينافى الحصر فى الآية كما لا يخفى وفى صحيح مسلم عن حذيفة قال اخبرنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما هو كائن الى ان تقوم الساعة وفى الحديث ( ان للّه ديكا جناحاه موشيان بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وقوائمه فى الارض السفلى ورأسه مثنى تحت العرش فاذا كان السحر الاعلى خفق بجناحيه ثم قال سبوح قدوس ربنا اللّه لا اله غيره فعند ذلك تضرب الديكة اجنحتها وتصيح فاذا كان يوم القيامة قال اللّه تعالى ضم جناحك وغض صوتك فيعلم اهل السموات والارض ان الساعة قد اقتربت ) ومن اشراط الساعة كثرة السبى والتسرى وذلك دليل على استعلاء الدين واستيلاء المسلمين الدال على التراجع والانحطاط اذا بلغ الامر كماله. ومنها كون الغنم دولا يعنى اذا كان الاغنياء واصحاب المناصب يتداولون باموال الغنيمة ويمنعون عنها مستحقيها وكون الزكاة مغرما يعنى يشق عليهم اداء الزكاة ويعدونها غرامة وكون الامانة مغنما يعنى اذا اتخذ الناس الامانات الموضوعة عندهم مغانم يغتنمونها ومن الامانة الفتوى والقضاء والامارة والوزارة وغيرها فاذا آتوها الى غير اهاليها كما ترى فى زماننا فانتظر الساعة وفى رواية عن ابى هريرة ( لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية والورع تصنعا ولا تقوم الساعة الا على شرار الخلق ) فان قيل قد ورد فى الصحيح عن ابن عمر رضى اللّه عنهما ( لا تزال طائفة من امتى ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) قيل معناه الى قريب قيام الساعة لان قريب الشيء فى حكمه واعلم ان القيامة ثلاث حشر الاجساد والسوق الى المحشر للجزا وهى القيامة الكبرى وموت جميع الخلائق وهى والوسطى ولا يعلم وقته يقينا الا اللّه تعالى وانما يعلم بالعلامات المنقولة عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم كما ذكرنا بعذا منها وموت كل احد وهى الصغرى وفى الحديث ( من مات فقد قامت قيامته ) -وروى- ان النبى صلى اللّه عليه وسلم ذكر يوما احوال جهنم فقال واحد من الاصحاب رضى اللّه عنه ادع لى يا رسول اللّه ان ادخل فيها فتعجبوا من قوله فقال عليه الصلاة السلام ( انه يريد ان يكون صاحب القيامة الكبرى ) قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره نحن لا نعرف حقيقة مراده عليه السلام الا انا نوجهه بان يريد ان يشاهد القيامة الكبرى بان يصل الى مرتبة يتجلى فيها معنى قوله تعالى { كل شيء هالك الا وجهه } فان السالك اذا جاوز عن مرتبة الطبيعة والنفس والروح والسر بغيب عنه ما سوى اللّه تعالى فلا يرى غير اللّه تعالى فاضمحلال ما سواه وفناؤه هو القيامة الكبرى وهذه مرتبة عظمى لا يصل اليها الا اهل العناية : قال الحافظ عنقا شكاركس نشوددام بازجين ... كانجا هميشه باد بدستست دام را فعلى العاقل الاجتهاد وبذل المجهود ليرتقى الى ما ترقى اليه اهل الخير والجود بال بكشا وصفير ازشجر طوبى زن ... حيف باشد جو تومرغى كه اسير قفسى كاروان رفت وتودرراه كمين كاه بخواب ... وه كه بس بيخبرى زين همه بانك جرسى ونعم ما قيل عاشق شورانه روزى كارجهان سرآيد ... تاخوانده نقش مقصود از كاركاه هستى نسأل اللّه تعالى ان يوفقنا لما يحب ويرضى ويداوى هذه القلوب المرضى وهو المعين على كل حال وفى كل حين ١٨٩ { هو } اى اللّه تعالى { الذى } اى العظيم الشأن الذى { خلقكم } جميعا وحده من غير ان يكون لغيره مدخل فى ذلك بوجه من الوجوه { من نفس واحدة } هو آدم عليه السلام فكما ان النفوس خلقت من نفس واحدة هى نفس آدم فكذا الارواح خلقت من روح واحد هو روح محمد صلى اللّه عليه وسلم فكان هو ابا الارواح كما كان آدم ابا البشر لقوله عليه السلام ( انما انا لكم كالوالد لولده ) وقوله ( اول ما خلق اللّه روحى ) فان اول كل نوع هو المنشأ منه ذلك النوع من الحيوان والنبات كر بصورت من زآدم زاده ام ... من بمعنى جد جد افتاده ام { وجعل } انشأ { منها } اى من جنس تلك النفس الواحدة { زوجها } حواء او من جسدها لما يروى ان اللّه تعالى خلق حواء من ضلع من اضلاع آدم عليه السلام والاول هو الانسب اذ الجنسية هى المؤدية الى الغاية الآتية لا الجزئية { ليسكن } تلك النفس والتذكير باعتبار المعنى يعنى آدم { اليها } اى الى الزوج وهى حواء اى ليستأنس بها ويطمئن اليها اطمئنانا مصححا للازدواج { فلما تغشيها } لم يقل تغشتها باعتبار آدم ايضا والتغشى والتغشية التغطية بالفارسى [ جيزى بركسى بوشانيدن ] كنى به عن الجماع لان الرجل يغطى المرأة ويسترها حال الوقاع لاساعلائه عليها { حملت حملا خفيفا } فى مبادئ الامر فانه عند كونه نطفة او علقة او مضغة اخف عليها بالنسبة الى ما بعد ذلك من المراتب فانتصاب حملا على المصدرية او حملت محمولا خفيفا وهو ما فى البطن من النطفة ونفس الجنين فانتصابه على المفعول به كقوله حملت زيدا وهو الظاهر والمشهور ان الحمل بالفتح ما كان فى البطن او على رأس الشجر وبالكسر ما كان على ظاهر انسان او على الدابة { فمرت به } اى فاستمرت به كما كان من قبل حيث قامت وقعدت واخذت وتركت ولم تكترث بحملها فمرت من المرور بمعنى الذهاب والمضى لا من المر بمعنى الاجتياز والوصول يقال مر عليه وبه يمر مرا اى اجتاز ومر يمر مرا ومرورا اى ذهب واستمر مثله والسين فيه للطلب التقديرى كما فى استخرجته { فلما اثقلت } اى صارت ذا ثقل بكبر الولد فى بطنها { دعوا اللّه } اى آدم وحواء عليهما السلام لما دهمهما امر لم يعهداه ولم يعرفا مآله فاهتماما به وتضرعا اليه تعالى { ربهما } اى مالك امرهما الحقيق بان يخص به الدعاء ومتعلق الدعاء محذوف اى دعواه تعالى فى ان يؤتيهما ولدا صالحا ووعدا بمقابلته الشكر وقالا { لئن آتيتنا صالحا } اى ولدا سوى الاعضاء او صالحا فى امر الدين { لنكونن من الشاكرين } لك على هذه النعمة المجددة ووجه دعائهما بذلك ان آدم رأى حين اخذ الميثاق على ذريته ان منهم سوى الاعضاء وغير السوىّ وان منهم التقى وغير التقى فسألا ان يكون هذا الولد سوىّ الاعضاء او تقيا نقيا عن المعصية فلما اعطاهما صالحا شكرا لانهما ليسا بحيث يعدان من انفسهما بذلك ثم لا يفعلان ذلك يقال ان حواء كانت تلد فى كل بطن ذكرا او انثى ويقال ولدت لآدم خمسمائة بطن ألف ولد ثم شرع فى توبيخ المسلمين بقوله ١٩٠ { فلما آتيهما صالحا } اى فلما اعطى اولادهما المشركين البالغين مبلغ الوالد ولدا صالحا سوىّ الاعضاء { جعلا } اى جعل هذان الابوان { له } اى للّه تعالى { شركاء فيما آتيهما } بان سميا اولادهما بعيد العزى وعبد مناف ونحو ذلك وسجدا للاصنام شكرا على هذه النعمة والا ظهر تقرسر ابى السعود حيث قال فى تفسيره { فلما آتيهما صالحا } اى لما آتاهما ما طلباه اصالة واستتباعا من الولد وولد الولد ما تناسلوا جعلا اى جعل اولادهما له تعلاى { شركاء فيما آتيهما } اى فيما اتى اولادهما من الاولاد ففى الكلام حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه والالزم نسبتهما اى آدم وحواء الى الشرك وهما بريئان منه بالاتفاق ويدل على الحذف المذكور صيغة الجمع فى قوله تعالى { فتعالى اللّه } [ بس بزر كست خداى تعالى وباك ] { عما يشركون } اىعن اشراكهم وهو تسميتهم المذكورة ولو كان المراد بالآية آدم وحواء لقال عما يشركان ١٩١ { أيشركون } به تعالى { ما لا يخلق شيأ } اى لا يقدر على ان يخلق شيأ من الاشياء اصلا ومن حق المعبود ان يكون خالقا لعابده { وهم يخلقون } عطف على ما لا يخلق يعنى الاصنام وايراد الضميرين بجمع العقلاء مبنى على اعتقاد الكفار فيها ما يعتقدونه فى العقلاء وكانوا يصورونها على صورة من يعقل ووصفها بالمخلوقية بعد وصفها بنفى الخالقية لا بانه كمال منافاة حالها لما اعتقدوه فى حقها ١٩٢ { ولا يستطيعون لهم } اى لعبدتهم اذا حزبهم امر مهم { نصرا } اى نصر اما بجلب منفعة او دفع مضرة { ولا انفسهم ينصرون } فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث كما اذا اراد احد ان يكسرها او يلطخها بالالواث والارواث قال الحدادى وكانوا يلطخون افواه الاصنام بالخلوف والعسل وكان الذباب يجتمع عليها فلا تقدر على دفع الذباب عن انفسها ١٩٣ { وان تدعوهم } ايها المشركون { الى الهدى } الى ان يهدوكم الى ما تحصلون به مقاصدكم { لا يتبعوكم } الى مرادكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم اللّه { سواء عليكم } ايها المشركون { أدعوتموهم } اىلاصنام { ام انتم صامتون } ساكتون اى مستوى عليمن فى عدم الافادة دعاؤكم له وسكوتكم فانه لا يتغير حالكم فى الحالين كما لا يتغير حالهم بجكم الجمادية ولم يقل ام صمتم لرعاية رؤوس الآى ١٩٤ { ان الذين تدعون من دون اللّه } اى تعبدونهم من دونه تعالى من الاصنام وتسمونهم آلهة { عباد امثالكم } اى مماثلة لكم من حيث انها مملوكة للّه تعالى مسخرة لامره عاجزة عن النفع والضر وقال الحدادى سماها عبادا لانهم صوروها على صورة الانسان { فادعوهم } فى جلب نفع وكشف ضر { فليستجيبوا لكم } صيغته صيغة الامر ومعناه التعجيز { ان كنتم صادقين } فى زعمكم انهم قادرون على ما انتم عاجزون عنه ١٩٥ { ألهم } الا للاصنام { ارجل يمشون بها } حتى يمكن استجابتهم لكم والاستجابة من الهياكل الجسمانية انما تتصور اذا كان لها محرك حياة وقوى محركة ومدركة وما ليس له شيء من ذلك هو بمعزل من الافاعيل بالمرة ووصف الا رجل بالمشى بها للايذان بان مدار الانكار هو الوصف { أم لهم ايد يبطشون بها } أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة والبطش الاخذ بقوة. والمعنى بل ألهم ايد يأخذون بها ما يريدون اخذه بل للاضراب المفيد للانتقال من فنّ من التبكيت بعد تمامه الى فن آخر منه { أم لهم اعين يبصرون بها ام لهم آذان يسمعون بها } قدم المشى لانه حالهم فى انفسهم والبطش حالهم بالنسبة الى الغير. واما تقديمه على قوله { ام لهم اعين } الخ مع ان الكل سواء فى انها من احوالهم بالنسبة الى الغير فلمراعاة المقابلة بين الايدى والارجل. واما تقديم الاعين فلما انها اشهر من الآذان واظهر عينا واثرا ثم ان الكفار كانوا يخوفونه عليه السلام بآلهتهم قائلين نخاف ان يصيبكم بعض آلهتنا بسوء فقال اللّه تعالى { قل ادعوا } ايها المشركون { شركاءكم } واستعينوا بهم فى عداوتى { ثم كيدون } فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر وهى انتم وشركاؤكم فالخطاب فى كيدون للاصنام وعبدتها { فلا تنظرون } فلا تمهلون ساعة فانى لا ابالى بكم لوثوق على ولاية اللّه وحفظه اكر هر دو جهانم خصم كردند ... نترسم جون نكهبا نم تو باشى ١٩٦ { ان وليى اللّه الذى نزل الكتاب } تعليل لعدم المبالاة المنفهم من السوق انفهاما ما جليا قوله { وليى } بثلاث آيات. الاولى ياء فعيل وهى ساكنة. والثانية لا الفعل وهى مكسورة ادغمت فيها الباء الاولى. والثالثة ياء الاضافة وهى مفتوحة. والولى هنا بمعنى الناصر والحافظ اضيف الى ياء المتكلم. والمعنى ان الذى يتولى نصرتى وحفظى هو الذى اكرمنى بتنزيل القرآن وايحائه الىّ وايحاء الكتاب اليه يستلزم رسالته لا محالة { وهو يتولى الصالحين } اى ومن عادته٠ تعالى ان يتولى الصالحين من عباده وينصرهم لا يخذلهم فضلا عن انبيائه ١٩٧ { والذين تدعون } يا عبادة الاصنام { من دونه } اى متجاوزين اللّه تعالى ودعاءه ومضمون هذه الآية ذكر اوّلا لتقريع عبدة الاصنام وذكر ههنا اتماما لتعليل عدم مبالاته بهم فلا تكرار { لا يستطيعون نصركم } فى امر من الامور { ولا انفسهم ينصرون } اذا نابتهم نائبة ١٩٨ { وان تدعوهم } اى الاصنام { الى الهدى } الى ان يهدوكم الى ما تحصلون بله مقاصدكم من الكيد وغيره { لا يسمعوا } اى دعاءكم فضلا عن المساعدة والامداد وهذا بخلاف التوجه الى روحانية الانبياء والاولياء وان كانوا مخلوقين فان الاستمداد منهم والتوسل بهم والانتساب اليهم من حيث انهم مظاهر الحق ومجالى انواره ومرائى كمالاته وشفعاؤه فى الامور الظاهرة والباطنة له غايات جليلة وليس ذلك بشرك اصلا بل هو عين التوحيد ومطالعة الانوار من كطالعها ومكاشفة الاسرار من مصاحفها : قال الصائب مشو بمرك زامداد اهل دل نوميد ... كه خواب مردم آكاه عين بيداريست { وتريهم } الرؤية بصرية والخطاب لكل واحد من المشركين اى وترى الاصنام ايها الرائى رأس العين { ينظرون اليك } حال من المفعول اى يشبهون الناظرين اليك ويخيل اليك انهم يبصرونك لما انهم صنعوا لها اعينا مركبة بالجواهر المضيئة المتلالئة وصوروها تصوير من قلب حدقته الى الشيء ينظر اليه { وهم لايبصرون } حال من فاعل ينظرون اى والحال انهم غير قادرين على الابصار وهو بيان عجزهم عن الابصار بعد بيان عجزهم عن السمع وقيل ضمير الفاعل فى تراهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وضمير المفعول للمشركين على ان التعليل قد تم عند قوله تعالى { لا يسمعوا } اى وترى المشركين يا محمد ينظرون اليك باعينهم وهم لا يبصرونك ببصائرهم اى كما انت عليه فهم غائبون عنك فى الحقيقة الا ان يقروا بالتوحيد وصدق الرسالة -ذكر- ان السطر الاول من خاتم سليمان عليه الصلاة والسلام كان بسم اللّه الرحمن الرحيم. والسطر الثانى لا اله الا اللّه. والسطر الثالث محمد رسول اللّه فلما ادخله جبريل فى اصبعه لم يقدر اصحابه ان يروه فتضرعوا فقال قولوا لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فلما ادخله جبريل فى اصبعه لم يقدر اصحابه ان يروه فتضرعوا فقال قولوا لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فلما قالوه رأوه. وسره انه احاط المهابة فلما اشتغلوا بالتوحيد حصل لهم الاستعداد والقدرة -وحكى- ان السلطان محمود الغازى دخل على الشيخ الربانى ابى الحسن الخرقانى قدس سره لزيارته وجلس ساعة ثم قال يا شيخ ما تقول فى حق ابى يزيد البسطامى فقال الشيخ هو رجل من رآه اهتدى واتصل بسعادة لا تخفى فقال محمود وكيف ذلك وابو جهل رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وانما رأى محمج بن عبد اللّه يتيم ابى طالب حتى لو كان رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لخرج من الشقاوة ودخل فى السعادة ثم قال الشيخ ومصداق ذلك قول اللّه تعالى { وتريهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون } فالنظر بعين الرأس لا يوجب هذه السعادة بل النظر بعين السر والقلب يورث ذلك فمن رأى ابا يزيد بهذه العين فاز بالسعادة براى ديدن روى تو جشم ديكرم باشد ... كه اين جشم كه من دارم جمالت را نمى شايد وفى الحديث ( طوبى لمن رآنى ولمن رأى من رآنى ولمن رأى من رأى من رآنى ولمن رأى من رأى من رأى من رآنى ) كما فى الرسالة العلية للكاشفى : وفى المثنوى كفت طوبى من رآنى مصطفى ... والذى يبصر لمن وجهى رأى جون جراغى نور شمعى راكشيد ... هركه ديد آنرا يقين آن شمع ديد همجنين تاصد جراغ ازنقل شد ... ديدن آخر لقاى اصل شد خواه نور از وابسين بستان بجان ... هيج فرقى نيست خواه از شمع دان وظهر من هنا ان رؤية الاولياء ايضا انما تفيد اذا كانت بالبصيرة ثم ان الرؤية تتناول ما فى اليقظة وما فى المنام قال بعضهم فى قوله عليه السلام ( من رآنى فدق رأى الحق ) من رآنى مطلقا اى سواه كانت الرؤية فى اليقظة او فى المنام فقد رأى الرسول الحق وقال بعضهم من رآنى فى المنام فقد رأى الرؤيا الصادقة لا الرؤيا التى يلعب بها الشيطان قال الشيخ الاكمل فى شرح المشارق المنام الحق هو الذى يريه الملك الموكل على الرؤيا فان اللّه تعالى قد وكل بالرؤيا ملكا يضرب من الحكمة والامثال وقج اطلعه اللّه سبحانه على قصص ولد آدم من اللوح المحفوظ فهو ينسخ منها ويضرب لكل قصة مثلا فاذا نام يمثل له تلك الاشياء على طريق الحكمة لتكون بشارة له او نذارة او معاتبة ليكونوا على بصيرة من امرهم كذا قيل انتهى واعلم ان جميع الانبياء معصومون من ان يظهر شيطان بصورهم فى النوم واليقظة لئلا يشتبه الحق بالباطل يقول الفقير اصلحه اللّه القدير سمعت من حضرة شيخى المتفرد فى زمانه بعلمه وعرفانه ان الشيطان لا يتمثل ايضا بصور الكمل من الاولياء الكرام كقطب الوجود فى كل عصر فانه مظهر تام للّهدى سار فى سره سر النبى المصطفى صلى اللّه عليه وسلم تسليما كثيرا فعلى العاقل ان يترك القيل والقال ويدع الاعتراض بالمقال والحال ويستسلم لامر اللّه الملك المتعال الى ان يبلغ الرجال ويتخلص من مكر الشيطان البعيد عن ساحة العز والاجلال ويكون هاديا بعج كونه مهديا ان كان ذلك امرا مقضيا اللّهم اهدنا الى رؤية الحق وارنا الاشياء كما هى وخلصنا من الاشغال بالمناهى والملاهى انك انت الجواد لكل صنف من العباد منك المبدأ واليك المعاد ١٩٩ { خذ العفو } -روى- انه صلى اللّه عليه وسلم سأل جبريل ( ما الاخذ بالعفو ) فقال لا ادرى حتى اسأل ثم رجع فقال يا محمد ان ربك امرك ان تعطى من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وان تحسن الى من اساء اليك هركه زهرت دهد بدوده قند ... وآنكه ازتو برد بدوبيوند والعفو من اخلاقه تعالى قال سعيد بن هشام دخلت على عائشة فسألتها عن اخلاق النبى عليه السلام قالت اما تقرأ القرآن قلت بلى قال كان خلق رسول اللّه القرآن وانما ادبه بالقرآن بمثل قوله تعالى { خذ العفو وائمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين } وبقوله { واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور } وبقوله { فاعف عنهم واصفح } وغير ذلك من الآيات الدالة على مكارم اخلاقه { وامر بالعرف } بالجميل المستحسم من الافعال لانها قريبة من قبول الماس من غير نكير قال فى التيسير قالوا فى العرف تقوى اللّه صلة الارحام وصون اللسان عن الكذب ونحوه وغض البصر عن المحارم وكف الجواؤح عن المآثم { واعرض عن الجاهلين } ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عنهم واغضض عما يسوءك منهم وذلك لانه ربما اقدم بعض الجاهلين عند الترغيب والترهيب على السفاهة والاذى والضحك والاستهزاء فلهذا السبب امر اللّه تعالى حبيبه فى آخر الآية بتحمل الاذى والحلم عمن جفا فظهر بهذا ان الآية مشتملة على مكارم الاخلاق فيما يتعلق بمعاملة الناس معه ولم يكن صلى اللّه عليه وسلم فاحشا ولا صخابا فى الاسواق ولا يجزى السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح كذا فى الكواشى -روى- انه لما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( كيف يا رب والغضب ) فنزل قوله تعالى ٢٠٠ { واما } كلمتان ان التى هى للشرط وما التى هى صلى زائدة { ينزغنك } النزغ والنخس الغرز يقال نزعه طعن فيه ونزع بينهم افسد واغرى ووسوس ونخس الدابة غرز مؤخرها او جنبها بعود ونحوه { من الشيطان نزغ } اى مازغ كرجل عدل بمعنى عادل وشبهت وسوسته ما على خلاف ما امرت بع من اعتراء غضب او نحوه { فاستعذ باللّه } فالتجئ اليه تعالى من شره واعتصم { انه } تعالى { سميع } يسمع استعاذتك به قولا { عليم } يعلم تضرعك اليه قلبا فى ضمن القول او بدونه فيعصمك من شره قال فى البحر وختم بهاتين الصفتين لان الاستعاذة التى تكون باللسان لا تجدى الا باستحضار معناها. فالمعنى سميع للاقوال سميع بما فى الضمائر واختلفوا هل المراد الشسطان او القرين فقط والظاهر انه فى حقنا القرين قال اللّه تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } وفى حق رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم ابليس اما نحن فلان الانسان لايؤذيه من الشياطين الا ما قرن به وما بعده فلا يضر شيأ والعاقل لا يستعيذ ممن لا يؤذيه واما الرسول صلى اللّه تعالى عليه وسلم فان قرينه قد اسلم فلا يستعيذ منه فالاستعاذة حينئذ من غيره وغيره يتعين ان يكون ابليس او اكابر جنوده لانه قد ورد فى الحديث ( ان عرش ابليس على البحر الاخضر وجنوده حوله واقربهم اليه اشدهم بأسا ويسأل كلا منهم عمله واغوائه ولا يمسى هو الا فى الامور العظام ) والظاهر ان امر رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم من اهم المهمات عنده فلا يؤثر به غيره من ذريته كما ورد ( ان عدو اللّه ابليس جاء بشهاب من نار ليجعله فى وجهى فقلت اعوذ باللّه منك ثلاث مرات ثم قلت العنك بلعنة اللّه التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم اردت اخذه واللّه لولا دعوة اخينا سليمان لاصبح موثقا يلعب به ولدان اهل المدينة ) والدعوة قوله { رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لاحد من بعدى } وانما لم يشهده ولم يأخذن ولم يأخذه لان التسخير التام مختص بسليمان عليه السلام فان قلت لم لم يمنع ابليس عن النبى صلى اللّه عليه زسلم كما منع به عن السماء الشياطين قلت ان اللّه تعالى جعل اكثب الاشياء كذلك يمنع بها ولا يمنع عنها ألا ترى ان الليل يمنع النهار والنهار يمنع الليل ولا يمنع عنهما النور والظلمة وكذلك احياء الموتى لعيسى عليخ السلام ولم يمنع عنه الموت وايضا لما منع الشياطين عن السماء ظنوا انهم لا يقدرون على محمد صلى اللّه تعالى عليه وسلم فسلطهم عليه ثم عصمه منهم ليعلموا انه ليس بايديهم شىء وقال النيسابورى اراد ان يظهر لخلقه ام غيره مقهور غير معصوم ولا قاهر الا اللّه تعالى وعن بعض العلماء ان الخطاب فى قوله { واما ينزغنك } وان كان للنبى عليه السلام الا ام المراد امته وتشريع الاستعاذة لهم يقول الفقير حفطه اللّه القدير يعضده ما قال بعض الاولياء من امته وهو ابو سليمان الدارانى قدس سره ما خلق اللّه خلقا اهون على من ابليس لولا ان اللّه امرنى ام أتعوذ منه ما تعوذت منه ابدا وما قال البعض الآخر حين قيل له كيف مجاهدتك للشيطان وما الشيطان نحن قوم صرفنا هممنا الى اللّه فطفانا من دونه فاذا كان هذا حال الولى فما ظنك يحال النبى ويدل عليه ايضا كلمة ان الدالة على عد الجزم واعلم ام الغضب لغير اللّه من نزغات الشيطان وانه بالاستعاذة يسكن -روى- انه صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلا يخاصم اخاه قد احمر وجهه وانتفخت او داجه من الغضب فقاب عليه السلام ( انى لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال اعوذ باللّه من الشيطان لذهب عنه ما يجده ) وفى الحديث ( ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفأ النار بالماء فاذا غضب احدكم فليتوضأ ) وفى المثنوى جون زخشم آتش تودر دلها زدى ... مايه نار جهنم آمدى آتشت اينجاجه آدم سوز بود ... آنجه ازوى زاد مرد افروز بود آتش توقصد مردم ميكند ... نار كزوى زاد برمردم زند اين سخنهاى جومار وكزدست ... مار وكزدم كشت وميكردد دمت خشم توتخم سعير ودوزخست ... هين بكش اين دوزراكين فخست وفى الحديث ( لما اراد اللّه ان يخلق لابليس نسلا وزوجة القى عليه الغضب فطارت منه شظية من نار فخلق منها امرأته ) كذا فى حياة الحيوان والاشارة { خذ العفو } اى تخلق بخلق اللّه فان العفو من اخلاقه تبارك وتعالى { وائمر بالعرف } اى بالمعروف وهو طلب الحق تعالى لانه معروف العارفين { وأعرض عن الجاهلين } يعنى عن كل ما يدعوك الى غير اللّه عمن يطلب ما سوى اللّه فان الجاهل هو الذى لا يعرف اللّه ولا يطلبه والعالم من يطلبه { واما ان ينزغنك من الشيطان نزغ } فى طلب غير اللّه { فاستعذ باللّه } من غير اللّه بان تفر الى اللّه وتترك ما سواه { انه سميع } يسمه القول والاجابة لما تدعوه اليه { عليم } بما ينفعك ويضرك فيسمع ما ينفعك دون ما يضرك كذا فى التأويلات النجمية ٢٠١ { ان الذين اتقوا } اى اتصفوا بوقاية انفسهم ما يضرها { اذا مسهم طائف من الشيطان } ادنى لمة منه وهى الوسوسة والمس. والطائف اسم فاعل من طاف يطوف اذا دار حول الشئ كأنها تطوف وتدول حولهم لتوقع بهم او من طاف به الخيال يطيف طيفا اى الم فالطائف بمعنى الجائى والنازل. وفى الصحاح طيف الخيال مجيئه فى النوم وطيف من الشيطان وطائف منه لمم منه والخيال فى الاصل اسم بمعنى التخيل وارتسام الصورة فى محل القوة المتخيلة ويطلق على نفس تلك الصورة وطيفه نزوله فى محل المتخيلة { تذكروا } اى ما امر به ونهى عنه وقال المولى ابو السعود اى الاستعاذة به تعالى والتوكل عليه { فاذا هم } بسبب ذلك التذكر { مبصرون } مواقع الخطأ ومكائد الشيطان فيتحرزون عنها ولا يتبعونه فيها ٢٠٢ { واخوانهم } اى اخوان الشياطين وهم المنهمكون فى الغى المعرضون عن وقاية انفسهم عن المضمار فضميرا اخوانهم للشيطان والجمع لكون المراد به الجنس { يمدونهم فى الغى } اى يكون الشياطين مددا لهم فيه ويعضدونهم بالتزيين والحمل عليه والغى والضلال { ثم لا يقصرون } اى لا يمسكون عن الاغواء حتى يردونهم بالكلية يقال اقصر عن الشئ اذا كف عنه وانتهى فعلى العاقل مباعدة أهل الطغيان ومجانبة وسوسة الشيطان - حكى - ان بعض الاولياء سأل اللّه تعالى ان يريه كيف يأتى الشيطان ويوسوس فاراه الحق تعالى هيكل الانسان فى صورة بلور وبين كتفيه خال اسود كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو فى صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء من بين الكتفين فادخل خرطومه قبل قلبه فوسوس اليه فذكر اللّه تعالى فخنس ورآه ولذلك سمى بالخناس لانه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر فى القلب ولهذا السر الالهى احتجم صلى اللّه تعالى عليه وسلم بين كتفيه وامر بذلك ووصاه جبريل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لنه يجرى وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام اشارة الى عصمته عليه السلام من وسوسته لقوله عليه السلام ( اعاننى اللّه عليه فاسلم ) اى بالختم الالهى ايده وخصه وشرفه وفضله بالعصمة الكلية فاسلم قرينه وما اسلم قرين آدم فوسوس اليه لذلك واعلم ان اصل الخواطر اثنان ما يكون بالقا الملك وما يكون بالقاء الشيطان والفرق ام كل ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغائلة اى الآفة فى العاقبة ولا يكون سريع الانتقال الى غيره ويحصل بعده توجه تام الى الحق ولذة عظيمة مرغبة فى العبادة فهو ملكى وبالعكس شيطانى قال بعضهم قد يلبس الشيطان ويرى الباطل فى صورة الحق فاجمع المشايخ على ان من كان قوته من الحرام لا يفرق بين الخواطر الملكية والشيطانية بل منهم من قال من كان قوته غير معلوم لا يفرق بينهما : وفى المثنوى طفل جان ازشير شيطان بازكن ... بعد ازانش باملك انبار كن تاتو تارك وملول وتيره ... دانكه باديو لعيم همشيره لقمه كان نور افزود وكمال ... آن بود آورده از كسب حلال جون زلقمه توحسد بينى ودام ... جهل وغفلت زايد آنرادان حرام زايد ازلقمه حلال اندر دهان ... ميل خدمت عزم رفتن آن جهان قال حضرة شيخنا الفريد امده اللّه بالمزيد فى كتاب اللائحات البرقيات الملك الموكل بامر اللّه على قلوب اهل الحق يلقى اليهم دائما فاذا مسهم طائف من الشيطان فيذكرهم بذلك الطائف الشيطانى فهم يتذكرون ويبصرون ويمحون والشيطان المتسلط بخذلان اللّه على صدور اهل الباطل يلقى اليهم الباطل دائما فاذا هو مسهم طائف من الرحمن فينسيهم ذلك فهم لا يتذكرون ولا يبصرون ولا يمحون فالشان الرحمانى دائما اراءة الحق حقا والباطل باطلا والشان الشيطانى اراءة الحق باطلا والباطل حقا وهذا هو السر والحكمة فى كون عباد الرحمن هادين ومهديين وعباد الشيطان ضالين ومضلين لان الاراءة الاولى هى الهداية بعينها والثانية هى الاضلال بعينه والاضلال لا بد من انه يستلزم الضلال كما ان الهداية لا بد من انها تستلزم الاهتداء انتهى كلامه قال فى التاويلات النجمية { ان الذين اتقوا } هم ارباب القلوب والتقوى من شان القلب كما قال عليه الصلاة والسلام ( التقوى ههنا ) واشار الى صدوره التقوى نور يبصرون به الحق حقا والباطل باطلا فلذا قال { اذا مسهم طائف من الشيطان } اى اذا طاف حول القلب التقى النقى نوع طيف من عمل الشيطان براه القلب بنور التقوى ويعرفه فيتذكر انه يفسده ويكدر صفاءه ويقيسه فيجتنبه ويحترز منه فذلك قوله { تذكروا فاذا هم مبصرون واخوانهم يمدونهم فى الغى } يعنى النفوس اخوان القلب فان النفس والقلب توأمان ولدا من ازدواج الروح والقالب فالقلب يمد النفس فى الطاعة ولولا ذلك ما صدر من القلب معصية لنه حبل على الاطمئنان بذكر اللّه وطاعته { ثم لا يقصرون } لا يسأم كل واحد منهما من فعله ولا يدع ما جبل عليه لئلا يأمن من ارباب القلوب من كيد النفوس ابدا ولا يقنط ارباب النفوس المسرفين على انفسهم من رحمة اللّه من اصلاح احوال قلوبهم ٢٠٣ { واذا لم تأتهم } اى اهل مكة { بآية } من القرآن عند تراخى الوحى او بآياته مما اقترحوه كقولهم احى لنا فلانا الميت يكلمنا ويصدقك فيما تدعونا اليه ونحو ذلك { قالوا لولا اجتبيتها } اجتبى الشئ بمعنى حباه لنفسه اى جمعه. فالمعنى هلا جمعتها من تلقاء نفسك تقولا كسائر ما تقرأه من القرآن فانهم يقولون كله افك او هلا ميزتها واصطفيتها عن سائر مهماتك وطلبتها من اللّه تعالى فيكون الاجتباء بمعنى الاصطفاء { قل } ردا عليهم { انما اتبع } اى ما افعل الا اتباع { ما يوحى الى من ربى } لست بمختلق للآيات ولست بمقترح لها { هذا } القرآن { بصائر من ربكم } بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحق وتدرك الصواب اخبر عن المفرد بالجمع لاشتماله على سور وآيات { وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } اذ هم المقتبسون من انواره والمغتنمون من آثاره والجملة من تمام القول المأمور به وفى الآية اشارة الى انه كما ان النبى يتبع الوحى الالهى كذلك الولى يتبع الالهام الربانى فلا قدرة على تزكية النفوس الا بالوحى والالهام وايضا لو لم يتبع الهدى لكان اهل هوى غير صالح للارشاد وخائنا والخائن لا يكون امينا على اسرار النبوة والولاية وعن بعض اهل العلم قال كنت بالمصطبة واذا برجلين يتكلمان فى الخلوة مع اللّه تعالى فلما ارادا ان ينصرفا قال احدهما للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال اعزم على ما شئت فقال عزمت على ان لا آكل ما للمخلوق فيه صنع قال فتتبعها فقلت انا معكما فقالا على الشرط قلت على اى شرط شرطتما فصعدا جبل لكام ودلانى على كهف وقالا تعبد فيه وجعل كل واحد منهما يأتينى بما قسم اللّه تعالى وبقيت مدة ثم قلت الى متى اقيم ههنا اسير الى طرطوس وآكل من الحلال واعلم الناس العلم واقرأ القرآن فخرجت ودخلت طرسوس واقمت بها سنة واذا انا برجل منهما وقد وقف على وقال يا فلان خنت فى عهدك ونقضت الميثاق اما انك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذى وهب لكما قال ثلاثة اشياء طى الارض من المشرق الى المغرب بقدم واحد والمشى على الماء والحجبة اذا شئتما ثم احتجب عنى فقلت بالذى وهب لكما هذا الخال ألا ما ظهرت لى فقد شويت قلبى فظهر وقال سل فقلت هل لى الى ذلك الحال عودة فقال هيهات لا يؤمن الخائن : قال الحافظ وفامجوى زكس ورسخن نمى شنوى ... بهرزه طالب سيمرغ وكيميا ميباش وفى الحكاية اشارة الى ان اللّه تعالى يمن على من يشاء - حكى - ان الشيخ جوهر المدفون فى عدن كان مملوكا فعتق وكان يبيع ويشترى فى السوق ويحضر مجالس الفقراء ويعتقدهم وهو امى فلما حضرت قال الذى يقع على رأسه الطائر الاخضر فى اليوم الثالث من موتى عندما يجتمع الفقراء فلما توفى اجتمع الفقراء عند قبره ثلاثة ايام فلما كان اليوم الثالث وفرغوا من الذكر والقرآن قعدوا ينتظرون ما وعدهم الشيخ واذا بطائر اخضر وقع قريبا منه فبقى كل واحد من كبار الفقراء يترجى ذلك ويتمناه فيتمناهم كذلك اذا باطائر قد طار ووقع على رأس الشيخ جوهر ولم يكن يخطر له ولا لاحد من الفقراء يترجى ذلك ويتمناه فيتمناهم كذلك اذا بالطائر قد طار ووقع على رأس الشيخ جوهر ولم يكن يخطر له ولا لاحد من الفقراء ذلك فقام اليه الفقراء ليزفوه الى زاوية الشيخ وينزلوه منزلة المشيخة فبكى وقال كيف اصلح للمشيخة وانا رجل سوقى وانا لا اعرف طريق الفقراء وآدابهم وعلى تبعات وبينى وبين الناس معاملات فقالوا له هذا امر سماوى ولا بد لك منه واللّه يتولى تعليمك فقال امهلونى حتى امضى الى السوق وابرأ من حقوق الخلق فامهلوه فذهب الى دكانه ووفى كل ذى حق حقه ثم ترك السوق ولزم الزاوية ولازمه الفقراء فصار جوهر كاسمه : قال الحافظ طالب لعل وكهر نيست وكنه خورشيد ... همجنان در عمل معدن وكانست كه بود وقال كوهر باك ببايد كه شود قابل فيض ... ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود ولما عظم سبحانه وتعالى شأن القرآن { بقوله هذا بصائر للناس } اردفه بقوله ٢٠٤ { واذا قرئ القرآن } الذى ذكرت شؤونه العظيمة { فاستمعوا له } استماع قبول وعمل ما فيه فان شأنه يوجب الاستماع مطلقا ولما فى الافتعال من التصرف والسعى والاعتمال فى ذبك الفعل فرقوا بين المستمع والسامع بان المستمع من كانح قاصدا للسماع مصغيا اليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد اليه فكل مستمع سامع من غير عكس { وانصتوا } اى واسكتوا فى خلال القراءة وراعوها الى انقضائها تعظيما وتكميلا للاستماع والفرق بين الانصات والسكوت ان الانصات مأخوذ فى مفهومه الاستماع والسكوت فلا يقتصر فى معناه على السكوت بخلاف السكوت { لعلكم ترحمون } اى تفوزو بالرحمة التى هى اقصى ثمراته قال ابن عباس رضى اللّه عنها كان المسلمون قبل نزول هذه الآية يتكلمون فى الصلاة ويأمرون بحوائجهم ويأتى الرحل الجماعة وهم يصلون فيسألهم كم صليتم وكم بقى فيقولون كذا فانزل اللّه تعالى هذه الآية وامرهم بالانصات عند الصلاة بقراءة القرآن لكونها اعظم اركانها استدل الامام ابو حنيفة بهذه الآية على انصات واجب وان وان قراءة المأموم فلا يقرأ خلف الامام سواء اسر الامام ام جهر لانه تعالى اوجب عليه امرين الاستماع والانصات فاذا فات الاستماع بقى الانصات واجبا وجه الاستدلال ان المراد بالانصات المأمور به وان كان هو النهى عن الكلام لا عن القراءة لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على ان جماعة من المفسرين قالوا ان هذه الآية نزلت فى الصلاة خاصة حين كانوا يقرأون القرآن خلفه عليه السلام وجعله الحدادى فى تفسيره اصح قال فى الاشباه اسقط ابة حنيفة القراءة عن المأموم مكروهة كراهة التحريم وهو الاصح كما فى شرح المجمع لابن مالك قال رضى اللّه عنه من قرأ خلف الامام فقد اخطأ الفطرة اى السنة -يحكى- ان جماعة من اهل السنة جاؤا الى ابى حنيفة رضى اللّه عنه ليناظروه فى القراءة خلف الامام ويبكتوه ويشنعوا عليه فقال لا يمكننى مناظرة الجميع ففوضوا امر المناظرة الى اعلمكم لاناظره فاشاروا الى واحد فقال هذا اعلمكم فقالوا نعم قال والمناظرة معه مناظرة لكم قالوا نعم قال والالزام عليه كالالزام عليكم قالوا نعم قال وان ناظرته والزمته الحجة فقد لزمتكم الحجة قالوا نعم قال وكيف قالوا لانا رضينا به اماما فكان قوله قولنا فقال ابو حنيفة فنحن لما اخترنا الامام فى الصلاة كانت قراءته قراءة لنا وهو ينوب عنا فاقروا له بالالزام. قال الفقهاء المطلوب من القراءة التدبر والتفكر والعمل به ولا يحصل ذلك بالاستماع والانصات فيجب على المؤتم ذلك وهو كالخطبة يوم الجمعة لما شرعت وعظا وتذكيرا وجب الاستماع ليحصل فائدتها لا ان يخطب كل لنفسه بخلاف سائر الاركان لانها شرعت للخشوع ولا يحصل لهم الخشوع الا بالسجود معه والركوع اعلم ان ظاهر النظم الكريم يقتضى وجوب الاستماع والانصات عند قراءة القرآن فى الصلاة وغيرها وعامة العلماء على استحبابها خارج الصلاة كما فى التفاسير قال الحدادى ولا يجب على القوم الانصات لقراءة كل من يقرأ فى غير الصلاة وقال الحلبى رجل يكتب الفقه ويجنبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكن للكاتب الاستماع فالاثم على القارئ لقراءته جهرا فى مواضع اشتغال الناس باعمالهم وعلى هذا لو قرأ على السطح فى الليل جهرا والناس نيام يأثم كذا فى الخلاصة. صبى يقرأ فى البيت واهله مشغولون بالعمل يعذرون فى ترك الاستماع لن افتتحوا العمل قبل القراءة والا فلا. وكذا قراءة الفقه عند قراءة القرآن ولو كان القارئ فى المكتب واحدا يجب على المارين الاستماع وان اكثر ويقع الخلل فى الاستماع لا يجب عليهم. ويكره للقوم ان يقرأوا القرآن جملة لتضمنها وترك الاستماع والانصات. وقبل لا بأس به والاصل فيه ان الانصات والاستماع للقرآن فرض كفاية على ما حققه الحلبى فى الشرح الكبير قال فى القنية ولا بأس باجتماهم على قراءة الاخلاص جهرا عند ختم القرآن ولو قرأ واحد واستمع الباقون فهو اولى. ورجل يكتب من الفقه او يكرر منه وغيره يقرأ القرآن لا يلزمه الاستماع لان النبى عليه السلام دخل على اصحابه وهم فى المسجد حلقتان حلقة فى مذاكرة الفقه وحلقة فى قراءة القرآن وجلس فى حلقة مذاكرة الفقه ولو لزم الاستماع لما فعل ذلك وفيه اشارة فضيلة الفقه ومذاكرته علم دين فقهست وتفسير وحديث ... هركه خواند غير ازين كردد خبيث قال فى نصاب الاحتساب قراءة القرآن فى القبور تكره عند ابى حنيفة وعند محمد لا تكره ومشايخنا اخذوا بقول محمد لكن لا يقرأ جهرا اذا كان اهل المصيبة مشتغلين بالناس فان القراءة جهرا عند قوم مشاغيل مكروهة ثم اعلم انه يدخل فى الآية الخطبة لانها ملتبسة بقراءة القرآن فنعمل بظاهره فى حق قراءة القرآن وفى حق الخطبة وينصت وان صلى الخطيب على النبى صلى اللّه تعالى عليه وسلم لان ذلك جزء من الخطبة فنعمل فيه ما نعمل فى الباقى اذا اذا قرأ صلوا عليه فيصلى المستمع سرا اى فى نفسه وقلبه ولا يحرك لسانه لانه توجه عليه امران صلوا عليه وقوله انصتوا فيصلى فى نفسه وينصت بلسانه حتى يكون آتيا بهما. واختلفوا فى البعيد عن المنبر والاحوط السكوت اقامة لفرض الانصات وان تعذر الاستماع ولان فيه تشبها بالمستعمعين ولان صوت كلامه قد يبلغ الصفوف التى امامه فيشغلهم ويمنعهم عن استماع الخطبة قال فى التتارخانية اذا شرع الخطيب فى الدعاء لا يجوز للقوم رفع الايادى ولا ان يكون بلسانه وكذا فى الصلاة على النبى عليه الصلاة والسلام باللسان جهرا فان فعلوا اثموا ويجوز بالقلب ويجب على العلماء منهم فان لم يمنعوا اثموا وقال فى نصاب الاحتساب ولا يتكلم حال الخطبة وام كان امرا بمعروف او نهيا عن منكر ولو لم يتكلم لكن اشار بيده او بعينه حين رأى منكرا الصحيح انه لا بأس به وفى الحديث ( اذا قلت لصاحبك انصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت ) اى تكلمت بما لا ينبغى قال النووى فيه نهى عن جميع انواع الكلام لان قوله انصت اذا كان لغوا مع انه امر بمعروف فغيره من الكلام اولى وانما طريق النهى هنا الانكار بالاشاره. وفى قوله والامام يخطب اشعار بان هذا النهى انا هو فى حال الخطبة وهو مذهب الشافعى وقال ابو حنيفة يجب الانصات بخروج الامام لقوله عليه السلام ( اذا خرج الامام فلا صلاة ولا كلام ) اى مطلقا سواء خطب او لم يخطب والترجيح للمحرم وقال لا بأس بالكلام اذا خرج الامام قبل ان يخطب واذا فرغ قبل ان يشتغل بالصلاة لان التكلم بما لا اثم فيه انما كره للاستماع اذ الكلام يخل بفرض استماعها ليقصر على حال الخطبة اذ لا استماع قبلها وبعدها وفى القنية الكلام فى خطبة العيدين لقوله عليه السلام ( يوم العيد من شاء منكم ان يخرج فليخرج ) والحاصل انه اذا خرج الامام حرم كلام الناس والناقلة اما الفائتة فلا كراهة فى قضائها وقت الخطبة نص عليه فى النهاية وكذا التسبيح ونحوه جائز بالاتفاق قال فى الاشباه خرج الخطيب بعد شروعه متنفلا قطع على رأس الركعتين يعنى ان يصلى ركعة ضم اليها اخرى وسلم كما فى الكافى وان كان الشرع فى الشفع الثانى اتمه كما فى الاختيار ولو كان شرع فى سنة الجمعة يتمها اربعا على الصحيح كما فى الاشباه وغيره وعبارة الخروج واردة علىعادة العرب لانهم يتخذون للامام مكانا خاليا تعظيما لشانه فيخرج منه حين اراد الصعود الى المنبر واما القاطع عن الصلاة والكلام فى ديارنا فهو قيام الامام للصعود قال فى التأويلات النجمية الانصات شرط فى حسن الاستماع وحسن الاستماع شرط فى الاسماع والاشارة { انصتوا } بألسنتكم الظاهرة لتستمعوا له بآذانكم الباطنة { لعلكم ترحمون } بالاستماع بالسمع الحقيقى وهو قوله ( كنت له سمعا فبى يسمع ) فمن سمع القرآن بسمع بارئه فقد سمع من قارئه وهذا سر { الرحمن علم القرآن } قال المولى الجامى كوينده سنائى غزنوى است عجب نبودكه ازقر آن نصيب نيست جز حرفى ... كه ازخرشيد جز كرمى نبيند جشم نابينا ٢٠٥ { واذكر } يا محمد { ربك } ويجوز ان يكون المراد جميع الخلق والذكر طرد الغفلة ولذا لا يكون فى الجنة لانها مقام لحضور الدائم { فى نفسك } وهو الذكر بالكلام الخفى فان الاخفاء ادخل فى الاخلاص واقرب من الاجابة وهذا الذكر يعم الاذكار كلها من القراءة والدعاء وغيرها كما قال فى الاسرار المحمدية ليس فضل الذكر منحصرا فى التهليل والتسبيح والتكبير والدعاء بل كل مطيع للّه فى عمل فهو ذاكر { تضرعا } مصدر واقع موقع الحال من فاعل اذكر اى متضرعا ومتذللا. والضراعة الخضوع والذل والاسكانة يقال تضرع الى اللّه اى ابتهل وتذلل والابتهال الاجتهاد فى الدعاء واخلاصه قال بعض العارفين باللّه الصلاة افضل الحركات والصوم افضل السكنات والتضبع فى هياكل العبادات يحل ما عقدته الافلاك الدائرات لو لم ترد نيل ما ارجو واطلبه ... من فضل جودك ما علمتنى الطلبا { وخيفة } بكسر الخاء اصلها خوفه قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها اى وحال كونك خائفا قال ابن الشيخ وهذا الخوف يتناول خوف التقصير فى الاعمال وخوف الخاتمة وخوف السابقة فان ما يكون فى الخاتمة ليس الا ما سبق به الحكم فى الفاتحة ولذلك قال عليه السلام ( جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة ) انتهى يقول الفقير هذا بالنسبة الى ام يكون المراد بالخطال فى الآية هو الامة والا فالانبياء بل وكمل الاولياء آمنون به من خوف الخاتمة والفاتحة نعم لهم خوف لكن من نوع آخر يناسب مفامهم ولما كان اكمل احوال الانسان ان يظهر عزة ربوبية اللّه وذلة عبودية نفسه امر اللّه بالذكر ليتم المقصود الاول وقيده لاتضبع والخيفة ليتم المقصود الثانى اى خنك آنراكه ذلت نفسه ... آنكسى راكه بردى رفسه { ودون الجهر من القول } صفة لمحذوف هو الحال اى ومتكلما كلاما هو دون الجهر فانه اقرب الى حسن التفكر فمن ام فى صلاة الجهر ينبغى له ان لا يجهر جهرا شديدا بل يقتصر على قدر ما يسمعه من خلفه قال فلا الكشف لا يجهر فوق حاجة الناس والا فهو مسيئ. والفرق بين الكراهة والاساءة هو ان الكراهة افحش من الاساءة ولما رأى رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم عمر رضى اللّه عنه يقرأ رافعا صوته فسأله فقال اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال عليه السلام ( اخفض من صوتك قليلا ) واتى ابا بكر رضى اللّه عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد اسمعت من ناجيت فقال عليه السلام ( ارفع من صوتك قليلا ) وقد جمع النووى بين الاحاديث الواردة فى استحباب الجهر بالذكر بالذكر والواردة فى استحباب الاسرار به بان الاخفاء افضل حيث خاف الرياء او تأذى المصلون او النائمون والجهر افضل فى غير ذلك لان العمل فيه اكثر ولان فائدته تتعدى الى السامعين ولانه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط وبالجملة ان المختار عند الاخيار ان المبالغة والاستقصاء فى رفع الصوت بالتكبير فى الصلاة ونحوه مكروه والحالة الوسطى بين الجهر والاخفاء مع التضرع والتذلل الاستكانة الخالية عن الرياء جائز غير مكروه باتفاق العلماء كذا فى انوار المشارق وقد سبق من شارح الكشاف ان الشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لتنقلع من قلبه الخواطر الراسخة فيه { بالغدو والآصال } متعلق باذكر اى اذكره فى هذين الوقتين وهما البكرات والعشيات فان الغدو جمع غدوة وهى ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس. والآصال جميع اصيل وهو الوقت بعد العصر الى المغرب والعشى والعشية من صلاة المغرب الى العتمة وخص هذان الوقتان لان فيهما تتغير احوال العالم تغيرا عجيبا يدل على ان المؤثر فيه هو الاله الموصوف بالحكمة الباهرة والقدرة القاهرة فكل من شاهد هذه التغيرات ينبغى له ان يذكر المؤثر فيها بالتضرع والابتهال والخوف من تحويل حاله الى سوء الحال. وقيل الغدو والآصال عبارتان عن الليل والنهار اكتفى عن ذكرهما بذكر كرفيهما والمراد بذكره تعالى فيهما المواظبة عليه بقدر الامكان { ولا تكن من الغافلين } عن ذكر اللّه تعالى امر اولا بان يذكر ربه على وجه يستحضر فى نفسه معانى الاذكار التى يقولها بلسانه فان المراد بذكر اللّه فى نفسه يذكره تعالى عارفا بمعانى ما يقول لمن الاذكار ثم اتبعه بقوله { ولا تكن من الغافلين } للدلالة على ان الانسان ينبغى له ان لا يغفل قلبه عن استحضار جلال اللّه تعالى وكبريائه وفى الحديث ( الا انبئكم بما هو خير لكم وافضل من ان تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويتضرعوا رقابكم ذكر اللّه ) اى ما هو خير لكم مما ذكر ذكر اللّه سبحانه لان ثواب الغزو والشهادة فى سبيل اللّه حصول الجنة والذاكر جليس الحق تعالى كما قال ( انا جليس من ذكرنى ) والجليس لا بد ان يكون مشهودا فالحق مشهود الذاكر وشهود الحق افضل من حصول الجنة ولذلك كانت الرؤية بعد حصول الجنة وكمال تلك النعمة. والذكر المطلوب من العبدان يذكر اللّه باللسان ويكون حاضرا بقلبه وروحه وجميع قواه بحيث يكون بالكلية متوجها الى ربه فتنتفى الخواطر وتنقطع احاديث النفس عنه. ثم اذا داوم عليه ينتقل الذكر من لسانه الى قلبه ولا يزال يذكر بذلك حتى يتجلى له الحق من وراء استار غيوبه فينور باطن العبد بحكم { واشرقت الارض بنور ربها } ويعده الى التجليات الصفاتية والاسمائية ثم الذاتية فينفى العبد فى الحق فيذكر الحق نفسه بما لا يليق بجلاله وجماله فيكون الحق ذاكرا ومذكورا وذلك بارتفاع الثنوية وانكشاف الحقيقة الاحدية كذا فى شرح الفصوص لداود القيصرى فى الكلمة اليونسية جون تجلى كرد اوصاف قديم ... بس بسوزد وصف حادث را كليم واعلم ان من اشتغل باسم من الاسماء وداوم فيه فلا ريب ان يحصل بينه وبين سر هذا الاسم المشتعل به وروحه بعناية اللّه تعالى وفضله مناسبة ما بقدر الاشتغال ومتى قويت تلك المناسبة وكملت بحسب قوة الاشتغال وكماله يحصل بينه وبين مدلوله من الاسماء الحقية بواسطة هذه المناسبة الحاصلة مناسبة بقدرها قوة وكمالا ومتى بلغت الى حد الكمال ايضا هذه المناسبة الثانية الحاصلة بينه وبين هذا الاسم بجد الحق سبحانه وعطائه يحصل بينه وبين مسماه الحق تعالى مناسبة بمقدار المناسبة الثانية من جهة القوة والكمال لان العبد بسبب هذه المناسبة يغلب قدسه على دنسه ويصير مناسبا لعالم القدس بقدر ارتفاع حكم الدنس فحينئذ يتجلى الحق سبحانه له من مرتبة ذلك الاسم بحسبها وبقدر استعداده ويفيض عليه ما شاء من العلوم والمعارف والاسرار الالهية والكونية حسبما يقتضيه الوقت ويسعه الموطن وتستدعيه القابلية فيطلع بعد ذلك على ما لم يطلع عليه قبله فيحصل له العلم والمعرفة بعد الجهل والغفلة كذا فى حواشى تفسير الفاتحة لحضرة شيخنا الاجل امدنا اللّه بمدده الى حلول الاجل واتفق المشايخ والعلماء باللّه على من لا ورد له لا وارد له وانقطاعه عن بعض ورده بسبب من الاسباب سوى السفر والمرض والهرم والموت علامة البعد من اللّه تعالى والخذلان. فينبغى لمن كان له ورد ففاته ذلك ان يتداركه ويأتيه به ولو بعد اسبوع ومن هنا تقضى الصوفية التهجد مع انه ليس من الفرائض والسر فى هذا ان المراد من الاوراد بل من سائر العبادات تغيير صفات الباطن وقمع رذائل القلب وآحاد الاعمال يقال آثارها بل لا يحس بآثارها وانما يترتب الاثر على المجموع واذا لم يكن يعقب العمل الواحد اثر محسوسا ولم يردف بثان وثالث على القرب والتوالى انمحى الاثر الاول ايضا ولهذا السر قال صلى اللّه عليه وسلم ( احب الاعمال الى اللّه ادومها وان قل ) اى العمل وقال ابن مالك وانما كان العمل الذى يداوم عليه احب لان النفس تألف به ويدوم بسببه الاقبال على اللّه تعالى ولهذا ينكر اهل التصوف ترك الاوراد كما ينكرون ترك الفرائض انتهى قال بعض العلماء باللّه لا يستحقر الورد الا جهول يعنى بحق ربه وحظ نفسه ووجهه وصوله اليهما ان الوارد يوجد فى الدار الآخرة على حسب الورد اذ جاء فى الحديث ( ان اللّه تعالى يقول ادخلوا الجنة برحمتى وتفاسموا باعمالكم ) والورد ينطوى بانطواء هذه الدار فيفوت ثوابه بحسب فواته اذ هو مرتب عليه. واولى ما يعتنى به عند العقلاء الاكياس ما لا يخلف وجوده ان تذهب فائدته فاذا تعللت نفسك بعدم طلب الثواب فقل لها الورد هو طالب ذكره منك اذ هو حق العبودية وان ركنت الى طلب العوض فقل والوارد انت تطلبينه منه لا من حظ نفسك واين ما هو طالبه منك من واجب حقه مما هو مطلبك منه من غرضك وحظم فطب نفسا بالعمل لمولاك وسلم له به يتولاك فقد قالوا كن طالب الاستقامة ولا تكن طالب الكرامة فان نفسك تهتز وتطلب الكرامة ومولاك يطالبك بالاستقامة ولان تكون بحق ربك اولى لك من ان تكون بحظ نفسك : قال الحافظ صحبت حور نخواهم كه بزود عين قصور ... باخيال توا اكر با دكرى بردازم قال فى التأويلات النجمية { واذكر ربك فى نفسك } اى اذكره بالافعال والاخلاق والذات فى نفسك بان تبدل افعال تفسك بالاعمال التى امر اللّه بها وتبدل اخلاقها باخلاق اللّه ونفى ذاتها فى ذات اللّه وهذا كما قال { وان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى } وهو سر قوله { فاذكرونى اذكركم } ألا ترى ان الفراش لما ذكر الشمعة فى نفسه بافناء ذاته فى ذاتها كيف ذكرته الشمعة بابقائه ببقائها على ان تلك الحضرة منزهة عن المثل والمثال { تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول } التضرع من باب التكلف اى بداية هذا الذكر بتبديل افعال النفس باعمال الشريعة تكون بالتكلف ظاهرة وسطه بالتخلق باخلاق اللّه وبآداب الطريقة يكون مخفيا باطنا ونهايته بافناء ذاتها فى ذاته بانوار الحقيقة تكون منهيا عن جهر القول بها وهذا حقيقة قوله عليه السلام ( افشاء سر الربوبية كفر ) { بالغدو والآصال } يشير الى غدو الازل وآصال الابد فان الذكر الحقيقى والذاكر والمذكور فى الحقيقة هو اللّه لازلى الابدى لانه تعالى قال فى الازل { فاذكرونى اذكركم } ففى الازل ذكرهم لما خاطبهم وكان هو الذاكر والمذكور على الحقيقة على انا نقول ما ذكره الا هو وهذا حقيقة قول يوسف بن حسين الرازى ما ذكر احد اللّه الا اللّه ولهذا قال تعالى { ولا تكن من الغافلين } الذين لا يعلمون ان الذاكر والمذكور هو اللّه فى الحقيقة انتهى ما فى التأويلات النجمية ٢٠٦ { ان الذين } قال الكاشفى [ آورده اندكه كفار مكه تعظم ميكردند از سجده نمودن مرخدايرا وتنفر نموده ميكفتند { أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا } [ حق سبحانه وتعالى مبفرمايد اى محمدا اكركافران ازسجود من سركشى ميكنند بدرستى آنانكه ] { عند ربك } اى الملائكة المقربين لديه قرب الشرف والمكانة لا قرب المسافة والمكان { لا يستكبرون } [ كردن نمى كشند ] { عن عبادته } بل يؤدونها حسبما امروا به { ويسبحونه } اى ينزهونه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه { وله } تقديم الجار على الفعل للحصر { يسجدون } اى يخصونه بغاية العبودية والتذلل لا يشركون به شيأ وهو تعريض بسائر المكلفين ولذلك شرع السجود عند قراءتها واعلم ان السجدة نهاية الخضوع وانما شرعت فى موضع جبرا للنقصان كسجود السهو وفى موضع لمخالفة الكفار والموافقة للمسلمين قال الكاشفى [ سجده تلاوت جهارده موضع است درقرآن واختلاف دردوموضع است يكى در آخر سوره حج بمذهب امام شافعى وامام احمد سجده هست وبمذهب امام اعظم نيست ودوم درسوره ص بمذهب امام اعظم هست لان النبى عليه السلام قرأ سورة ص وسجد وبمذهب باقى ائمه نه ] لان المذكور فيها ركوع لا سجود واختلف فى موضع السجود فى فصلت فعند على رضى اللّه عنه هو قوله { ان كنتم اياه تعبدون } وبه اخذ الشافعى وعند عمر وابن مسعود رضى اللّه عنهما هو قوله { لا يسأمون } فاخذنا به احتياطا فان تأخير السجدة لازم لا تقديمها [ ونزدامام اعظم سجدة تلاوت برخواننده وشنونده درنماز وغير نماز واجبست درحال واكر فوت شود قضا لازمست وبمذهب ائمه ديكر سنت وقضا لازم نه ] ويكره تأخير السجدة من غير ضرورة ويستحب ان يقوم القاعد فيكبر ويسبح تسبيح الصلاة ويكبر ويقوم ثم يقعد لكون الخرور فيه اكمل. وقوله تسبيح الصلاة اى يقول ( سبحان ربى الاعلى ) ثلاثا وهو الاصح وقيل يقول ( يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك وطاعتك ) وهو مختار صاحب الاسرار المحمدية ويروى فيه عن نفسه سماع هاتف يأمره بالدعاء بذلك وكان صلى اللّه عليه وسلم يقول فى سجود التلاوة ( سجد وجهى للذى خلقه وصوره فاحسن صورته وشق سمعه وبصره بحوله وقوته ) يقولها مرارا ثم يقول ( فتبارك اللّه احسن الخالقين الهم اكتب لى بها عندك اجرا وضع عنى بها وزرا واجعلها لى عندك ذخرا وتقبلها منى كما تقبلت من عبدك داود عليه الصلاة والسلام ) قال ابن فخر الدين الرومى ان قرأ سجدة سبحان ضماليها ما ذكره سبحانه وتعالى عن الطائفة الساجدين واستحسن عنهم بقوله { سبحان ربنا ان كان وعد ربنا مفعولا } وان قرأ آية التنزيل والاعراف قال ( اللّهم اجعلنى من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك واعوذ بك ان اكون من المستكبرين عن امرك ) وان رأ الم السجدة قال ( اللّهم اجعلنى من عبادك المنعم عليهم المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة كتابك ) وان قرأ سجدة والنجم قال ( اللّهم اجعلنى من الباكين اليك الخاشعين لك ) وكذا فى غيره قال المولى اخى جلبى وان لم يذكر فيها شيأ اجزأه لانها لا تكون اقوى من السجدة الصلاتية ويستحب للسامع ان يسجد مع التالى ولا يرفع رأسه قبل لانه بمنزلة امامه ويشترط نية السجود للتلاوة لا التعيين حتى لو كان عليه سجدات متعددة فعليه ان يسجد عددها وليس له ان يعين ان هذه السجدة لآية كذا وهذه لآية كذا ويستحب للتالى اخفاؤها اذا لم يكن السامع متهيئا للسجود تحرزا عن تأثيمه واذا كان متهيأ يستحب له ان يجهر حثالة على العبادة قال الامام الخبازى فى حواشى الهداية يستحب ان يصلى على النبى عليه السلام كلما ذكر ولا تستحب السجدة كلما تليت الآية اذا كان المجلس واحدا والفرق ان الرسول عليه السلام محتاج والرب عز وجل غير محتاج قال الامام محمد بن العربى قدس سره فى روح القدس له اعلم ان لاشيء انكأ على ابليس من ابن آدم فى جمبع احواله فى صلاته من سجوده لانه خطيئته فكثرة السجود وتطويله يحزن الشيطان معصيته فيحزن فيشتغل بنفسه عنك ولهذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( اذا قرأ ابن آدم السجد فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويلتى امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وامرت بالسجود فابيت فلى النار ) فالعبد فى سجوده معصوم من الشيطان غير معصوم من النفس فخواطر السجود كلها اما ربانية او ملكية او نفسية وليس للشيطان عليه من سبيل فاذا قام من سجوده غابت تلك الصفة عن ابليس فزال حزنه فاستغل بك انتهى كلامه يقول الفقير فيه اشارة الى ان الشيطان انما ابى عن السجود لاستكباره فكل من استكبر عنه كالكفار كان الشيطان قرينه فى جميع احواله وكل من تواضع فسجد كالمؤمنين اعتزل عنه الشيطان فى تلك الحال لان فى جميع الاحوال الا ان يزكى نفسه عن رذيلة الكبر يتخلص فى جميع احواله ويكون من العباد المخلصين زينت تو بس كمر بندكى ... تاج تودر سجده سر افكندكى شوم توبادا كه ببالاو بست ... سجده طاعت بردش هرجه هست توكنى از سجده او سر كشى ... به كه ازين شيوه قدم در كشى [ وحضرت شيخ الاسلام قدس سره فرمود سرى كه درو سجودى نيست سفجه به ازدست وكفى كه دروجودى نيست كفجه به ازدست ] ونعم ما قال شرف نفس بجودست وكرامت بسجود ... هركه اين هردو ندارد عدمش به زوجود قال فى التأويلات النجمية { ان الذين عند ربك } يعنى الذين افنوا افعالهم واخلاقهم وذواتهم فى اوامر اللّه واخلاقه وذاته فما بقوا عند انفسهم وانما بقوا ببقاء اللّه عنده { لا يستكبرون عن عبادته } لان الاستكبار من اخلاقهم وقد افنوها فى اخلاقه فما بقى لهم الاستكبار فكيف يستكبرون عن عبادته وقد افنوا افعالهم فى اوامر اللّه وهى عبادته فاعمالهم قائمة بالعبادة لا بالفعل وهم فى حال الفناء عن انفسهم والبقاء باللّه { ويسبحونه } اى ينزهونه عن الحلول والاتصال والاتحاد عن ان يكون هو العبد او العبد اياه بل هو هو كما كان فى الازل لم يكن شيأ مذكورا { وله يسجدون } فى الوجود والعدم من الازل والابد سجدوا له من الازل فى العدم منقادين مسخرين قابلين لاحكام القدرة فى الايجاد للوجود وسجدوا له من الازل فى العدم منقادين مسخرين لاحكام القدرة فى الايجاد للوجود وسجدوا له الى الابد فى الوجود ببذل الموجود منقادين مسخرين قابلين لاحكام القدرة فى تصاريف الاعدام والايجاد والابقاء |
﴿ ٠ ﴾