|
٤٧ { واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار } اى الى جهنم وفى عدم الترعض لتعلق انظارهم باصحاب الجنة والتعبير عن تعلق ابصارهم باصحاب النار بالصرف اشعار بان التعلق الاول بطريق الرغبة والميل والثانى بخلافه وفى تفسير الزاهدى ان الملك يصرف ابصارهم اليهم بامر اللّه تعالى { قالوا } متعوذين باللّه تعالى من سوء حالهم { ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } اى فى النار اى يدعون بذلك خوفا من اللّه تعالى لاجل معاصيهم والقول الثانى فى تعيين اصحاب الاعراف انهم الانبياء اجلسهم اللّه على اعالى ذلك السور تمييزا لهم عن سائر اهل القيامة ليكونوا مشرفين على اله الجنة واهل النار مطلعين على احوالهم ومقادير ثوابهم وعقابهم شاهدين على اممهم وعلى هذا فقوله { لم يدخلوها وهم يطمعون } حال من مفعول نادوا وهو اصحاب الجنة لان طمع دخول الجنة لا يليق باشراف اهل الموقف اى نادى اشراف اهل الموقف وهم على الاعراف اصحاب الجنة حال كون اصحابها لم يدخلوها وهم طامعون فى دخولها وكذا التقدير فى صائر الوجوه الآتية المرادة بها اهل الدرجات العالية والقول الثالث هم الشهداء الذين يميزون من بين اهل الموقف بالاستحقاق لمزيد التعظيم والاجلاس فى اعالى السور المضروب ليشاهدوا حكم اللّه تعالى فى اهل الموقف بمقتضى فضله وعدله والرابع هم افاضل المؤمنين فرغوا من شغل انفسهم وتفرغوا لمطالعة احوال الناس وفى الحديث ( اذا جمع الخلائق يوم القيامة نادى مناد اين اهل الفضل فيقوم اناس وهم يسيرون فينطلقون سراعا الى الجنة فيقولون نحن اهل الفضل فيقال لهم ما كان فضلكم فيقولون كنا اذا ظلمنا صبرنا واذا سيئ الينا غفرنا واذا جهل حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين ) والخامس قوم صالحون فقهاء علماء وذلك لمزيتهم على غيرهم بشرف الفقه والعلم والسادس هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس باعمالهم وهم فى كل امة والسابع هم العباس وحمزة وعلى بن ابى طالب وجعفر ذو الجناحين رضى اللّه عنهم يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه والثامن انهم ملائكة موكولون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل ادخالهم الجنة والنار عبر عنهم باسم الرجال لكونهم يرون فى صورة الرجال كما عبر به عن الجن فى قوله تعالى { وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن } لكونهم فى صورة الرجال يقولون حين اشرفوا على اهل النار ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين لانهم مكلفون كبنى آدم فلا ينكر ان يدعوا اللّه لانفسهم بالامن والتاسع هم الشهداء الذين خرجوا الى الغزو وغزوا فى سبيل اللّه بغير اذن آبائهم فقتلوا شهداء فاعتقلوا من النار بان قتلوا فى سبيل اللّه واحتبسوا عن الجنة بعصيانهم آباءهم والعاشر قوم رضى عنهم آباؤهم دون امهاتهم او امهاتهم دون آبائهم والحادى عشر انهم اولاد الزنى والثانى عشر اولاد المشركين والثالث عشر هم الذين ماتوا فى الفترة ولم يبدلوا دينهم وزمان الفترة هو الزمان الذى بين عيسى ومحمد صلوات اللّه وسلامه عليهما والرابع عشر هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب فى الدنيا فوقفوا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع فى مقابلة صغائرهم والخامس عشر هم الذين ذكرهم اللّه فى القرآن اصحاب الذنوب العظام من اهل القبلة روى عن بعض الصالحين انه قال اخذتنى ذات ليلة سنة فنمت فرأيت فى منامى كأن القيامة قد قامت وكأن الناس يحاسبون فقوم يمضى بهم الى الجنة وقوم يمضى بهم الى النار قال فاتيت الى الجنة فناديت يا اهل الجنة بماذا تلتم سكنى الجنان فى محل الرضوان فقالوا لى بطاعة الرحمن ومخالفة الشيطان ثم اتيت الى باب النار فناديت يا اهل النار بماذا نلتم النار قالوا بطاعة الشيطان ومخالفة الرحمن قال فنظرت فاذا بقوم موقوفون بين الجنة والنار فقلت ما بالكم موقوفن بين الجنة والنار فقالوا لنا ذنوب جلت وحسنات قلت فالسيآت منعتنا من دخول الجنة والحسنات منعتنا من دخول النار وانشدوا نحن قوم لنا ذنوب كبار ... منعتنا من الوصول اليه تركتنا مذبذبين حيارى ... أمسكتنا عن القدوم عليه هذا ما تيسر لى جمعه من الاقوال واللّه تعالى اعلم بحقيقة الحال والاشارة ان بين اهل النار واهل الجنة حجابا وهو من اوصاف البشرية والاخلاق الذميمة النفسانية فلا يرى اهل النار اهل الجنة من وراء ذلك الحجاب وبين اهل الجنة واهل اللّه وهم اصحاب الاعراف حجابا وهو من الاوصاف الخلقية والاخلاق الحميدة الروحانية فلا يرى اهل الجنة اهل اللّه من وراء ذلك الحجاب كما قال اللّه تعالى { وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم } يعنى اصحاب الاعراف يعرفون اهل الجنة والنار بما يتوسمون فى سيماهم من آثار نور القلب وظلمته وسيمت الاعراف اعرافا لانها مواطن اهل المعرفة وانما سمى اللّه اهل المعرفة رجالا لانهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى اللّه تصرف الرجال فى النساء ولا يتصرف فيهم شئ منه كقوله { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه } وحيث ما ذكر اللّه الخواص ذكرهم برجال كقوله { رجال صدقوا } وكقوله { فيه رجال يحبون ان يتطهروا } لان وجه الامتياز بين الخواص والعوام بالرجولية فى طلب الحق وعلو الهمة فان اصحاب الاعراف بعلو هممهم ترقوا عن حضيض البشرية ودركات النيران وصعدوا على ذروة الروحانية ودرجات الجنان وما التفتوا الى نعيم الدارين وما ركنوا الى كمالات المنزلين حتى عبروا عن المكونات واقاموا على الاعراف وهى مرتبة فوق الجنان فى حظائر القدس عند الرحمن وهم مشرفون على اهل الجنة والنار فلما رأوا اهل الجنة وانهم فى شغل فاكهون { و } قد شغلوا بنعيميها عن المولى { نادوا اصحاب الجنة ان سلام عليكم } يعنى هنيئا لكم ما انتم فيه من النعيم المقيم والحور والقصور ثم اخبر عن همة اصحاب الاعراف فقال { لم يدخلوها وهم يطمعون } اى شاهدوا نعيم الجنة ودرجاتها ولم يركنوا الى شئ منها فعبروا عليها ولم يدخلوها وهم على الاعراف يطمعون فى الوصول الى اللّه والدخول فى الجنة التى اضافها اللّه تعالى الى نفسه بقوله { وادخلى جنتى } { واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار } ابتلاء ليريهم انه تعالى من أية دركة خلصهم وبأية كرامة خصهم فيعرفوا قدر ما انعم اللّه عليهم به ومن هذا القبيل يكون ما سنح لارباب الكمالات من الخواطر النفسانية وما ابتلاهم بشئ من الدنيا والجاه والقبول والاشتغال بالخلق ليعرفوا قدر العزلة والتجريد والانس مع اللّه فى الخلوات ففى اداء حق الشكر ورؤية النعمة { قالوا } مع المنعم { ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } اى بعد ان خلصتنا من اوصافهم واخلاقهم ودركاتهم ومما هم فيه لا تجعلنا مرة اخرى من جهتهم ولا تدخلنا فى زمرتهم كذا فى التأويلات النجمية |
﴿ ٤٧ ﴾