سُورَةُ الْأَنْفَالِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ آيَةً ١ { يسألونك عن الانفال } اى عن حكم الغنائم فالسؤال استفتائى ولهذا عدى بكلمة عن لا استعطائى كما يقال سألته درهما لان السؤال قد يكون لاقتضاء معنى فى نفس المسئول فيتعدى اذ ذاك كما قال سلى ان جهلت الناس عنى وعنهمو وقد يكون لاقتضاء مال ونحوه فيتعدى اذ ذاك الى المفعولين كالمثال المذكور. والنفل الزيادة وسميت الغنيمة به لانها عطية من اللّه زائدة على ما هو الاجر فى الجهاد من الثواب الاخروى وعلى ما اعطاه لسائر الامم حيث لم يحل لهم الغنائم وكانت تنزل نار من السماء فتأكلها والنافلة من الصلاة ما زاد على عطية له وزيادة على سهمه من الغنم -روى- ان المسلمين اختلفوا فى غنائم بدر وفى قسمتها فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كيف تقسم والى اين تصرف ومن الذين يتولون قسمتها أهم المهاجرون ام الانصار أهم هم جميعا فنزلت فضمير يسألون لاصحاب بدر لتعينهم حال نزول الآية فلا حاجة الى سبق الذكر صريحا. والمعنى يستفتونك فى حكم الانفال { قل الانفال للّه والرسول } اى امرها وحكمها مختص به تعالى يقسمها الرسول كيفما امر به من غير ان يدخل فيه رأى احد قال الحدادى اضافة الغنائم الى اللّه على جهة التشريف لها واضافتها الى الرسول لانه كان بيان حكمها وتدبيرها اليه { فاتقوا اللّه } اى اذا كان امر الغنائم للّه ورسوله فاتقوا اللّه تعالى واجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لسخطه تعالى { واصلحوا ذات بينكم } ذات البين هى الاحوال التى تقع بين الناس كما ان ات الصدور هى المضمرات الكائنة فيها وذات الاناء هى ما حل فيه من الطعام والشراب ولما كان ما حل فى الشيء ملابسا له قيل انه صاحب محله وذوه مثل ان يقال اسقنى ذا انائك اى الماء الذى فيه اى واصلحوا ما بينكم من الاحوال بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم اللّه تعالى وتفضل به عليكم وذلك لان المقاتلة قالوا لنا الغنائم وارادوا ان لا يواسوا الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات قال عبادة بن الصامت نزلت فينا معشر اصحاب بدرجين اختلفنا فى النفل وساءت فيه اخلاقنا فنزعه اللّه من ايدينا فجعله لرسوله فقسمه بين المسلمين على السواء { واطيعوا اللّه ورسوله } بتسليم امره ونهيه { ان كنتم مؤمنين } متعلق بالاوامر الثلاثة والمراد بالايمان كما له فان اصل الايمان لا يتوقف على التحلى بمجموع تلك الامور كلها بل يتحقق بمجرد الطاعة بقبول ما حكم اللّه ورسوله به والاعتقاد بحقيته. والمعنى ان كانت كاملى الايمان قال كمال الايمان يدور فى هذه الخصال الثلاث واعلم ان كثرة السؤال توجب الملال ولذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ان اللّه حرم عليكم عقوق الامهات ووأد البنات والمنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال ) ففى الحديث فوائد. منها النهى عن عقوق الوالدين لانه من الكبائر وانما اقتصر على الام اكتفاء بذكر احدهما كقوله تعالى { واللّه ورسوله احق ان يرضوه } او لان حقها اكثر وخدمتها اوفر. وفيه نهى عن وأد البنات وهو فعل الجاهلية كان الواحد منهم اذا ولد له ابن تركه واذا ولد له بنت دفنها حية وانما حملهم على ذلك خوف الاملاق ودفع العار والانفة عن انفسهم واراد واراد بالمنع الامتناع عن اداء ما يجب ويستحب. وبهات الاقدام على اخذ ما يكره ويحرم. وفيه نهى عن المقاولة بلا ضرورة وقصد ثواب فانها تقسى القلوب. وفيه نهى عن كثرة السؤال قال ابن ملك يجوز ان يراد به سؤال الانسان عما لا يعنيه. وفيه نهى عن اضاعة المال وهى انفاقه فى المعاصى والاسراف به فى غيرها كالاسراف فى النفقة والبناء والملبوس والمفروس وتمويه الاوانى والسيوف بالذهب قال فى التأويلات النجمية فلما اكثروا السؤال قال عليه السلام ( ذرونى ما تركتكم فانه انما اهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم ) ومن كثرة سؤالهم قوله تعالى { يسألونك عن الانفال } وانما سألوه ليكون الانفال لهم فقال على خلاف ما تمنوا { قل الانفال للّه والرسول } يعملان فيها ما شا آلا كا شئتم لتتأدبوا ولا تعترضوا على اللّه والرسول بطريق السؤال وتكونوا مستسلمين لاحكامهما فى دينكم ودنياكم ولا تحرصوا على الدنيا لئلا تشوبوا اعمالكم الدينية بالاعراض الدنيوية { فاتقوا اللّه واصلحوا ذات بينكم } اى اتقوا باللّه عن غير اللّه واصلحوا ما بينكم من الاخلاق الرديئة والهمم الدنيئة وهى الحرص على الدنيا والحسد على الاخوان وغيرهما من الصفات الذميمة التى يحجب بها نور الايمان عن القلوب { واطيعوا اللّه ورسوله } بالتسليم لاحكامهما والائتمار باوامرهما والانتهاء عن نواهيهما { ان كنتم مؤمنين } تحقيقا الا تقليدا فان المؤمن الحقيقى هو الذى كتب اللّه بقلم العناية فى قلبه الايمان وايده بروح منه فهو على نور من ربه : وفى المثنوى بود كبرى در زمان با يزيد ... كفت او را يك مسلمان سعيد كه جه باشد كرنو اسلام آورى ... تا بيابى صد نجات وسرورى كفت اين ايمان اكرهست اى مريد ... آنكه دارد شيخ عالم بايزيد من ندارم طاقت آن تاب آن ... كان فزون آمد زكو كوششهاى جان كرجه در ايمان ودين ناموقنم ... ليك در ايمان او بس مؤمنم مؤمن ايمان او يم در نهان ... كرجه مهرم هست محكم بردهان باز ايمان كرخود ايمان شماست ... نى بدان ميلستم ونى اشتهاست آنكه صد مبلش سوى ايمان بود ... جون شمارا ديد آن باطل شود زانكه نامى بينهد ومعنيش نى ... جون بيابان مفازه كفتنى اللّهم اجعلنا متحققين بحقائق الايمان واوصلنا الى درجات العرفان والاحسان ٢ { انما المؤمنون } اى انما الكاملون فى الايمان المخلصون فيه { الذين اذا ذكر اللّه } عندهم { وجلت قلوبهم } من هيبة الجلال وتصور عظمت المولى الذى لا يزال وهذا الخوف لازم لاهل كمال الايمان سواء كان ملكا مقربا او نبيا مرسلا او مؤمنا تقيا نقيا وهذا بخلاف خةف العقاب فانه لا يحصل بمجرد ذكر اللّه بل ملاحظة المعصية وذكر عقاب اللّه انتقاما من العصاة واين من يهم بمعصية فيقال له اتق اللّه فينزع عنها خوفا من عقابه ممن ينزع بمجرد ذكره من غير ان يذكر هناك ما يوجب النزع من صفاته وافعاله استعظاما لشأنه الجليل وتهيبا منه واعلم ان شأن نور الايمان ان يرق القلب ويصفيه عن كدورات صفات النفس وظلماتها ويلين قسوته فيلين الى ذكر اللّه ويجد شوقا الى اللّه وهذا حال اهل البدايات واما حال اهل النهايات فالطمأنينة والسكون بالذكر ولما جاء قوم حديثوا عهد بالاسلام فسمعوا القرآن كانوا يبكون ويتأوّهون فقال ابو بكر رضى اللّه عنه هكذا كنا فى بداية الاسلام ثم قست قلوبنا يشير بذلك الى نهايته فى الاطمئنان { واذا تليت } قرئت { عليهم آياته } اى آيات اللّه يعنى القرآن امرا ونهيا وغير ذلك { زادتهم } اى تلك الآيات والاسناد مجازى { ايمانا } اى يقينا وطمأنينة نفس فان تظاهر الادلة وتعاضد الحجج والبراهين موجب لزيادة الاطمئنان وقوة اليقين قال الفاضل التفتازانى وتبعه المولى ابو السعود فى تفسيره ان نفس التصديق مما يقبل الزيادة والنقصان للفرق الظاهر بين يقين الانبياء وارباب المكاشفات وبين يقين الامة ولهذا قال امير المؤمنين على رضى اللّه عنه ( لو كشفت الغطاء ما ازددت يقينا ) وكذا بين ما قام عليه دليل واحد من التصديقات وما قامت عليه ادلة كثيرة قال الكاشفى [ در حقايق سلمى مذكورست كه بيركت تلاوت نور يقين در باطن ايشان ظاهر كردد وزيادتى طاعت برظاهر ايشان هويدا شود. ودر بحر الحقائق فرموده كه ايمان حقيقى نوريست كه بدقر سعت روزنه دل دروى مى تابد بس جون قرآن برارباب قلوب خوانند روزنه دل ايشان ببركت قرائت كشاده نركردد ونور اسمان بيشتر دروى افتد بس درنور جمال مستغرق كردند ] { وعلى ربهم } مالكهم ومدبر امورهم خاصة { يتوكلون } يفوضون امورهم ولا يخشون ولا يرجون الا اياه قال فى التأويلات النجمية { على ربهم يتوكلون } لا على الدنيا واهلها فان من شاهد بنور الايمان الايمان جمال الحق وجلاله فقد استغرق فى بحر لجى من شهود الحق بحيث لا يتفرغ لغيره ويرى الاشياء مضمحلة ثحت صطوات جلاله فيكون توكلهم عليه لا على غيره هركه او در بحر مستغرق شود ... فارغ از كشتى واز زورق شود غرقه دريا بجز دريا نديد ... غير دريا هست بروى نابدبد ولما ذكر اولا من الاعمال الحسنة اعمال القلوب من الخشية والوجل عند ملاحظة عظمة اللّه تعالى وجلاله والاخلاص والتوكل عقب بافعال الجوارح التى هى العيار عليها كالصلاة والصدقة فقال ٣ { الذين يقيمون الصلوة } بوضوئها وركوعها وسجودها فى مواقيتها وهو مرفوع على انه نعت للموصول الاول { ومما رزقناكم } اعطيناهم من الاموال { ينفقون } فى طاعة اللّه وانما خص اللّه الصلاة والزكاة لعظم شأنها وتأكيد امرهما ٤ { اولئك } الجامعون لاعمال القلب والقالب { هم المؤمنون } ايمانا { حقا } لانهم حققوا ايمانهم بان ضموا اليه الاعمال الصالحة { لهم درجات } كائنة { عند ربهم } اى كرامة وزلفى وعلو مرتبة وقيل درجات عالية فى الجنة على قدر اعمالهم قال فى انوار المشارق الدرجة ان كانت بمعنى المرقاة فجمعها درج وان كانت بمعنى المرتبة والطبقة فجمعها درجات { ومغفرة } لذنوبهم { وزرق كريم } [ وروى بزرك صافى باشد از كدّ اكتساب وخالى ازخوف حساب ] لا ينتهى ولا ينقطع كارزاق الدنيا قال فى القاموس رزقا كريما كثيرا وقولا كثيرا وقولا كريما سهلا لينا واكرمه وكرمه عظمه ونزهه [ امام قشيرى قدس سره فرموده كه رزق كريم آنست كه مرزوق را ازشهود رازق باز ندارد ] تو زروزى ده بروزى واممان ... از سبب بكذر مسبب بين عيان از مسبب ميرسد هر خير وشر ... نيست زاسباب وسائط اى بدر اصل بيند ديده جون اكمل بود ... فرع بيند ديده جون احول بود قال فى المجالس المحمودية اعلم ان الصلاة اعظم الاعمال القالبية والصدقة خير العبادات المالية -وروى- ان فاطمة اعطت قميصها عليا ليشترى لها ما اشتهاه الحسن فباعه بستة دراهم فسأله سائل فاعطاه اياها فاستقبله رجل ومعه ناقة فاشتراها على المدة بستين دينارا ثم استقبله رجل فاشترى منه الناقة بستين دينارا او ستة دراهم ثم طلب بائع الناقة ليدفع له ثمنها فلم يجده فعرض القصة على النبى عليه السلام فقال عليه السلام ( اما السائل فرضوان واما البائع فميكائيل واما المشترى فجبرائيل ) وفى الحديث ( يأتى يوم القيامة اربعة على باب الجنة بغير حساب الحاج الذى حج البيت بغير افساد والشهيد الذى قتل فى المعركة والسخى الذى لم يلتمس بسخاوته رياء والعالم الذى عمل بعلمه فيتنازعون فى دخول الجنة اولا فيرسل اللّه جبرائيل بسخاوته رياء والعالم الذى عمل بعلمه فيتنازعون فى دخول الجنة اولا فيرسل اللّه جبرائيل ليحكم بينهم بالعدل فيقول للشهيد ما فعلت فى الدنيا حتى تريد ان تدخل الجنة اولا فيقول قتلت فى المعركة لرضى اللّه تعالى فيقول ممن سمعت ان من قتل فى سبيل اللّه يدخل الجنة فيقول من العلماء فيقول احفظ الادب ولا تتقدم على معلمك ثم يسأل الحاج والسخى كذلك ثم يقول لهما احفظا الادب ولا تتقدما على معلمكما ثم يقول العالم الآلهى انت تعلم انى ما حصلت العلم الا بسخاوة السخى وانت لا تضيع اجر المحسنين فيقول اللّه صدق العالم يا رضوان افتح الباب وادخل السخى اولا ) وفى ذلك اشارة الى ان المراد بالعالم هو الذى يعمل بعلمه فان الانصاف من شأنه اذ الانصاف لا يحصل الا بصلاح النفس ولا يمكن ذلك الا بالعمل فلا يغترّ اهل الهوى من علماء الظاهر بذلك فان كون العلم المجرد منجيا مذهب فاسد فان العالم الفاجر اشد عذابا من الجاهل با العالم هو الذى يعمل بعلمه ويصل الى العرفان بتصفية القلب ولا شك ان اكون من المذكورين فى الآية مؤمنين حقا بسبب خدمتهم للّه تعالى بانفسهم واموالهم وتجردهم عن العلائق البدنية والمالية وبقائهم مع اللّه تعالى وايثارهم له على جميع ما سواه حتى على انفسهم فمن آثر الحق على ما سواه فقد وصل الى اقصى مراداته فلا بد ان اللّه تعالى يدبره امره ويقضى حاجاته ٥ { كما اخرجك ربك } المراد باخراج اللّه تعالى اياه كونه سببا آمر اله بالخروج وداعيا اليه فان جبرائيل عليه السلام اتاه وامره بالخروج { من بيتك } فى المدينة { بالحق } حال من مفعول اخرجك اى اخرجك ملتبسا بالحق وهو اظهار دين اللّه وقهره اعداء اللّه والكاف فى محل الرفع على انه مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال وهى قسمة غنائم بدر بين الغزاة على السواء من غير تفرقة بين الشبان المقاتلين وبين الشيوخ الثابتين تحت الرايات كحال اخراجك يعنى ان حالهم فى كراهتهم لما رأيت فان فى طبع المقاتلة شيأ من الكراهة لهذه القسمة مع كونها حقا كحالهم فى كراهتهم لخروجك للحرب وهو حق { وان فريقا من المؤمنين لكارهون } اى والحال ان فريقا منهم كارهون للخروج اما لنفرة الطبع عن القتال او لعدم الاستعداد قال سعدى جلبى المفتى الظاهر ان المراد هى الكراهة الطبيعية التى لا تدخل تحت القدرة والاختيار فلا يرد انها لا تليق بمنصب الصحابة رضى اللّه عنهم -روى- ان عير قريش اى قافلتهم اقبلت من الشأم وفيها تجارة عظيمة ومعها اربعون راكبا منهم ابو سفيان وعمرو بن العاص ومحرمة بن نوفل وكان فى السنة الثانية من الهجرة فاخبر جبريل رسول اللّه باقبالها فاخبر المسلمين فاعجبتهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال فلما خرجوا سمعه ابو سفيان فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفارى فبعثه الى مكة وامره ان يأتى قريشا فيستفزهم ويخبرهم ان محمدا قد اعترض لعيركم فادركوها فلما بلغ اهل مكة هذا الخبر نادى ابو جهل فوق الكعبة يا اهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم واموالكم اى تداركوها ان اصابها محمد لن تفلحوا بعدها ابدا وفدرأت عاتكة اخت العباس بن عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا فقالت لاخيها اتى رأيت عجبا كأن ملكا نزل من السماء فاخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها اى رمى بها الى فوق فلم يبق بيت من بيوت مكة الا اصابه حجر من تلك الصخرة فحدث بها العباس صديقا له يقال له عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وذكرها عتبة لابنته ففشا الحديث فقال ابو جهل للعباس يا ابا الفضل ما يرضى رجالكم ان يتنبأوا حتى تنبأت نساؤكم فخرج ابو جهل باهل مكة وهم النفير فقيل له ان العير اخذت طريق الساحل ونجت فارجع بالناس الى مكة فقال لا واللّه لا يكون ذلك ابدا حتى تنحر الجزور وتشرب الخمور ونقيم القينات والمعازف ببدر فتتسامع جميع العرب بمخرجنا وان محمدا لم يصب العير وانا قد اغضضناه فمضى بهم الى بدر وبدر ما كانحت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما فى السنة فنزل جبريل فقال يا محمد ان اللّه وعدكم احدى الطائفتين اما العير واما قريشا فاستشار النيى عليه السلام اصحابه فقال ( ما تقولون ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير احب اليكم ام النفير ) فقالوا بل العير احب الينا من لقاء العدو فتغير وجه رسول اللّه عليه وسلم ثم ردد عليهم فقال ( ان العير قد مضت على ساحل البحر وهذا ابو جهل قد اقبل ) يريد صلى اللّه عليه وسلم بذلك ان تلقى النفير وجهاد المشركين آثر عنده وانفع للمؤمنين من الظفر بالعير لما فى تلقى النفير من كسر شوكة المشركين واظهار الدين الحق على الاديان كلها فقالوا يا رسول اللّه عليك بالعير ودع العدو فقام عند غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ابو بكر وعمر رضى اللّه عنهما فاحسنا الكلام فى اتباع مراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قام سيد الخزرج سعد بن عبادة فقال انظر فى امرك وامض فواللّه لو سرت الى عدن ابين ما تخلف عنك رجل من الانصار ثم قال المقداد ابن عمرو يا رسول امض لما امرك اللّه فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف فتبسم رسول اللّه ثم قال ( اشيروا على ايها الناس ) وهو يريد الانصار اى بينوا لى ما فى ضميركم فى حق نصرتى ومعاونتى فى هذه المعركة وذلك لان الانصار كانوا عاهدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة العقبة ان ينصروه ما دام فى المدينة واذا خرج منها لا يكون عليهم معاونة ونصرة فاراد عليه السلام ان يعاهدهم على النصرة فى تلك المعركة ايضا فقام سعد بن معاذ فكأنما تريدنا يا رسول اللّه قال ( اجل ) قال قد ظىمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول اللّه لما اردت فوالذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل وما نكره ان تلقى بنا عدونا انا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل اللّه تعالى يربك منا ما تقربه عينك فسر بناع على بركة اللّه ففرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونشطه قول سعد ثم قال ( سيروا على بركة اللّه وابشروا فان اللّه وعدنى احدى الطائفتين واللّه لكأنى الآن انظر الى مصارع القوم ) فالمعنى اخرجك من ربك من بيتك لان تترك التوجه الى العير وتؤثر عليه مقاتلة النفير فى حال كراهة فريق من اصحابك ما آثرته من محاربة النفير ٦ { يجادلونك فى الحق } الذى هو تلقى النفير لايثارهم عليه تلقى العير { بعد ما تبين } منصوب بيجادلونك وما مصدرية اى يخاصمونك بعد تبين الحق وظهوره لهم باعلامك انهم ينصرون اينما توجهوا ويقولون ما كان خروجنا الا للعير وهلا قلت لنا ان الخروج لمقاتلة النفير لنستعد ونتأهب فمن قال ذلك انما قال كراهة لاخراجه عليه الصلاة والسلام من المدينة وكراهتهم القتال { كأنما يساقون الى الموت } الكلف فى محل النصب على الحالية من الضمير فى لكارهون اى مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار الى القتل { وهم ينظرون } حال من ضمير يساقون اى والحال انهم ينظرون الى اسباب الموت ويشاهدونها عيانا وما كانت هذه المرتبة من الخوف والجزع الا لقلة عددهم وعدم تأهبهم وكونه رجالة - وروى - انهم كانوا ثلاثمائة عشر رجلا ليس فيهم الا فارسان الزبير والمقداد ولهم سبعون بعير او ست ادرع وثمانية اسياف وكان المشركون اكثر عددا بالاضعاف والاشارة ان اللّه تعالى اخرج المؤمنين الذين هم المؤمنون حقا من اوطان البشرية الى مقام العندية بجذبات العناية { كما اخرجك ربك من بيتك } اى من وطن وجودك بالحق اى بمجيئ الحق من تجلى صفات جماله وجلاله { وان فريقا من المؤمنين لكارهون } اى القلب والروح يعنى للفناء عند التجلى فان البقاء محبوب والفناء مكروه وعلى كل ذى وجود يجادلونك اى الروح والقلب فى الحق اى مجيئ الحق من بعد ما تبين مجيئه لكراهة الفناء كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون يعنى كأنهم ينظرون الى الفناء ولا يزول البقاء بعد الفناء كمن يساق الى الموت كذا فى التاويلات النجمية : وفى المثنوى شير دنيا جويد اشكارى وبرك ... شيرمولى جويد آزادى ومرك جونكه اندرمرك بيند صد وجود ... همجو بروانه بسوزاند وجود كل شئ هالك جز وجه او ... جون نه در وجه او هستى مجو هركه اندر وجه ماباشد فنا ... كل شئ هالك نبود جزا زانكه در ( الا ) ست اواز ( لا ) كذشت ... هركه در ( الا ) ست او فانى نكشت واعلم انه كما لا اعتراض على الانبياء فى وحيهم وعياراتهم كذلك لا اعتراض على الاولياء فى ألهامهم واشاراتهم وان السعادة فى العمل والاخذ بآياتهم والوجود وان كان محبوبا لاهل الوجود لكن الفناء محبوب لاهل الشهود فعلى السالك ان ينقطع عن جميع اللذات الدنيوية ويطهر نفسه عن لوث الاغراض الدنية ويكون الرسول وامره احب اليه من نفسه الى ان ينفذ عمره_@_ روى البخارى عن عبد اللّه بن هشام انه قال كنا مع النبى عليه السلام وهو اخذ بيد عمر رضى اللّه عنه فقال عمر رضى اللّه عنه يا رسول اللّه انت احب الى من كل شئ الا نفسى فقال صلى اللّه عليه وسلم ( لا والذى نفس محمد بيده حتى اكون احب اليك من نفسك ) اى لا يكون ايمانك كاملا حتى تؤثر رضاى على رضى نفسك وان كان فيه هلاكك فقال عمر الآن زاللّه انت احب الى من نفسى فقال ( الآن يا عمر ) يعنى صار ايمانك كاملا قال ابن ملك والمراد من هذه المحبة محبة الاختيار لا محبة الطبع لان كل واحد مجبول على حب نفسه اشد من غيرها النتهى. قوله محبة الاختيار رضى النبى عليه السلام على رضى نفسه فالمراد هو الايثار كما قال تعالى { ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة } فكما ان هذا الايثار لا يقتضى عدم احتياج المؤثر فكذلك ايثار رضى الغير لا يستدعى ان تكون المحبة له اشد من كل وجه هذا ولكن فوق هذا كلام فان من فنى عن طبيعته ونفسه بل عن قالبه وقلبه فقد فنى عن محبتها ايضا وتخلص من الاثنينية ووصل الى مقام المحبوبة الذى لا غاية وراءه رزقنا اللّه واياكم ذلك بفضله وكرمه ٧ { واذ يعدكم اللّه } اى اذكروا ايها المؤمنون وقت وعد اللّه تعالى واياكم { احدى الطائفتين } اى الفريقين احداهما بوسفيان مع العير والاخرى ابو جهل مع النفير { انهالكم } بدل اشتمال من احدى الطائفتين مبين لكيفية الوعد اى يعدكم ان احدى الطائفتين كائنة لكم مختصة بكم مسخرة لكم تتسلطون عليها تسلط الملاك على امكلاكهم وتتصرفون فيها كيف شئتم { وتودون } عطف على يعدكم \اخل تحت الامر بالذكر اى تحبون { ان غير ذات الشوكة تكون لكم } من الطائفتين لا ذات الشوكة وهى النفير ورئيسهم ابو جهل وهم الف مقاتل وغير ذات الشوكة هى العير اذ لم يكن فيها الا اربعون فارسا ورئيسهم ابو سفيان ولذلك يتمنونها. والشوكة الحدة اى السلاح الذى له حد كسنان الرمح والسيف ونصل السهم مستعار من واحدة الشوك والشوك نبت فى طرفه حدة كحدة الابرة { ويريد اللّه } عطف على تودون منتظم معه فى سلك التذكير اى اذكروا وقت وعده تعالى اياكم احدى الطائفتين وودادتكم لادناهما وقوله تعالى { ان يحق الحق } اى يثبته ويعليه { بكلماته } بامره لكم بالقتال { ويقطع دابر الكافرين } اى آخرهم ويستأصلهم بالمرة. والمعنى انكم تريدون ان تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها واللّه يريد اعلاء الدين واظهار الحق وما يحصل لكم فور الدارين ٨ { ليحق الحق ويبطل الباطل } اللام متعلقة بفعل مقدر مؤخر عنها اى لهذه الغاية الجليلة وهى اظهار الدين الحق وابطال الكفر فعل ما فعل لا لشئ آخر وليس فيه تكرار اذ الاول مذكور لبيان تفاوت ما بين الارادتين ارادة اللّه وارادة المؤمنين والثانى لبيان الداعى الى حمل الرسول صلى اللّه عليه وسلم على اختيار التوجه الى ذات الشوكة ونصره عليها وقطع دابر المشركين ومعنى احقاق الحق اظهار حقيته لا جعله حقا بعد ان لم يكن كذلك وكذا حال ابطال الباطل { ولو كره المجرمون } اى المشركون ذلك اى احقاق الحق وابطال الباطل ٩ { اذ تستغيثون ربكم } اى اذكروا وقت استغاثتكم وهى طلب الفوز والنصر والعون وذلك انهم لما علموا انه لا بد من القتال جعلوا يدعون اللّه تعالى قائلين اى رب انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين اغثنا وعن عمر رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم نظر الى المشركين وهم الف والى اصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو ( اللّهم انجز لى ما وعدتنى اللّهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الارض ) فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فاخذه ابو بكر فالقاه على منكبه والتزمه من ورائه وقال يا نبى اللّه كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز ما وعدك فهذه الاستغاثة كانت من النبى عليه السلام ومن المؤمنين واسناد الفعل الى الجماعة لا ينافى كونه من النبى عليه السلام لانه دعا وتضرع والمؤمنون كانوا يؤمنّون { فاستجاب لكم } اى اجاب عطف على تستغيثون داخل معه فى حكم التذكير { انى } بانى { ممذكم بالف من الملائكة مردفين } اى جاعلين غيرهم من الملائكة رديفا لانفسهم فالمراد رؤساؤهم المستتبعون لغيرهم حتى صاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف ١٠ { وما جعله اللّه } عطف على مقدر اى فامدكم اللّه بانزال الملائكة عيانا وما جعل ذلك الامداد لشيء من الاشياء { الا بشرى } اى الا للبشارة لكم بانكم تنصرون فهو استثناء مفرغ من اعم العلل { ولتطمئن به } اى بالامداد { قلوبكم } فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم وفى قصر الامداد عليها اشعار بعدم مباشرة الملائكة للقتال وانما كان امدادهم بتقوية قلوب المباشرين وتكثير سوادهم ونحوه ولو بعثهم اللّه بالمحاربة لكان يكفى ملك واحد فان جبريل اهلك بريشة واحدة من جناحه سبعا من مدائن قوم لوط واهلك بصيحة واحدة جميع بلاد ثمود قال الحدادى وهذا القول اقرب الى ظاهر الآية وقيل نزل جبرائيل فى خمسمائة من الملائكة على الميمنة وفيها ابو بكر رضى اللّه عنه ونزل ميكائيل فى خمسمائة على الميسرة وفيها على بن ابى طالب رضى اللّه عنه فقاتلوا وقيل قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا يوم الاحزاب ويوم حنين -وروى- ان رجلا قال تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع على رأسه بين يدى قبل ان يصل اليه سيفى { وما النصر } اى حقيقة النصر على الاطلاق { الا } كائن { من عند اللّه } من غير ان يكون فيه شركة من جهة الاسباب فان امداد الملائكة وكثرة العدد والاهب ونحوهما وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ولا تيأسوا منه بفقدها ونعم ما قيل النصر ليس باجناد مجندة ... لكنه بسعادات وتوفيق { ان اللّه عزيز } لا يغالب فى حكمه ولا ينازع فى اقضيته { حكيم } يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة واعلم ان للملائكة امدادا فى كل جيش حق وان لم يكونوا مرئيين ومشاهدين بحسب ابصارنا وهم فى الحقيقة اشارة الى القوى الروحانية الغالبة فانها اذا ظهرت فى وجود المجاهر بالجهاد الاكبر لا يقابلها شيء من القوى الانفسية الشريرة المغلوبة وكذا ما كان مظاهرها من كفار الظاهر وانما العمدة هى اليقين والاطمئنان -روى- ان نبى اسرائيل اعطوا السكينة وهى ريح ساكنة تخلع قلب العدو بصوتها رعبا اذا التقى الصفان وهى معجزة لانبيائهم وكرامة لملوكهم وللسكينة معنيان آخران. احدهما شيء من لطائف صنع الحق يلقى على لسان محدث الحكمة كما يلقى الملك الوحى على قلوب الانبياء مع ترويح الاسرار وكشف السر. وثانيهما ما انزل على قلب النبى عليه السلام وقلوب المؤمنين وهو شيء يجمع نورا وقوة وروحا يسكن اليه الخائف ويتسلى به الحزين وقد ورثه المجاهدون فى سبيل اللّه بعدهم الى قيام الساعة وانما لا يظهر فى بعض الاحيان والوقائع لحكمة اخفاها اللّه عن الغافلين هر خلل كاندر عمل بينى زنقصان دلست ... رخنه كاندر قصر بينى از قصورست وكل عصر على التنزل بالنسبة الى ما قبله ولهذا لا يظهر النصر فى بعض السرايا بل يقال يا ايها الكفرة اقتلوا الفجرة قيل لعلى رضى اللّه عنه ما بال خلافة عثمان مع خلافتك كانت متكدرة بخلاف خلافة الشيخين قال كنت انا وعثمان من اعوانهما وانت وامثالك من اعواننا فعلى المجاهدين ان يستغيثوا ربهم ويتضرعوا اليه كما تضرع الاصحاب رضى اللّه عنهم ومن يليهم لعل اللّه يظهر نصره دعاى ضعيفان اميدواره ... ز بازوى مردى به آيد بكار ألا أيها المرء الذى فى عسره اصبح ... اذا اشتد بك الامر فلا تنس ألم نشرح واعلم ان اصدق المقال قول اللّه تعالى وقول رسوله وقد وعد وامد فعليك بقوة الايمان واليقين قال الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره فى وصايا الفتوحات ولقد ابتلى عندنا رجل من اعيان الناس بالجذام نعوذ باللّه منه وقال الاطباء باسرهم لما ابصروه وقد تمكنت العلة فيه ما لهذا المرض دواء فرأه شيخ من اهل الحديث يقال له سعد السعود وكان عنده ايمان بالحديث عظيم فقال له يا هذا لم لا تطيب نفسك فقال له الرجل ان الاطباء والنبى عليه السلام احذق منهم وقد قال فى الحبة السوداء ( انها شفاء من كل داء ) وهذا الداء الذى نزل بك من جملة ذلك ثم قال على بالحبة السوداء والعسل فخلط هذا بهذا وطلى بهما بدنه كله ووجهه ورأسه الى رجليه وألعقه من ذلك وتركه ساعة ثم انه غسل فانسلخ من جلده ونبت له جلد آخر ونبت ما كان قد سقط من شعره وبرئ وعاد الى ما كان عليه فى حال عافيته فتعجب الاطباء والناس من قوة ايمانه بحديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وكان رحمه اللّه يستعمل الحبة السوداء فى كل داء يصيبه حتى فى الرمد اذا رمدت عينه اكتحل بها فبرى من ساعته انتهى كلام الشيخ فقد عرفت ان الاطمئنان وقوة الايمان يجلب للمرء ما يهواه بعناية الملك المنان لكنه قليل اهله خصوصا فى هذا الزمان واللّه المعين ١١ { اذ يغشيكم النعاس } قال جماعة من المفسرين لما امر اللّه النبى عليه السلام بالمسير الى الكفار سار بمن معه حتى اذا كان قريبا من بدر لقى رجلين فى الطريق فسألها هل مرت بكما العير قالا نعم مرت بنا ليلا وكان بين يدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشرة من المسلمين فاخذوا الرجلين وكان احدهما عبدا للعباس بن عبد المطلب يقال له ابو رافع والآخر عبدا لعقبة بن ابى معيط يقال له اسلم كانا يسقيان الماء فدفع اسلم الى اصحابه يسألونه واخذ وهو يسأل ابا رافع عمن خرج من اهل مكة فقال ما بقى بها احد الا وقد خرج فقال عليه السلام تأتى مكة اليوم بافلاذ كبدها ثم قال هل رجع منهم احد قال نعم ابىّ بن سريق فى ثلاثمائة من بنى زهرة وكان خرج لمكان العير فلما اقبلت العير رجع فسماه النبى عليه السلام الا خنس حين خنس بقومه ثم اقبل على اصحابه وهم يسألون اسلم وكان يقول لهم خرج فلان وفلان وابو بكر يضر به بالعصا ويقول له كذبت أتجبن الناس فقال عليه السلام ( ان صدقكم ضربتموه وان كذبكم تركتموه ) فعلموا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد عرف امرهم فساروا حتى نزلوا فى كثيب اعفر اى فى تل من الرمل الاحمر تسوخ فيه الاقدام اى تدخل وتغيب على غير ماء بالجانب الاقرب من المدينة من الوادى ونزل المشركون بجانبه الا بعد من المدينة الاقرب الى مكة والوادى بينهما ثم باتوا ليلتهم تلك وناموا ثم استيقظوا وقد اجنب اكثرهم وغلب المشركون على ماء بدر وليس معهم ماء فتمثل لهم الشيطان فوسوس اليهم وقال انتم يا اصحاب محمد تزعمون انكم على الحق وانكم اولياء اللّه وفيكم رسوله وانكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة وقد عطشتم ولو كنتم على الحق ما سبقكم المشركون الى الماء وغلبوكم عليه وما ينتظرون الا ان يضعفكم العطش فاذا قطع اعناقكم مشوا اليكم فقتلوا من احبوا وساقوا بقيتكم الى مكة فحزنوا حزنا شديدا فاشفقوا فانزل اللّه عليهم المطر ليلا حنى سال الوادى وامتلأ من الماء فاغتسل المسلمون وتوضأوا وشربوا وسقوا دوابهم وبنوا على عدوته اى جانبه حياضا واشتد الرمل وتلبدت بذلك ارضهم واوحل ارض عدوهم حتى تثبت علينا الاقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس وقويت القلوب وتهيأوا للقتال من الغد فذلك قوله تعالى { اذ يغشيكم النعاس } اى اذكروا ايها المؤمنون وقت جعل النعاس وهو اول النوم قبل ان يثقل عاشيا لكم ومحيطا وملقى عليكم { امنة منه } منصوب على العلية بفعل مترتب على الفعل المذكور اى يغشيكم النعاس فتنعسون امنا كائنا من اللّه تعالى لا كلالا واعياء فيتحد الفاعلان لان ان من فعل النعاس قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان النعاس فى المعركة عند مواجهة العدو والا من منه يدل الخوف انما هو من تقليب الحال الى ضده بامر التكوين كما قال تعالى للنار { يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم } فكانت كذلك قال للخوف كن امنا على محمد واصحابه فكان انتهى وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه النعاس عند القتال امن من اللّه تعالى وهو فى الصلاة من الشيطان قال الحسن ان للشيطان ملعقة ومكحلة فملعقته الكذب ومكحلته النوم عند الذكر { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } اى بذلك الماء يعنى المطر من الحدث والجنابة { ويذهب عنكم رجز الشيطان } اى وسوسته وتخويفه اياكم من العطش ويقال اراد بالرجز الجنابة التى اصابتهم بالاحتلام فان الاحتلام انما يكون من رجز الشيطان اى تخييله ووسوسته ولذلك قال بعضهم من كتب اسم عمر على صدره لم يحتلم فان الشيطان كان يفر منه ويسلك فجا غير الفج الذى اقبل هو منه { وليربط على قلوبكم } الربط الشد والتقوية وعلى صلة. والمعنى ليربط قلوبكم ويشدها ويقويها بجعلها واثقة بلطف اللّه تعالى وكرمه وجيء بكلمة على للايذان بان قلوبهم امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها { ويثبت به } اى بذلك الماء { الاقدام } حتى لا تسوخ فى الرمل ويجوز ان يكون الضمير للربط فان الاقدام انما تثبت فى الحرب بقوة القلب وتمكن الصبر والجراءة فيه دلا در عاشقى ثابت قدم باش ... كه در اينره نباشد كار بى اجر وبمثل الصدق والصبر وارتباط القلب وثبات الاقدام سادت الصحابة الكرام من عداهم الى يوم القيام ولا فضل لاحد على احد الا بالديانة والتقوى قال الزهرى قدمت على عبد الملك بن مروان قال من اين قدمت يا زهرى قلت من مكة قال فمن خلفت فيها يسود اهلها قال قلت عطاء بن رباح قال فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى قال بم سادهم قلت بالديانة والرواية قال ان اهل الديانة والرواية ينبغى ان يسودوا الناس قال فمن يسود اهل اليمن قلت طاووس بن كيسان قال فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى قال فيم سادهم قلت بما ساد به عطاء قال من كان كذلك ينبغى ان يسود الناس قال فمن يسود اهل مصر قلت يزيد بن ابى حبيب قتل فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى فقال كما فى الاولين ثم قال فمن يسود اهل الشام قلت مكحول الدمشقى فقال من العرب ام من الموالى قلت من الموالى عبد نوبى اعتقته امرأة من هذيل فقال كما قال ثم قال فمن يسود اهل الجزيرة قلت ميمون بن مهران قال فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى فقال كم قال ثم قال فمن يسود اهل حرمنا قلت الضحاك بن مزاحم فقال من العرب ام من الموالى قلت من الموالى فقال كما قال فمن يسود اهل البصرة قلت الحسن بن ابى الحسن قال من العرب ام من الموالى قلت من الموالى قال ويلك فمن يسود أهل الكوفة قلت ابراهيم النخعى قال من العرب ام من الموالى قلت من العرب قال ويلك يا زهرى فرجت هنى واللّه ليسودن الموالى على الاكابر حتى يخطب لها على المنابر وان العرب تحتها قال قلت يا امير المؤمنين انما هو امر اللّه ودينه فمن حفظه ساد ومن ضيعه سقط وفى الآية بيان نعمة الماء وان الخوف من العطش وكذا من الجوع من الشيطان ووسوسته فان المرء اذا كان قوى التوكل يستوى عنده الفقد والوجود واللّه تعالى من اسمه الخالق والرازق قالوا وللاسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة الى الماء ما ليس لغيره من السباع ولا يأكل من فريسة غيره واذا شبع من فريسة تركها ولم يعد اليها واذا امتلأ بالطعام ارتاض ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب فينبغى للمؤمن ان لا يكون أدون من الاسد فى هذ الصفات على المرء ان يسعى لتحسين حاله ... وليس عليه ان يساعده الدهر واللّه تعالى قد سن الاعانة باعانته للمؤمنين فالمؤمن الكامل يساعد المؤمن حسب الطاقة -وحكى- ان فيروز بن بزدجرد بن بهرام من آل ساسان لما ملك عدل وانصف ولما مضى سبع سنين من ملكه ولم ينزل من السماء مطر ارسل الى كل بلد بان يقسم طعام كل بلد بين الاغنياء والفقراء واذا مات فقير من الجوع قتل من الاغنياء رجلا بدلا منه : قال الحافظ توانكرا دل درويش خود بدست آور ... كه مخزن زر وكنج درم نخواهد ماند اللّهم احفظنا من البخل والكسل الى حلول الاجل ١٢ { اذ يوحى ربك الى الملائكة } الوحى القاء المعنى الى النفس من وجه خفى. والمعنى اذكر يا محمد وقت ايحائه تعالى الى الملائكة { انى معكم } مفعول يوحى اى بالامداد والتوفيق فى امر التثبيت فليس القصد ازالة الخوف كما فى { لا تحزن ان اللّه معنا } اذ لا خوف للملائكة من الكفار حتى يقال لهم انى معكم فلا تخافوهم وما يشعر به دخول كلمة من متبوعية الملائكة انما هو من حيث انهم المباشرون للتثبيت صورة فلهم الاصالة من تلك الحيثية كما فى امثال قوله تعالى { ان اللّه مع الصابرين } { فثبتوا الذين آمنوا } بالبشارة وتكثير السواد ونحوهما مما تتقوى به قلوبهم والتثبيت عبارة عن الحمل على الثبات فى مواطن الحرب والجد فى مقاساة شدائد القتال { سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب } اى سأقذف فى قلوبهم المخافة من المؤمنين وهو تلقين للملائكة ما يثبتونهم به كأنه قيل قولوا لهم قولى سألقى الخ { فاضربوا } ايها المؤمنون فلا دلالة فى الآية على قتال الملائكة { فوق الاعناق } اعاليها التى هى المذابح او الرؤس قال الحدادى وانما امر اللّه بضرب الاعناق لان اعلى جلدة العنق هو المقتل { واضربوا منهم كل بنان } البنان فى اللغة هو الاصابع وغيرها من الاعضاء التى بها يكون قوام الانسان وحياته والمقصود اضربوهم فى جميع الاعضاء من اعاليها الى اسافلها. وقيل الوجه ان يراد بها المدافعة والمقاتلة وكذا قال التفتازانى ١٣ { ذلك } الضرب والقتل والعقاب واقع عليهم { بانهم } اى بسبب انهم { شاقوا اللّه ورسوله } اى خالفوا وغالبوا من لا سبيل الى مغالبته اصلا قال ابن الشيخ معنى شاقوا اللّه شاقوا اولياء اللّه واشتقاق المشاقة من الشق لما ان كلا من الشماقين فى شق خرف شق الآخر كما ان المحادة ان يصير احدهما فى حد غير حد الآخر وفى الآية اشارة الى ان كل سعادة وشقاوة تصل للعبد فى الدنيا والآخرة يكون للعبدج فيها مدخل بالكسب { ومن يشاقق اللّه ورسوله } اى ومن يخالف اولياء اللّه ورسوله { فان اللّه شديد العقاب } له قال الحدادى اما اظهار ظهار التضعيف فى موضع الجزم فى قوله { يشاقق اللّه } فهو لغة اهل الحجاز وغيرهم يدغم احد الحرفين فى الآخر لاجتماعهما من جنس واحد كما قال تعالى فى سورة الحشر { ومن يشاق اللّه } بقاف واحدة ١٤ { ذلكم فذوقوه وان للكافرين عذاب النار } قوله ذلكم خبر مبتدأ محذوف وقوله وان الخ معطوف عليه. وقوله فذوقوه اعتراض والضمير لما فى ضمن المشار اليه من العقاب والتقدير حكم اللّه ذلكم اى ثبوت هذا العقاب لكم عاجلا وثبوت عذاب النار آجلا وانما قال فى عذاب الدنيا فذوقوه لان الذوق يتناول اليسير من الشئ فكل ما يلقى الكفار من ضرب او قتل او اسر او غيرها فى الدنيا فهو بالنسبة الى ما اعد لهم فى الآخرة بمنزلة ذوق المطعوم بالنسبة الى اكله قال فى التأويلات النجمية { فذوقوه } اى ذوقوا العاجل منه صورة ومعنى اما صورة فبالقتل والاسر والمصائب والمكروهات واما معنى فبالبعد والطرد عن الحضرة وتراكم الحجب وموت القلب وعمى البصيرة وضعف الروح وقوة النفس واستيلاء صفاتها وغلبة هواها وما يبعده عن الحقويقربه الى الباطل وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال سوى اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صفوفهم وقدموا راياتهم فوضعوها مواضعها فوقف رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم على بعير له يدعو اللّه ويستغيث فهبط جبريل عليه السلام فى خمسمائة على ميمنتهم وميكائيل عليه السلام فى خمسمائة على ميسرتهم فكان الملك يأتى الرجل من المسلمين على صورة رجل ويقول له دنوت من عسكر المشركين فسمعتهم يقولون واللّه لئن حملوا علينا لا نثبت لهم ابدا والقى اللّه فى قلوب الكفرة الرعب بعد قيامهم للصف فقال عتبة بن ربيعة يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قريش نقاتلهم اليهم فبنوا عفراء من الانصار عو ومعوذ اّمهم عفراء وابوهم الحارث فمشوا اليهم فقالوا لهم ارجعوا وارسلوا الينا اكفانا من بنى هاشم فخرج عليهم حمزة وعلى عبيدة بن الحارث فقال على مشيت الاى الوليد بن عتبة ومشى الى فضربته بالسيف اطرت يده ثم بركت عليه فقتلته فقام شيبة بن ابى ربيعة الى عبيدة بن الحارث فاختلفا بضربتين ثم ضرب عبيدة ضربة اخرى فقطع شاق شيبة ثم قام حمزة الى عتبة فقال انا اسد اللّه واسد اللّه رسوله ثم ضربه حمزة فقتله فقام ابو جهل فى اصحابه يحرضهم يقول لا يهولنكم ما لقى هؤلاء فانهم عجلوا فاستحقوا ثم حمل هو بنفسه ثم حمل المسلمون كلهم على المشركين فهزموهم باذن اللّه تعالى وفى حق هؤلاء السادات ورد ( اطلع اللّه على اهل بدر ) يعنى نظر اليهم بنظر الرحمة والمغفرة ( فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) المراد به اظهار العناية بهم والاعلاء رتبتهم لا الترخيص لهم فى كل فعل كما يقال للمحجوب اصنع ما شئت فعلى العاقل ان يقتفى باثرهم فى باب المجاهدة مطلقا : قال الحافظ درره نفس كزوسينه ما بتكده شد ... تيرآهى بكشاييم وغزايى بكنيم وقال فى حق اهل الجزع ترسم كزين جمن نبرى آستين كل ... كز كلشنش تحمل حارى نمكينى اللّهم اجعلنا من الصابرين ١٥ { يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا } لقيه اى رآه { زحفا } الزحف الدبيب يقال زحف من باب فتح اذا دب على استه قليلا قليلا سمى به الجيش الدهم المتوجه الى العدو لانه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يوحف وذلك لان الكل يرى كجسم واحد متصل فيحس حركته بالقياس اليه فى غاية البطئ وان كانت فى نفس الامر فى غاية السرعة ونصبه على انه حال من مفعول لقيتم بمعنى زاحفين نحوكم. والمعنى اذا لقيتموهم للقتال وهو كثير جم وانتم قليل { فلا تولوهم الادبار } فلا تولوهم ادباركم فضلا عن الفرار بل قابلوهم وقاتلوهم مع قلتكم فضلا عن ان تدانوهم فى العدد وتساووهم عدل عن لفظ الظهور الى لفظ الادبار تقبيحا لفعل الفار وتشنيعا لانهزامه والتولية جعل الشيء يلى غيره وهو متعمد الى مفعولين وولاه دبره اذا جعله اليه ١٦ { ومن يولهم يومئذ دبره } اى ومن يجعل ظهرهر اليهم وقت اللقاء والقتال فضلا عن الفرار فيومئذ هنا بمعنى حينئذ لان اليوم وان كان اسما لبياض النهار اذا اطلق لكنه اذا قرن به فعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت { الا متحرفا لقتال } اما بالتوجه الى قتال طائفة اخرى اهم من هؤلاء واما بالكفر للكر بان يخيل لعدوه انه منهزم ليغره ويخرجه من بين اعوانه ثم يعطف عليه وحده او مع من فى المكمن من اصحابه وهو باب من خدع الحرب ومكايدها يقال انحرف وتحرف اذا مال من جانب الى جانب آخر والحرف الطرف والجانب وانتصابه على الخالية والتقدير ومن يولهم ملتبسا بحال من الاحوال اية حال كانت الا فى حال كذا راو متحيزا {الى فئة } اى منحازا الاى جماعة اخرى من المؤمنين قريبة او بعيدة لينضم اليهم ثم يقاتل معهم العدو فالانهزام حرام الا فى هاتين الحالتين فان كل واحدة منهما ليست انهزاما فى الحقيقة بل من قبيل التهيئ والتقوى للحرب فمن ولى ظهره لغير احد هذين الغرضين { فقد باء } اى رجع { بغضب } عظيم كائن { من اللّه } تعالى { وماويه } فى الآخرة { جهنم } اى بدل ما اراد بفراره ان يأوى اليه من مأوى ينجيه من القتل والمألأوى المكان الذى يأولى اليه الانسان اى يأتيه { وبئس المصير } اى المرجع جهنم وهذا الوعيد وان كان بحسب الظاهر متناولا لكل من يولى دبره وقت ملاقاة الكفار الا انه مخصوص بما اذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين لقوله تعالى فى آخر هذه السورة { الآن خفف اللّه عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان لم يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن اللّه } قال ابن عباس رضى اللّه عنه من فر من ثلاثة لم يفر ومن فر من اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبيرة الفرار من الزحف : وفى المثنوى اين جنين هوشى كه ازموشى بريد ... اندر آن صف تيغ جون خواهد كشيد جالش است آن حمزه خوردن نيست اين ... تاتو بر مالى بخوردن آسيتن نيست حمزه خودن انيجا تيغ بين ... حمزه بايد درين صف آرهنين كار هر نازك دلى نبود قتال ... كه كريزد از خيالى جون خيال كار تركانست نى تركان برو ... جاى تركان هست خانه خانه شو وعد بعض العلماء الكبائر الى سبعين منها الفرار من الجيش فى الغزو اذا كان مثلا او ضعفا وكل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة اللّه والدين فهى كبيرة تسقط العدالة فى الشهادة فعلى العاقل ان يقدم على الحرب بقلب جريء ويعلم ان الجبن لا يؤخر اجله وان الاقدام على القتال لا يعجل موته ويتشبه الغازى فى اوان المقاتلة باصناف من الخلق فيكون كقلب الاسد لا يجبن ولا يفر كما ان الاسد مقدام غير جبان وكرار غير فرار وفى كبر النمر بالفارسية [ بلنك ] لا يتواضع للعدو وفى شجاعة الدب يقاتل بجميع جوارحه وفى حملة الخنزير لا يولى دبره اذا حمل اى لا يعرض وجهه عما توجه اليه وفى اغارة الذئب اذا يئس من وجه اغار من وجه آخر والاغارة بالفارسية [ يغما كردن ] وفى حمل السلاح الثقيل كالنملة تحمل اضعاف وزن بدنها وفى الثبات كالحجر لا يزول عن مكانه وفى الصبر كالحمار وفى الوفاء كالكلب لو دخل سيده النار يتبعه وفى التماس الفرصة والظفر كالديك ويكون فى الصف ساكنا كالمصل الخاشع ويكون فى متابعة امير العسكر كمتابعة المأموم امامه فى الصلاة اى لا يخالفه اصلا ويغطى نفسه بالسلاح كتغطية البكر نفسها بالثياب اذا زفت اى ارسلت الى الزوج وفى تكثير قليل سلاحه وماله كالمرائى اذا قل ماله وعباداته ويكون فى المكر والخيلة اذا هزمه العدو اى غلب عليه كالثعلب اذا اضطره الكلب فان مدار الحرب على الخداع وفى التبختر والخيلاء بين الصفين كالعروس وفى الخفة فى تحريف القتال من جانب الى آخر كالصبى وفى صياحه اذا صاح بالعدو كالرعد وهو اسم ملك على قول وفى سةء ظنه اى فى الحذر عما يهلكه فى جميع احواله كالغراب الا بقع وهو الذى فيه سواد وبياض وفى حراسته والاحتراز عن المكاره كالكركى وهو طير معروف لا زوردى اللون يشابه اللقلق فى الهيئة بالفارسية [ كلتك ] ومن الحيوان الذى لا يصلح الا برئيس لان فى طبعه الحرس والتحارس والذى يحرس يهتف بصوت خفى كأنه يندر بانه حارس فاذا قضى ثوبته قام الذى كان نائما يحرس مكانه حتى يقضى كل ما يلزمه من الحراسة قال القزوينى والكركى لا يمشى على الارض الا باحدى رجليه ويعلق الاخرى وان وضعها وضعها خفيفا مخافة ان تخسف به الارض كذا فى حياة الحيوان والاشارة ايها القلوب المؤمنة اذا لقيتم كفار النفوس وصفاتها مجتمعين على قهر القلوب وصفاتها فلا تنهزموا من سطوات النفوس وغلبات صفاتها بل اثبتوا بالصبر عند صدمات النفوس فان الصبر عند الصدمة الاولى كما روى ان النبى عليه السلام اتى على امرأة تبكى على صبى ميت لها فقال ( اتقى اللّه واصبرى ) فقالت وما تبالى على مصيبتى فلما ذهب عليه السلام قيل لها انه رسول اللّه فاخذها مصيبة مثل موت صبيها فجاءت بابه تستعذره وتقول لم اعرفك يا رسول اللّه فقال عليه السلام ( الصبر عند الصدمة الاولى ) الصدم ضرب الشئ الصلب بمثله والصدمة مرة منه يعنى الصبر يسر له ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة يعنى الا قلبا ينحرف ليهيئ اسباب القتال مع النفس او راجعا الى الاستمداد من الروح وصفاتها او الى ولاية الشيخ يستمد منها الى الحضرة الربانية فى قمع النفس وقهرها بطريق المجاهدة والرياضة { فقد باء بغضب من اللّه } يعنى بطرد وابعاد منه { ومأويه جهنم وبئس المصير } اى مرجعه جهنم البعد عن الحضرة ونار القطيعة وبئس المرجع والمعاد ١٧ { فلم تقتلوهم } اى ان افتخرتم بقتل الكفار يوم بدر فاعلموا انكم لم تقتلوهم بقوتكم وقدرتكم { ولكن اللّه قتلهم } بنصركم وتسليطكم عليهم والقاء الرعب فى قلوبهم - روى - انه لما طلعت قريش من العقنقل وهو الكذيب الذى جاؤا منه الى الوادى قال عليه السلام ( هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك اللّهم انى اسألك ما وعدتنى ) فاتاه جبريل فقال خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان قال لعلى رضى اللّه عنه ( اعطنى من حصباء الوادى ) فرمى بها فى وجوههم وقال ( شاهت الوجوه ) اى قبحت فما من المشركين احد الا اصاب عينيه ومنخريه تراب فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ثم لما انصرفوا من المعركة غالبين غانمين اقبلوا على التفاخر يقولون قتلت واسرت وفعلت وتركت فنزلت والظاهر ان قوله { فلم تقتلوهم } رجوع الى بيان بقية قصة بدر والفاء جواب شرط مقدر يستدعيه ما مر من ذكر امداده تعالى وامره بالتثبيت وغير ذلك كأنه قيل اذا كان الامر كذلك فلم تقتلوهم انتم كما هو محتار المولى ابى السعود فى تفسيره { وما رميت } يا محمد { اذ رميت } صورة ولا لكان اثر الرمى من جنس آثار الافاعيل البشرية { ولكن اللّه رمى } اتى بما هو غاية الرمى فاوصل اجزاء تلك القبضة الى عيون جميع المشركين حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم فصورة الرمى صدرت منه عليه السلام الا ان اثرها انما صدر من اللّه تعالى اذ ليس فى وسع البشر ان يرمى كفا من الحصباء فى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين الا ويصيبها منه شئ. واللفظ يطلق على المسمى وعلى ما هو كماله والمقصود منه كاطلاق المؤمن على المؤمن الكامل قال فى التأويلات النجمية ان اللّه نفى عن الصحابة القتل بالكلية واحاله الى نفسه لانه تعالى كان مسبب اسباب القتل من امداد الملائكة والقاء الرعب فى قلوب الكفار وتقوية قلوب المؤمنين وغير ذلك فالفعل يحال الى السبب كقولهم القلم يكتب مليحا والكاتب يكتب مليحا وهو المسبب للكتابة : قال فى المثنوى هرجه خواهد آن مسبب آورد ... قدرت مطلق سببها بر درد از مسبب ميرسد هر خبر وشر ... نيست اسباب ووسائط را اثر اين سببها بر نظرها بردهاست ... كه نه هرديدار صنعش راسزاست ديده بايد سبب سوراخ كن ... تاحجب رابر كند از بيخ وبن تامسبب بيندج اندر لا مكان ... هرزه بيند جهد واساب ودكان والفرق فيما بين النبى عليه السلام وبين الصحابة رضى اللّه عنهم ان اللّه تعالى نفى القتل عن الصحابة بالكلية واحاله الى نفسه فجعلهم سببا للقتل وهو المسبب وما نفى الرمى عن النبى عليه السلام بالكلية بل اسند اليه الرمى ولكن نفى وجوده بالكلية فى الرمى واثبته لنفسه تعالى اى ما ورميت بك اذ رميت باللّه وذلك فى مقام التجلى فاذا تجلى اللّه لعبد بصفة من صفاته يظهر على العبد منه فلا يناسب تلك الصفة كما كان من حال عيسى عليه السلام لما تحل اللّه له بصفة الاحياء كان يحيى الموتى باذنه اى به وهذا كقوله تعالى ( كنت له سمعا وبصرا ) الحديث فلما تجلى اللّه للنبى عليه السلام بصفة القدرة كان قد رمى به حين رمى وكان يده يد اللّه وذلك كما كشف القناع عن هذه الحقيقة فى قوله تعالى { ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه يد اللّه ايديهم } واعلم ان اللّه اسند القتل الى داود عليه السلام فى قوله { وقتل داود جالوت } وفرق كثير بين عبدا ضيف فعله الى اللّه تعالى واللّه منزه عن الآفات والحوادث ما رميت اذ رميت كفت حق ... كارحق بركارها دارد سبق كر بيرانيم تيران نى زماست ... ما كمان وتير اندارش خداست تانشد مغلوب كس اين سر نايفت ... كرتوخواهى آن طرف بايد شتافت { وليبلى المؤمنين منه } اى ليعيطهم من عنده تعالى وينعم عليهم { بلاء حسنا } اى عطاء جميلا ونعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الآيات غير مشوبة بمقاساة الشدائد والمكاره. والبلاء يطلق على النعمة وعلى المحنة لان اصله الاختيار وهو كما يكون بالمحنة لاظهار الصبر يكون بالنعمة ايضا لاظهار الشكر والاختبار من اللّه تعالى اظهار ما علم كما علم لا تحصيل علم ما لم يعلم لانه تعالى منزه عنه. واللام متعلقة بمحذوف مؤخر اى وللاحسان اليهم بالنصر والغنيمة والاجر العظيم فعل ما فعل لا لشئ غير ذلك مما لا يجديهم نفعا. واما برمى فالواو للعطف على علة محذوفة اى ولكن اللّه رمى ليمحق الكافرين وليبلى المؤمنين قال ابن الشيخ والظاهر ان بلاء اسم مصدر ليبلى ابلاء حسنا والمتبادر من عبارة القاضى انه حمله على نفس الشئء المبلو به عن طريق اطلاق المصدر على المفعول حيث قال ولنعم عليهم نعمة عظيمة : قال الكاشفى [ در حقائق سلمى از امام جعفر صادق رضى اللّه عنه نقل ميكندكه بلاء حسنا آنست كه ايشانرا از نفوس ايثلن فأنى كرداند وبعد از فنا بهويت خود شان باقى سازد امام. قشيرى كويد بلاء حسن آنست كه مبتلى مشاهده كندميلى رادر عين بلا ] جودانستى كه اين درد تواز كيست ... زرنج خويشتن مى باش خرم كر او زهرت دهد بهتر زشكر ... وراوزحمت زند خوشترزمرهم { ان اللّه سميع } لاستغاثتهم ودعائهم { عليهم } بنياتهم واحوالهم الداعية الى الاجابة ١٨ { ذلكم } اشارة الى البلاء الحسن ومحله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى { ان اللّه موهن كيد الكافرين } معطوف على ذلكم اى المقصود ابلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وابطال حيلهم. والايهان [ سست كردن ] والنعت موهون كذا فى تاج المصادر. والوهن الضعف والكيد المكر والحيلة والحرب وفى الآية اشارة الى ان التأثير من اللّه تعالى والعبد آلة فى البين فينبغى للمرء ان لا يعجب بنفسه وعمله ولذا قال اللّه تعالى { فلم تقتلوهم } واظهر منته عليهم والعجب استعظام العمل الصالح من غير ذكر التوفيق قال المسيح عليه السلام يا معشر الحواريين كم من سراج قد اطفأته الريح وكم من عابد قد افسده العجب واعلم ان الناس فى العجب ثلاثة اصناف. صنف هم معجبون بكل حال وهم المعتزلة والقدرية الذين لا يرون اللّه تعالى عليهم منة فى افعالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص واللطف وتلك الشبهة استولت عليهم. وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشئ من الاعمال وذلك لبصيرة اكرموا بها وتأييد خصوا به. والصنف الثالث المخلطون وهم عامة اهل السنة تارة ينتبهون فيذكرون منة اللّه تعالى وتارة يعفلون فيعجبون وذلك لمكان الغفلة العارضة والفترة فى الاجتهاد والنقص فى البصيرة فحق للعاقل ان يرى حقارة عمله وقلة مقداره من حيث هو وان يرى ان منة اللّه عليه اشرف من قدر عمله واعظم من جزائه وان يحذر على فعله من ان يقع على وجه لا يصلح للّه تعالى ولا يقع منه موقع الرضى فتذهب عنه القيمة التى حصلت له ويعود الى ما كان فى الاصل من الثمن الحقير من دراهم او دوانق ومثاله ان العنقود من العنب او الاضبارة من الريحان تكون قيمته فى السوق دانقا فاذا اهداه واحد الى الملك دستجة فوقع منه موقع الرضى يهب له على ذلك الف دينار فصار ما قيمته حبة بالف دينار فاذا لم يرضه الملك اورده عليه رجع الى قيمته الخسيسة من حبة او دانق فكذلك ما نحن فيه قال وهب كلن فيمن قبلكم رجل عبد اللّه سبعين سنة يفطر من سبت الى سبت فطلب من اللّه حاجة فلم يقض فاقبل على نفسه وقال لو كان عندك خير قضيت حاجتك فانزل اللّه تعالى ملكا فقال يا ابن آدم ساعتك التى ازريت بنفسك فيها خير من عبادتك التى مضت : ونعم ما قال الحافظ الشيرازى در راه ما شكسته دلى ميخرند وبس ... بازار خودفروشى ازان سوى ديكرست اللّهم اجعلنا من اهل التوفيق ومن السالكين بطريق التحقيق_@_ ١٩ { ان تستفتحوا } الخطاب لاهل مكة على سبيل التهكم بهم وذلك انهم حين ارادوا الخروج الى بدر تعلقوا باستار الكعبة وقالوا اللّهم انصر اعلى الجندين واهدى الفئتين واكرم الحزبين وافضل الدين - وروى- ان ابا جهل قال يوم بدر اللّهم انصر افضل الفريقين واحقهما بالنصر اللّهم اينا اقطع للرحم وافسد للجماعة فاهلكه دعا على نفسه لغاية حماقته فاستجاب اللّه دعائه حيث ضربه ابناء عفراء عوذ ومعاذ واجهز عليه ابن مسعود رضى اللّه عنه. فالمعنى ان تستنصروا يا اهل مكة لا على الجندين { فقد جاءكم الفتح } حيث نصر اعلاهما وقد زعمتم انكم الاعلى فالتهكم فى المجئ او فقد جاءكم الهزيمة والقهر والخزى فالتهكم فى نفس الفتح حيث وضع موضع ما يقابله { وان تنتهوا } عن الكفر ومعاداة الرسول { فهو } اى الانتهاء { خير لكم } اى من الحراب الذي ذقتم غائلته لما فيه من السلامة من القتل والاسر ومبنى اعتبار اصل الخيرية فى المفضل عليه هو التهكم { وان تعودوا } لمحاربته { نعد } لنصره { ولن تغنى } اى لن ابدا { عنكم فئتكم } اى جماعتكم التى تجمعونهم وتستغيثون بهم { شيأ } اى من الاغناء فنصب شيأ على المصدر او من المضار فتصبه على المفعولية { ولو كثرت } فئتكم فى العدد { وان اللّه مع المؤمنين } اى ولان اللّه مع المؤمنين بالنصر والمعونة فعل ذلك وفى الآية اشارة الى ان النجاة فى الايمان والاسلام والتسليم لامر اللّه الملك العلام وان غاية الباطل هو الزوال والاضمحلال وان ساعده الامهال : قال الحافظ اسم اعظم بكند كار خوادى دل خوش باش ... كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود واعلم ان المحاربة مع الاولياء الكرام كالمحاربة مع الانبياء العظام وكل منهم منصور على اعدائه لان اللّه معهم وهو لا ينساهم ولا يتركهم بحال -حكى- ان دانيال عليه السلام طرح فى الجب والقيت عليه السباع تلحسه وتتبصبص اليه فاتاه رسول فقال يا دانيال فقال من انت قال انا رسول اليك بطعام فقال الحمد للّه الذى لا ينسى من ذكره واذا السعادة لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن امان واصطد بها العنقاء فهى حبالة ... واقتد بها الجوزاء فهى عنان -وحكى- الماوردى فى كتاب ادب الدنيا والدين ان الوليد بن يزيد بن عبد اللّه تفاءل يوما فى المصحف فخرج له قوله تعالى { واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد } فمزق المصحف وانشأ يقول أتوعد كل جبار عنيد ... فها انحا ذاك جبار عنيد اذا ما جئت ريك يوم حشر ... فقل يا رب مزقنى الوليد فلم يلبث اياما حتى قتل شر قتلة وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده جزم القاضى ابو بكر فى الاحكام فى سورة الكائدة بتحريم اخذ الفأل من المصحف. ونقله القرافى عن الطرطوشى واقره واباحه ابن بطة من الحنابلة. وقال بعضهم بكراهته كذا فى حياة الحيوان للامام الدميرى والاشارة فى الآية { ان تستفحوا } ابواب قلوبكم بمفتاح الصدق والاخلاص وترك ما سوى اللّه تعالى فى طلب التجلى { فقد جاءكم الفتح } بالتجلى فان اللّه تعالى متجل فى ذاته ازلا وابدا فلا تغير له وانما التغير فى احوال الخلق فانهم عند انغلاق ابواب قلوبهم الى اللّه محرومون من التجلى وعند انفتاح ابوابها محفوفون به { وان تنتهوا } اى عن غير اللّه فى طلب اللّه فهو خير لكم مما سواه { وان تعودوا } الى الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها وزخارفها والى ما سوى اللّه تعالى { نعد } الى خذلانكم الى انفسكم وهواها ودواعيها وغلبات صفاتها { ولن تغنى عنكم فئتكم شيأ } اى تقوم لكم الدنيا والآخرة وما فيهما مقام شئ من مواهب اللّه والطافه ولو كثرت يعنى وان كثرت نعم اللّه من الدنيوية والاخروية فلا توازى شيأ مما انعم اللّه على اهل اللّه وخاصته وان اللّه باصناف الطافه مع المؤمنين بهذه المقامات وطالبيها ليبلغهم اليها ورحمته لا بحولهم وقوتهم كذا فى التأويلات النجمية ٢٠ { يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه ورسوله ولا تولوا } بحذف احدى التاءين اى لا تتولوا والتولى الاعراض. وبالفارسية [ روى بكردانيدن ] { عنه } اى عن الرسول ولم يقل عنهما لان طاعة اللّه انما تكون بطاعة رسوله { وانتم تسمعون } اى والحال انكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته والمواعظ الزاجرة عن مخالفته سماع فهم وتصديق ٢١ { ولا تكونوا } بمخالفة الامر والنهى { كالذين قالوا سمعنا } على جهة القبول { وهم لا يسمعون } للقبول وانما سمعوا به للرد والاعراض عنه كالكفار الذين قالوا سمعنا وعصينا وكالمنافقين الذين يدعون السماع والقبول بألسنتهم ويضمرون الكفر والتكذيب : قال فى المثنوى نبست راجه خوانده جه ن خوانده ... هست باى او بكل در مانده كرسرش جنبدجنبد بسير باد رو ... توبسر جنبانيش غره مشو آن سرش كويد سمعنا اى صبا ... باى او كويد عصينا خلنا ٢٢ { ان شر الدواب } اى شر ما يدب على الارض فلفظ الدابة محمول على معناه اللغوى او شر البهائم فهو محمول على معناه العرفى والبهيمة كل ذات اربع من حيوانات البر والبحر { عند اللّه } اى فى حكم قضائه { الصم } الذين لا يسمعون { البكم } الذين لا ينطقون به { الذين لا يعقلون } الحق عدهم من البهائم ثم جعلهم شرها لابطالهم ما ميزوا به وفضلوا لاجله. وانام وصفهم بعدم العقل لان الاصم الابكم اذا كان له عقل ربما يفهم بعض الامور ويفهمه غيره بالاشارة ويهتدى بذلك الى بعض مطالبه. واما اذا كان فاقدا للعقل ايضا فهو الغاية فى الشريه وسوء الحال : قال السعدى بهائم خموشند وكويا بشر ... براكنده كوى از بهائم بتر بنطق است وعقل آدمى زاده فاش ... جوطومى سخن كوى ونادان مباش ٢٣ { ولو علم اللّه فيهم خيرا } شيأ من جنس الخير الذى من جملته صرف قواهم الى تحرى الحق واتباع الهدة { لاسمعهم } سماع تفهم وتدبر ولوقفوا على حقيقة الرسول واطاعوه وآمنوا به ولكن لم يعلم فيهم شيأ من ذلك لخلوهم عنه بالمرة فلم يسمعهم لذلك لخلوه عن الفائدة وخروجه عن الحكمة قال ابن الشيخ عبر عن عدم استقرار الخير فيهم بعدم علم اللّه تعالى بوجوده فيهم لان كل ما وقع واستقر يجب ان يعبم اللّه تعالى بحصوله ووجوده فعدم علم اللّه تعالى بوجود الشئ من لوازم عدمه فى نفسه فعبر باللازم عن الملزوم فقيل { لو علم اللّه فيهم خيرا لاسمعهم } مقام ان يقال لو كان فيهم خيرا لأسمعهم لكونه ابلغ فى الدلالة على انعدام الخير فيهم لان نفى لازم الشئ نفى لنفس ذلك الشئ بينه فيكون ابلغ من نفى نفس ذلك الشئ { ولو اسمعهم } سماع تفهم وهم على هذه الحالة العارية عن الخير بالكلية { لتولوا } عما سمعوه من الحق ولم ينتفعوا به قط او ارتدوا بعد ما صدقوه وصاروا كأن لم يسمعوه اصلا { وهم معرضون } اى لتولوا على ادبارهم والحال انهم معرضون عما سمعوه بقلوبهم لعنادهم وفيه اشارة الى ان من قدر له الشقاوة فانه يتولى عن المتابعة فى اثناء السلوك ويعرض عن اللّه وطلبه ويقبل على الدنيا وزخارفها واعلم ان الانسان خلق فى احسن تقويم قابلا للتربية والترقى مستعدا لكمال لا يبلغه الملك المقرب فهو فى بدء الخلقة دون الملك وفوق الحيوان فبتربية الشريعة يصير فوق الملك فيكون خير البرية وبمخالفة الشريعة ومتابعة الهوى يصير دون الحيوان فيكون شر البرية فيؤول حال من يكون خيرا من الملك الى ان يكون شر الدواب فعل العاقل ان لا يخالف امر الرسول وشريعته فان الحيوان يستسلم لامره فكيف بالانسان - حكى - انه جاء رجل فى بعض اسفاره صلى اللّه عليه وسلم فقال يا رسول اللّه انه كان لى حائط فيه عيشى وعيش عيالى ولى فيه ناضحان والناضخ البعير الذى يستسقى عليه فمنعانى انفسهما وحائطى وما فيه فلا نقدر ان ندنو منهما فنهض النبى صلى اللّه عليه وسلم واصحابه حتى اتى الحائط فقال لصاحبه ( افتح ) قال امرهما عظيم قال ( افتح ) فلما حرك الباب اتيا ولهما جلبة فلما انفرج الباب نظرا الى النبى عليه السلام وبركا ثم سجدا فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رؤوسهما ثم دفعهما الى صاحبهما وقال ( استعملهما واحسن اليهما ) فقال القوم تسجد لك البهائم أفلا تأذن لنا فى السجود لك فقال صلى اللّه تعالى عليه وسلم ( ان السجود ليس الا للحى القيوم ولو امرت احدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها ) وكل ما امر به النبى عليه السلام او نهى عنه ففيه حكمة ومصلحة ولست بمأمور بالتفتيش عنها وانما يلزم عليك الاطاعة والانقياد فقط. أفرتضى لنفسك ان تصدق ابن البيطار فيما ذكره فى العقاقير والاحجار فتبادر الى امتثال ما امرك به ولا تصدق سيد البشر صلى اللّه تعالى عليه وسلم فيما يخبر عنه وتتوانى بحكم الكسل عن الاتيان بما امر به او فعل وانت تحقق انه عليه السلام مكاشف من العالم بجميع الاسرار والحكم كما اخبر عن نفسه وقال ( فعلمت علم الاولين والآخرين ) ولما اخرجك اللّه من صلب آدم فى مقام ألست رددت الى اسفل السافلين ثم منه دعيت لترتفع بسعيك وكسبك الى اعلى عليين حيث ما قدر لك على حسب قابليتك ولا يمكنك ذلك الا بأمرين. احدهما بمحبته صلى اللّه عليه وسلم وبان تؤثر حبه على نفسك واهلك مالك. والثانى بمتابعته صلى اللّه عليه وسلم فى جميع ما امر به ونهى عنه وبذلك تستحكم مناسبتك به وبكمال متابعتك يحصل لك الارتفاع الى اوج الكمال ومن علامات المحبة حب القرآن وحب تلاوته والا كان من المعرضين عن سلوك طريقته صلى اللّه عليه وسلم ومن تمتم محبته ايثار الفقر والزهد فى الدنيا كين جهان جيفه است ومردار ورخيص ... برجنين مردار جون باشم حريص اللّهم اعصمنا من المهالك واجعلنا من السالكين الى خير المسالك ٢٤ { يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول } اى اجيبوا اللّه ورسوله بان تطيعوهما { اذا دعاكم } اى الرسول اذ هو المباشر لدعوة اللّه ودعاؤه بامر اللّه فهو دعاء اللّه تعالى ولذا وحد الفعل { لما يحييكم } اللازم بمعنى الى اى الذى يحييكم وهو انواع منها العلوم الدينية فانها حياة القلب والجهل موته : قال لا تعجبن الجهول حلته ... فذاك ميت وثوبه كفن وقال جاهلى كان بعلم زنده نشت ... ميتش دان ومسكنش مدفن از جنازه نشان جمازه او ... جامهاى تنش بجاى كفن وفى الخبر ان اللّه تعالى ليحيى القلب الميت بالعلم كما يحيى الارض الميتة بوابل المطر والعلوم الدينية الشرعية هى التفسير والحديث والاصول والفقه والفرائض علم دين فقهست وتفسير وحديث ... هركه خواند غير ازين كردد خبيث ومنها العقائد والاعمال فانها تورث الحياة الابدية فى النعيم الدائم. ومنها الجهاد فانه سبب البقاء اذ لو تركوه لغلبهم العدو وقتلهم كما فى قوله تعالى { ولكم فى القصاص حيوة } ومنها الشهادة فان الشهادة احياء عند ربهم سواء كانوا مقتولين بسيف الكفار اوة بسيف الرياضات الشاقة والمجاهدات القوية دانه مردن اشيرين شداست ... بل هم احياء لى من آمده است اقتلونى يا ثقاتى لائما ... ان فى قتلى حياتى دائما فالموت هو الفناء عن الكل والحياة هو البقاء بنور اللّه تعالى { واعلموا ان اللّه يحول بين المرء وقلبه } قال فى القاموس كل ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما وهو تمثيل لغاية قربه من العبد وهو اقرب الى قلبه منه لان ما حال بينك وبين الشيء فهو اقرب الى الشيء منك وتنبيه على انه مطلع من مكنونات القلوب على ما عسى يغفل عنه صاحبها قال رضى اللّه عنه اللّهو اغفر لى ما انت اعلم به منى او حث على المبادرة الى اخلاص القلوب وتصفيتها قبل ان يحول اللّه بينه وبين القلب بالموت او غيره من الآفات كأنه قيل بادر الى تكميل النفوس وتصفية القلوب باجابة الرسول المبعوث من علام الغيوب قبل فوات الفرصة فانها قد ثفوت بان يحدث اللّه اسبابا لا يتمكن العبد معها من تصريف القلب فيما يشاؤه من اصلاح امره فيموت غير مستجيب للّه ورسوله ويحتمل ان يكون المراد بالحيلولة تصوير تملكه تعالى قلب العبد وغلبته عليه فيفسخ عزائمه ويغير نياته ومقاصده ولا يمكنه من امضائها على حسب ارادته فيحول بينه وبين الكفر ان اراد سعادته وبينه وبين الايمان ان قضى شقاوته وكان عليه السلام يقول كثيرا ( يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبى على دينك ) ويبدل بالامن خوفا وبالذكر نسيانا وما اشبه ذلك من الامور المعترضة المفوّتة للفرصة [ در كشف الاسرار فرموده كه علما دلرا بايند ولمن كان له قلب اشارت بدانست وعرفادلرا كم كنند يحول بين المرء وقلبه عبارت از آنست در بدايت از دل ن جارست ودر نهايت حجاب ديدارست ] زيد بيش همى ديدمش اندر دل خويش ... دل نيز حجاب بود برداشت زبيش فاللّه تعالى يحول بتجلى صفاته بين المرء وقلبه يعنى اذا تجلى اللّه على قلب المرء يحول بسطوات انوار جماله وجلاله بين مرآت قلبه وظلمه اوصافه { وانه } اى واعلموا ايضا ان اللّه تعالى { اليه } تعالى لا الى غيره { تحشرون } تبعثون وتجمعون فيجازيكم على حسب اعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر فسارعوا الى طاعة اللّه وطاعة رسوله وبالغوا فى الاستجابة لهما واعلم ان الاستجابة للّه بالسرائر وللرسول بالظواهر وايضا الاستجابة للّه اجلاة الاوراح للشهود واستجابة القلوب للشواهد واجابة الاسرار للمشاهدة واجابة الخفى للفناء فى اللّه والاستجابة للرسول بالمتابعة فى الاقوال والاحوال والافعال -وروى- انه عليه السلام مر على ابى وهو يصلى فدعاه فعجل فى صلاته ثم جاء فقال عليه السلام ( ما منعك عن اجابتى ) قال كنت اصلى ( قال الم تخبر فيما اوحى الى استجيبوا للّه وللرسول ) واختلف العلماء فى جواز قطع الصلاة لاجابة الداعى. فقال بعضهم انه مختص باستجابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا يجوز قطع الصلاة اجابة غيره لانه قطعها ابطال لها وابطال العمل حرام. وقال بعضهم يجوز لكل مصل ان يقطع صلاته لامر لا يحتمل التأخير كما اذا خاف ان يسقط احد من سطح او تحرقه النار او يغرق فى الماء وجب عليه ان يقطع الصلاة وان كان فى الفريضة كذا فى غنية الفتاوى. ويجيب فى صلاة النافلة دعاء امه دون نداء ابيه اى يقطع الصلاة وان كان فى الفريضة كذا فى مثلا وذلك لان مشقة الام وتحملها التعب من الولد اكثر ولذا ورد ( الجنة تحت اقدام الامهات ) معناه ان التواضع للامهات سبب دخوله الجنة. وقال بعض المشايخ الاب يقدم على الام فى الاحترام والام فى الخدمة حتى ولو دخلا عليه يقوم للاب واجابة الدعوة من قبيل الخدمة غالبا قال الطحاوى مصلى النافلة اذا ناداه احد ابويه ان علم انه فى الصلاة وناداه لا بأس ان يجيبه وان لم يعلم واما مصلى الفريضة اذا دعاه احد ابويه فلا يجيب ما لم يفرغ من صلاته الا ان يستغيثه لشيء فان قطع الصلاة لا يجوز الا للضرورة وكذا الافطار فى صوم النفل فانه اذا الحّ عليه احد بالافطار يجوز قبل الزوال واما اذا كان بعده فلا يفطر الا اذا كاتن فى ترك الافطار عقوق الوالدين او احدهما كذا فى شرح التحفة والوقاية. واما فى صوم القضاء فيكره الافطار مطلقا كذا فى الزاهدى ثم اعلم ان استجابة الرسول يدخل فيها بطريق الاشارة استجابة الاولياء العلماء الادباء الامناء لانهم الورثة وطريقتهم طريقة النبى عليه السلام ولا بد لمن اراد الوصول الى اللّه تعالى من صحبة مرشد كامل عارف بالمقامات والمراتب وقبول ما دعا اليه سواء كان محبوبا له اولا فان هذا ليس طريق العقل بل طريق الكشف والالهام والمراتب وقبول ما دعا اليه سواء كان محبوبا له اولا فان هذا ليس طريق العقل بل طريق الكشف والالهام كردر سرت هواى وصالست حافظا ... بايد كه خاك دركه اهل نظر شوى واهل الطريقة ثلاثة عباد ومريدون تخليص الباطن من الشوائب والنفور عن المشغلات وطريق العارفين تخليص القلب للّه وبذل الدنيا والآخرة فى طلب رضاه اللّهم اجعلنا من المستجيبين للدعوة الحقة واذقنا من حلاوة الاسرار المحققة آمين ٢٥ { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } قال الحدادى فى تفسيره نزلت فى عثمان وعلى رضى اللّه عنهما اخبر اللّه تعالى النبى صلى اللّه عليه وسلم بالفتنة التى تكون بسببهما انها ستكون بعدك تلقاها اصحابك تصيب الظالم والمظلوم ولا تكون للظلمة وحدهم خاصة ولكنها عامة فاخبر النبى عليه السلام بذلك اصحابه فكان بعد وفاة النبى صلى اللّه عليه وسلم من الفتن بسبب وعثمان رضى اللّه عنهما ما لا يخفى على احد انتهى. والمعنى لا تختص اصابتها بمن يباشر الظلم منكم بل تعمه وغيره كاقرار المنكر بين اظهرهم والمداهنة فى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل فى الجهاد { واعلموا ان اللّه شديد العقاب } ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشر سببه وفيه تحذير من شدة العقوبة لمن اهاج الفتن وفى الحديث ( الفتنة راتعة فى بلاد اللّه واضعة خطامها فالويل لمن اهاجها ) وفى بعض الاخبار ( الفتنة نائمة لعن اللّه من ايقظها ) قال السعدى ازان همنشين تاتوانى كريز ... كه مرفتنه خفته را كفت خيز قال القرطبى فان قيل قال اللّه تعالى { ولا تزر وازرة وزر اخرى. وكل نفس بما كسبت رهينة. لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } وهذا يوجب ان لا يؤاخذ احد بذنب غيره وانما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب فالجواب ان الناس اذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على من رآه ان يغيره فان سكت عليه فكلهم عاص هذا بفعله وهذا برضاه وقد جعل اللّه فى حكمه وحكمة الراضى بمنزلة العامل فانتظم فى العقوبة قاله ابن العربى انتهى قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدّس سره فى شرح الاربعين حديثا واحيانا تظهر سلطنة العمل الفاسد فيسرى حكمها فى حال ذى العمل الصالح فيتضرر بذلك وان لم يتعد الضرر الى اعماله والاشارة الى ذلك قوله تعالى { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا } الآية وليس هذا بمخالف للاصل المترجم عنه بقوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر اخرى } فان هذا الاثر لا يقع ولا يسرى بحكم ما به امتاز الصالح من الطالح بل بموجب ما به يثبت الاتحاد والاشتراك بينهما وقوله { ولا تزر وازرة وزر اخرى } لسان غلبته حكم ما به الامتياز وايضا ففعل الحق من حيث صدوره من جنابه وحدانى كلى شامل لا تخصيص فيه بل التخصيص من القوابل المتأثرة وهذا عام فى الشر والخير ففى الشر ما ذكر فى قوله تعالى { واتقوا فتنة } الآية وفى الخبر ما اشار اليه عليه السلام فى الحديث المذكور فى حق الذين يجتمعون لذكر اللّه وكون الحق يباهى بهم الملائكة ويقول اشهدكم انى قد غفرت لهم وقول بعض الملائكة ان فيهم فلانا ليس منهم وانما اتاهم لحاجة فيقول الحق سبحانه وتعالى وله قد غفرت هم القوم لا يشقى جليسهم فهذا اثر عموم الحكم من جهة الحق وكليته واثر صلاح الحال الفاسد بمجاورة ذى الحال والعمل الصالح والحضور معه فتذكر انتهى كلام القنوى : فى المثنوى اى خنك آن مرده كزخودرسته شد ... دروجود زنده بيوسته شد واى آن ونده كه بامرده نست ... مرده كشت وزندكى الزوى بجست حق ذات باك اللّه الصمد ... كه بود به ماربد از يار بد ماربد جانى ستاند از سليم ... ياربد آرد سوى نار مقيم والاشارة فى الآية { واتقوا } يا ايها الواصلون { فتنة } يعنى ابتلاء بشئ من حظوظها الدنيوية والاخروية { لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } يعنى لا تصيب تلك الفتنة النفوس الظالمة فقط بل تصيب ظلمتها الرواح النورانية والقلوب الربانية فتجتذبها من حظائر القدس ورياض الانس الى خصائص صفات الانس كما قال تعالى { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } { واعلموا ان اللّه شديد العقاب } فيعاقب الواصلين بالانقطاع والاستدراج عن الالتفات الى ما سواه كذا فى التأويلات النجمية ٢٦ { واذكروا } ايها المهاجرون { اذ انتم قليل } اى وقت كونكم قليلا فى العدد { مستضعفون } خير ثان اى مقهورون تحت ايدى قريش { فى الارض } اى ارض مكة { تخافون } خبر ثالث { ان يتخطفكم الناس } التخطف الاخذ والاستلاب بسرعة وهم كانوا يخافون ان يخرجوا من مكة حذرا من ان يستلبهم كفار قريش ويدهبوا بهم { فآويكم } اى جعل لكم مأوى ترجعون اليه وهو المدينة دار الهجرة { وايدكم بنصره } على الكفار { ورزقكم من الطيبات } من الغنائم التى لم تكن حلالا للامم السالفة على الكفار { ورزقكم من الطيبات } من الغنائم التى لم تكن حلالا للامم السالفة { لعلكم تشكرون } هذه النعم قال الجنبد قدس سره كنت عند السرى وانا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون فى الشكر فقال لى يا غلام ما الشكر فقلت ان لا تعصى اللّه بنعمه فقال يوشك ان يكون حظك من اللّه لسانك فلا زال ابكى على هذه الكلمة واعلم ان الدولة العثمانية التى هى آخر الدول الاسلامية كانت على الضعف فى الاوائل واهلها قليلون مستضعفون تحت ايدى فارس والروم حتى قواهم اللّه بالعدد ونصرهم على اعدائهم فكانوا يستفتحون من مشارق الارض ومغاربها ويأوون الى الاماكن فى الاقطار الى ان آل الامر الى ما آل فكل ذلك نعم جسيمة وستعود هذه الحال الى ما كانت عليه فى الابتلاء فان الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا وما ذلك الا بالغرور والكفران وادعاء الاستحقاق من غير برهان قال السعدى قدس سره ترا آنكه جشم ودهان داد وكوش ... اكر عاقلى در خلافش مكوش مكن كردن ازشكر منعم ميبج ... كه روزى بسين سربر آرى بهيج ثم اعلم ان الروح والقلب فى بدء الخلقة وتعلقهما بالقالب وكذا صفاتهما مستضعفون من غلبات النفس لاعواز التربية بألبان آداب الطريقة وانعدام جريان احكام الشريعة عليهم الى اوان البلوغ والتربية فى هذه المدة للنفس وصفاتها لاستحكام القالب لحمل اعباء تكاليف الشريعة وهما اعنى الروح والقلب يخافون ان تستلبهم النفس وصفاتها ويغتالهم الشيطان اعوانه فآواكم الى حظائر القدس وايدكم بنصره بالواردات الربانية { ورزقكم من الطيبات } اى من المواهب الطاهرة من لوث الحدوث { لعلكم تشكرون } فتستحقون المزيد شكر نعمت نعمتت افزون كند ... كفر نعمت از كفت بيرون كند والعمدة قلة الاكل وكثرة الشكر والطاعة. ويقال اربع فى الطعام فريضة. ان لا يأكل الا من الحلال. وان يعلم انه من اللّه تعالى. وان يكون راضيا. وان لا يعصى اللّه ما دامت قوة ذلك الطعام فيه. واربع سنة. ان يسمى اللّه فى الابتداء. وان يحمد اللّه فى الانتهاء. وان يغسل يديه قبل الطعام وبعده. وان يثنى رجله اليسرى وينصب اليمنى عن الجلوس. واربع آداب. ان يأكل مما يليه وان يصغر اللقمة. وام يمضغها مضغا ناعما. وان لا ينظر الى لقمة غيره. واثنان دواء. ان يأكل ما سقط من المائدة. وان يلعق القصعة. واثنان مكروهان. ان يشم الطعام. وان ينفخ فيه ولا يأكل حارا حتى يبرد فان اللذة فى الحار والبركة فى البارد فعلى العاقل الساعى فى طلب مرضاة اللّه تعالى تحصيل القوت الحلال وكثرة شكر المنعم المفضال وللّه على العبد نعم ظاهرة وباطنة والطاف جليلة وخفية ٢٧ { يا ايها الذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرسول } اصل الخون النقص كما ان اصل الوفاء التمام واستعماله فى ضد الامانة لتضمنه اياه فانك اذا خنت الرجل فقد ادخلت عليه النقصان - روى - انه عليه السلام حاصر بنى قريظة احدى وعشرين ليلة فسألوه الصلح كما صالح اخوانهم بنى النضير على ان يسيروا الى اخوانهم باذرعات واريحا من الشام فأبى الا ان ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضى اللّه عنه فأبوا وقالوا ارسل الينا ابا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم لان عياله وماله كانت فى ايديهم فبعثه اليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد فاشار الى حلقه بالذبح اى ان حكم سعد فيكم ان تقتلوا صبرا فلا تنزلوا على حكمه يقال فلان مقتول صبرا اذا صار محبوسا على القتل حتى يقتل قال ابو لبابة فما زالت قدماى من مكانهما حتى علمت انى قد خنت اللّه ورسوله وذلك لانه عليه السلام اراد منهم ان ينزلوا على حكم سعد ويرضوا بما حكم فيهم وهو صرفهم عنه فنزلت هذه الآية فشد نفسه على سارية من سوارى المسجد وقال واللّه لا اذوق طعاما ولا شرابا حتى اموت او يتوب اللّه على فمكث سبعة ايام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب اللّه عليه فقيل له قد يب عليك فحل نفسك فقال واللّه لا احلها حتى يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الذى يحلنى فجاءه عليه السلام فحله فقال ان تمام توبتى ان اهجر دار قومى التى اصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى فقال عليه السلام ( يجزتك الثلث ان تتصدق به ) { وتخونوا اماناتكم } فيما بينكم اى تخونوها فهو مجزوم معطوف على الاول { وانتم تعلمون } انكم تخونون يعنى ان الخيانة توجد منكم عن عمد ولا عن سهو ولما نهى عن الخيانة نبه على ان الداعى اليها انما هو حب المال والاولاد ألا يرى ان ابا لبابة انما حمله على ما فعل ماله واهله وولده الذين كانوا فى بنى قريظة لانه انما ناصحهم لاجلهم وخان المسلمين بسببهم فقال ٢٨ { واعلموا انما اموالكم واولادكم فتنة } الفتنة قد تطلق على الآفة والبلاء وقد تطبق على الابتلاء والامتحان فالمعنى على الاول انما اموالكم واولادكم اسباب مؤدية الى الوقوع فى الآفة التى هى ارتكاب المعىصية فى الدنيا والوقوع فى عقاب الآخرة وعلى الثانى انها اسباب لوقوع العبد فى محن اللّه تعالى واختباراته حيث يظهر من اتبع الهوى ممن آثر رضى المولى { وان اللّه عنده اجر عظيم } لمن آثر رضى اللّه وراعى حدوده فيهم فانيطوا فيهم فأنيطوا اى علقوا هممكم بما يؤديكم اليه ولا يحملنكم حبهما على الخيانة [ احمد انطاكى فرموده كه حق سبحانه وتعالى مال وفرزندانرا فتنه كفت تا ازفتنه بيكسورويم وما بيوسته بخلاف حكم خداوند آن فتنه را زيادت ميخواهيم ] جوان وبيركه دربند مال وفرزندند ... نه عاقلندكه طفلان ناخر مندند قال بعض السلف كل ما شغلك عن اللّه سبحانه وتعالى من مال وولد فهو مشؤوم عليك واما ما كان من الدنيا يقرب من اللّه ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل انسان : قال فى المثنوى جبست دنيا از خدا غافل بدن ... نى قماش ونقره وميزان وزن مال راكز بهر دين باشى حمول ... نعم مال صالح خواندش رسول آب دركشتى هلاك كشتى است ... آب اندر زير كشتى بشتى است جونكه مال وملك را ازدل براند ... زان سليمان خويش جز مسكين نخواند وفى الحديث ( ان العبد اذا قال لعن اللّه الدنيا قالت الدنيا لعن اللّه من عصا ربه ) فعلى العاقل ان لا يشتغل بسبب الدنيا ولعنها بل يلوم نفسه ولعنها فى حب الدنيا قال ابو يزيد قدس سره جمعت فكرى واحضرت ضميرى ومثلت نفسى واقفا بين يدى رب فقال لى يا ابا يزيد بأى شيء جئتنى قلت يا رب بالزهد فى الدنيا. قال يا ابا انما كان مقدار الدنيا عندى مثل جناح بعوضة ففيم زهدت منها فقلت الهى وسيدى استغفرك من هذه الحالة جئت بالتوكل عليكم قال يا ابا يزيد ألم اكن ثقة فيما ضمنت لك حتى توكلت على قلت الهى وسيدى استغفرك من هاتين الحالتين جئتك بالافتقار اليك فقال عند ذلك قبلناك فهذه حال العافين باللّه تعالى وفوا عهودهم فى طلبه فجعلهم اللّه امناء لاسراره واعلم ان الخيانة على انواع فالفرائض والسنن اعمال ائتمن اللّه تعالى عليها عباده ليحافظوا على ادائها فى اوقاتها برعاية حدودها وحقوقها فمن ضيعها فقدخان اللّه تعالى فيها. والوجود وما يتبعه من الاعضاء والقوى امانات والاهل والاولاد والاموال امانات والاماء والعبيد وسائر الخدم امانات والسلطنة والوزارة والامارة والقضاء والفتوى وما يلحقها امانات وفى الحديث ( من قلد انسانا عملا وفى رعيته من هو اولى منه فقد خان اللّه ورسوله وجماعة المؤمنين ) قال السعدى قدس سره كسى راكه باخواجه تست جنك ... بد ستش جرا ميدهى جوب وسنك سك آخر كه باشدكه خوانش نهند ... بفرماى تا استخوانش دهند وفى الحديث ( انا ثالث الشريكين ما لم يخن احدهما صاحبه فاذا خان خرجت من بينهما وجاء الشيطان ) ففى كل ذلك يلزم العبد ان يكون امينا غير خائن والا فقد تعرض لسخط اللّه تعالى ونعوذ باللّه منه قال ابن عباس رضى اللّه عنهما كلب امير خير من صاحب خاءن وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم فخرج فى بعض منتزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فاكلا وشربا ثم اصطجعا فوثب الكلب عليهما فلما رجع الحارث الى منزله وجدهما قتيلين فعرف الامر فانشد يقول وما زال يرعى ذمتى ويحوطنى ... ويحفظ عرشى والخليل يخون فيا عجبا للخل تحليل حرمتى ... ويا عجبا للكلب كيف يصون والاشارة فى الآياية { يا ايها الذين آمنوا } اى يا أيها الارواح والقلوب المنورة بنور الايمان المستعدة بسعادات العرفان { لا تخونوا اللّه } يما آتاكم من المواهب فتجعلوها شبكة الدنيا واصطياد اهلها { والرسول } يترك السنة والقيام بالبدعة { وتخونوا اماناتكم } فالامانة هى محبة اللّه وخيانتها تبديلها بمحبة المخلوقات يشير الى ارباب القلوب واصحاب السلوك اذا بلغوا الى اعلى مراتب الطاعات والقربات ثم التفتوا الى شيء من الدنيا وزينتها وخانوا اللّه بنوع من التصنع وخانوا الرسول بالتبدع وترك التتبع بتعدى الخيانة وآفاتها الى الامانة التى هى المحبة فتسلب منهم بالتدريج فيكون لهم ركونهم الى الدنيا وسكونهم الى جمع الاموال حرصا علىلاولاد { وانتم تعلمون } انكم تبيعون الدين بالدنيا والمولى بالاولى { واعلموا انما اموالكم واولادكم } التى تعرضون عن اللّه لها { فتنة } يختبركم اللّه بها لكى يتميز الموافق من المنافق والصديق من الزنديق فمن اعرض عن الدنيا وما فيها من صدق فى طلب المولى { وان اللّه عنده اجر عظيم } فمن ترك ما عنده فى طلب ما عند اللّه يجده عنده او ان اللّه عنده اجر عظيم والعظيم هو اللّه فى الحقيقة فيجد اللّه تعالى كذلك فى التأويلات النجمية ٢٩ { يا ايها الذين آمنوا ان تتقوا اللّه } اى فى كل ما تأتون وترون { يجعل لكم } بسبب ذلك { فرقانا } هداية فى قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل او نصرا يفرق بين المحق والمبطل باعزاز المؤمنين واذلال الكافرين كما قال تعالى { يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } واراد به يوم عز المؤمنين وخذلان الكافرين { ويكفر عنكم سيآتكم } اى يسترها والفرق بين السيئة والخطيئة ان السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لانها من الخطأ { ويغفر لكم ذنوبكم } بالعفو والتجاوز عنها { واللّه ذو الفضل العظيم } اى عظيم الفضل على عباده وهو تعليل لما قبله وتنبيه على ان وعد اللّه لهم على التقوى تفضل واحسان لا انه مما توجب التقوى كما اذا وعد السيد عبده انعاما على عمل وفى الآية امور. الاول التقوى وهو فى مرتبة الشريعة ما اشير اليه بقوله تعالى { فاتقوا اللّه ما استطعتم } وفى مرتبة الحقيقة ما اشير اليه بقوله تعالى { واتقوا اللّه حق تقاته } [ متقى آنست كه حق سبحانه وتعالى را وقاية خود كرفته باشد در ذات وصفات وافعال فعل او در افعال حق فانى باشد وصفت اودر صفات حق مستهلك كشته ] كم شده جون سايه نور آفتاب ... باجو بوى كل در اجزائ كلاب قال ابن المبارك سألت الثورى من الناس فقال العلماء قلت من الاشراف قال المتقون قلت من الملوك قال الزهاد قلت من الغوغاء قال القصاص الذين يستأكلون اموال الناس بالكلام قلت من السفلة قال الظلمة. الثانى ان التقوى اسندت الى المخاطبين وجعل الفرقان الى اللّه تعالى فاللّه تعالى اذا اراد بالعبد خرا اصطفاه لنفسه وجعل فى قلبه سراجا من نور قدسه يفرق به بين الحق والباطل والوجود والعدم والحدوث والقدم ويتبصر به عيوب نفسه كما حكى عن احمد بن عبد اللّه المقدسى قال صحبت ابراهيم بن ادهم فسألته عن بداية امره وما كان سبب انتقاله من الملك الفانى الى الملك الباقى فقال لى يا اخى كنت جالسا يوما فى اعلى قصر ملكى والخواص قيام على رأسى فاشرفت من الطاق فرأيت رجلا من الفقراء جالسا بفناء القصر وبيده رغيف يابس فبله بالماء واكله بالملح الجريش وانا انظر اليه الى ان فرغ من اكله ثم شرب شيأ من الماء وحمد اللّه تعالى واثنى عليه ونام فى فناء القصر فالهمنى اللّه سبحانه وتعالى الفكر فيه فقلت لبعض مماليكى اذا قام ذلك الفقير فائتنى به فلما استيقظ من نومه قال له الغلام يا فقير ان صاحب هذا القصر يريد ان يكلمك قال بسم اللّه وباللّه وتوكلت على اللّه لا حول ولا قوة الا باللّه العلى العظيم وقام معه ودخل على فلما نظر الى سلم على فرددت عليه السلام وامرته بالجلوس فجلس فلما اطمأن قلت له يا فقير اكلت الرغيف وانت جائع فشبعت قال نعم قلت وشربت الماء على شهوة فرويت قال نعم قلت ثم نمت طيبا بلاهم وغم فاسترحت قال نعم فقلت فى نفسى وانا اعاتبها يا نفس ما اصنع بالدنيا والنفس تقنع بما رأيت وسمعت فقعدت التوبة مع اللّه تعالى فلما انصرم النهار واقبل الليل لبست مسحا من صوف وقلنسوة من صوف وخرجت حافيا سائحا الى اللّه تعالى وهذه احدى الروايتين فى بداية امره. والثالث ان المغفرة فضل عظيم من اللّه تعالى فلا بد للمؤمن حسن الظن باللّه تعالى فانها ليست بمقطوعة قيل اوحى اللّه تعالى الى موسى عليه السلام ( انى اعلمك خمس كلمات هن عماد الدين ما لم تعلم ان قد زال ملكى فلا تترك طاعتى ) همه تحت وملكى يذيرد زوال ... يجز ملك فرمانده لا يزال ( وما لم تعلم ان خزائنى قد نفذت فلا تهتم برزقك ) در دائره قسمت ما نقطه تسليم ... لطف أنجه توانديشى وحكم آنجه توفرمايى ( وما لم تعلم ان عدوك قد مات يعنى ابليس فلا تامن من مفاجأته ولا تدع محاربته ) كجاسر برآريم ازين عاروننك ... كه با او بصلحيم وباحق بجنك ( وما لم تعلم انى قد غفرت لك فلا تعب المذنبين ) مكن بنامه سياهى ملامت من مست ... كه آكه است كع تقدير برسرش جه نوشت ( وما لم تدخل جنتى فلا تأمن مكرى ) زاهد ايمن مشو از بازى غيرت زنهار ... كه ره از صومعة تادير مغان اين همه نيست فعلى العاقل ان يجتهد الى آخر العمر كى يفكر اللّه عنه سيآت وجوده الفانى ويستره بانوار جماله وجلاله واللّه ذو الفضل العظيم لمن تجاوز عما عنده راغبا فيما عند اللّه والفضل العظيم هو البقاء باللّه بعد الفناء فيه كما فى التاويلات النجمية ٣٠ { واذ يمكر بك الذين كفروا } تذكير لمكر قريش حين كان بمكة ليشكر نعمة اللّه فى خلاصه مة مكرهم واستيلائه عليهم قال ابن اسحق لما رأوا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد كانت له شيعة واصحاب من غيرهم بلدهم ورأوا خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعرفوا انه قد اجمع لحربهم فاجتمعوا له فى در الندوة وهى الدار التى بناها قصىّ بن كلاب بمكة وكانت قريش لا تقضى امرا الا فيها وسميت دار الندوة لانهم ينتدون فيها اى يجتمعون للمشاورة والندىّ والندوة والنادى مجلس القوم ومتحدثهم فان تفرق القوم عنه لا يسمى نديا كما لا يسمى الظرف كأسا اذا لم يكن فيه شراب فتتشاوروا فى امر النبى عليه السلام منهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وابو جهل وابو سفيان والنضر بن الحارث وابو البخترى بن هشام وابى بن خلف وزمعة بن الاسود وغيرهم من الرؤساء والاكابر فدخل عليهم ابليس فى صورة شيخ كبير عليه ثياب اطمار فجلس بينهم فقالوا مالك يا شيخ دخلت فى حلوتنا بغير اذننا فقال انا رجل من اهل نجد قدمت مكة فاراكم حسنة وجوهكم طيبة روائحكم فاححببت ان اسمع حديثكم فاقتبس منكم خيرا فدخلت وان كرهتم مجلسى خرجت وما جئتكم الا انى سمعت باجتماعكم فاردت ان احضر معكم ولن تعدموا منى رأيا ونصحا فقالوا ها رجل لا بأس عليكم منه فتكلموا فيما بينهم فبدأ عمر بن هشام فقال اما أنا فأرى ان تأخذوا محمدا فتجعلوه فى بيت تسدون عيله بابه وتشدون عليه وثاقه وتجعلون له كوة تدخلون عليه طعاما وشرابه فيكون محبوسا عندكم الى ان يموت فقال ابليس بئس الرأى يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من ايديكم فقالوا صدق واللّه الشيخ ثم تكلم ابو البحترى فقال ارى ان تحملوه على بعير فتشدوا وثاقه عليه ثم تخرجوه من ارضكم حتى يموت او يذهب حيث شاء فقال ابليس بئس الرأى تعمدون الى رجل افسد جماعتكم ومعه منكم طائفة فتجرجوه الى غيركم فيأتيهم فيفسد منهم ايضا جماعة بما يرون من حلاوة كلامه وطلاقة لسانه وتجتمع اليه العرب وتستمع الى حسن حديثه ثم ليأتينكم به فيخرجكم من دياركم ويقتل اشرافكم فقالوا صدق واللّه الشيخ فتكلم ابو جهل فقال ارى ان يجتمع من كل بطن منكم رجل ويأخذون السيوف فيضربونه جميعا ضربة رجل واحد فيتفرق دمه فى القبائل فلا يدرى قومه ومن يأخذونه ولا يقومون على حرب قريش كلهم فاذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا فقال ابليس صدق واللّه هذا الشاب وهو اجودكم رأيا القول قوله لا ارى غيره فتفرقوا على رأيه فنزل جبرائيل عليه السلام فاخبر النبى بذلك وامره ان لا يبيت فى مضجعه الذى كان يبيت فيه وامره بالهجرة الى المدينة فبيت عليا رضى اللّه عنه على مضجعه وخرج هو مع ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه الى الغار. والمكر حيلة وتدبير فى اهلاك احد وافساد امره بطريق الخفية بحيث لا يعلم المرء الا عند وقوعه. والمعنى اذكر يا محمد وثت مكرهم بك { ليثبتوك } بالوثاق والحبس فان اثبات الشئ وتثبيته عبارة عن الزامه بموضع ومن شد فقد اثبت لانه لا يقدر على الحركة والمراد ما قال عمرو بن هشام { او يقتلوك } اى بسيوفهم المختلفة وهو ما قال ابو جهل { او يخرجوك } اى من مكة من بين اظهرهم الى غيرهم وهو ما قال ابو البحترى { ويمكرون ويمكر اللّه } اى يرد مكرهم عليهم والمكر وامثاله لا يسند اليه تعالى الا على طريق المقابلة والمشاكلة ولا يحسن ابتداء عند مكره قال الحدادى لانه لا يمكر الا بالحق وصواب ومكرهم باطل وظلم واعلم ان للخلق مكرا وللحق مكرا فمكر الخلق من الحيلة والعجز ومكر الخالق من الحكمة والقدرة فمكر الخلق مع مكر الحق باطل زاهق ومكر الحق حق ثابت : قال الحافظ سحر يا معجزه بهلو نزند ايمن باش ... سامرى كيست دست از يد بيضا ببرد وقال آخر صعوه كو باعقاب سازد جنك ... دهد ازخون خود برش را رنك قال ابو العيناء كانت لى خصماء ظلمة فشكوتهم الى احمد بن ابى دؤاد وقلت وقد تظاهروا فصاروا يدا واحدة فقال { يد اللّه فوق ايديهم } فقلت لهم مكر فقال { ولا يحيق المكر السئ الا باهله } فقلت هم كثير فقال { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن اللّه } مركرا اقبال باشد رهنمون ... دشمنش كردد بزودى سرنكون وجد فى وقائع الاسكندر مكتوبا بالذهب اذا كان اللّه هو غاية الغايات فالمعرفة اجل العبادات. واذا كان الموت حقا فالركون الى الدنيا غرور. واذا كان القدر حقا فالحرص على الدنيا باطل. واذا كان الغدر فى النفوس طبعا فالثقة بكل احد عجز. واذا كان اللّه عدلا فى احكامه فعقوبات الخلق بما كسبت ايديهم. ولما قصد ابو جهل اضرار النبى عليه السلام بالقتل قتله اللّه فى بدر وازال شره عن المسلمين وذلك عدل محض منه تعالى فانظر الى قريش حيث شاهدوا الآيات العظام من جهة النبى عليه السلام فما زادوا الا كفرا وعنادا وع\اوة فهم اشد الناس فى ذلك. ولو رأى اليوم واحد من الكفرة كرامة لولى امسك عن الاذى بل سارع الى التبجيل كما حكى ان بعض سلاطين الكفار استولى على بعض المسلمين بسفك دمائهم ونهب اموالهم واراد ان يقتل فقراء بعض المشايخ فاجتمع به الشيخ ونهاه عن ذلك فقال لهم السلطان ان كنتم على الحق فاظهروا لى آية فاشار الشيخ الى بعر الجمال هناك فاذا هى جواهر تضئ واشار الى كيزان الارض فارغة عن الماء فتعلقت فى الهواء وامتلأت ماء وافواهها منكسة الى الارض ولا يقطر منها قطرة فدهش السلطان من ذلك فقال له بعض جلسائه لا يكبر هذا فى عينك فانه سحر فقال له السلطان ارنى غير هذا فامر الشيخ بالنار وامر الفقراء بالسماع فلما عمل فيهم الوجد دخل بهم الشيخ الى النار وكانت نارا عظيمة ثم خطف الشيخ ولد السلطان ودار به فى النار ثم غاب به ولم يدر اين ذهبا والسلطان حاضر فبقى متفجعا على ولده فلما كان بعد ساعة ظهرا وفى احدى يدى ابن السلطان تفاحة وفى الاخرى رمانة فقال له السلطان من ذلك فقال له جلساء السوء وهذا عمل بصنعة باطلة فقال السلطان عند ذلك كل ما تظهره لا اصدق به حتى تشرب من هذه الكأس واخرج له كأسا مملوءة سما تقتل القطرة منه فى الحال فامر الشيخ بالسماع حتى وصل اليه الحال فاخذ الكأس حينئذ وشرب جميع ما فيها فتمزقت ثيابه التى عليه فالقوا اليه ثيابا اخرى فتمزقت كذلك ثم اخرى مرارا عديدة ثم ترشح عرقا وبقيت الثياب بعد ذلك ولم تنقطع فاعتقه السلطان وعظمه وبجله ورجع عن ذلك القتل والافساد ولعله اسم واللّه اعلم ٣١ { واذا تتلى } -روى- ان النضر بن الحارث من بنى عبد الدار كان يختلف تاجرا الى فارس والروم والحيرة فيسمع اخبار رستم واسفنديار واحاديث العجم واشترى احاديث كليلة ودمنة وكان يمر باليهود والنصارى فيراهم يقرأون والتوراة والانجيل ويركعون ويسجدون فجاء مكة فوجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلى ويقرأ القرآن فطفق يقعد مع المستهزئين وهو منهم ويقرأ عليهم اساطير الاولين اى ما سطروه فى كتبهم من اخبار الامم الماضية واسمائهم وكان يزعم انها مثل ما يذكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قصص الاولين فقال تعالى { واذا تتلى } { عليهم } اى على النضر ومتابعيه { آياتنا } القرآنية { قالوا قد سمعنا } هذا الكلام { لو نشاء لقلنا مثل هذا } وهذا كما ترى غاية المكابرة ونهاية العناد وكيف لا ولو استطاعوا شيأ من ذلك فما الذى كان يمنعهم من المشيئة وقد تحداهم عشر سنين فما استطاعوا معارضته مع فرط استنكافهم ان يغبلوا خصوصا فى باب ما يتعلق بالفصاحة والبيان فلما تحقق افحامهم دعتهم شدة المكابرة والعناد الى ان علقوا معارضته بمشيئتهم { ان } ما { هذا الا اساطير الاولين } اى ما سطره الاولون من القصص جمع اسطورة وهى المسطورة المكتوبة وفى التأويلات النجمية قالوا قد سمعنا وما سمعوا على الحقيقة فانها قرآن يهدى الى الرشد كما سمعت الجن وانهم سمعوا اساطير الاولين ولهذا قالوا ما قالوا فانهم يقدرون على ان يقولوا اساطير الاولين ولكن لا يقدرون على ان يقولوا مثل القرآن لان القرآن كلام اللّه وصفته القديمة وما يقولون هو كلام المحدث المخلوق فلا يكون مثل القرآن فى الصورة والمعنى والحقيقةوالاسرار والانوار ولا يقدر على مثله الخلائق كلهم كما قال { قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } وفى المثنوى جون كتاب اللّه برآمد هم بران ... اين جنين طعنه زدند آن كافران كه اساطير است وافسانه ثرند ... نيست تعميقى وتحقيقى بلند كود كان خرد فهمش ميكند ... نيست جز امر بسند ونابسند ذكر يوسف ذكر زلف برخمش ... ذكر يعقوب وزليخا وغمش ظاهر است وهركسى بى ميبرد ... كوبيان كه كم شود در روى خرد كفت اكر آسان نمايد اين بتو ... انيجنين يك سوره كواى سخت رو جنيان وانسيان واهل كار ... تويكى آيت ازين آسان بيار ٣٢ { واذ قالوا } اى واذكر وقت قول النضر ومتابعيه -روى- انه لما قال { ان هذا الا اساطير الاولين } قال النبى صلى اللّه عليه وسلم ويلك انه كلام اللّه تعالى فقال { اللّهم } [ بارخدايا ] { ان كان هذا } القرآن { هو } ضمير فصل لا محل له من الاعراب { الحق } المنزل { من عندك } ومعنى الحق بالفارسية [ راست ودرست ] { فامطر علينا حجارة } نازلة { من السماء } عقوبة علينا كما امطرتها على قوم لوط واصحاب الفيل { او ائتنا بعذاب اليم } سواه مما عذب به الامم والمراد به التهكم واظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلا وحاشاه قيل نزل فى النضر ابن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر فانه عليه السلام قتل يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا وهم طعيمة بن عدى وعقبة بن ابى معيط والنضر بن الحارث وكان قد اسر المقداد ابن الاسود فانظر انه من غاية ضلالته وجهالته قال ما قال ولم يقل بدلا عنه اللّهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا اليه ومتعنا به واجعله شفاء قلوبنا ونور به صدورنا وامثال هذا فكيف بمن لا يكون هذا حاله ان يكون مثل القرآن مقاله ٣٣ { وما كان اللّه } مريدا { ليعذبهم وانت فيهم } لان العذاب اذا نزل عم ولم يعذب امه الا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها وفيه تعظيم للنبى عليه السلام وحفظ لحرمته وقد ارسله اللّه تعالى رحمة للعالمين والرحمة والعذاب ضدان والضدان لا يجتمعان قيل ان الرسول عليه السلام هو الامان الاعظم ما عاش ودامت سنته باقية والاية دليل على شرفه عليه السلام واحترامه عند اللّه حيث جعله سببا لامان العباد وعدم نزول العذاب وفى ذلك ايماء الى ان اللّه تعالى يرفع عذاب قوم لاقترانهم باهل الصلاح والتقى قال حضرة الشيخ الشهير بافتادة افندى قدس سره جميع الانتظام بوجود الشريف فانه مظهر الذات وطلسم العوالم حتى قيل فى وجه عدم ارتحال جسده الشريف من الدنيا مع ان عيسى عليه السلام قد عرج الى السماء بجسده انه انما بقى جسمه الطاهر هنا لاصلاح عالم الاجساد وانتظامه : قال الشيخ العطار قدس سره خويشتن را خواجه عرصات كفت ... انما انا رحمة مهداة كفت رزقنا اللّه شفاعته { وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون } المراد استغفار من بقى فيهم من المؤمنين المستضعفين الذين لا يستطيعون المهاجرة عنهم وقيل معناه فى اصلابهم من يستغفر وقيل معناه وفيهم من يأول امره الى الاستغفار من الكفر قال امير المؤمنين على المرتضى رضى اللّه عنه كان فى الارض امانان فرفع احدهما وبقى الآخر. فاما الذى رفع فهو رسول اللّه. اما الذى بقى فالاستغفار وقرأ بعد هذه الآية وفى نفائس المجالس المؤمن الصادق فى ايمانه لا يعذبه اللّه فى الآخرة لان نبيه يكون فيهم يوم القيامة واقسم اللّه سبحانه ان لا يعذب امته ما دام بينهم والصدق فى التوبة يؤدى الى النجاة وهو الندم مع الاقلاع لا باللسان فقط واستغفار الاكابر من رؤية شيء سوى اللّه كفت حق كآمرزش ازمن مى طلب ... كان طلب مرعفورا باشد سبب ازبى زهر كناه ار بشنوى ... هست استغفار ترياق قوى ٣٤ { وما لهم ان لا يعذبهم اللّه } اى اى شيء لهم فى انتفاء العذاب عنهم يعنى لاحظ لهم فى ذلك وهم معذبون لا محالة بعد زوال المانع والموجب لامهالهم وهما الامران المذكوران وكيف لا يعذبون { وهم } اى والحال انهم { يصدون } يمنعون الرسول والمؤمنين { عن المسجد الحرام } اى عن طواف الكعبة شرفها اللّه كما وقع عام الحديبية ومن صدهم عنه الجأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الى الهجرة وكانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء فرد اللّه عليهم بقوله { ما كانوا اولياءه } اى مستحقين ولاية امر المسجد الحرام مع شركهم { ان اولياءه الا المتقون } من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره { ولكن اكثرهم لا يعلمون } ان لا ولاية لهم عليه. وفيه اشعار بان منهم من يعلم ذلك ولكنه يعاند وقيل اريد باكثرهم كلهم كما يراد بالقلة العدم وفى التأويلات { ان اولياءه الا المتقون } فيه اشارة الى ان الولى هو المتقى باللّه عما سواه { ولكن اكثرهم لا يعلمون } اى ولكن الاكثرين من الاولياء لا يعلمون انهم اولياء اللّه ٣٥ { وما كان صلاتهم } اى دعاء المشركين { عند البيت } اى بيت اللّه وهو الكعبة { الا مكاء } صفيرا من مكا يمكو ومكاء اذا صفر وقال الحدادى المكاء طائرا بيض يكون فى الحجاز يصفر فسمى تصويته باسمه { وتصدية } تصفيقا وهو تصويت اليدين يضرب احداهما على الاخرى واصلها احداث الصدى وهو ما يسمع من رجع الصوت فى الامكنة الخالية الصلبة يقال صدى يصدى تصدية وكان تقرب المشركين الى اللّه بالصفير والتصفيق يفعلونهما عند البيت مكان الدعاء والتسبيح ويعدونهما نوعا من العبادة والدعاء لما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال كانت قريش يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين اصابعهم يصفرون فيها ويصفقون فمساق الآية لتقرير استحقاقهم العذاب وعدم ولايتهم المسجد فانها لا تليق لمن هذه صلاته وقال مقاتل كان النبى عليه السلام اذا صلى فى المسجد قام رجلان من بنى عبد الدار عن يمينه ورجلان عن يساره فيصفرون كما يصفر المكاء ويصفقون بايديهم ليخلطوا على النبى عليه السلام صلاته وقراءته وكانوا يفعلون كذل بصلاة من آمن به ويريدون انهم يصلون ايضا فالمراد بالصلاة على هذا التقدير هى المأمور بها { فذوقوا العذاب } اى عذاب القتل والاسر يوم بدر ويقال اراد بهذا انه يقال لهم يوم القيامة فذوقوا العذاب { بما كنتم تكفرون } اعتقادا وعملا فالكفر والمعصية سبب للوقوع فى العذاب والتوبة والاستغفار وسيلة الى فيض الرحمة من الوهاب وهى صابون الاوزار فحيث لا توبة ولا طهارة كان كل مسلم لا يسلح لان يلى امر مسجد القلب وانما يليق بولايته من كان فارغا من الشواغل معرضا على العلائق طاهرا من العيوب واللّه تعالى لا يعذب اولياءه بعد ادخالهم جنات التجليات العالية والاذواق والحالات المتوالية فانهم تخلصوا من الوجود المضاف الى النار المشابه للحطب وما بقى فيهم غير النور الالهى المضيئ فى بيت القلب الحقانى وانما يعذب بعدله من لم يستعد للرحمة او من خلط عملا صالحا بآخر سيئا ليخلصه من ذلك اللوث فالاقتداء بالنبى عليه السلام قبول ما جاء به من الاحكام والشرائع مؤد الى الخلاص وسبب للتصفية فعليك بالاختيار والاجتناب فانهما فرضان وحقيقة التقوى عبارة عن كليهما وبالاحتماء يصح المريض ومعالجة القلوب المرضى اولى من كل امر واهمّ من كل شيء للعبد العاقل وذلك بالتقوى واحياء سنة خير الورى وفى الحديث ( من احيى سنتى فقد احيانى ومن احيانى فقد احبنى ومن احبنى كان معى فى الجنة يوم القيمة ) وفى الحديث ايضا ( من حفظ سنتى اكرمه اللّه باربع خصال المحبة فى قلوب البررة والهيبة فى قلوب الفجرة والسعة فى الرزق والثقة بالدين ) فان فاتت صحبة الرسول فقد تيسرت صحبة سنته وصحبة من احب سنته وذلك ماض الى يوم القيامة ولصحبة الكبار واقتران المتقين تأثير عظيم ولاستماع كلام الحق والرسول نفع تام ولكن العمدة توفيق اللّه وهدايته نسأل اللّه تعالى ان يصحح اغراضنا ويكثر صالحات اعمالنا واعواضنا ويؤيدنا بنور الكتاب والسنة ويشرفنا بالمقامات العالية فى الجنة ٣٦ { ان الذين كفروا } نزلت فى المطعمين يوم بدر وكانةا اثنى عشر رجلا من اشراف قريش يطعم كل واحد منهم عسكر الكفار كل يوم عشر جزر وهو جمع جزوز وهو البعير ذكرا كان او انثى الا ان لفظه مؤنث تقول هذه الجزور وان اردت ذكرا { ينفقون اموالهم } على عداوة الرسول صلى اللّه عليه وسلم { ليصدوا } اى يمنعوا الناس { عن سبيل اللّه } اى جين اللّه واتباع رسوله لانه طريق ثوابه والخلود فى جنته لمن سلكه على ما امر به واللام فى ليصدوا لام الصيرورة وهى لام العاقبة والمآل { فسينفقونها } بتمامها ولعل الاول اخبار عن انفاقهم وهو انفاق بدر والثانى اخبار عن انفاقهم فيما يستقبل هو انفاق احد ويحتمل ان يراد بهما واحد بان يكون ينفقون للاستمرار التجددى ويكون السين فى قوله فسينفقونها للتأكيد لا للتسويف فيتحد الانفاقان الا ان مساق الاول لبيان غرضهم من الانفاق ومساق الثانى لبيان عاقبته { ثم تكون } تلك الاموال { عليهم حسرة } ندما وغما لفواتها من غير خصول المقصود ولما كانت عاقبة انفاقها حسرة فى قلوبهم جعلت ذوات الاموال كأنها عين الحسرة للمبالغة قال الحدادى والحسرة مأخوذ من الكشف يقال حسر رأسه اذا كشفه والحاسر كاشف الرأس فيكون المعنى ثم يكشف لهم عن ذلك ما يكون حسرة عليهم { ثم يغلبون } آخر الامر وان كانت الحرب بينهم سجالا قبل ذلك { والذين كفروا } واصروا على الكفر { الى جهنم يحشرون } اى يساقون لا الى غيرها ٣٧ { ليميز اللّه } اللام متعلقة بيحشرون او يغلبون والميز بالفارسية [ جدا كردن ] { الخبيث } فريق الكفار { من الطيب } فريق المؤمنين { ويجعل } الفريق { الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا } اى يجمعهم ويضم بعضهم الى بعض حتى يتراكموا ويتزاحموا فالركم ليس عبارة عن الجمع مطلقا ليس عبارة عن الجمع مطلقا بل هو الجمع بين اشياء بحيث يتراكب بعضها فوق بعض ومنه السحاب المركوم { فيجعله فى جهنم } كله { اولئك } الفريق الخبيث { هم الخاسرون } الكاملون فى الخسران لانهم خسروا لانهم خسروا واموالهم وانفسهم والاشارة ان اللّه تعالى خلق الروح نورانيا علويا وخلق النفس ظلمانية سفلية ثم اشرك بينهما وجعل رأس مالهما الاستعداد الفطرى القابل للترقى والكمال فى القربة والمعرفة والخسارة والنقصان فمن اتجر فآمن وجاهد بنفسه وماله فى سبيل اللّه وطلبه وبلغ مبلغ الرجال البالغين فقد وبح روحه ونفسه جميعا ومن آمن باللّه ورسوله لكن من وجد العصيان ومخالفة الشريعة فقد ربح روحه وخسر نفسه ومن لم يؤمن باللّه ورسوله وكفر بهما فقد خسر روحه ونفسه جميعا قيل دخل على الشلبى قدس سره فى وقت وفاته وهو يقول يجوز فقيل له ما معنى قولك يجوز فقال خلق اللّه الروح والنفس واشرك بين الروح والنفس فعملا واتجرا سنين كثيرة فحوسبا فاذا هما قد خسرا وليس معهما ربح فقد عزما على الافتراق وانا اقول شركة لا ربح فيها يجوز ان يقع بين الشريكين افتراق : قال السعدى كوس رحلت بكوفت دت اجل ... اى دوجشم وداع سر بكند اى كف ودست وساعد وبازو ... همه توديع يكد كر بكند بر من افتاده مرك دشمن كام ... آخراى دوستان حذر بكنيد روز كارم بشد بنادانى ... من نكردم شما حذر بكنيد فعلى العاقل ان يجتهد قبل مجيئ الفوت ويربح فى تجارته ببذل النفس والمال والطيب من الاموال ما يبذل فى طلب اللّه على الطالبين والخبيث ما يلتفت اليه الطالب من غير حاجة ضرورية فيشغله عن اللّه وطلبه فيكون قاطع طريقه - ويروى - ان اللّه تعالى يضم الاموال الخبيثة بعضها الى بعض فيلقيها فى جهنم ويعذب اربابها كقوله تعالى { يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكون بها جباههم وجنوبهم وظهورهم } -وروى- ان ابا سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب على محاربة الرسول صلى اللّه عليه وسلم سوى من استجاش من العرب اى صار جيشا وانفق عليهم اربعين اوقية والاوقية اثنان واربعون مثقالا وفى القاموس سبعة مثاقيل فانظر الى الكفار وجاريهم على الانفاق لغرض فاسد وهو الصد عن سبيل اللّه واقل من القليل من المسلمين من يبذل ماله ولو قليلا لجذب القلوب والوصول الى رضى المحبوب فلا بد للمرء من قطع النفس عن مألوفها وهو حب المال ومن كلمات الجنيد قدس سره ما اخذنا التصوف عن القال والقيل لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات وعن ابى سعيد الخدرى قال قال رجل يا رسول اللّه اى الناس افضل قال مؤمن يجاهد بنفسه وماله فى سبيل اللّه قال ثم من قال رجل معتزل فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وفيه دليل على فضل العزلة وهى مستحبة عند فساد الزمان وتغير الاخوان وتقلب الاحوال ووقوع الفتن وتراكم المحن كما فعله جماعة من الصحابة رضى اللّه عنهم وقد كان النبى عليه السلام عند تقلب الاحوال واختلاف الرجال وكثرة القيل والقال يأمر بالاعتزال وملازمة البيوت وكسر السيوف واتخاذها من العراجين والخشب قال الامام الغزالى ان السلف الصالح اجمعوا على التحذير من زمانهم واهله وآثروا العزلة وامروا بذلك وتواصوا بها ولا شك انهم كانوا بصدد النصح وان الزمان لم يصر بعدهم خيرا مما كان بل ادهى وامر : قال الحافظ تو عمر خواه وصبورى كه جرخ شعبد باز ... هزار بازى ازين طرفه تربرانكيرد ان آدم هذا ولم يحدث له غير ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود اللّهم اجعلنا من الصابرين ٣٨ { قل للذين كفروا } اللام للتعليل اى لاجلهم والمراد ابو سفيان واصحابه { ان ينتهوا } عن معاداة الرسول بالدخول فى الاسلام { يغفر لهم ما قد سلف } من ذنوبهم قبل الاسلام { وان يعودوا } الى قتاله انتقمنا منهم واهلكناهم { قد مضت سنة الاولين } الذين تجزبوا على الانبياء بالتدمير كما جرى على اهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك وانشد بعضهم يستوجب العفو الفتى اذا اعترف ... ثم انتهى عما اتاه واقترف لقوله قل للذين كفروا ... ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ٣٩ { وقاتلوهم } [ وكار زار كنيداى مؤمنان باهل كفر ] { حتى } الى ان { لا تكون } توجد منهم { فتنة } اى شرك يعنى [ مشرك نمانداز وثنى واهل كتاب ] { ويكون الدين كله للّه } وتضمحل الاديان الباطلة اما باهلاك اهلها جميعا او برجوعهم عنها خشية القتل { فان انتهوا } عن الكفر { فان اللّه بما يعملون بصير } فيجازيهم على انتهائهم عنه واسلامهم ٤٠ { وان تولوا } اى اعرضوا عن قبول الحق { فاعلموا ان اللّه موليكم } ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم { نعم المولى } لا يضيع من تولاه { ونعم النصير } لا يغلب من نصره وفى الآية حث على الجهاد وفى الحديث ( موقف ساعة فى سبيل اللّه خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الاسود ) وعن معاذ بن جبل قال عهد الينا رسول اللّه فى خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنا على اللّه تعالى من عاد مريضا او خرج مع جنازة او خرج غازيا فى سبيل اللّه او دخل على امام يريد بذلك تعزيره وتوقيره او قعد فى بيته فسلم وسلم منه وعن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( من خرج حاجا فمات كتب اللّه له اجر الحاج الى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب اللّه له اجر الغازى الى يوم القيامة ) فعلى العاقل ان يجتهد فى احياء الدين بما امكن له من الاسباب ويتوقع النصرة الموعودة من رب الارباب ولا يلتفت الى مخلوق مثله فانهما سيان فى باب العجز خصوصا اذا كان استمداده من الفسقة كما يفعل ولاة الزمان فانه لا يجيئ خير لاهل الخير من اهل الشر والعدوان ونعم ما قيل دركار دين زمزدم بى دين مدد مخواه ... ازماه منخسف مطلب نور صبحكاه ثم ان حقيقة النصرة ان ينصرك اللّه تعالى على نفسك التى هى اعدى عدوك بقهر هواها وقمع مشتهاها فان انفتاح باب الملك فى الانفس سبب وطريق لانفتاح باب الملك فى الآفاق وكذا الملكوت دوستئ نفس را بكذار ازهوس ... همجو مردان طالب حق باش بى جوياى نفس والاشارة { وقاتلوهم } كفار النفوس والهوى بسيف الصدقة { حتى لا تكون فتنة } النفس والهوى آفة مانعة لكم عن الوصول الى عالم الحقيقة { ويكون الدين كله للّه } ببذل الوجود فقد الموجود لنيل الجود { فان انتهوا } اى النفوس عن معاملاتها وتبدلت عن اوصافها وطاوعت القلوب والارواح وصارت مأمورة مطمئنة تحت الاحكام { فان اللّه بما يعملون } فى عبوديته وصدق طلبه { بصير } لا يخفى عليه نقيرها وقطميرها فيجازيهم على قدر مساعيهم { وان تولوا } اى وان اعرضوا عن الحقوق واقبلوا الى الشهوات والحظوظ فاعلموا ايها القلوب والارواح { ان اللّه مولاكم } فى الهداية وناصركم على قهر النفوس وقمع الهوى { نعم المولى } الذى هو وليكم لتهتدوا به اليه { ونعم النصير } فى دفع ما يقطعكم عنه وناصركم فى الوصول اليه واعلم ان النور الذى فى حقائق ما يستفاد من معانى الاسماء والصفات جند القلب الذى يقابل النفس والهوى والشيطان ونحو ذلك كما ان الظلمة التى هى معانى ما يستفاد من الهوى والعوائد الرديئة جند النفس التى بها تتقوى آثارها والحرب بينهما سجال فا اراد اللّه ان ينصر عبده على ما طلب منه امد بجنود الانوار فكلما اعترته ظلمة قام لها نور فأذهبها وقطع عنه مواد الظلم والاغيار فلم يبق للّهوى مجال ولا للشهوة والاخلاق الذميمة مقال ولا حال كذا فى التأويلات النجمية ٤١ { واعلموا } ايها المؤمنون { انما } حق ما هذه ان تكتب منفصلة عن ان لكونها موصولة كما فى قوله تعالى { ان ما توعدون لآت } لكنها كتبت متصلة اتباعا للرسم اى الذى { غنمتم } اخذتموه واصبتموه من الكفر قهرا وغلبة. والغنم الفوز بالشيء واصل الغنيمة اصابة الغنم من العدو ثم اتسع واطلق على كل ما اصيب منهم كائنا ما كان قالوا اذا دخل الواحد والاثنان دار الحرب مغيرين بغير اذن الامام فأخذوا شيأ لم يخمس لان الغنيمة هو المأخوذ قهرا وغلبة لا اختلاسا وسرقة هذا عند ابى حنيفة ويخمس عند الشافعى { من شيء } حال من عائد الموصول اى ما غنمتموه كائنا كما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط والمخيط خلا ان سلب المقتول للقاتل اذا نفله الامام وان الاسارى يخير فيها الامام وكذا الاراضى المغنومة والآية نزلت ببدر وقال الواقدى كان الخمس فى غزوة بنى قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة { فان للّه خمسه } مبتدأ خبره محذوف اى حكمه ثابت فيما شرعه اللّه وبينه لعباده ان خمسه للّه او خبر مبتدأ محذوف اى فالحكم ان للّه خمسه ولخمس بالفارسية [ بنج يك ] { وللرسول ولذى القربى } اعاد اللام فى لذى القربى دون غيرهم من الاصناف الثلاثة لدفع توهم اشتراكهم فى سهم النبى صلى اللّه عليه وسلم لمزيد اتصالهم به عليه الصلاة والسلام وهم بنوا هاشم وبنوا المطلب دون بنى عبد شمس وبنى نوفل واعلم انه عليه السلام هو محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وكان لعبد مناف اربعة بنين هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل وكان لهاشم ولدان عبد المطلب واسد وكان لعبد المطلب عشرة بنين منهم عبد اللّه وابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب والحارث وزبير فكلهم وما يتفرع منهم هاشميون لكونهم من اولاد هاشم وعبد مناف هو ابن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك لن النضر بن كنانة وكل من كان من ولد النضر فهو قرشى جون ولد كنانة ومن فوقه فقريش ابوهم النضر وانما خص ذووا قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ببنى هاشم وبنى المطلب لانهم لم يفارقوه عليه السلام فى جاهلية ولا فى اسلام فكانت قرابتهم قرابة كاملة وهى القرابة نسبا وتواصلا فى حال العسر واليسر فاعطوا الخمس واما بنوا عبد شمس وبنوا نوفل فمع مساواتهما بنى المطلب فى القرب حرموا الخمس لان قرابة نوفل بالتواصل والتناصر لم تنضم الى قرابتهم النسبية { واليتامى } جمع يتيم وهو الصغير المسلم الذى مات ابوه يصرف اليه سهم من الخمس اذا كان فقيرا { والمساكين } جمع مسكين وهو الذى اسكنه الضعف عن النهوض لحاجته اى اهل الفاقة والحاجة من المسلمين { وابن السبيل } اى المسافر البعيد عن ماله قال الكاشفى ومسافران مسلمانان يا قومى كه بر مسلمانان نزول كنند واعلم ان اللام ى الآية لام الاستحقاق لخمس الغنيمة فاقتضى الظاهر ان تكون المصارف سنة اقسام لكن الجمهور على ان ذكر اللّه تعالى للتعظيم وافتتاح الكلام باسمه تعالى عن طريق التبرك لا لان للّه نصيبا من الخمس فان الدنيا والآخرة كلها له سبحانه فلا يسدس خمس الغنيمة بان يصرف سهم منها الى اللّه تعالى بصرفه الى عمارة الكعبة ان كانت قريبة والافالى مسجد كل بلدة ثبت فيها الخمس كما ذهب اليه البعض او بضمه الى سهم الرسول كما ذهب اليه الآخر وسهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سقط بوفاته لان الانبياء لا يورثون قال ابن الشيخ لانه عليه السلام لم يخلفه احد فى الرسالة فلا يخلفه فى سهمه هذا عند الامام الاعظم واما الشافعى فيصرف سهمه عليه السلام الى مصالح المسلمين وما فيه قوة الاسلام وكذا سقط سهم ذوى القربى بوفاته عليه السلام فلا يعطى لهم لاجل قرابتهم بل يعطى لفقرهم وكان عليه السلام يعطيهم غنيهم وفقيرهم لقرابتهم لا لفقرهم حتى كان يعطى العباس بن المطلب مع كثرة ماله. والحاصل ان ذوى القربى اسوة لسائر الفقراء اى يدخلون فيهم ويقدمون على غيرهم ولا يعطى اغنياؤهم وفى شرح الاثار عن ابى حنيفة ان الصدقات كلها اى فرضها ونفلها جائزة على بنى هاشم والحرمة كانت فى عهد النبى عليه السلام لوصول خمس الخمس اليهم فلما سقط ذلك بموته حلت لهم الصدقة قال الطحاوى وبالجواز نأخذ ولما سقط السهمان وهماسهم الرسول وسهم ذوى القربى فخمس الغنيمة اليوم يجعل ثلاثة اقسام ويصرف الى ثلاثة اصناف اليتامى والمساكين وابناء السبيل وتقسم الاخماس الاربعة بين الغانمين للفارس سهمان وللراجل سهم وفى حياة الحيوان ان الفيل يقاتل به وراكبه يرضخ له اكثر من راكب البغل وفى التحفة هذه الثلاثة مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرفت الى صنف واحد منهم جاز { ان كنتم آمنتم باللّه } متعلق بمحذوف دل عليه واعلموا اى ان كنتم آمنتم باللّه فاعلموا انه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه اليهم واقطعوا اطماعكم منه واقتنعوا بالاخماس الاربعة الباقية ووجه دلالته عليه انه تعالى انما امر بالعلم بهذا الحكم ليعمل له لانه العلم بمثل هذا المعلوم ليس مما يقصد لنفسه بل انما يقصد للعمل به { وما انزلنا } اى وربما انزلناه { على عبدنا } محمد صلى اللّه عليه وسلم من الآيات والنصر على ان المراد بالانزال مجرد الايصال والتيسير فينتظم الكل انتظاما حقيقيا { يوم الفرقان } ظرف لانزلنا اى يوم بدر فانه فرق فيه بين الحق والباطل بنصر المؤمنين وكبت الكافرين { يوم التقى الجمعان } اى المسلمون والكفار وهو بدل من الظرف الاول [ وآن روز جمعه بود هفد هم رمضان درسنه ثانيه از هجرت ] وهو اول مشهد شهده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقتال المشركين لاعلاء الحق والدين { واللّه على كل شيء قدير } فيقدر على نصر القليل على الكثير والذليل على العزيز كما فعل بكم ذلك اليوم ٤٢ { اذا انتم } نازلون { بالعدوة الدنيا } اى شفير الوادى الادنى من المدينة وهو بدل ثان من يوم الفرقان { وهم } اى وعجوكم نازلون { بالعدوة القصوى } اى فى جانبها الابعد منها وهو الجانب الذى يلى مكة والعدوة شط الوادى اى جانبه وشفيره وسميت بذلك لانها عدت ما فى الوادى من ماء على ان يتجاوز اى منعته والدنيا من دنا يدنو دنوا والقصوى من قصا المكان بقصوا قصوا اذا بعد والقياس القصيا بقلب الواو ياء كالدنيا الا ان واوها بقيت على حالها كواو القود { والركب } جمع راكب مثل صحب وصاحب والراكب هو راكب البعير خاصة كما ان الفارس من على الفرس والمراد بالركب ههنا العير اى القافلة المقبلة المتوجهة من الشام او قوادها وهم ابو سفيان واصحابه وكانوا جميعا على البعير { اسفل منكم } اى نازل فى مكان اسفل من مكانكم وكانوا بقرب ساحل البحر بينهم وبين المسلمين ثلاثة اميال واسفل وان كان منصوبا على الظرفية واقعا موقع خبر المبتدأ الا انه فى الحقيقة صفة لظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وضعف حال المسلمين ولهذه الفائدة ذكرا مراكز الفريقين فان العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الا رجل ولا يمشى فيها الا بتعب ولم يكن فيها ماء بخلاف العدوة القصوى فورد النظم على هذا الوجه الدال على القوة والضعف ليتحققوا ان ما اتفق لهم من الفتح ليس الا صنعا من اللّه خارقا للعادة فيزدادوا ايمانا وشكرا { ولو تواعدتم } أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم { لاختلفتم فى الميعاد } [ دروعده خوردا ] هيبة منهم ويأسا من الظفر عليم { ولكن } ما اختلفتم وما تخلفتم عن القتال بل جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد { ليقضى اللّه } ليتم اللّه { امرا كان مفعولا } حقيقتان يفعل وهو نصر اوليائه وقهر اعدائه جعل ما اقتضت الحكمة ان يفعل مفعولا لقوة ما يستدعى ان يفعل { ليهلك من هلك عن بينة } بدل من ليقضى قال سعدى جلبى المفتى الظاهر واللّه اعلم ان عن هنا بمعنى بعد كقوله تعالى { عما قليل ليصبحن نادمين } انتهى والمعنى ليكون هلاك من شارف الهلاك بعد مشاهدة بينة واضحة الدلالة على ان الدين المرضى عند اللّه تعالى هو الاسلام لا عن مخالجة شبهة حتى لا تبقى له عند اللّه تعالى معذرة وحجة فى عدم تحليه بحلية الاسلام { ويحيى من حى عن بينة } اى يعيش من يعيش عن حجة شاهدها حتى يقوى يقينه ويكمل ايمانه فان وقعة بدر كانت من الآيات الواضحة الدالة على حقيقة الاسلام فمن كفر بعد مشاهدتها كان مكابرا معاندا عادلا عن الحق الذى وضحت حقيته والمراد بمن هلك ومن حى المشارق للّهلاك والحياة قال سعدى جلبى المراد هو الاستمرار على الحياة بعد وقعه بدر فيظهر صحة اعتبار معنى المشارفة فى الحياة ايضا { وان اللّه لسميع عليم } اى بكفر من كفر وعقابه وايمان من آمن وثوابه. ولعل الجمع بين وصفى السميع والعليم لاشتمال كل واحد من الكفر والايمان على القول والاعتقاد [ نقلست كه حضرت بيغمبر صلى اللّه عليه وسلم دران شب كه روزش جنك بدر واقع شده بود در واقعه ديد لشكر قريش را درغايت قلت وذلت تأويل فرمودكه دوستان غالب ودشمنان مغلوب خواهند شد مؤمنان بعد از استماع اين رؤيا وتعبير آن بغايت مسرور وفرحان شدند وحق سبحانه وتعالى تذكار آن نعمت ميفرمايد وميكويد ] ٤٣ { اذ يريكم اللّه } اى اذكر يا محمد وقت اراءة اللّه المشركين اياك { فى منامك } مصدر يسمى بمعنى النوم { قليلا } حال من المفعول الثانى اى حال كونهم قليلا والاراءة بصرية تتعدى الى اثنين - روى - عن مجاهد انه قال ارى اللّه تعالى كفار قريش لنبيه صلى اللّه عليه وسلم فى منامه قليلا فاخبر بذلك اصحابه فقالوا رؤيا النبى حق والقوم قليل فكان ذلك سببا لقوة قلوبهم { ولو اريكهم كثيرا لفشلتم } اى لجنبتم وتأخرتم عن الصف قال الحدادى الفشل هو الضعف مع الوجل { ولتنازعتم فى الامر } اى امر القتال وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار. والتنازع ان يحاول كل واحد من الاثنين ان ينزع صاحبه مما هو عليه { ولكن اللّه سلم } اى انعم بالسلامة من الفشل والتنازع { انه عليم بذات الصدور } يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ولذلك دبر ما دبر ٤٤ { واذ يريكموهم } الضميران مفعولا يرى وفاعل الاراءة هو اللّه تعالى. والمعنى بالفارسية [ وآنراياد كنيداى صحابه كه بنمود خداى تعالى دشمنانرا بشما ] { اذ التقيم فى اعينكم } حال كونهم { قليلا } وانما قللّهم فى اعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضى اللّه عنه لمن الى جنبه أتراهم سبعين قال اراهم مائة مع انهم كانوا الفا وتسعمائة وخمسين تثبيتا لهم وتقوية لقلوبهم وتصديقا لرؤيا الرسول صلى اللّه عليه وسلم فانها وحى لا خلف فيه اصلا { ويقللكم فى اعينهم } حتى قال ابو جهل ان محمدا واصحابه اكلة جزور وهو مثل يضرب فى القلة اى قلتهم بحيث يشبعهم جزور واحد قللّهم فى اعينهم قبل التحام القتال ليجترئوا عليهم ولا يبالغوا فى الاجتهاد والاستعداد والتأهب والحذر ثم كثرهم حتى رأوهم مثليهم لتفاجئهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم قال فى التأويلات النجمية { ويقللكم فى اعينهم } لانهم ينظرون اليكم بالابصار الظاهرة لا يرون كثرة معناكم وقوة قلوبكم ومددكم من الملائكة فانهم عمى البصائر والقلوب ولئلا يفروا من القتال كما فر ابليس لما رأى مدد الملائكة وهو قد جاء مع الكفار فى صورة سراقة فقالوا له اين تفر فقال لهم انى ارى ما لا ترون { ليقضى اللّه امرا كان مفعولا } كرره لاختلاف الفعل المعلل به وهو الجمع بين الفريقين على الحالة المذكورة فى الاول وتقليل كل واحد من الفريقين فى عين الآخر فى الثانى { والى اللّه ترجع الامور } كلها يصرفها كيف يريد لا راد لامره ولا معقب لحكمه. وفيه تنبيه على ان احوال الدنيا غير مقصودة لذواتها وانما المراد منها ما يكون وسيلة الى سعادة الآخرة ومؤديا الى مرضاة الرحمن وفى الآيات اشارات. منها ان اركان الاسلام خمسة وهى غنائم دينية لكن التوحيد اعلى من الكل ولذا كان خمسا راجعل الى اللّه تعالى وباقى الاخماس حظ الجوارح فعلى العاقل ان يحرز غنائم العبادات وما يتعلق بالمعارف والكمالات الت تتحقق بها السادات ليكون الروح والجوارح كلاهما محفوظين غير محرومين وفى التأويلات النجمية ما غنمتم عند رفع الحجب من انوار المشاهدات واسرار المكاشفات فلكم اربعة اخماس تعيشون بها مع اللّه وتكتمونها عن الاغيار داند وبوشدبامر ذو الجلال ... كه نباشد كشف راز حق حلال ولا تنفقون اكثر من خمسها فى اللّه مخلصا وللرسول متابعا ولذى القربى يعنى الاخوان فى اللّه مواصلا واليتامى يعنى اهل الطلب من الذين غاب عنهم مشايخهم قبل بلوغهم الى حد الكمال والمساكين يعنى الطالبين الصادقين اذا امسكوا بأيدى الاراداة اذيال ارشادكم وابن السبيل يعنى الصادر الوارد من اهل الصدق والارادة من اغيار جانب كل طائفة منهم على حسب صدقهم وارادتهم وطلبهم واستعدادهم واستحقاقهم مؤديا حقوقهم للّه وفى اللّه وباللّه فى متابعة رسول اللّه وقانون سيرته وسنته. ومنها ان اللّه تعالى كما جمع بين الفريقين بحيث لو تركهم على حالهم لما اجتمعوا ليظهر عز الاسلام وذل الكفر كذلك جمع بين الارواح والنفوس فى هذه الهياكل والقوالب بحيث لو تركهما على حالهما وهما على الضدية واختلاف الطبيعة لما اجتمعت ليحصل الارواح فى مقعد صدق والنفوس مع الملائكة المقربين كما قال { فادخلى فى عبادى } بعدما كانت محبوسة فى سجن الدنيا والاجساد فى جنات النعيم واعلى عليين بعد ما كانت فى اسفل سافلين هذا بالنسبة الى السعداء المخلوقين للتحيات والقربات واما الاشقياء المذرؤون لجهنم فعلى خلاف ذلك وقد خلق اللّه الاستعداد للترقى والتنزل وللّه على الناس الحجة البالغة قال الكاشفى [ در ترجمه شفا مذ كورست كه كوهر شب آنكه فروز عقل را همجانجه درحقه سينه دوستان مى سبارند دراستين دشمنان تر دامن نيز مى نهند ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة ) يعنى بارقه نور عقل اكر از جانب عنايت وتوفيق لامع شود دوتان بدان مهتدى كردند واكر از طرف قهر وخذلان استضاءت يذيرد سبب اختطاف ابصار بصائر دشمنان شود ( يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا ) ] كرت صورت حال بد يانكوست ... نكاريده دست تتدير اوست ومنها ان من سنة اللّه ان يرى النبى صلى اللّه عليه وسلم حقائق الاشياء حقا وصدقا وهو يخبر بها ثم يراها ارباب الصورة فى الظاهر بضدها ابتلاء واختبار للمؤمن والمنافق فالمؤمن يثبت على ايمانه بتصديق النبى عليه السلام وتسليمه فى اقواله واعماله واحواله من غير اعتراض فيزيده اللّه ايمانا مع ايمانه والمنافق تزل قدمه وتشوش حاله بالاعتراض ويزيد نفاقه على النفاق وعماه على العمى والى اللّه ترجع الامور فحال الؤمن وامره ان يرجع الى رضاه وحال المنافق وامره يرجع الى سخطه والرضى والسخط آثار لطفه وقهره يفعل اللّه ما يشاء ويحكم ما يريد وقس على هذا الهامات الاولياء واحوالهم مع معتقديهم ومنكريهم فان الاختبار والابتلاء سنة قديمة وكم ترى من الصوفية من يزعم انه يحب فلانا ويعتقده وطريقته حقا فاذا جاء سطوة القهر باراءة ما هو غير ملائم لطعنه نكص على عقبيه واتخذه غرضا لطعنه وتشنيعه واين هو المحبة وهو مقام عال يجتمع عنده اللطف والقهر والجمال والجلال فلا يتشوش صاحبه من الاحوال العارضة المرئية فى صورة التنزل والتدلى ولذا كثر ارباب الصورة وقل اصحاب المعنى ويكفى لكل مرشد كامل واحد ممن يلزم طريقته وينبع هداه ٤٥ { يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة } اى حاربتم جماعة كافة لان اللقاء مما غلب فى الحرب والقتال وهم ما كانوا يحاربون الا الكفار { فاثبتوا } وقت لقائهم وقتالهم ولا تنهزموا وفى الحديث ( لا تتمنوا لقاء العدو فاذا لقيتموهم فاصبروا ) وانما نهى عن تمنى لقاء العدو لما فيه من صورة الاعجاب والوثوق بلقوة ولانه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو وتحقيرهم وهذا يخالف الاحتياط كما قالوا فى آداب المناظرة انه ينبغى ان لا يحسب المناظر الخصم حقيرا اى صغيرا ذليلا لان استحقار الخصم ربما يؤدى الى صدور الكلام الضعيف من المناظر لعدم المبالاة فيكون سببا لغلبة الخصم الضعيف عليه فيكون الضعيف قويا والقوى ضعيفا واشلر اذا جاء من حيث لا يحتسب كان اعم فعلى العاقل ان يسال العفو والعافية فانه لا يدرى ما يفعل به اول شكسته باش كه اوج سرير ملك ... يوسف بس ازمجاورت قعر جاه يافت { واذكروا اللّه كثيرا } اى فى تضاعيف القتال ومواطن الشدة بالتكبير والتهليل وغيرهما وادعوه بنصر المؤمنين وخذلان الكافرين { كالذين قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } { لعلكم تفلحون } اى تفوزون بمرامكم وتظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة. وفيه تنبيه على ان العبد ينبغى ان لا يشغله شيء عن ذكر اللّه وان يلتجئ اليه عند الشدائد ويقبل اليه بالكلية فارغ البال واثقا بانه لطفه لا ينفعك عنه فى حال من الاحوال وعلى ان ذكر اللّه تعالى له تأثير عظيم فى دفع المضار وجلب المنافع توبهر حالى كه باشى روز وشب ... يك نفس غافل مباش ازدكررب درخوشى ذكر توشكر نعمتست ... دربلاها التجا باحضر تست قال بعض الحكماء ان للّه جنة فى الدنيا من دخلها يطيب عيشه وهو مجالس الذكر وفى الحديث ( ان للّه سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر فاذا اتوا عليهم حفوا بهم ثم بعثوا رائدهم الى السماء الى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون ربنا آتينا على عباد من عبادك يعظمون آلامك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك محمد صلى اللّه عليه وسلم ويسألونك لآخرتهم ودنياهم فيقول اللّه تبارك وتعالى غشوهم رحمتى فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ) قال فى انوار المشارق وكما يستحب لذكر يستحب الجلوس فى حلق اهله والعادة جرت فى حلق الذكر بالعلانية اذ لم يعرف فى كرّ الدهور حلقة ذكر اجتمع عليها قوم ذاكرون فى انفسهم فالذكر برفع الصوت اشد تأثيرا فى قمع الخواطر الراسخة على قلب المبتدى وايضا يغتنم الناس باظهار الدين بركة الذكر من السامعين فى الدور والبيوت ويشهد له يوم القيامة كل رطب ويابس سمع صوته خصوصا فى مواضع الازدحام بين الغافلين من العوام لتنبيه الغافلين وتوفيق الفاسقين وفى بعض الفتاوى لو ذكر اللّه فى مجلس الفسق ناويا انهم يشتغلون بالفسق وانا اشتغل بالذكر فهو افضل كالذكر فى السوق افضل من الذكر فى غيره وحضور مجلس الذكر يكفر سبعين مجلسا من مجالس السوء وقد نهى عن ان يجلس الانسا مجلسا لا يذكر اللّه ولا يصلى على نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم ويكون ذلك المجلس حسرة عليه يوم القيامة وفى الحديث ( من جلس مجلسا كثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللّهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك غفر له ما كان فى مجلسه ذلك ) فعلى العاق ان يكون رطب اللسان بالذكر والدعاء والاستغفار دائما خصوصا فى الاوقات المباركة -روى- ان النبى عليه السلام بعث بعثا الى نجد فغنموا واسرعوا وقل رجل ما رأينا بعثنا افضل غنيمة واسرع رجعة فقال النبى عليه السلام ( ألا ادلكم على قوم افضل غنيمة واسرع رجعة الذين شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون اللّه حتى تطلع الشمس ثم يصلون ركعتين ثم يرجعون الى اهاليهم وهى صلاة الاشراق وهو اول وقت الضحى وذلك بعد ان تطلع الشمس ويصلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ) ذكر فى شرح المصابيح ان فى قوله ثم قعد يذكر اللّه تعالى دلالة على ان المستحب فى هذا الوقت انما هو ذكر اللّه تعالى لا القراءة لان هذا وقت شريف وان للمواظبة للذكر فيه تأثيرا عظيما فى النفوس وقال فى المنية ناقلا عن جمع العلوم ومن وقت الفجر الى طلوع الشمس ذكر اللّه تعالى اولى من القراءة ويؤيده ما ذكره فى القنية من ان الصلاة على ان النبى عليه السلام والدعاء والتسبيح افضل من قراءة القرآن فى الاوقات التى نهى عن الصلاة فيها وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم ( ألا ادلكم على ساعة من ساعات الجنة الظل فيها ممدود والرزق فيها مقسوم والرحمة فيها مبسوطة والدعاء مستجاب قالوا بلى يا رسول اللّه قال ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ) قال على المرتضى رضى اللّه عنه مر النبى عليه السلام بعائشة رضى اللّه عنها قبل طلوع الشمس وهى نائمة فحركها برجله فقال ( قومى لتشاهدى رزق ربك ولا تكونى من الغافلين ان اللّه يقسم ارزاق العباد بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ) واختلف فى ان التهليل والتسبيح ونحوهما بمجرد القلب افضل او باللسان مع حضور القلب احتج من رجح الاول بان عمل السر افضل واحتج من رجح الثانى بان العمل فيه اكثر فافتضى زيادة الصحيح وهو الثانى ذكره النووى فى شرح مسلم والذكر الكثير ما كان بصفاء القلب فصفاء القلب جنة العارف فى الدنيا فانه يجاوز بذكر اللّه تعالى عن جحيم النفس الامارة وهاويتها فيترقى الى نعيم الحضور قال ابو بكر الفرغانى كنت اسقط فى بعض الايام عن القافلة فقلت يا رب لو علمتنى الاسم الاعظم فدخل على رجلان وقال احدهما للآخر الاسم الاعظم ان تقول يا اللّه ففرحت به فقال ليس كما تقول بل بصدق اللجأ اى الالتجاء والاضطرار كما يقول من كان فى لجة البحر ليس ملجا غير اللّه واعلم ان الجهاد من اعظم الطاعات ولذلك لا يجتمع غبار المجاهد مع دخان جهنم وبخطوة من المجاهد يغفر ذنب وباخرى تكتب حسنة ولكن ينبغى للمجاهد ان يصحح نيته ويثبت فى مواطن الحرب فان بثبات القلب والقدم يتبين اقدار الرجال كما كان للتصديق رضى اللّه عنه حين صدمته الوجيعة بوفاة بثبات القلب يتبين اقدار الرجال كما كان للصديق رضى اللّه عنه حين صدمته الوجيعة بوفاة رسول اللّه حين قال من كان يعبد رب محمد فانه حى لا يموت ويجتنب عن الظلم وارتكاب المعاصى فان الغلبة على الاعداء بالقوة القدسة والتأييد الالهى لا بالقوة الجسمانية وكثرة العدد والعدد ألا يرى الى اللّه تعالى كيف ايد المؤمنين بالملائكة فى غزوة بدر مع قلتهم وكثرة الكافرين فالذين جاهدوا فى سبيل اللّه بالتقى والصبر والثبات فقد غلبوا على الاعداء ووصلوا الى الدرجات كه شتاب جصرصر كه قرار جوكوه ... كه شيب كبوتركه فراز عقاب واستعرض الاسكندر جنده فتقدم اليه رجل بفرس اعرج فامر باسقاطه فضحك الرجل فاستعظم ضحكه فى ذلك المقام ه ما اضحكك وقد اسقطتك قال العجب منك قال كيف قال تحتك آلة الهرب وتحتى آلة الثبات ثم تسقطنى فاعجب بقوله واثبته ثم اعلم ان الفئة الباغية ظاهرة كالطائفة الكافرة والجماعة الفاجرة وباطنة كطائفة القوى النفسانية وجماعة النفس الامارة فكما ان المؤمن مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغة الظاهرة فكذلك مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغية الباطنة بالمجاهدات والجهاد مع الكفار جهاد اصغر والجهاد مع النفس جهاد اكبر والاكبر افضل من الاصغر ولذلك يقول القتيل فى الاكبر صديقا وفى الاصغر شهيدا فالصديق فوق الشهيد كما قال اللّه تعالى { فاولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من التبيين ولدصيقين والشهداء } والخلاص من ظلمات الخلقية والفوز بانوار الذكر الذى الاشتغال به من اكبر انواع الجهاد واسرع قدم فى الوصول الى رب العباد نسأل اللّه تعالى ان يحققنا بحقائق الذكر والتوحيد ٤٦ { واطيعوا اللّه ورسوله } فى كل ما تأتون وما تذرون خصوصا فى امر الجهاد وثبات القدم فى معركة القتال { ولا تنازعوا } باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر واحد { فتفشلوا } جواب للنهى يقال فشل اى كسل وضعف وتراخى وجبن { وتذهب ريحكم } بالنصب عطف على جواب النهى اى تذهب دولتكم وشوكتكم فانها مستعارة للدولة من حيث انها فى تمشى امرها ونفاذه مشبهة بها فى هبوبها وجريانها. وقيل المراد بها الحقيقة فان النصرة لا تكون الا بريح يبعثها اللّه تعالى ويقال لها ريح النصرة -وروى- انه حاصر المدينة قريش وغطفان وبنوا قريظة وبنوا النضير يوم الخندق فهبت ريح الصبا شديدا فقلعت خيامهم واراقت قدورهم وهربوا فقال عليه السلام ( نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور ) والصبا بفتح الصاد وبالقصر ريح تهب من المشرق والدبور هى ما يقابل الصبا فى الهبوب يعنى الريح مأمورة تجيء تارة للنصرة وتارة للاهلاك وفى المثنوى جمله ذرات زمين وآسمان ... لشكر حقند كاه امتحان بادرا ديديكه باعادان جه كرد ... ابرا ديديكه باطوفان جه كرد { واصبروا } على شدائد الحرب وقتال المشركين ولا تولوهم الادبار { ان اللّه مع الصابرين } بالنصرة والكلاءة وما يفهم من كلمة مع ما من اصالتهم انما هى من حيث الامداد والاعانة ٤٧ { ولا تكونوا } ايها المؤمنون { كالذين خرجوا من ديارهم } يعنى اهل مكة حيث خرجوا منها لحماية العير اى القافلة المقبلة من الشأم { بطرا } مفعول له اى افتخارا بما آثر الاصول من الآباء والامهات واشرا وهو مقابلة النعمة بالتكبير والخيلاء { ورئاء الناس } ليثبتوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك انهم لما بلغو الجحفة اتاهم رسول ابى سفيان وقال ارجعوا فقد سلمت عيركم من اصحاب محمد ومن نبههم فقال ابو جهل لا واللّه حتى نقدم بدرا ونشرب بها الخمور وتعزف علينا القبان ونطعم بها من حضرنا من العرب فوافوها اى اتوا بدرا ولكن سقوا كأس المنايا بدل كأس الخمور وناحت عليهم النوائح مكان تغنى القيان فنهى المؤمنون ان يكونوا امثالهم بطرين مرائين وامرهم بالتقوى والاخلاص لان النهى عن الشيء مستلزم للامر بصده { ويصدون عن سبيل اللّه } عطف على بطرا بتأويل المصدر اى وصدا ومنعا للناس عن دين اللّه المؤدى الى الجنة والثواب { واللّه بما يعملون محيط } فيجازيهم عليه. وفيه تهديد على الاعمال القبيحة خصوصا ما ذكر فى هذه الآية من البطر. والرئاء هو اظهار الجميل وابطان القبيح وهو من الصفات المذمومة للنفس -وحكى- عن بعض الصالحين انه قال كنت ليلة فى وقت السحر فى غرفة لى على الطريق اقرأ سورة طه فلما ختمتها غفوت فرأيت شخصا نزل من السماء بيده صحيفة فنشرها بين يدى فاذا فيها سورة طه واذا تحت كل كلمة عشر حسنات مثبتة الا كلمة واحدة فانى رأيت مكانها محوا ولم ار تحتها شيأ فقلت واللّه لقد قرأت هذه الكلمة ولا ارى ثوابا ولا اراها اثبتت فقال الشخص صدقت قد قرأتها وكتبناها الا انا قد سمعنا مناديا ينادى من قبل العرش امجوها واسقطوا ثوابها فمحوناها قال فبكيت فى منامى فقلت لم فعلتم ذلك فقال مر رجل فرفعت بها صوتك لاجله فذهب ثوابها وفى الحديث ( ان النار واهلها يعجون من اهل الرياء ) اى يتضرعون ويرفعون الصوت قيل يا رسول اللّه وكيف تعج النار قال ( من ضر الناس الذين يعذبون بها ) فويل للمرائى فى عمله ومن الرياء التزيى بزى القوم تصنعا ودوران البلاد تفرجا ليتباهى بذلك على الاخوان كما يفعله اكثر المتسمين بالصوفية فى هذا الزمان فان مقصودهم ليس التقليد بلباس القوم تبركا مع التحقق بمعانيهم فهم محرومون من انوار المعرفة واسرار الحقيقة خارجون عن دائرة الطريقة : قال الحافظ مدعى خواست كه آيد بتماشا كه راز ... دست غيب آمد سينه نامحرم زد فعلى العاقل اخلاص العمل وهو ارادة التقرب الى اللّه تعالى وتعظيم امره واجابة دعوته سواء كان من العبادات المالية او البدنية وفى التتارخانية لو افتتح الصلاة خالثا للّه تعالى ثم دخل فى قلبه الرياء فهو على ما افتتح والرياء انه لو خلا عن الناس لا يصلى ولو كان مع الناس يصلى فاما لو صلى مع الناس يحسنها ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب اصل الصلاة دون الاحسان ولا رياء فى الصوم الا ان يكون مراده من الرياضة اصفرار الوجه وهزال البدن ليظنه الناس رجلا صالحا متقيا مريدا للآخرة فانظر الى تعبه لاجل الناس ولو كان له عقل صحيح وفكر ثاقب لما فعل هذا قالوا اخف حلما من عصفور قال حسان ابن ثابت الانصارى رضى اللّه عنه لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال واحلام العصافير وما الدنيا حتى يطلبها العاقل بعمله ويضيع عمره الى حلول اجله وعن ابى الدرداء رضى اللّه عنه ان النبى عليه السلام مر بدمنة قوم فيها سخلة ميتة فقال ما لها فيها حاجة قالوا يا نبى اللّه لو كان لاهلها فيها حاجة ما نبذوها قال ( فواللّه الدنيا اهون على اللّه من هذه السخلة على اهلها ) قال السعدى قدس سره وكرسيم اندوده باشد نحاس ... توان خرج كردن برناشناش منه آب زرجان كن بر بشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز جه قدر آوردبنده وردبيس ... كه زير قبادارد اندام بيس نسأل اللّه ان يعصمنا من الزلل فى مسالك الدين ويوصلنا الى رضاه فى كل قول وعمل وهو المعين آمين بجاه النبى الامين ٤٨ { واذ زين لهم الشيطان اعمالهم } [ آورده اندكه جون قريش از مكه برون آمده بحوالى منزل نى كنانة رسيدند كيفيت قديمى كه ميان ايشان بود انديشه ناك شده خواستند باز كردند ابليس بصورة سراقة بن مالك مهتر كنانه بود برآمد برايشان ملاقات نمودو كفت شمانيكو حمايتى ميكنيد برويد من ضامن كه از بنى كنانة بشمانرسد ومن نيز طريق رفاقه مرعى دارم بس ابليس باجمعة از او شياطين همراه ايشان رزى ببدرآوردند حق سبحانه وتعالى ازين قصة خبر ميدهد ] والمعنى واذكر يا محمد وقت تزيين الشيطان اعمال كفار مكى معاداة المؤمنين وغيرها [ ودر حقائق سلمى فرموده كه قوة ايشانرا بنظر ايشان در آورد تا اعتماد بدان كردند ] { وقال لا غالب لكم اليوم من الناس} حال من الضمير فيه والمراد من الناس المؤمنون { وانى جار لكم } اى مجيركم من بنى كنانة ومعين لكم فمعنى الجار المجير الحافظ الذى يدفع عن صاحبه انواع الضر كما يدفع الجار عن جاره تقول العرب انا جار لك من فلان اى حافظ لك من مضرته فلا يصل اليك منه مكروه وقال فى القاموس الجار المجاور والذى اجرته من ان يظلم والمحير واجاره انقذه { فلما تراءت الفئتان } اى تلاقى الفريقان يوم بدر قال الكاشفى [ بس آن هنكام كه بديدند هر دو كروه لشكر يكديكررا ] { نكص على عقبيه } رجع القهقرى وهو اصل معنى النكوص لان الغالب فيمن يفر عن موضع القتال ان يرجع قهقرى لخوفه من جهة العدو. وقوله على عقبيه حال مؤكدة لان الرجوع القهقرى انما يكون على العقبين [ واين عبارتست از هزيمت كردن بمكر وحيله آورده اندكه جون روز بدر ملائكه فرود آمدند ابليس ايشانرا ديد روى بفرار نهاد در آن محل دست بردست حارث بن هشام بود حارث كفت اى سراقه در جنين حال مارا فروميكذارى ابليس دست برسينه اوزد ] { وقال انى بريئ منكم } [ من بيزارم از زنهار شما ] { انى ارى ما لا ترون } من نزول النلائكة للامداد فقال الحارث وما نرى الا جعا شيش اهل يثرب والجعشوش الرجل القصير { انى اخاف اللّه } من ان يصيبنى بمكروه من الملائكة او يهلكنى على ان يكون الوقت هو الوقت المعلوم الذى انظر اليه { واللّه شديد العقاب } لمن يخاف منه وقد صدق الكذاب انه يخاف من شدة عذاب اللّه فان عقابه لو وقع عليه لتلاشى ولذلك كان يفر من ظل عمر رضى اللّه عنه وكما سلك فجا الا وسلك الشيطان فجا آخر لئلا يقع عليه عكس نور ولاية عمر فيحرقه وقد علم الشيطان انه من المعذبين المعاقبين وانما خوفه من اللّه من شدة عقابه لانه يعلم انه لا نهاية لشدة عقابه واللّه قادر على ان يعاقبه بعقوبة اشد من الاخرى. وفيه اشارة الى ان خوفه من اللّه يدل على انه غير منقطع الرجاء منه كذا فى التأويلات النجمية [ نقلست كه منهزمان بدر بعد از رجوع بمكه سراقه را بيغام فرستادندكه لشكر ماراتو منهزم ساختى سراقه سوكند يادكردكه تا هزيمت شمانشنيدم از عزيمت شما وقوف نيافتم بس همه را معلوم شد كه آن شيطان بودكه خودرا برصورت سراقه نموده ] فان قيل كيف يجوز ان يتمكن ابليس من ان يخلع صورة نفسه ويلبس صورة سراقة ولو كان قادرا على ان يجعل نفسه فى مثل صورة انسان لكان قادرا على ان يجعل غيره انسانا قيل اذا صحت هذه الرواية فالجواب ان اللّه خلق ابليس فى صورة سراقة واللّه تعالى قادر على خلق انسان فى مثل صورة سراقة ابتداء فكان قادرا على ان يصور ابليس فى مثل صورة سراقة كما فى التفسير الحدادى وقال القاضى ابو يعلى ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال فى الصور وانما يجوز ان يعلمهم اللّه تعالى كلمات وضربا من ضروب الافعال اذا فعله اوتكلم بها نقله اللّه تعالى من صورة الى صورة فيقال انه قادر على التصوير والتخييل على معنى انع قادر على قول اذا قاله او فعله نقله اللّه تعالى من صورته انما يكون بنقض البنية وتفريق الاجزاء واذا انتقضت بطلت الحياة واستحال وقوع الفعل بالجملة فكيف بنقل نفسها قال والقول فى تشكيل الملائكة مثل ذلك والذى روى ان ابليس تصور فى صورة سراقة بن مالك وان جبريل تمثل فى صورة دحية وقوله تعالى { فارسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا } محمول على ما ذكرنا وهو انه قدره اللّه تعالى على قول قاله فنقله اللّه تعالى من صورته الى صورة اخرى كذا فى آكام المرجان ونظر فيه والهى الاسكوبى بان من قال تمثل جبريل عليه السلام وتصور ابليس عليه ما يستحق ليس مراده انهما احدثا تلك الصورة والمثال من قدرتهما نفسهما بل باقدار اللّه لهما على التصور والتمثل كيف شاآ فلا منافاة بين القولين غاية ما فى الباب ان العمل من طريق ما اقدره اللّه به من الاسباب المخصوصة انتهى يقول الفقير ان النلائكة والشياطين من قبيل الارواح اللطيفة وللارواح التصور بانواع الصور كما ان للاجسام التلون بالوان الالبسة وكل ذلك باقدار اللّه تعالى فى الحقيقة لكن هذا المعنى صعب المسلك فلا يهتدى الى دركه ا الانبياء والاولياء المكاشفون عن حقيقة الامر واللّه اعلم ثم ان من عادة الشيطان ان يقحم من اطاعه ورطة الهلاك ثم يتبرأ منه -حكى- ان عابدا عبد اللّه فى صومعته واسكنها معه كيلا يعرف احد مكانها ويستخطبها منه فكبرت الابنة فحضر ابليس على صورة شيخوخدعه بها حتى واقعها الزاهد واحبلها فلما ظهر بها الحبل رجع اليه فقال له انك زاهدنا وانها لو ولدت يظهر زناك فتصير فضيحة فاقتلها قبل الولادة واعلم والدها انها قد ماتت فيصدقك فتنجو من العذاب والشين فقتلها الزاهد فجاء الشيطان الى الملك فى زىّ العلماء فاخبره بصنع الزاهد بابنته من الاحبال والقتل وقال ان اردت ان تعرف حقيقة ما اخبرتك فانبش قبرها وشق بطنها فان خرج منها ولد فهو مصداق مقالتى وان لم يخرج فاقتلنى ففعل الملك ذلك فاذا الامر كما قال فاخذ الزاهد واركبه الابل وحمله الى بلده فصلبه فجاءه الشيطان وهو مصلوب فقال له انك زنيت بامرى وقتلت نفسا بامرى فآمن بى انجك من عذاب الملك فادركته الشقاوة فآمن به فهرب الشيطان منه ووقف من بعيد فقال الزاهد نجنى فقال الشيطان انى اخاف اللّه رب العالمين فعلى العاقل الحذر من كيده وفى المثنوى آدمى را دشمن بنهان بسيست ... آدمى باحذر عاقل كسيست واعلم ان الشيطان اذا ظفر بالسالك يغره بالقوة والكمال والبلوغ الى مرتبة الرجال وانه لا يضره التصرف فى الدنيا وارتكاب بعض المنهيات بل ينفعه فى الرياء والعجب كما هو طريقة اهل الملامة قال بعض ارباب الحقيقة يجوز ان تظهر لنفسك ما يوجب نفى دعواها من مباح مستبشع او مكروه لم يمنع دواء لعلة العجب لا محرما متفقا عليه انتهى فليكن هذا على ذكر منك فان صوفية الزمان قد تجاوزوا الحلال الى الحرام وتركوا العهود بينهم وبين المشايخ الكرام ولم يعرفوا ان السلامة فى الاخذ بالكتاب وسنة النبى عليه السلام والتأدب بآداب وضعها الخواص من الانام لمن يطلب الدخول الى حرم اسرار اللّه الملك العلام : قال الحافظ در راه عشق وسوسه اهر من بسيست ... هش دار وكوش دل ببيام سروش كن ٤٩ { اذ } منصوب با ذكر { يقول المنافقون } من اهل المدينة من الاوس والخزرج { والذين فى قلوبهم مرض } من قريش كانوا قد اسلموا ولم يهاجروا لعدم قوة اسلامهم ولم يهاجروا لعدم قوة اسلامهم ولمنع اقربائهم اياهم من الهجرة فلما خرجت قريش الى بدر اخرجوهم معهم كرها ولما رأوا قلة عد المسلمين ارتابوا وارتدوا وقالوا لاهل مكة { غر هؤلاء } يعنون المؤمنين { دينهم } اذ خرجوا مع قلة عددهم وعددهم لحرب قريش مع كثرتهم وشوكتهم ولم يشكوا بل قطعوا بان قريشا تغلبهم لانهم زهاء الالف والمؤمنون ثلاثمائة وبضعة عشر فقال اللّه تعالى جوابا لهم { ومن } [ هركه ] { يتوكل على اللّه } اى ومن يسلم امره الى اللّه تعالى ويثق به وبقضائه { فان اللّه عزيز } غالب لا يذل من توكل عليه واستجار به وان قل { حكيم } يفعل بحكمته البالغة ما تستبعده العقول وتحار فى فهمه الباب الفحول -روى- ان الحجاج بن يوسف سمع ملبيا يلبى حول البيت رافعا صوته بالتلبية وكان اذ ذاك بمكة فقال على بالرجل فاتى به اليه فقال ممن الرجل قال من المسلمين فقال ليس عن الاسلام سألتك قال نعم سألت قال سألتك عن البلد قل من اهل اليمن قال كيف تركت محمد بن يوسف يعنى اخاه قال تركته عظيما جسيما لباسا ركابا خراجا ولاجا قال ليس عن هذا سألتك قال نعم سألت قال سألتك عن سيرته قال تركنه مظلوما غشوما مطيعا للمخلوق فقال له الحجاج ما حملك على هذا الكلام وانت تعلم مكانه منى قال الرجل أترى مكانه منك اعز منى بمكانى من اللّه وانا وافد بيته وزائر نبيه وقاضى دينه ومتبع دينه فسكت الحجاج ولم يجر جوابا وانصرف الرجل من غير اذن فتعلق باستار الكعبة وقال اللّهم بك اعوذ وبك الوذ اللّهم فرجك القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة فانظر الى هاذ الرجل كيف اظهر الحق ولم يخف من المخلوق خصوصا من الحجاج الذى كان اظلم خلق اللّه فى زمانه حتى كسر الاعراض وسفك الدماء وفعل ما فعل الى حيث يضيق نطاق البيان عنه فلما توكل على اللّه واستجار به نصره اللّه وهو بانفراده على الحجاج كان من منافق هذه الامة واعلم ان مرض القلوب على نوعين. نوع منه الشك فى الايمان والدين وحقيقته فذلك مرض قلوب الكفار والمنافقين. والثانى ميلها الى الدنيا وشهواتها وملاحظة الحظوظ النفسانية وهو مرض قلوب المسلمين والاشارة فيه ان المعالجة لما يكون فى قلوب الكفار والمنافقين بالايمان والتصديق واليقين وان ماتوا فى مرضهم فهم من الهالكين. ومعالجة مرض قلوب المسلمين بالتوبة والاستغفار والزهد والطاعة والورع والتقوى وان ماتوا فى مرضهم فهم من اهل النجاة من النار بعد العذاب وشفاعة الانبياء وربما يؤدى مرصهم بترك المعالجة والاحتماء الى الهلاك وهو الكفر ألا ترى الى حال بعض المسلمين من اهل مكة لما تركوا العلاج وانقطعوا عن الطبيب وهو النبى عليه السلام وما احتموا عن الغذاء المخالف وهو قولهم غرّ هؤلاء دينهم هلكوا من الهالكين ظاهرا وباطنا فعلى العاقل تحصيل حسن الحال قبل حلول الاجل وهو انما يكون بصحبة واصل الى اللّه عز وجل واللّه تعالى يجود على الخلق عامة فكيف على العقلاء والعشاق : قال الحافظ عاشق كه شدكه يار بحالش نظر نكرد ... اى خواجه دردنيست وكرنه طبيب هست وقال آخر مكو اصحاب دل رفتند وشهر عشق شد خالى ... جهان برشمس تبريزاست ومردى كوجو مولانا اللّهم وفقنا لما تحب وترضى وسهل علينا مداواة هذه القلوب المرضى ٥٠ { ولو ترى } يا محمد حال الكفرة اى لو رأيت فان لو تجعل المضارع ماضيا عكس ان { اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } اى حين تقبض اعوان ملك الموت ارواح الكفار ببدر فالملائكة فاعل يتوفى { يضربون } اى حال كون الملائكة يضربون بمقامع من حديد كلما ضربوا التهب النار منها { وجوههم } اى ما اقبل من اعضائهم { وادبارهم } ا ما ادبر منها { وذوقوا } اى يضربون ويقولون ذوقوا به السيف فى الدنيا { عذاب الحريق } اى العذاب المحرق الذى هو مقدمة عذاب الآخرة فهو فعيل بمعنى مفعل يقال حرقه بالنار وحرقه فاحترق وتحرق وجواب لو محذوف للايذان بخروجه عن حدود البيان اى لرأيت امرا فظيعا لا يكاد يوصف ٥١ { ذلك } المذكور من الضرب والعذاب واقع { بما قدمت ايديكم } اى بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصى فاليد عبارة عن النفس الدراكة عبر عنها باسم اغلب آلاتها فى اكتساب الافعال { وان اللّه ليس بظلام للعبيد } محله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبلها اى والامر انه تعالى ليس بمعذب لعبيده ذنب من قبلهم فلا يجازى اهل الايمان بجهنم وعذابها وانما يجازى اهل الكفر والنفاق والارتداد بظلمهم على انفسهم وسر التعبير عن نفى التعذيب بنفى الظلم مع ان تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم قطعا عند اهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا قد مر فى سورة آل عمران فان قلت ظلام اخص من ظالم لانه للمبالغة المقتضية للتكثير ولا يلزم من نفى الاخص نفى الاعم قلت المراد بكثرة الظلم كثرته باعتبار كثرة متعلقة فان لفظ العبيد يدل على الكثرة فيكون ما اصابهم من الظلم كثيرا نظرا الى كثرتهم فالمنفى عن كل واحد منهم اصل الظلم. فالمعنى انه تعالى لا يظلم احدا من عبيده وايضا اذا نفى الظلم الكثير انتفى القليل لان الذى يظلم للانتفاع بالظلم فاذا تركه كثيره مع زيادة نفعه فى حق من يجوز عليه النفع والضر كان لقليله مع قلة نفعه اترك. وايضا ان الظلام للنسبة كما فى بزاز وعطار اى لا ينسب اليه ظلم البتة ٥٢ { كدأب آل فرعون } تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اى عادة كفار قريش فى كفرهم وعنادهم آل فرعون المشهورين بقباحة الاعمال. واصل الدأب فى اللغة ادامة العمل يقال فلان يدأب فى كذا اى يداوم عليه ويواظب ويتعب نفسه فيه ثم سميت العادة دأبا لان الانسان يداوم على عادته وآل الرجل الذين يرجعون اليه باوكد الاسباب ولهذا لا يقال لقرابة الرجل آل الرجل ولا يقال لاصحابه آله والمقصود هنا كدأب فرعون وآله اى اتباعه { والذين من قبلهم } اى من قبل آل فرعون كقوم نوح وثمود وعاد وغيرهم من اهل الكفر والعناد { كفروا بآيات اللّه } تفسير للدأب والآيات هى دلائل التوحيد المنصوبة فى الانفس والآفاق او معجزات الانبياء على الاطلاق { فأخذهم اللّه بذنوبهم } اى عاقبهم اللّه تعالى بسبب كفرهم وسائر معاصيهم { ان اللّه قوى شديد العقاب } لا يغلبه فى دفعه شيء ٥٣ { ذلك } اى ترتب العقاب على اعمالهم السيئة دون ان يقع ابتداء مع قدرته تعالى على ذلك { بان اللّه } اى بسبب انه تعالى { لم يك } فى حد ذاته. واصله يكن فحذفت النون تخفيفا لشبهها بحرف اللين من حيث كونها حرف غنة فكما يحذف حرف اللين من حيث كونها حرف غنة فكما يحذف حرف اللين حال الجزم حذفت النون الساكنة ايضا للتخفيف لكثرة استعمال فعل الكون ولم يحذف فى نحو لم يصن ولم يخن لقلة استعمالها بالنسبة الى لم يكن وكثرة الاستعمال تستدعى التخفيف { مغيرا نعمة انعمها } اى لم ينبغ له سبحانه ولم يصح فى حكمته ان يكون بحيث يغير نعمة انهم بها { على قوم } من الاقوام اى نعمة كانت جلت او هانت { حتى يغيروا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } بما ينافيها سوآء كانت احوالهم السابقة مرضية صالحة او قريبة من الصلاح بالنسبة الى الحادثة كدأب هؤلاء الكفرة حيث كانوا قبل البعثة كفرة عبدة الاصنام مستمرين على حالة مصححة لافاضة نعمة الامهال وسائر النعم الدنيوية عليهم فلما بعث اليهم النبى عليه السلام بالبينات غيروها الى اسوأ منها واسخط حيث كذبوه عليه الصلاة والسلام وعادوه ومن تبعه من المؤمنين وتحزبوا عليهم يبغونهم الغوائل فغري اللّه تعالى ما انعم به عليهم من نعمة الامهال وعاجلهم بالعذاب والنكال وقال الحدادى اطعمهم اللّه من جوع وآمنهم من خوف وارسل اليهم رسولا منهم وانزل عليهم كتابا بألسنتهم ثم انهم غيروا هذه النعم ولم يشكروها ولم يعرفوها من اللّه فغير اللّه ما بهم واهلكهم وعاقبهم ببدر { وان اللّه سميع عليم } اى وبسبب ان اللّه تعالى يسمع ويعلم جميع ما يأتون وما يذرون من الاقوال والافعال السابقة واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق بها من ابقاء النعمة وتغييرها ٥٤ { كدأب آل فرعون } تكرير للتأكيد { والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم } وعطف قوله تعالى { واغرقنا آل فرعون } على اهلكنا مع اندراجه تحته للايذان بكمال هول الاغراق وفظاعته كعطف جبرائيل على اغلملائكة { وكل } من غرقى القبط وقتلى قريش { كانوا ظالمين } انفسهم بالكفر والمعاصى حيث عرّضوها للّهلاك او واضعين للكفر والتكذيب مكان الايمان والتصديق والاشارة ان فرعون وقومه اختصوا بالاستغراق فى بحر الهلاك عن غيرهم لادعاء فرعون الربوبية واقرار قومه وتصديقهم اياه بها وهذا غاية فساد جوهر الروحانية باستيلاء الصفات النفسانية وكل ممن كفر باللّه وكذب بآياته كانوا ظالمى انفسهم لافساد استعدادهم وان لم يبلغوا. فى الظلم والكفر ما بلغ فرعون وقومه فعليك بمحافظة الاستعداد الفطرى واكثار الشكر عليه واياك وشؤم المعاملات السيئة المؤدية الى الافساد والاهلاك ولا يحملك العناد على مخالفة الحق وعدم قبوله فانه لا ينبغى لاحد خصوصا للسلاك كسى راكه بندار درسربود ... ميندار هركزكه حق بشنود قال الامام الغزالى قدس سره ان النعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها واقتنع فى هذا الباب بمثال ملك يكرم عبدا له فيخلع عليه خاصة ثيابه ويقربه منه ويجعله فوق سائر حجابه وخدامه ويأمره بملازمة بابه ثم يأمر ان يبتنى له فى موضع آخر القصور وتوضع له الاسرة وتنصب له الموائد وتزين له الجوارى ويقام له الغلمان حتى اذا رجع من الخدمة اجلس هناك ملكا مخدوما مكرّما وما بين حال خدمته الى ملكه وولايته الا ساعة من نهار او اقل فان ابصر هذا العبد بجانب باب الملك سائسا للدواب يأكل رغيفا او كلبا يمضع عضما فجعل يشتغل عن خدمة الملك بنظره اليه واقباله عليه ولا يلتفت الى ماله من الخلع والكرامة فيسعى الى ذلك السائس ويد يده ويسأله كسرة من رغيفه او يزاحم الكلب على العظم ويعظمهما ويعظم ما هما فيه أليس الملك اذا نظر اليه على مثل هذه الحالة يقول هذا السفيه لم يعرف حق كرامتنا ولم ير قدر اعزازنا اياه بخلعنا والتقرب الى حضرتنا مع صرفنا اليه من عنايتنا وامرنا له من الذخائر وضروب الايادى ما هذا الا ساقط عظيم الجهل قليل التمييز اسلبوه الخلع واطردوه عن بابنا فهذا حال العالم اذا مال الى الدنيا والعابد اذا اتبع الهوى فعليك ايها الرجل ببذل المجهود حتى تعرف نعم اللّه تعالى عليك واحذر من ان تكون النعمة نقمة والولاء بلاء والعز والاقبال ادبارا واليمين يسارا فان اللّه تعالى غيور : وفى المثنوى هركه شد مرشاه را او جامه وار ... هست خسران بهر شاهش اتجار هركه باسلطان شود او همنشين ... بر درش شستن بود حيف وغبين دست بوسش جون رسيد از بادشاه ... كر كزيند بوس باباشد كناه كرجه سر بربانهادن خدمتست ... بيش آن خدمت خطاو زلتست شاه را غيرت بود برهركه او ... بو كزيند بعد ازانكه ديدرو والمقصود ان من عرف اللّه وعرف قدر نعمته عليك ترك الالتفات الى الدنيا بل الى الكونين فان اللّه اجل من كل شيء وذكره افضل م كل ذكر وكلام -وحكى- ان سليمان بن داود عليهما السلام مر فى موكبه والطير تظله والدواب من الوحوش والانعام والجن والانس وسائر الحيوانات عن يمينه ويساره فمر بعابد من عباد بنى اسرائيل فقال واللّه يا ابن داود لقد آتاك اللّه ملكا عظيما فسمع ذلك سليمان فقال لتسبيحه فى صحيفة مؤمن خير مما اعطى ابن داود فان ما اعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى فهذا ارشاد عظيم لمن اراد الآخرة وسعى لها سعيها وتوجه الى العليا فارغا من شواغل الدنيا ٥٥ { ان شر الدواب } اى شر ما يدب على الارض ويتحرك من الحيوانات { عند اللّه } اى فى حكمه وقضائه { الذين كفروا } اى اصروا على الكفر ورسخوا فيه { فهم لا يؤمنون } فلا يتوقع منهم ايمان لكونهم من اهل الطبع وجعلوا شر الدواب لا شر الناس ايماء الى انهم بمعزل عن مجانستهم وانما من جنس الدواب ومع ذلك هم منشر جميع افراده كما قال تعالى { ان هم الا كالانعام بل هم اضل } دؤيغ آدمى زاده برمحل ... كه باشد جو انعام بل هم اضل ٥٦ { الذين عاهدت منهم } بدل من الموصول الاول بدل البيض للبيان او للتخصيص اى الذين اخذت منهم عهدهم فمن لابتداء الغاية { ثم ينقضون عهدهم } الذى اخذته منهم عطف على عاهدت { فى كل مرة } من مرات المعاهدة { وهم لا يتقون } اى يستمرون على النقض والحال انهم لا يتقون سيئة الغدر ولا يبالون فيه من العار والنار وهم يهود قريظة عاهدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ان لا يعينوا عليه عدوا فنقضوا العهد واعانوا اهل مكة يوم الخندق اى ساعجوا وعاونوا وذلك انهم لما رأوا غلبة المسلمين على المشركين يوم بدر قالوا انه هو النبى الموعود بعثه فى آخر الزمان فلا جرم يتم امره ولا يقدر احد على محاربته ثم انهم لما رأوا يوم احد ما وقع من نوع ضعف المسلمين شكوا وقد كان احترق كبدهم بنار الحسد من ظهور دينه وقوة امره فركب بن اسد سيد بنى قريظة مع اصحابه الى مكه ووافقوا المشركين على حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فادى ذلك الى غزوة الخندق وفيه ذم بطريق الاشارة للذين عاهدوا اللّه على ترك المعاصى والمنكرات ثم نقضوا العهد مرة بعد اخرى نه مارا درميان عهد وفابود ... جفا كردى وبد عهدى نمودى هنوزت ارسر صلحست باز اى ... كزان محبوبتر باشى كه بود ٥٧ { فاما تثقفنهم } ثقفته كسمعه صادفه او اخذه او ظفر به او ادركه ما فى القاموس واما مركبة من ان للشرط وا للتأكيد اى فاذا كان حالهم كما ذكر فاما تصادفنهم وتظفرنّ بهم { فى الحرب } اى فى تضاعيفها { فتشرد } فرق قال الكاشفى [ بس رميده كردان ومتفرق ساز ] { بهم } اى بسبب قتلهم { من خلفهم } مفعول شرد اى من وراءهم من الكفرة من اعدائك ووالتشريد والطرد وتفريق الشمل وتبديد الجمع يعنى ان صادفت هؤلاء الناقضين فى الحرب افعل بهم واوقع فيهم من النكاية والقهر وما يضطرب به حالهم ويخاف منك امثالهم بحيث يذهب عنهم بالكلية ما يخطر ببالهم من مناصبتك اى معاداتك ومحاربتك { لعلهم يذكرون } اى لعل المشردين وهم من خلفهم يتعظون بما شاهدوا مما نزلوا بالمنافقين فيرتدعون عن النقض او عن الكفر نرود مرغ سوى دانه فراز ... جون كر مرغ بيند اندر بند بند كيراز مصائب دكران ... تانكيرند ديكرن زتو بند ٥٨ { واما تخافن } تعلمن فالخوف مستعار للعلم { من قوم } من المعاهدين { خيانة } نقض عهد فيما سيأتى بما لاح لك منهم من علامات الغدر { فانبذ اليهم } اى فاطرح اليهم عهدهم حال كونك { على سواء } اى ثابتا على طريق سوىّ فى العداوة بان تظهر لهم النقض وتخبرهم اخبارا مكشوفا بانك قد قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة فلا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد كيلا يكون من قبلك شائبة خيانة اصلا فالجار متعلق بمحذوف وهو حال من النابذ او على استواء فى العلم بنقض العهد بحيث يستوى فيه اقصاهم وادناهم فهو حال من المنبوذ اليهم او تستوى فيه انت وهم فهو حال من الجانبين { ان اللّه لا يحب الخائنين } تعليل للامر بالنبذ على طريق الاستئناف كأنه قيل لم امرتنا بذلك ونهيتنا عن المحاربة قبل نبذ العهد فاجيب بذلك ويحتمل ان يكون طعنا على الخائنين الذين عاهدهم الرسول عليه السلام كأنه قيل واما تعلمن من قوم خيانة فانبذ اليهم ثم قاتلهم ان اللّه لا يحب الخائنين وهم من جملتهم لما علمت حالهم واعلم ان النبذ انما يجب على الامام اذا ظهرت خيانة المعاهدين بامارات ظنية واما اذا ظهر انهم نقضوا العهد ظهورا مقطعوعا به فلا حاجة الى نبذ العهد كما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم باهل مكة لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم فى ذمة النبى عليه السلام ولما امر اللّه بنبذ العهد بقتل خزاعة وهم فى ذمة النبى عليه السلام ولما امر اللّه بنبذ العهد والتصريح به قبل المحاربة خطر بالبال ان يقال كيف نوقظ العدو ونعلمهم بطرع العهد اليهم قبل المحاربة مع انهم ان علموا ذلك اما ان يتأهبوا للقتال ويستجمعوا اقصى ما يمكن لهم من اسباب التقوى والغلبة او يفروا ويتخلصوا وعلى التقديرين يفوت المقصود وهو الانتقام منهم اما يكفى لصحة المحاربة معهم بغير نبذ العهد اليهم واعلامهم به ظهور امارات الخيانة منهم فازاح اللّه تعالى هذا المحذور بقوله ٥٩ { ولا يحسبن } اى لا يظن { الذين كفروا } وهو فاعل والمفعول الاول محذوف اى انفسهم حذف هربا من تكرار ذكرهم { سبقوا } مفعول ثان اى فاتوا وافلتوا من ان يظفر بهم ويدخل فيه من لم يظفر به يوم بدر وغيره من معارك القتال من الذين آذوه عليه السلام وبالغوا فى عصيانه { انهم لا يعجزون } تعليل للنهى على سبيل الاستئناف المبنى على تقدير السؤال اى لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن ادراكهم على ان همزة اعجز لوجود المفعول على فاعلية اصل الفعل وهو العجز كما تفول ابخلته اذا وجده بخيلا يقال اعجزه الشيء اذا فاته واعجزت الرجل اذا وجدته عاجزا وفى الآية تهديد للنفوس التى اجترأت على المعاصى وهى فى الحقيقة مجترئة على اللّه تعالى وعن السرى السقطى رضى اللّه عنه قال كنت يوما اتكلم بجامع المدينة فوقف علىّ شاب حسن الشباب فاخر الثياب ومعه اصحابه فسمعنى اقول وفى وعظى عجبا لضعيف يعصى قويا فتغير لونه وانصرف فلما كان الغد جلست فى مجلسى واذا به قد اقبل فسلم وصلى ركعتين وقال ياسرى سمعتك بالامس تقول عجبا لضعيف كيف يعصى قويا فما معناه قلت لا اقوى من اللّه ولا اضعف من العبد وهو يعصيه كرجه شاطر بود حروس بجنك ... جه زند بيش زند باز روبين جنك فنهض وخرج ثم اقبل من الغد وعليه ثوبان ابيضان وليس معه احد فقال ياسر كيف الطريق الى اللّه فقلت ان اردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل وان اردت اللّه فاترك كل شيء سواء تصل اليه وليس الا المساجد والخراب والمقابر فقام وهو يقول واللّه لاسكت الا اصعب الطرق وولى خارجا فلما كان بعد ايام اقبل الى غلمان كثير فقالوا ما فعل احمد ابن يزيد الكاتب فقلت لا اعرف الا رجلا جاءنى من صفته كذا وكذا وجرى لى معه كذا وكذا ولا اعلم حاله فقالوا باللّه عليك متى عرفت حاله فعرفنا ودلنا على داره فبقيت سنة لا اعرف حاله ولا اعرف له خبرا فبينا انا ذات ليلة بعد العشاء الاخيرة جالس فى بيتى اذا بطارق يطرق الباب فاذنت له فى الدخول فاذا بالفتى عليه قطعة من كساء فى وسطه واخرى على عاتقه ومعه زنبيل فيه نوى فقبل بين عينيى وقال يا سرى اعتقك اللّه من النار كما اعتقتنى من رق الدنيا فاومأت الى صاحبى ان امض الى اهله فاخبرهم فمضى فاذا زوجته قد جاءت ومعها ولده وغلمانه قد خلت والقت الولد فى حجره وعليه حلى وحلل وقال يا سيدى ارملتنى وانت حى وايتمت ولدك وانت حىّ قال السرى فنظر الىّ فقال يا سرى ما هذا وفاء ثم اقبل عليها وقال واللّه انك لثمرة فؤادى وحبيبة قلبى وان هذا ولدى لاعز الخلق على غير ان هذا السرى اخبرنى ان من اراد اللّه قطع كل ما سواه ثم نزع ما على الصبى فقالت المرأة لا ارى ولدى فى هذه الحالة وانتزعته منه فحين رآها قد اشتغلت به نهض وقال ضيعتم على ليلتى بينى وبينكم اللّه وولى خارجا وضجت الدار بالبكاء فقالت ان عاد يا سرى وسمعت له خبرا فاعلمنى فقلت ان شاء اللّه فلما كان بعد ايام اتتنى عجوز فقالت يا سرى بالشونيزية غلام يسألك الحضور فمضيت فاذا به مطروح تحت رأسه لبنة فسلمت عليه ففتح عينيه وقال يا سرى ترى تغفر تلك الجنايات فقلت نعم قل أيغفر لمثلى قلت نعم قال انا غريق قلت هو منجى الغرقى قال علىّ مظالم فقلت فى الخبر انه يؤتى بالتائب يوم القيامة ومعه خصومه فيقال لهم خلوا عنه فان اللّه تعالى يعزضكم فقال يا سرى معى دراهم من لقط النوى اذا نامت فاشتر ما احتاج اليه وكفنى ولا تعلم اهل لئلا يغيروا كفنى بحرام فجلست عنده قليلا ففتح عينيه وقال لمثل هذا فليعمل العاملون ثم مات فاخذت الدراهم فاشتريت ما يحتاج اليه ثم سرت نحوه فاذا الناس يهرعون فقلت ما الخبر فقيل مات ولى من اولياء اللّه تريد ان نصلى عليه فجئت فغسلته ودفناه فلما كان بعد مدة وفد اهله يستعملون خبره فاخبرتهم بموته فاقبلت امرأته باكية فاخبرتها بحاله فسألتنى ان اريها قبره قلت اخاف ان تغيروا اكفانه قالت واللّه فاريتها القبر فبكت وامرت باحضار شاهدين فاحضرا فا جواريها ووقفت عقارها وتصدقت بمالها لزمت قبره حتى ماتت رحمة اللّه عليهما فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر مى آيد ٦٠ { واعدوا } [ وآماده سازيد اى مؤمنان ] { لهم } اى لقتال الكفار وهيئوا لحرابهم { ما استطعتم } اى ما استطعتموه حال كونه { من قوة } من كل ما يتقوى به فى الحرب كائنا ما كان من خيل وسلاح وقسى وغيرها. والحصر المستفاد من تعريف الطرفين فى قوله عليه السلام ( الا ان القوة الرمى ) من قبيل حصر الكمال لان الرمى اكمل افراد ما يتقوى به فى الحرب -روى- ان سعد بن ابى وقاص رضى اللّه عنه رمى يوم احد الف سهم ما منها سهم الا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ( فداك ابى وامى يا سعد ) كره بعض العلماء كره بعض العلماء تفدية المسلم بابويه المسلمين قالوا انما فداه عليه السم بابويه لانهما كانا كافرين قال النووى الصحيح انه جائز مكلقا لانه ليس فيه حقيقة الفداء وانما هو تلطف فى الكلام واعلام بمحبته وفى الحديث فضيلة الرمى والدعاء لمن فعل خيرا وجاء فى الحديث ( ان اللّه يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه لذى يحتسب فى صنعته الخير والمهدى له والرامى به ) وفى الحديث ( من شاب شبيبة فى الاسلام كانت له نورا يوم القيامة ومن رمى بسهم فى سبيل اللّه فبلغ العدو او لم يبلغ كان له كعتق لاقبة مؤمنة كانت له فداء من النار عضوا بعضو ) وفى الحديث ( من مشى بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة ) والغرض بفتح الغين المعجمة والراء بعدهما الضاد المعجمة هو ما يقصده الرماة بالاصابة وفى الحديث ( كل شيء ليس من ذكر اللّه تعالى فهو لهو الا ربع خصال مشى الرجل بين الغرضين وتأديب فرسه وملاعبة اهله وتعليم السباحة ) [ رمى برسه كونه است. رمى ظاهر به تيرو كمان. ورمى باطن به تيرآه در صبحكاه از كمان خضوع. ورمى سهام حظوظ ازدل وتوجه بحق وفراغت ازماسوى ] : قال الحافظ نيست برلوح دلم جزالف قامت دوست ... جه كنم حرف دكر يانداد استادم واعلم ان صاحب المجاهدة الباطنة يتقوى على فتال النفس وهواها بذكر اللّه تعالى فهو القهوة فى حقه { ومن رباط الخيل } فعال بمعنى مفعول كلباس بمعنى ملبوس. فرباط الخيل بمعنى خيل مربوطة كما قيل جرد قطيفة جرد اضيف العام الى الخاص للبيان او للتخصيص كخاتم فضة وعطفها على القوة مع كونها من جملتها للايذان بفضلها على بقية افرادها كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة. ويقال ان الجن لا تدخل بيتا فيه فرس ولا سلاح وفى الحديث ( من نفى شعيرا لفرسه ثم حاء به حتى يعلفه كتب اللّه له بكل شعيرة حسنة ) والفرس برى المنامات كبنى آدم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الفرس يقول اذا التقت الفئتان سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح ولذلك كان لهم فى الغنيمة سهمان وفى الحديث ( عليكم باناث الخيل فان ظهورها حرز وبطونها كنز ) وفى الحديث ( من احتبس فسا فى سبيل اللّه ايمانا به وتصديقا بوعده فان شبعه وريه وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة ) يعنى كفة حسناته قال موسى للخضر اى الدواب احب اليك قال الفرس والحمار والبعير لان الفرس مركب اولى العزم من الرسل والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام والحمار مركب عيسى وعزير عليهما السلام وكيف لا احب شيأ احياه اللّه تعالى بعد موته قبل الحشر واعلم ان الخيل ثلاثة. فرس للرحمن وهو ما اتخذ فى سبيل اللّه وقتل عليه اعداء اللّه. وفرس للانسان وهو ما يلتمس بطنه وهو ستر من الفقر. وفرس للشيطان وهو ما يقامر عليه ويراهن { ترهبون به } حال من فاعل اعدوا اى حال كونكم مرهبين مخوفين بالاعداد { عدو اللّه وعدوكم } وهم كفار مكة خصوا بذلك من بين الكفار مع كون الكل كذلك لغاية عتوهم ومجازتهم الحد فى العداوة. وفيه اشارة الى ان المجاهد الباطنى يرهب بالذكر والمراقبة اعدى العدو وهو النفس والشيطان { وآخرين من دونهم } اى ترهبون به ايضا عدوا آخرين من غيرهم من الكفرة كاليهود والمنافقين والفرس ومنهم كفار الجن فان صهيل الفرس لا يخوفهم { لا تعلمونهم } العلم بمعنى المعرفة لتعديته الى مفعول واحد ومتعلق المعرفة هو الذات اى لا تعرفونهم باعيانهم وول كان النسب كالعلم لكان المعنى لا تعرفونهم من حيث كونهم اعداء { اللّه يعلمهم } اى يعرفهم لا غيره تعالى فان قلت المعرفة تستدعى سبق الجهل فلا يجوز اسنادها الى اللّه تعالى قلت المراد بالمعرفة فى حقه تعالى مجرد علمه بالذوات دون النسب مع قطع النظر عن كونها مجهولة قبل تعلقه بها ودلت الآية على ان الانسان لا يعرف كل عدوله آدمى را دشمن بنهان بسيست ... آدمىّ باحذر عاقل كسيست { وما } شرطية { تنفقوا من شيء } لاعداد العتاد قل اوجل { فى سبيل اللّه } الذى اوضحه الجهاد { يوف اليكم } اى جزاؤه كاملا { وانتم لا تظلمون } بترك الاثابة او بنقص الثواب والتعبير عن تركها بالظلم مع ان الاعمال غير موجبة للثواب حتى يكون ترك تيبه عليها ظلما لبيان كمال نزاهته سبحانه عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من القبائح وابراز الاثابة فى بعض الامور الواجبة عليه تعالى -روى- ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اتى بفرس يجعل كل خطوة منه اقصى بصره فساروا وسار معه جبريل عليه السلام فاتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم كلما حصدوا شيأ عاد كما كان فقال ( يا جبريل من هؤلاء ) قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل اللّه تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما انفقوا من شيء فهو يخلفه وفى الحديث ( من اعان مجاهدا فى سبيل اللّه اوغارما فى عسرته او مكاتبا فى رقبته اظله فى ظله يوم لا ظل الا ظله ) قال الحافظ احوال كنج قارون كايام داد برباد ... باغنجه بازكوييد نازا نهان ندارد وقال ايضا جه دوزخى جه بهشتى جه آدمى جه ملك ... بمذهب همه كفر طريقنست امساك ٦١ { وان جنحوا } الجنوح الميل ومنه الجناح لان الطائر يميل به الى اى جهة شاء ويعدى باللام والى اى مال الكفار { للسلم } للصلح والاستسلام بوقوع الرهبة فى قلوبهم بمشاهدة ما لكم من الاستعداد واعتاد العتاد { فاجنح لها } اى للسلم والتأنيث لحمله على نقيضه الذى هو الحرب وهى مؤنثة او لكونه بمعنى المسالمة اى مصالحة { وتوكل على اللّه } اى لا تخف من ابطان مكرهم فى الصلح فان اللّه يعصمك { انه هو السميع } فيسمع ما يقولون فى خلواتهم من مقالات الخداع { العليم } فيعلم نياتهم فيؤاخذهم بما يستحقونه ويرد كيدهم فى نحرهم والآية عامة لاهل الكتاب وغيرهم. والامر فى قوله فاجنح للاباحة والامر فيه مفوض لرأي الامام وليس يجب عليه ان يقاتلهم ابدا ولا ان يسعفهم الى الصلح عند طلبهم ذلك ابدا بل يبنى الامر على ما فيه صلاح المسلمين فاذا كان للمسلمين قوة فلا ينبغى ان يصالحهم وينبغى ان يحاربهم حتى يسلموا او يعطوا الجزية وان رأى المصلحة فى المصالحة ومال اليها لا يجوز ان يصالحهم سنة كاملة الا اذا كانت القوة والغلبة للمشركين فحينئذ جاز له ان يصالحهم عشر سنين ولا تجوز الزيادة عايها اقتداء برسول صلى اللّه عليه وسلم فانه عليه السلام فعل كذلك ثم انهم نقضوا العهد قبل تمام المدة وكان ذلك سببا لفتح مكة ٦٢ { وان يريدوا } اى الذين يطلبون منك الصلح { ان يخدعوك } باظهار الصلح لتكف عنهم { فان حسبك اللّه } فان محسبك اللّه وكافيك من شرورهم وناصرك عليهم يقال احسبنى فلان اى اعطانى حتى اقول حسبى { هو الذى ايدك بنصره } اى قواك بامداد من عنده بلا واسطة سبب معلوم مشاهد { وبالمؤمنين } من المهاجرين والانصار ثم انه تعالى ين كيف ايده بالمؤمنين فقال ٦٣ { الف بين قلوبهم } [ وبيوند افكند بدوستى ميان دلهاى ايشان ] مع ما كان بينهم قبل ذلك من العصبية والضغينة والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان وكان اذا لطم رجل من قبيلة لطمه قاتل عنها قبيلته حتى يدركوا ثاره فكان دأبهم الخصومة الدائمة والمحاربة ولا تتوقع بينهم الالفة والاتفاق ابدا فصاروا بتوفيه تعالى كنفس واحدة هذا من ابهر معجزاته عليه السلام قال الكاشفى [ اوس وخزرج صد وبيست سال درميان ايشان تعصب وستيزه بود همواره بقتل وغارت هم اشتغال مى نمودند حق تعالى ببركت تودلهاى ايشانرا الفت داد ] يك حرف صوفيانه بكويم اجازتست ... اى نور ديده صلح به ازجنك آورى { لو انفقت ما فى الارض جميعا } اى لتأليف ما بينهم { ما الفت بين قلوبهم } اى تناهت عداوتهم الى حد لو انفق منفق فى اصلاح ذات بينهم جميع ما فى الارض من الاموال والذخائر لم يقدر على التأليف والاصلاح { ولكن اللّه الف بينهم } قلبا وقالبا بقدرته الباهرة فانه المالك للقلوب فيقبلها كيف يشاء { انه عزيز } كامل القدرة والغلبة لا يستعصى عليه شيء مما يريده { حكيم } يعلم كيفية تسخير ما يريده واعلم ان التودد والتألف والموافقة مع الاخوان مع ائتلاف الارواح وفى الحديث ( المؤمن الف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) وفى الحديث ( مثل المؤمنين اذا التقيا مثل اليدين تغسل احداهما الاخرى وما التقى المؤمنان الا استفاد احدهما من صاحبه خيرا ) وقال ابو ادريس الخولانى لمعاذ انى احبك فى اللّه فقال ابشر ثم ابشر فانى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ( تنصب لطائفة من الناس كراسى حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم لا يفزعون ويخاف الناس وهم لا يخافون وهم اولياء اللّه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) فقيل من هؤلاء يا رسول اللّه فقال ( المتحابون فى اللّه ) قيل لو تحاب الناس وتعاطوا المحبة لاستغنوا بها عن العدالة فالعدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة. وقيل طاعة المحبة افضل من طاعة الرهبة فان طاعة المحبة من داخل وطتعة الرهبة من خارج ولهذا المعنى كانت صحبة الصوفية مؤثرة من البعض فى البعض لانهم لما تحابوا فى اللّه تواصوا بمحاسن الاخلاق ورفع القبول لوجود المحبة فانتفع لذلك المريد بالشيخ والاخ بالاخ ولهذا المعنى امر اللّه تعالى باجتماع الناس فى كل يوم خمس مرات فى المساجد من اهل كل درب وكل محلة وفى الجامع فى الاسبوع مرة من اهل كل بلد وانضمام اهل السواد الى البلدان فى الاعياد فى جميع السنة مرتين واهل الاقطار من البلدان فى العمر مرة للحج كل ذلك لحكم بالغة منها تأكيد الالفة والمودة بين المؤمنين وفى الحديث ( ألا ان مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى ) قال السعدى قدس سره بنى آدم اعضاى يكديكرند ... كه در آفرينش زيك جوهرند جو عضوى بدرد آورد روزكار ... دكر عضوهارا نماند قرار والتألف والتودد يؤكد الصحبة مع الاخيار مؤثرة جدا بل مجرد النظر الى اهل الصلاح يؤثر صلاحا والنظر فى الصور يؤثر اخلاقا مناسبة لخلق المنظور اليه كدوام النظر الى المحزون يحزن ودوام النظر الى المسر وريسر. وقد قيل من لا ينفعك لحظه لا ينفعك لفظه والجمل الشرود ويصير ذلولا بمقارنة الجمل الذلول فالمقارنة لها تأثير فى الحيوان والنبات والجماد والماء والهواء يفسدان بمقارنة الجيف والزروع تنقى من انواع العروق فى الارض والنبات لموضع الافساد بالمقارنة واذا كانت المقارنة مؤثرة فى هذه الاشياء ففى الصور الشريفة البشرية اكثر تأثيرا. وقيل سمى الانسان انسانا لانه يأنس بما يراه من خير او شر والتألف والتودد مسنجلبان للمزيد وانما العزلة الوحدة تحمد بالنسبة الى اراذل الناس واهل الشر فاما اهل العلم والصفاء والوفاء والاخلاق الحميدة فتغتنم مقارنتهم والاستئناس بهم استئناس باللّه تعالى كما ان محبتهم من محبة اللّه تعالى والجامع معهم رابطة الحق ومع غيرهم رابطة الطبع فالصوفى من غير الجنس كائن معاين والمؤمن مرآة المؤمن اذا التقى مع اخيه يستشف من وراء اقواله واعماله واحواله تجليات آلهية وتعريفات وتلويحات من اللّه الكريم خفية غابت عن الاغيار وادركها اهل الانوار كذا فى عوارف المعارف يقول الفقير اصلحه اللّه القدير سمعت من بعض العلماء المتورعين والمشايخ المتزهدين ممن له زوجتان متباغضتان انه قال قرأت هذه الآية وهو قوله تعالى { وهو الذى ايدك } الى آخرها على ماء فى كوز ونفخت فيه ثم اشربته اياهما فوقع التودد والالفة بينهما باذن اللّه تعالى وزال التباغض والتنافر الى الآن ٦٤ { يا ايها النبى } المخبر عن اللّه تعالى المرتفع شأنه { حسبك اللّه } اى كافيك فى جميع امورك { ومن اتبعك من المؤمنين } الواو بمعنى مع اى كفاك وكفى اتباعك ناصرا كقولك حسبك وزيدا درهم او عطف على اسم اللّه تعالى اى كفاك اللّه والمؤمنون والكافى الحقيقى هو اللّه تعالى واسناد الكفاية الى المؤمنين لكونهم اسبابا ظاهرة لكفاية اله تعالى والآية نزلت بالبيداء فى غزوة بدر قبل القتال تقوية للحضرة النبوية وتسلية للصحابة رضى اللّه عنهم فالمراد بالمؤمنين الانصار وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما نزلت فى اسلام عمر رضى اللّه عنه فتكون الاية مكية كتبت فى سورة مدنية بامر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم -روى- انه اسلم مع النبى عيه السلام ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر رضى اللّه عنه فكمل اللّه الاربعين باسلامه فنزلت وكان صلى اللّه عليه وسلم يدعو ويقول ( اللّهم اعز الاسلام ) وفى رواية ( ايد الاسلام باحد الرجلين اما بابى جهل بن هشام واما بعمر بن الخطاب ) وكان دعاؤك بذلك يوم الاربعاء فاسلم عمر رضى اللّه عنه يوم الخميس وكان وقتئذ ابن ست وعشرين سنة وسقه حمزة بن عبد المطلب بالاسلام بثلاثة ايام او بثلاثة اشهر -روى- انه لما نزل قوله تعالى { انكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم انتم لها واردون } قال ابو جهل بن هشام وكان يكنى فى الجاهلية يابى الحكم لانهم يزعمون انه عالم ذو حكمة ثم كناه النبى عليه السلام بابى جهل وغلبت عليه كنيته وكان خال عمر لان ام عمر اخت ابى جهل لان ام عمر بنت هشام بن المغيرة والد ابى جهل فابو جهل خال عمر اولان ام عمر بنت عم ابى جهل وعصبة الام اخوال الابن فلما قام خطب فقال يا معشر قريش ان محمدا قد شتم آلهتكم وسفه احلامكم وزعم انكم وآباءكم وآلهتكم فى النار فهل من رجل يقتل محمدا وله على مائة ناقة حمراء وسوداء والف اوقية من فضة فقام عمر بن الخطاب وقال أتضمن ذلك يابا الحكم فقال نعم يا عمر فاخذ عمر بيد ابى جهل ودخلا الكعبة وكان عندها صنم عظيم يسمونه هبل فتحالفا عنده واشهدا على انفسهما هبل فانهم كانوا اذا ارادوا امرا من سفر او حرب او سلم او نكاح لم يفعلوا شيأ حتى يستأمروا هبل ويشهدوه عليه وتلك الاصنام التى كانت حوله كانت الف صنم وخمسمائة صنم ثم خرج عمر متقلدا سيفه منتكبا كنانته اى واضعا لها فى منكبه يريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكان النبى عليه السلام مختفيا مع المؤمنين فى دار الارقم رضى اللّه عنه تحت الصفا يعبدون اللّه تعالى فيها ويقرأون القرآن فلما أتى الى البيت الذى هم فيه قرع الباب فنظر اليه رجل من خلال الباب فرآه متوحشا سيفه فرجع الى رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول اللّه هذا عمر بن الخطاب متوحشا سيفه ولم يرد الا سفك الدم وهتك العرض فقال حمزة فائذن له فان جاء يريد بذلنا له وان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فاذن له فى الدخول فلما رأى النبى عليه السلام قال ( ما انت منتهى يا عمر حتى ينزل اللّه بك قارعة ) ثم اخذ بساعده او بمجامع ثوبه وحمائل سيفه وانتهره فارتعد عمر هيبة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجلس فقال اعرض علىّ الاسلام الذى تدعو اليه فقال النبى عليه السلام ( تشهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله ) فقال اشهد ان لا اله الا اللّه وانك رسول اللّه فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة وضرب النبى عليه السلام صدر عمر بيده حين اسلم ثلاث مرات وهو يقول ( اللّهم اخرج ما فى صدر عمر من غل وابد له ايمانا ) ونزل جبرائيل عليه السلام فقال يا محمد لقد استبشر اهل السماء باسلام عمر ولما اسلم قل المشركون لقد انتصف القوم منا وقيل له رضى اللّه عنه ما تسميه النبى عليه السلام لك بالفاروق قال لما اسلمت والنبى عليه السلام واصحابه مختفون قلت يا رسول اله ألسنا على الحق ان متنا وان حيينا قال ( بلى ) فقلت ففيم الاختفاء والذى بعثك بالحق ما بقى مجلس كنت اجلس فيه بالكفر الا ظهرت فيه الاسلام غير هائب ولا خائف واللّه لا نعبد اللّه سرا بعد اليوم فخرج ينادى لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه حتى دخل المسجد ثم صاح مسمعا لقريش كل من تحرك منكم لامكنن سيفى منه ثم تقدم امام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يطوف والمسلمون ثم صلوا حول الكعبة وقراوا القرآن جهرا كانوا قبل ذلك لا يقدرون على الصلاة عند الكعبة ولا يجهرون بالقرآن فسماه النبى عليه السلام الفاروق لانه فرق اللّه به الحق والباطل. وجاء بسند حسن ( ان اول من جهر بالاسلام عمر بن الخطاب ) وكان عمر شديدا من حيث مظهريته للاسم الحق وجاء ( ما ترك الحق لعمر من صديق ) لما لزمت النصح والتحقيقا ... لم يتركا لى فى الوجود صديقا قال اسماعيل بن حماد بن ابى حنيفة كان لنا جار طحان رافضىّ ملعون وكان له بغلان سمى احدهما ابا بكر والآخر عمر فرمحه ذات ليلة احد البغلين فقتله فاخبر جدى ابو حنيفة فقال انظروا فانى اخال ان البغل الذى اسمه عمر هو الذى رمحه فنظروا فكان كما قال واستأذن عمر رضى اللّه عنه فى العمرة فاذن عليه السلام وقال ( يا اخى لا تنسنا من دعائك ) قال ما احب ان لى بقوله يا اخى ما طلعت عليه الشمس وجاء ( او لمن يصافحه الحق عز وجل عمر بن الخطاب واول من يسلم عليه ) وجاء ( لو كان بعدى نبى لكان عمر بن الخطاب ) وجاء ( ان اللّه تعالى ايدنى باربعة وزراء اثنين من اهل السماء جبرائيل وميكائيل عليهما السلام واثنين من اهل الارض ابى بكر وعمر رضى اللّه عنهما ) فكانا بمنزلة الوزيرين من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام يشاورهما فى الامور كلها وفيهما نزل { وشاورهم فى الامر } وجاء ( انه كان فيما مضى قبلكم من الامم محدثون ) المحدث بفتح الدال المشددة هو الذى يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة ويكون كما قال وكأنه حدث الملا الاعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الاولياء ( فانه ان كان فى امتى هذه فهو عمر بن الخطاب ) لم يرد النبى عليه السلام بقوله ان كان فى امتى التردد فى ذلك فان امته افضل الامم فاذا وجد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل اراد به التأكد لفضل عمر كما يقال ان يكن لى صديق فهو فلان يرد بذلك اختصاصه بكمال الصداقة لا نفى سائر الاصدقاء وقد قيل فى فضيلة عمر له فضائل لا تخفى على احد ... الا على احد لا يعرف القمرا وجاء ( انه يا ابن الخطاب والذى نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط الا سلك فجا غير فجك ) والفج طريق واسع. وفيه دليل على علة درحة عمر رضى اللّه عنه حيث لا يقدر الشيطان ان يسلك طريقا فيه عمر والطريق واسع فكيف يتصور ان يجرى منه مجرى الدم كما يجرى فى سائر الخلق. وفيه تنبيه على صلابته فى الدين واستمرار حاله على الحق المحض. وكان نقش خاتم ابى بكر نعم القادر اللّه وكان نقش خاتم عمر كفى بالموت واعظا يا عمر. وكان نقش خاتم عثمان آمنت باللّه مخلصا. وكان نقش خاتم على رضى اللّه عنه الملك للّه. وكان نقش خاتم ابى عبيدة بن الجراح الحمد للّه هذا هو النقش الظاهر المضاف الى البدن واما نقش الوجود فنفسه فقد قيل كرت صورت حا بد يانكوشت ... نكاريده دست تقدير اوست وقيل نقش مستورى ومستى نه بد بدست من وتست ... آنجه سلطان ازل كفت بكن آد كردم نسأل اله تعالى ان يحفظ نقش ايماننا فى لوح القلب من مس يد الشك والريب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب واجعلنا من اهل الايقان الذين قلت فيهم { اولئك كتب فى قلوبهم الايمان } فما نقشه قبضة جمالك لا يطرأ عليه محو من جلالك وان تطاول الزمان وامتد عمر الانسان ٦٥ { يا ايها النبى } يا رفيع القدر { حرض المؤمنين على القتال } اى بالغ فى حثهم على قتال الكفار ورغبتهم فيه بوعد الثواب او التنفيل عليه. والتحريض على الشيء ان يحث الانسان غيره ويحمله على شيء حتى يعلم منه انه تخلف عنه حارضا اى قريبا من الهلاك فتكون الآية اشارة الى ان المؤمنين لو تخلفوا عن القتال بعد حث النبى عليه السلام اياهم على القتال لكانوا حارضين مشرفين على الهلاك والحث انما يكون بعد الاقدام بنفسه ليقتدى القوم به ولهذا كان النبى عليه السلام اذا اشتدت الحرب اقرب الى العدو منهم كما قال رضى اللّه عنه كنا اذا احر البأس ولقى القوم اتقينا برسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم فما يكون احد اقرب الى العدو منه : قال السلطان سليم فاتح مصر كرلشكر عدو بود از قاف تابقاف ... باللّه كه هيج روى نمى از مصاف جون آفتاب ظلمت كفر از جهان برم ... كاهى جو صبح تيغ برون آرم از غلاف وفى الآية بيان فضله الجهاد والا لما وقع الترغيب عليه وفى الحديث ( ما جميع اعمال العباد عند المجاهدين فى سبيل اللّه الا كمثل خطاف اخذ بمنقاره من ماء البحر ) { ان يكن منكم } ايها المؤمنون { عشرون صابرون } فى معارك القتال { يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا } بيان للالف وهذا القيد معتبر فى المائتين ايضا كما ان قيد الصبر معتبر فى كل من المقامين { باهم لا يفقهون } متعلق بيغلبوا اى بسبب انهم قوم جهلة باللّه وباليوم الآخر لا يقاتلون احتسابا وامتثالا لامر اللّه واعلاء لكلمته وابتغاء لمرضاته وانما يقاتلون للحمية الجاهلية واتباع الشهوات وخطوات الشيطان واثارة نائرة البغى والعدوان فيستحقون القهر والخذلان وهذا القول وعد كريم منه تعالى متضمن لايجاب مقاومة الواحد للعشرة وثباتهم بهم. وقد بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حمزة فى ثلاثين راكبا فلقى ابا جهل فى ثلاثمائة راكب فهزمهم فثقل عليهم ذلك وضجوا منه بعد مدة فنسخ اللّه هذا الحكم بقوله ٦٦ { الآن خفف اللّه عنكم } ففرض على الواحد ان يثبت لرجلين قال ابن عباس رضى اللّه عنهما من فر من ثلاثة لم يفر ومن فر من اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبير الفرار من الزحف قال الحدادى وهذا اذا كان للواحد المسلم من السلاح والقوة ما لكل واحد من الرجلين الكافرين كان فارا. واما اذا لم يكن لم يثبت حكم الفرار { وعلم ان فيكم ضعفا } اى ضعف البدن قال التفتازانى تقييد التخفيف بقوله الآن ظاهر الاستقامة لكن فى تقييد العلم به اشكال توهم انتفاء العلم بالحادث قبل وقوعه. والجواب ان العلم متعلق به ابدا اما قبل الوقوع فبانه سيقع وحال الوقوع بانه يقع وبعد الوقوع بانه وقع وقال الحدادى وعلم فى الازل ان فى الواحد منكم ضعفا عن قتال العشرة والعشرة عن قتال المائة والمائة عن قتال الالف { فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان لم يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن اللّه } بتيسيره وتسهيله وهذا القيد معتبر فيما سبق ايضا ترك ذكره تعويلا على ذكره ههنا { واللّه مع الصابرين } بالنصر والتأييد فكيف لا يغلبون وما تشعر به كلمة مع متبوعية مدخولها لاصالتهم من حيث انهم المباشرون للصبر دلت الاية على ان من صبر ظفر فان الصبر مطية الظفر صبر وظفر هردو دوستان قديمند ... صبر كن اى دل كه بعد زان ظفر آيد از جمن صبر رخ متاب كه روزى ... باغ شود سبز وشاخ كل ببرآيد قال السلطان سليم الاول سليمى خصم سيه دل جه داند اين حالت ... كه از ظهور آلهيست فتح لشكرما قال فى التأويلات النجمية فى قوله تعالى { باذن اللّه } يعنى ان الغلبة والظفر ليس من قوتكم لانكم ضعفاء وانما هو بحكم اللّه الازلى ونصره. واما الاقوياء وهم محمد عليه السلام { والذين معه اشداء على الكفار } لقوة توكلهم ويقينهم وفه قلوبهم لا يفر واحد منهم من مائة من العدو كما كن حال النبى عليه السلام ومن معه من اهل القوة على ما قال عباس بن عبد المطلب شهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين لم افارقه ورسول اللّه على بغلة بيضاء فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق النبى عليه السلام يركض بغلته قبل الكفار وانا آخذ بلجام بغلته اكفها ارادة ان لا يسرع وابو سفيان آخذ بركاب رسول اللّه فلما كان رسول اللّه ومن معه صابرين اولى قوة لم يفروا مع القوم : قال السلطان سليم سيمرغ جان ماكه رميدست ازدوكون ... منت خدايرا كه بجان رام مصطفاست وفى ترجمة وصايا الفتوحات الملكية [ آدمى از جهت انسانيت مخلوقست برهلع وبردلى واما از روى ايمان مخلوقست برقوت وشجاعت واقدام ودر روايت آمده است بعضى او صحابه رسول اللّه عليه السلام رسول اورا خبر داده بود كه تو والى شوى در مصر وحكم كنى وقتى قلعه را حصار كرده بودند وآن صحابى نيز درميان بود سائر اصحابرا كفت مرا دركفه منجنيق نهيد وسوى كفار در قلعه انداز بدجون من آنجار سم قتال كنم ودر حصار بكشايم جون از سبب اين جرأت برسيدند كفت رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم مرا خبر داده است كه در مصر والى شوم وهنوز نشدم يقين ميدانم كه نميرم تاوالى نشوم فهم كن كه قوت ايمان اينست والازروى عرف معلومست كه جون كسى را در كفه منجنيق نهند وبيندازند حال اوجه باشد بس دل مؤمن قوى ترين دلهاست ] ألا انما الانسان عمد لقلبه ولا خير فى غمد اذا لم يكن نصل وجاء فى دعاء النبى عليه السلام ( اللّهم انى اعوذ بك من الشك فى الحق بعد اليقين واعوذ بك من الشيطان الرجيم واعوذ بك من شر يوم الدين ) قال بعضهم العمل سعى الاركان الى اللّه والنية سعى القلوب الى اللّه تعالى والقلب ملك والاركان جنوده ولا يحارب الملك الا بالجنود ولا الجنود الا بالملك ٦٧ { ما كان } ما صح ما استقام { لنبى } من الانبياء عليهم السلام { ان يكون له اسرى } اى يثبت له فكان هذه تامة. واسرى جمع اسير كجرحى جمع جريح واسارى جمع الجمع -روى- انه عليه السلام اتى يوم بدر بسبعين اسيرا فيهم العباس وعقيل بن ابى طالب فاستشار فيهم فقال ابو بكر هم قومك واهلك استبقهم لعل اللّه يهديهم الى الاسلام وخذ منهم فدية وتقوى بها اصحابك وقال عمر كذبوك واخرجوك من ديارك وقاتلوك فاضرب اعناقهم فانهم ائمة الكفر مكنى من فلان لنسيب له ومكن عليا من عقيل وحمزة من العباس فلنضرب اعناقهم فلم يهو ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال ( ان اللّه ليلين قلوب رجال حتى تكون الين من اللبن وان اللّه ليشدد قلوب الرجال حتى لا تكون اشد من الحجارة وان مثلك يابا بكر مثل ابراهيم قال فمن تبعنى فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال لا تذر على الارض من الكافرين ديارا ) فخير اصحابه بان قال لهم ( ان شئتم قتلتوهم وان شئتم اطلقتموهم ) بان بان تأخذوا من كل اسير عشرين اوقية والاقية اربعون درهما فى الدراهم وستة دنانير فى الدنانير ( الا ان يشهد منكم بعدتهم ) فقالوا بل ناخذ الفداء ويدخل منا الجنة سبعون وفى لفظ ويستشهد مناعدتهم فاستشهدوا يوم احد بسبب قولهم هذا واخذهم الفداء فنزلت الآية فى فداء اسارى بدر فدخل عمر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاذا هو وابو بكر يبكيان فقال يا رسول اللّه اخبرنى فان اجد بكاء بكيت والا تباكيت فقال ( ابكى على اصحابك فى اخذهم الفداء ولقد عرض علىّ عذابهم ادنى من هذه الشجرة ) لشجرة قريبة منه قال فى السيرة الحلبية اسرى بدر منهم من فدى ومنهم من خلى سبيله من غير فداء وهو ابو العاص ووهب بن عمير ومنهم من قتل وهو النضر بن الحارث وعقبة بن ابى معط { حتى يثخن فى الارض } يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الاسلام ويستولى اهله وحتى لانتهاء الغاية فدل الكلام على ان له ان يقدم على الاسر والشد بعد حصول الاثخان وهو مشتق من الثخانة وهى الغلطة والكثافة فى الاجسام ثم استعير فى كثرة القتل والمبالغة فيه لان الامام اذا بالغ فى القتل يكون العدو كشيء ثقيل يثبت فى مكانه ولا يقدر على الحركة يقال اثخنه المرض اذا اضعفه واثقله وسلب اقتداره على الحركة { تريدون عرض الدنيا } استئناف مسوق للعتاب اى تريدون حطامها باحذكم الفداء وسمى المال عرضا لقل لبثه فمنافع الدنيا وما يتعلق بها لاثبات لها ولا دوام فصارت كأنها تعرض ثم تزول والخطاب لهم لا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واجله اصحابه فان مراد ابى بكر كان اعزاز الدين وهداية اسارى وفيه اشارة الىن اخذ الفداء من اسارى المشركين ما كان شيمة للنبى عليه السلام ولا لسائر الانبياء فانه رغبة فى الدنيا ومن شيمة النبى عليه السلام انه قال ( مالى وللدنيا ) كين جهان جيفه است ومردار ورخيص ... بر جنين مردار جون باشم حريص وانما رغب فى بعضهم بعد ان شاورهم بامر اللّه تعالى اذا مره بقوله وشاورهم فى الامر { واللّه يريد الآخرة } يريد لكم ثةاب الآخرة الذى لا مقدار عنده للدنيا وما فيها قال سعدى جلبى المفتى لعل المراد واللّه اعلم واللّه يرضى فاطلق الارادة على الرضى على سبيل المشاكلة فلا يرد ان الآية تدل على عدم وقوع مراد اللّه تعالى خلاف مذهب اهل السنة { واللّه عزيز } يغلب اولياؤه على اعدائه { حكيم } يعلم بما يليق بكل حال ويخصها به كما امر بالاثخان ومنع عن الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المنّ بقوله تعالى { فاما منا بعد واما فدآء } لما تحولت الحال وصار الغلبة للمؤمنين قال بعضهم دلت الآية على ان الانبياء مجتهدون لان العتاب الذى فيها لا يكون فيما صدر عن وحى ولا فيما كان صوابا وانه قد يكون خطأ ولكن لا يتركون عليه بل ينبهون على الصواب ٦٨ { لولا كتاب من اللّه سبق } لولا حكم من اللّه سبق اثباته فى اللوح المحفوظ وهو ان لا يعاقب المخطئ فى اجتهد. وان لا يعذب اهل بدر او قوما لا يصرح لهم بالنهى وفى التأويلات النجمية { لولا كتاب من اللّه سبق } باستبقاء هؤلاء الاسارى ليؤمن بعضهم ويؤمن اولاد بعضهم وذراريهم { لمسكم } اى لاصابكم { فيما اخذتم } اى لاجل ما اخذتم من الفداء { عذاب عظيم } لا يقادر قدره -روى- انه عليه السلام قال ( لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ ) وذلك لانه ايضا اشار بالاتخان. وفيه دليل على انه لم يكن احد من المؤمنين ممن حضر بدرا الا احب اخذ الفداء غيرهما قال عبد اللّه بن عمر ما نزل بالناس امر فقال الناس وقال عمر الا نزل القرآن على نحو ما قال عمر وفى الحديث ( ان اللّه جعل الحق على لسان عمر وقلبه ) وقد وافق الوحى فى مواضع منها ما فى هذه القصة ومنها انه قال يا رسول اللّه ان نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو امرتهن ان يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمعن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى الغيرة فقال لهن عسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن ٦٩ { فكلوا مما غنمتم } -روى- انهم امسكوا عن الغنائم فكلوا ما غنمتموه [ از آنجه غنيمت كرفتيد وفديه ازان جمله است ] { حلالا } حال من المغنوم وفائدته ازاحة ما وقع فى نفوسهم من عدم حل المغنوم بسبب تلك المعاتبة فان من سمع العتاب المذكور وقع فى قلبه اشتباه فى امر حله { طيبا } الطيب المستلذ ويوصف الحلال بذلك على التشبيه فان المستلذ ما لا يكون فيه كراهية فى الطبع وكذا الحلال ما لا يكون فيه كراهية فى الدين { واتقوا اللّه } اى فى مخالفة امره ونهيه { ان اللّه غفور رحيم } فيغفر لكم ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل ورود الاذن فيه ويرحمكم ويتوب عليكم اذا اتقيتموه قال الكاشفى [ رحيم مهر بانست كه غنيمت برشما حلال كرده وبرامم ديكر حرام بوده ] كما قال ابن عباس رضى اللّه عنهما كانت الغنائم حراما على الانبياء فكانوا اذا اصابوا مغنما جعلوه للقربان فكانت تنزل نار من السماء فتأكله وللّه تعالى عنايات لهذه الامة لا تحصى -روى- عن النبى عليه السلام انه قال لآدم ليلة المعراج ( انت خير الناس لان اللّه تعالى قد فعل معك ستى اشياء. خلقك بيده. واكرمك بالعلم. واسجد لك ملائكته. ولعن من لم يسجد لك. وكرمك بامرأة منك حواء. واباح لك الجنة بحذافيرها ) فقال لا بل انت خير الناس لانه اعطاك ستة اشياء لم يعطها احد غيرك. جعل شيطانك مسلما. وقهر عجوك. وعطاك زوجة مثل عائشة تكون سيدة نساء الجنة. واحيى جميع الانبياء لاجلك. وجعلك مطلعا على سرائر امتك واعمل امتك بستة اشياء. اولها اخرجنى من الجنة بكعصية واحدة ولا يخرج امتك من المسجد بالمعصية. ونزع منى الحلة لم ينزع الستر من امتك. وفرق عنى زوجتى ولا يفرق عن امتك ازواجهم. زنقص من قامتى ولا ينقص من قامتهم وفضحنى بقوله وعصى آدم وستر على امتك. وبكيت مائتى سنة حتى غفر لى ويغفر لامتك بعذر واحد : قال السعدى قدس سره محالست اكر سر برين درنهى ... كه باز آيدت دست حاجت نهى بضاعت نياورد الا اميد ... خدايا زعفوم مكن ن اميد وينبغى للمؤمن ان يأخذ الحذر فان عتاب اللّه تعالى اذا كان بهذه المرتبة فى صورة الخطأ فى الامور الاجتهادية فما ظنك فى عتابه بل بعقابه فىلامور العمدية المخالفة لكتاب اللّه تعالى ألا ترى ان الهدهد لما خالف سليمان فى الغيبة استحق التهديد والزجر والعقوبة فانك ان خالفت امر سلطانك تستحق العقوبة فان انت واظبت على الخدمة والطاعة اقمت عذرك وفى القصة بيان لزوم البكاء عند وقوع الخطأ لان النبى صلى اللّه عليه وسلم وابا بكر رضى اللّه عنه بكيا قيل ان النار تقرب يوم القيامة ويقول اضربه على وجهها فيضر به فتفر النار فيقول ( يا جبرائيل من اين هذا الماء ) فيقول انه من دموع العصاة : وفى المثنوى تانكريد ابر كى خنند جمن ... تانكريد طفل كى جوشد لبن طفل يك روزه همى داند طريق ... كه بكريم تارسد دايه شفيق تونمى دانى كه دايه دايكان ... كم دهد بى كريه شير اورا يكان جون بر آرند ازبشيمانى انين ... عرش لرزد ازانين المذنبين ٧٠ { يا ايها النبى } من الالقاب المشرفة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اى ايها المخبر عن اللّه وعن احكامه { قل لمن فى ايديكم من الاسرى } جمع اسير -روى- انها نزلت فى العباس ابن عبد المطلب عم النبى عليه السلام وكان اسر يوم بدر وكان احد العشرة الذين ضمنوا اطعام من خرج من مكة لحماية البعير وكان يوم بدر قد خرج بعشرين اوقية من ذهب ليطعم بها الكفار فوقع القتال قبل ان يطعم بها وبقيت العشرون اوقية معه فاخذت منه فى الحرب فكلم النبى عليه السلام فى ان يحتسب العشرين اوقية من فدائه فابى وقال ( اما شيء خرجت تستعين به علينا فلا اتركه لك ) فكلفه ان يفدى نفسه بمائة اوقية زائدا على فداء غيره لقطع الرجم وكلفه ان يفدى ايضا ابنى اخويه عقيل بن ابى طالب ونوفل بن الحارث كل واحد باربعين اوقية فقال يا محمد تركتنى اى صيرتنى اتكفف قريشا ما بقيت والتكفف هوان يمد كفه يسأل الناس يعنى غنم المسلمون مالى وما بقى لى شيء حتى افدى نفسى وابنى اخوى فقال ( فاين الذهب الذى دفعته الى ام الفضل ) يعنى زوجته ( وقت خروجك من مكة وقلت لها انى لا ادرى ما يصيبنى فى وجهى فان حدث بى حدث فهو لك ونعبد اللّه والفضل وقتم ) وهم ابناؤه فقال العباس وما يدريك قال ( اخبرنى به ربى ) قال اشهد انك صادق وان لا اله الا اللّه وانك رسول اللّه واللّه لم يطلع عليه احد الا اللّه ولقد دفعته اليها فى سواد الليل ولقد كنت مرتابا فى امرك فاما اذا اخبرتنى بذلك فلا ريب. والآية وان نزلت فى حق العباس خاصة الا ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب اى قل للعباس وعقيل وغيرهما من الاسارى { ان يعلم اللّه فى قلوبكم خيرا } ايمانا واخلاصا هذا الشك بالنسبة الينا كما فى قوله عليه السلام ( ان كنت تعلم ) فى دعاء الاستخارة فان معناه تعلق علمك وارادتك فلما كان تعلق هذا العلم مشكوكا بالنسبة الى العبد عبر هذا المعنى بما ترى هكذا سمعته من حضرة شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة { يؤتكم خيرا مما اخذ منكم } من الفداء { ويغفر لكم واللّه غفور رحيم } قال العباس فابدلنى اللّه خيرا مما اخذ منى لى الآن عشرون عبدا وان ادناهم ليضرب اى يتجر فى عشرين الف درهم واعطانى سقاية زمزم ما احب ان لى بها جميع اموال اهل مكة انجزنى احد الوعدين وانا ارجو ان ينجز لى الوعد الثانى اى انتظر المغفرة من ربى فانه لا خلاف فى وعد الكريم خلاف وعده محالست كز كريم آيد ... لئيم اكر نكند وعده وفاشايد ٧١ { وان يريدوا } يعنى الاسرى { خيانتك } اى نقض ما عاهدوك عليه من الاسلام بالارتداد على دين آبائهم { فقد خانوا اللّه من قبل } بكفرهم ونقض ما اخذ عل كل عاقل من ميثاقه فى الازل { فامكن منهم } اى اقدر عليهم كما فعل يوم بدر فان اعادوا الخيانة فيمكنك منهم ايضا يقال مكنه من الشيء وامكنه منه اى اقدره عليه فتمكن منه { واللّه عليم } فيعلم ما فى نياتهم وما يستحقونه من العقاب برو علم يك ذره بوشيده نيست ... كه بيدا وبنهان بنزدش يكسيت { حكيم } يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه حكمته البالغة وفى بعض الروايات ان العباس كان قد اسلم قبل وقعة بدر ولكن لم يظهر اسلامه لانه كانله ديون متفرقة فى قريش وكان يخشى ان اظهر اسلامه ضياعها عندهم وانما كلفه النبى عليه السلام الفداء لانه كان عليه ظاهر الاله ولما كان يوم فتح مكة وقهرهم الاسلام اظهر اسلامه ولم يظهر النبى عليه السلام اسلام العباس رفقا به كيلا يضيع ماله عند قريش وكان قد استأذن النبى عليه السلام فى الهجرة فكتب اليه ( يا عم اقم مكانك الذى انت فيه فان اللّه تعالى يختم بك الهجرة كما ختم بى النبوة ) فكان كذلك وفى الآية بيان قدرة اللّه تعالى وان مريد الخلاص من يد قهره فى الدنيا والآخرة لا يجد اليه سبيلا لا بالايمان والاخلاص فهو القادر القوى الخالق وما سواه العاجز الضعيف المخلوق وفى الخبر ان النبى عليه السلام قال ( ان اللّه تعالى قال قل للقوى لا يعجبنك قوتك فان اعجبتك قوتك ادفع الموت عن نفسك وقل للععالم لا يعجبنك علمك فان اعجبك فاخبرنى متى اجلك وقل للغنى لا يعجبنك غناك فان اعجبك فاطعم خلقى غداء واحدا ) وفى الاشارة اشارة الى النفوس المأسورة التى اسرت فى الجهاد الاكبر عند استيلاء سلطان الذكر عليها والظفر بها ان اطمأنت الى ذكر اللّه والعبودية والانقياد تحت احكامه يؤتها اللّه نعيم الجنة ودرجاتها وهى خير من شهوات الدنيا ويعيمها وزينتها فان الدنيا ونعيمها فانية والجنة ونعيمها باقية وخيانة النفس التجاوز عن حد الشريعة والطريقة يقال ان متابعة سبعة اصناف اورثت سبعة اشياء. الاول ان متابعة النفس اورثت الندامة كما قال تعالى فى قتل هابيل هابيل { فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله فاصبح من النادمين } والثانى ان متابعة الهوى اورثت البعد كما قال لبلعام { واتبع هويه فمثله كمثل الكلب } يعنى فى البعد والخساسة والثالث ان متابعة الشهوات اورثت الكفر كما قال تعالى { واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } يعنى الكفر. والرابع ان متابعة فرعون اورثت الغرق فى الدنيا والحرق فى الآخرة كما قال تعالى { واتبعوا امر فرعون } الى قوله { فاوردهم النار } والخامس ان متابعة القادة الضالة اورثت الحسرة كما قال تعالى { اذ نتبرأ الذين اتبعوا } الى قوله { كذلك يريهم اللّه اعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار } والسادس ان محبة النبى عليه السلام اورثت المحبة كما قال اللّه تعالى { قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعونى يحببكم اللّه } والسابع ان متابعة الشيطان اورثت جهنم كما قال تعالى { ان عبادى ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين وان جهنم لموعدهم اجمعين } ٧٢ { ان الذين آمنوا } باللّه تعالى وبمحمد عليه الصلاة والسلام وبالقرآن { وهاجروا } اوطانهم وهى مكة حبا للّه ولرسوله { وجاهدوا باموالهم } بان صرفوها الى الكراع والسلاح وانفقوها على المحاويج { وانفسهم } بمباشرة القتال واقتحام المعارك والخوض فى المهالك ولعل تقديم الاموال على الانفس لان المجاهدة بالاموال اكثر وقوعا واتم دفعا للحاجة حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالمال هكذا فى تفسير الارشاد يقول الفقير اصلحه اللّه القدير وجه التقديم عندى ان المال من توابع النفس والوجود وتوابعها اقدم منها فى البذل. وفى الآية اسلوب الترقى من الادنى الى الاعلى ولذا قال سادات الصوفية قدس اللّه اسرارهم بذل المال فى مقابلة توحيد الافعال وبذل الوجود فى مقابلة توحيد ذات المعبود { فى سبيل اللّه } متعلق بجاهدوا قيد لنوعى الجهاد والمراد بسبيل اللّه الطريق الموصل الى ثوابه وجناته ودرجاته وقرباته وهو انما يكون موصلا بالاخلاص فبذل المال والنفس بطريق الرياء لا يوصل الى رضى اللّه ذى العظمة والكبرياء اللّهم اجعلنا من الذين جاهدوا فى سبيلك لا فى سبيل غيرك : قال الشيخ المغربى قدس سره كل توحيد نرويد ززمينى كه درو ... خار شرك وحدسو وكبروريا وكين است { والذين آووا } النبى والمهاجرين معهاى اعطوهم المأوى وانزلوهم ديارهم بالمدينة والايواء الضم { ونصروا } اى نصروهم على اعدائهم واعانوهم بالسيف على الكفار فالاول فى حق المهاجرين والثانى فى حق الانصار والانصار كالعلم للقبيلتين الاوس والخزرج ولهذا جازت النسبة الى لفظ الجمع حيث قالوا الانصارى نسبة الى الانصار وسموا الانصار لانهم نصروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وواحد الانصار نصير كشريف واشراف : قال السلطان سليم الاول شاهنشه آن كدا كه بودخاك راه او ... آزاد بنده كه كرفتار مطفاست آن سينه شادكزغم اوساخت دل حزين ... وآن جاه عزيز كزبى ايثار مصطفاست { اولئك } الموصوفون بما ذكر من النعوت الفاضلة { بعض اولياء بعض } فى الميراث وكان المهاجرون والانصار يتوارثون بلهجرة والنصرة دون الاقارب حتى نسخ بقوله { واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض } اى اولى بميراث بعض من الاجانب. والحاصل ان التوارث فى الابتداء بالهجرة والنصرة لا بمجرد القرابة فكان المهاجر يرثه اخوه الانصارى اذا لم يكن بالمدينة ولىّ مهاجرى ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجرى واستمر امرهم كذلك الى ان فتحت مكة فسقطت فرضية الهجرة ثم توارثوا بالقرابة. فالاولياء جمع ولى كصديق واصدقاء والولى من الولى بمعنى القرب والدنو فكأنه قيل بعضهم اقرباء بعض لا قرابة بينهم وبين من لم يؤمن ولا بين من آمن ولم يهاجر كما قال تعالى { والذين آمنوا ولم يهاجروا } كسائر المؤمنين { ما لكم من ولايتهم من شيء } اى من توليهم فى الميراث وان كانوا من اقرب اقاربكم { حتى يهاجروا } ولما بين تعالى ان كم المؤمن الذى لم يهاجر انقطاع الولاية بينه وبين المؤمنين وتوهم انه يجب ان يتحقق بينهم التقاطع التام لتحققه بينه وبين الكفار ازال هذا الوهم بقوله { وان استنصروكم فى الدين } اى ان طلب منكم المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة { فعليكم النصر } اى فوجب عليكم نصرهم على من يعاديهم فى الدين { الا على قوم } منهم { بينكم وبينهم ميثاق } اى الا اذا كان من يعاديهم ويحاربكم من الكفار بينهم وبينكم عهد موثق فحينئذ يجب عليكم الوفاء بالعهد وترك المحاربة معهم ولا يلزمكم نصر الذين آمنوا ولم يهاجروا عليهم بل الاصلاح بينهم على وجه غير القتال { واللّه بما تعملون بصير } فلا تخالفوا امره كيلا يحل بكم عقابه ٧٣ { والذين كفروا بعضهم اولياء بعض } آخر فى الميثاق منطوق الآية اثبات الموالاة بين الكفار والكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الايمان فالمراد منه بطريق المفهوم المخالف نهى المسلمين عن موالاتهم وموارثتهم وايجاب المباعدة بينهم قرابة نسبية لان الموالاة بين الكفار مبنية على التناسب فى الكفر كما انها بين المؤمنين مينية على التناسب فى الايمان فكما لا مناسبة بين الكفر والايمان من حيث ان الاول ظلمة والثانى نور فكذا لا مناسبة بين اهلها فان الكافر عدو اللّه والمؤمن ولى اللّه فوجب التقاطع وازالة الوصلة من غير الجنس : قال الحافظ نخست موعظه بير صحبت اين بندست ... كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد { الا } اى ان لا { لا تفعلوه } اى ما امرتم به من التواصل بينكم وتولى بعضكم عضا حتى فى التوارث ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار { تكن } تامة { وفساد كبير } فى الدارين وفيه اشارة الى مساعدة طالب النصرة بأى وجه كان فان تركها يؤدى الى الخسران وارتفاع الامان وفى الحديث ( انصر اخاك ظالما او مظلوما ) ونصرة الظالم بنهبه عن الظلم وفى فتاوى ضيخان اذا وقع النفير من قبل الروم فعلى كل من يقدر على القتال ان يخرج الى الغزو اذا ملك الزاد والراحلة ولا يجوز له التخلف الا بعذر بين انتهى. وكما ان لا كلام فى فضيلة الاعانة والامداد كذلك لا كلام فى الهجرة الى ما يقوم به دين المرء من البلاد -روى- ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما رأى ما نزل بالمسلمين من توالى الاذى عليهم من كفار قريش مع عجم قدرته على انقاذهم مما هم قيه قال لهم ( تفرقوا فى الارض فان اللّه سيجمعكم ) قالوا الى اين تذهب قال ( ههنا ) واشار بيده الى جهة الحبشة وفى رواية قال لهم ( اخرجوا الى ارض الحبشة فان بها ملكا عظيما لا يظلم عنده احد وهى ارض صدق حتى يجعل اللّه لكم فرحا مما انتم فيه ) يقول الفقير اصلحه اللّه القدير سمعت من حضرة شيخى العلامة ابقاه اللّه بالسلامة انه قال لو كان لى مال لهاجرت من قسطنطينية الى ارض الهند لانه لا فائدة فى الاقامة مع سلطان لا غيرة له اصلا من جهة الدين ثم ذكر تورع سلطان الهند وهذا الكلام مطابق للشريعة والطريقة. وقال بعض الكبار ان الاولياء لا يقيمون فى بلاد الظلم وجاء فى الحديث ( من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الارض استوجب الجنة وكان رفيق ابيه خليل اللّه ابراهيم ونبه محمد عليهما الصلاة والسلام ) فهاجر الى الحبشة ناس من مخافة الفتنة وفرارا الى اللّه تعالى بدينهم منهم من هاجر الى اللّه باهله ومنهم من هاجر بنفسه وهى الهجرة الاولى فمن آمن بان طلب اللّه تعالى حق واجب هاجر من غير اللّه فهاجر من افعاله القبيحة الطبيعية الى الافعال الحسنة الشرعية ومن الاوصاف الذميمة الى الاخلاق الحميدة ومن الوجود المجازى الى الوجود الحقيقى وبذل ماله ونفسه فى طلب الحق وترك كل باطل هو غير الحق : قال السيد البخارى قدس سره هست تاج عارفان اندر جهان ازجار ترك ... ترك دنيا ترك عقبا ترك هستى ترك ترك وفى الحديث ( كان فيما كان قبلكم رجل قتل تسعا وتسعين نفسا فسال عن اعلم اهل الارض فدل على راهب فاتاه فقال انه قتل تسعا وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به المائة ثم سأل عن اعلم اهل الارض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينك وبين التوبة انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها اناسا يعبدون اللّه تعالى فاعبد اللّه معهم ولا ترجع الى ارضك فانها ارض السوء فانطلق حتى اذا بلغ نصف الطريق اتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط فاتاهم ملك فى صورة آدمى فجعلوه بينهم حكما فقال قيسوا ما بين الارضين فالى ايتهما كان ادنى فهو لها فقاسوه فوجدوه ادنى الى الارض التى اراد فقبضته ملائكة الرحمة ) وفى رواية ( فاوحى اللّه الى هذه ان تباعدى والى ان تقربى ) فان قلب الظاهر من الحديث انه قبلت توبة ذلك الرجل وهذا مخالف لما ثبت فى الشرع من ان حقوق العباد لا تسقط بالتوبة قلنا اذا تاب ظالم لغيره وقبل اللّه توبته يغفر له ذنب مخالفة امر اللّه وما بقى عليه من حق العبد فهو فى مشيئة اللّه ان شاء ارضى خصمه وان شاء اخذ حقه منه والحديث من القسم الاول وعلى تقدير الارضاء لا يكون ساقطا ايضا لاخذه عوضه من اللّه وفى الحديث استحباب ان يفارق التائب موضع الذنب والمساعدين ويستبدل منهم صحبة اهل الصلاح اللّهم احعلنا من المهاجرين والحقنا بعبادك الصالحين ٧٤ { والذين آمنوا } بجميع ما يجب ان يؤمن به اجمالا وتفصيلا { وهاجروا } اوطانهم تأسيا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وطلبا لمرضاة اللّه { وجاهدوا } الكفار والمجاهدة. والجهاد [ باكسى كارزار كردن درراه خداى ] { فى سبيل اللّه } هو دين الاسلام والاخلاص الموصلان الى الجنة ودرجاتها { والذين آووا } اى ضموا المؤمنين الى انفسهم فى مساكنهم ومنازلهم وواسوهم يقال اويت منزلى واليه اويا نزلته بنفسى وسكنته واوّيته وآويته انزلته والمأوى المكان فالايواء بالفارسية [ جايكاه دادن ] { ونصروا } اى اعانوهم على اعداءهم فالموصول الاول عبارة عن المهاجرين الاولين والثانى عن الانصار كما سبق { اولئك هم المؤمنون } ايمانا { حقا } لانهم حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحق. فالآية الاولى مذكورة لبيان حكمهم وهو انهم يتوارثون ويتولى بعضهم بعضا فى الميراث. هذه الاية مذكورة لبيان ان الكاملين فى الايمان منهم هم المهاجرون الاولون والانصار لا غيرهم فلا تكرار { لهم مغفرة } لذنوبهم { وزرق كريم } اى واسع كثير يطعمهم اللّه تعالى فى الجنة طعاما يصير كالمسك رشحا ولا يستحيل فى اجوافهم نجوا وهو ما يخرج من البطن من ريح او غائط ثم ألحق بهم فى الامرين من سيلحق بهم ويتسم بسمتهم فقال ٧٥ { والذين آمنوا من بعد } اى من بعد الهجرة الاولى { وهاجروا } بعد هجرتكم { وجاهدوا معكم } فى بعض مغازيكم { فاولئك منكم } اى من جملتكم ايها المهاجرون والانصار وهم الذين جاؤا من بعدهم { يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان } ألحقهم اللّه بالسابقين وجعلهم منهم تفضلا منه وترغيبا فى الايمان والهجرة -روى- ان النبى صلى اللّه تعالى عليه وسلم آخى بين المهاجرين والانصار فكان المهاجر يرثه اخوه الانصارى دون قريبه الغير المهاجر وان كان مسلما. فنسخ اللّه تعالى ذلك الحكم بقوله { واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض } آخر منهم فى التوارث من الاجانب { فى كتاب اللّه } اى فى حكمه { ان اللّه بكل شيء عليم } ومن جملته ما فى تعليق التوارث بالقرابة الدينية اولا بالقرابة النسبية آخرا من الحكم البالغة نه در احكام اوست جون وجرا ... نه در افعال او جكونه وجند اعلم ان المهاجرين الاولين من حيث انهم اسسوا قاعدة الايمان واتباع الرسول صلى اللّه عليه وسلم افضل من الانصار يدل عليه قوله عليه السلام ( لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ) فان المراد منه اكرام الانصار بان لا رتبة بعد الهجرة اعلى من نصرة الدين. والمهاجرون على طبقات. منهم من هاجر معه عليه السلام او بعد هجرته قبل صلح الحديبية وهو فى سنن ثنتين من الهجرة وهم المهاجرون الثانية. ومنهم ذو هجرتين هجرة الى الحبشة وهجرة الى المدينة وكانت الهجرة الى المدينة بعد ان هاجر اليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرضا على المؤمن المستطيع ليكون فى سعة الهجرة المفروضة قد انقطعت وانه ليس لاحد بعد ذلك ان ينال فضيلة الهجرة وان ينازع المهاجرين فى مراتبهم واما الهجرة التى تكون من المسلم لصلاح دينه الى مكة او الى غيرها فانها باقية ابدا الدهر غير منقطعة وفى الحديث ( لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد دينى ) وفى الحديث ( من زارنى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى ومن مات باحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ) وروى الامام فى الاحياء ان النبى عليه الصلاة والسلام لما عاد الى مكة استقبل الكعبة وقال انك خير ارض اللّه واحب بلاد اللّه الىّ ولولا انى اخرجت منك ما خرجت فما هو محبوب للنبى عليه السلام محبوب لامته ايضا فالاقامة بمكة مع الوفاء بحق المقام افضل كيف لا والنظر الى البيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة وللقاصر عن القيام بحق الموضع ترك الاقامة فان بعض العلماء كرهها لمثله -حكى- ان عمر بن العزيز وامثاله من الامراء كان يضرب فسطاطين فسطاطا فى الحل وفسطاطا فى الحرم فاذا اراد ان يصلى او يعمل شيأ من الطاعات دخل فسطاط الحرم رعاية لفضل المسجد الحرام واذا اراد ان يأكل او يتكلم او غير ذلك خرج الى فسطاط الحل ومقدار الحرم من قبل المشرق ستة اميال ومن الجانب الثانى اثنى عشر ميلا ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ومن الجانب الرابع اربعة وعشرون ميلا هكذا قال الفقيه ابو جعفر. وكما ان للاماكن الشريفة والبقاع المنفية قدرا وحرمة عند اللّه تعالى وعند الناس فكذا فى القلوب الصافية لاهل الكمالات الوافية بل خطرها اعظم مسجدى كواندرون اولياست ... سجده كاه جمله است آنجا خداست آن مجازاست اين حقيقت اى خران ... نيست مسجد جزدرون سروران وفى قوله تعالى { فاولئك منكم } اشارة الى ان كل سالك صادق سلك طريق الحق من المتأخرين على قدم الايمان والهجرة والجهاد الحقيقى فهو من المتقدمين لانه ليس عند اللّه صباح ولا مساء فالواصلون كلهم كنفس واحدة وهم متبرئون من الزمان والمكان استوى عندهم الامس واليوم والغد والقرب والبعد والعلو والسفل ولهذا قال عليه السلام ( امتى كالمطر لا يدرى اولهم خير ام آخرهم ) وعند المتأخرين من اخوانه وقال واشوقاه الى لقاء اخوانى هذا وكان الحسن اذا قرأ سورة الانفال قال طوبى لجيش قائدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومبارزهم اسد اللّه وجهادهم طاعة اللّه ومددهم ملائكة اللّه وثوابهم رضوان اللّه نسال اللّه تعالى ان يوفقنا لصالحات الاعمال وحسنات الاقوال والاحوال وان تجعلنا مشغولين بطاعة اللّه فى كل آن وحال |
﴿ ٠ ﴾