سُورَةُ الْأَنْفَالِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ آيَةً

١

{ يسألونك عن الانفال } اى عن حكم الغنائم فالسؤال استفتائى ولهذا عدى بكلمة عن لا استعطائى كما يقال سألته درهما لان السؤال قد يكون لاقتضاء معنى فى نفس المسئول فيتعدى اذ ذاك كما قال سلى ان جهلت الناس عنى وعنهمو وقد يكون لاقتضاء مال ونحوه فيتعدى اذ ذاك الى المفعولين كالمثال المذكور. والنفل الزيادة وسميت الغنيمة به لانها عطية من اللّه زائدة على ما هو الاجر فى الجهاد من الثواب الاخروى وعلى ما اعطاه لسائر الامم حيث لم يحل لهم الغنائم وكانت تنزل نار من السماء فتأكلها والنافلة من الصلاة ما زاد على عطية له وزيادة على سهمه من الغنم -روى- ان المسلمين اختلفوا فى غنائم بدر وفى قسمتها فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كيف تقسم والى اين تصرف ومن الذين يتولون قسمتها أهم المهاجرون ام الانصار أهم هم جميعا فنزلت فضمير يسألون لاصحاب بدر لتعينهم حال نزول الآية فلا حاجة الى سبق الذكر صريحا. والمعنى يستفتونك فى حكم الانفال

{ قل الانفال للّه والرسول } اى امرها وحكمها مختص به تعالى يقسمها الرسول كيفما امر به من غير ان يدخل فيه رأى احد

قال الحدادى اضافة الغنائم الى اللّه على جهة التشريف لها واضافتها الى الرسول لانه كان بيان حكمها وتدبيرها اليه

{ فاتقوا اللّه } اى اذا كان امر الغنائم للّه ورسوله فاتقوا اللّه تعالى واجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لسخطه تعالى

{ واصلحوا ذات بينكم } ذات البين هى الاحوال التى تقع بين الناس كما ان ات الصدور هى المضمرات الكائنة فيها وذات الاناء هى ما حل فيه من الطعام والشراب ولما كان ما حل فى الشيء ملابسا له قيل انه صاحب محله وذوه مثل ان يقال اسقنى ذا انائك اى الماء الذى فيه اى واصلحوا ما بينكم من الاحوال بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم اللّه تعالى وتفضل به عليكم وذلك لان المقاتلة قالوا لنا الغنائم وارادوا ان لا يواسوا الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات

قال عبادة بن الصامت نزلت فينا معشر اصحاب بدرجين اختلفنا فى النفل وساءت فيه اخلاقنا فنزعه اللّه من ايدينا فجعله لرسوله فقسمه بين المسلمين على السواء

{ واطيعوا اللّه ورسوله } بتسليم امره ونهيه

{ ان كنتم مؤمنين } متعلق بالاوامر الثلاثة والمراد بالايمان كما له فان اصل الايمان لا يتوقف على التحلى بمجموع تلك الامور كلها بل يتحقق بمجرد الطاعة بقبول ما حكم اللّه ورسوله به والاعتقاد بحقيته. والمعنى ان كانت كاملى الايمان قال كمال الايمان يدور فى هذه الخصال الثلاث

واعلم ان كثرة السؤال توجب الملال ولذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

( ان اللّه حرم عليكم عقوق الامهات ووأد البنات والمنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال ) ففى الحديث فوائد. منها النهى عن عقوق الوالدين لانه من الكبائر وانما اقتصر على الام اكتفاء بذكر احدهما كقوله تعالى

{ واللّه ورسوله احق ان يرضوه } او لان حقها اكثر وخدمتها اوفر. وفيه نهى عن وأد البنات وهو فعل الجاهلية كان الواحد منهم اذا ولد له ابن تركه واذا ولد له بنت دفنها حية وانما حملهم على ذلك خوف الاملاق ودفع العار والانفة عن انفسهم واراد واراد بالمنع الامتناع عن اداء ما يجب ويستحب. وبهات الاقدام على اخذ ما يكره ويحرم. وفيه نهى عن المقاولة بلا ضرورة وقصد ثواب فانها تقسى القلوب. وفيه نهى عن كثرة السؤال

قال ابن ملك يجوز ان يراد به سؤال الانسان عما لا يعنيه. وفيه نهى عن اضاعة المال وهى انفاقه فى المعاصى والاسراف به فى غيرها كالاسراف فى النفقة والبناء والملبوس والمفروس وتمويه الاوانى والسيوف بالذهب

قال فى التأويلات النجمية فلما اكثروا السؤال قال عليه السلام ( ذرونى ما تركتكم فانه انما اهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم ) ومن كثرة سؤالهم قوله تعالى

{ يسألونك عن الانفال } وانما سألوه ليكون الانفال لهم فقال على خلاف ما تمنوا

{ قل الانفال للّه والرسول } يعملان فيها ما شا آلا كا شئتم لتتأدبوا ولا تعترضوا على اللّه والرسول بطريق السؤال وتكونوا مستسلمين لاحكامهما فى دينكم ودنياكم ولا تحرصوا على الدنيا لئلا تشوبوا اعمالكم الدينية بالاعراض الدنيوية

{ فاتقوا اللّه واصلحوا ذات بينكم } اى اتقوا باللّه عن غير اللّه واصلحوا ما بينكم من الاخلاق الرديئة والهمم الدنيئة وهى الحرص على الدنيا والحسد على الاخوان وغيرهما من الصفات الذميمة التى يحجب بها نور الايمان عن القلوب

{ واطيعوا اللّه ورسوله } بالتسليم لاحكامهما والائتمار باوامرهما والانتهاء عن نواهيهما

{ ان كنتم مؤمنين } تحقيقا الا تقليدا فان المؤمن الحقيقى هو الذى كتب اللّه بقلم العناية فى قلبه الايمان وايده بروح منه فهو على نور من ربه : وفى المثنوى

بود كبرى در زمان با يزيد ... كفت او را يك مسلمان سعيد

كه جه باشد كرنو اسلام آورى ... تا بيابى صد نجات وسرورى

كفت اين ايمان اكرهست اى مريد ... آنكه دارد شيخ عالم بايزيد

من ندارم طاقت آن تاب آن ... كان فزون آمد زكو كوششهاى جان

كرجه در ايمان ودين ناموقنم ... ليك در ايمان او بس مؤمنم

مؤمن ايمان او يم در نهان ... كرجه مهرم هست محكم بردهان

باز ايمان كرخود ايمان شماست ... نى بدان ميلستم ونى اشتهاست

آنكه صد مبلش سوى ايمان بود ... جون شمارا ديد آن باطل شود

زانكه نامى بينهد ومعنيش نى ... جون بيابان مفازه كفتنى

اللّهم اجعلنا متحققين بحقائق الايمان واوصلنا الى درجات العرفان والاحسان

﴿ ١