٧٣

{ والذين كفروا بعضهم اولياء بعض } آخر فى الميثاق منطوق الآية اثبات الموالاة بين الكفار والكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الايمان فالمراد منه بطريق المفهوم المخالف نهى المسلمين عن موالاتهم وموارثتهم وايجاب المباعدة بينهم قرابة نسبية لان الموالاة بين الكفار مبنية على التناسب فى الكفر كما انها بين المؤمنين مينية على التناسب فى الايمان فكما لا مناسبة بين الكفر والايمان من حيث ان الاول ظلمة والثانى نور فكذا لا مناسبة بين اهلها فان الكافر عدو اللّه والمؤمن ولى اللّه فوجب التقاطع وازالة الوصلة من غير الجنس : قال الحافظ

نخست موعظه بير صحبت اين بندست ... كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد

{ الا } اى ان لا

{ لا تفعلوه } اى ما امرتم به من التواصل بينكم وتولى بعضكم عضا حتى فى التوارث ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار

{ تكن } تامة

{ وفساد كبير } فى الدارين وفيه اشارة الى مساعدة طالب النصرة بأى وجه كان فان تركها يؤدى الى الخسران وارتفاع الامان وفى الحديث ( انصر اخاك ظالما او مظلوما ) ونصرة الظالم بنهبه عن الظلم

وفى فتاوى ضيخان اذا وقع النفير من قبل الروم فعلى كل من يقدر على القتال ان يخرج الى الغزو اذا ملك الزاد والراحلة ولا يجوز له التخلف الا بعذر بين انتهى. وكما ان لا كلام فى فضيلة الاعانة والامداد كذلك لا كلام فى الهجرة الى ما يقوم به دين المرء من البلاد -روى- ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما رأى ما نزل بالمسلمين من توالى الاذى عليهم من كفار قريش مع عجم قدرته على انقاذهم مما هم قيه قال لهم ( تفرقوا فى الارض فان اللّه سيجمعكم ) قالوا الى اين تذهب قال ( ههنا ) واشار بيده الى جهة الحبشة وفى رواية قال لهم ( اخرجوا الى ارض الحبشة فان بها ملكا عظيما لا يظلم عنده احد وهى ارض صدق حتى يجعل اللّه لكم فرحا مما انتم فيه )

يقول الفقير اصلحه اللّه القدير سمعت من حضرة شيخى العلامة ابقاه اللّه بالسلامة انه قال لو كان لى مال لهاجرت من قسطنطينية الى ارض الهند لانه لا فائدة فى الاقامة مع سلطان لا غيرة له اصلا من جهة الدين ثم ذكر تورع سلطان الهند وهذا الكلام مطابق للشريعة والطريقة. وقال بعض الكبار ان الاولياء لا يقيمون فى بلاد الظلم وجاء فى الحديث ( من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الارض استوجب الجنة وكان رفيق ابيه خليل اللّه ابراهيم ونبه محمد عليهما الصلاة والسلام ) فهاجر الى الحبشة ناس من مخافة الفتنة وفرارا الى اللّه تعالى بدينهم منهم من هاجر الى اللّه باهله ومنهم من هاجر بنفسه وهى الهجرة الاولى فمن آمن بان طلب اللّه تعالى حق واجب هاجر من غير اللّه فهاجر من افعاله القبيحة الطبيعية الى الافعال الحسنة الشرعية ومن الاوصاف الذميمة الى الاخلاق الحميدة ومن الوجود المجازى الى الوجود الحقيقى وبذل ماله ونفسه فى طلب الحق وترك كل باطل هو غير الحق : قال السيد البخارى قدس سره

هست تاج عارفان اندر جهان ازجار ترك ... ترك دنيا ترك عقبا ترك هستى ترك ترك

وفى الحديث ( كان فيما كان قبلكم رجل قتل تسعا وتسعين نفسا فسال عن اعلم اهل الارض فدل على راهب فاتاه فقال انه قتل تسعا وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به المائة ثم سأل عن اعلم اهل الارض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينك وبين التوبة انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها اناسا يعبدون اللّه تعالى فاعبد اللّه معهم ولا ترجع الى ارضك فانها ارض السوء فانطلق حتى اذا بلغ نصف الطريق اتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط فاتاهم ملك فى صورة آدمى فجعلوه بينهم حكما فقال قيسوا ما بين الارضين فالى ايتهما كان ادنى فهو لها فقاسوه فوجدوه ادنى الى الارض التى اراد فقبضته ملائكة الرحمة ) وفى رواية ( فاوحى اللّه الى هذه ان تباعدى والى ان تقربى )

فان قلب الظاهر من الحديث انه قبلت توبة ذلك الرجل وهذا مخالف لما ثبت فى الشرع من ان حقوق العباد لا تسقط بالتوبة

قلنا اذا تاب ظالم لغيره وقبل اللّه توبته يغفر له ذنب مخالفة امر اللّه وما بقى عليه من حق العبد فهو فى مشيئة اللّه ان شاء ارضى خصمه وان شاء اخذ حقه منه والحديث من القسم الاول وعلى تقدير الارضاء لا يكون ساقطا ايضا لاخذه عوضه من اللّه وفى الحديث استحباب ان يفارق التائب موضع الذنب والمساعدين ويستبدل منهم صحبة اهل الصلاح اللّهم احعلنا من المهاجرين والحقنا بعبادك الصالحين

﴿ ٧٣