سُورَةُ التَّوْبَةِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ مِائَةٌ وَتِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً

١

{ براءة من اللّه ورسوله } اى هذه براءة مبتأة من جهة اللّه ورسوله واصلة

{ الى الذين عاهدتم } ايها المسلمون

{ من المشركين } فمن لابتداء الغاية والى لانتهاء الغاية متعلقان بمحذوف كما تقول هذا الكتاب من فلان الى فلان اى واصل منه اليه وليست كلمة من صلة براءة كما فى قوبك برئت من فلان والبراءة من اللّه انقطاع العصمة ونقض العهد ولم يذكر ما تعلق به البراءة كما فى ان اللّه بريئ من المشركين اكتفاء بما فى حيز الصلة واحترازا عن تكرير لفظة من ولما كانت المعاهدة غير واجبة بل مباحة مأذونة وكان الاتفاق للعهد من المسلمين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نسب اليهم مع ان مباشرة امرها انما تتصور من المسلمين لا من اللّه تعالى وان مانت باذن اللّه تعالى بخلاف البراءة فانها واجبة اوجبها اللّه تعالى وامر منوط بجناب اللّه تعالى كسائر الاوامر غير متوقفة على رأى المخاطبين. والمعنى ان اللّه ورسوله قد برئا من العهد الذى عاهدتم به المشركين فانه منبوذ اليهم والعهد العقد الموثق باليمين وقد كانوا عاهدوا مشركى العرب من اهل مكة وغيرهم باذن اللّه واتفاق الرسول فنكثوا الابنى ضمرة وبنى كنانة فامر المسلمون بنبذ العهد الى الناكثين وامهلوا اربعة اشهر كما قال تعالى

٢

{ فسيحوا } اى فقولوا لهم سيحوا وسيروا

{ فى الارض اربعة اشهر } مقبلين مدبرين آمنين من القتال غير خائفين من النهب والغارة. والسيح والسياحة الذهاب فى الارض والسير فيها بسهولة على مقتضى المشيئة كسيح الماء على موجب الطبيعة ففيه من اللالة على كمال التوسعة والترفيه ما ليس فى سيروا ونظائره وزيادة فى الارض لفصد التعميم لاقطارها من دار الاسلام وغيرها والمراد اباحة ذلك لهم وتخليتهم وشأنهم للحرب او تحصين الاهل والمال او تحصيل الحرب او غير ذلك لا تكليفهم بالسياحة فيها والمراد بالاشهر الاربعة هى الاشهر الحرم التى علق القتال بانسلاخها هى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان السورة نزلت فى شوال سنة تسع من الهجرة بعد فتح مكة فانه كان فى السنة الثامنة منها امروا بان لا يتعرضوا للكفار بتلك المدة الماضية صيانة للاشهر الحرم عن القتال فيها ثم نسخ وجوبها ليتفكروا ويعلموا ان ليس بعد هذه المدة الا الاسلام او السيف فيصير ذلك حاملا لهم على الاسلام ولئلا ينسوا المسلمين الى الخيانة ونقض العهد على غفلة المعاهدين

وقيل هى عشرون من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الآخر لان التبليغ كان يوم النحر كما روى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولى سنة الفتح عتاب بن اسيد الوقوف بالناس فى الموسم واجتمع فى تلك السنة فى الوقوف المسلمون والمشركون فلما كانت سنة تسع بعث ابا بكر رضى اللّه عنه اميرا على الموسم فلما خرج منطلقا نحو مكة اتبعه عليا رضى اللّه عنه راكب العضباء ليقرأ هذه السورة على اهل الموسم فقيل له عليه السلام لو بعثت بها الى ابى بكر فقال

( لا يؤدى عنى الارجل منى ) وذلك لان عادة العرب ان لا يتولى امر العهد والنقض على القبيلة الارجل منها سيدهم او واحد من رهطه وعترته فبعث عليا ازاحة للعلة لئلا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه فينا فى العهد والنقض فلما دنا على سمع ابو بكر الرغاء وهو صوف ذوات الحوافر فوقف وقال هذا رغاء ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما لحقه قال امير ام مأمور قال مأمور فمضينا فلما كان قبل يوم التروية خطب ابو بكر وحدثهم عن مساكنهم وقام على يوم النحر عند جمرة العقبة فقال ( يا ايها الناس انى رسول اللّه اليكم فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين او اربعين آية من اول هذه السورة ثم قال امرت باربع ان لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا كل نفس مؤمنة وان يتم الى كل ذى عهد عهده )

وقال الحدادى كان الحج فى السنة التى قرأ على رضى اللّه عنه فيها هذه الشورة فى العاشر من ذى القعدة ثم صار الحج فى السنة الثانية فى ذى الحجة وكان السبب فى تقديم الحج فى سنة العهد ما كان يفعله بنوا كنانة فى النسئ وهو التأخير انتهى فعلى هذا كان المراد بالاشهر الاربعة من عشر ذى القعدة الى عشر من ربيع الاول كما ذهب اليه البعض

{ واعلموا انكم } بسياحتكم فى اقطار الارض فى العرض والطول وان ركبتم متن كل صعب وذلول

{ غير معجزى اللّه } اى لا تفوتونه بالهرب والتحصين

قال فى ربيع الابرار غير معجزى اللّه سابقى اللّه وكل معجز فى القرآن سابق بلغة كنانة

{ وان اللّه } اى واعلموا انه تعالى

{ مخزى الكافرين } اى مذلكم فى الدنيا بالقتل والاسر وفى الآخرة بالعذاب وما يحصل لكم فى الافتضاح. والاجزاء هو الازلال بما فيه فضيحة وعار

قال القشيرى قطع لهم مدة على وجه المهلة على انهم اقلعوا عن الضلال وجدوا فى المال ما فقدوا من الوصال وان ابوا الا التمادى فى الحرمة والجريمة انقطع ما بينهم وبينه من العصمة ثم ختم الآية بما معناه ان اصررتم على قبيح آثاركم مشيتم الى هلاككم بقدمكم وسعيتم فى عاجلكم فى اراقة دمكم وحصلتم فى آجلكم على ندمكم فما خسرتم الا فى صفقتكم

تبدلت وتبدلنا واخسرنا ... من ابتغى عوضا يسعى فلم يجد

ففى الآية دعوة الى الصلح والايمان بعد الحراب والكفران فمن كفر وعصى فقد خاصم ربه فجاء الندم فى تأخيره التوبة والاستغفار وعدم مبالاته بمباغتة قهر الملك الجبار

قال بعض العرفاء ان شئت ان تصير من الابدال فحول خلقك الى بعض خلق الاطفال ففيهم خمس خصال لو كانت فى الكبار لكانوا ابدالا لا يهتمون للرزق : قال الصائب

فكرآب ودانه دركنج فقس بى حاصلست ... زير جرخ انديشه روزى جرا باشد مرا

ولا يشكون من خالقهم اذا مرضوا

حافظ ازجور توحاشاك بنالد روزى ... كه ازان روز كه دربند توام دلشادم

ويأكلون الطعام مجتمعين

اكر خواهى كه يابى ملك ودولت ... بخور شاها بدرويشان نعمت

واذا تخاصموا تسارعوا الى الصلح : قال السلطان سليم الاول

خواهى كه كنج عشق كنى لوح سينه را ... ازدل بشوى آينه سان كرد كينه را

واذا خلفوا جرت عيونهم بالدموع : وفى المثنوى

سوز مهر وكريه ابر جهان جون همى دارد جهانرا خوش دهان ... آفتاب عقل را در سوز دار

جشم جون ابر اشك افروز دار ... جشم كريان بايدت جون طفل خرد

كم خوارين نانرا كه نان آب توبرد ... واشارت الآية الكريمة الى النفوس المتمردة المشركة التى اتخذت الهوى الها وعبدت صنم الدنيا فهادنها الروح والقلب فى اوان الطفولية وعاهداها على ان لا يجاهداها ولا يقاتلاها الى حد البلوغ وهى ايضا لا تتعرض لهما الى استكمال القالب واستواء القوى البشرية التى بها تتحمل حمل الامانة واعباء اركان الشريعة وظهور كمال العقل الذى به يستعد لقبول الدعوة واجابتها وبه يعرف الرسل ومعجزاتهم وبه يثبت الصانع ويرى تعبده واجبا لاداء شكر نعمة اللّه وان اللّه ورسوله بريئ من تلك المعاهدة بعد البلوغ فانه اوان نقض عهد النفوس مع القلوب والارواح لان النفس قبل البلوغ كانت تتصرف فى المأكول والمشروب والملبوس لتربية القالب ودفع الحاجة الماسة غالبا وذلك لم يكن مضرا جدا للقلب والروح فاما لعد البلوغ فزادت فى تلك التربية بالمأكول والمشروب والملبوس لتربية القالب ودفع الحاجة الماسة غالبا وذلك لم يكن مضرا جدا للقلب والروح فاما بعد البلوغ فزادت فى تلك التربية بالمأكول والمشروب والملبوس الضرورى لاجل الشهوة ولما ظهرت الشهوة شملت آفتها المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح واشتعلت نيرانها يوما فيوما وفيها مرض القلب والروح وبعثت الانبياء لدفع هذا المرض وعلاجه كما قال عليه السلام ( بعثت لدفع العادات وترك الشهوات ) وفى قوله

{ فسيحوا فى الارض اربعة اشهر } اشارة الى ان للنفوس فى ارض البشرية سيرا وسياحة لتكميل الاوصاف الاربعة من النباتية والحيوانية والشيطانية والانسانية التى تتولد بازدواج الروح العلوى الروحانى المفرد والقالب السفلى المركب من العناصر الاربعة. فالنباتية تولد الماء. والحيوانية تولد الريح. والشيطانية تولد النار. والانسانية تولد التراب فلتكتمل هذه الصفات ارخيت ازمة النفوس فى مراتع الدنيا ونعيمها الى البلاغة ثم قال

{ واعلموا } يعنى نفوس اهل السعادة

{ انكم غير معجزى اللّه } اى لا تعجوزنه ان ينزعكم عن المراتع الدنيوية ويمتعكم بالمنافع الاخروية

{ وان اللّه مخزى الكافرين } يعنى مهلك اهل الشقاوة فى تيه الغفلات والشهوات كذا فى التأويلات النجمية

٣

{ واذان من اللّه ورسوله } الاذان بمعنى الايذان كالعطاء بمعنى الاعطاء اى هذا اعلام واصل منهما

{ الى الناس } كافة المؤمنين والكافرين ناكثين او غيرهم فالاذان عام والبراءة خاصة بالناكثين من المعاهدين والجملة عطف على قوله براءة

{ يوم الحج الاكبر } منصوب بما يتعلق به الى الناس

وفيه قولان. احدهما انه يوم العيد فانه يتم فيه اركان الحج كطواف الزيارة وغيره ويتم فيه معظم افعاله كالنحر والرمى وغيرهما واعلام البراءة كان فيه - وروى - ان النبى صلى اللّه عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات فى حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الاكبر - وروى- ان عليا رضى اللّه عنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء الى الجبانة فجاء رجل فاخذ بلجامها وسأله عن يوم الحج الاكبر فقال هو يومك هذا خل سبيلها. والثانى انه يوم عرفة لقوله عليه الصلاة والسلام ( الحج عرفة ) حصر النبى عليه السلام افعال الحج فى الوقوف بعرفة لانه معظم افعاله من حيث ان من ادرك الوقوف بعرفة فقد ادرك الحج ومن فاته الوقوف فانه الحج ووصف الحج بالاكبر لان العمرة تسمى الحج الاصغر ولاجتماع المسلمين والمشركين وفى ذلك اليوم وموافقته لاعياد اهل الكتاب ولم يتفق ذلك قبله وبعده فمعظم ذلك اليوم فى قلوب جميع الطوائف والملل وورد ( ان الوقفة يوم الجمعة تعدل سبعين حجة ) وهو الحج الاكبر

{ ان اللّه } اى بان اللّه والباء صلى الاذان حذفت تخفيفا

{ بريئ من المشركين } اى من عهدهم الذى نقضوه فالمراد بالمشركين المعاهدون الناكثون

{ ورسوله } قال المفسرون هو مرفوع معطوف على المستكن فى بريئ او منصوب على ان الواو بمعنى مع اى بريئ معه منهم او مجرور على القسم ولا تكرير فى ذكر بريئ لان قوله براءة اخبار بثبوت البراءة وهذا اخبار بوجوب الاعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين كما قال اولا

{ الى الذين عاهدتم } { فان تبتم } من الكفر والغدر

{ فهو } اى فالتوبة

{ فاعلموا انكم غير معجزى اللّه } غير سابقين ولا فائتين اى لا تفوتونه طلبا ولا تعجوزنه هربا فى الدنيا. وبالفارسية [ شمانه عاجز كنند كانيد خدايرا يعنى توانيد كه ازوبكر يزيد يابا او ستزيد ]

{ وبشر الذين كفروا بعذاب اليم } فى الآخرة والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذكر التبشير فى مقام الانذار تهكم بهم

وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال كنت مع على رضى اللّه عنه حيث بعثه رسول اللّه بالبراءة الى مكة فقيل لابى هريرة بماذا كنتم تنادون قال كنا ننادى انه لا يدخل الكنة الا مؤمن ولا يحجن هذا البيت بعد هذا العام مشرك ولا عريان ومن كان بينه وبين رسول اللّه عهد فأجله الى اربعة اشهر فاذا مضت اربعة اشهر فان اللّه بريئ من عهد المشركين ورسوله

٤

{ الا الذين عاهدتم من المشركين } استدراك اى استثناء منقطع من النبذ السابق الذى اخر فيه القتال اربعة اشهر كأنه قيل لا تمهلوا الناكثين فوق اربعة اشهر لكن الذين لم ينكثول عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين فى المسارعة الى قتلهم بل اتموا اليهم عهدهم

{ ثم } للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادى المدة

{ لم ينقصوكم شيأ } من شروط العهد ولم ينكثوا او يتقص يتعدى الى اثنين فكم مفعول اول وشيأ مفعول ثان والى واحد فشيأ منصوب على المصدرية اى شيأ من النقصان

قال الكاشفى [ بس ايشان كم نكردند جيزى از عهدهاء شما يعنى نشكستند بيمان شمارا ]

{ لم يظاهروا } لو يعانوا

{ عليكم احدا } من اعدائكم كما عدت بنوا بكر على خزاعة حلفاء النبى عليه السلام فظاهرتهم قريش بالسلاح

{ فاتموا اليهم عهدهم } عندى اتموا بالى لتضمنه معنى فأدوا اىفأدواه اليهم تاما كاملا

{ الى مدتهم } ولا تفاجئزهم بالقتال عند مضى الارجل المضروب للناكثين ولا تعاملوهم معاملتهم -رور- ان بنى ضمرة وهم حى من بنى كنانة عاهدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام الحديبية عند البيت وكان بقى لهم من عهدهم تسعة اشهر فأتم عليه الصلاة والسلام اليهم عهدهم

{ ان اللّه يحب المتقين } تعليل لوجوب الامتثال وتنبيه على ان مراعاة حقوق العهد من باب التقوى وان التسوية وبين الوفى والغادر منافية لذلك وان كان المعاهد مشركا : قال الحافظ

وفا وعهد نكو باشد ار بياموزى ... وكرنه هركه توبينى ستمكرى داند

قال الشيخ نصر آبادى للمتقى علامات اربع حفظ الحدود وبذل المجهود والوفاء بالعهود والقناعة بالموجود : قيل فى الترجمة

متقى را بود جهار نشان ... حفظ احكام شرع اول آن

ثانيا آنجه دست رس باشد ... برفقيران وبى كسان باشد

عهدرا با وفا كند بيوند ... هرجه باشد بدان شود خرسند

واعلم ان الحج الاكبر يوم الوصول الى كعبة الوصال والحج الاصغر يوم الوصول الى كعبة القلب. وزيارة كعبة الوصال وطوافها حرام على مشركى الصفات الناسوتية لانها تميل الى غير اللّه وتركن الى ما سواه فلا تطوف الناسوتية حول كعبة اللاهوتية الا بعد فنائها وفناؤها انما يكون بالجذبات الآلهية فاذا تداركت العناية الازلية العيد يخاطب

{ يا ايتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك } اما فى حال الحياة

واما فى وقت الوفاة

{ ولكل اجل كتاب } أما ترى الى سحرة فرعون كيف قالوا

{ انا الى ربنا منقلبون } وفى حديث المعراج ( ثم ذهبت الى الجنة فرأيت رضوان خازنها فلما رآنى فرح بى ورحب بى وادخلنى الجنة وارانى فيها من العجائب ما وعد اللّه فيها لاوليائه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ورأيت فيها درجات اصحابى ورأيت فيها الانهار والعيون وسمعت فيها صوتا وهو يقول آمنا برب العالمين فقلت ما هذا الصوت يا رضوان قال هم سحرة فرعون وسمعت صوتا آخر وهو يقول لبيك اللّهم فقلت من هو قال ارواح الحجاج وسمعت التكبير فقال هؤلاء الغزاة فسمعت التسبيح فقال هؤلاء الانبياء ورأيت قصور الصالحين ثم بلغت لى سدرة المنتهى )

وسميت المنتهى لان علم الخلائق ينتهى اليها ( ثم تخلف عنى جبريل فقلت له أتتركنى وحيدا فقال يا اركم الخلق على اللّه ما جاوز هذا المكان احد قبلك ولا يجاوز بعدك فاذا نادانى فقال لى ادن منى يا محمد فلم ازل ادنو وهو يقول ادن الف كرة حتى قربت منه كما قال تعالى { فكان قاب قوسين او ادنى } وما من مرة ادنو من ربى الا قضى لى فيها حاجة ثم وقفت فقطرت على لسانى قطرة كانت احلى من العسل وابرد من الثلج فعلمت علم الاولين والآخرين وقال لى يا محمد قد جعلت الاسلام حلوا فى قلوب امتك حتى احبوه وجعلت الكفر مرا فى قلوبهم حتى ابغضوه )

يقول الفقير ومنه يعرف ان اللّه تعالى جل الكفر حلوا فى قلوب امة الدعوة حتى احبوه وجعل الايمان مرا فى قلوبهم حتى ابغضوه فحب الايمان من الجذبة الآلهية والعناية الازلية وبه اتقى المؤمن من الكفر ثم من العصيان ثم من الجهل ثم من رؤية ما سوى اللّه والميل اليه. فيا اهل الايمان ادركتكم العناية العامة. ويا اهل العرفان جذبتكم الهداية الخاصة فقوموا واشكروا اللّه تعالى على ما انعم عليكم واوصله من كمال كرمه اليكم وقد نص على انه يحب المتقين فتارة تكون محبا وهو محبوب وتارة تكون محبوبا وهو محب ومقام المحبوبية اعلى المقامات ولو كان فوقه ما هو اعلى منه لما قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حبيب اللّه

فعليك ايها العاقل بالرجوع الى المولى قبل تمام المدة وهو حلول الاجل وقبل ان تكتنفك الموانع من الجبن والكسل وطريق الاختيار مقبولة دون طريق الاضطرار فان اقبلت فلك سعادة الوقت وان اعرضت فلك الشقاوة والمقت نسأل اللّه تعالى ان يهدينا الى طريق الرضى ويقيل عثرتنا فما مضى آمين

٥

{ فاذا انسلخ } اى انقضى استعير له من الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده

{ الاشهر الحرم } وانفصلت عما كانت مشتملة عليه ساترة له انفصال الجلد عن الشاة وانكشفت عنه انكشاف الحجاب عما وراءه وتحقيقه ان الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه اشتمال الجلد للحيوان وكذا كل جزء من اجزائه الممتدة من الايام والشهور والسنين فاذا مصى فكأنه انسلخ عما فيه ووصفت الاشهر بالحرم وهى جمع حرام لان اللّه تعالى حرم فيها القتال وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم التى ابيح للناكثين ان يسيحوا فيها لا الاشهر الدائرة فى كل سنة وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان نظم الاية يقتضى توالى الاشهر المذكورة وهذه ليست كذلك لان ثلاثة منها سرد وواحد فرد

{ فاقتلوا المشركين } الناكثين اذا الآباد

فهذه الآية ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الاعراض عن المشركين والصبر على ايذائهم على وفق ما اجمع عليه جمهور العلماء

{ حيث وجدتموهم } ادركتموهم فى حل او حرم

{ وخذوهم } اى ائسروهم والاخيذ الاسير

{ واحصروهم } الحصر المنع والمراد اما حبسهم ومنعهم عن التبسط والتقلب فى البلاد او منعهم عن المسجد الحرام

{ واقعدوا لهم كل مرصد } اى كل ممر ومجتاز يحتازون منه اسفارهم وانتاصبه على انه ظرف لاقعدوا اى ارصدوهم فى كل مكان يرصد فيه وارقبوهم حتى لا يمروا به وهذا امر لتضييق السبيل عليهم فليس معناه حقيقة القعود

قال الكاشفى

[ بسته كردانيد برايشان راهها ن منتشر نشوند در بلاد وقرى ] { فان تابوا } عن الشرك بالايمان حسبما اضطروا بما ذكر من القتل والاسر والحصر

{ واقاموا الصلوة وآتول الزكوة } تصديقا لتوبتهم وايمانهم واكتفى بذكرهما عن بقية العبادات لكونهما رئيسى العبادات البدنية والمالية

{ فخلوا سبيلهم } فدعوهم وشأنهم لا تتعرضوا لهم بشئ مما ذكر

قال القاضى فى تفسيره فيه دليل على ان تاركى الصلاة ومانعى الزكاة لا يخلى سبيلهم انتهى

وعن ابى حنيفة رحمه اللّه ان من ترك الصلاة ثلاثة ايام فقد استحق القتل

قال الفقهاء الكافر اذا اكره على الاسلام فأجرى كلمة الاسلام على لسانه يكون مسلما فاذا عاد الى الكفر لا يقتل ويجبر على الاسلام كما فى هدية المهديين للمولى اخى جلبى

وفيه ايضا كافر لم يقر بالاسلام الا انه اذا صلى مع المسلمين بجماعة يحكم بالاسلامه وبلا جماعة لا وان صام او حج او ادى الزكاة لا يحكم بالاسلامه فى ظاهر الرواية وفى اخرى انه ان حج على وجه الذى يفعله المسلمون فى الاتيان بجميع الاحكام والتلبية وشهود كل المناسك يصير مسلما

{ ان اللّه غفور رحيم } تعليل للامر بتخلية السبيل اى فخلوهم فان اللّه يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر لان الايمان يجب ما قبله اى يقطعه كالحج ويثيبهم بايمانهم وطاعتهم

واعلم ان اللّه تعالى امر فى هذه الآية بالجهاد وهو اربعة انواع.

جهاد الاولياء بالقلب بتخليته بالاخلاق الحميدة. وجهاد الزهاد بالنفس بتزكيتها عن الاوصاف الرذيلة. وجهاد العلماء باظهار الحق خصوصا عند سلطان جائر وامام ظالم. وجهاد الغزاة ببذل الروح

بهر روز مرك اين دم مرده باش ... تاشوى باعشق سرمد خواجه تاش

كشته ومرده به بيشت اى قمر ... به كه شاه زند كتة جاى دكر

فالقتل اما قتل النفوس المشركة بالسيف الظاهر

واما قتل التفوس العاصية بالسيف الباطن وقتلها فى نهيها عن هواها ومنعها عن مشتهاها واستعمالها على خلاف طبعها وضد طبيعتها

قيل للحسين بن على رضى اللّه عنهما اى الجهاد افضل قال مجاهدتك هواك

ووصى رجل ولده فقال يا بنى اعص هواك والنساء واصنع ما شئت وقوله تعالى

{ حيث وجدتموهم } يشير الى قتلها فى الطاعة والمعصية فقتلها فى الطاعة بملازمتها ومداومتها عليها وفطامها عن مشاربها فيها واعجابها وتخليصها اياها : قال فى القصيدة الشهيرة بالبردة

وراعها وهى فى الاعمال سائمة ... وان هى استحلت المرعى فلا تسم

اى راع النفس فى اشتغالها بالاعمال عما هو مفسد ومنقص للكمال من الرياء والعجب والغفلة والضلال وان عدت النفس بعض التطوعات حلواواعتادت والفته فاجتهد فى ان تقطع نفسك عنه واشتغل بما هو اشق عليها لان اعتبار العبادة انما هو بامتيازها من العادة

{ فان تابوا } ورجعوا الى اللّه اى رجعت النفوس عن هواها الى طلب الحق تعالى

{ واقاموا الصلاة } وداومت على العبودية والتوجه الى الحق

{ واتوا الزكوة } اى تزكت عن اوصافها الذميمة

{ فخلوا سبيلهم } عن مقاساة الشدائد بالرياضات والمجاهدات ليعلموا بالشريعة بعد الوصول الى الحقيقة فان النهاية هى الرجوع الى البداية كما فى التأويلات النجمية

يقول الفقير ظهر من هذا ان السالك وان بلغ الى غاية المراتب ونهاية المطالب فهو متقيد فى اطلاقه بمرتبة الشريعة والعمل باحكامها بحيث لو انخلع عن الاحكام والآداب كان ملحدا سيئ الادب مطرودا عن الباب مهجورا عن حريم قرب رب الارباب فالشريعة الشريفة محك لكل سالك مبتدئ ولكل واصل منتهى يظهر بها صدق الطلب وخدمة الشكر

وفى الكتب الكلامية ولا يصل العبد ما دام عاقلا بالغا الى حيث يسقط الامر والنهى لعموم الخطابات الواردة فى التكاليف واجماع المجتهدين على ذلك اللّهم اجعلنا من المتقيدين بوثاق عبوديتك والمراعين لحقوق ربوبيتك

٦

{ وان احد } رفع يفعل يفسر ما بعده لا بالابتداء لان ان من عوامل الفعل

{ من المشركين } الذين امرتك بقتلهم فآمنه ولا نسارع الى قتله

{ حتى يسمع } اى الى ان يسمع او ليسمع

{ كلام اللّه } اى القرآن فيما له وما عليه من الثواب والعقاب

استدل الاشعرى بهذه الآية الى انه يجوز ان يسمع الكلام القديم الذى هو صفة اللّه تعالى ومنعه الشيخ ابو منصور. فمعنى حتى يسمع كلام اللّه يسمع ما يدل عليه كما يقال سمعت علم فلان فان حقيقة العلم لا تسمع بل سمعت خبرا دالا على علمه وكما يقال انظر الى قدرته تعالى اى الى ما يدل على قدرته تعالى والتفصيل فى كتب الكلام

{ ثم ابلغه } بعد استناعه له ان لم يؤمن

{ مأمنه } اى مسكنه الذى يأمن فيه وهو دار قومه انهم

{ قوم لا يعلمون } ما الاسلام وما حقيقته او قوم جهلة فلا بد من اعطاء الامان حتى يفهموا الحق ولا يبقى لهم معذرة اصلا. ومن ههنا قال الفقهاء حربى اسلم فى دار الحرب ولا يعلم بالشرائع من الصوم والصلاة ونحوهما ثم دخل دار الاسلام لم يكن عليه قضاؤها ولا يعاقب عليه اذا مات ولو اسلم فى دار الاسلام ولم يعلم بالشرائع يلزمه القضاء

واعلم ان كما ان الطفار قوم لا يعلمون احكام اللّه فكذا النفس وصفاتها قوم لا يعلمون اللّه والطافه فلا يقبلون اليه ويعلمون الدينا وشهواتها فيرغبون فيها وقد امهل اللّه تعالى بفضله ليرجع العبد اليه والى طاعته - روى- انه كان فى بنى اسرائيل شاب قد عبد اللّه عشرين سنة ثم عصاه عشرين سنة ثم نظر فى المرآة الشيب فى لحيته فساءه ذلك فقال الهى اطعتك عشرين سنة وعصيتك عشرين سنة فان رجعت اليك تقبلنى فسمع هاتفا من وراء البيت ولم ير شخصا وهو يقول احببتنا فاحببناك وتركتنا فتركناك وعصيتنا فامهلناك فان رجعت الينا قبلناك

وينبغى للعبد ان يسارع الى التوبة والاستغفار فان توبة الشاب احسن من توبة الشيخ فان الشاب ترك الشهوة مع قوة الداعى اليها والشيخ قد ضعفت شهوته وقل داعيه فى يستويان : قال السعدى قدس سره

[ قحبه بيرازنابكارى جه كندتوبه نكند ] لانه لا رغبة وفى مجامعتها فانها تؤدى الى موت الفجأة [ وشحنه معزول ازمردم ازارى ] لانه لا ولاية له على الناس

جوان كوشه نشين شيرمر داره خداست ... كه بيرخود نتواندز كوشه برخاست

شيخ كبير له ذنوب ... تعجز عن حملها المطايا

قد بيضت شعره الليالى ... وسودت قلبه الخطايا

يا من يأتى عليه عام بعد عام وقد غرق فى بحر الخطايا وهام. يا من يشاهد الآيات والعبر كلما توالت عليه الاعوام والشهور ويسمع الآيات والسور ولا ينتفع بما يسمع ولا بما يرى من عظائم الامور ما الحيلة فيمن سبق عليه الشقاء فى الكتاب المسطور فانها تعمى القلوب التى فى الصدور ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور اللّهم اجعلنا من المتلذذين بحسن خطابك والمستسعدين بقرب جنابك والمتصفين بمعرفة آيات صفاتك والواصلين الى اسرار ذاتك انك انت الفياض

٧

{ كيف } فى محل النصب على التشبيه بالحال والظرف والاستفهام انكارى لا بمعنى انكار الواقع كما فى قوله تعالى

{ كيف تكفرون باللّه } بل بمعنى انكار الوقوع

{ يكون } من الكون التام

{ للمشركين } هم الناكثون. والمعنى على اى حال يوجد لهم

{ عهد } معتديه

{ عند اللّه وعند رسوله } يستحق ان يراعى حقوقه ويحافظ عليه الى تمام المدة ولا يتعرض لهم بحبسه قتلا واخذا اى مستنكر مسنبعد ان يكون لعم عهد الوفاء به

{ الا الذين } استدراك من النفى المفهوم من الاستفهام المتبادر شموله لجميع المعاهدين اى لكن الذين

{ عاهدتم } يعنى بنى ضمرة وبنى كنانة

{ عند المسجد الحرام } [ نزديك مسجد حرام يعنى درحدييه كه قريبست بمكة معظمه ] والتعرض لكون المعاهدة عند المسجد الحرام لزيادة بيان اصحابها والاشعار بسبب وكادتها ومحل الموصول الرفع على الابتداء خبره قوله تعالى

{ فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } والفاء لتضمنه معنى الشرط وما اما مصدرية منصوبة المحل على الظرفية بتقدير المضاف اة فاستقيموا لهم بوفاء اجلهم مدة استقامتهم لكم فى وفاء العهد فلم ينقضوه كما نقض غيرهم

واما شرطية منصوبة المحل على الظرفية الزمانية اى اى زمان استقاموا لكم فى عهدهم فاستقيموا لهم بالوفاء او مرفوعة على الابتداء والعائد محذوف اى اى زمان استقاموا لكم فاستقيموا لهم فيه

{ ان اللّه يحب المتقين } لنقض العهد تعليل للامر بالاستقامة واشعار بان المحافظة على العهد من لوازم التقوى وفى الحديث ( لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف بقدر غدره ) قال فى شرح الشهاب المراد باللواء التشهير يعنى يفتضح الغدّار يوم القيامة بقدر غدره : وفى المثنوى

سوى لطف بيوفايان هين مرو ... كان بل ويران بود نيكوشنو

نقض ميثاق وعهود از احمقيست ... حفظ ايمان ووفار كار تقيست

٨

{ كيف } يكون للمشركين عهد حقيق بالمراعاة عند اللّه سبحانه وعند رسوله عليه السلاة والسلام

{ وام يظهروا عليكم } اى وحالهم انهم ان يظفروا بكم

{ لا يرقبوا فيكم } اى لا يرغبوا فى شانكم. واصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية ومنه الرقيب ثم استعمل فى مطلق الرعاية

{ الا } اى حلفا او قرابة

وقبل الال اسم عبرى بمعنى الاله

قال الازهرى ايل من اسماء اللّه تعالى بالعبرانية فجاز ان يكون معرب ال اى لا يراعوا حق اللّه تعالى

{ ولا ذمة } اى عهدا حقا يعاقب على اغفاله واضاعته مع ما سبق لهم من تأكيد الايمان والمواثيق يعنى ان وجوب مراعاة حقوق العهد على كل من المتعاهدين مشروطة بمراعاة الآخر لها فاذا لم يراعها المشركون فكيف تراعونها

{ يرضونكم بافواههم } استئناف بيانى كأنه قيل بأى وجه لا يراعون الحلف او القرابة فكيف يقدمون على عدم المراعاة فاجيب بانهم يرضونكم بافواههم حيث يظهرون الوفاء والمصافاة ويعدون لكم بالايمان والطاعة ويؤكدون ذلك بالايمان الفاجرة ويتعللون عند ظهور خلافه بالمعاذير الكاذبة ونسبة الارضاء للافواه للايذان بان كلامهم مجرد الفاظ يتفوهون بها من غير ان يكون لها مصداق فى قلوبهم

{ وتأبى قلوبهم } ما تتفوه به افواههم يعنى ان ألسنتهم تخالف قلوبهم وما فى بواطنهم من الضغائن ينافى ما اظهروه بالسنتهم من وعد الايمان والطاعة والوفاء بالعهد فهم انما يقولون كلاما حلوا مكرا وخديعة وفى الحديث ( المكر والخديعة فى النار ) يعنى اربابها وفى الحديث ( اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع ) وهى جمع بقلمة وهى الارض الفقر الى لا شئ فيها وامرأة بلقعة اذا كانت خالية من كل خير والمعنى يفتقر الحالف ويذهب ماله وجاهه

فينبغى للعاقل ان لا يجعل عادنه ان يحلف فى كل صغير وكبير فانه ربما يحلف كاذبا فيستحق العقوبة - ورد - ان البياع الحلاف اذا كان داذبا فى يمينه يكون ثمن ما باعه حرمة من لحم الخنزير

{ واكثرهم } اى اكثر المشركين

{ فاسقون } خارجون عن الطاعة فان مراعاة حقوق العهد من باب الطاعة متمردون فى الكفر ليست لهم عقيدة تمنعم ولا مروءة تردعهم وتخصيص الاكثر لما فى بعض الكفرة من التفادى عن الغدر والتعفف عما يجر احدوثة السوء والاحدوثة ما يتحدث الناس فى حقه من المثالب والمعائب

يقول الفقير ذكر عند حضرة شيخى العلامة ابقاه اللّه بالسلامة مروءة بعض اهل الذمة فقال انه من آثار السعادة الازلية ويرجى ان ذلك يدعوه الى الايمان والتوحيد ويصير عاقبته الى النجاة والفلاح : وفى المثنوى

من نديدم درجهان جست وجو ... هيج اهليت به از خوى نكو

دربى خوباش وباخوشخو نشين ... خو بذيرى روغن وكل رابيين

بس يقين دان صورت خوب ونكو ... يا خصال بد نيرزد يك طسو

ور بود صورت حقير ونايذير ... جون بود خلقش نكو درباش مير

وقد اوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معاذا بوصية جامعة لمحاسن الاخلاق فقال ( يا معاذ اوصيتك بتقوى اللّه وصدق الحديث والوفاء بالعهد واداء الامانة وترك الخيانة وحفظ الجوار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل وقصر الامل ولزوم الايمان والتفقه فى القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح واياك ان تسب حكيما او تكذب صادقا او تطيع آثما او تعصى اماما عادلا او تفسد ارضا. اوصيتك باتقاء اللّه عند كل حجر وشجر ومدر وان تحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية بذلك ادب اللّه عباده ودعاهم الى مكارم الاخلاق ومحاسن الآداب ) كذا فى العوارف

اعلم ان النفس خلقت من السلفيات وجبلت ميالة الى الدنيا وشهواتها ولذاتها والى الجفاء والغدر والرياء والنفاق وقد عاهدها اللّه يوم الميثاق على الصدق والاخلاص فهى ما دامت حية باقية على صفاتها الذميمة لا يمكنها العبودية الخالصة من شوب الطمع فى المقاصد الدنيوية والاخروية فاذا تنورت بالانوار المنعكسة من تجلى صفات الجمال والجلال لمراءة القلب تفنى عن اوصافها المخلوقة وتبقى بالانوار الخالقية فيثبتها اللّه بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة فتسلم من نقض العهد والمسجد الحرام اشارة الى مقام الوصول الذى هو حرام على اهل الدنيا والآخرة وهو مقام اهل اللّه وخاصته نسأل اللّه الوصول الى هذا المقام المكين والدخول فى هذا الحرم الامين :

قال بعضهم

الزم الصدق والتقى ... واترك العجب والريا

واغلب النفس والهوى ... ترزق السؤال والمنى

فعلى العاقل المجاهدة مع النفس ورعاية العهود والحقوق ومجانبة الفسوق والعقوق

قال الشبلى قدس سره عقدت وقتا ان لا آكل الا من الحلال فكنت ادور فى البرارى فرأيت شجرة تين فمددت يدى اليها لآكل فنادتنى الشجرة احفظ عليك عقدك لا تأكل منى فأنى ليهودى

يقول الفقير فى هذه الحكاية شيآن. الاول ظهور الكرامة وهو تكلم الشجرة. والثانى تذكير اللّه تعالى اياه عند عقده وذلك بسبب صدقه فى ارادته واخلاصه فى طلبه فمن اراد ان يصل الى هذه الرتبة فليحافظ وقته ليراقب فان فى المراقبة حصول المطالب عصمنا اللّه واياكم من تجاوز الحد والخروج عن الطريق وشرفنا بالوقوف فى حد الحق والثبات فى طريق التحقيق

٩

{ اشتروا بآيات اللّه } يعنى المشركين الناقضين تركوا الآيات الآمرة بالايفا بالعهود والاستقامة فى كل امر واخذوا بدلها

{ ثمنا قليلا } اى شيئا حقيرا من حطام الدنيا وهو اهواؤهم وشهواتهم التى اتبعوها

{ فصدوا } اى عدلوا واعرضوا من صد صدودا فيكون لازما او منعوا وصرفوا غيرهم من صده عن الامر صدا فيكون متعديا

{ عن سبيله } اى دينه الموصل اليه او سبيل بيته الحرام حيث كانوا يصدون الحجاج والعمار عنه ويحصرونهم

{ انهم ساء ما كانوا } اى بئس العمل عملهم المستمر فما المصدرية مع ما فى حيزها فى محل الرفع على انها فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف

وقيل ان ابا سفيان بن حرب جمع الاعراب واطمعهم ليصدهم بذلك عن متابعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وليحملهم على نقض العهد الذى كان بينهم وبين رسول اللّه فقضوه بسبب تلك الاكلة ففاعل اشتروا الاعراب والثمن القليل هو ما اطمعهم ابو سفيان

يقول الفقير هذا جار الى الآن فان بعض اهل الهوى والظلم يضيف بعض اهل الطمع والمداهنة ممن يعد من اعيان القوم ليشهدوا له عند السلطان او القاضى بالحق والعدل فيتشرون بآيات اللّه ثمنا قليلا هو الضيافة لهم

١٠

{ لا يرقبون } اى لا يراعون ولا يحفظون

{ فى مؤمن } او فى شأنه وحقه

{ الا } اى خلقا او حق قرابة

{ ولا ذمة } اى عهدا هذا ناغى عليهم عدم مراعاة حقوق عهد المؤمنين على الاطلاق فلا تكرار

{ واولئك } الموصوفون بما عد من الصفات السيئة

{ هم المعتدون } المجاوزون الغاية القصوى من الظلم والشرارة

١١

{ فان تابوا } عن الكفر وسائر العظائم

{ واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة } اى التزموا اقامتها واعتقدوا فريضتهما

{ فاخوانكم } اى فهم اخوانكم

{ فى الدين } متعلق باخوانكم لما فيه من معنى الفعل اى لهم ما لكم وعليهم ما عليكم فعاملوهم معاملة الاخوان ومتى لم توجد هذه الثلاثة لا تحصل الاخوة فى الدين ولا عصمة الدماء والاموال

{ ونفصل الآيات } اى نبين الآيات المتعلقة بحوال المشركين الناكثين وغيرهم واحكامهم حالتى الكفر والايمان

{ لقوم يعلمون } اى ما فيها من الاحكام ويتفكرونها ويحافظون عليها

١٢

{ وان نكثوا } عطف على قوله تعالى

{ فان تابوا } اى وان لم يفعلوا ذلك بل نقضوا

{ أيمانهم من بعد عهدهم } الموثق بها واظهروا ما فى ضمائرهم من الشر واخرجوه من القوة الى الفعل

{ وطعنوا فى دينكم } عابوه وقدحوا فيه بتصريح التكذيب وتقبيح الاحكام

{ فقاتلوا } [ بس بكيشد ]

{ ائمة الكفر } اى فقاتلوهم فوضع الظاهر موظع الضمير للاشارة الى علة وجوب مقاتلتهم اى للايذان بانهم صاروا بذلك ذوى رياسة وتقدم فى الكفر احقاء بالقتل

وقيل المراد بائمتهم رؤساؤهم كابى سفيان والحرث ابن هشام وابى جهل بن هشام وسهل بن عمرو وعكرمة بن ابى جهل واشاههم وتخصيصهم بالذكر ليس لنفى الحكم عما عداهم بل لان قتلهم اهم من حيث انهم هم المعتدون فى الشرارة ويدعون الى الافعال الباطلة كأنه قيل فقاتلوا من نكث الوفاء بالعهود لا سيما ائمتهم والرؤساء منهم. واصل ائمة أاممة جمع امام نحو مثال وامثلة

{ انهم لا أيمان لهم } اى على الحقيقة حيث لا يراعونها ولا يعجون نقضها محذورا وان اجروها على ألسنتهم فالمراد بالايمان المثبتة لهم بقوله تعالى

{ وان نكثوا ايمانهم } ما اظهروه من الايمان وبالمنفية ما هو ايمان على الحقيقة فانهم اذا لم يراعوها فلا وجود لها فى الحقيقة ولا اعتبار لها لان ما لم يترتب عليه احكامه ولوازمه فهو فى حكم المعدوم وهو تعليل لاستمرار القتال المأمور به المستفاد من سياق الكلام كأنه قيل فقاتلوهم الى ان يؤمنوا لانهم لا ايمان لهم حتى تقعدوا معهم عقجا لآخر

{ لعلهم ينتهون } متعلق بقوله فقاتلوا اى قاتلوهم ارادة ان ينتهوا اى ليكن غرضكم من القتال انتهاءهم عماهم عليه من الكفر وسائر العظائم التى يرتكبونها لا ايصال الاذية كما هو ديدن المؤذين والاذية هو المكروه اليسير

اقول فيه اشارة الى ان الفاعل ينبغى ان يكون له غرض صحيح شرعى فى فعله كفدع المضرة فى قتل القملة والنملة واشباههما لا ارادة التشفى والانتقام وايصال الاذى والآلام للقرص او لغيره وليكن هذا على ذكر من الصوفية المحتاطين فى كل الامور والساعين فى طريق الفناء الى يوم ينفخ فى الصور

قال الحدادى فى الاية بيان ان اهل العهد متى خالفوا شيأ مما عاهدوهم عليه فقد نقضوا العهد

واما اذا طعن واحد منهم فى الاسلام فان كان شرط فى عهودهم ان لا يذكروا كتاب اللّه ولا يذكروا محمدا صلى اللّه عليه وسلم لا يجوز ولا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يقطعوا عليه طريقا ولا يعينوا اهل الحرب بدلالة على المسلمين فانهم اذا فعلوا ذلك فقد برئت منهم ذمة اللّه وذمة رسول اللّه فان فعلوا شيأ من هذه الاشياء حل دمهم وان كان لم يشرط ذلك عليهم فى عهودهم وطعنوا فى القرآن وشتموا النبى عليه الصلاة والسلام ففيه خلاف من الفقهاء قال اصحابنا يعزرون ولا يقتلون واستدلوا بما روى انس بن مالك ان امرأة يهودية أتت النبى عليه السلام بشاة مسمومة ليأكل منها فجيئ بها

وقيل له أنقتلها فقال لا ولحديث عائشة لاضى اللّه عنها

( فان اللّه عز وجل يحب الرفق فى امره كله ) فقالت يا رسول اللّه ألم تسمع ما قالوا فقال ( بلى قد قلت عليكم ) ولم يقتلهم النبى عليه السلام بذلك وذهب مالك الى ان من شتم النبى عليه السلام من اليهود والنصارى قتل الا ان يسلم انتهى ما فى تفسير الحدادى

قال ابن الشيخ فى الآية دليل على ان الذمى اذا طعن فى الاسلام اى عابه وازدراه جاز قتله لانه عوهد على ان لا يطعن فى الدين فاذا طعن فقد خرج عن الذمة وعند ابى حنيفة يستتاب الذمى بطعنه فى الدين ولا ينقض عهده بمجرد طعنه ما لم يصرح بالنكث انتهى

قال المولى اخى جلبى فى هدي المهديين الذمى اذا صرح بسبه عليه السلام او عرض او استخف بقدره او وصفه بغير الوجه الذى كفر به فلا خلاف عند الشافعى فى قتله ان لم يسلم لانه لم يعط له الذمة او العهد على هذا وهو قول عامة العلماء الا ان ابا حنيفة والثورى واتباعهما من اهل الكوفة قالوا لا يقتل لان ما هو عليه من الشرك اعظم لكن يعزر ويؤدب.

وقيل لا يسقط اسلام الذمى الساب قتله لانه حق النبى عليه السلام وجب عليه لهتكه حرمته وقصده لحاق النقيصة والمعرة به عليه السلام فلم يكن رجوعه الى الاسلام مسقطا له كما لم يسقط سائر حقوق المؤمنين من قبل اسلامه من قتل او قذف واذا كنا لا نقبل توبة المسلم فلان لا نقبل توبة الكافر اولى كما فى الاسرار والحاوى فالمختار ان من صدر منه ما يدل على تخفيفه عليه السلام بعمد وقصد من عامة المسلمين يجب قتله ولا تقبل توبته بمعنى الخلاص من القتل وان اتى بكلمتى الشهادة والرجوع والتوبة لكن او مات بعد التوبة او قتل حدّا مات ميتة الاسلام فى غسله وصلاته ودفنه ولو اصر على السب وتمادى عليه وابى التوبة منه فقتل على ذلك كان كافرا وميراثه للمسلمين ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن بل تستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار. والفرق بين من سب الرسول وبين من سب اللّه على مشهور القول باستتابته ان النبى عليه السلام بشر والبشر من جنس تلحقهم المعرة الا من اكرمه اللّه تعالى بنبوته والبارى منزه عن جميع المعائب قطعا وليس من جنس تلحقهم المعرة بجنسه

واعلم انه قد اجتمعت الامة على ان الاستخفاف بنبينا وبأى نبى كان من الانبياء كفر سواء فعله فاعل ذلك استحلالا ام فعله معتقدا بحرمته ليس من بين العلماء خلاف فى ذلك والقصد للسب وعدم القصد سواء اذ لا يعذر احد فى الكفر بالجهالة ولا بدعوى زلل اللسان اذا كان عقله فى فطرته سليما.

فمن قال ان النبى صلى اللّه عليه وسلم كان اسود او يتيم ابى طالب او زعم ان زهده لم يكن قصدا بل بكمال فقره ولو قدر على الطيبات اكلها ونحو ذلك يكفر وكذا من عيره برعاية الغنم او السهو او النسيان او السحر او بالميل الى نسائه او قال لشعره شعير بطريق الاهانة وان اراد بالتصغير التعظيم لا يكفر ومن قال جن النبى ساعة يكفر ومن قال اغمى عليه لا يكفر -وحكى- عن ابى يوسف انه كان جالسا مع هارون الرشيد على المائدة فروى عن النبى عليه السلام انه كان يحب القرع فقال حاجب من حجابه انا لا احبه فقال لهارون انه قد كفر فان تاب واسلم فيها والا فاضرب عنقه فتاب واستغفر حتى امن من القتل ذكره فى الظهيرية قالوا هذا اذا قال ذلك على وجه الاهانة اما بدونها فى كما فى الخاقانية ولو قال رجل ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اذا اكل يلحس اصابعه الثلاث فقال الآخر [ اين بى ادبيست ] فهذا كفر والحاصل انه اذا استخف سنة او حديثا من احاديثه عليه السلام يكفر ولو قال لو كانت الصلاة زائدة على الاوقات الخمسة او الزكاة على خمسة دراهم والصوم على شهر لا افعل منها شيأ يكفر ولو قال لآخر صل فقال الآخر ان الصلاة عمل شديد الثقل يكفر ولو صلى رجل فى رمضان لا فى غيره فقال [ اين خود بسارست ] يكفر ولو ترك الصلاة متعمدا ولم ينو القضاء ولم يخف عقاب اللّه فانه يكفر ولو قال عند مجيئ شهر رمضان [ آمد آن ماه كران ] او جاء الضيف الثقيل يكفر

ومن اشارات الآيات ان الطعن في الدين هو الانكار على مذهب السلوك والطلب وائمة الكفر هم النفوس كما ان ائمة الايمان هم القلوب والارواح والنفوس لا وفاء لهم بالعهد على طلب الحق تعالى وترك ما سواه فلا بد من جهادهم حق جهادهم كى ينتهوا عن طبيعتهم وعما جبلوا عليه من الامارية بالسوء

١٣

{ ألا تقاتلون قوما } [ آياكارزار نميكنيدبا كروهى كه ]

{ نكثوا } [ بشكنند ]

{ ايمانهم } التى حلفوها مع الرسول والمؤمنين على ان لا يعاونوا عليهم فعاونوا بنى بكر على خزاعة

قال الكاشفى [ ديكر از عهدها ميان بيغمبر وقريش آن بودكه حلفا يكديكررا نرنجانند وبرقتال ايشان بايكديكر مظاهره نكنند قريش ببنى بكررا كه حلفاء ايشان بودند بسلاح ومردمدد دادند بابنى خزاعه كه رسول بودند جنك كردند ]

{ وهموا } فكون نعيا عليهم جنايتهم القديمة

وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا باخراجه من المدينة

{ وهم بدأوكم } اى بدأوا نقض العهد بالمعاداة والمقاتلة

{ اول مرة } لان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاءهم اولا بالكتاب وتحداهم به فعدلوا عن المحاجة لعجزهم عنها الى المقاتلة فما يمنعكم ان تعارضوهم وتصادموهم

{ أتخشونهم } أتتركون قتالهم خشية ان ينالكم مكروه منهم

{ فاللّه احق ان تخشوه } فقاتلوا اعداءه ولا تتركوا امره. قوله فاللّه مبتدأ خبره احق وان تخشوه بدل من اللّه اى اى خشية احق من خشيتهم فان تخشوه فى موضع رفع ويجوز ان يكون فى موضع نصب او جر على الخلاف اذا حذف حرف الجر وتقديره بان تخشوه اى احق من غيره بان تخشوه

{ ان كنتم مؤمنين } فان قضية الايمان ان لا يخشى الا منه

قال فى التأويلات النجمية أتخشون فوات حظوظ النفس فى اجتهاد وخشية فوات حقوق اللّه والوصول اليه اولى وان كنتم مؤمنين بالوصول اليه

١٤

{ قاتلوهم } [ كارزار كنيد بامشركان ]

{ يعذبهم اللّه بايديكم } يعنى [ بشمشير هاى شما مقتول شوند ]

{ ويخزهم } [ ورسوا سازد شان بمقهوريت ومغلوبيت ]

{ وينصركم عليهم } اى يجعلكم جميعا غالبين عليهم اجمعين ولذلك اخر عن التعذيب

{ ويشف } [ شفا بخشد ]

{ صدور قوم مؤمنين } ممن لم يسهد القتال وهم خزاعة

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما هم بطن من اليمن وسبأ قدموا مكة فاسلموا فلقوا من اهلها اذى كثيرا فبعثوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يشكون اليه فقال عليه السلام ( ابشروا فان الفرج قريب ) قال الحافظ

آنكه بيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت ... اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم

١٥

{ ويذهب } [ وببرد خداى تعالى بنصرت شما بركفار ]

{ غليظ قلوبهم } [ اندوه دلهاء آنانراكه بواسطه اذاء كفار ملول بودند ] ولقد انجز اللّه ما وعدهم به على اجمل ما يكون

{ ويتوب اللّه على من يشاء } كلام مستأنف ينبئ عما سيكون من بعض اهل مكة من التوبة المقبولة فكان كذلك حيث اسلم ناس منهم وحسن اسلامهم مثل ابى سفيان وعكرمة بن ابى جهل وسهل بن عمر وغيرهم

{ واللّه عليم } بما كانوا وما سيكون

{ حكيم } لا يفعل ولا يأمر لى على وفق الحكمة

١٦

{ ام حسبتم } آيا مى بنداريداى مؤمنان ] وام منقطعة. والمعنى بل أحسبتم ومعنى بل الاضطراب عن امرهم بالقتال الى توبيخهم على الحسبان

{ ان تتركوا } مهملين غير مأمورين بالجهاد

{ ولما يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم } اى والحال انه لم يتبين الخلص وهم الذين جاهدوا من غيرهم وفائدة التعبير عن عدم التبين بعدم علم اللّه تعالى ان المقصود هو التبين من حيث كونه متعلقا للعلم ومدارا للثواب

قال الحدادى وكان اللّه تعالى قد علم قبل امرهم بالقتال من لا يقاتل ممن يقاتل ولكنه يعلم ذلك غيبا واراد العلم الذى يجازى عليه وهو علم المشاهدة لانه يجازيهم على علمهم لا على علمه فيهم انتهى وعدم التعرض لحال المقصرين لما ان ذلك بمعزل من الاندراج تحت ارادة اكرم الاكرمين

{ ولم يتخذوا } عطف على جاهدوا داخل فى حيز الصلة اى ولما يعلم اللّه الذين لم يتخذوا

{ من دون اللّه } متعلق بالاتخاذ ان ابقى على حاله او مفعل ثان له ان جعل بمعنى التصيير

{ ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } اى بطانة وصاحب سر وهو الذى تطلعه على ما فى ضميرك من الاسرار الخفية من الولوج وهو الدخول

قال ابو عبيدة كل شيء ادخلته فى شيء وليس منه فهو وليجة تكون للواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد

{ واللّه خبير بما تعملون } اى بجميع اعمالكم لا يخفى عليه شيء منها فيعلم غرضكم من الجهاد هل فيه اخلاص او هو مشوب بالعلل كاحراز الغنيمة او جلب الثناء او نحو ذلك : قال السعدى

منه آب زرجان من بربشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز

زراند ودكانرا بآتش برند ... بديد آيد آنكه كه مس يازرند

وفى الآية حث على الجهاد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( لرباط يوم فى سبيل اللّه محتسبا من غير شهر رمضان افضل عند اللّه واعظم اجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها او رباط يوم فى سبيل اللّه من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان افضل عند اللّه واعظم من عبادة الفى سنة صيامها وقيامها فان رده اللّه الى اهله سالما يكتب عليه سيئة الف سنة ويكتب له الحسنات ويجرى له اجر الرباط الى يوم القيامة ) وفى الحديث ( من آمن باللّه وبرسولهواقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على اللّه ان يدخل الجنة جاهد فى سبيل اللّه او اجلس فى ارضه التى ولد فيها ) قالوا أفلا نبشر الناس قال ( ان فى الجنة مائة درجة اعدها اللّه للمجاهدين فى سبيل اللّه ما بين الدرجتين كما بين السماء والارض فاذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس فانه اوسط الجنة واعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة )

وفى الحديث ( المجاهد من جاهد نفسه للّه تعالى جاهدوا اهواءكم كما تجاهدون اعداءكم اشجع الناس اقهرهم لهواه ) كم عاقل اسير هواه عليه امير عبد الشهوات اذل من عبد الرق ان المرآة لا تريك خدوش وجهك مع صداها وكذلك نفسك لا تريك عيوب نفسك مع هواها

وفى الاية بيان ان المؤمن المخلص يجتنب عن الكافر والمنافق ولا يتخذهما صاجبى سر -روى- عن شدادة بن اوس وعبادة بن الصامت قالا بينما كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اذ قال ( هل فيكم غريب ) يعنى اهل كتاب قلنا لا يا رسول اللّه فامر بغلق الباب فقال ( ارفعوا ايديكم فقولوا لا اله الا اللّه ) فرفعنا ايدينا ساعة ثم وضع رسول اللّه يده ثم قال ( الحمد للّه اللّهم انك بعثتنى بهذه الكلمة وامرتنى بها ووعدتنى عليها الجنة انك لا تخلف الميعاد ) ثم قال ابشروا فان اللّه قد غفر لكم اقول هذا التلقين تلقين خاضص وقد توارثته الخواص من لدنه عليه السلام الى هذا اليوم ولم يطلعوا عليه العوام ولم يفشوا اسرارهم الى الاجانب فان ذلك من الخيانة وكذا ولاية المؤمن الكافر ومحبته له من الخيانة وما الاختلاط الا من محبة الكفر والعياذ باللّه تعالى من ذلك

١٧

{ ما كان للمشركين } نزلت الآية فى جماعة من رؤساء قريش اسروا يوم بدر فيهم العباس عم النبى عليه السلام فاقبل عليهم نفر من اصحاب رسول اللّه فعيروهم بالشرك وجعل على رضى اللّه عنه يوبخ العباس بقتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقطع رحمه وعون المشركين عليه واغلظ القول له فقال العباس ما لكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا فقال له على وهل لكم من محاسن قال نعم نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقى الحاج فقال اللّه تعالى ردا

{ ما كان للمشركين } اى ما صح وما استقام على معنى نفى الوجود والتحقق لا نفى الجواز كما فى قوله تعالى

{ واولئك ما كان لهم ان يدخلوها الا خائفين } اى ما وقع وما تحقق لهم

{ ان يعمروا } عمارة معتدا بها

{ مساجد اللّه } اى المسجد الحرام وانما جمع لانه قبلة المساجد وامامها فعامره كعامرها او لان كل ناحية من نواحيه المختلفة الجهات مسجد على حاله بخلاف سائر المساجد على حاله بخلاف سائر المساجد اذ ليس فى نواحيها اختلاف الجهة قيل لعكرمة لم تقرأ مساجد وانما هو مسجد واحد قال

{ ان الصفاء والمروة من شعائر اللّه } اى شيأ من المساجد فضلا عن المسجد الحرام فضلا عن المسجد الحرام الذى هو افضل افراد الجنس على لان تعريف الجمع بالاضافة للجنس فالآية علىهذا الوجه كناية عن عمارة المسجد على وجه آكد من التصريح بذلك

ذكر فى القنية ان اعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد الشوارع فانها اخف مرتبة حتى لا يعتكف فيها اذا لم يكن لها امام معلوم ومؤذن ثم مساجد البيوت فانه لا يجوز الاعتكاف فيها الا للنساء انتهى

وهذه المساجد هى المساجد المجازية.

واما المساجد الحقيقية فهى القلوب الطاهرة عن لوث الشرك مطلقا كما قال من قال

مسجدى كو اندرون اولياست ... سجده كاه جمله است آنجا خداست

آن مجازست اين حقيقت اى خران ... نيست مسجد جز درون سروران

ولهذا يعبر عن هدم المسجد بهدم قلب المؤمن

{ شاهدين على انفسهم بالكفر } اى باظهار آثار الشرك من نصب الاوثان حول البيت للعبادة فان ذلك شهادة صريحة على انفسهم بالكفر وان ابوا ان يقولوا نحن كفار كما نقل عن الحسن

وقال السدى شهادتهم عللاى انفسهم بالكفر ان اليهودى لو قيل له ما انت قال يهودى ويقول النصرانى هو نصرانى ويقول المجوسى هو مجوسى او قولهم نعبد الاصنام ليقربونا الى اللّه زلفى وهو حال من الضمير فى يعمروا اى محال ان يكون ما سموه عمارة عمارة بيت اللّه مع ملابستهم لما ينافيها ويحبطها من عبادة غيره تعالى فانها ليست من العمارة فى شيء

{ اولئك } الذين يدعون عمارة المسجد وما يضاهيها من اعمال البر مع ما بهم من الكفر

{ حبطت } [ تباه وباطل شده است بواسطه كفر ]

{ اعمالهم } التى يفتخرون بها وان كانت من جنس طاعة المسلمين

{ فى النار هم خالدون } لكفرهم ومعاصيهم

قال القاضى عياض انعقد الاجماع على ان الكفار لا تنفعهم اعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا بتخفيف عذاب لكن بعضهم يكون اشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم

وذكر الامام الفقيه ابة بكر البيهقى انه يجوز ان يراد مما ورد فى الآيات والاخبار فى بطلان خيرات الكفار انهم لا يتخلصون بها من النار ولكن يخفف عنهم ما يستوجبونه بجنايات ارتكبوها سوى الكفر ووافقه المازرى

قال الواحدى دلت الآية على ان الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ولو اوصى لم تقبل وصيته وهو مجمع عليه بين الحنفية ويمنع من دخول المساجد فان دخل بغير اذن مسلم استحق التعزير وان دخل باذنه لم يعزر والاولى تعظيم المساجد ومنعها منهم

١٨

{ انما يعمر مساجد اللّه } شامل للمسجد الحرام وغيره

{ من آمن باللّه } وحده الايمان بالرسول داخل فى الايمان باللّه لما علم من تقارنهما وعدم انفكاك احدهما عن الآخر فى مثل الشهادة والاذان والاقامة

{ واليوم الآخر } بما فيه من البعث والحساب والجزاء

{ واقام الصلوة } مع الجماعة واكثر المشايخ على انها واجبة وفى الحديث ( صلاة الرجل فى جماعة تضعف على صلاته فى بيته وفى سوقه خمسا وعشرين ضعفا ) والجماعة دون ثواب المصلين فى المسجد بالجماعة

{ وآتى الزكوة } اى الصدقة المفروضة عن طيب نفس وقرن الزكاة بالصلاة فى الذكر لما ان احداهما لا تقبل الا بالاخرى اى انما تستقيم عمارتها ممن جمع هذه الكمالات العلمية والعملية

{ ولم يخش } فى امور التدين

{ الا اللّه } فعمل بموجب امره ونهيه غير آخذ له فى اللّه لومة لائم ولا خشية ظالم فيندرج فيه عدم الخشية عند القتال ونحو ذلك.

واما الخوف الجبلى من الامور المخوفة كالظلمة والسباع المهلكة والدواهى العظيمة فهو لا يقدح فى الخشية من اللّه اذا الخشية من اللّه ارادة ناشئة من تصور عظمة اللّه واحاطة علمه بجميع المعلومات وكمال قدرته على مجازاة الاعمال مطلفا وهذا الخوف الجبلى لا يدخل تحت القصد والارادة

{ فعسى اولئك } [ بس لآن كروه شايد ]

{ ان يكونوا من المهتدين } الى مباغيهم من الجنة وما فيها من فنون المطالب العلية وابرازاهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية فى معرض التوقع لقطع اطماع الكفرة عن الوصول الى مواقف الاهتداء والانتفاع باعمالهم التى يحسبون انهم لها محسنون ولتوبيخهم بقطعهم بانهم مهتدون فان المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالات اذا كان امرهم دائرا بن لعل وعسى فما بال الكفرة وهم هم واعمالهم اعمالهم

جايى كه شير مردان در معرض عتابند ... روباه سير تانرا آنجا جه تاب باشد

[ وديكر منع مؤمنانست ازاغترار باعمال خويش وبران اعتماد نمودن ] كما قال الحدادى كلمة عسى من اللّه واجبة والفائدة فى ذكرها فى هذه الآية ليكون الامسام على حذر من فعل ما يحبط ثواب عمله [ كه هر كه بعمل مغروست از فيض ازل مهجورست ]

مباش غره بعلم وعمل كه شد ابليس ... بدين سبب زدر باركاه عزت دور

واعلم ان عمارة المساجد تعم انواعا منها البناء وتجديد ما انهدم منها وفى الحديث ( سبع يجرى للعبد اجرهن وهو فى قبره بعد موته من تعلم علما او كرى نهرا او حفر بئرا او غرس نخلا او بنى مسجدا او ورث مصحفا او ترك ولدا يستغفر له بعد موته ) وفى الحديث ( من بنى مسجدا للّه تعالى اعطاه اللّه بكل شبر او بكل ذراع اربعين الف الف مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ فى الجنة فى كل مدينة الف الف بيت فى كل بيت الف الف سرير على كل سرير زوجة من الحور العين فى كل بيت اربعون الف مائدة على كل مائدة اربعون الف قصعة فى كل قصعة اربعون الف لون من طعام ويعطى اللّه له من القوة حتى يأتى على تلك الازواج وعلى ذلك الطعام والشراب )

ذكره الزندوستى فى الروضة. فان خرب المسجد وتعطل او خربت المحلة ولا يصلى فيه احد ما صار المسجد مستغلا والمستغل مسجدا لم يجز

يقول الفقير من الناس من جعل المسجد اصطبل الدواب او مطمورة الغلة او نحوه وكذا الكتاب ونحوه من مجال العلم والعبادات وقد شاهدناه فلا ديار الروم والعياذ باللّه تعالى

قال على رضى اللّه عنه ست من المروءة ثلاث فى الحضر وثلاث فى السفر. فاما اللاتى فى الحضر فتلاوة كتاب اللّه وعمارة مسجد اللّه واتخاذ الاخوان فى اللّه.

واما اللاتى فى السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح فى غير معاصى اللّه ذكره الخطيب فى الروضة

ومنها قمها اى كنسها وتنظيفها

قال الحسن مهور الحور العين كنس المساجد وعمارتها وفى الحديث ( غسل الانا وطهارة الفنا يورثان الغنى ) فاذا كان الامر فى طهارة الفناء وهو فناء البت والد كان ونحوهما هكذا فما ظنك فى تنظيف المسجد والكتاب ونحوهما

ومنها تزيينها بالفرش

قال بعضهم اول من فرش الحصير فى المساجد عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه وكانت قبل ذلك مفروشة بالحصى وهو بالفارسية [ سنك ريزه ] تى فى زمنه صلى اللّه عليه وسلم وذلك ان المطر جاء ذات ليلة فاصبحت الارض مبتلة فجعل الرجل يأتى بالحصباء فى ثوبه فيبسطها تحته ليصلى عليها فلما فضى رسول اللّه الصلاة قال ما احسن هذا البساط ثم امر ان يحصب جميع المسجد فمات قضى رسول اللّه الصلاة قال ما احسن هذا البساط ثم امر ان يحصب جميع المسجد فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضى اللّه عنه

وفى الاحياء اكثر معروفات هذه الاعصار منكرات فى عصر الصحابة اذ من عد المعروف فى زماننا من فرش المساجد بالبسط الرقية وقد كان يعد فرش البوارى فى المسجد بدعة كانوا لا يرون ان يكون بينهم وبين الارض حائل انتهى

قال الفقهاء يستحب له ان يصلى على الارض بلا حائل او ما تنبته كالحصير والبوريا لانه اقرب الى التواضع وفيه خروج عن خلاف الامام مالك فان عنده يكره السجود على ما ليس من جنس الارض ولا بأس بان من الارض وقد روى انه عليه السلام سجد على فروة مدبوغة ولا بأس بتبييض المسجد بالجص او بالتراب الابيض -ذكر- ان الوليد بن عبد الملك انفق على عمارة مسجد دمشق فى تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات -وروى- ان سليمان ين داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ فى تزيينه حتى نصب الكبريت الاحمر على رأس القبة وكان ذلك اعز ما يوجد فى ذلك الوقت وكان يضيئ من ميل وكانت الغزالات يغزلن فى ضوئه من مسافة اثنى عشر ميلا وكان على حاله حتى خربه بخت نصر ونقل جميع ما فيه من الذهب والفضة والجواهر والآتية الى ارض بابل وحمل مائة الف وسبعين عجلة

ومنها تعليق القناديل فى المساجد واسراج المصابيح والشموع وفى الحديث ( من علق قنديلا صلى عليه سبعون الف ملك حتى ينكسر ذلك القنديل ) كما فى الكشف وقال انس رضى اللّه عنه من اسرج فى مسجد سراجا ولم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام فى ذلك المسجد ضوؤه. وكان سليمان عليه السلام امر باتخاذ الف وسبعمائة قنديل من الذهب فى سلاسل الفضة. ذكر ان مسجد النبى صلى اللّه عليه وسلم كان اذا جاءت العتمة يوقد فيه سعف النخل فلما قدم تميم الدارى المدينة صحب معه قناديل وحبالا وزيتا وعلق تلك القناديل بسوارى المسجد واوقدت فقال صلى اللّه عليه وسلم ( نورا مسجدنا نور اللّه عليك اما واللّه لو كان لى بنت لانكحتها هذا ) وفى كلام بعضهم اول من جعل فى المسجد المصابيح عمر بن الخطاب ويوافقه قول بعضهم والمستحب من بدع الافعال تعليق القناديل فيها يعنى المساجد واول من فعل ذلك عمر بن الخطاب فانه لما جمع الناس على ابى بن كعب رضى اللّه عنه فى صلاة التراويح علق القناديل فلما رأها على كرم اللّه وجهه تزهر قال نورت مسجدنا نور اللّه قبرك يا ابن الخطاب ولعل المراد تعليق ذلك بكثرة فلا يخالف ما تقدم عن تميم الدارى. وعن بعضهم قال امرنا المأمون ان اكتب فان اليه انسا للمتهجدين ونفيا لبيوت اللّه عن وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك

قال بعضهم لكن زيادة الوقود كالواقع ليلة النصف من شعبان ويقال لها ليلة الوفود ينبغى ان يكون ذلك كتزيين المساجد ونقشها وقد كره بعضهم واللّه اعلم الكل من انسان العيون فى سيرة النبى المأمون

قال الشيخ عبد الغنى النابلسى فى كشف النور عن اصحاب القبور ما خلاصته ان البدعة الحسنة الموافقة لمقصود الشرع تسمى سنة فبناء القباب على قبور العلماء والاولياء والصلحاء ووضع الستور والعمائم والثياب على قبورهم امر جائز اذا كان القصد بذلك التعظيم فى اعين العامة حتى لا يحتقروا صاحب هذا القبر كذا يقاد القناديل والشمع عند قبور الاولياء والصلحاء من باب التعظيم والاجلال ايضا للاولياء فالمقصد فيها مقصد حسن. ونذر الزيت والشمع للاولياء يوقد عند قبورهم تعظيما لهم ومحبة فيهم جائز ايضا لا ينبغى النهى عنه

ومنها الدخول والقعود فيها والمكث والعبادة والذكر ودراسة العلوم ونحو ذلك قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ألا ادلكم على ما هو خير لكم من الجهاد قالوا بلى قال ان تبنوا مسجدا فيتعلم فيه القرآن والفقه فى الدين او السنة كما فى الاسرار المحمدية

ومنها صيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

( الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش ) ويقال حديث الدنيا فى المسجد وفى مجلس العلم وعند الميت وفى المقابر وعند الاذان وعند تلاوة القرآن يحبط ثواب عمل ثلاثين سنة وفى الحديث ( قال اللّه تعالى ان بيوتى فى ارضى المساجد وان زوارى فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر فى بيته ثم زارنى فى بيتى ) فحق على المزور ان يكرم زائره

قال الامام القشيرى قدس سره عمارة المساجد التى هى مواقف العبودية لا تتأتى اى بتخريب اوطان ملاحظته ولكل منهم مخصوص وكذلك رتبهم بالايمان مختلفة فايمتن من حيث البرهان وايمان من حيث البيان وايمان من حيث العيان وشتان ما بينهم انتهى كلامه نسأل اللّه الغفار ان يجعلنا من العمار والزوار

١٩

{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام } -روى- ان المشركين قالوا القيام على السقاية وعمارة المسجد الحرام خير ممن آمن وجاهد وكانوا يفتخرون بالحرم ويستكثرون به من اجل انهم اهله وعماره فانزل اللّه تعالى هذه الآية

قال الكاشفى [ آورده اندكه بعض اهل حرم درجاهليت زمره حاج را نبيذ زبيب باعسل وسويق ميداند ودرزمان آنحضرت رسالت بناه صلى اللّه عليه وسلم آن منصب سقايت بعباس تعلق داشت ومتصدئ عمارة مسجد الحرام شيبة بن طلحة بود روزى اين هر در بامرتضى على بمقام مفاخرت درآمده عباس بسقايت وشيبه بعمارت مباهات مى نمودند وعلى باسلام وجهاد مفتخر مى بود حق سبحانه وتعالى بتصديق على آيت فرستاد ] -روى- النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول اللّه فقال رجل ما ابالى ان لا اعمل بعد ان اسقى الحاج وقال آخر ما ابالى ان الا عمل عملا بعد ان اعمر المسجد الحرام وقال آخر الجهاد فى سبيل اللّه افضل مما قلتما فزجرهم عمر رضى اللّه عنه وقال لا ترفعوا اصواتكم عند منبر رسوب اللّه وهو يوم الجمعة ولكن اذا صليتم استفتيت رسول اللّه فيما اختلفتم فيه فدخل فأنزل اللّه هذه الآية. والمعنى اجعلتم ايها المشركون او المؤمنون للسقاية والعمارة ونحوهما على العجرو والجهاد ونظائرهما سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام فى الفضيلة وعلو الدرحة

{ كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد فى سبيل اللّه } السقاية والعمارة مصدران لا يتصور تشبيههما بالجثث فلا بد من تقدير مضاف فى احد الجانبين اى أجعلتم اهلهما كمن آمن او أجعلتموها كايمان من آمن فان السقاية والعمارة وان كانتا فى انفسهما من اعمال البر والخير لكنهما بمعزل عن صلاحية ان يشبه اهلهما باهل الايمان والجهاد او يشبه نفسهما بنفس الايمان والجهاد او يشبه نفسهما بنفس الايمان والجهاد وذلك قوله تعالى

{ لا يستوون عند اللّه } اى لا يساوى الفريق الاول الثانى من حيث اتصاف كل واحد منهما بوصفيهما ومن ضرورته عدم التساوى بين الوصفين الاولين وبين الآخرين لان المدار فى التفاوت بين الموصوفين

{ واللّه لا يهدى القوم الظالمين } اى الكفرة الظلمة بالشرك ومعاداة الرسول منهمكون فى الضلالة فكيف يساوون الذين هداهم اللّه ووفقهم للحق والصواب

٢٠

{ الذين آمنوا } استنئاف لبيان مراتب فضلهم اثر بيان عدم الاسواء وضلال المشركين وظلمهم

{ وهاجروا } من اوطانهم الى رسول اللّه

{ وجاهدوا فى سبيل اللّه } العدو فى طاعة اللّه

{ باموالهم } [ ببذل كردن مالهاى خود بمجاهدان وتهيه اسباب قال ايشان ]

{ وانفسهم } [ در باختن نفسهاى خود در معارك حرب ] اى هم باعتبار اتصافهم بهذه الاوصاف الجليلة

{ اعظم درجة عند اللّه } اى اعلى رتبة واكثر من جملتها السقاية والعمارة

قال الحدادى وانما قال اعظم وان لم يكن للكفار درجة عند اللّه لانهم كانوا يعتقدون ان لهم عند اللّه وهذا كقوله تعالى

{ اصحاب الجنة يومئذ خير مستقر او احسن مقيلا } { واولئك } المنعوتون بتلك النعوت

{ هم الفائزون } المختصون بالفوز المطلق كأن فوز من عداهم ليس بفوز من نسبة الى فوزهم

واما على الثانى فهو لمن يؤثر التقاية والعمارة من المؤمنين على الهجرة والجهاد

٢١

{ يبشرهم ربهم } فى الدنيا على ألسنة الرسل

{ برحمة } عظيمة

{ منه } هى النجاة من العذاب فى الآخرة

{ ورضوان } [ خشودى كامل ازيشان ]

{ وجنات } اى بساتين عالية

{ لهم فيها } اى فى تلك الجنات

{ نعيم مقيم } نعم لا نفاد لها

٢٢

{ خالدين فيها } اى فى الجنات

{ ابدا } تأكيد للخلود لزيادة توضيح المراد اذ قد يراد به المكث الطويل

{ ان اللّه عنده اجر عظيم } اى ثواب كثير فى الجنة لاقدر عنده لاجور الدنيا [ در كشف الاسرار فرمودكه رحمت براى عاصيا نست ورضوان براى مطيعان وجنت براى كافه مؤمنان رحمت را تقديم كردتا اهل عصيان رقم ن اميدى برصفحات احوال خود نكشند كه هرجند كناه عظيك بود رحمت ازان اعظم است ]

كنه ما فزون بود زشمار ... عفوت اقزونتر از كناه همه

قطره زآب رحمت توبس است ... شستن نامه سياه همه

اعلم انه كما ان الكفار بالكفر الجلى لا يساوون المخلصين فى احوالهم ومقاماتهم فى احوالهم ومقاماتهم فالزهد والتصوف والتعرف والتعبد المشوبة بالرياء والهوى والاغراض لا ثمرة لها عند اهل الطلب لانها خدمة فاسدة كبذر فاسد

دنيا دارى وآخرت مى طلبى ... اين ناز بخانه بدر بايد كرد

قيل لا تطمع فى المنزلة عند الناس وفرقوا بين الخادم والمتخادم بان المتخادم من كانت خدمته مشوبة بهواه فلا يراعى واجب الخدمة فى طرفى الرضى والغضب لانحراف مزاج قلبه بوجود الهوى ويحب المحمدة والثناء من الخلق والخادم من ليس كذلك

قال السرى الزهد ترك حظوظ النفس من جميع ما فى الدنيا ويجمع هذه الحظوظ المالية والجاهية حب المنزلة عند الناس وحب المحمدة والثناء. وحاء فى الاثر ( لا يزال لا اله الا اللّه يدفع عن العباد سخط اللّه ما لم يبالوا بما نقص من دنياهم فاذا فعلوا ذلك وقالوا لا اله الا اللّه قال اللّه تعالى كذبتم لستم بها صادقين ) -روى- ان عابدا من بنى اسرائيل راودته ملكة عن نفسه فقال اجعلوا لى ماء فى الخلاء اتنظف به ثم صد أعلى الارض وضعا رفيقا فقيل لابليس ألا اغويته قال ليس لى سلطان على من خالف هواه وبذل نفسه للّه فهذا هو الجهاد فى اللّه وثمرته الخلاص من الهلاك مطلقا

قال العلماء باللّه ينبغى للمريد ان يكون له فى كل شيء نية للّه تعالى حتى فى اكله وشربه وملبوسه فلا يلبس من المسك الا ذفر ومن تطيب لغير اللّه وقد ورد فى الخبر ( من تطيب للّه جاء يوم القيامة وريحه اطيب من المسك الا ذفر ومن تطيب لغير اللّه جاء يوم القيامة وريحه انتن من الجيفة ) فالمريد ينبغى ان يتفقد جميع اقواله وافعاله ولا يسامح نفسه ان تتحرك بحركة او تتكلم بكلمة الا للّه تعالى. وفى الأخير من الآيات اشارة الى من جاهد النفس وبذل الوجود والموجود جميعا فانه اعظم قربة فى مقام العندية من النفوس المتمردة ومن وصل الى مقام العندية فاللّه يعظم اجره اى يجده فى مقام العندية فافهم واسأل ولا تغفل عن حقيقة الحال

٢٣

{ يا ايها الذين آمنوا } سبب نزولها انه لما امر اللّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اصحابه بالهجرة الى المدينة كان من الناس من يتعلق به زوجته وولده واقاربه فيقولون ننشدك اللّه ان لا تروح وتدعنا الى غير شيء فنضيع بعدك فيرق لهم ويدع الهجرة فقال اللّه تعالى ايها المؤمنون

{ لا تتخذوا آباءكم واخوانكم } الكفرة بمكة

{ اولياء } يعنى [ اين كروه بدوستى مكيريد ]

{ ان استحبوا الكفر } اى اختاروه

{ على الايمان } عدى استحب لعلى لتضمنه معنى اختار وحرص

{ ومن يتولهم منكم } [ وهو كرا ازشما ايشانرا دوست دارد يعنى اين عمل ازيشان بسندد ] ومن للجنس لا للتبعيض

{ فاولئك } المتولون

{ هم الظالمون } بوضعهم الموالاة فى غير موضعها كأن ظلم غيرهم كلا ظلم عند ظلمهم

قال الامام الصحيح ان هذه السورة انما نزلت بعد فتح مكة فكيف يمكن حمل هذه الآية على ايجاب الهجرة والحال ان الهجرة انما كانت واجبة قبل فتح مكة. والاقرب ان تكون هذه الآية محمولى على ايجاب التبرى من اقربائهم المشركين وترك الموالاة معهم باتخاذهم بطانة واصدقاء بحيث يفشون اليهم اسرارهم ويؤثرون المقام بين اظهرهم على الهجرة الى دار الاسلام ويدل عليه قوله تعالى

{ ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون } اى المشركون مثلهم

قال الحدادى انما جعلوا ظالمين لمولاة الكفار لان الراضى بالكفر يكون كافرا

قال الكاشفى [ جون آيت آمد متخلفان ازهجرت كفتندكه حالا ما درميان قبائل وعشائر خوديم وبمعاملات وتجارات اشتغال نموجه اوقات ميكذارنيم جون عزيمت هجرت كنيم بالصرورة قطع بدر وفرزند بايد كرد تجارت ازدست برود ومابى كسبى وبى مالى بمانيم آيت ديكر آمدكه ]

٢٤

{ قل } يا محمد للذين تركوا الهجرة

{ ان كان آباؤكم وابناؤم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم } اى اقرباؤم من المعاشرة وهى المخالطة

{ واموال اقترفتموها } اى اكتسبتموها واصبتموها بمكة وانما وصفت بذلك ايماء الى عزتها عندهم لحصولها بكد اليمين

{ وتجارة } اى امتعة اشتريتموها للتجارة والربح

{ تخشون كسادها } بفوات وقت رواجها بغيبتكم عن مكة المعظمة فى ايام الموسم

{ ومساكن ترضونها } اى منازل تعجبكم الاقامة فيها لكمال نزاهتها من الدور والبساتين

{ احب اليكم من اللّه ورسوله } اى من كاعة اللّه وطاعة رسوله بالهجرة الى المدينة

{ وجهاد فى سبيله } اى واجب اليكم من الجهاد فى طاعة اللّه والمراد الحب الاختيارى المستتبع لاثره الذى هو الملازمة وعدم المفارقة لا الحب الجبلى الذى لا يخلو عنه البشر فانه غير داخل تحت التكليف الدائر على الطاقة

{ فتربصوا } اى انتظروا جواب للشرط

{ حتى يأتى اللّه } [ تابيارد خداى تعالى ]

{ بامره } هى عقوبة عاجلة او آجله وهو وعيد لمن آثر حظوظ نفسه على مصلحة دينه

{ واللّه لا يهدى القوم الفاسقين } الخارجين عن الطاعة فى موالاة المشركين اى لا يرشدهم الى ما هو خير لهم

وفى الآية الكريمة وعيد شديد لا يتخلص منه الا اقل قليل فانك لو تتبعت اخوان زماننا من الزهاد الورعين لوجدتهم يتحيرون ويتحزنون بفوات احقر شيء من الامور الدنيوية ولا يبالون بفوات اجلّ حظ من الحظوظ الدينية فان محصول الآية ان من اثر هذه المشتهيات الدنيوية على طاعة الرحمن فليستعد لنزول عقوبة آجلة وعاجلة ولينظر ان ما آثره من الحظوظ العاجلة هل يخلص من الاهوال والدواهى النازلة اللّهم عفوك وغفرانك يا ارحم الراحمين

قال الكاشفى

[ اى عزيز مردى بايدكه ابراهيم وار روى از كون بكرداند { فانهم عدو لى الا رب العالمين } مال رابذل مهمان. وفرزندار قصد قربان وخودرا فداى آتش سوزان كند تادرو دعوئ دوستى صادق باشد ]

آنكس كه تراشناخت جانرا جه كند ... فرزند وعيال وخانما نرا جه كند

ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى ... ديوانه توهر دوجهانرا جه كند

[ آورده نماندكه حضرت صلى اللّه عليه وسلم فرموده است كه ] ( لا يؤمن احدكم حتىكون احب اليه من ماله وولده والناس اجمعين )

قال ابن ملك المراد به نفى كمال الايمان بالحب الحب الاختيارى مثلا لو امر رسول اللّه مؤمنا بان يقاتل الكافر حتى يكون شهيدا او امر لقتل ابويه واولاده الكافرين لاحب ان يختار ذلك لعلمه ان السلامة فى امتثال امره عليه السلام وان لا يخبر كما ان المريض ينفر بطبعه عن الدواء ولكن يميل اليه ويفعله لظنه ان صلاحه فيه كيف ونبينا عليه السلام اعطف علينا منا ومن آبائنا واولادنا لانه عليه السلام يسعى لنا لا لغرض

قال القاضى ومن محبته عليه السلام نصرة سنته والذب اى المنع والدفع عن شريعته [ از حضرت شيخ الاسلام قدس سره منقولست كه احمد بن يحيى دمشقى روزى بيش مادر وبدر نشسته بود قصه قربان كردن حضرت اسماعيل از قرآن بريشان ميخواند كفتند اى احمد از بيش ما برخيز وبروكه ما ترادكار خدا كرديم احمد برخاست وكفت الهى اكنون جزتوكسى ندارم روبكعبه نهاد وبعد ازان كه بيست وجهار موقف ايستاده بود قصد زيارت والدين كردجون بدمشق آمد وبدر سراى خود رسيد حلقه دربجنبانيد ما درش آوازدادكه من على الباب جواب دادكه انا احمد ابنك مادرش كفت بيش ازين مارا فرزندى بود اورا دركار خدا كرديم احمد ومحمودرا باماجه كار

ماهرجه داشتبم فداى توكرده ايم ... جانرا اسير بند هواى توكرده ايم

ماكرده ايم ترك خود وهردوكون نيز ... وينهاكه كرده ايم براى تو كرده ايم

وهذا لما ان المهاجرين كانوا يكرهون الموت فى بلدة هاجروا منها وتركوها للّه تعالى لئلا ينقص ثواب الهجرة اذ فى العود نقض العمل الا ان يكون لضرورة دون اختيار

قال فى التأويلات اصل الدين هو محبة اللّه تعالى وان صرف استعداد محبة اللّه فى هذه الاشياء المذكورة فيه فسق وهو الخروج من محبة الخالق الى محبة المخلوق وان من آثر محبة المخلوق على محبة الخالق فقد ابطل الاستعداد الفطرى لقبول الفيض الالهى واستوجب الحرمان وادركه القهر والخذلان

{ فتربصوا حتى يأتى اللّه بأمره } اى بقهره

{ واللّه لا يهدى القوم الفاسقين } الخارجين عن حسن الاستعداد يعنى لا يهديهم الى حضرت جلاله وقبول فيض جماله بعد ابطال حسن الاستعداد

وعن بشر بن الحارث رضى اللّه عنه قال رأيت النبى صلى اللّه عليه وسلم فى المنام فقال للا يا بشر أتدرى لم رفعك اللّه تعالى على اقرانك قلت لا يا رسول اللّه قال باتباعك لسنتى وخدمتك الصالحين ونصحك لاخوانك ومحبتك لاصحابى واهل بيتى هو الذى بلغك منازل الابرار

اقول المحبة الخالصة باب عظيم لا يفتح الا لاهل القلب السليم وتأثيرها غريب وامرها عجيب نسأل اللّه تعالى سبحانه ان يجعلنا من الذين آثروا حب اللّه وحب رسوله على حب ما سواهما آمين

٢٥

{ لقد نصركم اللّه } اى باللّه قد اعانكم يا اصحاب محمد على عدوكم واعلاكم عليهم مع ضعفكم وقة عددكم وعددكم

{ فى مواطن كثيرة } ن الحروب وهو مواقعها ومقاماتها. جمع موطن وهو كل موضع اقام به الانسان لأمر والمراد بها واقعات بدر والاحزاب وقريظة والنضير والحديبية وخبير وفتح مكة

{ ويوم جنين } عطف على محل فى موطن بحذف المضاف فى احدهما اى وموطن يوم حنين ليكون من عطف المكان على المكان او فى ايام مواطن كثيرة ويوم حنين ليكون من عطف الزمان وعلى الزمان واضيف اليوم الى حنين لوقوع الحرب يومئذ بها فيوم حنين هى غزوة حنين ويقال لها غزوة هوازن ويقال لها غزوة اوطاس باسم الموضع الذى كانت به الواقعة فى آخر الامر وحنين واد بين مكة والطائف

{ اذا عجبتكم كثرتكم } [ جون بشكفت آوردشمارا ] اى سرتكم كثرة عددكم ووفور عددكم والاعجاب هو السرور بالتعجب رهو بدل من ويم حنين وكانت الواقعة فى حنين بين المسلمين وهم اثنا عشر الفا عشرة آلاف منهم ممن شهد فتح مكة من المهاجرين والانصار والفان من الطلقاء وهم اهل مكة سوا بذلك لانه عليه السلام اطلقهم يوم فاح مكة عنوة ولم يقيدهم بالاسار وبين هوازن وثقيف وكانوا اربعة آلاف سوى الجم الغفير من امداد سائر العرب -روى- انه عليه السلام فتح مكة فى اواخر رمضان وقد بقيت منه ثلاثة ايام

وقيل فتحها لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان ومكث فيها الى ان دخل شوال فغذا يوم السبت السادس منه خارجا الى غزوة حنين واستعمل على مكة عتاب بن اسيد يصلى بهم ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه وحين فتحت مكة اطاعه عليه السلام قبائل العرب الا هوازن وثقيفا فان اهلهما كانوا طغاة مردة فخافوا الى ان يغزوهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ظنوا انه عليه السلام يدعوهم الى الاسلام فثقل ذلك عليهم فحشدوا وبغوا وقالوا ان محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فاجمعوا امرهم على ذلك فاخرجوا معهم اموالهم ونساءهم وابناءهم وراءهم فحملوا النساء فوق الابل وراء صفوف الرجال ثم جاؤا بالابل والغنم والذرارى وراء ذلك كى يقاتل كل منهم عن اهله وماله ولا يفر احد بزعمهم فساروا كذلك حتى نزلوا باوطاس وقد كان عليه السلام بعث اليهم عينا ليتجسس عن حالهم وهو عبد اللّه بن ابى حذر من بنى سليم فوصل اليهم فسمع مالك بن عوف امير هوازن يقول لاصحابه انتم اليوم اربعة آلاف رجل فاذا لقيتم العدو فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا جفون سيزفكم فواللّه لا تضربون باربعة آلاف سيف شيأ الا فرج فاقبل العين الى النبى عليه السلام فاخبره بما سمع من مقالتهم فقال سلمة ابن سلامة الوقسى الانصارى يا رسول اللّه لن نغلب اليوم من قلة معناه بالفارسية [ ما امروز از قلت لشكر مغلوب نخواهم شد ] فساءت رسول اللّه كلمته

وقيل ان هذه الكلمة قالها ابو بكر رضى اللّه عنه

وقيل لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قال الامام صاحب التفسير الكبير وهو بعيد لانه عليه السلام كان فى اكثر الاحوال متوكلا على اللّه منقطع القلب عن الدنيا واسبابها

قال ابن الشيخ فى حواشيه الظاهر ان القول بها لا ينافى التوكل على اللّه ولا يستلزم الاعتماد على الاسباب الظاهرة فان قوله لن نغلب اليوم من قلة نفى للقلة واعجاب بالكثرة.

والمعنى ان وقعت مغلوبية فلامر آخر غير القلة فركب صلى اللّه عليه وسلم بغلته دلدل ولبس درع داود عليه السلام التى لبسها حبن قتل جالوت وضع الالية والرايات مع المهاجرين والانصار فلما كان بجنين وانحدروا فى الوادى وذلك عند غبش الصبح يوم الثلاثاء خرج عليهم القوم وكانوا كمنوا لهم فى شعاب الوادى ومضايقه وكانوا رماة فاقتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون وخلوا الذرارى فاكب المسلمون فتنادى المشركون يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا وحملوا عليهم فادركت المسلمين كلمة الاعجاب اى لحقهم شؤم كلمة الاعجاب فانكشفوا ولم يقوموا لهم مقدار حلب شاة وذلك قوله تعالى

{ فلم تغن عنكم شيأ } [ بس دفع نكرد ازشما آن كثرت شما ]

والاغناء اعطاء ما تدفع به الحاجة اى لم تعطكم تلك الكثرة مما تدفعون به حاجتكم شيأ من الاغناء

{ وضاقت عليكم الارض بما رحبت } اى رحبها وسعتها على ان ما مصدرية والباء بمعنى مع اى لا تجدون فيها مقرا تطمئن اليه نفوسكم من شدة الرعب ولا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه : قال الشاعر

كان بلاد اللّه وهى عريضة ... على الخائف المطلوب كفى حابل

اى حبالة صيد

{ ثم وليتم } الكفار ظهورهم

{ مدبرين } اى منهزمين لا تلوون على احد يقال ولى هاربا اى ادبر. فالادبار الذهاب الى خلف خلاف الاقبال -روى- انه بلغ فلهم اى منهزمهم مكة وسر بذلك قوم من اهل مكة واظهروا الشماتة حتى قال اخو صفوان ابن امية لامه ألا قد ابطل اللّه السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك اسكت فض اللّه فاك اى اسقط اسنانك واللّه لان بربنى الربوبية اى يملكنى ويدبر امرى رجل من قريش احب الى من ان يربنى رجل من هوازن ولما انهزموا بقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحده وليس معه الا عمه العباس آخذا بلجام بغلته وابن عمه ابو سفيان بن حرب بن عبد المطلب اخذا بركابه وهو يركض البغلة نحو المشركين ويقول

انا النبى لا كذب ... انا ابن عبد المطلب

وهذا ليس بشعر لانه لم يقع عن قصد وانما قال انا ابن عبد المطلب ولم يقل انا ابن عبد اللّه لان العرب كانت تنسبه صلى اللّه عليه وسلم الى حده عبد المطلب لشهرته ولموت عد اللّه فى حياته فليس من الافتاخار بالآباء الذى هو من عمل الجاهلية

وقال الخطابى انه عليه السلام انما قال انا ابن عبد المطلب لا على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم عليه السلام بذلك رؤيا رآها عبد المطلب ايام حياته وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم اياها وهى احدى دلائل نبوته عليه السلام

وقصة الرؤيا على ما فى عقد الدرر واللآلى ان عبد المطلب جد النبى عليه السلام بينا هو نائم فى الحجر انتبه مذعورا قال العباس فتبعته وانا يومئذ غلام اعقل ما يقال فاتى كهنة قريش فقال رأيت كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهرى ولها اربعة اطراف طرف قد بلغ مشارق الارض وطرف قد بلغ مغاربها وطرف قد بلغ عنان السماء وطرف قد جاوز الثرى فبينا انا انظر عادت شجرة خضراء لها نوا فبينا انا كذلك قام على شيخان فقلت لاحدهما من انت قال انا نوح نبى رب العالمين وقلت للآخر من انت قال انا ابراهيم خليل رب العالمين ثم انتبهت قالوا ان صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك نبى يؤمن به اهل السموات واهل الارض ودلت السلسلة على كثرة اتباعه وانصاره لتداخل حلق السلسلة ورجوعها شجرة يدل على ثبات امره وعلوذ كره وسيهلك من لم يؤمن كما هلك قوم نوح وستظهر به ملة ابراهيم والى هذا وقعت اشارة النبى صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين قال

انا النبى لا كذب ... انا ابن عبد المطلب

كانه يقول انا ابن صاحب تلك الرؤيا مفتخرا بها لما فيها من علم نبوته وعلو كلمته انتهى - روى- انه عليه السلام كان يحمل على الكفار فيفرون ثم يحملون عليه فيقف لهم فعل ذلك بضع عشرة مرة قال العباس كنت اكف البغلة لئلا تسرع به نحو المشركين وناهيك بهذا شهادة على تناهى شحاعته حيث لم يخف اسمه فى تلك الحال ولم يخف الكفار على نفسه وما ذلك الا لكونه مؤيدا من عند اللّه العزيز الحكيم فعند ذلك قال ( يارب ائتنى بما وعدتنى ) وقال للعباس وكان صيتا جهورىّ الصوت ( صح بالناس ) يروى من شدة صوته يسمع من ثمانية اميال فنادى الانصار فخذا فخذا ثم نادى يا اسحاب الشجرة وهم اهل بيعة الرضوان يا اصحاب سورة البقرة وهم المذكورون فى قوله

{ آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون } وكانوا يحفظون سورة البقرة ويقولون من حفظ سورة البقرة وآل عمران فقد جد فينا فكروا عنقا واحدا اى جماعة واحدة يعنى دفعة وهم يقولون لبيك لبيك وذلك قوله تعالى

٢٦

{ ثم انزل اللّه سكينته على رسوله } اى رحمته التى تسكن بسببها القلوب وتطمئن اليها اطمئنانا كليا مستتبعا للنصر القريب

واما مطلق السكينة فقد كانت حاصلة له عليه السلام قبل ذلك ايضا

{ وعلى المؤمنين } شامل للمنهزمين وغيرهم فعاد المنهزمون وظفروا

{ وانزل جنودا لم تروها } اى بابصاركم كما يرى بعضكم بعضا وهم الملائكة عليهم البياض على خيول بلق وكان يراهم الكفار دون المؤمنون فنظر النبى عليه السلام الى قتال المشركين فقال

( هذا حين حمى الوطيس ) والوطيس حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم وهو فى الاصل التنور وهذه من الكلمات التى لم تسمع الا منه صلى اللّه عليه وسلم. وحمى الوطيس كناية عن شدة الحرب ثم نزل عن بغلته

وقيل لم ينزل بل قال ( يا عباس ناولنى من الحصباء ) او انخفضت بغلته حتى كادت بطنها تمس الارض ثم قبض قبضة من تراب فرمى به نحو المشركين وقال ( شاهت الوجوه ) فلم يبق منهم احد الا امتلأت به عيناه ثم قال عليه السلام ( انهزموا ورب الكعبة ) وهو اعظم من انقلاب الهصا حية لان ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر الغدو ولم يتشتت شمله بل زاد بعدها طغيانه وعتوه على موسى بخلاف هذا الحصى فانه اهلك العدو وشئت شمله وكان من دعائه عليه السلام يومئذ ( اللّهم لك الحمد واليك المشتكى وانت المستعان ) فقال له جبريل عليه السلام لقد لقنت الكلمات التى لقنها اللّه موسى يوم فلق البحر. واختلفوا فى عدد الملائكة يومئذ فقيل خمسة آلاف

وقيل ثمانية آلاف

وقيل تسعة عشر الفا. وفى قتالهم ايضا فقيل قاتلوا

وقيل لم يقاتلوا الا يوم بدر وانما كان نزولهم لتقوية قلوب المرمنين بالقاء الخواطر الحسنة وتأييدهم بذلك والقاء الرعب فى قلوب المشركين

{ وعذب الذين كفروا } بالقتل والاسر والسبى

{ وذلك } اى ما فعل بهم مما ذكر

{ جزاء الكافرين } فى الدنيا

ولما هزم اللّه المشركين بوادى حنين ولوا مدبرين ونزلوا باوطاس وبها عاليهم واموالهم فبعث رسول اللّه رجلا من الاشعرين يقال له ابو عامر وامره على جيش الى اوطاس فسار اليهم فاقتتلوا وهزم اللّه المشركين وسبى المسلمون عيالهم وهرب اميرهم مالك بن عوف فاتى الطائف وتحصن بها واخذوا اهله وماله فيمن اخذ وقتل امير المؤمنين ابو عامر ثم انه عليه السلام اتى الطائف فحاصرهم بقية ذلك الشهر فلما دخل ذو القعدة وهو شهر حرام انصرف عنهم فاتى الجعرانة وهو موضع بين مكة والطائف سمى المحل باسم امرأة وهى ريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة وهى المرادة فى قوله تعالى

{ كالتى نقضت غزلها } فاحرم منها بعمرة بغد ان قام بها ثلاث عشرة ليلة وقال اعتمر منها سبعون نبيا وقسم بها غنائم حنين واوطاس وكان السبى ستة آلاف رأس والابل اربعة وعشرين الفا والغنم اكثر من اربعين واربعة آلاف اوقية فضة وتألف اناسا فجعل يعطى الرجل الخمسين والمائة من الابل ولما قسم ما بقى خص كل رجل اربع من الابل واربعون شاة فقال طائفة من الانصار ياللعحب ان اسيافنا تقطر من دمائهم وغنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك النبى عليه السلام فجمعهم فقال

( يا معشر الانصار ما هذا الذى بلغنى عنكم ) فقالوا هو الذى بلغك وكانوا لا يكذبون فقال ( الم تكونوا ضلالا فهداكم اللّه بى وكنتم اذلة فأعزكم اللّه بى وكنتم وكنتم اما ترضون ان ينقلب الناس بالشاء والابل وتنقلبون برسو اللّه الى بيوتكم ) فقالوا بلى رضينا يا رسول اللّه واللّه ما قلنا ذلك الا محبة للّه ولرسوله فقال صلى اللّه عليه وسلم ( ان اللّه ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم )

٢٧

{ ثم يتوب اللّه من بعد ذلك } [ او بس اين جنك ]

{ على من يشاء } ان يتوب عليه منهم لحكمة تقتضيه اى يوفقه للاسلام

{ واللّه غفور } يتجاوز عما سلف منهم جاؤا رسول اللّه وبايعوه على الاسلام وقالوا يا رسول اللّه انت عير الناس وابر الناس وقد سبى اهلونا واولادنا واخذت اموالنا فقال عليه السلام ( ان عندى ما ترون ان خير الفول اصدقه اختاروا اما ذراريكم ونساءكم

واما اموالكم ) قالوا ما كنا نعدل بالاحساب شيأ هو جمع حسب وهو ما يعد من المفاخر كنوا بهذا القول عن اختيار ما سبى منهم من الذرارى والنسوان على استرجاع الاموال فان ترك الذرارى والنسوان فى ذل الاسر واختيار استرجاع الاموال عليها يفضى الى الطعن فى احسابهم وينافى المروءة فقام النبى عليه السلام فقال ( ان هؤلاء جاؤنا مسلمين وانا خيرناهم بين الذرارى والاموال فلم يعدلوا بالاحساب شيأ فمن كان بيده سبى وطابت نفسه ان يرد فشأنه ) اى فيلزم شأنه ( وليفعل ما طاب له ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيأ فنعطيه مكانه ) قالوا رضينا وسلمنا فقال عليه السلام ( انا لا ندرى لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك الينا ) فرفعت اليه العرفان انهم قد رضوا ثم قال صلى اللّه تعالى عليه وسلم ( لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف قالوا يا رسول اللّه هرب فلحق يحصن الطائف مع ثقيف فقال صلى اللّه عليه وسلم ) اخبروه انه ان اتانى مسلما رددت عليه اهله وماله واعطيته مائة من الابل

فلما بلغ هذا الخبر نزل من الحصن مستخفيا خوقا ان تحبسه ثقيف اذا علموا الحال وركب فرسه وركضه حتى اتى الدهناء محلا معروفا وركب راحلته ولحق برسول اللّه فادركه بالجعرانة واسلم فرد عليه اهله وماله واستعمله عليه السلام على من اسلم من هوازن وكان مالك بن عوف بعد ذلك ممن افتتح عامة الشأم

ثم فى القصة اشارات

منها ان عسكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى تلك الواقعة كانوا فى غاية الكثرة والقوة فلما اعجبوا بكثرتهم صاروا منهزمين فلما تضرعوا فى حا الانهزام الى اللّه تعالى قواهم حتى انهزموا عسكر الكفار وذلك يدل على ان الانسان متى اعتمد على الدنيا فاته الدين ومتى اطاع اللّه ورجح الدين على الدنيا اتاه اللّه الدين والدنيا على احسن الوجوه. وكما ان اكثر الاسباب الصورية وان كان مدارا للفتح للصورى لكنه فى الحقيقة لا يحصل الا بمحض فضل اللّه. فكذا كثرة الاعمال والطاعات وان كانت سببا للفتح المعنوى لكنه فى الحقيقة ايضا لا يحصل الا بخصوص هداية اللّه تعالى فلا بد من العجر والافتقار والتضرع الىللّه الغفار : قال الحافظ

تكيه برتقوى ودانش در طريقت كافريست ... راهرو كرصد هنر دارد توكل بايدش

ومنها ان المؤمن لا يخرج من الايمان وان عمل الكبيرة لانهم قد ارتكبوا الكبيرة حيث هربوا وكان عددهم اكثر من عدد المشركين فسماهم اللّه تعالى مؤمنين فى قوله

{ ثم انزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } وذلك لان حقيقة الايمان هو التصديق القلبى فلا يخرج المؤمن عن الاتصاف به الا بما ينافيه ومجرد الاقدام على الكبيرة لغلبة شهوة او غيرة جاهلية او عار او كسل او خوف خصوصا ان اقترن به خوف العقاب ورجاء العفو والعزم على التوبة لا ينافيه قال الحافظ

بيوش دامن عفوى بزلت من مست ... كه آب روى شريعت بدين قد نرود

وقال السعدى

برده از روى لطف كوبردار ... كه اشقيارا اميد مغفرتست

ومنها انه صلى اللّه تعالى عليه وسلم لم ينهزم قط فى موطن من المواطن

واما ما روى عن سلمة ابن الاكوع رضى اللّه عنه مررت برسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم منهزما فمنهزما حال من من سلمة لامن النبى عليه السلام

قال القاضى عبد اللّه بن المرابط من قال ان نبى اللّه عليه السلام هزم فى بعض غزواته ويستتاب فان تاب فيها ونعمت والا قتل فانه نسب اليه ما لا يليق بمنصبه وألحق به نقصا وذلك لا يجوز عليه اذ هو على بصيرة من امره ويقين من عصمته وقد اعطاه اللّه تعالى من الشجاعة ورباطة الجاش ما لم يعط احدا من العالمين فكيف يتصور الانهزام فى حقه

شاهى وملائكه سباهست ... خلق تو عظيم وحق كواهست

ومنها ان ذا القعدة شهر شريف ينبغى ان يعرف قدره ويجاهد المرء فيه نفسه وهو الثلاثون يوما التى واعد اللّه فيه موسى عليه السلام وامره ان يصومها حتى يجيء بعدها الى طور المناجاة والمكالمات والمشاهدات

قال كعب الاحبار رضى اللّه عنه اختار اللّه الزمان فاحبه اليه الاشهر الحرم وذو القعدة من الاشهر الحرم بلا خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال وعن قتادة قال سألت انسا كم اعتمر النبى عليه السلام قال اربعاء عمرة الحديبية فى ذى القعدة حيث صده المشركون. وعمره من العام القابل حيث صالحهم. وعمرة الجعرانة اذ قسم غنيمة اراها حنين قلت كم حج قال واحدة ومعناه بعد الهجرة الى المدينة فانه صلى اللّه عليه وسلم قد حج قبلها كما فى عقد الدرر واللآلى وكذا قال صاحب الروضة وفى السنة التاسعة حج ابو بكر رضى اللّه عنه بالناس. وفى العاشرة كانت حجة الوداع ولم يحج النبى عليه السلام بعد الهجرة سواها وحج قبل النبوة وبعدها حجات لم يتفق على عددها واعتمر بعد الهجرة اربع عمر وفى هذه السنة مات ابراهيم اين النبى عليه السلام. وفى الحادية عشرة فانه صلى اللّه عليه وسلم انتهى اللّهم اختم لنا بالخير واجعل لنا فى رياض انسك مبوأ ومنزلا وفى حظائر قدسك مستقرا ومقاما وموئلا

٢٨

{ يا ايها الذين آمنوا انما المشركون نجس } النجس بفتحتين مصدر بمعنى النجاسة وصفوا بالمصدر مبالغة كأنهم عين النجاسة يجب الاجتناب عنهم والتبرى منهم وقطع مودتهم

قال الحدادى سمى المشرك نجسا لان الشرك يجرى مجرى القذر فى انه يجب تجنبه كما يجب تجنب النجاسات او لانهم لا يتطهرون من الجنابة والحدث ولا يجتنبون عن النجاسة الحقيقية فهم ملابسون لها غالبا فحكم عليهم بانهم نجس بمعنى ذوى نجاسة حكمية وحقيقية فى اعضائهم الظاهرة او انهم نجس بمعنى ذوى نجاسة فى باطنهم حيث تنجسوا بالشرك والاعتقاد الباطل. فعلى هذا يحتمل ان يكون نجس صفى مشبهة كحسن فيجوز ترك تقدير المضاف

{ فلا يقربوا المسجد الحرام } الفاء سببية اى فلا يقربوه بسبب انهم عين النجاسة فضلا عن ان يدخلوه فان نهيهم عن اقترابه للمبالغة فى نهيهم عن دخوله

قال فى التبيان اى لا يدخلوا الحرم كله وحدود الحرم من جهة المدينة على ثلاثة اميال ومن طريق العراق على سبعة اميال ومن طريق الجعرانة على تسعة اميال ومن طريق الطائف على تسعة اميال ومن طريق جدة على عشرة اميال انتهى

{ بعد عامهم هذا } وهو السنة التاسعة من الهجرة التى حج فيها ابو بكر رضى اللّه عنه اميرا وكانت حجة الوداعه فى السنة العاشرة هو الظاهر الذى عليه الامام الشافعى

واما على مذهب الامام الاعظم فالمراد من الآية المنع من الدخول حاجا او معتمرا فالمعنى لا يحجبوا ولا يعتمروا بعد هذا العام ويدل عللّه قول على رضى اللّه عنه حين نادى ببراءة الا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك فلا يمنع المشرك عنده من دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد

قال فلا الاشباه فى احكام الذمى ولا يمنع من دخول المسجد جنبا بخلاف المسلم ولا يتوقف دخوله على اذن مسلم عندنا ولو كان المسجد الحرام. ثم قال فى احكام الحرم ولا يسكن فيه كافر وله الدخول فيه انتهى

يقول الفقير لعل الحكمة فى ان الجنب المسلم يمنع من دخول المسجد ولا يتوقف دخوله على اذن مسلم عندنا ولو كان المسجد الحرام. ثم قال فى احكام الحرم ولا يسكن فيه كافر وله الدخول فيه انتهى

يقول الفقير لعل الحكمة فى ان الجنب المسلم يمنع من دخول المسجد دون الجنب الكافر ان ما هو عليه الكافر من الشرك او الخبث القلبى والجنابة المعنوية اعظم من حدثه الصورى فلا فائدة فى منعه نعم اذا كان عليه نجاسة حقيقية يمنع لانا مأمورون بتطهير المساجد عن القاذورات ولذا قالوا بحرمة ادخال الصبيان والمجانين فى المساجد حيث غلب تنجيسهم والا فيكره كما فى الاشباه هذا فلما منعوا من قربان المسجد الحرام.

قال اناس من تجار بكر بن وائل وغيرهم من المشركين بعد قراءة على هذه الآية ستعلمون يا اهل مكة اذا فعلتم هذا ما تلقون من الشدة ومن اين تأكلون اما واللّه لتقطعن سبلكم ولا نحمل اليكم شيأ فوقع ذلك فى انفس اهل مكة وشق عليهم والقى الشيطان فى قلوب المسلمين الحزن وقال لهم من اين تعيشون وقد نفى المشركون وانقطعت عنكم الميرة فقال المسلمون قد كنا نصيب من تجاراتهم فالآن تنقطع عنا الاسواق والتجارات ويذهب عنا الذى كنا نصيبه فيها فانزل اللّه تعال قوله

{ وان خفتم عيلة } اى فقرا بسبب منعهم من الحج وانقطاع ما كانوا يجلبونه ليكمن الارزاق والمكاسب

{ فسوف يغنيكم اللّه من فضله } من عطائه او من تفضله بوجه آخر وقد انجز وعده بان ارسل السماء عليكم مدرارا اكثر من خيرهم وميرهم ورفق اهل تبالة وجرش واسلموا وامتاروا لهم ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه اليهم الناس من اقطار الارض

{ ان شاء } ان يغنيكم قيده بالمشيئة مع ان التقييد بها ينافى ما هو المقصود من الاية وهو ازالة خوفهم من العيلة لفوائد

الفائدة الاولى ان لا يتعلق القلب بتحقق الموعود بل يتعلق بكرم من وعد به ويتضرع اليه فى نيل جميع المهمات ودفع جميع الآفات والبليات

والثانية التنبيه على ان الاغناء الموعود ليس يجب على اللّه تعالى بل هو متفضل فى ذلك لا يتفضل به الا عن مشيئته وارادته

والثالثة التنبيه على ان الموعود ليس بموعود بالنسبة الى جميع الاشخاص ولا بالنسبة الى جميع الامكنة والازمان

{ ان اللّه عليم } بمصالحكم

{ حكيم } فيما يعطى ويمنع

قال الكاشفى [ حكم كنند است بتحقيق آمال ايشان اكردرى دربندد ديكرى بكشايد ]

كمان مدار اكر ضايعم توبكذارى ... كه ضايعم نكذارد مسبب الاسباب

براى من در احسان اكرتودربندى ... درى دكر بكشايد مفتح الابواب

-روى- عن الشيخ ابى يعقوب البصرى رضى اللّه عنه قال جعت مرة فى الحرم عشرة ايام فوجد ضعفا فحدثتنى نفسى ان اخرج الى الوادى لعلى اجد شيأ ليسكن به ضعفى فخرجت فوجدت سلجمة مطروحة فاخذتها فوجدت فى قلبى منها وحشة وكأن قائلا يقول لى جعت عشرة ايام فآخرها يكون حظك سلجمة مطروحة متغيرة فرميت فرميت بها فدخلت المسجد فقعدت فاذا برجل جاء فجلس بين يدى ووضع قمطره وقال هذه لك قلت كيف خصصتنى بها فقال اعلم انا كنا فى البحر منذ عشرة ايام فاشرفت السفينة على الغرق فنذر كل واحد منا نذرا ان خلصنا اللّه ان يتصدق بشيء ونذرت انا ان خلصنى اللّه ان اتصدق بهذه على اولى من يقع عليه بصرى من المجاورين وانت اول من لقيته قلت افتحها فاذا بها كعك سميذ ممصر ولوز مقشر وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضه من ذا وقلت رد الباقى الى صبيانك هدية منى اليهم وقد قبلتها ثم قلت فى نفسى رزقك يسير اليك مند عشرة ايام وانت تطلبه من الوادى

قال الصائب

فكر آب ودانه دركنج قفس بى حاصلست ... زير جرخ انديشه روزى جرا باشد مرا

وفى الآية اشارة الى ان اللّه تعالى قد رفع قلم التكليف عن الانسان الى ان يبلغ استكمال القالب ففى تلك المدة كانت النفس وصفاتها يطفن حول كعبة القلب مستمدة من القوى العقلية والروحانية وبهذا يظفرن بمشتهايتهن من الدنيا ونعيمها حتى صار تعبد الدنيا دأبهن والاشراك باللّه طبعهن وبذلك تكامل القالب واستوت اوصاف البشرية الحيوانية عند ظهور الشهوة بالبلوغ ثم اجرى اللّه عليهم قلم التكليف ونهى القلب عن اتباع النفوس وامره بقتالها ونهاها عن تطوافها لئلا تنجس كعبة القلب بنجاسة شرك النفس والاوصاف الذميمة فلما منعت النفس عن تطوافها بحوالى القلب خاف القلب من فوات حظوظه من الشهوات بتبعية النفس فاغناه اللّه عن تلك الحظوظ بما يفتح عليه من فضل مواهبه من الواردات الربانية والشواهد والكشوف الرحمانية وفى قوله

{ ان شاء } اشارة الى ما عند اللّه لا ينال الا بمشيئة اللّه كذا فى التأويلات النجمية : قال الحافظ

سكندررا نمى بخشند آبى ... بزورو زر ميشر نيست اين كار

٢٩

{ قاتلوا } [ بكشيدى اى مؤمنان وكارزار كنيد ]

{ الذين } [ با آنانكه ]

{ لا يؤمنون باللّه } كما ينبغى قال اليهود مثنية والنصارى مثلثة فايمانهم باللّه كلا ايمان

{ ولا باليوم الآخر } كما ينبغى فان اليهود ذهبوا الى نفى الاكل والشرب فى الجنة والنصارى الى اثبات المعاد الروحانى فعلمهم باحوال الاخرة كلا علم فكذا ايمانهم المبنى عليه ليس بايمان والمؤمن الكامل هو الذى يصف اللّه بما يليق به فيوحده وينزهه ويثبت المعاد الجسمانى والروحانى كليهما والنعيم الصورى والمعنوى ايضا فان لكل من الجسم والروح حظا من النعيم يليق بحاله ويناسب لمقامه

{ ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله } اى ما يثبت تحريمه بالوحى المتلو وهو الكتاب او غير المتلو وهو السنة وذلك مثل الدم والميتة ولحم الخنزير والخمر ونظائرها

{ ولا يدينون دين الحق } يجوز ان يكون مصدر يدينون وان يكون مفعولا به ويدينون بمعنى يعتقدون ويقبلون. والحق صفة مشبهة بمعنى الثابت بمعنى الثابت واضافة الدين اليه من قبيل اضافة الموصوف الى صفته واصل الكلام ولا يدينون الدين الحق وهو دين الاسلام فانه دين ثابت نسخ جميع ما سواه من الاديان

وعن قتدة ان الحق هو اللّه تعالى. والمعنى ولا يدينون دين اللّه الذى هو الاسلام فان الدين عند اللّه الاسلام

{ من الذين اوتوا الكتاب } من التوراة والانجيل وهو بيان للذين لا يؤمنون

{ حتى } للغاية

{ يعطوا } اى يقبلوا ان يعطوا فان غاية القتال ليست نفس هذا الاعطاء بل قبوله

{ الجزية } فعله من جزى دينه اذا قضاه سمى ما يعطيه المعاهد مما تقرر عليه بمقتضى عهده جزية لوجوب قضائه عليه او لانها تجزى عن الذمى اى تقضى وتكفى عن القتل فانه اذا قبلها يسقط عنه القتل

{ عن يد } حال من الضمير فى يعطوا اى عن يدهم بمعنى مسلمين بايديهم غير باعثين بايذى غيرهم ولذلك منع من التوكيل فيه او عن يد مطيعة غير ممتنعة اى منقادين مطيعين فاذا احتيج فى اخذها منهم الى الجبر والاكراه لا يبقى عقد للذمة بل يعود حكم القتل والقتال فالاعطاء عن يد كناية عن الانقياد والطوع يقال اعط فلان بيده اذا استسلم وانقاد وعلاقة المجاز ان من ابى وامتنع لا يعطى بيده بخلاف المطيع او عن غنى. ولذلك قيل لم تجب الجزية على الفقير العاجز عن الكسب او عن انعام عليه فان ابقاء مهجتهم بنا بذلوا من الجزية نعمة عظيمة عليهم او عن يد قاهرة مستولية عليهم وهى يد الآخذ فعن سببية كما فى قولك يسمنون عن الاكل والشرب اى يبلغون الى غاية السمن وحسن الهيئة بسبب الاكل والشرب

{ وهم صاغرون } اى اذلاء وذلك بان يأتى بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس ويؤخذ بتلبيبه اى يجيبه ويجر ويقال له اد الجزية يا ذمى او يا عدو اللّه وان كانوا يؤدونها

واعلم ان الكفار ثلاثة انواع

نوع منهم يقاتلون حتى يسلموا اذ لا يقبل منهم الا الاسلام وهم مشركوا العرب والمرتدون.

اما مشركو العرب فلان النبى عليه السلام بعث منهم فظهرت المعجزات لديهم فكفرهم يكون افحش.

واما المرتدون فلانهم عدلوا عن دين الحق بعد اطلاعهم على محاسنه فيكون كفرهم اقبح فالعقوبة على قدر الجناية وفى وضع الجزية تخفيف لهم فلم يستحقوه

ونوع آخر يقاتلون حتى يسلموا او يعطوا الجزية وهم اليهود والنصارى والمجوس. اما اليهود والنصارى فبهذه الآية.

واما المجوس فبقوله عليه السلام ( سنوا بهم سنة اهل الكتاب غير ناكحى نسائهم وآكلى ذبائحهم )

والنوع الثالث منهم الكفرة الذين ليسوا مجوسا ولا اهل كتاب ولا من مشركى العرب كعبدة الاوثان من الترك والهند ذهب ابو حنيفة واصحابه رحمهم اللّه الى جواز اخذ الجزية منهم لجواز اجتماع الدينين فى غير جزيرة العرب وهم من غير العرب ومقدارها على الفقير المعتمل اثنا عشر درهما فى كل شهر درهم هذا اذا كان فى اكثر الحول صحيحا اما اذا كان فى اكثره او نصفه مريضا فلا جزية عليه وعلى المتوسط الحال اربعة وعشرون درهما فى كل شهر درهمان وعلى الغنى ثمانية واربعون درهما فى كل شهر اربعة دراهم ولا شيء على فقير عاجز عن الكسب ولا على شيخ فان او زمن او مقعد او اعمى او صبى او امرأة او راهب لا يخالط الناس وانما لم توضع عليهم الجزية لان الجزية شرعت زجرا عن الكفر وحملا له على الاسلام فيجرى مجرى القتل فمن لا يعاقب بالقتل وهم هؤلاء لا يؤاخذ بالجزية لان الجزية خلف من القتال وهم ليسوا باهله فاذ حصل الزاجر فى حق المقاتلة وهم الاصل انزجر التبع

قال الحدادى اما طعن الملحدة كيف يجوز اقدار الكفار على كفرهم باداء الجزية بدلا من الاسلام

فالجواب انه لا يجوز ان يكون اخذ الجزية منهم رضى بكفرهم وانما الجزية عقوبة لهم على اقامتهم على الكفر واذا جاز امهالهم بغير الجزية للاستدعاء الى الايمان كل امهالهم بالجزية اولى انتهى

فعلى الولاة والمتسلمين ان لا يتعدوا ما حد اللّه تعالى فى كتابه فان الظلم لا يجوز مطلقا ويعود وباله على الظالم بل يسرى الى غيره ايضا وفى الحديث ( خمس بخمس اذا اكل الربا كان الخسف والزلزلة واذا ظهر الزنى كثر الموت واذا منعت الزكاة هلكت الماشية واذ تعدى على اهل الذمة كانت الدولة لهم ) كذا فى الاسرار المحمدية لابن فخر الدين الرومى : وفى المثنوى

جمله دانند اين اكر تونكروى ... هرجه مى كاريش روزى بدروى

يقول الفقير رأينا من السنة الرابعة والتسعين بعد الالف الى هذا الآن وهى السنة الاولى بعد المائة والالف من استيلاء الكفار على البلاد الرومية وعلى البحر الاسود والابيض ما لم يره احد قبلنا ولا يدرى احد ماذا يكون غدا والامر بيد اللّه تعالى وذلك بسبب الظلم المفرط على اهل الاسلام واهل الذمة الساكنين فى تلك الديار فعاد الصغار والذل من الكفار الى المسلمين الكاذبين فصاروا هم صاغرين والعياذ باللّه تعالى وليس الخبر كالمعاينة نسأل اللّه تعالى اللحوق بأهل الحق والدخول فى الارض المقدسة بأهل الحق والدخول فى الارض المقدسة

ثم ان مما حرم اللّه على اهل الحق الدنيا ومحبتها فان حب الدنيا رأس كل خطيئة والكفار لما قصروا انظارهم على الدنيا واخذوها بدلا من الآخرة وضعت عليهم الجزية وجزية النفس الامارة معاملاتها على خلاف طبعها لتكون صاغرة ذليلة تحت احكام الشرع وآداب الطريقة فلا بد من جهادها وتذليلها ليعود العز والدولة الى طرف الروح : وفى المثنوى

آنجه درفرعون بود اندر توهست ... ليك ازدرهات محبوس جهست

آتشت را هنرم فرعون نيست ... زانكه جون فرعون اوراعون نيست

فهذه حال النفس فلا بد من قهرها الى ان تفنى عن دعواها واسناد العز اليها وعند ذلك تكون فانية مطمئنة مستسلمة لامر اللّه منقادة مسخرة تحت حكمه

٣٠

{ وقالت اليهود عزير ابن اللّه } يقرأ بالتنوين على ان عزيز مبتدأ وابن خبره ولم يحذف التنوين ايذانا بان الاول مبتدأ وان ما بعده خبره وليس بصفة [ وعزير بن شرحيا ازنسل يعقوبست ازسبط لاوى وبجهارده بشت بهارون بن عمرات ميرسد ] وهو قول قدمائهم ثم انقطع فحكى اللّه تعالى عنهم ذلك ولا عبرة بانكار اليهود

وفى البحر وتذم طائفة او تمدح بصدور ما يناسب ذلك من بعضهم -روى- ان بخت نصر البابلى لما ظهر على بنى اسرائيل قتل علماءهم ولم يبق فيهم احد يعرف التوراة وكان عزير اذ ذاك صغيرا فاستصغره فلم يقتله وذهب به الى بابل مع جملة من اخذه سبايا بنى اسرائيل فلما نجا عزير من بابل ارتحل على حمار له حتى نزل يدير هرقل على شط دجلة فطاف فى القرية فلم ير فيها احدا وعامة شجرها حامل فاكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة فى سلة وفضل العصير فى زق فلما راى خراب القرية وهلاكها قال

{ أنى يحيى هذه اللّه بعد موتها } قالها تعجبا لاشكا فى البعث فالقى اللّه تعالى عليه النوم ونزع منه الروح وبقى ميتا مائة عام وامات حماره وعصيره وتينه عنده واعمى اللّه تعالى عنه العيون فلم يره احد ثم انه تعالى احياه بعدما اماته مائة سنة واحيى حماره ايضا فركب حماره حتى اتى محلته فانكره الناس وانكر هو ايضا الناس ومنازلهفتتبع اهله وقومه فوجد ابنا له شيخا ابن مائة سنة وثمانى عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ فوجد من دونهم عجوزا عمياء مقعدة اتى عليها مائة وعشرون سنة كانت امة لهم وقد كان خرج عزير عنهم هى بنت عشرين سنة فقال لهم انا عزير كان اللّه اماتنى مائة سنة ثم بعثنى قالت العجوز ان عزيرا كان مستجاب الدعوة يدعو للمريض وصاحب البلاء بالعافية فادع اللّه يرد الى بصرى حتى اراك فان كنت عزيرا عرفتك فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحت واخذ بدها وقال لها قومى باذن اللّه تعالى فاطلق رجلها فقامت صحيحة فنظرت فقالت اشهد انك عزير وقال ابنه كان لابى شامة مثل الهلال بين كتفيه فكشف عن كتفيه فاذا هو عزير

قال السدى والكلبى لما رجع عزير الى قومه وقد احرق بخت نصر التوراة ولم يكن من اللّه عهد بين الخلق بكى عزير على التوراة فاتاه ملك باناء فيه ماء فسقاه من ذلك الماء فمثلت التوراة فى صدره فقال لبنى اسرائيل يا قوم ان اللّه بعثنى اليكم لاجدد لكم توراتكم قالوا فاملها علينا فاملاها عليهم من ظهر قلبه ثم ان رجلا قال ان ابى حدثنى عن جدى ان التوراة جعلت فى خابية ودفنت فى كرم كذا فانطلقوا معه حتى اخرجوها فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منها حرفا فقالوا ان اللّه تعالى لم يقذف التوراة فى قلب رجل الا انه ابنه فعند ذلك قالت اليهود المتقدمون عزير ابن اللّه

{ وقالت النصارى المسيح ابن اللّه } هو ايضا قول بعضهم وانما قالوه استحالة لان يكون ولد بلا أب او لان يفعل ما فعله من ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى من لم يكن الها

{ ذلك } اشارة الى ما صدر عنهم من العظيمتين

{ قولهم بافواههم } اى ليس فيه برهان ولا حجة وانما هو قول بالفم فقط كالمهمل

قال الحدادى معناه انهم لا يتجاوزون فى هذا القول عن العبارة الى المعنى اذ لا برهان لهم لانهم يعترفون ان اللّه لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون ان له ولدا

{ يضاهئون } اى يضاهى ويشابه قولهم فى الكفر والشناعة فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه فانقلب مرفوعا

{ قول الذين كفروا من قبل } اى من قبلهم وهم المشركون الذين يقولون الملائكة بنات اللّه او اللات والعزى بنات اللّه

{ قاتلهم اللّه } دعا عليهم جميعا بالاهلاك فان من قاتله اللّه هلك فهو من قبيل ذكر الملزوم وارادة اللازم لتعذر ارادة الحقيقة ويجوز ان يكون تعجبا من شناعة قولهم من قطع النظر عن العلاقة النصحح للانتقال من المعنى الاصلى الى المعنى المراد

{ أنى يؤفكون } كيف يصرفون من الحق الى الباطل والحال انه لا سبيل اليه اصلا والاستفهام بطريق التعجب

٣١

{ اتخذوا } اى اليهود

{ احبارهم } اى علماءهم جمع حبر بالكسر هو افصح وسمى العالم حبرا لكثرة كتابته بالجر او لتحبره المعانى او بالبيان الحسن وغلب فى علماء اليهود من اولاد هارون

{ ورهبانهم } واى اتخذوا النصارى علماءهم جمع راهب وهو الذى تمكنت الرهبة والخشية فى قلبه وظهرت آثارها فى وجهه ولسانه وهيئته وغلب فى عباد النصارى واصحاب الصوامع منهم

{ اربابا من دون اللّه } اى اى كالارباب فهو من باب التشبيه البليغ. والمعنى اطاعوا علماءهم وعبادهم فيما امروهم به طاعة العبيد للارباب فحرموا ما احل اللّه وحللوا ما حرم اللّه وفى الحديث ( ان محرم الحلال كمحلل الحرام ) اى ان عقوبة محرم الحلال كعقوبة محلل الحرام وذلك كفر محض ومثاله ان من اعتقد ان اللبن حرام ما يكون كمن اعتقد ان الخمر حلال ومن اعتقد ان لحم الغنم حرام يكون كمن اعتقد ان لحم الخنزير حلال

{ والمسيح ابن مريم } عطف على رهبانهم اى اتخذه النصارى ربا معبودا بعدما قالوا انه ابن اللّه تعالى عن ذلك علوا كبيرا وجمع اليهود والنصارى فى ضمير اتخذوا لا من اللبس

{ وما امروا } اى والحال ان اولئك الكفرة ما امروا فى التوراة والانجيل وبادئ العقل

{ الا ليعبدوا الها واحدا } عظيم الشأن هو اللّه تعالى ويطيعوا امره ولا يطيعوا امر غيره بخلافه فان ذلك مخل بعبادته بان جميع الكتب السماوية متفقة على ذلك قاطبة

واما اطاعة الرسول وسائر من امر اللّه بطاعته فهى فى الحقيقة اطاعة اللّه تعالى

{ لا اله الا هو } صفى ثانية لا لها

{ سبحانه عما يشركون } ما مصدرية اى تنزيها له عن الاشراك به فى العبادة والطاعة

٣٢

{ يريدون } اى يريد اهل الكتابين

{ ان يطفئوا } يخمدوا

{ نور اللّه } اى يردوا القرآن ويكذبوه فيما نطق به من التوحيد والتنزه عن الشركا والاولاد والشرائع التى من جملتها ما خالفوه من امر الحل والحرمة

{ بافواههم } باقاويلهم الباطلة الخارجة منها من غير ان يكون لها مصداق تنطبق عليه واصل تستند اليه حسبما حكى عنهم

{ ويأبى اللّه الا ان يتم نوره } انما صح الاستثناء المفرغ من الموجب لكونه بمعنى النفى اى لا يريد اللّه شيأ من الاشياء الا اتمام نوره باعلاء كلمة التوحيد واعزاز دين الاسلام

{ ولو كره الكافرون } جواب لو محذوف لدلالة ما قبلها مقدرة كلتاهما فى موقع الحال اى لا يريد اللّه الا اتمام نوره ولو لم يكره الكافرون ذلك بل ولو كرهوا اى على كل حال مفروض وقد حذفت الاولى فى الباب حذفا مطردا لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة لان الشيء اذا تحقق عند المانع فلان يتحقق عند عدمه اولى

جراغ راكه ايزد بر فروزد ... كسى كش بف كند سلبت بسوزد

٣٣

{ هو الذى } اى الذى لا يريد شيأ الا اتمام نوره ودينه هو الذى

{ ارسل رسوله } ملتبسا

{ بالهدى } اى القرآن الذى هو هدى للمتقين

{ ودين الحق } اى الدين الحق وهو دين الاسلام

{ ليظهره } اى ليغلب الرسول

{ على الدين كله } اى على اهل الاديان كلهم فالمضاف محذوف او ليظهر الدين الحق على سائر الاديان بنسخة اياها حسبما تقتضيه الحكمة واللام فى ليظهره لاثبات السبب الموجب للارسال فهذه اللام لام الحكمة والسبب شرعا ولام العلة عقلا لان افعال اللّه تعالى ليست بمعللة بالاغراض عند الاشاعرة لكنها مستتبعة لغايات جليلة. فنزل ترتب الغاية على ما هى ثمرة له منزلة ترتب الغرض على ما هو غرض له

{ ولو كره المشركون } ذلك الاظهار ووصفهم بالشرك بعد وصفهم بالكفر للدلالة على انهم ضموا الكفر بالرسول الى الكفر باللّه

قال ابن الشيخ وغلبة دين الحق على سائر الاديان تكون على التزايد ابدا وتتم عند نزول عيسى عليه السلام لما روى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فى نزول عيسى ويهلك فى زمانه الملل كلها الا الاسلام

وقيل ذلك عند خروج المهدى فانه حينئذ لا يبقى احد الا دخل فى الاسلام والتزم اداء الخراج وفى الحديث ( لا يزداد الامر الا شدة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا مهدى الا عيسى بن مريم ) ومعناه لا يكون احد صاحب المهدى الا عيسى بن مريم فانه ينزل لنصرته وصحبته والمهدى الذى من عترة النبى عليه السلام امام عادل ليس بنبى موحى اليه وايضا ان عيسى خاتم الولاية المطلقة والمهدى خاتم الخلافة المطلقة وكل منهما يخدم هذا الدين الذى هو خير الاديان واحبها الى اللّه تعالى

وعن بعض الروم قال كان سبب اسلامى انه غزانا المسلمون فكنت اساير جيشهم فوجدت غزاة فى الساقة فاسرت نحو عشر نفر وحملتهم على البغال بعد ان قيدتهم وجعل مع كل واحد منهم رجلا موكلا به فرأيت فى بعض الايام رجلا من الاسرى يصلى فقلت للموكل به فى ذلك فقال لى انه فى كل وقت صلاة يدفع الى دينارا فقلت وهل معه شيء قال لا ولكنه اذا فرغ من صلاته ضرب بيده الى الارض ودفع لى ذلك فلما كان الغد لبست ثوبا خلقا وركبت فرسادونا وسرت مع الموكل لا تعرف صحة ذلك فلما دنا وقت صلاة الظهر اومى الى ان يدفع لى دينارا حتى اتركه يصلى فاشرت اليه انى لا آخذ الا دينارين فاومى برأسه وقت العصر اشار كالمرة الاولى فاشرت اليه انى لا آخذ الا خمسة دنانير فاشار الى بالاجابة فلما نزلنا واصبحنا دعوت به وسألته عن خبره وخيرته فى رجوعه الى بلاد الاسلام فاختار الرجوع فاركبته بغلا ودفعت له زادا وحملته بنفسى على البغل فقال اماتك اللّه تعالى على احب الاديان اليه فوقع فى قلبى من ذلك الوقت الاسلام

فعلىلمؤمن المخلص ان يعظم الرسول الذى ارسله اللّه بهذا الدين الحق وقد عظمه اللّه ورفع ذكره وكتب اسمه على صفحات الكون

قال بعض الشيوخ دخلت بلاد الهند فوصلت الى مدينة رأيت فيها شجرة تحمل ثمرا يشبه اللوز له قشرة فاذا كسرت خرجت منها ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بالحمرة لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه كتابة هندية واهل الهند يتبركون بها ويستسقون بها اذا منعوا الغيث ويتضرعون عندها فحدثت بها الحديث ابا يعقوب الصياد فقال لى ما استعظم هذا كنت بالايلة فاصطدمت سمكة مكتوب على اذنها اليمنى لا اله الا اللّه وعلى اليسرى محمد رسول اللّه فقذفت بها الى الماء وانما قذف بها احتلاما لها لما عليها من اسم اللّه تعالى واسم رسوله عليه السلام

شهباز هواى قاب قوسين ... برشد زتو آشيان كونين

وفى الحديث ( لا تجعلونى كقدح الراكب ) اى لا تنسونى فى حالة الشدة والرخاء ( ولا تذكرونى كصنيع الراكب مع قدحه المعلق فى مؤخر رحله اذا احتاج اليه من العطش استعمله واذا لم يحتج اليه تركه )

وقيل لا تجعلونى فى آخر الدعاء فان اللائق ان يذكر اسمه الشريف اولا وآخرا ويجعل الدعاء له عنوان الادعية

هر جند آخرين مقدم ... شد برهمه نورتو مقدم

جعلنا اللّه واياكم من خدام عتبة بابه والمتقربين بكل وسيلة الى عالى جنابه

٣٤

{ يا ايها الذين آمنوا ان كثيرا من الاحبار } اى علماء اليهود وهم من ولد هارون

{ والرهبان } وهم اصحاب الصوامع من النصارى جمع راهب وقد سبق

{ ليأكلون اموال الناس بالباطل } يأخذونها بطريق الرشوة لتغيير الاحكام والشرائع والتخفيف والمسامحة فيها ويؤهمون الناس انهم حذاق مهرة فى تأويل الآية وبيان مراد اللّه تعالى منها

يقول الفقير وهكذا يفعل المفتون الماجنون والقضاة الجائرون فى هذا الزمان يفتون على مراد المستفتى طمعا لماله ويقضون بمرجوج الاقوال بل على خلاف الشرح ويرون ان لهم فى ذلك سندا قويا قاتلهم اللّه وانما عبر عن الاخذ بالاكل مع ان المذموم منهم مجرد اخذها بالباطل اى بطريق الارتشاء سواء اكلوا ما اخذوه او لم يأكلوا بناء على ان الاكل معظم الغرض من الاخذ

{ ويصدون } اى يمنعون الناس

{ عن سبيل اللّه } عن دين الاسلام او يعرضون عنه بانفسهم بأكلهم الاموال بالباطل

{ والذين يكنزون الذهب والفضة } اى يجمعونهما ويحفظونهما سواء كان ذلك بالدفن او بوجه آخر والكنز فى كلام العرب هو الجمع وكل شئ جمع بعضه الى بعض فهو مكنوز يقال هذا جسم مكتنز الاجزاء اذا كان مجتمع الاجزاء وسمى الذهب ذهبا لانه يذهب ولا يبقى وسميت فضة لانها تنفض اى تتفرق ولا تبقى وحسبك بالاسمين دلالة على فنائهما وانه لا بقاء لهما -يقال- لما خرج آدم عليه السلام من الجنة بكى له كل شئ فيها الا شجرة العود والذهب والفضة فقال اللّه تعالى لو كان فى قلوبكم رأفة لبكيتم من خوفى ولكن من قسا قلبه احرقته بالنار وعزى وجلالى لا يصاغ منكم حلقة ولا دينار ولا درهم ولا سوار الا بتوقد النار وانت يا شجرة العود لا تبرحى فى النار والاحزان الى يوم القيامة. ثم المراد بالموصول ما يعم الكثير من الاحبار والرهبان وغيرهم من المسلمين الكانزين الغير المنفقين وهو مبتدأ خبره فبشرهم

{ ولا ينفقونها فى سبيل اللّه } اى لا ينفقون منها اى يؤدون زكاتها ولا يخرجون حق اللّه منها فحذف من واريد اثباتها بدليل قوله تعالى فى آية اخرى

{ خذ من اموالهم صدقة } وقال عليه السلام ( فى مائتى درهم خمسة دراهم وفى عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال ) ولو كان الواجل انفاق جميع المال لم يكن لهذا التقدير وجه كما فى تفسير الحدادى

وانما قيل ولا ينفقونها مع ان المذكور شيآن لان المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة

وقيل الضمير يعود على الاموال او على الكنوز المدلول عليها بالفعل او على الفضة لكونها اقرب فاكتفى ببيان احدهما عن بيان الآخر ليعلم بذلك كقوله تعالى

{ واذا رأوا تجارة اولهوا انفضوا اليها } وكذا كلام فى قوله

{ عليها } الآتى

{ فبشرهم بعذاب اليم } وضع الوعيد لهم بالعذاب موضع البشارة بالتنعم لغيرهم

٣٥

{ يوم } منصوب بعذاب

{ يحمى عليها فى نار جهنم } يقال حميت النار اى اشتدت حرارتها اى يوم توقد النار الحامية اى الشديدة الحرارة على تلك الدنانير والدراهم وعليها فى موضع رفع لقيامه مقام الفاعل

{ فتكوى } [ يس داغ كرده شود ]

{ بها } [ يدان دينارها ودرمهاى سوزان ]

{ جباههم وجنوبهم وظهورهم } وانما تكوى هذه الاعضاء دون غيرها لان الغنى اذا رأى الفقير الطالب للزكاة كان يعبس جبهته واذا بالغ فى السؤال يعرض عنه بجنبه واذا بالغ يقوم من موضعه ويولى ظهره ولم يعطه شيأ غالبا او لان المقصود الكانز من جميع المال لما كان طلب الوجاهة بالغنى تعلق الكى باعلى وجهه وهو الجبهة ولما قصد به ايضا التنعم بالمطاعم الشهية التى ينتفخ بسببها جبناه وبالملابس البهية التى يلتقيها على ظهره تعلق الكى بالجنوب والمظهور ايضا

{ هذا ما كنزتم } اى يقال لهم حين الكى فى ذلك اليوم هذا ما جمعتم فى دار الدنيا

{ لانفسكم } اى لمنفعتها فكان عين مضرتها وسبب تعذيبها

{ فذوقوا ما كنتم تكنزون } اى وبال كنزكم فما مصدرية والمضاف محذوف لان المعنى المصدرى ليس بمذوق وانما يذاق وباله وعذابه وانما ذاقوه فى الآخرة لانهم فى الدنيا فى منام الغفلة عن الاخرة والنائم لا يذوق ألم الكى وانما يذوقه عند الانتباه والناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا

مردمان غافلند از عقبى ... همه كويا بخفتكان مانند

ضرر غفلتى كه مى ورزند ... جون بميرند آنكهى دانند

[ درامالى امام ظهير الدين ولواجى مذكوراست كه. اكرديكران خزينه مال كنند توخزانه اعمال كن. واكر ديكران كنوز اعراض فانيه جويند تورموز اسرار باقية جوى ]

يكدرم كان دهى بدرويشى ... بهتراز كنجهاى مدخرست

زانجه دارى تمتعى بردار ... كان دكرروزى كسى دكرست

وفى الحديث ( ما من صاحب كنز لا يؤدى زكاته الا احمى فى نار جهنم فتجعل صفائح فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره حتى يحكم اللّه بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله اما الى الجنة

واما الى النار وما من صاحب ابل لا يؤدى زكاتها الابطح لها بقاع قرقرتستن عليه بقوائمها واخفافها ) اى ترفع يديها ( وتطرحهما معا على صاحبها كلما مضى عليه آخرها رد عليه اولها حتى يحكم اللّه بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة

واما الى النار وما من صاحب غنم لا يؤدى زكاتها الابطح بها بقاء قرقر تطأه باظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها جماع ولا منكسر قرنها كلما مضى عليه آخرها رد عليه اولها حتى يقضى اللّه بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة

واما الى النار )

واعلم ان الزكاة شكر لنعمة المال كما ان الصوم والصلاة والحج شكر لنعمة الاعضاء ولذا صارت صلاة الضحى شكر النعمة ثلاثمائة وستين مفصلا فى البدن وهى اى الزكاة تمليك خمسة دراهم فى مائتين للفقير المسلم للّه تعالى ولرضاه فالتمليك رجاء للعوض ليس لزكاة وعائل يتيم لو اطعمه من زكاته صح خلافا لمحمد لوجود الركن وهو التمليك وهذا اذا سلم الطعام اليه

واما اذا لم يدفع اليه فلا يجوز لعدم التمليك وهذا ايضا اذا لم يستخدمه فلو دفع شيأ من زكاته الى خادمه الغير المملوك وجاء للعوض وهو خدمته لم يكن للّه تعالى وهذا غافل عنه اكثر الناس ولو انفق على اقاربه بنية الزكاة جاز الا اذا حكم عليه بنفقتهم قالوا الافضل فى صرف الزكاة ان يصرفها الى اخوته ثم اعمامه ثم اخواله ثم ذوى الارحام ثم جيرانه ثم اهل سكنه ثم اهل مصره

والفرق بين الزكاة وصدقة الفطر انه لا يجوز دفع الزكاة لذمى بخلاف صدقة الفطر ولا وقت لها ولصدقة الفطر وقت محدود يأثم بالتأخير عن اليوم الاول

قال الفقهاء افتراض الزكاة عمرى

وقيل فورى وعليه الفتوى فيأثم بتأخيرها وترد شهادته. اى رجل يستحب له اخفاؤها فقل الخائف من الظلمة حتى لا يعملوا كثرة ماله. اى رجل غنى عند الامام فلا تحل له فقير عند محمد فتحل له فقل من له دور يستغلها ولا يملك نصابا فمن كان له دار لا تكون للسكنى ولا للتجارة وقيمتها تبلغ النصاب يجب بها صدقة الفطر دون الزكاة ولو استرى زعفرانا ليجعله على كعك التجارة لا زكاة فيه ولو كان سمسما وجبت والفرق ان الاول مستهلك دون الثانى والملح والحطب للطباخ والحرض والصابون للقصار والشب والقرظ للدباغ كالزعفران والعصفر والزعفران للصباغ كالسمسم كذا فى الاشباه ثم المعتبر فى الذهب والفضة الوزن وجوبا واداء لا الذى يروج بين الناس من ضرب الامير وجاز دفع القيمة فى زكاة وكفارة عير الاعتاق وعشر ونذر واذا قال الناذر على ان اتصدق اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا بدرهم آخر على غيره يجزئه عندنا ولا تؤخذ الزكاة من تركته بغير وصية وان اوصى اعتبرت من الثلث والمريض اذا خلف من ورثته يخرجها سرا عنهم

٣٦

{ ان عدة الشهور } العدة مصدر بمعنى العدد اى ان عدد الشهور التى تتعلق بها الاحكام الشرعية من الحج والعمرة والصوم والزكاة والاعياد وغيرها وهى الشهور العربية القمرية التى تعتبر من الهلال الى الهلال وهى تكون مرة ثلاثين يوما ومرة تسعة وعشرين ومدة السنة القمرية ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما وثلث يوم دون الشهور الرومية والفارسية التى تكون تارة ثلاثين يوما وتارة احدا وثلاثين ومدة السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وللشمس اثنا عشر برجا تسير فى كلها فى سنة والقمر فى كل شهر وهى حمل ثور جوزاء سرطان اسد سنبلة ميزان عقرب قوس جدى دلوحت واصطلحوا على ان جعلوا ابتداء السنة الشمسية من حين حلول مركز الشمس نقطة رأس الحمل الى عودها الى تلك النقطة لان الشمس اذا حلت هناك ظهر فى النبات قوة ونشو ونماء وتغير الزمان فى رثاثة الشتاء الى نضارة الربيع واعتدل الزمان فى كيفيتى الحر والبرد. ولما كانت السنة عند العرب عبارة عن اثنى عشر شهرا من الشهور القمرية وكانت السنة القمرية اقل من السنة الشمسية بمقدار وبسبب ذلك النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل الى فصل كان الحج والصوم والفطر يقع تارة فى الصيف واخرى فى الشتاء. ولما كانت عند سائر الطوائف عبارة عن مدة تدور فيها الشمس دورة تامة كانت اعيادهم وصومهم تقع فى موسم واحد ابدا

{ عند اللّه } اى فى حكمه وهو ظرف لقوله عدة

{ اثنا عشر } خبر لان

{ شهرا } تمييز مؤكد كما فى قولك عندى من الدنانير عشرون دينارا

{ فى كتاب اللّه } صفى لاثنا عشر والتقدير اثنا عشر شهرا مثبتة فى كتابه وهو اللوح المحفوظ وانما قال فى كتاب اللّه لان كثيرا من الاشياء توصف بانها عند اللّه ولا يقال انها فى كتاب اللّه يوم خلق السموات والارض اى منذ خلق الاجرام اللطيفة والكثيفة وانما قال لان اللّه تعالى اجرى الشمس والقمر فى السموات يوم خلق السموات والارض فمبلغ عدد الشهور اثنا عشر من غير زيادة اولها المحرم وآخرها ذو الحجة وانا خصت باثنى عشر لانهم كانوا ربما جعلوها ثلاثة عشر وذلك انهم كانوا يؤخرون الحج فى كل عامين من شهر الى آخر ويجعلون الشهر الذى انسأوا فيه اى اخروا ملغى فتكون تلك السنة ثلاثة عشر شهرا ويكون العام الثانى على ما كان عليه الاول سوى ان الشهر الملغى فى الاول لا يكون فى العام الثانى وعلى هذا تمام الدورة فيستدير حجهم فى كل خمس وعشرين سنة الى الشهر الذى بدئ منه ولذا خرج الحساب من ايديهم وربما يحجون فى بعض السنة فى شهر ويحجون من قابل فى غيره الى ان كان العام الذى حج فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصادف حجهم ذا الحجة فوقف بعرفة يوم التاسع واعلمهم بطلان النسيئ كما سيجيئ وهذه الشهور قد نظمها بعضهم بقوله

جون محرم بكذرد آيد بنزد توصفر ... بس ربيعين وجمادين ورجب آيدببر

بازشعبا نست وماه صوم وعيد وذى القعد ... بعد ازان ذى الحجة نام ماهها آيدبسر

اما المحرم فسمى بذلك لانهم كانوا يحرمون القتال فيه حتى ان احدهم كان يظفر بقاتل ابيه وابنه فلا يكلمه ولا يتعرض له.

واما صفر فسمى بذلك لخلوهم من الطعام وخلو منازلهم من الزاد ولذلك كانوا يطلبون الميرة فيه ويرحلون لذلك يقال صفر السقاء اذا لم يكن فيه شيء والصفر الخالى من كل شئ كذا فى التبيان

وقال فى شرح التقويم سمى بذلك لخلوه عن التحريم الذى كانا فى المحرم.

واما الربيعان فسميا بذلك لان العرب كانت تربع فيهما لكثرة الخصب فيهما. والربيع عند العرب اثنان ربيع الشهور وربيع الازمنة. اما ربيع الشهور فهو شهران بعد صفر اى ربيع الاول وربيع الآخر بتنوين ربيع على الاول صفته وكذا الآخر والاضافة غلط.

واما ربيع الازمنة فهو ايضا فهو ايضا اثنان الربيع الول وهو الذى تأتى فيه الكماة والنور ويسمونه ربيع الكلاء والربيع الثانى وهو الفصل الذى تدرك فيه الثمار فربيعا الشهور لا يقال فيهما الاشهر ربيع الاول وشهر ربيع الآخر ليمتازا عن الربيعين فى الازمنة.

واما الجماديان فسميا بذلك لان الماء كان يجمد فيهما لشدة البرد فيهما كذا فى التبيان

وقال فى شرح التقويم جمادى الاولى بضم الجيم وفتح الدال فعالى من الجمد بضم الجيم والميم وسكون الميم لغة فيه وهو المكان الصلب المرتفع الخشن وانما سمى بذلك لان الزمان فى اول وضع هذا الاسم كان حارا والامكنة فى الصلابة والارتفاع والخشونة من تاثير الحرارة وجمادى الآخرة تالية للشهر المتقدم فى المعنى المذكور

قال ابن الكمال جمادى الاولى والآخرة فعالى كحبارى والدال مهملة والعوام يستعملونها بالمعجمة المكسورة ويصفونها بالاول فيكون فيها ثلاث تحريفات قلب المهملة معجمة والفتحة كسرة والتأنيثتذكيرا. وكذا جمادى الآخرة يقولون جمادى الآخر بلا تاء والصحيح الآخرة بالتاء او الاخرى وهما معرفتان من اسماء الشهور فادخال اللام فى وصفهما صحيح. وكذا ربيع الاول وربيع الآخر فى الشهور

واما ربيع الازمنة فالربيع الاول باللام انتهى.

واما رجب فسمى بذلك لان العرب فى الجاهلية كانوا يعظمونه ويتركون فيه القتال والمحاربة يقال رحبته بالكسر اى عظمته والترحيب التعظيم وكانوا يسمونه رجب مضر وهو اسم قبيلة لكونه اشد تعظيما له من بقية العرب ولذلك قال عليه السلام فيه ( رجب مضر الذى بين جمادى وشعبان ) وانما وصف رجب بقوله الذى للتأكد او لبيان ان رجب الحرام هو الذى بينهما الا ما كانوا يسمونه رجب على حساب النسيئ او يسمون رجب وشعبان رجبين فيغلبون رجب عليه وربما يقال شعبانا تغليبا له على رجب.

واما شعبان فسمى بذلك لانهم كانوا يتفرقون ويتشعبون من التشعيب وهو التفريق.

واما رمضان فسمى بذلك لشدة الحر الذى كان يكون فيه ترمض الفصال كما قيل للشهر الذى يحج فيه ذو الحجة

قال فى شرح التقويم الرمض شدة وقع الشمس على الرمل وغيره وسبب تسمية هذا الشهر بهذا الاسم ان العرب كانت تسمى الشهور بلوازم الازمنة التى كانت الشهور واقعة فيها وكانت اللوازم وقت التسمية ههنا رمض الحر اى شدته انتهى.

قيل سمى رمضان لانه ترمض فيه الذنوب رمضا اى تغفر. وكان مجاهد يكره ان يقول رمضان ويقول لعله اسم من اسماء اللّه فالوجه ان يقال شهر رمضان لما روى ( لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان ولكن قولوا جاء شهر رمضان فان رمضان اسم من اسماء اللّه تعالى ) على ما فى التيسير

قال فى التلويح العلم هو شهر رمضان بالاضافة ورمضان محمول على الحذف للتخفيف ذكره فى الكشاف وذلك لانه لو كان رمضان علما لكل شهر رمضان بمنزلة انسان زيد ولا يخفى قبحه ولهذا اكثر فى كلام العرب شهر رمضان ولم يسمع شهر رجب وشهر شعبان على الاضافة انتهى

قال المولى حسن جلبى قد يمنع القبح بان الاضافة البيانية شائعة عرفا فلا مجال لاستقباحها بعد ان تكون مطردة انتهى.

واما شوال فسمى بذلك لانه يشول الذنوب اى يرفعها ويذهبها لانه من شال يشول اذا رفع الشيء ومن ذلك قولهم شالت ان الناقة بذنبها اى رفعته اذا طلبت الذراب كذا فى التبيان

وقال فى شرح التقويم هو من الشول وهو الخفة من الحرارة فى العمل والخدمة وانما سمى بذلك لخروج الانسان فيه عن مخالفة النفس الامارة وقمع شهواتها اللذين كانا فى الانسان فى رمضان باطلاق طوع المستلذات والمشتهيات فعند خروجه عن ذلك كان يجد خفة فى نفسه ويستريح.

واما ذو القعدة فسمى بذلك لانهم كانوا يقعدون فيه لكثرة الخصب فيه او يقعدون عن القتال

قال فى شرح التقويم انما سمى هذا الشهر بهذا الاسم لانه زمان يحصل فيه قعود مكة. والقعدة بفتح القاف وسطكون العين المهملة

قال ابن ملك قولهم ذو القعدة وذو الحجة يجوز فيهما فتح القاف والحاء وكسرهما لكن المشهور فى القعدة الفتح وفى الحجة الكسر.

واما ذو الحجة فسمى بذلك لانهم كانوا يحجون فيه

وقال فى كتاب عقد الدرر واللالى فى فضائل الايام والشهور والليالى تكلم بعض اهل العلم على معانى اسماء الشهور فقال كانت العرب اذا رأوا السادات تركوا العادات وحرموا الغازات قالوا المحرم. واذا مرضت ابدانهم وضعفت اركانهم واصفرت الوانهم قالوا صفر.

واذا نبتت الرياحين واخضرت البساتين قالوا ربيعين. واذا قلت الثمار وبرد الهواء وانجمد الماء قالوا جمادين. واذا ماجت البحار وجرت الانهار ورجبت الاشجار قالوا رجب. واذا تشعبت القبائل وانقطعت الوسائل قالوا شعبان. واذا حر الفضاء ورمضت الرمضاء قالوا رمضان. واذا ارتفع التراب وكثر الذباب وشالت الابل الاذناب قالوا شوال. واذا رأوا التجار قعدوا من الاسفار والمماليك والاحرار قالوا ذو القعدة. واذا قصدوا من كل فج ووج وكثر العج والثج قالوا ذو الحجة انتهى

{ منها } اى من تلك الشهور الاثنى عشر

{ اربعة حرم } واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. والحرم بضمتين جمع الحرام اى اربعة اشهر حرم يحرم فيها القتال جعلت انفس الاشهر حرما لكونها ازمنة لحرمة ما حل فيها من القتال وهو من قبيل اسناد الحكم الى ظرفه اسنادا مجازيا واجزاء الزمان وان كانت متشابهة فى الحقيقة الا انه تعالى له ان يميز بعض الامور المتشابهة بمزيد حرمة لم يجعلها فى البعض الآخر. كما ميز يوم الجمعة. ويوم عرفة بحرمة لم يجعلها فى سائر الايام حيث خصهما بعبادة مخصوصة تميزا بها عن سائر الايام. وكذا ميز شهر رمضان عن سائر الشهور بمزيد حرمة لم يجعلها لسائر الشهور. وميز بعض ساعات الليل والنهار بان جعلها اوقاتا لوجوب الصلاة فيها. وكما ميز الاماكن والبلدان وفضلها على سائر كالبلد الحرام والمسجد الحرام فخص اللّه تعالى بعض الاوقات وبعض الاماكن بمزيد التعظيم والاحترام فلا بعد فى تخصيص بعض الاشهر بمزيد الحرمة بان جعل انتهاك المحارم فيها اشد واعظم من انتهاكها فى سائر الاشهر ويضاعف فيها السيآت بتكثير عقوباتها ويضاعف فيها الحسنات بتكثير مثوباتها

وفى اسئلة الحكم فضل الاشهر والايام والاوقات بعضها على بعض كما فضل الرسل والامم بعضها على بعض لتبادر النفوس وتسارع القلوب الى ادراكها واحترامها وتتشوق الارواح الى احبائها بالتعبد فيها ويرغب الخلق فى فضائلها.

واما تضاعف الحسنات فى بعضها فمن المواهب اللدنية والاختصاصات الربانية

وفى الاسرار المحمدية ان اللّه تعالى اذا احب عبدا استعمله فى الاوقات الفاضلات بفواضل الاعمال الصالحات واذا مقته والعياذ باللّه شتت همه واستعمله بسيء الاعمال واوجع فى عقوبته واشد بمقته بحرمان بركة الوقت وانتهاك حرمته فليبذل المريد كل وسعه حتى لا يغفل عنها اى عن الاوقات الفاضلة فانها موسم الخيرات ومظانّ التجارات ومتى غفل التاجر عن المواسم لم يربح ومتى غفل عن فضائل الاوقات لم تنحج دع التكاسل تغنم قد جرى مثل [ كه زاد راهروان جستيست وجالا كى ]

واتفق اهل العلم على افضلية شهر رمضان لانه انزل فيه القرآن. ثم شهر ربيع الاول لانه مولد حبيب الرحمن. ثم رجب لانه فرد اشهر الحرم. ثم شعبان لانه شهر حبيب الرحمن مقسم الاعمال والآجال بين شهرين عظيمين رجب ورمضان ففيه فضل الجوارين العظيمين ليس لغيره.

ثم ذو الحجة لانه موطن الحج والعشر التى تعادل كل ليلة منها ليلة القدر. ثم المحرم شهر الانبياء عليهم السلام ورأس السنة واحد الاشهر الحرم ثم الاقرب الى افضل الاشهر من وجوه

{ ذلك } اى تحريم الاشهر الاربعة المعينة هو

{ الدين القيم } المستقيم دين ابراهيم واسماعيل عليهما السلام والعرب ورثوه منهما حتى احدثت النسيئ فغيروا

{ فلا تظلموا فيهن انفسكم } بهتك حرمتهن وارتكاب ما حرم فيهن

قال فى التبيان قال فى الاثنى عشر منها فوحد الضمير لانه للكثرة. وقال فى الاربعة فيهن فجمع الضمير لانه للقلة وسببه ان الضمير فى القلة للمؤنث يرجع بالهاء والنون وفى الكثرة يرجع بالهاء والالف لفرق بين القلة والكثرة والجمهور على ان حرمة القتال فيهن منسوخة واوّلوا الظلم بارتكاب المعاصى فيهن فان اعظم وزرا كارتكابها فى الحرم وفى خلال الاحرام يعنى ان هذه الاشهر الاربعة خصت بالنهى عن ظلم النفس فيها مع ان الظلم حرام فى كل وقت لبيان ان الظلم فيها اغلظ كأنه قيل فلا تظلموا فيهن خصوصا انفسكم

{ وقاتلوا المشركين كافة } مصدر كف فان مصدر الثلاثى قد يجيء على فاعله نحو عافية ومعناه معنى كل وجميع وهو منصوب على الحال اما من الفاعل وهو الواو فالمعنى قاتلوا جميعا المشركين اى مجتمعين على قتالهم متعاونين متناصرين ومن التعاون الدعاء بالنصرة اذ هو سلاح معنوى كما ان السيف سلاح صورى فمن تأخر ودعا فقلبه مجتمع بمن اقدم وغزا اذا التفرق الصورى لا يقدح فى الاجتماع المعنوى : كما قال الحافظ

درراه عشق مرحله قرب وبعد نيست ... مى بينمت عيان ودعا مى فرستمت

{ كما يقاتلونكم كافة } كذلك اى مجتمعين

واما من المفعول فالمعنى قاتلوا المشركين جميعا اى بكليتهم ولا تتركوا القتال مع بعضهم كما انهم يستحلون قتال جميعكم

واما منهما معها نحو ضرب زيد عمرا قائمين فان المصدر عام للتثنية والجمع فجميع المؤمنين يقاتل جميع الكافرين ويجوز ان يكون منصوبا على الظرف اى فى الحل والحرم وفى جميع الازمان فى الاشهر الحرم وفى غيرها والى الابد فان الجهاد مستمر الى آخر الزمان

{ واعلموا ان اللّه مع المتقين } اى معكم بالنصر والامداد فيما تباشرون من القتال وانما وضع المظهر موضعه مدحا لهم بالتقوى وحثا للقاصرين عليه وايذانا بلن المدار فى النصر كذا فى الارشاد

وقال القاضى هى بشارة وضمان لهم بالنصر بسبب تقواهم فان السلاح والدعاء لا ينفذان الا بالتقوى على مراتبها فكلمة التقوى هى كلمة الشهادة وبها بقى المؤمن نفسه وماله وعياله من التعرض فى الدنيا ومن العذاب فى العقبى ثم انها اذا قارنت بشرائطها الظاهرة والباطنة يحصل تقوى القلب وهو التخلى عن الاوصاف الذميمة ثم يحصل تقوى السر وهو التخلى عما سوى اللّه فمن كان للّه كان اللّه له بالنصرة والامداد

واعلم ان السيف سيفان سيف ظاهر وهو سيف الجهاد الصورى وسيف باطن وهو سيف الجهاد المعنوى فبالاول تنقطع عروق الكفرة الظاهرة الباغية وبالثانى عروق القوى الباطنة الطاغية والاول بيد مظهر الاسم الظاهر وهو السلطان وجنوده والثانى بيد مظهر الاسم الباطن وهو القطب وجنوده فنسأل اللّه تعالى ان ينصر سلطاننا بالاسم الممد والناصر المعين ويخذل اعدائنا بالاسم المنتقم والقهار وذى الجلال : وقد قال السعدى

دعاى ضعيفان اميدوار ... زبازوى مردى به آيد بكار

ففى الآية حث على المجاهدة مع الاعداء وفى الحديث ( القتل فى سبيل اللّه مصمصة ) اى مطهرة غاسلة من الذنوب يقال مصمص الاناء اذا جعل فقيه الاناء اذا جعل فيه الماء وحركه ومضمضه كذلك عن الاصمعى كذا فى تاج المصادر وفى الحديث ( ان ابواب الجنه تحت ظلال السيوف ) يعنى كون المجاهد فى القتال بحيث يعلوه سيوف الاعداء سبب للجنة حتى كان ابوابها حاضرة معه او المراد بالسيوف سيوف المجاهد هذا كناية عن الدنو من العدو فى الاضراب لانه اذا دنا منه كان تحت ظل سيفه حين رفعه ليضربه وانما ذكر السيوف لانها اكثر سلاح العرب ومن التقوى الاحتراز عن الرياء والسمعة فى حضور معارك الحروب ومحافل الدعاء : قال خسر والدهلوى

غازئ رسمى كه بغارت رود ... هست جوحاجى كه تجارت رود

آنكه غزا خوانى وجويى رضا ... كر غرضى هست نباشد غزا

رو بغزا دل غرض آلوده واى ... جهد خود است اين نه جهاد خذاى

والاشارة

{ ان عدة الشهور } اى تعديد عدة الشهور

{ عند اللّه } فى الازل

{ اثنا عشر شهرا فى كتاب اللّه } فى علم اللّه

{ يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم } يعنى اقتضت الحكمة الالهية الازلية ان يكون من الشهور يوم خلق السموات والارض اربعة اشهر حرم اى يعظم انتهاك المحارم فيها باشد مما يعظم فى غيرها بل هى اشهر الطاعات والعبادات محرمة فيها الشواغل الدنيوية والحظوظ النفسانية على الطلاب. وفيه اشارة الى ان ايام الطالب واوقات عمره ينبغى ان تصرف جملتها فى الطلب فان لم يتيسر له ذلك فثلثها واى فنصفها وان لم يكن فمحرم صرف ثلها فى غير الطالب ولا يفلح من نقص من صرف الثلث شيأ فى الطلب اذ لا بد له من صرف بعض عمره فى تهيئ معاشه ومعاش اهله وعياله ومن استغنى عن هذا المانع فمحرم عليه صرف لحظة من عمره فى غير الطلب وتوابعه كما قال

{ ذلك الدين القيم } اى المستقيم يعنى من صرف شيأ من عمره فى شئ غير طلب الحق ما استقام دينه بل فيه اعوجاج بقدر ذلك فافهم جدا ثم قال

{ فلا تظلموا فيهن انفسكم } اى فى ثلث العمر لان الاربعة هى ثلث الاثنى عشر يعنى ان صرفتم شيأ من ثلث اعماركم المحرم فى شئ من المصالح الدنيوية فقد ظلمتم انفسكم باستيلائها على القلوب والارواح عند غلبات صفاتها لانه مهما يكن صرف اكثر العمر فى الدنيا ومصالحها واستيفاء الحظوظ النفسانية تكون النفس غالبة على القلب والروح فتخالفهما وتنازعهما بجميع صفاتها الذميمة وتميل الى الدنيا وشهواتها وتعبد هواها فتكون مشركة باللّه فلهذا قال

{ وقاتلوا المشركين كافة } اى قلوبكم وصفاتها وارواحكم وصفاتها

{ كما يقاتلونكم كافة } اى النفوس وصفاتها جميعا ومقاتلة النفوس بمخالفتها وردعها عن هواها وكسر صفاتها ومنعها عن شهواتها وشغلها بالطاعات والعبادات واستعمالها فى المعاملات الروحانية والقلبية وجملتها التزكية عن الاوصاف الذميمة والتحلية بالاخلاق الحميدة ثم قال

{ واعلموا ان اللّه مع المتقين } وهم القلوب والارواح المتقية عن الشرك يعنى عن الالتفات لغير اللّه ولو لم يكن اللّه معهم بالنصر والتوفيق لما اتقوا باللّه عما سواه كذا فى التأويلات النجمية

٣٧

{ انما النسيئ } مصدره نسأه اى اخره كمس مسيسا كانت العرب اذا جاء شهر حرام وهم محاربون احلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الاشهر واعتبروا مجرد العدد

قال الكاشفى [ آورده اندكه طباع اهل جاهليت بقتل وغارت مستأنس شده بود ودرمهاى حرام قتال نميكردند وجون سه ماه متصل حرام بودبتنك آمده كفتند ماسه ماه بى دربى دربى تاراج وغارت تحمل بس قلمش كنانى صورتى برانكيخت ودرموسم نداكردوايستاده شد وخطبه خواند كه يا معشر العرب خداى شمارا درين محرم وحلال كردانيد وحرمت اورا تأخير كرد بماه صفر مردمان قول اورا قبول نمودند بازسال ديكر منادى فرمودكه خداى تعالى جرين سال محرم را حرام ساخت وصفررا حلال كردوكاه بودى كه در اثناى محاربات ايشان حرام نوشتى حرمت اورا تأخير كردندى بما هى بعد ازواورا حلال داشتتدى ودهر سالى جهاماه را حرام ميدانستند اما اختصاص اشهر حرم را فروكذاشته مجرد عددرا اختيار كردندى واعتبار داشتنتدى واين عمل را نسئ مى كفتند حق سبحانه وتعالى فرمود ]

{ انما النسيئ } اى انما تأخير حرمة شهر الى شهر آخر

{ زيادة } [ افزنيست ]

{ فى الكفر } لانه تحليل ما حرمه اللّه زتحريم ما حللّه فهو كفر آخر مضموم الى كفرهم وبدعة زائدة على بدع سائر الكفار

{ يضل } على بناء المفعول من اضل

{ به } [ بدين عمل ] وهو النسيء

{ الذين كفروا } والمضل هو اللّه تعالى اى يخلق فيهم الضلال عند مباشرتهم لمباديه واسبابه او الرؤساء فالموصول عبارة عن الاتباع اى الاتباع يضلون به باضلال الرؤساء او الشيطان فانه مظهر الاسم المفضل

يقول الفقير سمعت من حضرة شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة ان الشيطان والنفس والضلال امر واحد فى الحقيقة لكن الاول بحسب الشريعة والثانى بحسب الطريقة والثالث بحسب الحقيقة فلكل مقام تعبير لا يناسب تعبير المقام الآخر

{ يحلونه } اى الشهر المؤخر فالضمير الى النسيئ المدلول عليه بالنسيئ

{ عاما } من الاعوام ويحرمون مكانه شهرا آخر مما ليس بحرام

{ ويحرمونه } اى يحافظون على حرمته كما كانت والتعبير عن ذلك بالتحريم باعتبار احلالهم له فى العام الماضى

{ عاما } آخر اذا لم يتعلق بتغييره غرض من اغراضهم

{ ليواطئوا } المواطأة عبارة عن الموافقة والاجتماع على حكم اى ليوافقوا

قال الكاشفى [ تاموافق سازند وتمام كنند ]

{ عدة ما حرم اللّه } اى عدد ما حرمه من الاشهر الا اربعة فانهم كانوا يقولون الاشهر الحرم اربعة وقد حرمنا اربعة اشهر

{ فيحلوا ما حرم اللّه } اى يتواصلوا بهذه الحيلة الى احلال الشهر الذى حرمه اللّه بخضوصه من الاشهر المعينى فهم وان راعوا احد الواجبين وهو نفس العدد الا انهم تركوا الواجب الآخر وهو رعاية حكم خصوص الشهر

{ زين لهم سوء اعمالهم } اى جعل اعمالهم مشتهاة للطبع محبوبة للنفس والمزين هو اللّه تعالى فى الحقيقة او الشيطان او النفس على تفاوت المراتب

{ واللّه لا يهدى القوم الكافرين } هداية موصلة الى المطلوب البتة وانما يهديهم الى ما يوصل اليه عند سلوكه وهم قد اعرضوا عنه بسوء اختيارهم فتاهوا فى تيه الضلال [ در ينابيع آورده كه جاهلان عرب در سالى جهار ماه حرام ميداشتتد وخلق را ازدست وزبان خود ايمن ميساختند مؤمنان مؤدب بدان سزاوارترندكه درهمه ماهها مسلمانانرا ازضرر خودسالم دارند وايذا وآزار خلق بزبان ودست فروكذارندكه مجازات اضرار همان اضرارست ومكافات آزار آزار ]

آزار دل خلق مجو بى سببى ... تابر نكشند يا ربى نيمشى

برمال وجمال خويشتن تكيه مكن ... كانرا بشبى برند واين را به تبى

يقول الفقير سامحه اللّه القدير بلغت مسامحات الناس فى هذا الزمان الى حيث تساوت عندهم الاشهر الحرم وغيرها أما ترى اليهم فى شهر رمضان الذى جعله اللّه شهر هذه الامة المرحومة وفضله على سائر الشهور كيف لا يبالون من ارتكاب المحرمات فيه وامسكوا عنها فى النهار بسبب نوم او غيره من الموانع البشرية واكبوا عليها فى الليالى فوا أسفا على غربة هذا الدين وزوال انوار اليقين ومن اللّه التوفيق الى الاعمال المرضية خصوصا فى الاوقات الفاضلة نهار وليالى ثم ان النسيئ المذكور وقعت اليه الاشارة فى قوله عليه السلام ( لا عدوى ولا هامة ولا صفر ) اما العدوى فهو اسم من الاعداء كالدعوى من الادعاء وهو مجاورة العلة من صاحبها الى غيره وكانت العرب فى الجاهلية تعتقد ان الامراض تعدى بطبعها من غير اعتقاد تقدير اللّه لذلك. فالمعنى ليس نفى سراية العلة فان السراية والتعدية واقعة بل اضافتها الى العلة من غير ان يكون ذلك بفعل اللّه تعالى ويدل عليه السلام ( لا يورد ممرض على مصحح ) والممرض صاحب الابل المريضة والمصحح صاحب الابل الصحيحة والمراد النهى عن ايراد الابل المريضة على الصحيحة وهو من باب اجتناب الاسباب التى هى سبب البلاء اذا كان فى عافية منه فكما انه مأمور ان لا يلقى نفسه فى الماء او فى النار او يدخل تحت ما اشرف على الانهدام ونحوه مما جرت العادة بانه يهلك او يؤذى فكذلك مأمور بالاجتناب عن مقاربة المريض كالمجزوم والقدوم على بلد الطاعون فان هذه كلها اسباب المرض والتلف واللّه تعالى هو خالق الاسباب ومسبباتها ففى الامر بالاجتناب صيانة للمؤمن الضعيف يقينه لئلا يعتقد التأسير من الاسباب اى عند وقوع البلاء او يعتقد ان السراية كانت بالطبع لا بقضاء اللّه تعالى وقدره

واما اذا قوى التوكل على اللّه والايمان بقضائه وقدره فتجوز مباشرة بعض هذه الاسباب كما ورد ان النبى عليه السلام اكل مع مجذوم وقال

بسم اللّه ثقة اللّه توكلت على اللّه ونظيره ما روى عن خالد بن الوليد وعمر رضى اللّه عنهما من شرب السم وانما لم يؤثر فيهما لانهما انما شرباه فى مقام الحقيقة لا ببشريتهما وانما اثر فى النبى عليه السلام بعد تنزله الى حالة بشرية وذلك ان ارشاده عليه السلام كان فى عالم التنزل غير ان تنزله كان من مرتبة الروح وهى اعدل المراتب ولم يؤثر فيه حتى مضى عليه اثنا عشرة سنة فلما احتضر تنزل الى ادنى المراتب لان الموت انما يجرى على البشرية فلما تنزل الى تلك المرتبة اثر فيه فليفهم هذا المقام فانه من مزالق الاقدام.

واما قوله ( ولا هامة ) بالتخفيف ففيه تأويلان. احدهما ان العرب كانت تتشاءم بالهامة وهى الكير المعروف من طير الليل

وقيل هى البومة كانت اذا سقطت على دار احدهم قالوا نعت اليه نفسه او بعض اهله هذا تفسير مالك بن انس. والثانى ان العرب كانت تعتقد ان روح القتيل الذى لم يؤخذ بثاره تصير هامة فتنشر جناحيها عند قبره وتصحيح اسقونى اسقونى من دم قاتلى فاذا اخذ بثاره طارت

وقيل كانوا يزعمون ان عظام الميت اذا بليت تصير هامة ويسمونها الصدى بالفارسية [ كوف ] وتخرج من القبر وتتردد وتأتى الميت باخبار اهله وهذا تفسير اكثر العلماء وهو المشهور ويجوز ان يكون المراد النوعين وانه عليه السلام نهى عنهما جميعا

وفى فتاوى قاضى خان اذا صاحت الهامة فقال احد يموت رجل

قال بعضهم يكون ذلك كفرا وكذا لو رجع فقال ارجع لصياح العقعق كفر عن بعضهم.

واما قوله ( ولا صفر ) ففيه تأويلان ايضا. الاول ان الجاهلية كانت تعتقد ان فى الجوف حية يقال لها الصفر تعض كبد الانسان عضا اذا جاع. والثانى ان المراد تأخيرهم تحريم المحرم الى صفر وهو النسيء الذى كانوا يفعلونه ويحوز ان يكون المراد هذا والاول جميعا وان الصفرين جميعا بالطلان لا اصل لهما

وقيل كانوا يتشاءمون بصفر فنفاه النبى عليه السلام بقوله ولا صفر يحكى ان بعض الاعراب اراد السفر فى اول السنة فقال ان سافرت فى المحرم كنت جديرا ان احرم وان رحلت فى صفر خشيت على يدى ان نصر فاخر السفر الى شهر ربيع الاول فلما سافر مرض ولم يحظ بطائل فقال ظننته من ربيع الرياض فاذ هو من ربيع الامراض. وكانت وقعة صفين بين على ومعاوية غرة صفر سنة سبع وثلاثين قيل لذلك احترز عن صفر

قال فى روضة الاخبار ذهب الجمهور الى ان القعود فى صفر اولى من الحركة

عن النبى عليه السلام ( من بشرنى بخروج صفر ابشره بالجنة ) انتهى

يقول الفقير هذا الحديث لا يدل على مدعاة وهو اولوية القعود فى صفر فان النبى عليه السلام انما قال كذلك شغفا بشهر ولادته ووفاته وحبا لدخوله فان الانبياء والاولياء يستبشرون بالموت لكونه تحفة لهم ويتنظرون زمانه اذ ليس انتقالهم الا الى جوار اللّه تعالى وفى الحديث

( لا تسافروا فى محاق الشهر ولا اذا كان القمر فى العقرب ) وكان على يكره التزوج والسفر اذا نزل القمر فى العقرب وهو اسناد صحيح

قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان نحوسة الايام قد ارتفعت على المؤمنين بشرف نبينا عليه السلام

واما ما نقل عن على من انه عد سبعة ايام فى كل شهر نحسا فعلى تقدير صحة النقل محمول على نحوسة النفس والطبيعة فليست السعادة والشقاوة الا لسعادتهما وشقاوتهما فاذا خلصتا من الشقاوة لم يبق نحوسة انتهى

قال فى عقد الدرر واللآلى وكثير من الجهال يتشاءم من صفر وربما ينهى عن السفر والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهى عنها وكذا التشاؤم بيوم من الايام كيوم الاربعاء وايام العجائز فى آخر الشتاء وكذا شتاؤم اهل الجاهلية بشوال فى النكاح فيه خاصة. وقد قيل ان طاعونا وقع فى شوال فى سنة من السنين فمات فيه كثير من العرائس فتشاءم بذلك اهل الجاهلية وقد ورد الشرع بابطاله قالت عائشة رضى اللّه عنها تزوجنى رسول اللّه فى شوال وبنى بى فى شوال فاى نسائه كان احظى عنده منى فتخصيص الشؤم بزمان دون زمان كصفر او غيره غير صحيح وانما الزمان كله خلق اللّه تعالى وفيه تقع اعمال بنى آدم فكل زمان اشتغل فيه المؤمن بطاعة اللّه فهو زمان مبارك وكل زمان اشتغل فيه بمعصية اللّه فهو مشئوم عليه فالشؤم فى الحقيقة هو المعصية كما قال ابن مسعود رضى اللّه عنه ان كان الشؤم فى شيء ففيما بين اللحيين يعنى اللسان وفى الحديث ( الشؤم فى ثلاث فى المرأة والدار والفرس ) وتفسيره ان شؤم المرأة اذا كانت غير ولود وشؤم الدار جار السوء فان المرء يتأذى به كما جاء فى الحديث ( ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين فان الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحى بجار السوء ) وشؤم الفرس اذا لم يغز عليه فى سبيل اللّه فان الخيل ثلاثة فرس للرحمن وفرس للانسان وفرس للشيطان فهو ما وهن عليه وقومر

٣٨

{ يا ايها الذين آمنوا } شروع فى بيان غزوة تبوك وهى ارض بين الشام والمدينة ويقال لها غزوة العسرة ويقال لها الفاضحة لانها اظهرت حال كثير من المنافقين -وروى- انه عليه السلام لما فتح مكة وغزا هوازن وثقيفا بحنين واوطاس وحاصرالطائف وفتحها واتى الجعرانة واحرم بها للعمرة واعتمر ثم اتى المدينة فامر بالخروج الى غزوة الروم قبل الشأم وذلك فى شهر رجب سنة تسع بلغه عليه السلام ان الروم قد جمعت له جموعا كثيرة بالشأم وانهم قدموا مقدماتهم الى البلقاء المحل المعروف

وقيل للروم بنوا الاصفر لانهم ولد روم بن العيص بن اسحق نبى اللّه عليه الصلاة والسلام وكان يسم الاصفر لصفرة به. فقد ذكر العلماء باخبار القدماء ان العيص تزوج بنت عمه اسماعيل فولدت له الروم وكان به صفرة فقيل له الاصفر

وقيل الصفرة كانت بابيه العيص وكان ذلك فى زمان عسرة من الناس وجدب فى البلاد وشجة من الحر حن طابت ثمار المدينة وانعت واستكملت ظلالها وطالت المسافة بينهم وبين العدو فشق عليهم الخروج فانزل اللّه تعالى هذه الاية وقال ايها لمؤمنون

{ مالكم } استفهام فى اللفظ وانكار وتوبيخ فى المعنى

{ اذا قيل لكم } من طرف رسول اللّه الآمر بامر اللّه

{ انفروا فى سبيل اللّه } [ بيرون رويد جرراه خداى تعالى وجهاد كنيد ] ومعناه بالعربية اخرجوا الى الغزو يقال نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا اذا خرجوا الى مكان لمصلحة توجب الخروج والقوم الذين يخرجون يقال لهم النفير واستنفر الامام الناس لجهاد العدو اى طلب منهم الخروج الى الغزو وحثهم عليه

{ اثاقلتم } اصله تثاقلتم وهو ماض لفظا مضارع معنى لانه حال من مالكم

{ اى الارض } متعلق باثاقلتم على تضمينه معنى الميل والاخلاد. والمعنى اى سبب وغرض حصل لكم واستقر اذا قيل لكم ذلك كنتم متثاقلين اى مائلين الى الدنيا وشهواتها الفانية عما قريب وكرهتم مشاق السفر والجهاد المستتبعة للراحة الخالدة فالارضهى الدنيا وشهواتها

وقيل ملتم الى الاقامة بارضكم ودياركم

{ أرضيتم } باستفهام التوبيخ [ آياراضى شديد وخوشدل كشتنيد ]

{ بالحيوة الدنيا } ولذاتها من الثمار والظلال

{ من الاخرة } اى بدل الآخرة ونعيمها فكلمة من بمعنى البدل كما فى قوله تعالى

{ جعلنا منكم ملائكة } اى بدلكم

{ فما متاع الحيوة الدنيا } اى فما التمتع بها وبلذائذها

{ فى الآخرة } اى فى جنب الآخرة

{ الا قليل } اى مستحقر لا يعتد به لان متاع الدنيا فان معيوب ومتاع الآخرة باق مرغوب -روى- انه عليه السلام قال ( واللّه ما الدنيا فى الآخرة الا مثل ما يجعل احدكم اصبعه هذه فى اليم فلينظر بم يرجع )

٣٩

{ الا } كلمتان للشرط ولا للنفى اى ان لم

{ تنفروا } تخرجوا الى الغزو

{ يعذبكم } اى اللّه تعالى

{ عذابا اليما } وجيعا لابدانكم وقلوبكم اى يهلككم بسبب فظيع كقحط وظهور عدو

{ ويستبدل } بكم من اهلاككم ولا ارحتمكم كاهل اليمن وابناء فارس

{ ولا تضروه } اى اللّه تعالى بترك الجهاد

{ شيأ } اى لا يقدح تثاقلكم فى نصرة دينه اصلا فانه الغنى عن كل شيء فى كل شيء

{ واللّه على كل شيء قدير } فيقدر على اهلاككم والاتيان بقوم آخرين

واعلم ان البطالة تقسى القلب كما جاء فى الحديث [ زيرا مرد بايد معاد بشغل مشغول باشد يابشغل معاش ازوجه مباح تا در شغل شود ونه بآن بى كارماند وازبى كارى سياه دل وسخت طبع شود ] فلا بد من الحركة فان البركات فى الحركة الحضرية والسفرية على نوعين سفر الدنيا وسفر الآخرة وفى كليهما مشقة وان كان الثانى اشق وفى الحديث ( لسفر قطعة من العذاب ) [ بعض مشايخ كفته اندكه اكر نه آنستى كه لفظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نشايد كردانيدن من كفتمى السفر قطعة من السقر وبيغمبر عليه السلام سفررا باره ازدوزخ كفت ازمرك نكفت زيراكه درمرك رنج تن باشد رنج دل نبود ودر سفر رنج دل وتن باشد وحجاج كفتى كه اكر نه شادى بخانه آمدن بودى كه مسافر جون بخانه وسد همه رنج سفر فراموش كند من مردمانرا نكشتمى بسفر عذاب دادمى ] ومن شفر الدين الخروج الى الغزو وفى الحديث ( لغدوة فى سبيل اللّه ) وهو الذهاب فى اول النهار ( او روحة ) وهو الذهاب فى آخره ( خير من الدنيا وما فيها ) يعنى ان فضل الغدوة والروحة فى سبيل اللّه وثوابهما خير من نعيم الدنيا باسرها لانه زائل ونعيم الآخرة باق وحق الجهاد ان ينوى نصرة الدين بقهر اعداء اللّه وبذل النفوس فى رضاه تعالى ويكثر ذكره تعالى ويكف عن ذكر النساء والاولاد والاموال والموطن فهو يفتره فالجهاد بهذا الوجه افضل الاعمال [ على مرتضى رضى اللّه عنه كويدكه معصيت غازيان زيان ندارد وطاعت سخن جينان سود ندارد ودعاى مخنث نشنوند ونماز خمر خواره نبذيرند ] فعلى المرء ان يغتنم ايام وحياته ويجتهد فى تحصيل مرضاة ربه وفى الحديث ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) شبه النبى عليه السلام المكلف بالتاجر والصحة والفراغ برأس المال لانها من اسباب الارواح ومقدمات نيل النجاح فمن عامل اللّه تعالى بامتثال اوامره يربح كما قال تعالى

{ هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون فى سبيل اللّه باموالكم وانفسكم } ومن عامل الشيطان باتباعه يضيع رأسه ماله ولا ينفعه ندم باله وفى امتثال امر اللّه عاقبة حميدة اذرب شيء تكرهه النفس كالجهاد وهو عند اللّه محبوب فبترك الراحة واختيار المشقة ينال العبد امانيه الدنيوية والاخروية والتوفيق اليه من اللّه تعالى وليس كل احد من لا يبالى بانتقاص دنياه اذا كان التكامل فى طرف دينه : قال الحافظ

حام راطاقت بروانه برسوخته نيست ... نازكانرا نرسد شيوه جان افشانى

ثم اعلم انه كما قال تعالى يستبدل بذوات ذواتا اخر كذلك يستبدل بصفات اخر فالذاهب خلف مشتهياته والتابع لهواه فى كل حركاته وسكناته يهلك فى وادى الطبيعة والنفس ولا يصل الى مقامات رجال عالم القدس والانس ولا يتفق له معهم الصحبة فى مقالهم ومقامهم وحالهم اذ بينهما بون بعيد من حيث ان صفاته النفس واحواله احوال الطبيعة وصفاتهم صفات الروح واخلاقهم اخلاق اله ولذا يحشر كثير من الناس فى صوة صفاته الغالبة المذمومة الا ان يتداركه اللّه تعالى بفضله ويكسوه كسوة الوجود الانساني على الحقيقة

٤٠

{ الا تنصروه } ان لم تنصروا محمدا فى غزوة تبوك

{ فقد نصره اللّه } فسينصره اللّه كما نصره

{ اذا اخرجه الذين كفروا } اى تسببوا لخروجه بان هموا بقتله والا فهو عليه السلام انما خرج باذن اللّه تعالى وامره لا باخراج الكفرة اياه

{ ثانى اثنين } حال من ضميره عليه السلام اى احد اثنين من غر اعتبار كونه عليه السلام ثانيا فان معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع اربعة ونحو ذلك احد هذه الاعداد مطلقا لا الثالث والرابع خاصة والاثنان ابو بكر ورسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم

{ اذ هما فى الغار } بدل من اذ اخرجه بدل البعض اذ المراد به زمان متسع والغار ثقب فى اعلى ثور وثور جبل فى يمنى مكة على مسير ساعة

وقال فى التبيان على فرسخين او نحوهما

وفى القاموس ويقال له ثور اطحل واسم الجبل اطحل نزله ثور بن عبد مناة فنسب اليه

وفى انسان العيون وانما قيل للجبل ذلك لانه على صورة الثور الذى يحرث عليه -وتحرير القصة- انه لما ابتلى المسلمون باذى الكفار اذن صلى اللّه عليه وسلم لهم فى الهجرة وقال ( انى رأيت دار هجرتكم ذات نخيل بين لابتين ) وهما الحرتان وقال ( انى لا ارجو ان يؤذن لى فى الهجرة اليها ) فقال ابو بكر وهل ترجو ذلك بابى انت قال ( نعم ) فحبس ابو بكر نفسه على رسول اللّه ليصحبه عند هجرته فلم يتخلف الا هو وعلىّ وصهيب ومن كان محبوسا او مريضا او عاجزا عن الخروج فابتاع ابو بكر بعد هذا المقال النبوى راحلتين بثمانمائة ردهم فحبسهما فى داره يعلفهما الخبط اعدادا لذلك والخبط محركة ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق او غيره ويعجن بالماء فتوجره الابل اى تأكله فكانتا عنده قريبا من ثلاثة اشهر لان الهجرة كانت فى ذى الحجة ومهاجرته عليه السلام كانت فى ربيع الاول ولما رأت قريش قوة امر رسول اللّه حيث بايعه الاوس والخزرج وصار له انصار فى القبائل والاقطار خافوا من ان يخرج ويجمع الناس على حربهم وقد وقعوا فيما خافوا منه ولو كان بعد حين ونعم ما قيل اذا ادبر الامر كان العطب فى الحيلة فاجتمعوا فى دار الندوة ليتشاوروا فى امره عليه السلام ودار الندوة هى اول دار بنيت بمكة كانت منزل قصى بن كلاب وكانت جهة الحجر عند مقام الحنفى الآن وكان لها باب للمسجد

وقيل لها دار الندوة وهى الجماعة فيها وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة لانه اجتمع فيه اشراف بنى شمس وبنى نوفل وبنى عبد الدار والحجى احد وكانت مشاورتهم فى يوم السبت فقد سئل صلى اللّه عليه وسلم عن يوم السبت فقال

( يوم مكر وخديعة ) قالوا ولم يا رسول اللّه قال ( ان قريشا ارادوا ان يمكروا فيه ) وجاء اليهم ابليس فى صورة شيخ نجدى وقال انا من اهل نجد وانما قال ذلك لان قريشا قالوا يدخلن معكم فى المشاورة احد من اهل تهامة لان هواهم كان مع محمد فعند لك قالوا هو من اهل نجد لا من مكة فلا يضركم حضوره معكم وعند المشورة

قال بعضهم بالحبس وبعضهم بالنفى كما بين فى تفسيره قوله تعالى

{ واذ يمكر بك الذين كفروا } فى سورة الانفال فمنعه ابليس واتفقت آراؤهم على قول ابى جهل وهو ان يخرجوا اليه من كل قبيلة من قريش شابا جليدا اى قويا بسيف صارم ويقتلوه فيفرق دمه فى القبائل بحيث لا يقدر بنوا عبد مناف على حرب قومهم جميعا فيرضون بالدية واستحسن الشيخ النجدى هذا الرأى وتفرقوا عن تراض فلما امسى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اتاه جبريل فاخبره بمكر قريش وامره بمفارفة عن تراض فلما امسى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اتاه جبريل فاخبره بمكر قريش وامره بمفارقة مضجعه تلك الليلة فلما علم ما يكون منهم قال لعلى رضى اللّه عنه ( نم على فراشى واتشح بردائى هذا الحضرمى فانه لن يخلص اليك شيء تكرهه منهم ) وكان عليه السلام يشهد العيدين فى ذلك الرداء وكان طوله اربعة اذرع وعرضه ذراعين وشبرا وهل كان اخضر او احمر يدل للثانى قول جابر رضى اللّه عنه كان يلبس رداء احمر فى العيدين والجمعة

وفى سيرة الحافظ الدمياطى وارتد بردائى هذا الاحمر والحضرمى منسوب الى حضرموت التى هى القبيلة او البلدة باليمن كان عليه السلام يتسجى بذلك البرد عند نومه وانما امر عليا رضى اللّه عنه ان يضطجع على فراشه ليمنعهم سواد علىّ عن طلبه حتى يبلغ وهو صاحبه الى ما امره اللّه ان يبلغا اليه فلما مضى عتمة من الليل اى الثلث الاول منه اجتمعوا على باب رسول اللّه وكانوا مائة فجعلوا يتطلعون من شق الباب ويرصدون متى ينام فيثبون عليه فيقتلونه فخرج عليه السلام عليهم وهم ببابه وقرأ قوله تعالى

{ يس والقرآن الحكيم } الى قوله

{ فاغشيناهم فهم لا يبصرون } فاخذ اللّه ابصارهم عنه عليه السلام فلم يبصروه حتى خرج من بينهم. وعن النبى عليه السلام انه ذكر فى فضل يس انها ( اذا قرأها خائف امن او جائع شبع او عار كسبى او عاطش سقى او سقيم شفى ) وعند خروجه عليه السلام اخذ حفنة من تراب فذرها عليهم فاتاهم آت فقال ما تنتظرون قالوا محمدا قال قد خيبكم اللّه واللّه خرج عليكم محمد ثم ما ترك رجلا منكم الا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته فما ترون ما بكم فوضع كل رجل منهم يده على رأسه ترابا وانطلق لحاجته فما ترون بكم فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فاذا عليه تراب فدخلوا على علىّ فقالوا له يا على اين محمد فقال لا ادرى اين ذهب وكان قد انطلق الى بيت ابى بكر باشارة جبرائيل عليه السلام فلما دخل عليه قال

( قد اذن لى فى الخروج ) فقال ابو بكر الصحبة يا رسول اللّه بابى انت اى اسألك الصحبة قال ( نعم ) فبكى ابو بكر سرورا وللّه در القائل

ورد الكتاب من الحبيب بانه ... سيزورنى فاستعبرت اجفانى

هجم السرور على حتى انه ... من فرط ما قد سرنى ابكانى

يا عين صار الدمع عندك عادة ... تبكين من فرح ومن احزان

قال ابو بكر فخذ بابى انت احدى راحلتى هاتين فانى اعددتهما للخروج فقال عليه السلام ( نعم بالثمن ) وذلك لتكون هجرته عليه السلام الى اللّه بنفسه وماله والا فقد انفق ابو بكر رضى عنه على رسول اللّه اكثر ماله. فعن عائشة رضى اللّه عنها اربعين الف درهم. وفى رواية اربعين الف دينار هى الناقة القصوى او الجدعاء وقد عاشت بعده عليه السلام وماتت فى خلافة ابى بكر

واما ناقته عليه السلام الغضباء فقد جاء ان ابنته فاطمة رضى اللّه عنها تحشر عليها ثم استأجر رسول اللّه وابو بكر رجلا من بنى الدئل وهو عبد اللّه بن اريقط ليدلهما على الطريق للمدينة وكان على دين قريش فدفعا اليه راحلتيهما وواعداه غار جبل ثور بعد ثلاث ليال ان يأتى بالراحلتين صباح الليلة الثالثة فمكث عليه السلام فى بيت ابى بكر الى الليلة القابلة فخرجا الى طرف الغار وجعل ابو بكر يمشى مرارة امام النبى ومرة خلفه فسأله رسول اللّه عن ذلك فقال يا رسول اذكر الرصد فاكون امامك واذك الطلب فاكون خلفك لاكون فداءك فمشى عليه السلام ليلته على اطراف اصابعه اى لئلا يظهر اثر رجليه على الارض حتى حفيت رجلاه فلما رآهما ابو بكر قد حفيتا حمله على كاهن وجعل يشتد به حتى اتى فم الغار فانزله وفى رواية كانت قدما رسول اللّه قد قطرتا دما ويشبه ان يكون ذلك من خشونة الجبل والا فبعد المكان لا يحتمل ذلك ولعلهم ضلوا عن طريق الغار معروفا بالهوام فلما اراد رسول اللّه دخوله قال له ابو بكر مكانك يا رسول حتى استبرئ الغار فدخل واستبرأه وجعل يسد الحجرة بثيابه خشية ان يخرج منها شيء يؤذيه اى رسول اللّه فبقى جحر وكان فيه حية فوضع رضى اللّه عنه عقبه عليه ثم دخل رسول اللّه فجعلت تلك الحية تلسعه وصارت دموعه تنحدر فتفل رسول اللّه على محل اللدغة فذهب ما يجده وقال بعضهم والسر فى اتخاذ رافضة العجم اللباد المفضض على رؤسهم تعظيما للحية التى لدغت ابا بكر فى الغار وذلك لانهم يزعمون ان ذلك على صورة تلك الحية ولما دخل رسول اللّه وابو بكر الغار امر اللّه شجرة وهى التى يقال لها القتاد

وقيل ام غيلان فنبتت فى وجه الغار فسترته بفروعها ويقال انه عليه السلام دعا تلك الليلة الشجرة وكانت امام الغار فاقبلت حتى وقفت على باب الغار وانها كانت مثل اقامة الانسان

وقال الحدادى وكان عليه السلام مر على ثمامة وهى شجرة صغيرة ضعيفة فامر ابا بكر ان يأخذها معه فلما صار الى باب الغار امره ان يجعلها على باب الغار وبعث اللّه العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجا متراكما بعضه على بعض كنسج اربع مسنين كما قال فى القصيدة البردية

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ... خير البرية لم تنسج ولم تحم

اى ظنوا ان الحمام ما وكر وما باض على باب الغار الذى فيه خير البرية وظنوا ان العنكبوت لم تنسج ولم تحم اى لم تطف من حام حوله اى طاف ودار فهو من قبيل علفتها تبنا وماء باردا : وقال المولى الجامى

شد دوسه تارى كه عنكبوت تنيد ... بر دران غار برده دار محمد

وقد نسج العنكبوت ايضا على نبى اللّه داود عليه السلام لما طلبه جالوت. ونسج ايضا على عورة سيدنا زيد بن على بن الحسين بن ابى طالب وهو اخو الامام محمد الباقر وعم جعفر الصادق وقد كان يوسف بن عمر الثقفى امير العراقين من قبل هشام بن عبد الملك صلبه عريانا للخروج عليه وذلك فى سنة ست وعشرين ومائة واقام مصلوبا اربع سنين

وقيل خمس سنين فلم تر عورته

وقيل بطنه الشريف ارتخى على عورته فغطاها ولا مانع من وجود الامرين وكانوا عند صلبه وجهوده الى غير القبلة فدارت خشبته التى عليها الى ان صار وجهه الى القبلة ثم احرقوا خشبته وجسده رضى اللّه عنه قال العلماء ويكفى للعنكبوت شرفا نسجها على الغار ونهى النبى عليه السلام يومئذ عن قتل العنكبوت وقال ( انها جند من جنود اللّه تعالى ) قال فى المثنوى

جمله ذرات زمين وآسمان ... لشكر حقنده كاه امتحان

واما قوله عليه السلام ( العنبكوت شيطان فاقتلوه ) وفى لفظ ( العنكبوت شيطان مسخه اللّه فاقتلوه ) فان صح فلعله صدر قبل وقعة الغار فهو منسوخ. وعن على طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فان تركه فى البيوت يورث الفقر وهذا لا يقدح فى شرفها

وذكره فى حياة الحيوان ان ما تنسجه العنكبوت يخرج من خارج جلدها لا من جوفها. ومن خواصها انها اذا وضع نسجها على الجراحة الطرية فى ظاهر البدن حفظها بلا ورم ويقطع سيلان الدم اذا وضع عليه والعنكبوت التى تنسج على الكنيف اذا علقت على المحموم يبرأ قاله ابن زهير.

وامر اللّه تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وباضتا وبارك عليه السلام على الحمامتين وانحدرتا فى الحرم وهل حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين اولا ففيه اختلاف والظاهر انه ليس من نسلهما لانه روى فى قصة نوح عليه السلام انه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الارض ووقعت بوادى الحرم فاذا الماء قد نضب من موضع الكعبة وكانت طينتها حمراء فاختضبت رجلها ثم جاءته فمسح عنقها وطوّقها طوقا وهب لها الحمرة فى رجليها واسكنها الحرم ودعا لها بالبركة. وذكر ان حمام مكة اظلته عليه السلام يوم فتحها فدعا لها بالبركة. وكان المسيح عليه السلام يقول لاصحابه ان استطعتم ان تكونوا بلهاقى اللّه مثل الحمام فافعلوا وكان يقال انه ليس شيء ابله من الحمام انك تأخذ فرخه من تحته فتذبحه ثم يعود الى مكانه ذلك فيفرخ فيه ومن طبعه انه يطلب وكره ولو ارسل من الف فرسخ يحمل الاخبار ويأتى بها من المسافة البعيدة فى المدة القريبة كما قال فى المغرب الحمام بارض العراق والشام تشترى باثمام غالية وترسل من الغايات البعيدة يكتب الاخبار فتؤديها وتعود بالاجوبة

قال الجاحظ لولا الحمام لما عرف بالبصرة ما حدث بالكوفة فى بياض يوم واحد واليه الاشارة فى اشعار البلغاء : كما قال المولى جلال الدين قدس سره فى المثنوى

رقعه كر برّ مرغى دوختى ... برّ مرغ ازتفّ رقعه سوختى

قال السلطان سليم الاول يعنى فاتح مصر

مرغ جشم من كه بروازش بجزسوى تونيست ... بسته ام از اشك صد جانامه شوقش ببال

وقال فى حياة الحيوان اتخاذ الحمام للبيض والفراخ وللانس ولحمل الكتب جائز بلا كراهة

واما اللعب بها والتطير والمسابقة فقيل يجوز لانه يحتاج اليها فى الحرب لنقل الاخبار والاصح كراهيته فان قامر بالحمام ردت شهادته

ولما فقد المشركون رسول اللّه شق عليهم ذلك وخافوا وطلبوه بمكة اعلاها واسفلها وبعثوا القافة اى الذين يقفون الاثر فى كل وجه ليقفوا اثره فوجده الذى ذهب الى جبل ثور وهو علقمة بن كرز اسلم عام الفتح اثره انتهى الى الغار فقال ههنا انقطع الاثر ولا ادرى اخذ يمينا ام شمالا ام صعد الجبل وكان عليه السلام شئن الكفين والقدمين يقال شئت كفه شثنا وشثونة خشنت وغلظت فهو شثن الاصابع بالفتح كذا فى القاموس فاقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وسيوفهم فلما انتهوا الى فم الغار قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال امية بن خلف وما اربكم اى حاجتكم الى الغار ان عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد ولو دخل لما نسج ذلك العنكبوت وتكسر البيض وعند ما حاموا حول الغار حزن ابو بكر رضى اللّه عنه خوفا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما قال تعالى

{ اذ يقول } بدل ثان او ظرف ثان والقائل هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{ لصاحبه } وهو ابو بكر الصديق ولذلك قالوا من انكر صحبة ابى بكر فقد كفر لانكاره ملام اللّه تعالى وكذا الروافض اذا كانوا يسبون الشيخين اى ابا بكر وعمر رضى اللّه عنهما ويلعنوهما يكفرون واذا كانوا يفضلون عليا عليهما يكونون مبتدعين والمبتدع صاحب الكبيرة والبدعة الكبيرة كما فى هدية المهديين وعن ابى بكر رضى اللّه عنه انه قال لجماعة ايكم يقرأ سورة التوبة قال رجل انا اقرأ فلما بلغ الى قوله اذ يقول لصاحبه الآية بكى رضى اللّه عنه وقال انا واللّه صاحبه

{ لا تحزن } ولم يقل لا تخف لان حزنه على رسول اللّه يغفله عن حزنه على نفسه وهذا النهى تأنيس وتبشير له كما فى قوله تعالى له عليه السلام

{ ولا يحزنك قولهم } وبه يرد ما زعمته ان ذلك كان غضبا من ابى بكر وذما له لان حزنه ان كان طاعة فالنبى عليه السلام لا ينهى عن الطاعة فلم يبق الا انه معصية كذا فى انسان العيون

{ ان اللّه معنا } بالعون والعصمة والمراد بالمعية الولاية التى لا تحوم حولها شائبة من الحزن وما هو المشهور من اختصاص مع بالمتبوع فالمراد ما فيه من المتبوعية فى الامر المباشر وتأمل الفرق بين قوله عليه السلام

{ ان اللّه معنا } وبين قول موسى عليه السلام

{ ان معى ربى } كيف تجده دقيقا واللّه الهادى -روى- ان المشركين لما طلعوا فوق الغار وعلوا على رؤسهما اشفق ابو بكر على رسول اللّه عليه السلام فقال عليه السلام ( ما ظنك باثنين اللّه ثالثهما ) فاعماهم اللّه عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه وذكر ان ابا بكر لما قال للنبى عليه السلام لو ان احدهم نظر الى قدميه لابصرنا قال له النبى عليه السلام ( لو جاؤنا من ههنا لذهبنا من ههنا ) فنظر الصديق الى الغار فاذا هو قد انفرج من الجانب الآخر واذا البحر قد اتصل به وسفين مشدودة الى جانبه

قال ابن كثير وهذا ليس بمنكر من حيث القدرة العظيمة

وفى الآية دلالة على علو طبقة الصديق وسابقة صحبته وهو ثانى رسول اللّه فى عالم الارواح حين خرج من العدم وثانيه حين خرج مهاجرا وثانيه فى الغار وثانيه فى الخلافة وثانيه فى القبر بعد وفاته وثانيه فى انشقاق الارض عنه يوم البعث وثانيه فى دخول الجنة كما قال عليه السلام ( اما انك يا ابا بكر اول من يدخل الجنة من امتى ) وقال ايضا ( الا ابشرك ) قال بلى بابى انت وامى قال ( اناللّه عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة ويتجلى لك خاصة )

-وروى- ان ابا بكر عطش فى الغار فقال عليه السلام ( اذهب الى صدر الغار فاشرب ) فانطلق ابو بكر الى صدر الغار فوجد ماء احلى من العسل وابيض من اللبن واذكى رائحة من المسك فشرب منه فقال عليه السلام ( ان امر الملك الموكل بانهار الجنة ان يخرق نهرا من جنة الفردوس الى صدر الغار لتشرب يا ابا بكر ) قال ابو بكر يا رسول اللّه ولى عند اللّه هذه المنزلة فقال عليه السلام ( نعم وافضل والذى بعثنى بالحق لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان عمله عمل سبعين نبيا )

{ فانزل اللّه سكينته } امنته التى تسكن عندها القلوب

وقال الكاشفى [ رحمت خودرا كه سبب آرامش است ]

{ عليه } اى على النبى عليه السلام فالمراد بها ما لا يحوم حوله شائبة الخوف اصلا او على صاحبه وهو الاظهر اذ هو المنزعج وكان رسول اللّه ساكنا على طمأنينة من امره واليه اشار الشيخ فريد الدين العطار قدس سره

خواجه اول كه اول يار اوست ... ثانى اثنين اذ هما فى الغار اوست

جون سكينه شد زحق منزل برو ... كشت مشكلهاى عالم حل برو

وقال سعدى جلبى المفتى فى حواشيه بل الاول هو الاظهر المناسب للمقام وانزال السكينة لا يلزم ان يكون لرفع الانزعاج بل قد يكون لدفعه كما سبق فى قصة حنين والفاء للتعقيب الذكرى انتهى. وفى مصحف حفصة

{ فانزل اللّه سكينته عليهما } { وايده } اى قوىّ النبى عليه السلام

{ بجنود لم تروها } وهم الملائكة النازلون يوم بدر والاحزاب وحنين ليعينوه على العدو والجملة معطوفة على نصره تعالى

{ وجعل كلمة الذين كفروا السفلى } يعنى جعل اللّه الشرك مقهورا مغلوبا ابدا الى يوم القيامة او دعوتهم الى الكفر : يعنى [ دعوت كفررا كه ازايشان صادر مى شد خوار وبيمقدار ساخت

{ وكلمة اللّه } اى التوحيد او الدعوة الى الاسلام وهى بالرفع على الابتداء

{ هى } ضمير فصل دفع توهم انه قد يفوق غير كلمة اللّه

{ العليا } الى يوم القيامة وهو خبر المبتدأ وجعل اللّه ذلك بان اخرج رسوله من بين الكفر. وقرأ يعقوب كلمة اللّه بالنصب عطفا على كلمة الذين وهو ضعيف لانه يشعر بان كلمة اللّه كانت سفلى ثم صارت عليا وليس كذلك بل هى عالية فى نفسها ابدا. وفى مناظرات المكى لو قال احد وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة اللّه وقطع ولم يقل وكلمة اللّه هى العليا كان كافرا ان كان عمدا

{ واللّه عزيز } [ وخداى تعالى عاليست عزيز كند اهل توحيدرا ]

{ حكيم } فى امره وتدبيره وحكمه

قال الكاشفى [ داناست خوارساز داهل كفررا ومقصود ازايراد قصه غاردر اثناى امر بغزوة تبوك آنست كه اكرشما اى كارهان جهاد يارى نكنيد بيغمبر مرا من اورا يارى كنم جنانجه در آن محل كه با او يك كس بيش نبود تمام صناديد قريش بقصد او برخواسته بودند من اورا يارى كردم وازميان دشمنانش بسلامت بيرون آوردم بس مفتاح نصرت بقبضه منست : وما النصر الا من عند اللّه

يارى ازمن جو نه ازخيل وسباه ... راز بامن كوى نه بامير وشاه

هركرا يارى كنم برتر شود ... هركرا دور افكنم ابتر شود

وتمام القصة انه لما انصرف قريش من الغار وايسوا منهما ارسلوا لاهل السواحل ان من اسر او قتل احدهما كان له مائة ناقة وفى رواية مائتان ومكثا فى الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد اللّه بن ابى بكر وهو غلام يعرف يأتيهما حتى يختلط الظلام ويخبرهما بما وعاه من اخبار اهل مكة ويدلج من عندهما بفجر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فى بيته وكان عامر بن فهيرة مولى ابى بكر يرعى لابى بكر اغناما له نهاره ثم يروح عليهما فيحلبها لهما وان كانت اسماء بنت ابى بكر تأتيهما اذا امست بطعامهما وشرابهما فلما طلع صبح الليلة الثالثة اتى الدليل بالراحلتين فركباهما وانطلقا معهما عامر بن فهيرة مولى ابى بكر يرعى لابى بكر اغناما له نهاره ثم يروح عليهما فيحلبها لهما وكانت اسماء بنت ابى بكر تأتيهما اذا مست بطعامهما وشرابهما فلما طلع صبح الليلة الثالثة اتى الدليل بالراحلتين فركباهما وانطلقا نحو المدينة وانطلق معهما عامر بن فهيرة رديفا لابى بكر وانزل اللّه عليه

{ وقل رب ادخلنى مدخل صدق واخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا } قال زيد بن اسلم جعل اللّه له مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة وسلطانا نصيرا الانصار رضى اللّه عنهم ولما خرج من مكة التفت اليها وبكى وقال ( انى لاخرج منك وانى لاعلم انك احب بلاد اللّه واكرمها على اللّه ولولا ان اهلك اخرجونى ما خرجت ) وهو يدل على ان مكة افضل من سائر البلاد فى الحديث ( ومن صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام والحسنة فيها بمائة الف حسنة ) والكلام فى غير ما ضم اعضاءه الشريفة من ارض المدينة والا فذلك افضل بقاع الارض بالاجماع حتى من العرش والكرسى -ذكر- ان الطوفان موّج تلك التربة المكرمة على محل الكعبة حتى ارساها بالمدينة فهى من جملة ارض مكة ولما سمع سراقة بن مالك بن جعشم الكنانى ان الكفار جعلوا فيهما ان قتلا او اسرا مائة ناقة ركب خلفهما حتى ادركهما فى طريق الساحل وق يا محمد من يمنعك منى اليوم فقال عليه السلام ( يمنعنى الجبار الواحد القهار ) ونزل جبريل وقال يا محمد ان اللّه يقول لك قد جعلت الارض مطيعة لك فاثمرها بما شئت فقال عليه السلام ( يا ارض خذيه ) فاخذت ارجل جواده الى الركب فقال يا محمد الامان فقال عليه السلام ( يا ارض اطلقيه ) فاطلقته يقال عاهد سبع مرات ثم نكث العهد وكلما نكث العهد كلما نكث تغوص قوائم فرسه فى الارض وفى السابعة تاب توبة صدق ورجع الى مكة وصار لا يرى واحدا من طلابه عليه السلام والا رده يقول اختبرت الطريق فلم ار احدا وقصة نزوله المدينة مذكورة فى السير

٤١

{ انفروا } اى اخرجوا ايها المؤمنون مع النبى عليه السلام الى غزوة تبوك

قال تاج المصادر النفير والنفور [ بسفر بيرون شدن ]

{ خفافا وثقالا } جمع خفيف وثقيل اى حال كونكم شبانا وشيوخا او فقراء او اغنياء او ركبانا ومشاتا او اصحاء ومرضى او عزبا او متأهلين او خفافا مسرعين خارجين ساعة استماع النفير وثقالا بعد التروية فيه الاستعداد له او مقلين من السلاح ومكثرين منه او نشاطا وغير نشاط ا خفتم عليكم الحركة او ثقلت او مشاغيل وغير مشاغيل او مهازيل وسمانا واقوياء وضعفاء يا غريبان وكدخدايان كما فى الكاشفى وهذا ليس لتخصيص الامرين المتقابلين بالارادة من غير مقارنة للباقى

قال المولى ابو السعود اى على اى حال كان من يسر او عسر بأى سبب كان من الصحة والمرض او الغنى والفقر او قلة العيال وكثرتهم او غير ذلك مما ينتظمه مساعدة الاسباب وعدمها بعد الامكان والقدرة فى جمله. وعن ابن مكتوم اعلىّ ان انفر فقال عليه السلام ( نعم ) فرجع الى اهله فلبس سلاحه ووقف بين يديه فنزل قوله تعالى

{ ليس على الاعمى حرج } وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما نسخت بقوله تعالى

{ ليس على الضعفاء ولا على المرضى } الآية [ سلمى ميكويد سبك روحان بارتكاب طاعات وكران باران از مباشرت مخالفات. امام قشيرى ميفرمايد كه خفاف آنانندكه از بند شهود ما سوى آزادند وثقال ايشانند كه بقيد تعلقات مقيدانند ] وفى بحر الحقائق انفروا ايها الطلاب فى طلب الحق خفافا مجردين عن علائق الاولاد والاهالى منقطعين عن عوائق الاموال والاملاك وثقالا متمولين ومتأهلين وايضا خفافا مجذوبين بالعناية وثقالا سالكين بالهداية [ يعنى خفاف مجذوبانند از كشش عنايت براه سلوك در آمده وثقال سالكانندكه بيرورش متوجه جذبه حقانى شده هردو طائفه درراهند اما يكى ببال كشش مى برد ويكى بباى كوشش راه ميبرد آنكه بياميره د درهر قدمى عالمى زير باميكند وآنكه ببال اقبال مى برديدم بساط مشاهدة ما سوى را طى مى كند ]

مرد عارف جون بدان برمى برد ... در دمى از نه فلك مى بكذرد

سير زاهد در دمى يك روزه راه ... سير عارف هر زمان تا تخت شاه

{ وجاهدوا } [ وجهاد كنيد ] والجهاد فى الاصطلاح قتال الكفار لتقوية الدين كما فى شرح الترغيب المنذرى وهو المراد بما فى خالصة الحقائق نقلا عن اهل الحكمة الجهاد بذل المجهود وقتال المتمردين حملا لهم على الاسلام ومنعا لهم عن عبادة الاصنام

واعلم ان الجهاد لا ينافى كونه عليه السلام نبى الرحمة وذلك انه مأمور بالجهاد مع من حالفه من الامم بالسيف ليرتدعوا عن الكفر وقد كان عذاب الامم المتقدمة عند مخالفة انبيائهم بالهلاك والاستئصال فاما هذه الامة فلم يعالجوا بذلك كرامة لنبيهم عليه السلام ولكن يجاهدوا بالسيف وله بقية بخلاف العذاب المنزل وقد روى ان قوما من العرب قالوا يا رسول اللّه افنانا السيف فقال

( ذلك ابقى لآخركم ) كذا فى ابكار الافكار

{ باموالكم } [ بمالهاى خودكه تهيئه زاد وسلاح كنيد ]

{ وانفسكم } [ وبنفسهاى خو كه مباشر كار زار كرديد ] فهو ايجاب للجهاد بهما ان امكن وباحدهما عند امكانه واعواز الآخر حتى ان من ساعده النفس والمال يجاهد بهما ومن ساعده المال دون النفس يغزى مكانه من حاله على عكس حاله

وفى التأويلات النجمية وانما قدم انفاق المال فى طلب الحق على بذل النفس لان بذل النفس مع بقاء الصفات الذميمة غير معتبر وهى الحرص على الدنيا والبخل بها قاشار بانفاق المال الى ترك الدنيا وفى الحديث ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم ) قوله تعس بفتح العين وكسرها عثر او هلك او لزمه الشر وسقط لوجهه او انتكب وهو دعاء عليه اى اتعسه اللّه وانما دعا عليه السلام على عبد الدينار والدرهم لانه حرص على تحصيل المال من الحرام والحلال وبخل بالانفاق فى سبيل الملك الخلاق فوقف على متاع الدنيا الفانى وترك العمل لنعيم الآخرة الباقى : قال السلطان ولد قدس سره

بكذار جهان راكه جهان آن تونيست ... وين دم كه همى زنى بفرمان تونيست

كرمال جهان جمع كنى شاد مشو ... ورتكيه بجان كنى جان كنى جان آن تو نيست

{ فى سبيل اللّه } هذا اللفظ عام يقع على كل عمل خالص للّه تعالى باداء الفرائض والنوافل وانواع الطاعات واذا اطلق فهم فى الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه كما فى شرح الترغيب

يقول الفقير فمعنى فى سبيل اللّه اى فى الطريق الموصل الى الجنة والقربة والرضى وهو ان لا يكون بهوى وغرض وان كان حصول الجنة كما فى المفاتيح -حكى- انه كتب واحد الى يوسف بن اسباط وهو من متقدمى الصوفية ان نفسى تنازعنى الى الغزو فما تقول فيه فكتب فى الجواب لان ترد نفسك عن هواها خير من ان تقتل او تقتل فى المعركة -وحكى- انه لما دنا قتيبة بن مسلم من بلدة بخارى ليفتحها فانتهى الى جيحون اخذ الكفار السفن حتى لا يعتبر جيش المسلمين عليها فقال قتيبة اللّهم ان كنت تعلم انى ما خرجت الا للجهاد فى سبيلك ولاعزاز دينك ولوجهك فلا تغرقنى فى هذا البحر وان خرجت لغير هذا فاغرقنى فى هذا البحر ثم ارسل دابته فى جيحون فعبره مع اصحابه باذن اللّه -روى- ان بعضهم رأى ابليس فى صورة شخص يعرفه وهو ناحل الجسم مصفر اللون باكى العين محقوقف الظهر فقال له ما الذى انحل جسمك قال صهيل الخيل فى سبيل اللّه ولو كان فى سبيلى لكان احب الىّ فقال له ما الذى غير لونك فقال تعاون الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية لكان احب الىّ قال فما الذى ابكى عينك قال خروج الحاج اليه لا بتجارة اقول قد قصدوه او خاف ان لا يخيبهم فيحزننى ذلك وفى الصحيحين عن ابى سعيد يرفعه قيل يا رسول اللّه اى الناس افضل فقال رسول اللّه

( مؤمن مجاهد بنفسه وماله ) قالوا ثم من قال ( مؤمن فى شعب من الشعاب يتقى اللّه ويدع الناس من شره )

{ ذلكم } اى ما ذكر من النفير والجهاد

{ خير لكم } من القعود وترك الامداد

فان قيل ما معنى كون الجهاد خيرا من تركه والحال انه لا خير فى تركه

اجيب بان معناه ان ما يستفاد من الجهاد من ثواب الآخرة خير مما يستفيده القاعد عن من الراحة وسعة العيش والتنعم بهما كما قال فى البحر الخيرية فى الدنيا بغلبة العدو وراثة الارض وفى الآخرة بالثواب ورضوان اللّه تعالى

قال سعد جلبى وفى الترك خير دنيوى فيه الراحة

{ ان كنتم تعلمون } الخير علمتم انه لا خير لان فيه استجلاب خير الدنيا وخير الآخرة وفى خلافه مفاسد ظاهرة

وفى بحر الحقائق ترك الدنيا وبذل النفس خير لكم فى طلب الحق من المال والنفس

انكنتم تعلمونؤ ثدؤ طلب الحق وعزة السير اليه فان الحاصل من المال والنفس الوزر والوبال والحاصل من الطلب الوصول والوصال انتهى

قال فى زبدة التفاسير عن انس رضى اللّه عنه ان ابا طلحة رضى اللّه عنه قرأ سورة براءة فاتى على هذه الآية { انفروا خفافا وثقالا } فقال اى بنى جهزونى فقال بنوه رحمك اللّه فقد غزوت مع مع النبى عليه السلام حتى مات ومع ابى بكر وعمر رضى اللّه عنهما حتى ماتا فنحن نغزو عنك فقال لاجهزونى فغزا بحرا فمات فى البحر فلم يجدوا لهم جزيرة يدفنونه فيها الا بعد سعة ايام فدفنوه فيها ولم يتغير

يقول الفقير وذلك لان اجساد الانبياء والاولياء والشهداء لا تبلى ولا تتغير لما ان اللّه تعالى قد نفى ابدانهم من العفونة الموجبة للتفسخ وبركة الروح المقدس المقدس الى البدن كالاكسير بم ان الناس صنفان ارباب رخصة واصحاب العزيمة فى مسابقتهم ومسارعتهم فعليك بطريقتهم وسيرتهم

وهذه الآية الكريمة متعلقة بمرتبة النفس واصلاحها فان النفس مجبولة على حب المال وفى بذله تزكيتها عن هذه الرذيلة فمن علم ان الغنى والفقر من اللّه تعالى وآمن بالقدر ايمانا عيانيا هان عليه البذل ولم يبق عنده مقدار للمال كما ان من علم ان الموت بالاجل وان المرء لا يموت قبل حلول ذلك الاجل لا يفر من محاربة العدو وحفظ المال وامساكه انما يحسن لاجل الانفاق وقت الحاجة والا فكنزه مذموم [ كويند كه نافع مولاى عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما كه استاد امام شافعى بوددروقت مردن كفت اين جايكه را بكنيد بكندند بيست هزار درم درسبويى بديد آمد كفت آنكاه كه ازجنازه من باز آمده باشيد بدرويش دهيد اورا كفتند يا شيخ جون تو كسى درم نهد كفت بحق اين وقت تنك كه زكاة وى بركردن من نيست وهركز عيالان خودرا بسختى نداشتم لكن هركاه كه مرا آرزويى بودمى آنجه بدان آرزو بايستى دادن درسبو افكندمى تا اكرمرا سختى بيش آيد بدر سفله نبايد رفتن ] كذا فى شرح الشهاب

وفى هذه الحكاية امور.

الاول ان من كان اماما للناس ومقتدى فى الدين لا ينبغى له ان يدخر ويكنز المال طمعا وحرصا لان لناس على دين ملوكهم وقد قيل [ شيخ جون مائل بمال آيد مريداو مباش مائل دينار هركز مالك ديدار نيست ]. والثانى ان من غلبت عليه شهوته فمنع طبيعته عن مقتضاها بامساك ماله عن الصرف لها رجاء بذله لخير منه فقد جاهد مع نفسه وطبيعته اما مع نفسه فلانا ما كتم المال لاجل الكنز بل لاجل البذل لانفع شيء فى وقت مّا.

واما مع طبيعته فلانه منعها من مقفتضاها وراضها ومثل هذا هو الجهاد الاكبر. والثالث ان عرض الاحتياج على اللئيم ملوم مذموم شرعا وطريقة ولذا من جاع واحتاج فكتمه عن الناس واقبل الى اللّه تعالى كان على اللّه ان يفتح له رزق سنة والشكاية من الحبيب الى الحبيب عين التوحيد والى غيره شرك تعلق به الوعيد

فعلى العاقل ان يختار طريق اصحاب الصفة فانهم كانوا مع الحق وفى معاونته دائما ببذل اموالهم ان منحوا وانفسهم ان منعوا لان ما لا يدرك كله لا يترك كله فكل مأمور بمقدار طاقته وليست الطاعة الا بقدر الطاقة هذا واللائح بالبال واللّه اعلم بالحقيقة الحال نسأل اللّه سبحانه ان يوفقنا لبذل المجهود وترك ملاحظة المفقود ويوصلنا الى جنابه انه هو المروم والمقصود

٤٢

{ لو كان } [ آورده اندكه جون حضرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مردمانرا بغزوه تبوك اشارت فرمود ايشان سه فرقه شدند. جمعى مسارعت نمودند وفرمانرا بسمع اطاعت شنودندوآن اكابر مهاجرين وانصار بودند. وبعضى ضعفاء مؤمنانرا كران آمد فرمان خدا وحكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم برهواى نفس اختيار كردند. وبرخى دستورى اقامت وتخلف طلبيدند وآنها منافقان بودند ودرشان ايشان نازل شد كه ] لو كان يا محمد ما دعوتهم اليه فاسم كان محذوف دل عليه ما قبله

{ عرضا قريبا } العرض ما عرض لك من نافع الدنيا اى غنما سهل المأخذ قريب المنال

{ وسفرا قاصدا } ذا قصد وتوسط بين القريب والبعيد ففاعل بمعنى ذى قصد كلابن وتامر بمعنى ذى لبن وذى تمر وسمى السفر سفرا لانه يسفر اى يكشف عن اخلاق الرجال

{ لاتبعوك } فى الخروج طمعا فى المال وتعليق الاتباع بكلا الامرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط

{ ولكن بعدت عليهم الشقة } اى المسافة الشاقة التى تقطع بمشقة

{ وسيحلفون باللّه } السين للاستقبال اى سيحلف المتخلفون عن الغزو اذا رجعتم اليهم من غزوة تبوك وقد صنع كما اخبر فهو من جملة المعجزات النبوية

{ لو استطعنا } اى قائلين لو كان لنا استطاعة من جهة العدة او من جهة الصحة او من جهتهما جميعا

{ لخرجنا معكم } اى الى الغزاة. فقوله باللّه متعلق بسيحلفون؟ وقوله لخرجنا ساد مسد جوابى القسم والشرط جميعا لان قولهم لو اسطعنا فى قوة باللّه لو استطعنا فيكون باللّه قسما

{ يهلكون انفسهم } بدل من سيحلفون لان المحلف الكاذب اهلاك للنفس ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع ) جمع بلقع وبلقعة وهى الارض القفر التى لا شيء بها والمرأة البلقعة الخالية من الخير يعنى من حلف عمدا كذبا لاجل الدنيا وزيادة المال وبقاء الجاه فقد تعرض لزوال ما فى يده من المال والجاه وبزواله يفتقر وتخرب داره من البركة وفى الحديث ( اليمين الكاذبة منفعة للسلعة ) اى سبب لنفاقها ورواجها فى ظن الحالف ( ممحقة للكسب ) اى سبب لمحق بركة المسكوب وذهابها اما بتلف يلحقه فى ماله او بانفاقه فى غير ما يعود نفعه اليه فى العاجل او ثوابه فى الآجل او بقى عنده وحرم نفعه او ورثه من لا يحمده

{ واللّه يعلم انهم لكاذبون } اى فى مضمونه الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقيق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا

٤٣

{ عفا اللّه عنك لم اذنت لهم } لام ولم ولام لهم متعلقتان بالاذن لاختلافهما فى المعنى الاولى للتعليل والثانية للتبليغ والضمير المجرور لجميع المستأذنين اى لأى سبب اذنت لهم فى التخلف حين اعتلوا بعللّهم

واعلم ان قوله تعالى

{ لو كان عرضا قريبا قاصدا ولاتبعوك } دل على ان قوما تخلفوا عن اتباعه عليه السلام لان لو لانتفاء الجواب لانتفاء الجواب الشرط وقوله

{ عفا اللّه عنك لم اذنت لهم } دل على ان ذلك التخلف كان باذن رسول اللّه والعفو يستدعى سبق الخطأ وهذا الخطأ ليس من قبيل الذنب بل من ترك الاولى والافضل الذى هو التأنى والتوقف الى انجلاء الامر وانكشاف الحال.

فقوله عفا خبر : يعنى [ دركذار بنخداى ازتو ]. وقوله لم اذنت لهم بيان لما اشير اليه بالعفو من ترك الاولى وانما قدم اللّه العفو عن العتاب تصديقا وتحقيقا لقوله تعالى

{ ليغفر اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر } وقوله لهم اذنت لهم ما كان على وجه العتاب حقيقة بل كان على اظهار لطفه به وكمال رأفته فى حقه كما فى التأويلات النجمية

قال سفيان ابن عيينة انظروا الى هذا اللطف بدا بالعفو قبل ذكره المعفو ولقد اخطأ واساء الادب وبئسما فعل فيما قال وكتب عن زعم ان الكلام كنية عن الجناية وان معناه اخطأت وبئسما فعلت كما فى الارشاد

ويجوز ان يكون انشاء كما قال الكاشفى فى تفسيره

{ عفا اللّه عنك } [ دعاء له است حق سبحانه وتعالى بيغمبر خودرا ميفرمايد كه عفو كناد ازتوخداى وعادت مردم مى باشد كه دعا كند كسى را بعفو ورحمت ومغفرت بى وقوع خطايى ازوى جنانجه مثلا يكى تشنه را آب دهد اودر جواب ميكويد غفر اللّه لك بادر جواب عاطس ميكويد يرحمك اللّه ] انتهى

وقول ولقد اصاب فى تفسيره واجاد فى تقريره فان خطأ النبى عليه السلام وسهوه ونسيانه ليس من قبيل خطأ الامة وسهوهم ونسيانهم فالاولى للتأدب ان يسكت عما يشين بحاله او لا يليق بكماله

{ حتى يتبين لك الذين صدقوا } اى فيما اخبروا به عند الاعتذار من عدم الاستطاعة من جهة المال اة من جهة البدن او من جهتهما معا

{ وتعلم الكاذبين } فى ذلك فتعامل كلا من الفريقين بما يستحقه وهو بيان لذلك الاولى والافضل. وحتى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره لم سارعت الى الاذن لهم وهلا اخرتهم وتأنيث الى ان يتبين الامر وينجلى او ليتبين كما هو قضية الجزم فحتى بمعنى الى او بمعنى اللام ولا يجوز ان يتعلق باذنت لان ذلك يوجب ان يكون اذن لهم الى هذه الغاية او لاجل التبين وهذا لا يعاتب عليه

واعلم ان الآية الاولى اشارت الى ان من كان مطلوبه الدنيا وزينتها يجد له مساعدا ومصاحبا كثيرا ومن كان مطلوبه الحق والوصول اليه لا يجد مرافقا وموافقا الا قل من القليل لصعوبة الانقطاع عن الحظوظ والامانى : وفى المثنوى

حفت الجنة بمكروهاتنا ... حفت النيران من شهواتنا

يعنى جعلت الجنة محفوفة بالاشياء التى كانت مكروهة لنا محاطة بالامور التى كانت محبوبة لنا واتيان الحظوظ اسهل من تركها ولذا ترى الرجل يدخل النار بالف درهم ولا يدخل الجنة بدرهم واحد

والآية الاخيرة افادت التحرى والتأنى فى الامور وفى حديث انس رضى اللّه عنه ان رجلا قال للنبى اوصنى فقال النبى عليه السلام ( خذ الامر بالتدبر فان رأيت فى عاقبته خيرا فامضه وان خفت غيا فامسك ) والعجلة صفة من صفات الشيطان -روى- انه لما رأى خلقه من الطين قبل ان ينفخ فيه الروح عجل فى امره وقال وعزة ربى ان جعل هذا خيرا وفضله على فلا اطيعه وان جعلنى خيرا منه لاهلكته فلما نفخ فيه الروح وامر الملائكة وابليس بالسجود له عجل ابليس بالسجود له عجل ابليس بالاباء لاظهار العداوة والسعى فى هلاكه على ما عزم عليه اولا ولم يتأن وينظر فى امره.

واما الثانى فمن اوصاف الرحمن ولذا خلق السموات والارض فى ستة ايام وان كان قادرا على ان يخلقها فى مقدار طرفة عين

فعلى العاقل العمل بالتأنى والافضل والجهاد الى آخر العمر وحلول الاجل كيلا يكون من المتخلفين

قال شقيق ان اللّه تعالى اظهر هذا الدين وجعل عزه فى الجهاد فمن اخذ منه حظه فى زمانه كان كمن شاهده كله وشارك من مضى قبله من الغزاة ومن تبطأ فى زمانه فقد شارك المتخلفين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى ائمهم وعارهم والتبطؤ والتخلف انما هو من الكسل الطبيعى البدنى ومن كان له حظ روحانى يجد فى نفسه المسارعة الى الخيرات : وفى المثنوى

هركرانى وكسل خود ازتنست ... جان زخفت جمله دربريدنست

اللّهم اعصمنا من الكسل فى باب واعنا انك انت المعين

٤٤

{ لا يستأذنك الذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر } فى

{ ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم } وان الخلص مكنهم يبادرون اليه من غير توقف على الاذن فضلا على نفاقهم وعلة عدم الاستئذان الايمان كما ان علة الاستئذان عدم الايمان بناء على قاعدة ان تعليق الحكم بالوصف يشعر بعلية الوصف له

{ واللّه عليم بالمتقين } شهادة لهم بالانتظام فى زمرة المتقين وعجة لهم باجزال الثواب واشعار بان ما صدر عنهم معلل بالتقوى

٤٥

{ انما يستأذنك } فى التخلف

{ الذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر } قال فى التبيان كان الاستئذان فى ذلك الوقت علامة النفاق قيل كانوا تسعة وثلاثين رجلا

{ وارتاب قلوبهم } عطف على الصلة والماضى للدلالة للدلالة على تحقيق الريب شك مع اضطراب القلب ودل على ان الشاك المرتاب غير مؤمن

{ فهم } حال كونهم

{ فى ريبهم } وشكهم المستقر فى قلوبهم

{ يترددون } اى يتحيرون فان التردد [ ديدن المتحير ] كما ان الثبات [ ديدن المستبصر ]

٤٦

{ ولو ارادوا الخروج } يدل على ان بعضهم قالوا عند الاعتذار كنا نريد الخروج لكن لم نتهيأ له وقد قرب الرحيل بحيث لا يمكننا فكذبهم اللّه وقال لو ارادوا الخروج معك الى العدو فى غزوة تبوك

{ لأعدوا له } اى للخروج فى وقته

{ عدة } اى اهبة من الزاد والراحلة والسلاح وغير ذلك مما لا بد منه للسفر

{ ولكن كره اللّه انبعاثهم } ولكن ما ارادوه لما انه تعالى كره نهوضهم للخروج لما فيه من المفاسد الآتثة. والانبعاث [ برانكيخته شدن ] كما فى التاج فلكن للاستدراك من المقدم

وفى حواشى سعدى جلبى الظاهر ان لكن ههنا للتأكيد انتهى

{ فثبطهم } اى حبسهم بالجبن والكسل فتثبطوا عنه ولم يستعدوا له والتثبيط صرف الانسان عن الفعل الذى يهم بهم

{ وقيل اقعدوا مع القاعدين } الذين شأنهم القعود وملازمة البيوت وهم الزمنى والمرضى والعميان والنساء والصبيان ففيه ذم لهم وظاهره يخالف قوله تعالى

{ انفروا خفافا وثقالا } فلذا حملوه على التمثيل بان يشبه القاء اللّه تعالى فى قلوبهم كراهة الخروج بامر امرهم بالقعود ثم بين سر كراهته تعالى لانبعاثهم فقال

٤٧

{ لو خرجوا فيكم } [ درميان شما ] اة مخالطين لكم

{ ما زادوكم } اى ما اورثوكم شيأ من الاشياء

{ الا خبالا } اى فسادا وشرا كالتجبين وتهويل امر الكفار والسعى للمؤمنين بالنميمة وافساد ذات البين واغراء بعضهم على بعض وتحسين الامر لبعضهم وتقبيحه للبعض الآخر ليتخلفوا وتفترق كلمتهم فهو استثناء مفرغ من اعم العام الذى هو الشئ فلا يلزم ان يكون فى اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبال وفساد ويزيد المنافقون ذلك الفساد بخروجهم فيما بينهم لان الزيادة المستثناة انما هى الزيادة بالنسبة الى اعم العام لا بالنسبة الى ما كان فيهم من القبائح والمنكرات

وفى البحر قد كان فى هذه الغزوة منافقون كثير ولهم لا شك خبال فلو خرج هؤلاء لالتأموا فزاد الخبال انتهى

{ ولأوضعوا خلالكم } اى لسعوا بينكم واسرعوا بالقاء ما يهيج العداوة او ما يؤدى الى الانهزام. ولا يضاع تهييج المركوب وحمله على الاسراع من قولهم وضع البعير وضعا اذا اسرع واوضعته انا اذا حملته على الاسراع. والمعنى لأوضعوا ركائبهم بينكم على حذف المفعول والمراد به المبالغة فى الاسراع بالنمائم لان الراكب اسرع من الماشى. والخلال جمع خلل وهو الفرجة بين الشيئين وهو بمعنى بينكم منصوب على انه ظرف اوضعوا

{ يبغوا الفتنة } حال من فاعل اوضعوا اى حال كونهم باغين اى طالبين الفتنة لكم وهى افتراق الكلمة

{ وفيكم } [ ودرميان شما ]

{ سماعون لهم } اى نمامون يسمعون حديثكم لاجل نقله اليهم فاللام للتعليل او فيكم قوم ضعفة يسمعون للمنافقين اى يطيعونهم فاللام لتقوية العمل لكون العامل فرعا كقوله تعالى

{ فعال لما يريد } { واللّه عليم بالظالمين } علما محيطا بضمائرهم وظواهرهم وما فعلوا فيما مضى وما يأتى منهم فيما سيأتى وهو شامل للفريقين السماعين والقاعدين

٤٨

{ لقد ابتغوا } اى طلب هؤلاء المنافقون

{ الفتنة } تشتيت شملك وتفريق اصحابك عنك

{ من قبل } اى قبل غزوة تبوك يعنى يوم احد فان ابيا انصرف يوم احد مع ثلاثمائة من اصحابه وبقى النبى عليه السلام مع سبعمائة من خلص المؤمنين وقد تخلف بمن معه عن تبوك ايضا بعد ما خرج النبى عليه السلام الى ذى جدة اسفل من ثنية الوداع وكذا ابتغوا الفتنة فى حرب الخندق حيث قالوا يا اهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا وفى ليلة العقبة ايضا حيث القوا شيأ بين قوائم ناقة رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم بالليل حتى تنفر وتلقى النبى عليه السلام عن ظهرها وايضا وقف اثنا عشر رجلا من المنافقين على تثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا به عليه السلام فاخبره اللّه بذلك وسلمه منهم والفتك ان يأتى الرجل صاحبه وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله

{ وقلبوا لك الامور } تقليب الامر تصريفه من وجه الى وجه وترديده لاجل التدبير والاجتهاد فى المكر والحيلة يقال للرجل المتصرف فى وجوه الحيل حول قلب اى اجتهدوا ودبروا لك الحيل والمكايد ورددوا الآراء فى ابطال امرك

{ حتى جاء الحق } اة النصر والتأييد الالهى

{ وظهر امر اللّه } غلب دينه وعلا شرفه

{ وهم كارهون } والحال انهم كارهون لذلك اى على رغم منهم

وقال الكاشفى

[ وايشان ناخواها نند نصرت ودولت ترا اماجون خداى تعالى مى خواهد كراهت ايشانرا اثرى نيست ]

جون ترا اندر حريم قرب خودره داده شاه ... ازنفير برده دار وطعن دربان غم مخور

انظر الى ما فى هذه الآيات من تقبيح حال المنافقين وتسلية رسول اللّه والمؤمنين وبيان كون العاقبة للمتقين ولن يزال الناس مختلطا مخلصهم بمنافقهم من ذلك الوقت الى هذا الحين لكن من كان له نية صادقة صالحة يختار فراق اهل الهوى والرياء اجمعين لان صحبة غير الجنس لا تزيد الا تشويشا وتفرقة فى باب الدين وكسلا فى عزيمة اهل اليقين فاجهد ان لا ترى الاضداد ولا تجاورهم فكيف ان تعاشرهم وتخالطهم يا مسكين : وفى المثنوى

جون ببندى توسر كوزه تهى ... درميان حوض وباجوئى نهى

تاقيامت او فرو نايد ببست ... كه دلش خاليست دروى بتدهست

ميل بادش جون سوى بالابود ... ظرف خودرا هم سوى بالا كشد

باز آن جانهاكه جنس انيباست ... سوى ايشان كش كشان جون سايه هاست

جان هامان جاذب قبطى شده ... جان موسى جاذب سبطى شده

معده خركه كشد در اجتذاب ... معده آدم جذوب كندم آب

ثم فى قوله تعالى

{ ولأوضعوا خلالكم يبغونكم وفيكم سماعون لهم } ذم للنمام والنميمة وهى كشف ما يكره كشفه يقال ان ثلث عذاب القبر النميمة

قال عبد اللّه بن المبارك ولد الزنى لا يكتم الحديث

قال الامام الغزالى اشار به الى ان كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على انه ولد الزنى وفى حديث المعراج ( قلت لمالك ارنى جهنم فقال لا تطيق على ذلك فقلت مثل سم الخياط فقال انظر فنظرت فرأيت قوما على صورة القردة قال هم القتاتون ) اى النمامون وفرق بعضهم بين القتات والنمام بان النمام هو الذى يتحدث مع القوم والفتات هو الذى يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم كذا فى شرح المصابيح -روى- ان الحسن البصرى جاء اليه رجل بالنميمة وقال ان فلانا وقع فيك فقال له الحسن متى قال قال اليوم قال اين رأيته قال فى منزله قال ما كنت تصنع فى منزله قال كانت له ضيافة قال ماذا أكلت فى منزله قال كيت وكيت حتى عدد ثمانية الوان من الطعام فقال الحسن يا هذا قد وسع بطنك ثمانية الوان من الطعام اوسع حديثا واحدا قم من عندى يا فاسق. وفيه اشارة الى ان النمام ينبغى ان يبغض ولا يوثق بصداقته -وذكر- ان حكيما ن الحكماء زاره بعض اخوانه وأخبره بخبر عن غيره فقال له الحكيم قد ابطأت فى الزيارة واتيتنى بثلاث جنايات بغضت الىّ اخى وشغلت قلبى الفارغ واتهمت نفسك الامينة كذا فى الروضة والاحياء وهذا عادة الاخوان خصوصا فى هذا الزمان سامحهم اللّه الملك الديان

فعلى العاقل حفظ اللسان وحفظ الجوارح من مساوى الكلام وانواع الآثام فان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا

٤٩

{ ومنهم } اى من المنافقين

{ من يقول } لك يا محمد

{ ائذن لى } فى القعود عن غزوة تبوك

{ ولا تفتنى } من فتنه يفتنه اوقعه فى الفتنة كفتنته وافتتنه يلزم ويتعدى كما قال فى تاج المصادر الفتون والفتن [ دوفتنه افكندن وفتنه شدن ] والمعنى لا توقعنى فى الفتنة وهى المعصية والاثم يريد انى متخلف لا محالة اذنت او لم تأذن فأذن لى حتى لا اقع فى المعصية بالمخالفة او لا تلقنى فى الهلكة فأنى ان خرجت معك هلك مالى وعيالى لعدم من يقوم بمصالحهم

{ ألا } [ بدانكه ]

{ فى الفتنة } اى فى عينها ونفسها واكمل افرادها

{ سقطوا } لا فى شيء مغاير لها وهى فتنة التخلف ومخالفة الرسول وظهور النفاق. يعنى انهم وقعوا فيما زعموا انهم محترزون عنه فالفتنة هى التى سقطوا فيها لا ما احترزوا عنه من كونهم مأمورين بالخروج الى غزوة تبوك

{ وان جهنم لمحيطة بالكافرين } معطوف على الجملة السابقة داخل تحت التنبيه اى جامعة للمنافقين وغيرهم من الكفار يوم القيامة من كل جانب اى انهم يدخلون جهنم لا محالة لان الشيء اذا كان محيطا بالانسان فلانه لا يفوته كما فى الحدادى او جامعة لهم الآن لاحاطة اسبابها من الكفر والمعاصى

وقيل تلك المبادى المتشكلة بصور الاعمال والاخلاق هى النار بعينها ولكن لا يظهر ذلك فى هذه النشأة وانما يظهر عند تشكلها بصورها الحقيقة فى النشأة الآخرة وقس عليها الاعمال والاخلاق المرضية ألا ترى ان دم الشهيد يتشكل بصورة المسك فلا يفوح منه الا المسك كما ورد فى الشرع

وقال بعضهم هذه الآية نزلت فى جد بن قيس من المنافقين دعاه النبى عليه السلام الى الخروج الى العدو وحرضه على الجهاد ( فقال له يا جد بن قيس هل لك فى جلاد بنى الاصفر ) يعنى طول القدّ منهم فان الجلاد من النخل هى الكبار الصلاب ( تتخذ منهم سرارى ووصفاء ) فقال جد ائذن لى فى القعود ولا تفتنى بذكر نساء الروم فانه قد علمت الانصار انى رجل مولع بالنساء اى مفرط فى التعلق بهن فاخشى ان ظفرت ببنات الاصفر ان لا اصبر عنهن فاواقعهن قبل القسمة فاقع فى الفتنة والاثم فلما سمع النبى عليه السلام قوله اعرض عنه وقال ( اذنت لك ) ولم يقبل اللّه تعالى عذر جد وبين انه وقع فى الفتنة بمخالفة النبى عليه السلام والمراد ببنى الاصفر الروم وهم جيل من ولد روم بن عيصو بن اسحق بن ابراهيم عليهم السلام والوجه فى تسمية الروم ببنى الاصفر ان ملوك الروم انقضوا فى الزمان الاول فبقيت منهم امرأة فتنافسوا فى الملك حتى وقع بينهم شر عزيم فاتفقوا على ان يملكوا اول من اشرف عليهم فجلسوا مجلسا لذلك وأقبل رجل من اليمن معه عبد له حبشى يريد الروم فابق العبد فاشرف عليهم فقالوا انظروا فى اى شيء وقعتم فزوجوه فلذلك قيل للروم بنوا الاصفر لصفرة لون هذا الولد لكونه مولدا بين الحبشى والمرأة البيضاء

وفى الروض قيل لهم بنوا الاصفر لان عيصو بن اسحق كان به صفرة وهو جدهم

وقيل ان الروم بن عيصو هو الاصفر وهو ابوهم وامه نسمة بنت اسماعيل عليه السلام وليس كل الروم من ولد بنى الاصفر وهو ابوهم وامه نسمة بنت اسماعيل عليه السلام وليس كل الروم من ولد بنى الاصفر فان الروم الاول فيما زعموا من ولد بن يونان بن يافث بن نوح عليهم السلام انتهى

وقيل قيل لهم بنوا الاصفر لان جدهم روم بن عيصو ابن اسحق بن ابراهيم تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الاصفر

وقيل لاولاده بنوا الاصفر

وقيل لان جيشا من الحبشة غلب على ناحيتهم فى وقت فوطئ نساءهم فولدت اولادا صفراء بين سواد الحبشة وبياض الروم -حكى- عن بعض العارفين انه رأى لنبى عليه السلام فى المنام فقال يا رسول اللّه انى اريد ان اتوجه الى الروم فقال عليه السلام الروم لا يدخله المعصوم فاختلج فى صدره ان فى الروم العلماء والصلحاء والاولياء اكثر من يحصى ثم تتبع فوجد ان المراد من المعصوم الانبياء

واما هؤلاء فيسمون المحفوظين الكل من انوار المشارق وثبت فى الصحيح انه ( لا يبقى مسلم مسلم وقت قيام الساعة ) لكن يكون الروم وهم قوم معروف اكثر الكفرة فى ذلك الوقت كما كانوا اليوم اكثرهم

ثم ان القعود عن الغزو من بخل الرجل وهم من اذم الصفات

قال ابراهيم بن ادهم اياك والبخل قبل وما البخل قال اما البخل عند اهل الدنيا فهو ان يكون الرجل شحيحا بماله

واما الذى عند اهل الآخرة فهو الذى يبخل بنفسه عن اللّه تعالى ألا وان العبد اذا جاد بنفسه للّه تعالى اورث قلبه الهدى والتقى واعطاه السكينة والوقار والعلم الراجح والعقل الكامل

فعلى العاقل الجود بماله ونفسه فى الجهاد الاصغر والاكبر حتى ينال الرضى من اللّه تعالى والجود من امح الصفات -وحكى- عن ابى جهيم بن حذيفة قال انطلقت يوم تبوك اطلب عمى ومعى ماء اردت ان اسقيه ان كان به رمق فرأيته ومسحت وجهه فقلت له اسقيك الماء فاشار برأسه ان اذهب اليه فاذا هو هشام بن العاص فقلت اسقيك قال نعم فلما دنوت منه سمعت صوتا يقول آه من العطش فاشار الى ان اذهب به اليه فذهب فاذا هو ميت فرجعت بالماء الى هشام فاذا هو ميت فرجعت الى عمى فاذا هو ميت كذا فى خالصة الحقائق : قال الحافظ الشيرازى قدس سره

فداى دوست نكرديم عمرو ومال دريغ ... كه كار عشق زماين قدر نمى آيد

قال السعدى قدس سره

اكر كنج قارون بجنك آورى ... نماند آنجه بخشى برى

٥٠

{ ان تصبك } فة بعض غزواتك

{ حسنة } ظفر وغنيمة كيوم بدر

{ تسؤهم } تلك الحسنة اى تورثهم يعنى المنافقين مساءة وحزنا لفرط حسدهم وعداوتهم لك

{ وان تصبك } فى بعضها

{ مصيبة } جراحة وشدة كيوم واحد او قتل وهزيمة على ان يكون المراد بالخطاب المؤمنين كما يدل عليه ما بعد الآية من ايراد ضمائر المتكلم مع الغير والا فمن قال ان النبى عليه السلام هزم فى بعض غزواته يستتاب فان تاب فيها ونعمت والا قتل لانه نقص ولا يجوز ذلك عليه خاصة اذ هو على بصيرة من امره ويقين من عصمته كما فى هدية المهديين نقلا عن القاضى عبد اللّه لن المرابط

{ يقولوا قد اخذنا امرنا } [ احتياط كارخودرا ]

{ من قبل } اى من قبل اصابة المصيبة : يعنى [ دور انديشى كرديم وبدين حرب نرفتيم ]

{ ويتولوا } اى يدبروا عن مجلس الاجتماع والتحدث الى اهاليهم

{ وهم فرحون } بما صنعوا من الاعتزال عن السملمين والقعود عن الحرب والجملة حال من الضمير فى يقولوا او يتولوا لا من الا خير فقط لمقارنة الفرح لهما معا

٥١

{ قل } بيانا لبطلان ما بنوا عليه مسرتهم من الاعتقاد

{ لن يصيبنا } ابدا

{ الا ما كتب اللّه } فى اللوح المحفوظ

{ لنا } اللام للتعليل اى لاجلنا من خير وشر وشدة ورخاء لا يتغير بموافقتكم ومخالفتكم وامور العباد لا تجرى الا على تدبير قد احكم وابرم

{ هو مولينا } ناصرنا ومتولى امورنا

{ وعلى اللّه } وحده وهو تمام الكلام المأمور به ويجوز ان يكن ابتداء كلام من اللّه تعالى

{ فليتوكل المؤمنون } التوكل تفويض الامر الى اللّه تعالى والرضى بما فعله وان كان ذلك بعج ترتيب المبادى العالية والمعنى ان حق العبد ان يتوكل على مولاه ويبتغى رضوانه ويعتقد انه لن يصيبه شيء من الاشياء الا ما قدر له

بيرما كفت خطا برقلم صنع نرفت ... آفرين برنظر باط خطاك بوشش باد

وفى الحديث ( ان العبد لا يبلغ حقيقة الايمان حتى يعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه )

٥٢

{ قل } للمنافقين

{ هل تربصون بنا } التربص التمكث مع انتظار مجيئ شيء خيرا كان او شرا والباء للتعدية واحدى التاءين محذوفة اذ الاصل تتربصون. والمعنى ما تنتظرون بنا

{ الا احدى الحسنيين } اى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما من حسنى العواقب وهما النصر والشهادة وهذا نوع بيان لما ابهم فى الجواب الاول وكشف لحقيقة الحال باعلام ان ما يزعمونه مضرة للمسلمين من الشهادة انفع مما يعدونه منفعة من النصر والغنيمة. والمعنى فما تفرحون الا بما نلنا مما هو احسن العواقب وحرمانكم من ذلك فأين انتم من التيقظ والعمل بالجزم كما زعمتم وفى الحديث ( يضمن اللّه لمن خرج فى سبيله لا يخرج الا ايمانا باللّه وتصديقا برسوله ان يدخله الجنة اوك يرجعه الى منزله الذى خرج منه نائلا ما نال من اجر أو غنيمة )

دولت اكر مدد دهددامنش آورم بكف ... كربكشد زهى طرب وربكشد زهى شرف

{ ونحن نتربص بكم } احد السوأيين من العواقب

{ ان يصيبكم اللّه } [ آنكه برساند خداى تعالى بشما ]

{ بعذاب من عنده } كما اصاب من قبلكم من الامم المهلكة من الصيحة والرجفة والخسف وكون العذاب من عند اللّه عبارة عن عدم كونه بايدى العباد

{ أو } بعذاب

{ بايدينا } وهو القتل بسبب الكفر

{ فتربصوا } الفاء فصيحة اى اذا كان الامر كذلك فتربصوا لنا ما هو عاقبتنا

{ انا معكم متربصون } ما هو عاقبتكم فاذا القى كل منا ومنكم ما يتربصه لا تشاهدون الا ما يسرنا ولا نشاهد الا ما يسؤكم وفى الحديث ( مثل المؤمن مثل السنبلة تحركها الريح فتقوم مرة وتقع اخرى ومثل الكافر مثل الارزة ولا تزال قائمة حتى تنقعر ) اى تنقطع يقال قعر الشجرة قلعها من اصلها فانقعرت. يعنى [ مؤمن را عيش خوش نبود شادى باغم ونعمت باشدت ودرستى بايمارى وجنين بسيار بماند وكافرتن درست ودل خوش بود لكن بيك كرت بسراندر آيد وهلاك شود ] وفى الحديث ( من اهان وليا فقد بارزنى بالمحاربة ) يعنى ان الولى وهو المؤمن المطيع ينصر اللّه تعالى فيكون اللّه ناصره فمن عادى من كان اللّه ناصره فقد بارز بمحاربة اللّه وكل كافر ومنافق فهو مهين الاولياء واهانتهم بذر محصوله الهلاك والاستئصال وفى المثنوى

قصه عاد وثمود ازبهر جيست ... تابدانى كانبيارا ناز كيست

اين نشان خسف وقذف وصاعقه ... شد بيان عز نفس ناطقه

جمله حيوانرا لى انسان بكش ... جمله انسانرا بكش ازبهر هش

هش جه باشد عقل كل هو شمند ... هوش جزئى هش بود امانزند

وقد ذم اللّه المنافقين بتغيير الحال وعدم مواطأة الحال بالمقال وفى الحديث ( لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ) وفى الحديث ( طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره ) وفى الحديث ( من شر الناس ذو الوجهين الذى يأتى بوجه وهؤلاء بوجه آخر ومن كان ذو وجهين فى الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار ) كما فى ابكار الافكار

٥٣

{ قل } جوابا لجد بن قيس من المنافقين وهو قد استأذن فى النخلف عن غزوة تبوك وقال اعينك بمالى

{ انفقوا } ايها المنافقون اموالكم فى سبيل اللّه حال كونكم

{ طوعا } اى طائعين من قبل انفسكم

{ او كرها } او كارهين مخافة القتل كما فى الحدادى

وقال فى الارشاد

{ طوعا } اى من غير الزام من جهته عليه السلام ولا رغبة من جهتكم او هو فرضى لتوسيع الدائرة انتهى فلا يخالفه قوله

{ ولا ينفقون الا وهم كارهون } كما سيأتى

{ لن يتقبل منكم } يأبى عن حمله على معناه الظاهر اذ لا وجه لان يؤمر بشيء ثم يخبر بانه عبث لا يجدى نفعا بوجه ما -روى- انه لما اعتذر من الخروج لامه ولده عبد اللّه عنه وقال له واللّه لا يمنعك الا النفاق وسينزل اللّه فيك قرآنا فاخذ نعله وضرب به وجده ولده فلما نزلت الآية قال له ألم اقل لك فقال له اسكت يالكع فواللّه لانت اشد علىّ من محمد ثم علل رد انفاقهم بقوله

{ انكم كنتم قوما فاسقين } اى كافرين فالمراد بالفسق. ما هو الكامل منه لا الذى هو دون الكفر كما قال الكاشفى [ بدرستى كه شماهستيد كروه بيرون رفتكان ازدائره اسلام ونفقه كافر قبول نيست ] فالتعليل هما بالفسق وفيما بعده بالكفر حيث قال ألا انهم كفروا باللّه واحد -روى- انه تاب من النفاق وحسنت توبته ومات فى خلافه عثمان رضى اللّه عنه

٥٤

{ وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا باللّه وبرسوله } استثناء من اعم الاشياء اى ما منعهم من قبول نفقاتهم منهم شيء من الاشياء الا كفرهم فالمستثنى المفرغ مرفوع المحل على انه فاعل منع. وقوله ان تقبل مفعوله الثانى بنزع الخافض او بنفسه فانه يقال منعت الشيء ومنعت فلانا حقه ومنعته من حقه

وقال ابو البقاء ان تقبل فى موضع نصب بدلا من المفعول فى منعهم

{ ولا ياتون الصلوة } [ ونمى آيند بنماز جماعت ] وهو معطوف على كفروا

{ الا وهم كسالى } اى لا يأتونها فى حال من الاحوال الا حال كونهم متثاقلين

قال الكاشفى [ مكر ايشان كاهلانند بنماز مى آيند بكسالت وكراهت نه بصدق وارادت ] والكسالى جمع كسلان كما يقال سكارى وسكران

قال البغوى كيف ذكر الكسل فى الصلاة ولا صلاة لهم اصلا قيل الذم واقع على الكفر الذى يبعث على الكسل فان الكفر مكسل والايمان منشط

{ ولا ينفقون الا وهم كارهون } قال ابن الشيخ الرغبة والنشاط فى اداء العبادات متفرعة على رجاء الثواب بها وخوف العقاب على تركها المتفرعين على الايمان بما جاء به النبى عليه السلام من عند اللّه والمنافق لا يؤمن بذلك فلا يرجو ثواب الآخرة ولا يخاف عقابها فيكون كسلان فى اتيان الصلاة وكارها للانفاق لزعمه انهما اتعاب للبدن وتضييع للمال بلا فائدة وفيه ذم الكسل قيل ما دام كسله خاب امله : قال ابو بكر الخوارزمى

لا تصحب الكسلان فى حالاته ... كم صالح بفساد آخر يفسد

عدوى البليد الى الجليد سريعة ... والجمر يوضع فى الرماد ويخمد

وفى المثنوى

كرهزاران طالبند ويك ملول ... از رسالت بازمى ماند رسول

كى رسانند آن امانت را بتو ... تانباشى بيششان راكع دوتو

٥٥

{ فلا تعجبك } الاعجاب استحسان على وجه التعجب من حسنه

قال الكاشفى [ بس بايدكه ترابشكفت نيارد خطاب بآن حضرتست ومراد امت اند مؤمنانرا ميفرمايد كه متعجب نكردانند شمارا ]

{ اموالهم } اى اموال المنافقين

{ ولا اولادهم } فان ذلك وبال عليهم واستدراج لهم كما قال

{ انما يريد اللّه ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا } ضمير بها راجع الى الاموال دون الاولاد. والمعنى ليعذبهم بالتعب فى جمعها والوجل فى حفظها والكره فى انفاقها ويجوز ان يرجع اليهما معا بناء على ان الاولاد اسباب للتعذيب الدنيوى من حيث انهم ان عاشوا يبتلى اصولهم بمتاعب تربيتهم وتحصيل اسباب معاشهم من المآكل والمشارب والملابس وان ماتوا يبتلى اصولهم بحسرة فراقهم فان من احب شيأ كان تألمه على فراقه شديدا

يقول الفقيران قلت ان المؤمن والكافر يشتركان فى هذا التعب والحسرة فما معنى تخصيص الكافر اى المنافق قلت نعم الا ان المؤمن اخف حالا لايمانه وامله ثواب الآخرة وصبره على الشدائد فيكون التعذيب بتربية الاولاد وحسرة فراقهم ملا تعذيب بالنسبة اليه

{ وتزهق } اصل الزهوق خروج الشيء بصعوبة

{ انفسهم وهم كافرون } اى فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر فى العاقبة فيكون ذلك لهم نقمة لا نعمة [ نه مال ايشانرا دست كيرد ونه فرزند بفرياد رسد ] وفى ارادة اللّه زهوق انفسهم على الكفر لينالوا وباله اشارة الى جواز الرضى بكفر الغير وموته عليه اذا كان شريرا مؤذيا ينتقم اللّه منه من غير استحسان واستجازة كما قال الفقهاء اذادعا على ظالم اماتك اللّه على الكفر او قال سلب اللّه عنك الايمان او دعا عليه بالفارسية [ خداجان توبكافرى بستاند ] فهذا لا يكون كفرا اذا كان لا يستحسنه ولا يستجيزه ولكن تمنى ان يسلب اللّه الايمان منه حتى ينتقم اللّه منه على ظلمه وايذائه الخلق

واعلم ان الطاعة فى العبودية بثلاثة انواع بالمال والبدن والقلب والبدن والقلب اما بالمال فهو الانفاق فى سبيل اللّه وفى الحديث ( من جهز غازيا ولو بسلك ابرة غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن جهز غازيا ولو بدرهم اعطاه اللّه سبعين درجة فى الجنة من الدر والياقوت ) وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اتى بفرس يجعل خطوة منه اقصى بصره فسار ومعه جبريل فأتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال ( يا جبرائيل من هؤلاء ) قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل اللّه تضاعف لهم الحينة بسبعمائة ضعف وما انفقتم من شيء فهو يخلفه

واما البدن فهو القيام بالاوامر والنواهى والسنن والآداب المستحسنة المستحبة

واما بالقلب فهو الايمان والصدق والاخلاص فى النية فالطاعة بالمال والبدن لا تقبل عند اعواز طاعة القلب كطاعة المنافقين وطاعة القلب عند اعواز الطاعة بالمال والبدن مقبولة لقوله عليه السلام

( نية المؤمن ابلغ من عمله ) فالقربة لا تقبل الا على حقيقة الايمان وهو شرط اقامة الطاعات المالية والبدنية وفى الحديث ( ان اعطاء هذا المال فتنة وامساكه فتنة ) وذلك لان انفاقه على طريق الرياء او بالمنة والاذى فتنة وكذا امساكه اذ فى الامساك ملامة وذلالة بل ضلالة وفى الحديث ( ان لكل امة فتنة وان فتنة امتى بالمال ) [ حقيقت فتنه آنست كه هرجيزى كه آن مرورا از دين ورشد مشغول دارد آنراكه از توفيق محرومست وآنراكه موافقيست اكر بادشاه دنيا شود آن بادشاهى اورا ازدين مشغول ندارد ] : وفى المثنوى

جيست دنيا از خدا غافل بدن ... نى قماش ونقره وميزان وزن

مال راكز بهر دين باشى حمول ... نعم مال صالح خواندش رسول

آب در كشتى هلاك كشتى است ... آب اندر زير كشتى بستى است

جونكه مال وملك را ازدل براند ... زان سليمان خويش مسكين نخواند

[ ومعاويه زنى را برسيدكه على را ديده كفت بلى كفت جه كونه كردى بود على كفت لم يبطره الملك ولم تعجبه النعمة وعمر بن الخطاب رضى اللّه عنه كويدكه هركه مال اورا نفريبد هيج جادويى وديوى اورا نفريبد ومردى بيغمبررا صلى اللّه عليه وسلم كفت مرا جاره بياموز كه ديومر انفريبد كفت دوستى مال دردل مدار وبا هيج زن ن محرم خالى مباش ] كذا فى شرح الشهاب

مكن تكيه برملك وجاء وحشم ... كه بيش ازتو بودست وبعد ازتوهم

٥٦

{ ويحلفون } اى المنافقون

{ باللّه } يحتمل ان يتعلق بيحلفون ويحتمل ان يكون من كلامهم

{ انهم لمنكم } اى يخافون منكم ان تفعلوا بهم ما تفعبون بالمشركين فيظهرون الاسلام تقية ويؤكدونه بالايمان الفاجرة يقال فرق كفرح اى فزع والفرق بفتحتين الفزع

٥٧

{ لو يجدون } [ اكربيابيد ] وايثار صيغة الاستقبال فى الشرط وان كان المعنى على المضى لافادة استمرار عدم الوجدان

{ ملجأ } اى مكانا حصينا يلجأون اليه من رأس جبل او قلعة او جزيرة مفعل من لجأ اليه يلجأ اى انضم اليه ليتحصن به

{ او مغارات } هى الكهوف الكائنة فى الجبال الرفيعة اى غيرانا وكهوفا يخفون فيها انفسهم جمع مغارة وهى مفعلة اسم للموضع الذى يغور فيه الانسان اى يغيب ويستتر

{ او مدخلا } هو السرب الكائن تحت الارض كالبئر اى نفقا يندسون فيه وينحجرون او قوما يمكنهم الدخول فيما بينهم يحفطونكم منكم كا فى الحدادى وهو مفتعل من الدخول اصله مدتخل

قال ابن الشيخ عطف المغارات والمدخل على الملجأ من قبيل عطف الخاص على العام لتحقيق عجزهم عن الظفر بما يتحصنون فيه فان لملجأ هو المهرب الذى يلتجئ اليه الانسان ويتحصن به من اى نوع كان

{ لولوا } اى لصرفوا وجوههم واقبلوا

{ اليه } اى الى احد ما ذكر

{ وهم يجمحون } اى يسرعون اسراعا لا يردهم شيء كالفرس الجموح لئلا يجتمعون معكم ويبتعدوا عنكم والجموح النفور باسراع يقال فرس جموح اذا لم يرده لجام. والمعنى انهم وان كانوا يحلفون لكم انهم منكم الا انهم كاذبون فى ذلك وانما يحلفون خوفا من القتل لتعذر خروجهم من بلاهم ولو استطاعوا ترك دورهم واموالهم والالتجاء الى بعض الحصون او الغيران التى فى الجبال واو السروب الى تحت الارض لفعلوه تسترا عنكم واستكراها لرؤيتكم ولقائكم وفيه بيان لكمال عتوهم وطغيانهم واشارة الى ان المنافق يصعب عليه صحبة المخلص فان الجنس الى الجنس يميل لا الى خلافه : قال السعدى فى كتاب الكلستان [ طوطى رابازاغى همقفس كردند از قبح مشاهده او مجاهده برده مى كفت اين جه طلعت مكروهشت وهيأت ممقوت ومنظر ملعون وشمائل ناموزون ياغراب البين يا ليت بينى وبينك المشرقين

على الصباح بروى ترهوكه برخيزد ... صباح روز سلامت برومسا باشد

بداخترى جوتو در صحبت توبايستى ... ولى جنانكه تودر جهان كجاباشد

عجبترانكه غراب هم از محاورت طوطى بجان آمده بود لا حول كنان از كردش كيتى همى ناليد ودستهاى تعا بن يكديكر همى ماليد وكيكفت اين جه بخت نكونست وطالع دون وايام برقلمون لايق قدر من آنستى كه بازاغى در ديوار باغى حرامان همى رفتمى

بارسارا بس اين قدر زندان ... كه بود هم طويله رندان

تاجه كنه كرده ام روز كارم بعقويت آن در سلك صحبت ابلهى خود رأى وناجنس ويافه دراى بجنين بند بلا كرده است

كس نيايد بباى ديوارى ... كه بران صورتت نكار كنند

كرترادر بهشت باشد جاى ... ديكران دوزخ اختيار كنند

اين مثل براى ان آوردم تابدانى كه صد جندانكه دانارا زنادان نفرتست نادانرا اودانا وحشتست ] قيل اضيق السجون معاشرة الاضداد

وقال الاصمعى دخلت على الخليل وهو جالس على الحصير الصغير فاشار الى بالجلوس فقلت اضيق عليك فقال مه ان الدنيا باسرها لا تسع متباغضين وان شبرا بشبر يسع المتحابين

قال بعضهم الصديق الموافق خير من الشقيق المخالف

فعلى العاق ان يراعى جانب الآفاق والانفس بقدر الامكان وجتهد فى اصلاح الظاهر والباطن فى كل زمان ويجانب الاعداء وان ادعوا انهم من جملة الاخوان ومن الاعداء النفس وصفاتها وهى تدعى انها على سيرة الروح والقلب والسر وسجيتها وليست كذلك لان منشأ هذه عالم الامر والارواح ومنشأ تلك عالم الحلق والاشباح فلا بد من اصلاحها وازالة اخلاقها الرديئة لتكون لائقة بصحبة الروح ويحصل بسببها انواع الذوق والفتوح

٥٨

{ ومنهم } اى من المنافقين

{ من يلمزك } ان يعيبك فان اللمز والهمز العيب واللامز كالهامز واللماز واللمزة كالهماز والهمزة بمعنى العياب

وقيل اللامز هو من يعيبك فى وجهك والهامز من يعيبك بالغيب

{ فى الصدقات } اى فى شأن الزكاة ويطعن عليك فى قسمتها جمع صدقة من الصدق يسمى بها عطية يراد بها المثوبة لا التكرمة لان بها يظهر صدقه فى العبودية كما فى الكرامانى

والآية نزلت فى ابى الجواحظ المنافق حيث قال ألا ترون الى صاحبكم يقسم صدقاتكم فى رعاة الغنم ويزعم انه يعدل

{ فان اعطوا منها } بيان لفساد لمزهم وانه لا منشأ له سوى حرصهم على حطام الدنيا اى ان اعطوا من تلك الصدقات قدر ما يريدون

{ رضوا } بما اعطوه وما وقع من القسمة واستحسنوها

{ وان لم يعطوا منها } ذلك المقدار بل اقل مما طمعوا

{ اذا هم يسخطون } اى يفاجئون السخط دلت اذا الفجائية على انهم اذا لم يعطوا فاجأ سخطهم ولم يكن تأخره لما جبلوا عليه امن محبة الدنيا والشره فى تحصيلها

وفى التأويلات النجمية النفاق تزيين الظاهر باركان الاسلام وتعطيل البتطن على انوار الايمان والقلب المعطل عن نور الايمان يكون مزينا بظلمة الكفر بحب الدنيا ولا يرضى الا بوجدان الدنيا ويسخط بفقدها : قال السعدى

نكند دوست زينهار از دوست ... دل نهادم برآنجه خاطر اوست

كر بلطفم بنزد خود خواند ... ور بقهرم براند او داند

٥٩

{ ولو انهم رضوا ما آتيهم اللّه ورسوله } اى ما اعطاهم الرسول من الصدقات طيبى النفوس به وان قل وذكر اللّه تعالى للتعظيم والتنبيه على ان ما فعله الرسول عليه السلام كان بامره سبحانه فلا اعتراض عليه لكون المأمور به موافقا للحكمة والصواب

{ وقالوا حسبنا اللّه } اى كفانا فضله وصنعه بنا وما قسمه لنا فان جميع ما اصابنا انما هو تفضل منه سواء كان لكسبنا مدخل فيه او لم يكن

{ سيؤتينا اللّه من فضله } صدقة اخرى

{ ورسوله } فيعطينا منها اكثر مما اعطانا اليوم

{ انا الى اللّه راغبون } ان يغنينا من فضله والاية باسرها فى حيز الشرط والجواب محذوف بناء على ظهوره ولتذهب فيه النفس كل مذهب ممكن اى لكان خيرا لهم [ زيراكه رضا بقسمت سبب بهجت است وجزع دران موجب محنت. سلمى از ابراهيم ادهم نقل ميكندكه هركه بمقادير خرسند شدازغم وملال بازرست ]

رضا بداده بده وزجبين كره بكشا ... كه برمن وتو در اختيار نكشادست

ودرين معنى فرموده است

بشنواين نكته كه خودرا زغم آزاده كنى ... خون خورى كر طلب روزئ ننهاده كنى

يقال اذا كان القدر حقا كان السخط حمقا

ولما قدم سعد بن ابى وقاص رضى اللّه عنه مكة بعدما كف بصره قيل له انت مجاب الدعوة لم لا تسأل رد بصرك فقال قضاء اللّه تعالى احب الى من بصرى

قيل لحكيم ما السبب فى قبض الكف عند الولادة وفتحه عند الموت فانشد

ومقبوض كف المرء عند ولادة ... دليل على الحرص المركب فى الحى

ومبسوط كف المرء عند وفاته ... يقول انظروا انى خرجت بلا شيء

-حكى- ان نباشا تاب على يد ابى يزيد البسطامى قدس سره فسأله ابو يزيد مساكين اولئك نهمة الرزق حولت وجوههم عن القبلة

فعلى العاقل التوكل على اللّه والاعتماد بوعده فان اللّه كاف لعبده ومن وجد اللّه فقد ما دونه لان فقدان اللّه فى وجدان ما سواه ووجدانه فى فقدان ما سواه ومن وجده يرضى به ويقول سيؤتينا اللّه من فضله ما نحتاج اليه فى كمال الدين ونظام الدنيا انا الى اللّه راغبون لا الى الدنيا والعقبى وما فيهما غير المولى -روى- ان عيسى عليه السلام مر بقوم يذكرون اللّه تعالى فقال لهم ما الذى حملكم عليه قالوا الرغبة فى ثواب اللّه فقال اصبتم ومر على قوم آخرين يذكرون اللّه تعالى فقال لهم ما الذى حملكم عليه قالوا الخوف من عقاب اللّه تعالى فقال اصبتم ومر على قوم ثالث مشتغلين بذكر اللّه فسألهم عن سببه فقالوا لا نذكره للخوف من العقاب ولا للرغبة فى الثواب بل لاظهار ذلة العبودية وعزة الربوبية وتشريف القلب بمعرفته وتشريف اللسان بالالفاظ الدالة على صفات قدسه وعزته فقال أنتم المتحققون وفى هذا المعنى : قال الحافظ

بدرم روضه جنت بدو كندم بفروخت ... ن خلف باشم اكر من بجوى نفروشم

٦٠

{ انما الصدقات } اى جنس الزكوات المشتملة على الانواع المختلفة من النقدين وغيرهما سميت الزكاة صدقة لدلالتها على صدق العبد فى العبودية كما فى الكافى

وذكر فى الازاهير ان تركيبها يدل على قوة فى الشيء قولا وفعلا وسمى بها ما يتصدق به لان بقوته يرد البلاء

وقيل لان اول عامل بعثه صلى اللّه عليه وسلم لجمع الزكاة رجل من بنى صدق بكسر الدال وهم قوم من كندة والنسبة اليهم صدقى بالفتح فاشتقت الصدقة من اسمهم

{ للفقراء والمساكين } اى مخوصة بهؤلاء الاصناف الثمانية الآتية لا تتجاوزهم الى غيرهم من المنافقين والفقير من لهم شيء دون نصاب والمسكين من لا شيء له وهو المروى عن ابى حنيفة

وقيل بالعكس وفائدة الخلاف تظهر فى الوصية او المسكين

{ والعاملين عليها } الساعى فى جمعها وتحصيلها فيعطى العامل مما فى يده من مال الزكاة بقدر عمله فقيرا كان او غنيا او هاشميا فلو ضاع ذلك المال لم يعط شيأ وكذا لو اعطى المالك بنفسه زكاته الى الامام لا يستحق العامل شيأ

وفى التبيين لو استغرقت كفاية الزكاة لا يزاد على النصف لان التنصيف عين الانصاف

{ والمؤلفة قلوبهم } وهم طائفة مخصوصة من العرب لهم قوة واتباع كثير منهم مسلم ومنهم كافر قد اعطوا من الصدقة تقريرا على الاسلام او تحريضا عليه او خوفا من شرهم

{ وفى الرقاب } اى وللصرف فى فك الرقاب اى فى تخليصها من الرق بان يعان المكاتبون بشيء منها على اداء بدل كتابتهم لا للرقاب فان المكاتب لا يستحق المال ولا يملكه بل يملكه مولاه وكذا مال المديون يملكه الدائن فالعدول عن اللام للدلالة على ان استحقاق الاربعة الاخيرة ليس لذواتهم اى لكونهم مكاتبا ومديونا ومجاهدا ومسافرا حتى يتصرفوا فى الصدقة كيف شاؤا كالاربعة الاول بل لجهة استحقاقهم كفك الرقبة من الرق وتخليص الذمة من مطالبة من له الحق والاحتياج الى ما يتمكن به من الجهاد وقطع المسافة ووجه الدلالة ان فى قد تستعمل لبيان السبب كما يقال عذب فلان فى سرقة لقمة اى بسببها والمراد مكاتب غيره ولو غنيا فيعطى ما عجز عنه فيؤدى الى عنقه. والرقاب جمع رقبة وهى يعبر بها عن الجملة وتجعل اسما للمملوكة

{ والغارمين } اى الذين تدينوا لانفسهم فى غير معصية اذا لم يكن لهم نصاب فاضل عن ديونهم والغارم والغريم وان كان يطلق كل واحد منهما على من له الدين الا ان المراد بالغارم فى الآية الذى عليه الدين وان المديون قسمان. الاول من ادّان لنفسه فى غير معصية فيعطى له من الزكاة ما يفى بدينه بشرط ان لا يكون له من المال ما يفى بدينه وان كان له فلا يعطى.

والثانى من اد ان فى المعروف واصلاح ذات البين فانه يعطى من مال الزكاة ما يقضى به دينه وان كان غنيا

واما من ادّ ان فى معصية او فساد فانه لا يعطى له شيء منها

وعن مجاهد ان الغارم من احترق بيته او ذهب السيل بماله او ادّ ان على عياله

{ وفى سبيل اللّه } اى فقراء الغزاة عند ابى يوسف وهم الذين عجزروا عن اللحوق بحيش الاسلام لفقرهم اى لهلاك النفقة او الدالة او غيرهما فتحل اهم الصدقة وان كانوا كاسبين اذ الكسب يقعدهم عن الجهاد فى سبيل اللّه. وسبيل وان عم كل طاعة الا انه خص بالغزو اذا اطلق وعند محمد هو الحجيج المنقطع بهم

{ وابن السبيل } اى المسافر الكثير السير المنقطع عن ماله سمى به لملازمة الطريق فكل من يريد سفرا مباحا ولم يكن له ما يقطع به المسافة يعطى من الصدقة قدر ما يقطع به تلك المسافة سواء كان فى ذلك البلد المنتقل اليه مال او لم يكن وهو متناول للمقيم الذى له مال فى غير وطنه فينبغى ان يكون بمنزلة ابن السبيل وللدائن الذى مديونه مقر لكنه معسر فهو كابن السبيل كما فى المحيط

{ فريضة من اللّه } مصدر لما دل عليه صدر الآية لان قوله تعالى

{ انما الصدقات للفقراء } فى قوة ان يقال فرض اللّه لهم الصدقات فريضة

قال الكاشفى [ حق سبحانه وتعالى براى اين جماعت فرض كرده است زكاترا فريضه فرض كردنى من اللّه ثابت از نزديك خداى تعالى ]

{ واللّه عليم } باحوال الناس ومراتب استحقاقهم

{ حكيم } لا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة من الامور الحسنة التى من جملتها سوق الحقوق الى مستحقيها

حق تعالى جون درقسمت كشاد ... هركسى را هرجه مى بايست داد

نيست واقع اندران قسمت غلط ... بنده راخواهى رضا خواهى سخط

واعلم ان سهم المؤلفة قلوبهم ساقط باجماع الصحابة لما ان ذلك كان لتكثير سواد الاسلام فلما اعزه اللّه واعلى كلمته ايتغنى عن ذلك كما قال عمر رضى اللّه عنه فى زمن خلافة ابى بكر رضى اللّه عنه الاسلام اعز من ان يرشى عليه فان ثبتم على الاسلام بغير رشوة فيها والا فبيننا وبينكم السيف فبقيت المصارف السبعة على حالها فللمتصدق ان يدفع صدقته الى كل واحد منهم وان يتقصر على صنف منهم بل لو صرف الى شخص واحد منهم جاز فان اللام فى للفقراء لبيان انهم مصارف لا يخرج عنهم كما يقال الخلافة لبنى العباس وميراث فلان لقرابته فى للفقراء لبيان انهم مصارف لا يخرج عنهم كما يقال الخلافة لبنى العباس وميراث فلان لقرابته اى ليست الخلافة لغيرهم لا أنها بينهم بالسوية فاللام لام الاختصاص لا التمليك لعدم جواز التمليك للمجهول

قال مشايخنا من اراد ان يتصدق بدرهم يبتغى فقيرا واحدا ويعطيه ولا يشترى به فلوسا ويفرقها على المساكين كما فى المحيط وكذلك الافضل فى الفطر ان يؤدى صدقة نفسه وعياله الى واحد كما فعله ابن مسعود كما فى التمرتاشى وكره دفع نصاب او اكثر الى فقير غير مديون اما اذا كان مديونا او صاحب عيال او اذا فرق عليهم لم يخص كلا منهم نصاب فلا يكره كما فى الاشباه.

وقوله كره اى جاز مع الكراهة اما الجواز فلان الاداء يلاقى الفقر لان الزكاة انما تتم بالتمليك وحالة التمليك المدفوع اليه فقير وانما يصير غنيا بعد تمام التمليك فيتأخر الغنى عن التمليك ضرورة فيجوز

واما الكراهة فلان الانتفاع به صادف حال الغنى ولو صادف حال الفقراء لكان اكمل وندب دفع ما يغنى عن السؤال يومه لقوله عليه السلام ( اغنوهم عن المسألة ) والسؤال ذل فكان فيه صيانة المسلم عن الوقوع فيه ولا يسأل من له قوت يومه لان فى السؤال ذلا ولا يحل للمسلم ان يذل نفسه بغير الاحتياج نكد والنكدى حرام

ثم اعلم ان الاوصاف التى عبر بها عن الاوصاف المذكورة وان كانت تعم المسلم والكافر الا ان الاحاديث خصتها بالمسلم منهم

وقال ابو حفص لا يصرف الى من لا يصلى الا احيانا. والتصدق على الفقير العالم أفضل من الجاهل. وصدقة التطوع يجوز صرفها الى المذكورين وغيرهم من المسلم والذمى والى بناء المساجد والقناطر وتكفين الميت وقضاء دينه ونحوها لعدم اشتراط التمليك فى التطوع وان اريد صرف الفرض الى هذه الوجوه صرف الى الفقير ثم يؤمر بالصرف اليها فيثاب المزكى والفقير ولو قضى دين حمى اى من مال الزكاة وان كان بأمره جاز كأنه تصدق على المديون فيكون القابض كالوكيل له فى قبض الصدقة وان كان بغير امره يكون متبرعا فلا يجوز من زكاة ماله ولا تصرف الزكاة الى مجنون وصبى غير مراهق الا اذا قبض لهما من يجوز له قبضها كالال والوصى وغيرهما وتصرف الى مراهق يعقل الاخذ كما فى المحيط

قال فى مجمع الفتاوى جملة ما فى بيت المال اربعة اقسام الاول الصدقات وما ينضم اليها تصرف الى ما قال اللّه تعالى

{ انما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية. والثانى الغنائم تصرف الى اليتامى والمساكين وابن السبيل. والثالث الجزية والخراج تصرف الى ما فيه صلاح دار الاسلام والمسلمين نحو سد الثغور والمقاتلة وعطاتهم وسلاحهك وكراعهم ويصرف الى امن الطريق والى اصلاح القناطر وكرى الانهار والى ارزاق الولاة والقضاة والائمة والمؤذنين والقراء والمحتسبين والمفتين والمعلمين. والرابع ما اخذ من تركة الميت اذا مات بلا وارث او الباقى من فرض الزوج او الزوجة اذا لم يترك سواه يصرف الى نفقة المرضى وادويتهم وعلاجهم ان كانوا فقراء والى نفقة من هو عاجز عن الكسب انتهى

والاشارة انما الصدقات اى صدقات اللّه كما قال عليه السلام

( ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة الا للّه فيها صدقة يتصدق بها على من يشاء من عباده ) والفقراء هم الاغنياء باللّه الفانون عن غيره الباقون به وهذا حقيقة قوله عليه الصلاة والسلام ( الفقراء الصبر هم جلساء اللّه يوم القيامة ) وهو سر ما قال الواسطى الفقير لا يحتاج الى اللّه وذلك لنه غنى به والغنى بالشئ لا يحتاج اليه والمساكين وهم الذى لهم بقية اوصاف الوجود لهم سفينة القلب فى بحر الطلب وقد خرقها خضر المحبة وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا

{ والعاملين عليها } وهم ارباب الاعمال كما كان الفقراء والمساكين اصحاب الاحوال

{ والمؤلفة قلوبهم } وهم الذين تتألف قلوبهم بذكر اللّه الى اللّه المتقربون اليه بالتباعد عما سواه

{ وفى الرقاب } وهم المكاتبون قلوبهم عن رق الموجودات تحريا لعبودية موجدها والمكاتب عبد ما بقى عليه درهم

{ والغارمين } وهم الذين استقرضوا من مراتب المكونات اوصافها وطبائعها وخواصها وهم محبوسون فى سجن الوجود بقروضهم وانهم فى استخلاص ذممهم عن القروض بردها فهم معاونون بتلك الصدقات للخلاص من حبس الوجود

{ وفى سبيل اللّه } وهم الغزاة المجاهدون فى الجهاد الاكبر وهو الجهاد مع كفار النفوس والهوى والشيطان والدنيا

{ وابن السبيل } وهم المسافرون عن اوطان الطبيعة والبشرية السائرون الى اللّه على اقدام الشريعة والطريقة بسفارة الانبياء والاولياء

{ فريضة من اللّه } اى هذا السير والجهاد ورد القرض والحرية عن رق الموجودات وتألف القلوب الى اللّه واستعمال آمال الشريعة والتمسكن والافتقار الى اللّه طلبا للاستغناء به امر واجب على العباد من اللّه وهذه الصدقات من المواهب الربانية والالطاف الالهية للطالبين الصداقين امر اوجبه اللّه تعالى فى ذمة كرمه لهم كما قال تعالى ( ألا من طلبنى وجدنى )

{ واللّه عليم } بطالبيه

{ حكيم } فيما يعادونهم على الطلب للوجدان كما قال تعالى

{ من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا } كذا فى التأويلات النجمية

فعلى السالك الفناء عن اوصاف الموجودات والحرية عن رق الكائنات وعرض الافتقار الى هذه النفحات والصدقات

٦١

{ ومنهم } اى من المنافقين كالجلاس بن سويد واحزابه

{ الذين يؤذون النبى } بان يقولوا فى حقه ما يتأذى به الانسان

{ ويقولون } اذا قيل لهم من قبل بعضهم لا تفعلوا هذا الفعل فانا نخاف ان يبلغه ما تقولون فتفضحوا

{ هو } اى النبى عليه السلام

{ اذن } يسمع كل ما قيل له يعنى انا نقول ما شئنا ثم نأتيه فننكر ما قلنا ونحلف فيدصقنا بما نقول انما محمد اذن سامعة اى صاحبها وانما سموه اذنا مبالغة فى وصفه باستماعه كل ما يقال وتصديقه اياه حتى صار بذلك كأنه نفس الاذن السامعة يريدون بذلك انه ليس له ذكاء ولا بعد غور بل هو سليم القلب سريع الاغترار بكل ما يسمع فيسمع كلام المبلغ اولا فيتأذى منه ثم اذا وقع الانكار والحلف والاعتذار يقبله ايضا صدقا كان او كذبا وانما قالوه لانه عليه السلام انما يفعله لقلة فطنته وقصور شهامته

{ قل } هو

{ اذن خير لكم } من اضافة الموصوف الى صفته كرجل صدق والمعنى نعم انه اذن لكنه نعم الاذن فان من يسمع العذر ويقبله خير ممن لا يقبله لانه انما ينشأ من الكرم وحسن الخلق سلم اللّه تعالى قول المنافقين فى حقه عليه السلام انه اذن الا انه حمل ذلك القول على ما هو مدح له وثناء عليه وان كانوا قصدوا به المذمة

{ يؤمن باللّه } تفسير لكونه اذن خير لهم اى يقربه لما قام عنده من الادلة الموجبة له فيسمع جميع ما جاء من عنده ويقبله وكون ذلك خيرا للمخاطبين كما انه خير للعالمين مما لا يخفى

{ ويؤمن للمؤمنين } اى يسلم قولهم ويصدقهم فيما اخبروا به لما علم من خلوصهم وصدقهم ولا شك ان ما اخبر به المؤمنون المخلص يكون حقا فمن استمعه وقبله يكون اذن خير. واللام مزيدة للتفرقة بين الايمان المشهور وهو ايمان الامان من الخلود فى النار الذى هو نقيض الكفر باللّه فانه يعدى بالباء حملا للنقيض على النقيض فيقال آمن باللّه ويؤمنون بالغيب وبين الايمان بمعنى التصديق والتسليم والقبول فانه يعدى باللام مثل وما انت بمؤمن لنا اى بمصدق

{ ورحمة } عطف على اذن خير وهو رحمة بطريق اطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة

{ للذين آمنوا منكم } اى للذين اظهروا الايمان منكم وهم المناقفون حيث يقبله منهم لكن لا تصديقا لهم فى ذلك بل رفقا بهم وترحما عليهم ولا يكشف اسرارهم ولا يهتك استارهم

قال الكاشفى : يعنى [ نه آنست كه بقول شمادانا نيست صدق وكذب شمارا ميداند اما برده ازروى كارشما برنميدارد وازروى رحمت باشما رفق مينمايد ] فالواجل على المؤمن الاقتداء بالرسول المختار فى التحفظ عن كسف الاسرار والتحقق بالاسم الستار

{ والذين يؤذون رسول اللّه } بالقول او الفعل

{ لهم عذاب اليم } [ عذابى دردناك در آخرت بسبب ايذائه ] فانه قد تبين انه عليه السلام خير ورحمة لهم فاذاه مقابلة لاحسانه بالاساءة فيكون كستوجبا للعذاب الشديد وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن ثم يأتون المؤمنين فيعتذرون اليهم ويؤكدون معاذيرهم بالايمان ليعذروهم ويرضوا عنهم فقال تعالى

٦٢

{ يحلفون باللّه لكم } ايها المؤمنون انهم ما قالوا ما نقل اليكم مما يورث اذية النبى عليه السلام

{ ليرضوكم } بذلك

{ واللّه ورسوله احق ان يرضوه } بالتوبة وترك الطعن والعيب والمبالغة فى باب الاجلال والاعظام مشهدا ومغيبا

واما قبول عذرهم وعدم تكذيبهم فهو ستر عيوبهم لا عن رضى بما فعلوا.

وضمير يرضوه الى اللّه فافراده للايذان بان رضاه عليه السلام مندرج تحت رضاه سبحانه وهما متلازمان فاكتفى بذكر احدهما عن الآخر لعدم انفكاك الآخر او الى الرسول فان الكلام فى اذاه وارضاه وذكر اللّه للتعظيم وللتنبيه على ان ارضاء الرسول ارضاء اللّه فاكتفى بذكر ارضائه عليه السلام عن ذكر ارضائه تعالى كما فى قوله تعالى

{ واذا دعوا الى اللّه ورسوله ليحكم بينهم } اكتفى بذكر حكم الرسول للتنبيه على ان حكم اللّه او الى اللّه والرسول باستعارته لاسم الاشارة الذى يشار به الى الواحد والمتعدد بتأويل المذكور لا يقال اى حاجة الى الاستعارة بعد التأويل لانا نقول لولا الاستعارة لم يتسن التأويل لما ان الضمير لا يتعرض الا لذات ما يرجع اليه من غير تعرض لوصف من اوصافه التى من جملتها المذكورية وانما المتعرض لها اسم الاشارة

قال الحدادى لم يقل يرضوهما لانه يكره الجمع بين ذكر اسم اللّه وذكر اسم رسول له فى كناية واحدة كما روى ان رجلا قام خطيبا عند النبى عليه السلام فقال من يطعن اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعصمهما فقد غوى فقال عليه السلام ( بئس الخطيب انت هلا قلت ومن يعص اللّه ورسوله )

قال فى ابكار الافكار انما اراد بذلك تعليم الادب فى المنطق وكراهة الجمع بين اسم اللّه اسم غيره تحت حرفى الكناية لانه يتضمن نوعا من التسوية : قال الصعدى قدس سره

متكلم را تاكسى عيب نكيرد ... سخنش صلاح نبذيرد

مشوغره برحسن كفتار خويش ... بتحسين نادان وبندار خويش

وفى الحديث ( لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء اللّه ثم شاء فلان ) قال الخطابى وهذا ارشاد الى الادب لان الواو للجمع والتشريك وثم للعطف مع الترتيب والتراخى فارشدهم عليه السلام الى تقديم مشيئة اللّه على مشيئة من سواه. ومن هذا قال النخعى يكره ان يقول الرجل اعوذ باللّه وبك ويجوز اعوذ باللّه ثم بك ويقال لولا اللّه ثم فلان لفعلت كذا ولا يقال لولا اللّه وفلان وانما يقال من يطع اللّه ورسوله لان اللّه تعبد العباد بان فرض عليهم طاعة رسول اللّه رسول اللّه فاذا اطيع رسول اللّه اطيع اللّه بطاعة اللّه بطاعة رسوله

{ ان كانوا مؤمنين } اى صادقين فيما اظهروه من الايمان فليرضوا اللّه ورسوله بالطاعة واخلاص الايمان فانهما احق بالارضاء

٦٣

{ ألم يعلموا } اى اولئك المنافقون والاستفهام للتوبيخ على ما اقدموا عليه من العظمة مع علمهم بسوء عاقبتهم

{ انه } اى الشان

{ من } شرطية معناها بالفارسية [ هركس كه ]

{ يحادد اللّه ورسوله } [ خلاف كند باخداى تعالى وبارسول او وازحد دركذراند. والمحادة باكسى حرب يا خلاف كردن ] كما فى تاج المصادر مفاعلة من الحد وهو الطرف والنهاية وكل واحد من المتخالفين والمتعاندين فى حد غير حد غير حد صاحبه

{ فان له } بالفتح على انه مبتدأ حذف خبره اى فحق ان له

{ نار جهنم خالدا فيها ذلك } العذاب الخالد

{ الخزى العظيم } الخزى الذل والهوان المقارن للفضيحة والندامة وهى ثمرات نفاقهم حيث يفتضحون على على رؤوس الاشهاد بظهورها ولحوق العذاب الخاص بهم

واعلم ان كل نبى اوذى بما لا يحيط به نطاق البيان وكان النبى عليه السلام اشدهم فى ذلك كما قال ( ما اوذى نبى مثل ما اوذيت ) ولما كانت الاذية سبب التصفية كان المعنى ما صفى نبى مثل ما صفيت

واما قوله عليه السلام حين قسم غنائم الطائف فقال بعض المنافقين بعدم العدل ( من يعدل اذا لم يعدل اللّه ورسوله رحمة اللّه الى اخى موسى لقد اوذى باكثر من هذا فصبر ) فيحتمل ان يكون بالنسبة الى ذلك الوقت وقد زاد اذاه الى آخر العمر كمية واشتد كيفية هذا هو اللائح بالبال فاذا كان الانبياء عليهم السلام مبتلين بالاذية والنفى من البلد والقتل فما ظنك بالاولياء الكرام وهم احوج منهم الى التصفية لان قدس الانبياء اغلب وبواطنهم انور وسرائرهم اصفى

قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره وانما كان الحسن مسموما والحسين مذبوحا رضى اللّه عنهما بسبب ان كمال تعينهما كان بالشهادة وكان النبى عليه السلام قادرا على تخليصهما بالشفاعة من اللّه تعالى ولكنه رأى كمالهما فى مرتبتهما راجحا على الخلاص حتى انه عليه السلام دفع قارورتين لواحدة من الازواج المطهرة وقال ( اذا أصفر ما فى احداهما يكون الحسن شهيد بالسم واذا احمر ما فى الاخرى يكون الحسين شهيدا بالذبح ) فكان كذلك

فعلى العاقل الاطاعة والتسليم وتحمل الاذى من كل منافق لئيم فان اللّه تعالى مع المؤمن المتقى اينما كان فاذا كان اللّه معه وكاشف عن ذلك هان عليه الابتلاء لمشاهدته المبتلى على كل حال فى فرح وترح : وفى المثنوى

هر كجا باشد شه مارا بساط ... هست صحرا كربود سم الخياط

هركجا يوسف رضى باشد جوماه ... جنست اوكرجه باشد قعر جاه

٦٤

{ يحذر المنافقون ان تنزل عليهم } اى على المؤمنين

{ سورة تنبئهم } اى تخبر تلك السورة المؤمنين

{ بما فى قلوبهم } اى قلوب المنافقين من الشرك والنفاق فتفضحهم وتهتك عليهم استارهم فالضميران الاولان للمؤمنين. والثالث للمنافقين ولا يبالى بالتفكك عند ظهور الامر ويجوز ان تكون الضمائر ملها للمنافقين. فالمعنى يحذر المنافقون ان تنزل عليهم اى فى شأنهم فان ما نزل فى حقهم نازل عليهم سورة تنبئهم بما فى قلوبهم من الاسرار الخفية فضلا عما كانوا يظهرونه فيما بينهم من اقاويل الكفر والنفاق ومعنى تنبيئها اياهم مع انها معلومة لهم وان المحذور عندهم اطلاع المؤمنين على اسرارهم لا اطلاع انفسهم عليها انها تذيع ما كانوا يجفونه من اسرارهم فتنتشر فيما بين الناس فيسمعونها من افواه الرجال

فان قلت كيف يحذر المنافقون نزول الوحى الكاشف عن نفاقهم مع انهم ينكرون نبوته عليه السلام فكيف يجوزون نزول الوحى

قلت ان بعض المنافقين كانوا يعلمون النبوة لكنهم كانوا يكفرون عند اهل الشرك عنادا وحسدا وبعضهم كانوا شاكين مترددين فى امره صلى اللّه تعالى عليه وسلم الشاك يجوز نزول الوحى فيخاف ان ينزل عليه ما يفضحه

وقال ابو مسلم كان اظهار الحذر منهم بطريق الاستهزاء فانهم كانوا اذا سمعوا رسول اللّه يذكر كل شئ ويقول انه بطريق الوحى يكذبونه ويستهزئون به بان يقولوا فيما بينهم على وجه الاستهزاء به عليه السلام انا نحذر ونخاف ان ينزل عليه ما يفصحنا ولذلك قيل

{ قل استهزئوا } اى افعلوا الاستهزاء وهو امر تهديد : يعنى [ استهزا مكنيد كه جزا خواهيد يافت وجزا آنست كه براى تفضيح سما ]

{ ان اللّه مخرج } اى من القوة الى الفعل او من الكمون الى البروز

{ ما تحذرون } اى ما تحذرونه من انزال السورة او ما تحذرون اظهاره من مساويكم ومن هذا سميت هذه السورة الفاضحة لانها فضحت المنافقين وتسمى ايضا الحافرة لانها حفرت عن قلوب المنافقين

٦٥

{ ولئن سألتهم } عما قالوا بطريق الاستهزاء

{ ليقولن انما كنا نخوض } فى الكلام ونتحدث كما يفعل الركب لقطع الطريق بالحديث

{ ونلعب } كما يلعب الصبيان -روى- انه عليه الصلاة والسلام كان يسير فى غزوة تبوك وبين يديه ركب من المنافقين يستهزئون بالقرآن وبالرسول عليه السلام ويقولون انظروا الى هذا الرجل يريج ان يفتتح حصون الشام وقصوره وهيهات هيهات يحسب محمد أن قتال بنى الاصفر معه اللعب واللّه لكأنهم يعنى الصحابة غدا مفرقون فى الجبال فاطلع اللّه نبيه على ذلك فقال ( اجلسوا على الركب ) فاتاهم فقال ( قلتم كذا وكذا ) فقالوا يا نبى اللّه لا واللّه ما كنا فى شئ من امرك ولا من امر اصحابك انما كنا نخوض ونلعب فلما انكروا ما هم فيه من الاستهزاء والتخفيف امر اللّه تعالى رسوله فقال

{ قل } يا محمد على طريق التوبيخ غير ملتفت الى اعتذارهم

{ أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } عقب حرف التقرير بالمستهزئ به اشارة الى تحقق الاستهزاء وثبوته فانه فرق بين ان يقال تستهزئ باللّه وبين ان يقال ابا اللّه تستهزئ فان الاول يقتضى الانكار على ملابسة الاستهزاء والثانى يقتضى الانكار على ايقاع الاستهزاء فى اللّه

٦٦

{ لا تعتذروا } لا تشتغلوا بالاعتذار فانه معلوم الكذب بين البطلان والاعتذار عبارة عن محو اثر الذنب

قال فى التبيان اصل الاعتذار القطع يقال اعتذرت اليه اى قطعت ما فى قلبه من الموجدة

{ قد كفرتم } الكفر باذى الرسول والطعن فيه

{ بعد ايمانكم } اى بعد اظهاركم له فانهم قط لم يكونوا مؤمنين ولكن كانوا منافقين

{ ان نعف } [ اكر عفو كنيم ]

{ عن كائفة منكم } لتوبتهم واخلاصهم او لتجنبهم عن الاذية والاستهزاء

{ نعذب طائفة بانهم } اى بسبب انهم

{ كانوا مجرمين } مصرين على الاجرام وهم غير التائبين او مباشرين وهم غير المجتنبين واعتذر النبى عليه السلام لمن قال ألا تقتلهم لظهور كفرهم بقوله اكره ان تقول العرب قاتل اصحابه بل يكفينا هم باللّه بالدبيلة او بالداهية

وفى الآيات اشارات

الاولى ان المنافقين وان اعتقدوا نزول الوحى على النبى عليه السلام واعتقدوا نبوته لكن لم ينفعهم مجرد الاعتقاد والاقرار باللسان فى ثبوزت الايمان مع ادنى شك داخلهم ولم ينفعهم الحذر من القدر وهذا تحقيق قوله ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) وفى هدية المهديين قال آمنت بجميع الانبياء ولا اعلم آدم نبى أم لا يكفر ومن لم يعرف ان سيدنا محمدا عليه السلام خاتم الرسل لا نسخ لدينه الى يوم القيامة لا يكون مؤمنا

والثانية ان اظهار اللطف والرحمة بلا سبب محتمل ولكن اظهار القهر والفرق لا يكون الا بسبب جرم من المجرمين كما قال

{ بانهم كانوا مجرمين } وفى المثنوى

جونكه بد كردى بترس ايمن مباش ... زانكه تخمست وبروياند خداش

جند كاهى او بيوشاند كه تا ... آيدت زان بد بشيمان وحيا

بارها بوشد بى اظهار فضل ... باز كيرد ازبى اظهار عدل

تاكه اين هردوصفت ظاهر شود ... آن مبشر كردد اين منذر شود

والثالثة ان الاستهزاء باللّه ورسوله وبالآيات القرآنية كفر والاستهزاء استحقار الغير بذكر عيوبه على وجه يضحك قولا او فعلا وقد لا يكون الاستهزاء بالاشارة والايمان وبالضحك على كلامه اذا تخبط فيه او غلظ او على صنعته ونحو ذلك وهو حرام بالاجماع معدود من الكبائر عند البعض كما قال علاء الدين التركسانى فى منظومته العادّة لكبائر الذنوب وهى سبعون

ويل لمن من الانام يسخر ... مقامه يوم الجزاء سقر

وفى الحديث ( ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم فى الآخرة باب من الجنة فيقال له هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فاذا جاء اغلق دونه ثم يفتح له باب آخر فيقال له هلم هلم فيجيء بغمه وكربه فاذا جاء اغلق دونه فما يزال كذلك حتى ان احدهم ليفتح له الباب من ابواب الجنة فيقال له هلم فما يأتيه من الاياس ) وفى الحديث ( ثلاثة لا يستخف بهم الا منافق ذة الشيبة فى الاسلام وذو العلم وامام مقسط )

كما فى الترغيب والترهيب للامام المنذرى وانما خص هذه الثلاثة لان اوصافهم راجعة الى اوصاف اللّه تعالى فذو الشيبة حصل له كبر السن والبارى له الكبرياء والعالم اتصف بصفة اعلم والامام المقسط اتصف بصفة العدل وهما من صفات اللّه تعالى ايضا فمن اجلال اللّه تعالى واكرامه اجلال هذه الثلاثة واكرامهم ومن استخفافه استخفافهم وفى الحديث ( ارحموا عزيز قوم ذل وغنى قوم افتقر وعالما بين الاقوام الجهال لا يعرفون حقه )

كفت بيغمبركه با اين سه كروه ... رحم آريد ارنه سنكيدونه كوه

آنكه او بعد از عزيزيى خوارشد ... وان توانكرهم بى دينار شد

وان سوم آن عاملى كاندرجهان ... مبتلا كردد ميان ابلهان

زانكه از عزت بخوارى آمدن ... همجو قطع عضو باشد ازبدن

عضو كردد مرده كزتن وابريد ... كو بريده جنبد اما نى مديد

ومن تعظيم الرسول تعظيم اولاده -قيل- ركب زيد بن ثابت رضى اللّه عنه فدنا ابن عباس رضى اللّه عنه ليأخذ ركابه فقال لا يا ابن عم رسول اللّه فقال هكذا امرنا ان نفعل بكبرائنا فقال زيد ارنى يدك فاخرجها اليه فقبلها فقال هكذا امرنا ان نفعل ببيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن اولاده المعنوية من اقتدى به قولا وفعلا وحالا فتعظيمه تعظيم الرسول وتحقيره تحقيره فعليك التعظيم والتبجيل

٦٧

{ المنافقون } [ مردان منافق مه سيصد نفر بودند ]

{ والمنافقات } [ وزنان منافقه كه صدو هفتاد بودند ]

{ بعضهم من بعض } اى متشابهون فى النفاق والبعد عن الايمان كابعاض الشيء الواحد بالشخص

{ يأمرون بالمنكر } اى بالكفر والمعاصى

{ وينهون عن المعروف } اى عن الايمان والطاعة استئناف مقرر لمضمون ما سبق ومفصح عن مضادة حالهم لحال المؤمنين

{ ويقبضون ايديهم } اى عن الاتفاق فى سبيل اللّه وعن الصدقة وعن كل خير فان قبض اليد كناية عن الشح او عن رفعها للدعاء والمناجاة كما فى الكاشفى

{ نسوا اللّه } صاروا غافلين عن ذكره وتركوا امره حتى صار كالمنسى عندهم ذكر الملزوم وهو النسيان واريد اللازم وهو الترك لان النسيان ليس من الافعال الاختيارية فلا يذم عليه

{ فنسيهم } فتركهم من لطفه وفضله لا من قهره وتعذيبه وفسر النسيان ايضا بالمعنى المجازى الذى هو الترك لانه محال فى حقه تعالى

{ ان المنافقين هم الفاسقون } الكاملون فى التمرد والفسق الذى هو الخروج عن الطاعة والانسلاخ عن كل خير

٦٨

{ وعد اللّه المنافقين والمنافقات } الوعد يستعمل فى الخير بمعنى الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها وفى الشر بمعنى الاخبار بايصال المضرة قبل وقوعها يقال وعدته خيرا ووعدته شرا فاذا سقط الخير والشر قالوا فى الخير الوعد والعدة وفى الشر الايعاد والوعيد وقد اوعده ويوعده اى وعد العقاب

{ والكفار } الا المجاهرين

{ نار جهنم } وهى من اسماء النار تقول العرب للبئر البعيدة القعر جهنام فيجوز ان يكون جهنم مأخوذة من هذا اللفظ لبعد قعرها -روى- ان رسول اللّه صلى اله عليه وسلم سمع صوتا هاله فاتاه جبريل فقال عليه السلام ( ما هذا الصوت يا جبرائيل ) قال هذه صخرة هوت من شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين بلغت قعرها فاحبّ اللّه ان يسمعك صوتها فما رؤى رسول اللّه ضاحكا ملئ فيه حتى قبضه اللّه

{ خالدين فيها } اى مقدرا خلودهم فيها

{ هى حسبهم } عقابا وجزاء ولا شئ ابلغ من تلك العقوبة ولا يمكن الزيادة عليها

{ ولعنهم اللّه } اى ابعدهم من رحمته واهانهم وهو بيان لبعض ما تضمنه الخلود فى النار فان النار المخلد فيها مع كونها كافية فى الايلام تتضمن شدائد آخر من اللعن والاهانة وغيرهما

{ ولهم عذاب مقيم } لا ينقطع والمراد به ما وعدوه وهو الخلود فى نار جهنم ذكر بعده تأكيدا له لان الخلود والدوام بمعنى واحد

٦٩

{ كالذين من قبلكم } اى انتم ايها المنافقون مثل الذين من قبلكم من الامم المهلكة

{ كانوا اشد منكم قوة } [ يعنى بتن ازشما قوى تربودند ]

{ واكثر اموالا واولادا فاستمتعوا بخلاقهم } اى تمتعوا بنصيبهم من ملاذ الدنيا سمى النصيب خلاقا لانه مشتق من الخلق بمعنى التقدير ونصيب كل واحد هو الخير المقدر له

{ فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } الكاف فى محل النصب على انه نعت لمصدر محذوف اى استمتاعا كاستمتاعهم وليس فى الآية تكرار لان قوله فاستمتعوا بخلاقهم ذم للاولين بالاشتغال بالحظوظ الفانية وذمهم بذلك تمهيد لذم المخاطبين بسلوكهم سبيل الاولين وتشبيه حالهم بحالهم

{ وخضتم } اى دخلتم فى الباطل وشرعتم فيه

{ كالذى } اى كالفوج الذى

{ خاضوا } ويجوز ان يكون اصله الذين حذفت النون تخفيفا

{ اولئك } الموصوفون بما ذكر من الافعال الذميمة من المشبهين والمشبه بهم والخطاب لرسول اللّه او لكل من يصلح للخطاب

{ حبطت اعمالهم } التى كانوا يستحقون بها الاجور لو قارنت الايكان مثل الانفاق فى وجوه الخير وصلة الرحم وغير ذلك اى ضاعت وبطلت بالكلية ولم يترتب عليها اثر

{ فى الدنيا والآخرة }. اما فى الآخرة فظاهر.

واما فى الدنيا فلأن ما يترتب على اعمالهم فيها من الصحة والسعة وغير ذلك حسبما يبنى عنه قوله تعالى

{ من كان يرجو الحيوة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم لا يبخسون } ليس ترتيبه عليها على طريق المثوبة والكرامة بل بطريق الاستدارج

{ واولئك } الموصوفون بحبوط الاعمال فى الدارين

{ هم الخاسرون } الكاملون فى الخسران فى الدارين الجامعون لمباديه واسبابه طرا فانه قد ذهبت رؤوس اموالهم فيما ضرهم ولم ينفعهم قط ولو انها ذهبت فيما لا يضرهم ولا ينفعهم لكفى به خسرانا : قال السعدى قدس سره

قيامت كه بازار مينو نهند ... منازل باعمال نيكو نهند

بضاعت بجند انكه آرى برى ... اكر مفلسى شر مسارى برى

كه بازار جند انكه آكنده تر ... تهى دست را دل برا كنده تر

٧٠

{ ألم يأتهم } اى المنافقين

{ نبأ الذين من قبلهم } اى خبرهم الذى له شأن وهو ما فعلوه وما فعل بهم والاستفهام للتقرير والتحذير اى قد اتاهم خبر الامم السالفة وسمعوه فليحذروا من الوقوع فيما وقعوا

{ قوم نوح } اغرقوا بالطوفان وهو بدل من الذين

{ وعاد } اهلكوا بريح صرصر

{ وثمود } اهلكوا بالرجفة والصيحة

{ وقوم ابراهيم } اهلك نمرود ببعوضة واهلك اصحابه بالهدم

{ واصحاب مدين } اى واهل مدين وهم قوم شعيب اهلكوا بالنار يوم الظلة ومدين هو مدين بن ابراهيم نسبت القربة اليه

{ والمؤتفكات } الظاهر انه عطف على مدين وهى قربات قوم لوط ائتفكت بهم اى انقلبت بهم فصار عاليها سافلها وامطروا حجارة من سجيل

{ اتتهم } اى جميع من تقدم من المهلكين

{ رسلهم بالبينات } اى بالحجج والبراهين فكذبوهم فاهلكهم اللّه

{ فما كان اللّه ليظلمهم } اى لم يكن من عادته ما يشابه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم

{ ولكن كانوا انفسهم يظلمون } حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب : قال الصائب

جرا زغير شكايت كنم كه همجو حباب ... هميشه خانه خراب هواى خويشتنم

فعلى العاقل اى لا يغتر بالقوة والاولاد والاموال فان كلها فى معرض الزوال : قال الحافظ

ببال وبر مرو ازره كه تير برتانى ... هوا كرفت زمانى ولى بخاك نشست

يعنى لا تغتر بقدرتك وقوتك البدنية والدنيوية ولا تخرج بسببها عن الصراط المستقيم فان حالك مشابه لحال السهم فانه وان علا على الهواء زمانا لكنه يسقط على الارض فآخر كا علو هو السفل وآخر كل قدرة هو العجز فلا بد من تدارك الامر بالتوبة والاستغفار قبل نزول ما نزل بالقوم الاشرار

قال بعض الصالحين خرجت الى السوق ومعى جارية حبشية فاجلستها فى مكان وقلت لها لا تبرحى حتى اعود اليك فذهبت ثم عدت الى المكان فلم اجدها فيه فانصرفت الى منزلى وانا شديد الغضب عليها فجاءتنى وقالت لى يا مولاى لا تعجل على فانك اجلستنى بين قوم لا يذكرون اللّه تعالى فخشيت ان ينزل بهم خسف وانا معهم فقلت ان هذه امة قد رفع عنها الخسف اكراما لنبيها محمد صلى اللّه عليه وسلم فقالت ان رفع عنها خسف المكان فما رفع عنها خسف القلوب يا من خسف بمعرفته وقلبه وهو فى غفلته من بلائه وكربه بادر الى حميتك ودوائك قبل موتك وفنائك

وعن عائشة رضى اللّه عنها قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المنبر والناس حوله ( ايها الناس استحيوا من اللّه حق الحياء ) فقال رجل يا رسول اللّه انا نستحيى من اللّه فقال ( من كان منكم مستحييا فلا يتبين ليلة الا واجله عينيه وليحفظ البطن وما وعى والرأس وما حوى وليذكر الموت والبلى وليترك زينة الدنيا ) قال اللّه تعالى لموسى وهارون علهيما السلام ولو اشاء ان ازينكما بزينة علم فرعون حين يراها ان مقدرته تعجز عنها لفعلت ولكنى ازوى عنكما وكذلك افعل باوليائى وليس ذلك لهو انهم على ولكن ليستكملوا حظهم من كرامتى

مكو جاهى از سلطت بيش نيست ... كه ايمن تر ازملك درويش نيست

فقد تقرر رجال اهل الدنيا وحال اهل الآخرة فالعاقل يعتبر ويتبصر الى ان يموت ويقبر

٧١

{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض } اى بعضهم على دين بعض فى الحق اىى متفقون فى التوحيد وبعضهم معين بعض فى امر دينهم ودنياهم وبعضهم موصل بعض الى الدرجات العالية بسبب التربية وتزكية النفس وهم المرشدون فى طريق اللّه تعالى

{ يأمرون بالمعروف } اى جنس المعروف الشامل لكل خير ومنه الايمان والطاعة ويهيج بعضهم بعضا فى طلب اللّه وهو المعروف الحقيقى كما قال ( فاحببت ان اعرف )

{ وينهون عن المنكر } اى جنس المنكر المنتظم لكل شر ومنه الكفر والمعاصى التى تقطع العبد عن اللّه من الدنيا وغيرها

{ ويقيمون الصلاة } فلا يزالون يذكرون اللّه تعالى ويديمون مراقبة القلب وحضوره مع اللّه بحيث لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وهم ارباب المكاشفة واصحاب القلوب وهذا بمقابلة ما سبق قوله نسوا اللّه

{ ويوتون الزكوة } بمقابلة قوله تعالى

{ ويقبضون ايديهم } فهم يؤدون الزكاة الواجبة بل ينفقون ما فضل عن كفافهم الضرورى ويطهرون انفسهم عن محبة الدنيا بالانفاق

{ ويطيعون اللّه ورسوله } اى فى كل امر ونهى وهو بمقابلة وصف المنافقين بكمال الفسق والخروج عن الطاعة

قال فى التأويلات النجمية يشير الى الاخلاص فى معاملتهم فان المنافقين يقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ولكن لا يطيعون اللّه ورسوله فى ذلك وانما يطيعون النفس والهوى رعاية لمصالح دنياهم

{ اولئك } الموصوف بهذه الاوصاف الكريمة

{ سيرحمهم اللّه } اى يفيض عليهم آثار رحمته من التأييد والنصرة البتة وينجيهم من العذاب الاليم سواء كان عذاب النار او عذاب البعد من الملك الجبار بالادخال الى الجنة والايصال الى القرية والوصلة

وعن بعض اهل الاشارة

{ سيرحمهم اللّه } فى خمسة مواضع عند الموت وسكراته يهون عيهم سكرات الموت ويحفظ ايمانهم من الشيطان وفى القبر وظلماته ينور قبورهم ويحفظهم من العذاب وعند قراءة الكتاب وحسراته يؤتيهم كتابهم بيمينهم ويمحو سيآتهم من كتابهم كيلا يتحسروا على سيآتهم وعند الميزان وندماته يثقل موازينهم وعند الوقوف بين يدى اللّه وسؤالاته يسهل عليهم جوابهم ولا يؤاخذهم بعيوبهم وفى الحديث ( من صلى صلاة الفجر هان عليه الموت وغصته ومن صلى صلاة الظهر هان عليه القبر وضمته ومن صلى صلاة العصر هان عليه سؤال منكر ونكير وهيبته ومن صلى صلاة المغرب هان عليه الميزان وخفته ومن صلى صلاة العشاء هان عليه الصراط ودقته )

{ ان اللّه عزيز } تعليل الوعد اى قوى قادر اعزاز اوليائه وقهر اعدائه ذو النعمة لمن يطيعه

{ حكيم } بنى احكامه على اساس الحكمة الداعية الى ايصال الحقوق من النعمة والنقمة الى مستحقيها من اهل الطاعة واهل المعصية حكم للمؤمنين بالجنة فى مقابلة تصديقهم واقرارهم وللمحسنين بالوصلة فى مقابلة طلبهم فى جميع الحال رضى اللّه وتركهم ما سواه وحكم للكافرين والمنافقين بالنار لانطارهم وتكذيبهم الانبياء وعبادتهم للاوثان والاصنام

٧٢

{ وعد اللّه المؤمنين والمؤمنات } اى وعدهم وعدا شاملا لكا واحد منهم على اختلاف طبقاتهم فى مراتب الفضل كيفما وكما والوعد عبارة عن الاخبار بايصال المتفعة قبل وقوعها

{ جنات } جمع جنة وهى الحديقة ذات النخل والشجر

{ تجرى من تحتها } اى اشجارها وغرفها

{ الانهار } انهار الماء والعسل والخمر واللبن

{ خالدين فيها } اى مقدرا خلودهم ودوامهم فيها فكل واحد من المؤمنين فائز بهذه الجنات لا محالة

{ وماسكن طيبة } اى وعد بعض الخواص الكمل منهم منازل تستطيبها او يطيب فيها العيش وفى الخبر انها صور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الاحمر

{ فى جنات عدن } هلى ابهى اماكن الجنات واسناها

عن النبى عليه السلام ( عدن دار اللّه لم ترها عين ولم يخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاث النبيون والصديقون والشهداء طوبى لمن ادخلها ) -روى- ان اللّه تعالى خلق جنة عدن بيده من غير واسطة وجعلها له كالقلعة للملك وجعل فيها الكثيب مقام تجلى الحق سبحانه وفيها مقام الوسيلة مقام المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وغرس شجرة طوبى بيده فى جنة عدن واطالها حتى علت فروعها سور جنة عدن ونزلت مظللة على سائر الجنات كلها وليس فى اكمامها ثمر الا الحلى والحلل لباس اهل الجنة وزينتهم زائدة فى الحسن والبهاء لها اختصاص فضل لكونها خلقها اللّه بيده وهى اجمع الحقائق الجنانية نعمة واتمها بركة فانها اصل لجميع اشجار الجنة كآدم عليه السلام لما ظهر منه من البنين وما فى الجنة نهر الا وهو يجرى من اصل تلك الشجرة وهى محمدية المقام وهى فى الدار النبى عليه السلام يقال عدن بالمكان اذا اقام به ومنه المعدن لمستقر الجواهر

{ ورضوان من اللّه } اى وشئ يسير من رضوانه تعالى

{ اكبر } واعظم من الجنان ونعيمها لانه مبدأ جميع السعادات ومنشأ تمام الكمالات [ محققان راه وعارفان آكاه را دركاه وبيكاه جز رضاى حضرت اللّه مطلوبى نيست ]

يكى مى خواهد از توجنت وحور ... يكى خواهد ازدوزخ شود دور

وليكن مانخواهيم اين وآن جست ... مراد ما همين خشنودى تست

جوتو خشنود كردى در دوعالم ... همين مقصود بس واللّه اعلم

قال الحافظ

صحبت حورنخواهم كه بود عين قصور ... يا خيال تو اكر با دكرى بردازم

-روى- انه تعالى يقول لاهل الجنة ( هل رضيتم فيقولون ما لنا لا نرضى وقد اعطيتنا ما لم تعط احدا من خلقك فيقول انا اعطيكم افضل من ذلك فيقولون وأى شئ افضل من ذلك فيقول احل عليكم رضوانى فلا اسخط عليكم ابدا )

{ ذلك } المذكور من النعيم والرضى

{ هو الفوز العظيم } دون ما يعده الناس فوزا من حظوظ الدنيا فانها مع قطع النظر عن فنائها وتغيرها وتنغصها وتكدرها ليست بالنسبة الى ادنى شئ من نعيم الآخرة الا بمثابة جناح البعوض قال عليه السلام

( لو كانت الدنيا تزن عند اللّه جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ) قال يحيى بن معاذ الدنيا دار خراب واخرب منها قلب من يعمرها والآخرة دار عمران واعمر منها قلب من يطلبها

وقال ايضا فى الدنيا جنة من دخلها لم يشتق الى الجنة قيل وما هى قال معرفة اللّه تعالى وهى الجنة المعنوية

قال ابو يزيد البسطامى حلاوة المعرفة الالهية خير من جنة الفردوس واعلى عليين لو فتحوا لى ابواب الجنان الثمانى واعطونى الدينا والاخرة لم تعدل انينا وقت السحر

فعلى العاقل الاجتهاد والتوجه الى الحضرة العليا والاعراض عن الدنيا والفوز بالمطلب الاعلى والمقصد الاسنى نسأل اللّه الدخول الى حرم الوصول

٧٣

{ يا ايها النبى } اعلم ان اللّه تعالى خاطب الانبياء عليهم السلام باسمائهم الشريفة مثل يا آدم ويا نوح ويا موسى ويا عيسى وخاطب نبينا صلى اللّه تعالى وسلم بالالقاب الشريفة مثل يا ايها النبى ويا ايها الرسول وذلك يدل على علو جنابه عليه السلام مع ان كثرة الالقاب والاسماء تدل على شرف المسمى ايضا

قال ابو الليث فى آخر سورة النور عند قوله تعالى

{ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } اى لا تدعوا محمدا صلى اللّه عليه وسلم باسمه ولكن وقروه وعظموه فقولوا يا رسول اللّه ويا نبى اللّه ويا ابا القاسم

وفى الآية بيان توقير معلم الخير فامر اللّه تعالى بتوقيره وتعظيمه. وفيه معرفة حق الاستاذ. وفيه معرفة حق اهل الفضل ا ه

اقول ولذا يطلق على اهل الارشاد عند ذكرهم الفاظ دالة على تعظيمهم على اى لغة كانت لانه اذا ورد النهى عن التصريح باسماء الآبا الصورية لكونه سوء ادب فما ظنك بتصريح اسماء الآباء المعنوية : والمعنى يا ايها المبلغ عن اللّه والمخبر أو يا صاحب علو المكانة والزلفى لان لفظ النبى ينبئ عن الانباء والارتفاع

{ جاهد الكفار } اى المجاهرين منهم بالسيف والجهاد عبارة عن بذل الجهد فى صرف المبطلين عن المنكر وارشادهم الموجبة للحدود ولا تجوز المحاربة معهم بالسيف لان شريعتنا تحكم بالظاهر وهم يظهرون الاسلام وينكرون الكفر

{ واغلظ عليهم } اى على الفريقين جميعا فى ذلك واعنف بهم ولا ترفق

هست نرمى آفت جان سمور ... وزدرشتى ميبردجان خاربشت

قال عطاء نسخت هذه الآية كل شيء من العفو والصفح لان كل وقت حكما

{ ومأويهم جهنم } جملة مستأنفة لبيان آجر امرهم اثر بيان عاجله

{ وبئس المصير } اى بئس الموضع موضعهم الذى يصيرون اليه ويرجعون. والفرق بين المرجع والمصير ان المصير يجب ان يخالف الحالة الاولى ولا كذلك المرجع فى الحديث ( اوصيك بتقوى اللّه فانها رأس امرك ) يعنى اصل الطاعة وهو الخوف من اللّه تعالى فان المرء لا يميل الى الطاعة ولا يرغب عن المعصية الا بالتقوى فاذا غرس شجرة التقوى فى القلب تميل اطراف الانسان الى جانب الحسنات ولا يقدم على ارتكاب السيآت ( وعليك بالجهاد فانه رهبانية امتى ) الرهبانية الخصال المنسوبة الى الرهبان من التعبد فى الصوامع والغيران وترك اكل اللحم والطيبات ولبس الخلل المنسوبة الى الرهبان من التعبد فى الصوامع والغيران وترك اكل اللحم والطيبات ولبس الخلل من الثياب فقد افاد النبى عليه السلام ان الثواب الذى يحصل للامم السالفة بالرهبانية يحصل لهذه الامة المرحومة بالغزو وان لم يترهبوا بل رب آكل ما يشتهيه خير من صائم نبت حب الدنيا فيه : قال السعدى قدس سره

خوردنه كه خيرى برآيد زدست ... به از صائم الدهر دنيا برست

قال الاوزاعى خمس كان عليها اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والتابعون لزوم الجماعة وابتاع السنة وعمارة المسجد وتلاوة القرآن والجهاد فى سبيل اللّه وفى الحديث ( افضل رجال امتى الذين يجاهدون فى سبيل اللّه وافضل نساء امتى اللاتى لا يخرجن من البيوت الا لامر لا بد لهن منه ) وفى الحديث ( اتقوا اذى المجاهدين فى سبيل اللّه فان اللّه تعالى يغضب لهم كما يغصب للرسل ويستجيب لهم كما يستجيب للرسل ) وفى الحديث ( اذا اخذتم اذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط اللّه عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم ) دل هذا على ان ترك الجهاد والاعراض عنه والسكون الى الدنيا خروج من الدين وكفى بهذا اثما وذنبا مبينا

وفى الآية اشارة الى القلب الذى نبأ من مقام الانبياء يأمره بالجهاد مع كفار النفس وصفاتها وهذا مقام المشايخ يجاهدون مع نفوسهم او نفوس مريدهم كما قال عليه السلام ( الشيخ فى قومه كالنبى فى امته ) قال فى المثنوى

كفت بيغمبركه شيخى رفته ببش ... جون نبى باشدميان قوم خويش

فامر بالجهاد مع كافر النفس وصفاتها بسيف الصدق فجهاد النفوس يمنعها عن شهواتها واستعمالها فى عمل الشريعة على خلاف الطبيعة والنفوس بعضها كفار لم يسلموا اى لم يستسلموا للمشايخ فى تربيتها فجهادها بالدعوة الى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة وبعضها منافقون وهم الذين ادعوا الارادة والاستسلام للمشايخ فى الظاهر ولم يعرفوا بما عاهدوا عليه فجهادها بالزامها مقاساة شدائد الرياضات فى التزكية على قانونها ممتثلة اوامر الشيخ ونواهيه ولو يرى عليها الاباء والامتناع فلا ينفعها الا التشديد والغلظة كما قال تعالى

{ واغلظ عليهم } فالواجب ان يبالغ فى خالفتها ومؤاخذتها فى احكام الطريقة فان فاءت الى امر اللّه فهو المراد والا استوجبت لما خلقت له

{ ومأواهم جهنم } اى مرجعهم جهنم البعد ونار القطيعة

{وبئس البصير} مرجعهم كذا فى التأويلات النجمية

فعلى السالك ان يجاهد مع هواه اولا فان السلطان يلزم عليه ان يحارب البغاة الذين فى مملكته ثم الذين وراءهم من الكفار نسأل اللّه تعالى ان يقوينا وينصرنا على القوم الكافرين اياما كانوا

٧٤

{ يحلفون باللّه ما قالوا } -روى- ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقام فى غزوة تبويك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المنافقين المتخلفين فيسمعه من كان منهم معه عليه السلام فقال الجلاس ابن سويد منهم لئن كان ما يقول محمد حقا لاخواننا الذين خلفناهم وهم ساداتنا واشرافنا فنحن شر من الحمير فقال عامر بن قيس الانصارى للجلاس اجل واللّه واللّه ان محمدا لصادق وانت شر من الحمير فبلغ ذلك رسول اللّه فاستحضره فحلف باللّه ما قال فرفع عامر يده فقال اللّهم انزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب فقال رسول اللّه صلى اله عليه وسلم والمؤمنون

{ آمين } فنزل جبريل قبل ان يتفرقوا بهذه الاية وصيغة الجمع فى قالوا مع ان القائل هو الجلاس للايذان بان بقيتهم لرضاهم بقوله صاروا بمنزلة القائل

{ ولقد قالوا كلمة الكفر } هى ما حكى آنفا

{ وكفروا بعد اسلامهم } اى واظهروا ما فى قلوبهم من الكفر بعد اظهارهم الاسلام

{ وهموا بمالهم ينالوا } الهم بالشيء فى اللغة مقارنته دون الوقوع فيه اى قصدوا الى ما لم يصلوا الى ذلك من قتل الرسول وذلك ان عشر منهم توافقوا عند مرجعه عليه السلام من تبوك على ان يفتكوا به فى العقبة التى هى بين تبوك والمدينة فقالوا اذا اخذ فى العقبة دفعناه عن راحلته الى الوادى فاخبر اللّه تعالى رسوله بذلك فلما وصل الجيش الى العقبة نادى منادى رسول اللّه ان رسول يريدان يسلك العقبة فلا يسلكها احد واسلكوا بطن الوادى فانه اسهل لكم واوسع فسلك الناس بطن الوادى وسلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العقبة فلما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا وسلكوا العقبة وامر عليه السلام عمار بن ياسر رضى اللّه عنه ان يأخذ بزمام الناقة يقودها وامر حذيفة بن اليمان رضى اللّه عنه ان يسوقها من خلفها فبينما هما كذلك اذ سمع حذيفة بوقع اخفاف الابل وبقعقعة السلاح فرجع اليهم ومعه محجن فجعل يضرب به وجوه رواحلهم وقال إليكم إليكم يا اعداء اللّه اى تمنعوا عن رسول اللّه وتنحوا فهربوا وفى رواية انه عليه السلام خرج بهم فولوا مدبرين فعلموا انه عليه السلام اطلع على مكرهم فانحطوا من العقبة مسرعين الى بطن الوادى واختلطوا بالناس فرجع حذيفة يضرب الناقة فقال عليه السلام ( هل عرفت احد من الركب الذين رددتهم ) قال لا كان القوم ملثمين والليلة مظلمة فلما صبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاء اليه اسيد بن حفير رضى اللّه عنه فقال يا رسول اللّه ما منعك البارحة من سلوك الوادى فقد كان اسهل من سلوك العقبة فقال ( أتدرى ما اراد المنافقون )

وذكر له القصة فقال يا رسول اللّه قد نزل الناس واجتمعوا فمر كل بطن ان يقتل الرجل الذى هم بهذا فان احببت بين باسائهم والذى بعثك بالحق لا ابرح حتى آتيك برؤسهم فقال ( انى اكره ان يقول الناس ان محمدا قالتل بقوم حتى اذا اظهره اللّه بهم اقبل عليهم يقتلهم ) فقال يا رسول اللّه هؤلاء ليسوا باصحاب فقال عليه السلام ( أليس يظهرون الشهادة ) ودعا عليهم رسول اللّه فقال ( اللّهم ارمهم بالدبيلة ) وهى سراج من نار يظهر بين اكتافهم حتى ينجم من صدورهم. وفى لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب احدهم فيهلكه

{ وما نقموا } قال فى القاموس نقمك الامر كرهه اى وما كرهوا وما عابوا وما انكروا شيأ من الاشياء

{ الا ان اغناهم اللّه ورسوله من فضله } سبحانه وتعالى وذلك انهم كانوا حين قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة فى غاية ما يكون من شدة العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فآثروا بالغنائم اى استغنوا وكثرت اموالهم وقتل للجلاس مولى فامر رسول اللّه بديته اثنى عشر الف درهم فاستغنى

قال سعدى جلبى يجوز ان يكون زيادة الالفين شنقا اى تكرما لانهم كانوا يعطون الدية ويتكرمون بزيادة عليها ويسمونها شنقا انتهى

وهذا الكلام من قبيل قولهم مالى عندك ذنب الا احسانى اليك اى ان كان ثمة ذنب فهذا هو تهكم بهم وتوبيخ

وقيل الضمير فى اغناهم للمؤمنين اى غاظهم اغناؤه للمؤمنين كذا قال ابن عبد السلام

{ فان يتوبوا } عماهم عليه من الكفرة والنفاق

{ يك } ذلك التوب

{ خيرا لهم } فى الدارين قيل لما تلاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال جلاس يا رسول اللّه لقد عرض اللّه على التوبة واللّه لقد قبلت وصدق عامر بن قيس فتاب جلاس وحسنت توبته

{ وان يتولوا } اى استمروا على ما كانوا عليه من التولى والاعراض عن الدين

{ يعذبهم اللّه عذابا اليما فى الدنيا } بالقتل والاسر والنهب وغير ذلك من فنون العقوبات

{ والآخرة } بالنار وغيرها من افانين العقاب

{ وما لهم فى الارض } مع سعتها وتباعد اقطارها وكثرة اهلها المصححة لوجدان ما نفى بقوله تعالى

{ من ولى } [ دوستى كه دست كيرد ]

{ ولا نصير } [ ونه يارى كه عذاب ايسان باز دارد ] اى ينقذهم من العذاب بالشفاعة والمدافعة فاعاصى لا ينجو من الذعاب وان كان سلطانا ذا منعة الا بالاستغفار من الذنوب واخلاص التوحيد والتوجه٠ الى علام الغيوب -حكى- عن محمد بن جعفر انه قال كنت مع الخليفة فى زورق فقال الخليفة انا واحد وربى واحد فقلت له اسكت يا امير المؤمنين لو قلت ما قلت مرة اخرى لنغرق جميعا قال لم قلت لانك لست بواحد انما انت اثنان الروح والجسد من الاثنين الاب والام فى الاثنين والنهار بالاثنين الطعام والشراب مع الاثنين الفقر والعجز والواحد هو اللّه الذى لا اله الا هو

وقال حكيم لاصحاب الجنة ثلاثة اشياء يدخلون بها الجنة قوله لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه والاستغفار من الذنوب والندم عليها وتحميد اللّه تعالى فى الدنيا وان اول ما يقولون اذا دخلوا الجنة الحمد للّه الذى اذهب عنا الحزن الى حزن القبر والكتاب والنيران ان ربنا لغفور للذنوب والمعصية شكور لقليل العمل والطاعة وفى الحديث

( امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا اللّه ) قال المولى الجامى قدس سره

دلت آيينه خداى نماست ... روى آيينه توتيره جراست

صيقلى زار صيقلى ميزن ... باشد آيينه آت شود روشن

صيقل آن اركنه آكاه ... نيست جز لا اله الا اللّه

وفى قوله

{ يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم } اشارة الى ان بعض المريدين عند استيلاء النفوس وغلبة هواها وظفر الشيطان بهم شأنهم ان ينكروا على مشايخهم ويقولا فى حقهم كلمة الكفر اى كلمة الانكار والاعتراض ويعرضوا عنهم بقلوبهم بعد الارادة والاستسلام فاذا وقف المشايخ على احوال ضمائرهم وخلل الارادة فى سرائرهم

{ يحلفون باللّه } انهم

{ قالوا } وما انكروا

{ وهموا بما لم ينالوا } يعنى وهم بعضهم ان يثبت لنفسه مرتبة الشيخوخة قبل اوانها ويظهر الدعوة الى نفسه وان لم ينلها

{ وما نقموا الا ان اعنيهم اللّه ورسوله من فضله } اى وما انكروا على الشيخ وخرجوا من امره الا كون الشيخ غنى بلبان فضل اللّه عن حلمة الولاية ليروا آثار الرشد على انفسهم فلم يحتلموا لضيق حوصلة الهمة فزين لهم الشيطان سوء اعمالهم فاصمهم بذلك واعمى ابصارهم

{ فان يتوبوا } يرجعوا الى ولاية الشيخ بطريق الالتجاء

{ يك خيرا لهم } بان يتخلصوا من غير الولاية وردها فانها مهلكة ويتمسكوا بحبل الارادة فانها منجية

{ وان يتولوا } اى يعرضوا عن ولاية الشيخ

{ يعذبهم اللّه عذابا اليما فى الدنيا والآخرة } بعد الولاية فان مرتد الطريقة اعظم ذنبا من مرتد الشريعة

قال الجنيد لو اقبل صديق على اللّه الف سنة ثم اعرض عنه لحظة فان ما فاته اكثر مما ناله فاما عذابه فى الدنيا فبسلب الصدق والرد على باب الطلب وارخاء الحجاب وذله وتقوية الهوى وتبديل الاخلاص بالرياء والحرص على الدنيا وطلب الرفعة والجاه

واما عذابه فى الآخرة فباشتعال نيران الحسرة والندامة على قلبه المعذب بنار القطيعة وهى نار اللّه الموقدة التى تطلع على الافئدة

{ وما لهم فى الارض من ولى ولا نصير } يشير الى ان من ابتلى برد ولاية شيخ كامل ولو امتلأت الارض بالمشايخ وارباب الولاية وهو يتمسك بذيل ارادتهم غير ان شيخه رده لا يمكن لاحدهم اعانته واخراجه من ورطة الرد الا ما شاء اللّه كما فى التأويلات النجمية

٧٥

{ ومنهم } اى من المنافقين

{ من عاهد اللّه } المعاهدة المعاقدة واليمين

{ لئن آتينا } اى اللّه تعالى

{ من فضله } [ از فضل خود مالى ]

{ لنصدقن } اى لنؤتين الزكاة وغيرها من الصدقات واصله لنتصدقن ادغمت التاء فى الصاد والمتصدق معطى الصدقة وسميت صدقة لدلالتها على صدق العبد فى العبودية

{ ولنكونن من الصالحين } قال ابن عباس رضى اللّه عنهما يريد الحج نزلت فى ثعلبة بن حاطب الانصارى كان ملازما لمسجد رسول اللّه ليلا ونهارا وكان يلقب لذلك حمامة المسجد وكانت جبهته كركبة البعير من كثرة السجود على الارض والحجارة المحماة بالشمس ثم جعل يخرج من المسجد كلما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الفجر بالجماعة من غير لبث واشتغال بالدعاء فقال له عليه السلام يوما ( مالك صرت تعمل عمل المنافقين بتعجيل الخروج ) فقال يا رسول اللّه انى فى غاية الفقر بحيث لى ولامرأتى ثوب واحد وهو الذى على وانا اصلى فيه وهى عريانة فى البيت ثم اعود اليها فانزعه وهى تلبسه فتصلى فيه فادع اللّه ان يرزقنى مالا فقال عليه السلام ( ويحك يا ثعلبة ) وهى كلمة عذاب

وقيل كلمة شفقة ( قيل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه ) فراجعه فقال عليه السلام ( اما ترضى ان تكون مثل نبى اللّه فوالذى نفسى بيده لو شئت ان تسير معى الجبال ذهبا وفضة لسارت ) واشار الى علم الكيمياء ( ولكن اعرف ان الدنيا حظ من لا حظ له وبها يغتر من لا عقل له ) فراجعه وقال يا رسول اللّه والذى بعثك بالحق نبيا لو دعوت اللّه ان يرزقنى مالا لاؤدين كل ذى حق حقه فقال عليه السلام ( اللّهم ارزق ثعلبا مالا ) ثلاث مرات فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت بها ازقة المدينة فنزل واديا حتى فاتته الجماعة لا يصلى بالجماعة الا الظهر والعصر فنمت وكثرت فتنحى مكانا بعيد حتى انقطع عن الجماعة والجمعة فسأل عنه رسول اللّه فقيل كثر ماله حتى لا يسعه وادٍ اى وادٍ واحد بل يسعه اودية وصحارى فخرج بعيدا فقال عليه السلام ( يا ويح ثعلبة ) فلما نزل قوله تعالى

{ خذ من اموالهم صدقة } استعمل النبى عليه السلام رجلين على الصدقات رجلا من الانصار ورجلا من بنى سليم وكتب له الصدقة واسنانها وامرهما ان يأخذاها من الناس فاستقبلهما بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة وارآه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيه الفرائض فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية وقال ارجعا حتى أرى رأيى وذلك قوله تعالى

٧٦

{ فلما آتيهم } اللّه تعالى المال

{ من فضله } وكرمه

{ بخلوا به } اى منعوا حق اللّه منه

{ وتولوا } اى اعرضوا عن طاعة اللّه والعهد معه

{ وهم معرضون } وهو قوم عادتهم الاعراض فلما رجعا قال لهما رسول اللّه قبل ان يكلماه

( يا ويح ثعلبة ) مرتين فنزلت فركب عمر رضى اللّه عنه راحلته ومضى الى ثعلبة وقال ويحك يا ثعلبة هلكت قد انزل اللّه فيك كذا وكذا فجاء ثعلبة بالصدقة فقال عليه السلام ( ان اللّه منعنى ان اقبل منك ) فجعل يحثو التراب على رأسه لا لانه تاب عن النفاق بل للحوق العار من عدم قبول زكاته مع المسلمين فقال عليه السلام ( هذا ) اى عدم قبول صدقتك ( عملك ) اى جزاء عملك اراد قوه هذه جزية امرتك فلم تطعنى فقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجاء بها الى ابى بكر رضى اللّه عنه فلم يقبلها ثم جاء بها الى عمر رضى اللّه عنه فى خلافته فلم يقبلها وهلك فى خلافة عثمان رضى اللّه عنه

قال الحدادى لم يقبل منه عثمان صدقته انتهى

٧٧

{ فاعقبهم } اى جعل اللّه عاقبة فعلهم ذلك فالمعنى على تقدير المضاف اى اعقب فعلهم

{ نفاقا } راسخا

{ فى قلوبهم } وسوء اعتقاد يقال اعقبه اللّه خيرا اى صير عاقبة امره ذلك خيرا ويقال اكلت سمكة واعقبتنى سقما اى صيرت تلك الاكلة او السمكة عاقبة امرها سقما

{ الى يوم يلقونه } اى الى يوم موتهم الذى يلقون اللّه عنده دل على تأييد نفاقهم وان البخل ومنع حق اللّه تعالى مما اعطاه اياه يؤدى الى ان يكون وهو منافق ولا يثبت له حكم الاسلام أبدا نعوذ باللّه كابليس ترك امرا واحدا فطرده عن بابه وضرب وجهه بعبادته ثمانين الف سنة ولعنه الى يوم الدين واعدله عذابا اليما أبدا الآبدين : قال الحافظ

زاهد أيمن مشو ازبازئ غيرت زنهار ... كه ره از صو معه تادير مغان اين همه نيست

{ ربما اخلفوا اللّه ما وعدوه } بسبب اخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح

{ وربما كانوا يكذبون } اى لكونهم مستمرين على الكذب فى جميع المقالات التى من جملتها وعدهم المذكور

٧٨

{ ألم يعلموا } اى من عاهدوا اللّه الاستفهام للتقرير اى قد علموا

{ ان اللّه يعلم سرهم } اى ما اسروه فى انفسهم من العزم على الاهلاف ولم يتكلموا به سرا ولا جهرا

{ ونجواهم } وما يتناجون به فيما بينهم من تسمية الزكاة جزية وغير ذلك ممالا خير فيه. والتتاجى [ بايكديكر راز كردن ] يقال نجاه نجوى وناجاه مناجاة ساره والنجوى السر كالنجى

{ وان اللّه علام الغيوب } فلا يخفى عليه شيء من الاشياء فكيف يجترئون على ما هم عليه من النفاق والعزم على الاخلاف

مكن انديشه عصيان جو ميدانى كه ميداند ... مبين در روى اين وآن جوميدانى كه مى بيند

وفى الآيات اشارات

منها ان من نذر نذرا فيه قربة نحو ان يقول ان رزقنى اللّه الف درهم فعلى ان تصدق بخمسائة لزمه الوفاء به ومن نذر ما ليس بقربة او بمعصية كقوله نذرت ان ادخل الدار او قال للّه ان اقتل فلانا اليوم فحنث يلزمه الكفارة وهى عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فالواجب واحد من هذه الثلاثة والعبد مخير فيه فان عجز عن احد هذه الاشياء الثلاثة صام ثلاثة ايام متتابعات وان علق النذر بشرط يريد وجوده نحو ان يقول ان قدم فلان او ان قدمت من سفرى او ان شفى اللّه من مريضى او قضى دينى فللّه على صيام او صدقة او ان ملكت عبدا او هذا العبد فعلى ان اعتقه يلزمه الوفاء بما نذر لانه نذر بصيغة وليس فيه معنى اليمين وان علقه بشرط لا يريد وجوده كقوله ان كلمت فلانا او دخلت الدار فعلى صوم سنة يجزئه كفارة يمين والمنذور اذا كان له اصل فى الفروض اى واجب من جنسه لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف وما لا اصل له فى الفروض فلا يلزم الناذر كعيادة المريض وتشييع الجنازة ودخول المسجد وبناء القنطرة والرباط والسقاية وقرآة القرآن ونحوها والاصل فيه ان ايجاب العبد معتبر بايجاب اللّه تعالى تحصيلا للمصلحة المعلقة بالنذر والنذر المعلق لا يختص بزمان ومكان ودرهم وفقير بخلاف النعلق فلو قال الناذر على ان اتصدق فى هذا اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا بدرهم آخر على غيره اجزأه عندنا ولا يجزئه عند زفر

واعلم ان المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الاقصى لكونها ابنية الانبياء عليهم السلام لها فضيلة تامة ولهذا اقل الفقهاء لو نذر ان يصلى فى احد هذه الثلاثة تعين بخلاف سائر المساجد فان من نذر ان يصلى فى احدهما له ان يصلى فى الآخر

ومنها ان النفاق عبادة عن التكذب وخلف الوعد والخيانة الى ما ائتمن كما ان الايمان عبارة عن الصدق وملازمة الطاعة لان اللّه تعالى خلق الصدق فظهر من ظله الايمان وخلق الكذب فظهر من ظله الكفر والنفاق وفى الحديث

( ثلاثة من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان ) يعنى من يحدث عالما بانه كذب وتعهد عازما على عدم الوفاء وينتظر الامانة للخيانة ولعل هذا يكون فى حق من اعتاد بهذه الخصال لا فى حق من ندرت منه كما هو مذهب البخارى وبعض العلما ومذهب الجمهور على ان هذه الخصال خصال المنافقين وصاحبها شبيه لهم فاطلاق اسم المنافق عليه على سبيل التجوز تغليظا كما ان اللّه تعالى قال ومن كفر مكان ومن لم يحج لكمال قبحه

قال صاحب التحفة ليس الغرض ان آية المافق محصورة فى الثلاث بل من ابطن خلاف ما اظهر فهو من المنافقين

واعلم ان المنافقين صنفان صنف معلنوا الاسلام ومسروه فى بدء الامر وذلك لغلبة صفات النفاق وقوتها فى النفس معلنوا الاسلام ومسروه فى بدء الامر الى ان استعملوا هذه الصفات المستكنة فى النفس فيظهر بالفعل كما كان بالقوة وذلك لضعفها فى النفس فيعقبهم النفاق الى الابد بالشكوك الواقعة فى قلوبهم وهم عن هذا النوع من النفاق غافلون وهم يصومون ويصلون ويزعمون انهم مسلمون

قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل امة بمنافقيها وجئنا بالحجاج فضلناهم

يقول الفقير سامه اللّه القدير هذا الكلام بالنسبة الى ذلك الوقت ولو انه رأى وزراء آل عثمان ووكلاءهم فى هذا الزمان لوجدهم ارجح من كل منافق لانه بلغ نفاقهم الى حيث اخذوا الرشوة من الكفار ليسامحوهم فى مقاتلتهم ومحاربتهم خذلهم اللّه ومردهم

ومنها ذم البخل والحرص على الدنيا وفى الحديث ( ثلاثة لا يحبهم اللّه ورسوله وهم فى لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين البخيل والمتكبر والاكول ) وفى الحديث ( ويل للاغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التى فرضت لنا عليهم فيقول اللّه تعالى بعزتى وجلالى لأبعدنهم ولأقربنكم ) قال الحافظ

كنج قارون كه فروميرود از قهر هنوز ... خوانده باشى كه هم ازغيرت درويشانست

وفى الحديث ( ما جبل ولى للّه الا على السخاء ) واجود الاجواد هو اللّه تعالى ألا ترى انه كيف خلع خلعة الوجود على عامة الكائنات مجانا وانعم عليهم انواع النعم الظاهرة والباطنة اى حيث منع الخلق عن المهالك كالشهوات لا بخلا بل شوقا الى اللذات الباقية

٧٩

{ الذين } رفع على الذم اى المنافقون هم الذين

{ يلمزون } قال فى القاموس اللمز العيب والاشارة بالعين ونحوها اى يعيبون ويغتابون

{ المطوعين } اى المتطوعين المتنقلين

{ من المؤمنين } حال من المطوعين

{ فى الصدقات } متعلق بيلمزون -روى- ان النبى صلى اللّه عليه وسلم فى تجهيز العسكر فكان اول من جاء بالصدقة ابو بكر الصديق رضى اللّه عنه جاء بجميع ماله اربعة آلاف درهم فقال له رسول اللّه ( هل ابقيت لاهلك شيأ ) قال أبقيت لهم اللّه ورسوله وجاء عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه بنصف مالع فقال عليه السلام ( هل ابقيت لاهلك شيأ ) قال النصف الثانى فقال ( ما بينكما ما بين كلاميكما ) ومنه يعرف فضل ابى بكر على عمر رضى عنه وانفق عثمان بن عفان رضى اللّه عنه نفقة عظيمة لم ينفق احد مثلها فانه جهز عشرة آلاف وانفق عليها عشرة آلاف دينار وصب فى حجر النبى عليه السلام الف دينار واعطى ثلاثمائة بعير باحلاسها واقتابها وخمسين فرسا وعند ذلك قال صلى اللّه عليه وسلم ( اللّهم ارض عن عثمان فانى عنه راض ) وفى الحديث ( سألت ربى ان لا يدخل النار من صاهرته او صاهرنى ) وقد كان عليه السلام زوج بنته رقية من عثمان فماتت بعد ما خرج رسول اللّه الى بدر فلما رجع من بدر زوجه تم كلثوم ولذا سمى عثمان بذى النورين ولما ماتت ام كلثو قال عليه السلام ( لو كان عندى ثالثة لزوجتكما ) وجاء عبد الرحمن بن عوف رضى اللّه عنه باربعة آلاف درهم فقال عليه السلام ( بارك اللّه لك فيما امسكت وفيما اعطيت ) فبارك اللّه له حتى بلغ ماله حين مات وصولحت احدى نسائه الاربع عن ربع ثمنها على ثمانين الف درهم ونيف فكان ثمن ماله اكث رمن ثلاثمائة الف وعشرين الفا وفى رواية جاء باربعين اوقية من ذهب ومن ثمة قيل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا خزانتين من خزئان اللّه فى الارض ينفقان فى طاعة اللّه تعالى وجاء العباس بمال كثير وكذا طلحة وتصدق عاصم بن عدى بمائة وسق من تمر والوسق ستون صاعا بصاع النبى عليه السلام وهو اربعة امداد وكل مد رطل وثلث رطل بالبغدادى عند ابى يوسف والشافعى والرطل مائة وثلاثون درهما وعند ابى حنيفة كل مد رطلا وبعثت النساء بكل ما يقدرون عليه من حليهن وجاء ابو عقيل الانصارى بصاع من تمر وقال يا رسول اللّه بت ليلتى كلها اجر بالجرير على صاعين اما احدهما فامسكته لعيالى

واما الآخر فاقرضته ربى فامره رسول اللّه ان ينثره فى الصدقات فطعن فيهم المنافقون وقالوا ما اعطى عبد الرحمن وعاصم الارياء وسمعة وان ابا عقيل جاء ليذكر بنفسه ويعطى من الصدقة باكثر مما جاء به وان اللّه لغنى عن صاع ابى عقيل فانزل اللّه هذه الآية

{ والذين لا يجدون الا جهدهم } عطف على المطوعين اى ويلمزون الذين لا يجدون الا طاقتهم من الصدقة

قال الحدادى عابوا المكثر بالرياء والمقل بالاقلال يقال الجهد بالفتح المشقة والجهد بالضم الطاقة

وقيل الجهد فى العمل والجهد فى القوة

{ فيسخرون منهم } عطف على يلمزون اى يستهزئون بهم والمراد بهم الفريق الاخير كابى عقيل

{ سخر اللّه منهم } اى جازاهم على سخريتهم فيكون تسمية جزاء السخرية سخرية من قبيل المشاكلة لوقوعه فى صحبة قوله فيسخرون منهم

{ ولهم } اى ثابت لهم

{ عذاب اليم } على كفرهم ونفاقهم

اى كه دارد نفاق اندر دل ... خاز بادش خليده اندر حلق

هركه سازد نفاق بيشه خويش ... خوار كرددبنزد خالق وخلق

قال الحدادى ولما نزلت هذه الآية اتى المنافقون الى رسول اللّه وقالوا يا رسول اللّه استغفر لنا فكان عليه السلام يستغفر لقوم منهم على ظاهر الاسلام من غير علم منه بنفاقهم وكان اذا مات احد منهم يسألون رسول اللّه الدعاء والاستغفار لميتهم فكان يستغفر لهم على انهم مسلمون فاعلمه اللّه انهم منافقون واخبر ان استغفاره لا ينفعهم فذلك قوله تعالى

٨٠

{ استغفر لهم او لا تستغفر لهم } خرج الكلام مخرج الامر ومعناه الشرط اى ان شئت استغفر لهم وان شئت لا تستغفر فالامران متساويان فى عدم النفع الذى هو المغفرة والرحمة

{ ان تستغفر لهم سبعين مرة } قوله مرة انتصب على المصدر اى سبعين استغفارة او على الظرف اى سبعين وقتا وتخصيص السبعين بالذكر لتأكيد نفى المغفرة لان الشئ اذا بولغ فى وصفع اكد بالسبع والسبعين وهذا كما يقول القائل لو سألتنى حاجتك سبعين مرة لم اقضها لا يريد انه اذا امتناع المغفرة لهم ولو بعد المبالغة فى الاستغفار ليس لعدم الاعتداد باستغفارك بل

{ بانهم } اى بسبب انهم

{ كفروا باللّه ورسوله } اى كفرا متجاوزا عن الحد كما يلوح وصفهم بالفسق فى قوله تعالى

{ واللّه لا يهدى القوم الفاسقين } فان الفسق فى كل شئ عبارة عن التمرد والتجاوز عن حدوده اى لا يهديهم هداية موصلة الى المقصد البتة لمخالفة ذلك للحكمة التى عليها يدور فلك التكوين والتشريع.

واما الهداية بمعنى الدلالة على ما يوصل اليه فهى متحققة لا محالة ولكنهم بسوء اختيارهم لم يقبلوها فوقعوا فيما وقعوا

وفيه اشارة الى ان استغفار النبى عليه السلام لاحد من غير استغفاره لنفسه لا ينفعه فاليأس من المغفرة وعدم قبول استغفاره ليس لبخل من اللّه ولا لقصور فى النبى عليه الصلاة والسلام بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها كما قال المولى جلال الدين فى شرح الهياكل المحال لا يدخل تحت قدرة قادر ولا يلزم من ذلك النقص فى القادر بل النقص فى المحال حيث لا يصلح لتعلق القدرة انتهى ومنه يعرف معنى قول العرفى الشيرازى

ذات تو قادرست بايجاد هرمحال ... الا بآفريدن جون تو يكانه

وفى عبارته سوء ادب كما لا يخفى

واعلم ان من كفرهم وفسقهم سخريتهم فى امر الصدقات ولو كان لهم ايمان واصلاح لبالغوا فى الانفاق وجدوا فى البذل كالمخلصين

وفى التاويلات النجمية قلب المؤمن منور بالايمان وروحه متوجه الى الحق تعالى فالحق يؤيد ؤوحه بتأييد نظر العناية وتوفيق العبودية فيسطع من الروح نور روحانى مؤيد بنور ربانى فتنبعث منه الخواطر الرحمانية الداعية الى اللّه تعالى باعمال موجبة للقربة من الفرائض والنوافل فتارة تكون الاعمال بدنية كالصوم والصلاة وتارة تكون تلك الاعمال مالية كالزكاة والصدقة فيتطوع بالصدقة فضلا عن الزكاة وفى الحديث ( ان النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن احدكم هديته وليطيبها ) وقلب المنافق مظلم بظلمات صفات النفس لعدم نور الايمان وروحه متوجه الى الدنيا وزخارفها بتبعية النفس الامارة بالسوء مطرود بالخذلان لان قرينه الشيطان فبتأثير الخذلان ومقارنة الشيطان يصعد من النفس ظلمة نفسانية تمنع القلب من قبول الدعوة واجابة الرسل واتباع الاوامر واجتناب النواهى بالصدق وتنبعث منه الخواطر الظلمانية النفسانية وبذلك يمتنع عن اداء الفرائض فضلا عن النوافل والتطوعات ويهزأ بمن يفعل ذلك -روى- ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان فاراه اللّه فى المنام فلما رأى عظمته غشى عليه فلما افاق قال الهى من الذى يقدر ان يملأ كفته من الحسنات فقال يا داود انى اذا رضيت عن عبدى املأها بتمرة -وروى- ان الحسن مر به نخاس ومعه جارية جميلة فقال للنخاس أترضى فى ثمنها بدرهم او درهمين قال لا قال فاذهب فان اللّه يرضى فى الحور العين بالفلس والفلسين : قال السعدى قدس سره

بدنيا توانى كع عقبى خرى ... بخرجان من ورنه حسرت خورى

واعلم ان النوافل مقبولة بعد اداء الفرائض والا فهى من علامات اهل الهوى

٨١

{ فرح المخلفون } المخلف ما يتركه الانسان خلفه والمتخلف الذىىتأخر بنفسه والمراد المنافقون الذين خلفهم النبى عليه السلام بالمدينة حين الخروج الى غزوة تبوك بالاذن لهم فى القعود عند استئذانهم

{ بمقعدهم } مصدر ميمى بمعنى القعود متعلق بفرح اى بقعودهم وتخلفهم عن الغزو

{ خلاف رسول اللّه } ظرف للمصدر اى خلفه وبعد خروجه حيث خرج ولم يخرجوا فالخرف بمعنى خلف كما فى قوله تعالى

{ واذا لا يلبثون خلافك الا قليلا } يقال اقام زيد خلاف القوم اى تخلف عنهم بعد ذهابهم ظعن لو لم يظعن ويجوز ان يكون بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة اى فرحوا لاجل مخالفتهم اياه عليه السلام بان مضى هو للجهاد وتخلفوا عنه

{ وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم فى سبيل اللّه } ايثارا للدعة والخفض اى الراحة وسعة العيش على طاعة اللّه مع ما فى قلوبهم من الكفر والنفاق. وفى ذكر الكراهة بعد الفرح الدال عليها تعريض بالمؤمنين الذين بذلوا اموالهم وانفسهم فى سبيل اللّه وآثروا تحصيل رضاه تعالى وفى قوله كرهوا مقابلة معنوية مع فرح لان الفرح من ثمرات المحبة

{ وقالوا } اى

قال بعضهم لبعض تثبيتا لهم التخلف والقعود وتواصيا فيما بينهم بالشر والفساد او قالوا للمؤمنين تثبيطا لهم عن الجهاد ونهيا لهم عن المعروف فقد جمعوا ثلاث خصال من خصال الكفر والضلال الفرح بالقعود وكراهة الجهاد ونهى الغير عن ذلك

{ لا تنفروا } اى لا تخرجوا

{ فى الحر } فانه لا تستطاع شدته وكانوا دعوا الى غزوة تبوك فى وقت نضج الرطب وهو اشد ما يكون من الحر وقول عروة بن الزبير ان خروجه عليه السلام لتبوك كان فى زمن الخريف لا ينافى وجود الحر فى ذلك الزمن لان اوائل الخريف وهو الميزان يكون فيه الحر

وكان ممن تخلف عن مسيره معه صلى اللّه عليه وسلم ابو خثيمة ولما سار عليه السلام اياما دخل ابو خثيمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين فى عريشتين لهما فى حائط قد رشت كل منهما عريشتها وبردت فيها ماء وهيأت طعاما فلما دخل تظر الى امرأتيه وما صنعتا فقال رضى اللّه عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى الحر وابو خثيمة فى ظل وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف ثم قال واللّه لا ادخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول اللّه حتى ادركه : قال الحافظ

ملوم از همر هان بودن طريق ماردانى نيست ... بكش دشوارى منزل بياد عهد آسانى

وقال

مقام عيش ميسر نميشود بى رنج ... بلى بحكم بلابسته اند حكم الست

وقال

من ازديار حبيبم نه ازديار غريب ... مهيمنا بعزيزان خودرسان باشم

{ قل } ردا عليهم وتجهيلا

{ نار جهنم اشد حرا } من هذا الحر وقد آثرتمونا بهذه المخالفة فما لكم لا تحذرونها

{ لو كانوا يفقهون } اى يعلمون انها كذلك لما خالفوا وفى الحديث

( ان ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من اجزاء نار جهنم ) وبيانه انه لو جمع حطب الدنيا فاوقد كله حتى صار نارا لكان الجزء الواحد من اجزاء نار جهنم الذى هو من سبعين جزأ اشد من حر نار الدنيا

وفى الخبر لما اهبط آدم عليه السلام مضى جبرائيل الى مالك واخذ منه جمرة لآدم فلما تناولها احرقت كفة فقال ما هذه يا جبرائيل قال جمرة من جهنم غسلتها سبعين مرة ثم آتيتها اليك فالق عليها الحطب واخبز وكل ثم بكى آدم وقال كيف ( تقوى اولادى على حرها فقال له جبرائيل ليس لها على اولادك المطيعين من سبيل كما ورد فى الحديث تقول جهنم للمؤمن جز يا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى ) ومن كان مع اللّه لا يحرقه شئ ألا ترى الى حال النبى عليه السلام ليلة المعراج كيف تجاوز عن كرة الاثير ولم يحترق منه شعر وكانت النار بردا وسلاما على ابراهيم عليه السلام

٨٢

{ فليضحكوا } ضحكا

{ قليلا } فى الدنيا وهو اشارة الى مدة العمر وعمر الدنيا قليل فكيف عمر من فى الدنيا فانه اقل من القليل

{ وليبكوا } بكاء

{ كثيرا } فى الآخرة فى النار

{ جزاء } مفعول له للفعل الثانى اى ليبكوا جزاء

{ بما كانوا يكسبون } من فنون المعاصى وهذا لفظ امر ومعناه خبر اى يضحكون قليلا ويبكون دائما وانما اخرج فى صورة الامر للدلالة على تختم وقوع المخبر به فان امر الآمر المطاع مما لا يكاد يتخلف عند المأمور به -يروى- ان اهل النفاق يبكون فى النار عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم وفى الحديث ( يرسل اللّه البكاء على اهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى ترى وجوههم كهيئة الاخدود ) ويجوز ان يكون الضحك كناية عن الفرح والبكاء عن الغم وان تكون القلة عبارة عن العدم والكثرة عن الدوام : يعنى [ فردا ايشانرا غمى باشد بى فرح واندوهى بى سرور ] فيكون وقت الضحك والبكاء فى الآخرة. ويجوز ان يكون وقتهما فى الدنيا اى هم لما هم عليه من الخطر مع رسول اللّه وسوء الحال بحيث ينبغى ان يكون ضحكهم قليلا وبكاؤهم من اجل ذلك كثيرا نحو قوله عليه السلام لامته ( لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلا ) قال ابن عمر رضى اللّه عنهما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم فاذا قوم يتحدثون ويضحكون فوقف وسلم عليهم فقال ( اكثروا ذكرها ذم اللذات ) قلنا وماها ذم اللذات قال ( الموت ) قال الصائب

برغفلت سياه دلان خنده ميزند ... غافل مشوز خنده داندن نماى صبح

ومر الحسن البصرى بشاب وهو يضحك فقال له يا بنى هل مررت على الصراط فقال لا فقال هل تدرى الى الجنة تصير ام الى النار فقال لا فقال ففيم هذا الضحك فما رؤى الفتى بعد ذلك يضحك -قيل- لما فارق موسى الخضر عليهما السلام قال اياك واللجاجة ولا تكن مشاء الا لحاجة ولا ضحاكا من غير ععجب كان وابك على خطيئتك يا ابن عمران

قال محمد بن واسع اذا رأيت رجلا فى الجنة يبكى ألست تنعجب من بكائه قال بلى قال فالذى يضحك فى الدنيا ولا يدرى الى م يصير هو اعجب منه

وعن وهيب بن منبه انه قال ان زكريا عليهه السلام فقد ابنه يحيى عليه السلام فوجده مضطجعا على قبر يبكى فقال يا بننى ما هذا البكاء قال اخبرتنى امى ان جبرل اخبرك ان بين الجنة والنار مفازة ذات لهب لا يطفئ حرها الا الدمع فقال زكريا ابك يا بنى ابك

وعن كعب الاحبار انه قال ان العبد لا يبكى حتى يبعث اللّه اليه ملكا فيمسح كبده بجناحه فاذا فعل ذلك بكى

وعن انس قال ثلاثة اعين لا تمسها النار عين فقئت قى سبيل اللّه وعين باتى تحرس فى سبيل اللّه وعين دمعت من خشية اللّه

وفى الحديث ( لان ادمع دمعة من خشية اللّه احب الى من ان تصدق بالف دينار ) وفى التوراة يا ابن آدم اذا دمعت عيناك فلا تمسح الدموع بثوبك ولكن امسحها بكفك فانها رحمة

قال العلماء البكاء على عشرة انواع. بكاء فرح. وبكاء حزن. وبكاء رحمة. وبكاء خوف مما يحصل. وبكاء كذب كبكاء النائحة لانها تبكى لشجو غيرها وجاء ( تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب من لعنة من ودرع من جرب وضعت يدها على رأسها تقول واويلاه وتنبح كما ينبح الكلب ) وبكاء موافقة بان يرى جماعة يبكون فيبكى مع عدم علمه بالسبب. وبكاء المحبة والشوق. وبكاء الجزع من حصول ألم لا يحتمله. وبكاء الجور والضعف. وبكاء النفاق وهو ان تدمع العين والقلب قاس

واما التباكى فهو تكلف البكاء وهو نوعان محمود ومذمة. والاول ما يكون لاستجلاب رقة القلب. والثانى ما يكون لاجل الرياء والسمعة كما فى انسان العيون

والحاصل ان طالب الآخرة ينبغى له تقليل الضحك وتكثير البكاء ولا يغفل عن الموت ولقاء الجزاء فلنه كم ضاحك وكفنه عند القصار : قال الحافظ

ديد آن قهقهه كبك خرامان حافظ ... كه زسر نيجه شاهين قضا غافل بود

٨٣

{ فان رجعك اللّه } من الرجع المتعدى دون الرجوع اللازم يقول رجع رجوعا اى انصرف ورجع الشئ عن الشئ اى صرفه ورده كارجعه. والمعنى ردك اللّه من غزوة تبوك

{ الى طائفة منهم } الطائفة من الشئ القطعة منه وضمير منهم الى المنافقين المتخلفين فى المدينة دون المتخلفين مطلقا منافقا كان او مخلصا فان تخلف بعضهم انما كان لعذر عائق مع الاسلام او الى من بقى من المنافقين لان منهم من مات ومنهم من غاب عن البلد ومنهم من تاب ومن لم يستأذن وعن قتادة انهم كانوا اثنى عشر رجلا قيل فهم ما قيل

{ فاستأذنوك للخروج } معك الى غزوة اخرى بعد غزوتك هذه وهى تبوك

{ فقل لن تخرجوا معى ابدا } اى لا تأذن لهم بحال وهو اخبار فى معنى النهى للمبالغة وكذا قوله

{ ولن تقاتلوا معى عدوا } من الاعداء

{ انكم } تعليل لما سلف اى لانكم

{ رضيتم بالقعود } اى من الغزو وفرحتم بذلك

{ اول مرة } هى الخرجة الى غزوة تبوك وتذكير اسم التفضيل المصاف الى المؤنث هو الاكثر الدائر على الالسنة فانك لا تكاد تسمع قائلا يقول هى كبرى امرأة او اولى مرة

{ فاقعدوا } من بعد

{ مع الخالفين } اى المتخلفين الذين ديدنهم القعود والتخلف دائما لعدم لياقتهم للجهاد كالنساء والصبيان ففى الخالفين تغليب الذكور على الاناث

فان قيل كانت اعمال المنافقين من الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد مقبولة عند النبى عليه السلام وان لم تكن مقبولة عند اللّه تعالى فكان النبى عليه السلام يقول نحن نحكم بالظاهر واللّه يتولى السرائر فما الحكمة فى ان اللّه تعالى امر النبى عليه السلام بان لا يقبل من المتخلفين اعمالهم من الخروج معه والقتال مع العدو وغير ذلك

قلنا ان الحكمة فى ذلك واللّه اعلم ان المنافقين لما كانوا يظهرون الاسلام والائتمار باوامر النبى عليه السلام مع كانوا يضمرون من الكفر والنفاق ورجوعهم من النفاق الى الوفاق فلما اظهروا ما اضمروا ردت اليهم اعمالهم فكان الحكم بالظاهر ايضا فافهم

قال العلماء اخرجهم اللّه تعالى من ديوان الغزاة ومحا اساميهم من دفتر المجاهدين وابعد محلهم من محفل صحبة النبى صلى اللّه عليه وسلم عقوبة لهم على تخلفهم لما فيه من الاهانة واظهار نفاقهم وبيان انهم لبسوا ممن يتقوى به الدين ويعز الاسلام كالمؤمنين الخلص نسأل اللّه تعلاى صحبة الدين وصحبة اهل الدين الى يوم الدين -روى- ان زيد بن حارثة كان لخديجة اشترى لها بسوق عكاظ فوهبته لرسول اللّه فجاء ابوه يريد شراءه منه فقال عليه السلام ( ان رضى بذلك فعلت ) فسئل زيد فقال ذل الرقبة مع صحبة احب الخلق الى الحق احب الى من الحرية مع مفارقته فقال عليه السلام

( اذا اختارنا اخترناه ) فأعتقه وزوجه ام ايمن وبعدها زينب بنت جحش : قال الحافظ

كدايى درجانان بسلطنت مفروش ... كسى زسائه اين در بافتاب رود

والمنافقون لما لم يكن لهم استعداد لهذه الصحبة الشريفة فارقوه عليه السلام فى السفر والحضر لان كل امرئ يصبو الى من يجانس وقدم ناس الى مكة وقالوا قدمنا الى بلدكم فعرفنا خياركم من شراركم فى يومين قيل كيف قالوا لحق خيارنا بخياركم وشرارنا بشراركم فالف كل شكله : قيل

واذا الرجال توسلوا بوسيلة ... فوسيلتى حبى لآل محمد

قال الكاشفى [ جهاد كار مردان مردو مبارزان ميدان نبرد است تزهر تردامنى اين كار نيايد ونامرد بى درد مبارزت معركه مجاهدت نشايد ]

يابرو همجون زنان رنكى وبويى يبش كير ... ياجو مردان اندر اى وكوى درميدان فكن

قال السعدى قدس سره

ندهد هوشمند روشن رأى ... بفرومايه كارهاى خطير

بوريا باف اكرجه بافندست ... نبرندش بكار كاه حرير

ومن بلاغات الزمخشرى لا تصلح الامور الا باولى الالباب والارحاء لا تدور الا على الاقطاب جمع قطب وهو وتد الرحى

٨٤

{ ولا تصل } يا محمد

{ على احد منهم } اى من المنافقين وهو صفة لاحد

{ مات } صفى اخرى ويجوز ان يكون منهم حالا من الضمير فى مات كذا فى تفسير ابى البقاء

{ ابدا } ظرف للنهى اى لا تدع ولا تستغفر لهم ابدا وهو الاظهر.

وقيل منصوب بمات على ان يكون المعنى لا تصل على احد منهم ميت مات ابدا بان مات على الكفر فان من مات على الكفر ميت ابدا وان احياءه للتعذيب دون التمتع فكأنه لم يحى وكان حذيفة رضى اللّه عنه صاحب سر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له ( يوما انى مسرا اليك سرا فلا تذكرنه انى نهيت ان اصلى على فلان وفلان ) وعد جماعة من المنافقين ولما توفى رسول اللّه كان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه خلافته اذا مات الرجل ممن يظن انه من اولك اخذ بيد حذيفة فناداه الى الصلاة عليه فان مشى معه حذيفة صلى عليه عمر وان انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه

{ ولا تقم على قبره } اى ولا تقف عند قبره للدفن او للزيارة والدعاء وكان النبى عليه السلام اذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له

{ انهم كفروا باللّه ورسوله } تعليل للنهى على ان الاستغفار للميت والوقوف على قبره ودعا له

{ انهم كفروا باللّه ورسوله } تعليل للنهى على ان الاستغفار للميت والوقوف على قبره انما يكون لاستصرحه وذلك مستحيل فى حقهم لانهم استمروا على الكفر باللّه وبرسوله مدة حياتهم قال الحافظ قدس سره

بآب زمزم وكوثر سفيدنتوان كرد ... كليم بخت كسى راكه بافنند سياه

وقال السعدى قدس سره

توان باك كردن ززنك آينه ... وليكن نيايد زسنك آينه

{ وماتوا وهم فاسقون } اى متمردون فى الكفر خارجون عن حدوده -روى- عن ابن عباس ان رئيس المنافقين عبد اللّه بن ابى سلول دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه السلام فى مرضه فلما دخل عليه سأله ان يستغفر له ويصلى عليه اذا مات ويقوم على قبره ثم انه ارسل اليه عليه السلام يطلب منه قميصه ليكفن فيه فارسل اليه القميص الفوقانى فرده فطلب الذى يلى جاده فقال عمر رضى اللّه عنه تعطى قميصك لرجس القميص الفوقانى فرده فطلب الذى يلى جلده فقال عمر رضى اللّه عنه تعطى قميصك لرجس النجس فقال عليه السلام ( ان قميصى لا يغنى عنه من اللّه شيأ من اللّه تعالى ان يدخل به الف فى الاسلام ) وذلك ان المنافقين كانوا لا يفارقون ابن ابى فلما رأوه يطلب منه عليه السلام قميصه يتبرك به ويرجو ان ينفعه القميص فى دفع عذاب اللّه وجلب رحمته وفضله اسلم الف من الخروج وانما قال عليه السلام ان قميصى لا يغنى لعدم الاساس الذى هو الايمان ومثله انما يؤثر عند صلاح المحل ويدل عليه قوله عليه السلام

( ادفنوا امواتكم وسط قوم صالحين فان الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحى بجار السوء ) وما يروى الارض المقدسة لا تقدس احدا انما يقدس المرء عمله وقد ثبت ان عبد اللّه بن انيس رضى اللّه عنه لما قتل سفيان بن خالد الهذلى ووضع بين يديه عليه السلام دفع اليه عصا كانت بيده وقال تحضر بهذه الجنة اى توكأ عليها فكانت تلك العصا عنده فلما حضرته الوفاة اوصى اهله ان يجعلوها فاعطى نصف شعر رأسه لابى طلحة وفرق النصف الآخر بين الاصحاب شعره وشعرتين فكانوا يتبركون بها وينصرون ما داموا حاملين لها ولذا قال فى الاسرار المحمدية لو وضع شعر رسول اللّه او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصى ببركات وان لم يشعروا به ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول وبطانة استار الكعبة والتكفن بها وكتابة القرآن على القراطيس والوضع فى ايدى الموتى انتهى

اقول ان قلت قد ثبت ان فى خزانة السلاطين خصوصا فى خزانة آل عثمان شيأ مما يتبرك به من خرقة النبى عليه السلام وغيرها ورأيناهم قد لا ينصرون ومعهم شئ من لوائه عليه السلام وبصبب بلدتهم آفات كثيرة قلت لذلك لهتكم الحرمة ألا ترى ان مكة والمدينة كان لا يدخلهما طاعون فلما هتك السكان حرمتهما دخلهما واللع الغفور فلما مات ابن ابى انطلق ابنه وكان مؤمنا صالحا الى النبى عليه السلام ودعاه الى جنازة ابيه فقال عليه السلام ( ما اسمك ) قال الحباب بن عبد اللّه فقال عليه السلام ( أنت عبد اللّه بن عبد اللّه ان الحباب هو الشيطان ) اى اسمه كما فى القاموس ثم قال ( صل عليه وادفنه ) فقال ان لم تصل عليه يا رسول اللّه لا يصلى عليه مسلم أنشدك اللّه ان لا تشمت بى الاعداء فاجابه عليه السلام تسلية له ومراعاة لجانبه فقام ليصلى عليه فجاء عمر رضى اللّه عنه فقام بين رسول اللّه وبين القبلة لئلا يصلى عليه وقال أتصلى على عدو اللّه القائل كذا يوم كذا وكذا وكذا وعد ايامه الخبيثة فنزلت الآية واخذ جبرائيل عليه السلام بثوبه وقال لا تصلى على احد منهم مات ابدا فاعرض عن الصلاة عليه وهذا يدل على منقبة عظيمة من مناقب عمر رضى اللّه عنه فان الوحى كان ينزل على وفق قوله فى آيات كثيرة منها هذه الآية وهو منصب عال ودرجة رفيعة له فى الدين فلذا قال عليه السلام فى حقه ( لو لم ابعث لبعثت نبيا يا عمر ) وقال ( انه كان فيما مضى قبلكم من الامم محدثون فانه ان كان فى امتى هذه فانه عمر بن الخطاب )

رضى اللّه عنه. والمحدث بفتح الدلال المشددة هو الذى يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة وهى الاصابة فى النظر ويكون كما قال وكأنه حدثه الملأ الاعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الاولياء ولم يرد النبى عليه السلام بقوله ان كان فى امتى التردد فى ذلك لانه امته افضل الامم واذا وحد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل اراد به التأكيد لفضل عمر كما قيل فى فضيلة رضى اللّه عنه

له فضائل لا تخفى على احد ... الا على احد لا يعرف القمرا

كذا فى شرح المشارق لابن ملك

فان قيل كيف يجوز ان يقال انه عليه السلام رغب فى ان يصلى عليه بعد ان علم انه كافر مات على الكفر وان صلاته عليه دعاء له بالمغفرة وقد منعه اللّه من ان يستغفر للمشركين واعلمه انه لا يغفر للكفار وايضا الصلاة عليه ودفعه قميصه اليه توجب اعزازه وهو مأمور باهانة الكفار

فالجواب ان الخبيث لما طلب منه ان يرسل اليه قميصه الذى يمس جلده الشريف ليدفن فيه غلب على ظنه انه قد تاب عن نفاقه وآمن لان ذلك الوقت وقت توبة الفاجر وايمان الكافر فلما رأى منه اظهار الاسلام وشاهد منه هذه الامارة الدالة على اسلامه غلب على ظنه انه صار مسلما فرغب فى ان يصلى عليه فلما أتى جبريل واخبره بانه مات على كفره ونفاقه امتنع من الصلاة عليه.

وقيل نزلت الاية بعدما صلى ولبث يسيرا فما صلى بعد ذلك على منافق ولاقام على قبره

واما دفع القميص اليه فذكروا فيه وجوها

منها ان العباس عم النبى عليه السلام لما اخذ اسيرا يوم بدر ولم يجدوا له قميصا يساوى قده وكان رجلا طويلا كساه عبد اللّه قميصه فهو عليه السلام انما دفع اليه قميصه مكافأة لاحسانه ذلك لا اعزاز له

ومنها انه تعالى امره ان لا يرد سائلا من حيث قال

واما السائل فلا تنهر ... فالضنة بالقميص وعدمارساله سيما وقد سئل فيه مخل بالكرم

ومنها انه لعله اوحى اليك انك ان دفعت اليه قميصكصار ذلك حاملا لدخول الف نفر من المنافقين فى الاسلام ففعل ذلك بنا عليه واللّه اعلم بحقيقة الحال وما علينا الالقبول وطى المقال وهو الهادى الى طريق التحقيق

٨٥

{ ولا تعجبك } الاعجاب [ شكفتى نمودن وخوش آمدن خطاب بآن حضرتست ومرادامت اند يعنى در عجب ندارد شمارا ]

{ اموالهم واولادهم } الضمير للمنافقين

قال الكاشفى [ مالهاى منافقان اكرجه بسيارست وفرزندان ايشان كه قوى وبا اقتدارند ] وتقديم الاموال فى امثال هذه المواقع على الاولاد مع كونهم اعز منها لعموم مساس الحاجة اليها بحسب الذات وبحسب الافراد والاوقات فانها مما لا بد منه لكل احد من الآباء والامهات والاولاد فى كل وقت وحين حتى ان من له اولاده ولا مال له فهو واولاده فى ضيق ونكال

واما الاولاد فانما يرغب فيهم من بلغ مبلغ الابوة

واما لان المال مناط لبقاء النفس والاولاد لبقاء النوع

واما لانها اقدم فى الوجود من الاولاد لان الاجزاء المنوية انما تحصل من الاغذية

{ انما يريد اللّه } بما متعهم به من الاموال والاولاد

{ ان يعذبهم بها فى الدنيا } [ بسبب جمع مال ومحافظت آن بيوسته دررنج باشند وبراى رونق احوال اولاد وتهيه اسباب ايشان همواره محنت ومشقت كشند ]

{ وتزهق انفسهم } الزهوق [ برآمدن جان ] اى تخرج ويموتوا

{ وهم كافرون } اى كافرون بسبب اشتغالهم بالتمتع بها والالهاء عن النظر والتدبر فى العواقب [ درويشى ميكفت اغنيا اشقى الاشقيا اند مال دنيا جمع ميكنند بانواع بريشايى وزحمت ونكاه ميدارد باصناف بليت ومشقت وميكذارند بصد هزار حسرت ]

در اول جو خواهى كنى جمع مال ... بسى رنج بر خويش بايد كماشت

بس از بهر آن تا بماند بجاى ... شب وروز مى بايدت باس داشت

وزين جمله ىن حال مشكلترست ... كه آخر بحسرت ببايد كذشت

واعلم ان هذه الآية مرت فى هذه السورة الكريمة مع التغاير فى بعض الالفاظ فالتكرير لتأكيد النصيحة مما لا ينبغى ان يذهل السامع عنها وان الناصح لا بد له ان يرجع اليها فى اثناء كلامه دائما ولا سيما اذا تباعد احد الكلامين عن الآخر بناء على ان الابصار طامحة اى مرتفعة ناظرة الى الاموال والاولاد وان النفوس مغتبطة اى متمنية لهما حريصة عليهما والاموال والاولاد وان كانت نعمة فى حق من الحجاب ومن عذاب بالحجاب فقد حرم من الايمان كما قال تعالى

{ وتزهق انفسهم وهم كافرون } اى مستوروا القلوب بجاب حب الاموال والاولاد كما فى التأويلات النجمية وفى الحديث ( الدنيا محفوفة بالذات والشهوات فلا تلهينكم شهوات الدنيا ولذاتها عن الآخرة فانه لا دنيا لمن لا آخرة له ولا آخرة لمن لا دنيا له يعمل فيها بطاعة اللّه تعالى ) يعنى ان المؤمن يتزود لآخرته بالعبادات المالية

٨٦

{ واذا انزلت سورة } من القرآن

{ ان آمنوا باللّه } ان مصدرية حذف منها الجار اى بان آمنوا باللّه

{ وجاهدوا مع رسوله } لاعزاز دينه واعلاء كلمته

{ استأذنك اولوا الطول منهم } اى ذووا الطول فى الحقيقة هو الفضل الذي يتمكن به من مطاولة الاعداء

قال الرازى فى سورة النساء اصل هذه الكلمة من الطول الذى هو خلاف القصر لانه اذا كان طويلا ففيه كمال وزيادة كما انه اذا كان قصيرا ففيه قصور ونقصان وسمى الغنى ايضا طولا لانه ينال به من المرادات ما لا ينال عند الفقر كما انه ينال بالطول ما لا ينال بالقصر انتهى

{ وقالوا ذرناظ } دعنا

{ نكن من القاعدين } اى الذين قعدوا عن الغزو لما بهم من عذر

٨٧

{ رضوا } اى المنافقون

{ بان يكونوا مع الخوالف } اى مع النساء المتخلفات فى البيوت والحى بعد ازواجهن حمع خالفة فالتاء للتانيث وقد يقال الخالفة الذى لا خير فيه فالتاء للنقل من الوصفية الى الاسمية لا للتأنيث ولعل الوجه فى تسمية من لا خير فيه من الرجال خالفه كونه غير مجيب الى ما دعى اليه من المهمات

{ وطبع على قلوبهم } ومهر طبع للدينار والدرهم قال فى المصادر والتركيب يدل على نهاية ينتهى اليها الشيء حتى يختم عندها ويقاس على هذا طبع الانسان وطبيعته زطباعه اى سجيته التى جبل عليها وخص القلب بالختم لانه محل الفهم ولذا قال

{ فهم لا يفقهون } ما فى الايمان باللّه وطاعته فى اوامره ونواهيه وموافقة الرسول والجهاد من السعادة وما فى اضداد ذلك من الشقاوة

٨٨

{ لكن الرسول والذين آمنوا معه } باللّه وبما جاء من عنده تعالى اى آمنوا كما آمن هو عليه السلام اذ لا شك ان زمان ايمان المؤمنين ما كان مقارنا لزمان ايمان الرسول فهو كقوله تعالى { واسلمت مع سليمان } اى اسلام سليمان اى اسلمت كما اسلم سليمان

{ جاهدوا باموالهم وانفسهم } لكن لم يختل امر الجهاد بتخلفهم لانه قد جاهد من هو خير منهم واخلص نية ومعتقدا

{ واولئك } [ وآن كروه ]

{ لهم} بواسطة نعوتهم المذكورة

{ الخيرات } اى منافع الدارين النصر والغنيمة فى الدنيا والجنة والكرامة فى العقبى. ويجوز ان يكون معناه الزروجات الحسان فى الجنة وهن الحور لقوله تعالى

{ فيهن خيرات حسان } وهى جمع خيرة تخفيف خيرة وخيرات العابدين هى الحسنات فهى متعلقة باعمالهم وخيرات العارفين مواهب الحق تعالى فهى متعلقة باحوالهم

{ واولئك هم المفلحون } اى الفائزون بالمطلوب لا من حار بعضا من الحظوظ الفانية عما قريب

٨٩

{ اعد اللّه لهم } اى هيأ لهم فى الآخرة

{ جنات } جمع جنة وهى البستان الذى فيه اشجار مثمرة

{ تجرى من تحتها } اى من اسافل ارضها او من تحت اشجارها او من تحت القصور والغرف لا تحت الارض

{ الانهار } جمع نهر وهو مسيل الماء سمى به لسعته وضيائه وفى الحديث ( فى الجنة بحر اللبن وبحر الماء والعسل واللبن لا يخالط بعضها بعضا) وقال بعضهم الجارى واحد ويختلف باختلاف الامنية

{ خالدين فيها } اى مقدرا خلودهم فى تلك الجنات الموصوفة

{ ذلك } اشارة الى ما فهم من اعداد اللّه سبحانه لهم الجناة المذكورة من نيل الكرامة العظمى

{ الفوز العظيم } الذى لا فوز وراءه فازوا بالجنة ونعيمها ونجوا من النار وجحيمها وفى الحديث ( من شهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه حرم اللّه عليه النار ) وفى الخبر ( من قال لا اله الا اللّه مخلصا دخل الجنة ) فقد اشترط فى هذا القول الاخلاص ولا يكون الاخلاص الا بمنعه من الذنوب والا فليس من صفات القلب وتحليته بالاوصاف الحميدة انما هى بعد تزكية النفس عن الرذائل

قال فى التأويلات النجمية الخلاص من حجب النفس وصفاتها هو الفوز العظيم لان عظم الفز على قدر عظم الحجب ولا حجاب اعظم من حجاب النفس والفوز منها يكن فوزا عظيما انتهى : وفى المثنوى

جمله قرآن شرح خبث نفسهاست ... بنكر اندر مصحف آن جشمت كجاست

هين مرواندر بى نفس جوزاغ ... كوبكورستان برد نى سوى باغ

نفس اكرجه زير كست وخرده دان ... قبله اش دنياست اورا مرده دان

وفى الحديث ( ان فى الجنة مائة درجة ) المراد بالمائة هنا الكثرة وبالدرجة المرقاة

( اعدها اللّه للمجاهدين فى سبيله ) وهم الغزاة او الحجاج او الذين جاهدوا انفسهم لمرضاة ربهم

( كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والارض ) وهذا التفاوت يجوز ان يكون صوريا وان يكون معنويا فيكون المراد من الدرجة المرتبة فالاقرب الى اللّه تعالى يكون ارفع درجة ممن دونه

( فان سألتم اللّه فاسألوه الفردوس ) وهو بستان فى الجنة جامع لانواع الثمر

( فانه اوسط الجنة ) يعنى اشرفها

( واعلى الجنة ) قيل فيه دلالة على ان السموات كرية فان الاوسط لا يكون اعلى الا اذا كان كريا وان الجنة فوق السموات تحت العرش

قال الامام الطيبى النكت فى الجمع بين الاوسط ةالا على انه اراد باحدهما الحسى وبالآخر المعنوى

واقول يحتمل ان يكونا حسيين لان كونهما احسن وازين مما يحس

( وفوقه عرش الرحمن ) هذا يدل على انه فوق جميع الجنان

( ومنه تفجر ) اصله تنفجر فحذف احدى التاءين

( انهار الجنة ) وهى اربعة مذكورة فى قوله تعالى { فيها انهار من ماء غير آسن وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين وانهار من عسل مصفى } المراد منها اصول انهار الجنة كذا فى شرح المشارق لابن ملك نسأل اللّه سبحانه الرفيق الاعلى والنظر الى وجه الابهى وجماله الاسنى

٩٠

{ وجاء المعذورون من الاعراب ليؤذن لهم } من عذر فى الامر اذا قصر فيه وتوانى ولم يجدوا حقيقته ان يوهم ان له عذرا فيما يفعل ولا عذر له. فالمعذر اسم فاعل من باب التفعيل او من اعتذر اذا مهد العذر بادغام التاء فى الذال ونقل حركتها الى العين فيكون اسم فاعل من باب الافتعال والاعتذار قد يكون بالكذب وقد يكون بالصدق وذلم لان الاعتذار عبارة عن الاتيان بما هو فى صورة العذر سواء كان للمعتذر عذر حقيقة او لم يكن. والاعراب سكان البوادى من العرب لا واحد له والعرب خلاف العجم وهم سكان الامصار او عام والعربة ناحية قرب المدينة واقامت قريش بعربة فنسبت العرب اليها وهى باحة العرب وباحة دار ابى الفصاحة اسماعيل عليه السلام كما فى القاموس. والمراد بالمعذرين اسد واغطفان واستأذنوا او رهط عامر بن الطفيل قالوا ان غزونا معك اغارت اعراب طى على اهالينا ومواشينا فقال عليه السلام ( سيغنينى اللّه عنكم ) واختلفوا فى انهم كانوا معتذرين بالتصنع او بالصحة والظاهر الثانى ويدل عليه كلام القاموس حيث قال قوله تعالى

{ وجاء المعذرون } بتشديد الذال المكسورة هم المعتذرون الذين لهم عذر وقد يكون المعذر غير محق فالمعنى المقصرون بغير عذر انتهى

اقول وعلى كل حال لا يثبت النفاق اذ المقصر وهو المعتذر للفتور والكسل لا يكون كافرا وان كان مذموما وقد اضطرب كلام المفسرين هناك فعليك بضبط المبنى واخذ المعنى

{ وقعد الذين كذبوا اللّه ورسوله } وهم منافقوا الاعراب الين لم يجيبوا ولم يعتذروا ولم يستأذنوا فى القعود فظهر انهم كذبوا اللّه ورسوله فى ادعاء الايمان والطاعة

قال فى انسان العيون وجاء المعذرون وهم الضعفاء والمقلون من الاعراب ليؤذن هم فى التخلف فاذن لهم وكانوا اثنين وثمانين رجلا وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر واظهار علة وجراءة على اللّه ورسوله وقد عناهم اللّه بقوله

{ وقد الذين كذبوا اللّه ورسوله } انتهى

{ سيصيب الذين كفروا منهم } اى من الاعراب او من المعذرين وعلى كل تقدير فمن تبعيضية لا بيانية اذ ليس كلهم كفرة وقد علم اللّه تعالى ان بعض الاعراب سيؤمن وان بعض المعذرين لكسله لا لكفره

{ عذاب اليم } بالقتل والاسر فى الدنيا والنار فى الآخرة

قال فى التأويلات النجمية الخلق ثلاث طبقات. الاولى المعذرون وهم المقصرون المعترفون بتقصيرهم وذنوبهم التائبون عن ذنوبهم المتداركون بالرحمة والمغفرة. والثانية القاعدون وهم الكاذبون الكذابون الذين لم يؤمنوا باللّه ورسوله من الكافرين والمنافقين المتداركون بالخذلان والعذاب الاليم كما قال

{ وقعد الذين } الآية. والثالثة المؤمنون المخلصون الصادقون الناصحون ولكن فيهم اهل العذر واليه الاشارة بقوله تعالى

٩١

{ ليس على الضعفاء بنيست برناتوانان وعاجزان } كالهرمى والزمنى جمع هرم بكسر الراء وهو كبير السن وجمع زمن وهو المقعد

{ ولا على المرضى } [ ونه بربيماران ومعلول ] جمع مريض

{ ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } لفقرهم كمزينة وجهينة وبنى عذرة

{ حرج } اثم فى التخلف والتأخر عن الغزو ثم انه تعالى شرط فى انتفاء الحرج عنهم شرطا معينا فقال

{ اذا نصحوا للّه ورسوله } قال ابو البقاء العامل فيه معنى الكلام اى لا يخرجون حينئذ.

والنصح اخلاص العمل من الغش يقال نصح الشيء اذا خلص ونصح فى القول اذا كلمه بما هو خير محض له والناصح الخالص وفى الحديث ( الدين النصيحة الدين النصيحة ) ذكرها ثلاث مرات قيل هذا الكلام مدار الاسلام لان النصيحة هى ارادة الخير معناه عماد الدين النصيحة كما يقال الحج عرفة اى عماده ( قالوا لمن يا رسول اللّه قال للّه ) معنى نصيحته تعالى الايمان به واخلاص العمل فيما امر به ( ولرسوله ) نصيحته تصديقه بكل ما علم مجيئهه به واحياء طريقه ( ولكتابه ) نصيحته الاعتقاد بانه كلام اللّه والعمل بمحكمه. والتسليم لمتشابهه وفى الحقيقة هذه النصائح راجعة الى العبد ( ولائمة المسلمين ) نصيحتهم اطاعتهم فى المعروف وتنبيههم عند الغفلة ( وعامتهم ) نصيحة عامة المسلمين دفع المضار عنهم وجلب المنافع اليهم بقدر الوسع كذا فى شرح المشارق لابن ملك. فمعنى الآية ان المتخلفين من اصحاب الاعذار لا اثم عليهم فى تخلفهم اذا اخلصوا الايمان للّه ولرسوله وامتثلوا امرهما فى جميع الامور ومعظمها ان لا يفشوا ما سمعوه من الاراجيف فى حق الغزاة وان لا يثيروا الفتن وان يسعوا فى ايصال الخير الى المجاهدين ويقوموا باصلاح مهمات بيوتهم ويسعوا فى ايصال الاخبار السارة من بيوتهم اليهم

{ ما على المحسنين من سبيل } استئناف مقرر لمضمون ما سبق اى ليس عليهم جناح ولا الى معاتبتهم سبيل ومن زائدة لعموم النفى ووضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على انتظامهم بنصحهم للّه ورسوله فى سلك المحسنين وقد اشتهر ان تعليق الحكم على الوصف المناسب يشعر بعلية الوصف له

{ واللّه غفور رحيم } يشير الى ان بهم حاجة الى المغفرة وان كان تخلفهم بعذر فان الانسان محل التقصير والعجز فلا يسعه الا العفو : وفى المثنوى

شمس هم معده زمين را كرم كرد ... تا زمين باقى حدثهارى بخورد

جزؤخاكى كشت ورست ازوى نبات ... هكذا يمحو الاله السيآت

اى كه من زشت وخصالم نيز زشت ... جون شوم كل جون مرا اوخار كشت

نوبهارا حسن كل ده خاررا ... زينت طاوس ده آن ماررا

٩٢

{ ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم } عطف على المحسنين اى ليس شيء ثابتا على المحسنين ولا على الذين اذا ما اتوك [ جون بيامدند بسوى تو ودرخواست كردند

{ لتحملهم } تايشانرا دستورى دهى وياخود بحرب برى ] وهم البكاؤن سبعة من الانصار معقل بن يسار وصخر بن الخنساء وعبد اللّه بن كعب وسالم بن عميرة وثعلبة بن غنمة وعبد اللّه بن مغفل وعليه بن زيد اتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا نذرنا الخروج فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة فنغزو معك فقال عليه السلام ( لا اجد ) فتولوا وهم يبكون

وقيل هم بنوا مقرن كمحدث وكانوا سبعة اخوة كلهم صحبوا النبى عليه السلام وليس فى الصحابة سبعة اخوة غيرهم كذا فى تفسير القرطبى

{ قلت لا اجد ما احملكم عليه } حال من الكاف فى اتوك باضمار قد ادى اذا ما اتوك قائلا لا اجد وما عامة لما سالوه عليه السلام وغيره مما يحمل عليه عادة من النفقة والظهر وفى ايثار لا اجد على ليس عندى من تلطيف الكلام وتطييب قلوب السائلين ما لا يخفى كانه عليه السلام يطلب ما يسألونه على الاستمرار فلا يجده

{ تولوا } جواب اذا [ از اشك يعنى اشك از ديدهاى ايشان ميريخت ] واسناد الفيض الى العين مجازى كسال الميزاب والاصل يفيض دمعها عدل الى هذه الصور للدلالة على المبالغة فى فيضان الدمع كان العين كلها دمع فياض

{ حزنا } نصب على العلية والعامل تفيض لا يقال فاعل الفيض مغاير لفاعل الحزن فكيف نصب لانا نقول ان الحزن يجوز اسناده الى العين مجازا فيقال عين حزينة وعين مسرورة

{ ان لا يجدوا } ان مصدرية بتقدير لام متعلقة بحزنا اى لئلا يجدوا

{ ما ينفقون } فى شراء ما يحتاجون اليه اذ لم يجدوه عندك

قال الكاشفى [ عمر وعباس وعثمان رضى اللّه عنهم ايشانرا زاد وتوشه ومركب داده همراه بردند بس حق تعالى ميفرمايدكه بدين نوع مردم اكر تخلف كنند حرجى وعنابى نيست]

٩٣

{ انما السبيل } بالمعاتبة

{ على الذين يستأذنونك } فى التخلف

{ وهم اغنياء } واجدون لاهبة الغزو مع سلامتهم

{ رضوا } استئناف تعليل لما سبق كأنه قيل ما بالهم استأذنوا وهم اغنياء فقيل رضوا

{ بان يكونوا مع الخوالف } اى النساء رضى بالدناءة وايثار للدعة

{ وطبع اللّه على قلوبهم } [ ومهر نهاد خداى تعالى ازخذلان بردلهاى ايشان ] حتى غفلوا عن وخامة العاقبة

{ فهم } بسبب ذلك

{ لا يعلمون } ابدا غاثلة ما رضوا به وما يستتبعه آجلا كما لم يعلموا بخاسة شانه آجلا

قال ارسطوا الارتقاء الى السؤدد صعب والانحطاط الى الدناءة سهل

وسئل عيسى عليه السلام اى الناس اشرف فقبض قبضتين من تراب ثم قال اى هذين اشرف ثم جمعهما وطرحهما وقال الناس كلهم من تراب واكرمهم عند اللّه اتقاهم فالعلو والشرف فى التقوى واختيار المجاهدة على الراحة والحزن والبكاء على الفرح والسرور وفى الحديث ( اقرب الناس الى يوم القيامة من طال حزنه وعطشه وجوعه )

وقال حكيم الدنيا سوق الآخرة والعقل قائد الخير والمال رداء التكبر والهوى مركب المعاصى والحزن مقدمة السرور : قال الصائب

هر محنتى مقدمه راحتى بود ... شد همز حق جوزبان كليم سوخت

وقد ذم اللّه تعالى اهل النفاق بالفرح والاستهزاء ومدح اهل الاخلاص بالحزن والبكاء وادى ضحك اولئك الى البكاء الكثير وبكاء هؤلاء الى الضحك الوفير : وفى المثنوى

تانكريد ابركى خندد جمن ... تانكريد طفل كى جوشد لبن

هركجا آب روان سبزه بود ... هركجا اشك روان رحمت شود

باش جون دولاب نالان جشم تر ... تاز صحن جانت بررويد خضر

ثم ان اللّه تعالى انما يمنع المرء من مراده ليستعد له وليزداد شوقه الا ترى الى النبى عليه السلام كيف قال

{ لا اجد ما احملكم عليه } عزة وترفعا واستغناء ودلالا كما قال تعالى لموسى عليه السلام عند سؤاله بقوله

{ رب ارنى انظر اليك قال لن ترانى } ليزيد بهذا المنع والتعزر شوق موسى عليه السلام فكان منع النبى عليه السلام منهم من هذا القبيل فزادهم الشوق والحرص على الغزو فلما غلب الشوق وزاد الطلب اعطوا مامولهم واجيب سؤلهم كاسبق وهذه حال الصورة وقس عليها حال المعنى فكما ان الفرح فى عالم الصورة لا يقدر على الطيران قبل نبات الجناح وهو من الشعر فكذا العاشق لا يقدر على الطيران فى عالم المعنى قبل وجود الجناح وهو من العلم والعمل والشوق الى المولى والتوجه الى الحضرة العليا وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( رأيت جعفر بن ابى طالب ملكا يطير فى الجنة ذا جناحين يطير بهما حيث شاء مخضوبة قوادمه بالدماء ) قال الامام المنذرى وكان جعفر قد ذهبت فى يداه فى سبيل اللّه يوم موته فابد له اللّه بهما جناحين فمن اجل ذا سمى جعفر الطيار

قال السهيلى ما ينبغى الوقوف عليه فى معنى الجناحين انهما ليسا كما سبق الى الوهم على مثل جناحى الطائر وريشه لان الصورة الآدمية اشرف الصور واكملها وفى قوله عيله السلام ( ان اللّه خلق آدم على صورته ) تشريف لها عظيم وحاش للّه من التشبيه والتمثيل ولكنها عبارة عن صورة ملكية وقوة روحانية اعكيها جعفر كما اعطيها الملائكة وقد قال اللّه تعالى لموسى عليه السلام

{ واضمم يدك الى جناحك } فعبر عن العضد بالجناح توسعا وليس ثمة طيران فكيف بمن اعطى القوة على الطيران مع الملائكة اخلق به اذن بوصف الجناح مع كمال الصورة الآدمية وتمام الجوارح البشرية وقد قال اهل العلم فى اجنحة الملائكة ليست كما يتوهم من اجنحة الطير ولكنها صفات ملكية لا تفهم الا بالمعاينة واحتجوا بقوله تعالى

{ اولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع } فكيف تكون كاجنحة الطير على هذا ولم ير طائر ثلاثة اجنحة ولا اربعة فكيف بستمائة جناح كما جاء فى صفة جبريل فدل على انها صفات لا تنضبط كيفيتها للفكر ولا ورد ايضا فى بيانها خبر فيجب علينا الايمان بها ولا يفيدنا اعمال الفكر فى كيفيتها علما وكل امرئ قريب من معاينة ذلك فاما ان يكون من الذين

{ تنزل عليهم الملائكة ان لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التى كنتنم توعدون }

واما ان يكون من الذين تقول لهم الملائكة

{ وهم باسطوا ايديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون } كذا فى فتح القريب واللّه يهدى كل مريب

٩٤

{ يعتذرون } آي يعتذر المنافقون

{ إليكم } فى التخلف وكانوا بضعة وثمانين رجلا والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واصحابه والآية نزلت قبل وقوع الاعتذار ولذا قال الكاشفى [ القاء اعتذار خواهد كرد منافقان بسوى شما ]

{ اذا رجعتم } من غزوة تبوك منتهين

{ اليهم } وانما لم يقل الى المدينة ايذانا بان مدار الاعتذار هو الرجوع اليهم لا الرجوع الى المدينة فلعل منهم من بادر بالاعتذار قبل الرجوع اليها

{ قل } يا محمد والتخصيص لما ان الجواب من وظيفته عليه السلام

{ لا تعتذروا } اى لا تفعلوا الاعتذار لانه

{ لن نؤمن لكم } لن نصدقكم فى اعتذاركم لانه

{ قد نبأنا اللّه من اخباركم } اى اعلمنا بالوحى بعض اخباركم المنافية للتصديق وهو ما فى ضمائرهم من الشر والفساد : وفى المثنوى

از منافق عذررد آمد نه خوب ... زانكه درلب بود آن نى در قلوب

كذب جون خس باشدول جودهان ... خس نكردد دردهان هركز نهان

{ وسيرى اللّه عملهم } فيما سيأتى

{ ورسوله } أتتوبون عن الكفر والنفاق ام تثبتون عليه وكأنه استتابة وامهال للتوبة

{ ثم تردون } يوم القيامة

{ الى عالم الغيب } وهو ما غاب عن العباد

{ والشهادة } وهو ما علمه العباد

{ فينبئكم } عند ردكم اليه ووقوفكم بين يديه

{ بما كنتم تعلمون } اى بما كنتم تعلمونه فى الدنيا على الاستمرار من الاعمال السيئة السابقة واللاحقة والمراد بالتنبئة بذلك المجازاة به وايثارها عليها للايذان بانهم ما كانوا عالمين فى الدنيا بحقيقة اعمالهم وانما يعلمونها يومئذ حين يرونها على صورها الحقيقة

٩٥

{ سيحلفون باللّه لكم } تأكيدا لمعاذيرهم الكاذبة القائلين واللّه ما قدرنا على الخروج ولو قدرنا عليه لما تخلفنا

{ اذا انقلبتم } اى انصرفتم من الغزو

{ اليهم } وهم جد بن قيس ومعتب بن قشير واصحابهما

{ لتعرضوا عنهم } اعراض صفح وهو الاعراض عن الذنب وتتركوا لومهم وتعنيفهم

{ فاعرضوا عنهم } لكن الاعراض رضى كما هو طلبتهم بل اعراض اجتناب ومقت وتحقير

{ انهم رجس } اى كالنتن الذى يجب الاجتناب عنه وفيهم رجس روحانى

وقال فى التبيان اى نجس وعملهم قبيح لا يتطهرون بالتقريع

{ ومأويهم } اى مصيرهم

{ جهنم } من تمام التعليل فان كونهم من اهل النار من دواعى الاجتناب وموجبات ترك استصلاحهم باللوم والعتاب

{ جزاء } اى يجزون جزاء

{ بما كانوا يكسبون } فى الدنيا من فنون السيآت

٩٦

{ يحلفون } به تعالى

{ لكم } [ براى شما ]

{ لترضوا عنهم } بخلقتهم الكاذبة ولتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم

{ فان ترضوا عنهم فان اللّه لا يرضى عن القوم الفاسقين } المتمردين فى الكفر فان رضاكم لا يستلزم رضى اللّه ورضاكم وحدكم لا ينفعهم اذا كانوا فى سخط اللّه وبصدد عقابه

والمقصود من الآية نهى المخاطبين عن الرضى عنهم والاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على ابلغ وجه وآكده فان الرضى عمن لا يرضى عنه اللّه تعالى مما لا يكاد يصدر عن المؤمن كما فى الارشاد -روى- ان النبى عليه السلام حين قدم المدينة قال ( لا تجالسوهم ولا تكلموهم ) وفيه اشارة الى هجر المنافق والمصر على ذنبه الى ان يتوب

قال محمد الباقر رضى اللّه عنه اوصانى ابى زين العابدين رضى اللّه عنه فقال لا تصحبن خمسة ولا تحاد بهم ولا ترافقهم فى الطريق. ولا تصحبن فاسقا فانه يبيعك باكلة فما دونها. قلت يا ابت وما دونها قال يطمع فيها ثم لا ينالها. ولا تصحبن البخيل فانه يقطع بك احوج ما تكون اليه. ولا تصحبن كذابا فانه بمنزلة السراب يبعد عنك القريب ويقرب منك البعيد. ولا تصحبن احمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك وقد قيل عدو عاقل خير من صديق احمق. ولا تصحبن قاطع رحم فأنى وجدته ملعونا فى كتاب اللّه تعالى فى ثلاثة مواضع

ثم فى الآيات بيان الاعتذار الباطل مردود على صاحبه وان كان قبول العذر من اخلاق الكرام فى نفس الامر : وفى المثنوى

عذر احمق بدترا از جرمش بود ... عذر نادان زهر هردانش بود

وبيان ان اليمين الكاذبة لترويج عذره وغرضه باطلة ومذمومة بل رب يمين صادقة لا يتجاسر عليها من هو بصدد التقوى حذرا من ابتذال اسم اللّه تعالى فلا بد من ضبط اللسان وفى الحديث ( لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس )

وبيان ان المنافقين رجس اى جعلوا على طينة خبيثة غير طيبة ولذا كسبوا بخباثة تلك الطينة اعمالا خبيثة واوصافا ذميمة وبها صاروا مستحقين للنار مطلقا اى صورية وهى نار جهنم ومعنوية وهى نار القطيعة والهجران من اللّه تعالى ومن الرسول عليه السلام والمؤمنين اجمعين [ شبلى ديد زنى راكه مى كريد وميكويد يا ويلاه من فراق ولدى شبلى كريست وكفت يا ويلاه من فراق الاخذان زن كفت جرا جنين ميكويى شبلى كفت توكريه ميكنى برمخلوقى كه هرآنيكه فانى خواهد شد من جراكريه نكنم برفراق خالقى كه بلقى باشد ]

فرزند ويار جونكه بميرند عاقبت ... اى دوست دل منبد بجزحى لا يموت

فعلى العاشق المهجور ان يبكى من ألم الفراق ويبالغ فى الوجد والاشتياق لعل اللّه تعالى يزيل البين من البين ويجعله بعد غمه وهمه قرير العين ويرضى عنه كما رضى عن الابرار جمع عربى والمجوس ولا يسخط عليه الى ابد الآبدين

٩٧

{ الاعراب } جمع اعرابى كما ان العرب جمع عربى والمجوس جمع محوسى واليهود جمع يهودى بحذف ياء النسبة فى الجمع والفرق بين العرب والاعراب ان العرب صنف خاص من بنى آدم سواء سكن البوادى ام القرى.

واما الاعراب فلا يطلق الا على من يسكن البوادى فالعرب اعم.

وقيل العرب هم الذين استوطنوا المدن والقرى والاعراب لان اهل البدو فيكونان متباينين اى اصحاب البدو

{ اشد كفرا ونفاقا } من اهل لان اهل البدو تشبه الوحوش من حيث انهم مجبولون على الامتناع عن الطاعة والانقياد لان استيلاء الهواء الحار اليابس عليهم يزيدهم قساوة لقلوبهم وهى تستبع التكبر والفخر والطيش عن الحق ولان من لم يدخل تحت تأدب مؤدب ولم يخالط اهل العلم والمعرفة ولم يستمع كتاب اللّه ومواعظ رسوله كيف يكون مساويا لمن اصبح وامسى فى صحبة اهل العلم والحكمة مستمعا لمواعظ الكتاب والسنة ولذا ورد فى الحديث ( اهل الكفور اهل القبور ) الكفور جمع كفر وهى القرية لسترها الناس. والمعنى ان سكان القرى بمنزلة الموتى لا يشاهدون الامصاروالجمع

وفى الفردوس الاعلى يريد بها القرى البعيدة عن الامصار ومجتمع اهل العلم لكون الجهل عليهم اغلب وهم الى البدع اسرع : قال فى المثنوى

ده مرو ده مرد را احمق كند ... عقل را بى نور وبى رونق كند

قول بيغمر شنو اى مجبتى ... كور عقل آمد وطن درروستا

وان شئت تعرف الفرق بين اهل الحضر والبادية فقابل الفواكه الجبلية بالفواكه البستانية

قال فى الارشاد هذا من باب وصف الجنس بوصف بعض افراده كما فى قوله تعالى

{ وكان الانسان كفورا } اذ ليس كل الاعراب كما ذكر على ما ستحيط به خبرا

قال الكاشفى [ مراد بنو تميم وبنو اسد وغطفان واعراب حوالى مدينة اند نه تمام اهل بادية بلكه ابن جمع مخصوص ]

{ واجدر ان لا يعلموا } اى احق واولى ان لا يعلموا

{ حدود ما انزل اللّه على رسوله } اى حدود العبادات والشرائع المنزلة من اللّه تعالى على رسوله فرائضها وسننها وذلك لكونهم ابعد عن استماع القرآن والسنن ولذلك تكره امامة الاعرابى فى الصلاة كما فى الحدادى

قال العلماء اذا كان الامام يرتكب المكروهات فى الصلاة كره الاقتداء به وينبغى للناظر وولى الامر عزله كما فى فتح القريب

{ واللّه عليم } باحوال كل من اخل الوبر والمدر

{ حكيم } فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم من العقاب والثواب

قال فى التأويلات النجمية ان فى عالم الانسان بدوا وهو نفسه وحضرا وهو قلبه كما ان فى عالم الصورة بدوا وحضرا والاعراب اشارة الى النفس وهواها وهو الكفر والنفاق لها ذاتى كما ان الايمان للقلب ذاتى من فطرة اللّه التى فطر الناس عليها فيتحمل ان يصبر القلب كافرا بسراية صفة النفس اليه فيتلونى بلون النفس : وفى المثنوى

اندك اندك آب را دزدد هوا ... وين جنين دزددهم احمق ازشما

كرميت را دزدد وسردى دهد ... همجنان كوزير خود سنكى نهد

كما يتحمل ان تصير النفس مؤمنة لسراية صفة القلبفتلون بلون القلب

مكو زنهار اصل عود جوبست ... ببين دودش جه مستثنى وخوبست

يعنى بسبب مجاورة كلاب وذلك مشهور والنفس تكون اشد كفرا ونفاقا من القلب وان كان كافرا ان القلب يكون اشد ايمانا من النفس وان كانت مؤمنة

{ واجدر } يعنى النفس وصفاتها اولى من القلب

{ ان لا يعلموا حدود ما انزل اللّه على رسوله } اى من الواردات النازلة على الارواح فان الروح بمثابة الرسول فى عالم الصورة

{ واللّه عليم حكيم } فى ان يجعل بعض النفس الكافرة مؤمنة وبعض القلب المؤمن كافرا

٩٨

{ ومن الاعراب } اى ومن جنس الاعراب الذى نعت بنعت بعض افراده

{ من يتخذ ما ينفق } من المال اى يعد ما يصرفه فى سبيل اللّه ويتصدق به صورة

{ مغرما } مصدر بمعنى الغرامة والغرم وهو ما ينوب الانسان فى ماله من ضرر لغير جناية ومن لا يؤمن باللّه واليوم الآخر ولا يرجو على انفاقه فى سبيل اللّه ثوابا ولا يخاف على تركه عقابا فلا جرم يعد ما انفقه غرامة وضياع مال بلا فائدة وانما ينفق رياء او تقية

{ ويتربص بكم الدوائر } والتربص الانتظار. والدوائر جمع دائرة وهى ما يدور حول الانسان من المصائب ومعنى تربص الدوائر انتظار المصائب بان تنقلب دولة المسلمين بموت الرسول صلى اللّه عليه وسلم وغلبة الكفار عليهم فيتخلصوا من الانفاق

يقول الفقير وهذا النفاق موجود الآن أن لا ترى الى بعض المتسمين بسمة الاسلام كيف يتمنى ظهور الكفار ليتخلص من الانفاق والتكاليف السلطانية ولذا يتصدق الا كرها خلصه اللّه وايانا من كيد النفس والشيطان وجعله اللّه وايانا من المتحققين بحقيقة الايمان

{ عليهم دائرة السوء } [ برايشان باد كردش روز كار بدايشان منقلب شود ] فهو دعاء عليهم بنحو ما ارادوا بالمؤمنين. والسوء بالفتح مصدر ساء نقيض سر ثم اطلق على كل ضرر وشر واضيفت اليه الدائرة ذاتا كما يقال رجل سوء لان من دارت عليه يذمها وهى من باب اضافة الموصوف الى صفته فوصفت فى الاصل بالمصدر مبالغة ثم اضيفت الى صفتها

{ واللّه سميع } لما يقولون عن الانفاق مما لا خبر فيه

{ عليم } بما يضمرونه من الامور الفاسدة التى من جملتها ان يتربصوا بكم الدوائر

٩٩

{ ومن الاعراب } اى من جنسهم على الاطلاق كما فى الارشاد من اسد وجهينة وغفار واسلم كما فى التبيان

{ من يؤمن باللّه واليوم الآخر } قال فى الروضة سمع اعرابى قوله تعالى

{ الاعراب اشد كفرا ونفاقا } فانقبض ثم سمع

{ ومن الاعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر } فقال اللّه اكبر هجانا اللّه ثم مدحنا

{ ويتخذ ما ينفق } اى ينفقه فى سبيل اللّه

{ قربات } اى سبب قربات وذرائع اليها وهى ثانى مفعولى يتخذ

{ عند اللّه } صفتها

قال الحدادى اى يتخذ نفقته فى الجهاد تقربا الى اللّه تعالى فى طلب المنزلة عنده والثواب والجمع باعتبار انواع القربات وافراداها

وفيه اشارة الى الحديث القدسى ( من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا )

{ وصلوات الرسول } اى وسائل اليها وسببها فانه عليه السلام كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم ولذلك سن للمتصدق عليه وهو من يأخذ الصدقة ان يدعو للمتصدق اى معطى الصدقة عند اخذ صدقته لكن ليس له ان يصلى عليه كما فعله عليه السلام حين قال ( اللّهم صل على آل ابى اوفى ) فان ذلك منصبه فله ان يتفضل به على من يشاء

{ ألا } كلمة تنبيه

{ انها } اى النفقة المدلول عليها بما ينفق والتأنيث باعتبار الخير

{ قربة } عظيمة

{ لهم } اى سيقربهم اللّه بهذا الانفاق لذا فعلوه وهو شهادة لهم من جناب اللّه تعالى بصحة ما اعتقدوه من كون ما ينفعونه فى سبيل اللّه سبب قربات وتصديق لرجائهم

{ سيدخلهم اللّه فى رحمته } وعدلهم باحاطة رحمته الواسعة بهم وتفسير للقربة. والسنين لتحقيق الوعد لانها فى الاثبات بمنزلة لن فى النفى

وقال الكاشفى [ زود باشدكه درآرد خداى تعالى ايشانرا دربهشت خودكه محل نزول رحمتست ]

{ ان اللّه غفور } [ آمر زنده است مر متصدقانرا ]

{ رحيم } [ مهربانيست بر مقربان ]

واعلم ان فضل الصدقة والانفاق لا يخفى على احد -حكى- انه وقع القحط فى بنى اسرائيل فدخل فقير سكة من السكك وكان فيها بيت غنى فقال تصدقوا على لاجل اللّه فاخرجت اليه بنت الغنى خبزا حارا فاستقبله الغنى فقال من دفع اليك هذا الخبز فقال ابنة من هذا البيت فدخل وقطع يد ابنته اليمنى فحول اللّه حاله فافتقر ومات فقيرا ثم ان شابا غنيا استحسن الابنة لكونها حسناء فتزوجها وادخلها داره فلما جن الليل احضرت مائدة فمدت اليد اليسرى فقال الغنى سمعت ان الفقراء يكونون قليلى الادب فقال مدى يدك اليمنى فمدت اليسرى ثانيا فاخرجت يدها اليسى ثانيا وثالثا فهتف بالبيت هاتف اخرجى يدك اليمنى فالرب الذى اعطيت الخبز لاجله رد عليك يدك اليمنى فاخرجت يدها اليمنى بامر اللّه تعالى واكلت كذا فى روضة العلماء ففى الحكاية ان من آتاه اللّه تعالى نعمة فلم يؤد شكرها عوقب بزوالها ألا ترى الى بلعم لم يشكر نعمة وترك جبر اللّه كسره وان الاكل باليسرى خلاف الادب فان الشيطان يأكل بيساره الا ان يكون معذورا بسبب من الاسباب : وفى المثنوى

كفت بيغمبر كه دائم بهر بند ... دوفرشته خوش منادى ميكنند

كاى خدايا منفقانرا سيردار ... هردرمشان را عوض ده سد هزار

اى خدايا ممسكانرا درجهان ... تومده الازيان اندر زيان

آن درم داذن سخى را لائق است ... جان سبردن خود سخاى عاشق است

نان دهى ازبهر حق نانت دهند ... جان دهى ازبهر حق جانت دهند

هركه كارد كردد انبارش تهى ... ليكش اندر مزرعه باشد بهى

وانكه در انبار ماند وصرفه كرد ... اسبش وموش وحوادثها ثهاش خورد

قبل ما منع مال من حق الا ذهب فى باطل اضعافه قال على رضى اللّه عنه فرض فى اموال الاغنياء اقوات الفقراء فما جاع فقير الا بما منع غنى واللّه سائلهم عن ذلك

١٠٠

{ والسابقون الاولون من المهاجرين } والمراد قدماء الصحابة وهم الذين سبقوا الى الايمان وصلوا الى القبلتين وشهدوا بدرا وكان اول من اسلم خديجة رضى اللّه عنها وعليه الجمهور

{ والانصار } اهل بيعة العقبة الاولى وكانوا سبعة نفر واهل العقبة الثانية وكانوا سبعين والذين آمنوا حين قدم عليهم الوزارة مصعب بن عمير كما سيأتى وانما مدح السابقين لان السابق امام للتالى والفضل للمتقدم

{ والذين اتبعوهم باحسان } اى متلبسين به والمراد كل خصلة حسنة وهم اللاحقون بالسابقين من الفريقين.

وقيل المراد بهم جميع الصحابة من المهاجرين والانصار فانهم سابقون الى الاسلام بالنسبة الى سائر المسلمين فمن بيانه والتابعون هم اهل الايمان الى يوم القيالمة

{ رضى اللّه عنهم } خبر للمبتدأ اى رضى عنهم بقبول طاعتهم وارتضاء اعمالهم

{ ورضوا عنه } بما نالوا من نعمة الدينية والدنيوية

{ واعد لهم } [ وآماده كرد خداى تعالى مر ايشانرا ]

{ جنات تجرى تحتها الانهار } [ بستانها كه ميرود درزير درختان آن جويها ] القراء يقرأون تحتها الانهار فى هذا الموضع بغير من الا ابن كشير فانه يقرأ من تحتها كما هو فى سائر المواضع

{ خالدين فيها } مقدرا خلودهم فى تلك الجنات

{ ابدا } من غير انتهاء فهو لاستغراق المستقبل كما ان الازل لاستغراق الماضى ولاستعمالها فى طول الزمانين جدا قد يضافان الى جمعهما فيقال ابدا الآباد وازل الآزال

واما السر مد فللا ستغراق الماضى والمضارع

{ ذلك } اشارة الى ما فهم من اعداد اللّه سبحانه لهم الجنات المذكورة من نيل الكرامة العظمى

{ الفوز العظيم } الذى لا فوز وراءه

واعلم انه عليه السلام اوحى اليه وهو ابن اربعين سنة فى مكة فبايعه جماعة من الناس فعدا عليهم كفار قريش فظلموهم ليردوهم الى ما كانوا عليه فامرهم النبى عليه السلام بالهجرة الى ارض الحبشة وملكها وهو النجاشى فخرجوا نحو من ثمانين رجلا من رجب من السنة الخامسة من النبوة وهذه هى الهجرة الاولى ثم بايعه فى كل واحدة من العقبتين جمع من الانصار وكانت بيعة العقبة الاولى فى سنة احدى عشرة من النبوة وبيعة العقبة الثانية فى السنة الثانية عشرة ولما انصرف اهل العقبة الثانية الى المدينة بعث عليه السلام معهم مصعب ابن عمير ليفقه اهلها ويعلمهم القرآن فاسلم خلق كثير منهم وسمى اهل المدينة انصارا مع ان المخاجرين ايضا نصروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لانهم نصروه عليه السلام والذين هاجروا اليهم من المؤمنين لما جاؤهم آووهم ونصروهم ثم اجتمعوا جميعا على نصرته صلى اللّه عليه وسلم فى الغزوات ثم هاجر عليه السلام الى المدينة فى السنة الرابعة عشرة من النبوة وهى الهجرة الثانية.

واما تحويل القبلة من بيت المقدس الى الكعبة فهو وقع يوم الثلاثاء من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقامه بالمدينة وفى هذه السنة وقعت غزوة بدر الكبرى فى شهر رمضان فى تاسع عشرة وكانت غزوة الحديبية فى سنة ست من الهجرة وفيها وقعت بيعة الرضوان

قيل اجمع اصحابنا على ان افضل هذه الامة الخلفاء الاربعة.

ثم الستة الباقون الى تمام العشرة. ثم البدريون. ثم اصحاب احد. ثم اهل بيعة الرضوان بالحديبية

وفى السابقون وجوه اخر السابقون اى الذين سبقت لهم العناية الازلية كما قال تعالى

{ ان الذين سبقت لهم منا الحسنى } الاولون فى سبق العناية لهم. وايضا السابقون فى الخروج من العدم الاولون عند الخروج وهم اهل الصف الاول فى عالم الارواح اذا كانت الارواح صفوفا كالجنود المجندة. وايضا السابقون فى الخروج من صلب آدم عند اخذ ذرات ذرياته من صلبهم الاولون عند استماع خطاب ربهم. وايضا السابقون الاولون عند تخمير طينة آدم بيده اربعين صباحا بممارسة ذراتهم بيد القدرة وباستكمال تصرف القدرة فى كمال الاربعين. وايضا السابقون عند رجوعهم بقدم السلوك الى حضرة الربوبية على اقرانهم الاولون بالوصول الى سرادقات الجلال

واعلم ان هذا السبق مخصوص بالنبى عليه السلام وامته كما اخبر بقوله ( نحن الاخرون السابقون ) اى الآخرون خروجا فى الصورة السابقون دخولا فى المعنى

قال فى فتح القريب نحن الآخرون خروجا فى الزمان والوجود واعطاء الكتاب ( والاولون يوم القيامة ) اى بالفضل ودخول الجنة وفصل القضاء فتدخل هذه الامة الجنة قبل سائر الامم انتهى

فالسبق اما بالقدم

واما بالهمم والثانى هنو المرجح المقدم -يحكى- عن ابى القاسم الجنيد قدس سره قال كنت ابكر الجامع فاسمع قد سبقت يا ابا القاسم فاقدم الوقت فى الجمعة الثانية فاسمع قد سبقت يا ابا القاسم فلم ازل كذلك حتى اصل الصبح فى الجامع فسمعت قد سبقت يا ابا القاسم فسألت اللّه ان يعرفنى من يسبقنى مع بكورى فهتف بى هاتف من زاوية المحراب الذى سبقك هو الذى يخرج آخر الناس فصليت الجمعة ثم جلست الى العصر فصليت جماعة ثم جلست الى ان خرج الناس وفى آخرهم شيخ همّ اى كبير فتعلقت به فقلت له يا شيخ متى تحضر الجماعة قال وقت الزوال قلت فبأى شيء تسبقنى فقد دللت عليك فقال يا ابا القاسم انا اذا خرجت من الجامع نوبت من بقيت الى يوم مثله حضرت الجامع قال فعرفت ان السبق بالهمم لا بالقدم : قال فى المثنوى

اول فكر آخر آمد در عمل ... خاصه فكرى كوبود وصف ازل

دل بكعبه ميرود در مر زمان ... جسم طبعى دل بكيرد زامتان

اين درازو كوتهى مر جسم راست ... جه درازوكوته آنجا كه خداست

جون خدامر جسم راتبديل كرد ... رفتنش بى فرسخ وبى ميل كرد

١٠١

{ وممن حولكم } خبر مقدم لقوله منافقون اى حول بلدتكم يعنى المدينة

{ من الاعراب } من اهل البوادى وقد سبق الفرق بينه وبين العرب

{ منافقون } وهم جهينة ومزينة واسلم واشجع وغفار كانوا نازلين حولها

{ ومن اهل المدينة } قوم

{ مردوا على النفاق } [ خوكرده اند واقامت نموده برنفاق يادر منافقى ماهر شده اند ] والمرود على الشيء التمرن عليه والمهارة فيه باعتياده والمدينة

اذا اطلقت اريد بها دار الهجرة التى بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومنبره وقبره من مجن بالمكان اذا قام به فتكون الميم اصلية. والجمع مدن بضم الدال واسكانها ومدائن بالهمزة او من دان اذا اطاع والدين الطاعة فتكون الميم زائدة والجمع مداين بلا همز كمعايش بالياء. ولها اسماء كثيرة منها طابة وطيبة بفتح الطاء وسكون الياء لخلوا من الشرك او لطيبها بساكنيها لامنهم ودعتهم او لطيب عيشها فيها او لكونها طاهرة التربة او من النفاق

وفى الحديث ( تنفى الناس ) اى شرارهم ( كما ينفى الكير خبث الحديد ) وفى الحديث ( ان الايمان لبأرز الى المدينة كما تأزر الحية الى جحرها تدخل بلا عوج ) والمراد بالمدينة جميع الشأم فانها من الشأم خص المدينة بالذكر لشرفها فعلى هذا تكون المدينة شامية كما ذهب اليه ابن ملك

قال النووى ليست شامية ولا يمانية بل هى حجازية

وقال الشافعى مكة والمدينة يمانيتان

{ لا تعلمهم } بيان لقوله مردوا على النفاق اى بلغوا من المهارة فى النفاق الى حيث خفى نفاقهم عليك مع كمال فطنتك وقوة فراستك فالمراد لا تعرف حالهم ونفاقهم

{ نحن نعلمهم } منافقين ونطلع على اسرارهم ان قدروا ان يلبسوا عليك ولم يقدروا ان يلبسوا علينا

{ سنعذبهم } السين للتأكيد

{ مرتين } -روى- انه عليه السلام قام خطيبا يوم الجمعة فقال ( اخرج يا فلان فانك منافق اخرج يا فلان فانك منافق ) فاخرج ناسا وفضحهم فهذا هو العذاب الاول والعذاب الثانى عذاب القبر

وفى بعض الآثار ان المنافق يسأل اربعين يوما فلا يقدر على الجواب ويجوز ان يكون المراج بالمرتين مجرد التكثير كما فى قوله تعالى

{ فارجع البصر كرتين } اى كرة بعد اخرى

{ ثم يردون } يوم القيامة

{ الى عذاب عظيم } هو عذاب النار [ وبحقيقت عذاب عظيم بعد ايشانست ازدركاه عزت ومحجوبيت ايشان او نور لقا ورؤيت وهيج عذابى ازز نكبت حرمان ومشقت هجران بزركتر نيست ]

از فراق تلخ ميكوئى سخن ... هرجه خواهى كن وليكن آن مكن

تلخ تر از فرقت تو هيج نيست ... بى بناهت غير بيجا بيج نيست

صد هزاران مرك تلخ از دست تو ... نيست مانند فراق روى تو

جور دوران وهرآن رنجى كه هست ... سهلتر اوز بعد حق وغفلتست

زانكه اينها بكذرد وان نكذرد ... دولت آن داردكه جان آكه برد

از فراق اين خاكها شوره بود ... آب زردو كنده و تيره بود

دوزخ ازفرقت جنان سوزان شده است ... بيد ازفرقت جنان لرزان بده است

كربكويم از فراق جون شرار ... تا قيامت يك بود از هزار

١٠٢

{ وآخرون } او ومن اهل المدينة قوم آخرون

{ اعترفوا } اقروا

{ بذنوبهم } التى هى تخلفهم عن الغزو وايثار الدعة عليه والرضى بسوء جوار المنافقين وندموا على ذلك ولم يعتذروا بالمعاذير الكاذبة وهم طائفة من المتخلفين اوثقوا انفسهم على سوارى المسجد عندما بلغهم ما نزل فى المتخلفين فقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من سفره فدخل المسجد اولا فصلى ركعتين حسب عادته الكريمة ورآهم كذلك فسأل عن شأنهم فقالوا هؤلاء تخلفوا عنك فعاهدوا اللّه واقسموا ان لا يطلقوا انفسهم حتى يكون رسول اللّه هو الذى يطلقهم فقال عليه السلام ( وانا اقسم ان لا احلهم حتى أومر فيهم ) فنزلت فاطلقهم واعذرهم

{ خلطوا عملا صالحا } هو ما سبق منهم من الاعمال الصالحة والخروج الى المغازى السابقة وما لحق من الاعتراف بذنوبهم فى التخلف عن هذه المرة وتذممهم وندامتهم على ذلك

{ وآخر سيئا } هو ما صدر عنهم من الاعمال السيئة اولا وآخرا فيدخل فيه التخلف عن غزوة تبوك وتبديل الواو بالباء حيث لم يقل بآخر يؤذن يكون كل منهما مخلوطا به وهو ابلغ فان قولك خلطت الماء باللبن يقتضى ايراد الماء على اللبن دون العكس وقولك خلطت الماء واللبن معناه ايقاع الخلط بينهما من غير دلالة على اختصاص احدهما بكونه مخلوطا والاخر بكونه مخلوطا به

قال الحدادى يقال خرجوا الى الجهاد مرة وتخلفوا مرة فجمعوا بين العمل الصالح والعمل السئ كما يقال خلط الدنانير والدراهم اى جمعهما وخلط الماء واللبن اى احدهما بآخر

{ عسى اللّه ان يتوب عليهم } ان يقبل توبتهم المفهومة من اعترافهم بذنوبهم

{ ان اللّه غفور رحيم } يتجاوز عن سيآت التائب ويتفضل عليه وهو تعليل لما يفيده كلمة عسى من وجوب القبول فانها للاطماع الذى هو من اكرم الاكرمين ايجاب وأى ايجاب

قال ادى وانما ذكر لفظ عسى ليكون الانسان بين الطمع والاشفاق فيكون ابعد من الاتكال والاهمال

جون بدى كناهرا دانى ... كشدت جانب بشيمانى

ورندانى كناهرا كه بدست ... آن نشان شقاوت ابدست

اعلم ان بعض النفوس منافق وبعضها كافر وبعضها مؤمن فالمنافق منها كالصفة الحيوانية من الشهوات فانها تتبدل بالعفة عند استيلاء القلب على النفس بسياسة الشريعة وتربية الطريقة ظاهرا لا حقيقة لانها لا تتبدل بالكلية بحيث تنتزع عنها الشهوة بل تكون مغلوبة والكافر منها كالصفة البهيمية فى طلب الاغتذاء من طلب المأكول والمشروب فانها لا تتبدل بضدها وهو الاستغناء عن الاكل والشرب لحاجة الجسد الى الغذاء بدل ما يتحلل من الجسد والمؤمن منها كالصفة السبعية والشيطانية من الغضب والكبر والعداوة والخيانة فانها تحتمل ان تتبدل باضدادها من الحلم والتواضع والمحبة والصدق والامانة عند استتارة النفس بنور الاسلام وترشح نور الايمان على القلب وانشراح الصدر بنور ربها وهذه الصفات وغيرها من صفات النفس اذا لم تتبدل بالكلية او لم تكن مغلوبة بانوار صفات القلب ففيها بعض النفاق كما جعل النبى عليه السلام الكذب والخيانة وخلف الوعد والغدر من النفاق فقال

( اربع من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم اذا حدث كذب واذا ائتمن خان واذا وعد اخلف واذا عاهد غدر ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها )

فعلى العاقل ان يجتهد باحكام الشريعة وآداب الطريقة الى ان يحصل الخلاص من النفاق بالكلية ثم ان الاعتراف بالخطيئة ميراث للمؤمن من ابيه آدم عليه السلام - روى- انه بكى على ذنبه مائتى سنة حتى قبل اللّه توبته وغفر ذنبه ولذا قالوا ينبغى للنائب ان يكثر البكاء والتذلل عند التوبة ويصلى على النبى عليه السلام فانه شفيع ويستغفر لجميع المؤمنين والمؤمنات ومعنى الاستغفار سؤال العبد ربه ان يغفر له ذنوبه ومعنى مغفرته لذنوب عباده ان يسترها عليهم بفضله ولا يكشف امورهم لخلقه ولا يهتك سترهم ومن شرط التوبة ان لا يتعمد ذنبا فات وقع منه بسهو او خطأ فهو معفو عنه بفضل اللّه تعالى : قال الحافظ

جابى كه برق عصيان برآدم صفى زد ... مارا جكونه زيبد دعوى بى كناهى

١٠٣

{ خذ } يا محمد

{ من اموالهم } اى من اموال هؤلاء المتخلفين المعترفين بذنوبهم

{ صدقة } حال كونك

{ تطهرهم } اى عما تلطخوا من اوضار التخلف

{ وتزكيهم بها } اى تنمى بتلك الصدقة واخذها حسناتهم وترفعهم الى مراتب المخلصين -روى- انه لما حلهم النبى عليه السلام من وثاقهم اللّه عليهم راحوا الى منازلهم وجاؤوا باموالهم كلها وقالوا يا رسول اللّه هذه اموالنا خلقتنا عنك خذها فتصدق بها عنا فكره النبى عليه السلام عليه السلام ذلك فنزلت هذه الآية فاخذ رسول اللّه ثلث اموالهم لتكمل به توبتهم ويكون جاريا مجرى الكفارة لتخلفهم فهذه الصدقة ليست الصدقة المفروضة فانها لا تؤخذ هكذا

وقيل هذا كلام مبتدأ نزل لايجاب اخذ الزكاة من الاغنياء عليه وان لم يتقدم ذكر لهم كقوله تعالى

{ انا انزلناه فى ليلة القدر } لدلالة الحال على ذلك والمعنى. خذ من اموال اغنياء المسلمين صدقة اى زكاة وسميت بها لدلالتها على صدق العبد فى العبودية واليه ذهب اكثر الفقهاء

قال فى الاختيار من امتنع عن اداء الزكاة اخذها الامام كرها ووضعها موضعها لقوله تعالى

{ خذ من اموالهم صدقة } وفى الاشباه المعتمد فى المذهب عدم الاخذ كرها

قال فى المحيط ومن امتنع من اداء الزكاة فالساعى لا يأخذ منه كرها ولو اخذ لا يقع عن الزكاة لكونها بلا اختيار ولكن يجبره ليؤدى بنفسه انتهى

قال فى المبسوط وما يأخذ ظلمة زماننا من الصدقات والعشور والجزية والخراج والجبايات والمصادرات فالاصح ان يسقط جميع ذلك عن ارباب الاموال اذا نووا عند الدفع التصدق عليهم

وقيل علم من يأخذه بما يأخذ شرط فالحوط ان يعاد

{ وصل عليهم } اى ادع لهم بالخير والبركة واستغفر لهم

{ ان صلوتك سكن لهم } تسكن اليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم فهو فعل بمعنى مفعول كالنقض بمعنى المنقوض

{ واللّه سميع } باعترافهم

{ عليم } بندامتهم

قال فى الكافى الصلاة على الميت مشروعة بقوله تعالى

{ وصل عليهم ان صلوتك سكن لهم } وقوله عليه السلام ( صلوا على كل بر وفاجر ) -روى- ان آدم عليه السلام لما توفى اتى بحنوط وكفن من الجنة ونزلت الملائكة فغسلته وكفنته فى وتر من الثياب وحنطوه وتقدم ملك منهم فصلى عليه وصلت الملائكة خلفه

وفى رواية قال ولده شيث لجبريل عليه السلام صلى عليه فقال له جبريل تقدم انت فصل على ابيك فصلى عليه وكبر ثلاثين تكبيرة ثم اقبروه ثم الحدوه ونصبوا اللبن عليه وابنه شيث الذى هو وصيه معهم فلما فرغوا قالوا له هكذا فاصنع بولدك واخوتك فانها سنتكلم ومنه يعلم ان الغسل والتكفين والصلاة والدفن واللحد من الشرائع القديمة

وقال بعضهم صلاة الجنازة من خصائص هذه الامة ولا منافاة لانه لا يلزم من كونها من الشرائع القديمة ان تكون معروفة لقريش اذ لو كانت كذلك لفعلوا ذلك وفى كلام بعضهم كانوا فى الجاهلية يغسلون موتاهم وكانوا يكفنونهم ويصلون عليهم وهو ان يقوم ولى الميت بعد ان يوضع على سريره فيذكر محاسنه ويثنى ثم يقول عليك رحمة اللّه ثم يدفن - روى - ان النبى عليه السلام لما قدم المدينة وجد البراء بن معرور رضى اللّه عنه قد مات فذهب رسول اللّه واصحابه فصلى على قبره وكبر فى صلاته اربعا فصلاة الجنازة فرضت فى السنة الاولى من الهجرة على ما قالوا ومن انكر فرضة صلاة الجنازة كفر كما فى القنية

وههنا ابحاث

الاول ان غسل الميت شريعة ماضية والنية لا تشترط لصحة الصلاة عليه وتحصيل طهارته وانما هى شرط لاسقاط الفرض عن ذمة المكلفين اى بغسله وغيره فيقول نويت الغسل للّه تعالى وانما يغسل الميت لانه يتنجس بالموت كسائر الحيوانات الدموية الا انه يطهر بالغسل كرامة له ولو وجد ميت فى الماء فلا بد من غسله لان الخطاب بالغسل توجه لبنى آدم ولم يوجد منهم فعل

وقيل ان الميت اذا فارقته الروح وارتاح من شدة النزع فوجب على الاحياء غسله كما فى اسئلة الحكم

يقول الفقير فيه نظر لانه انما يجب الاغتسال بالمنى اذا كان بشهوة عند الحنفية ولم يوجد فى الميت اللّهم الا ان يحمل على مذهب الشافعى فان المنى عنده كيفما كان يوجب الاغتسال حتى لو حمل حملا ثقيلا فخرج منه المنى يجب عنده وينبغى ان يكون المغسول مسلما تام البدن او اكثره وفى حكمه النصف مع الرأس فلا يغسل الكافر والنصف بلا رأس وان يكون الغاسل يحل له النظر الى المغسول فلو ماتت امرأة فى السفر يممها ذو رحم محرم منها وان لم يوجد لف اجنبى على يده خرقة ثم ييممها اجنبى بغير ثوب وكذا لو مات رجل بين النساء يممته ذات رحم محرم منه او اومته بغير ثوب ولو مات غير المشتهى او المشتهاة غسله الرجل والمرأة وعن ابى يوسف ان الرضيعة يغسلها ذو الرحم وكره غيره ولا يغسل زوجته وتغسل زوجها الا اذا ارتفعت الزوجية بوجه

ويستحب ان يكون الغاسل اقرب الى الميت فان لم يعلم فاهل الورع والامانة وان يوضع الميت عند الغسل بموضع خال من الناس مستور عنهم لا يدخله الا الغاسل ومن يعينه كما فى السيرة الحلبية ولو اختلط موتى المسلمين وموتى الكفار فمن كانت عليه علامة المسلمين صلى عليه ومن كانت عليه علامة الكفار ترك ومن لك يكن عليه علامة والمسلمون اكثر غسلوا وكفنوا وصلى عليهم وينوون بالصلاة والدعاء للمسلمين دون الكفار ويدفنون فى مقابر المسلمين وان كان الفريقان سواء او كانت الكفار اكثر لم يصل عليهم ولم يغسلون ويدفنون فى مقابر المشركين ومن استهل بعد الولادة غسل وسمى وصلى عليه والاغسل فى المختار وادرج فى خرقة ولا يصلى عليه ولو مات لمسلم قريب كافر غسله النحاسة ولفه فى خرقة والقاه فى حفرة او دفعه الى اهل دينه

قال القهستانى لا يجب غسل كافر اصلا وانما يباح غسل كافر غير حربى له ولى مسلم كما فى الجلابى

والشهيد لا يغسل ويغسل الشهيد الجنب عنده خلافا لهما واذا انقطع الحيض والنفاس واستشهدت فعلى هذا الخلاف واذا استشهدت قبل الانقطاع تغسل على الاصح ولو مات بغير قتل ولو فى المعركة غسل ولو قتل برجم او قصاص او تعزير او افتراس سبع او سقوط بناء او غرق او طلق او نحوها غسل بلا خلاف كما لو قتل لبغى او قطع طريق غسل فى رواية ولا يصلى عليه فى ظاهر الرواية وعند ابى حنيفة فى الصلاة على المصلوب روايتان ولو قتل نفسه خطأ يصلى عليه بلا خلاف ولو تعمد فالاصح لا يصلى عليه لانه لا توبة له والصلاة شفاعة

والثانى ان الصلاة على الميت فرض كفاية عند العامة ووقتها وقت حضوره ولذا قدمت على سنة المغرب كما فى الخزانة وفى الحديث ( اسرعوا بالجنازة ) واهل مكة فى عفلة عن هذا فانهم غالبا فيضعونه عند باب الكعبة حتى يصلى العصر او الصبح ثم يصلى عليه كما فى المقاصد الحسنة

يقول الفقير واهل كل بلدة فى غفلة عن هذا فى هذا الزمان امحهم اللّه تعالى. وتجوز صلاة الجنازة حين طلوع الشمس واستوائها وغروبها بلا كراهة ان حضرت فى هذه الاوقات وان حضرت قبلها اخرت ويقوم الامام حذاء الصدر لانه محل العلم ونور الايمان ويكبر ويثنى اى يقول الامام والمؤتم والمنفرد سبحانك اللّهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا اله غيرك قوله وجل ثناؤك لم يذكر فى الاحاديث المشهورة فلم يأت به مصلى الفرض ولا بأس للمتقبل باتيانه لان النفل مبنى على التوسيع فيجوز فيه ما لا يجوز فى الفرض

قال الحلبى الاول تركه الا فى صلاة الجنازة ثم يكبر ويصلى على النبى عليه السلام بما يحضره كما فى الجلابى او بما يصلى به فى الفرض كما فى المستصفى فيقول اللّهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد. والمعنى اللّهم صل على محمد صلاة كاملة كما دل عليه الاطلاق. وقوله وعلى آل محمد من عطف الجملة اى وصل على آله مثل الصلاة على ابراهيم وآله فلا يشكل بوجوب كون المشبه به اقوى كما هو المشهور كما فى القهستانى ثم يكبر ويدعو للميت او لكل مسلم ولو حيا ويسن الدعاء المعروف اللّهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وانذانا اللّهم من احييته منا فاحيه على الاسلام ومن توفيته منا فتوفه على الايمان وخص هذا الميت بالرحمة والغفران والروضة اللّهم ان كان محسنا فود فى احسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه برحمتك يا ارحم الراحمين كما فى عيون الحقائق

وفى الصبى والمجنون لا يستغفر لهما لعدم ذنبهما بل يقول اللّهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا اجرا وذخرا واجعله لنا شافعا مشفعا اى مقبول الشفاعة ومن لم يحسن قال اللّهم اغفر لى ولوالدى ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات برحمتك يا ارحم الراحمين - وروى- انه صلى اللّه عليه وسلم لما ادرج فى اكفانه ووضع على سريره ثم وضع على شفير قبره المنور وذلك يوم الثلاثاء دخل عليه ابو بكر رضى اللّه عنه مع نفر من المهاجرين والانصار بقدر ما يسع البيت وذلك بعد ما بويع له بالخلافة وصلى على النبى عليه السلام باربع تكبيرات وضمن صلاته هذا الدعاء وهو اللّهم انا نشهد انه صلى اللّه عليه وسلم قد بلغ ما انزل اللّه عليه ونصح لامته وجاهد فى سبيل اللّه حتى اعز اللّه دينه وتمت كلمته فاجعلنا الهنا ممن تبع القول الذى انزل معه واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به فان كان بالمؤمنين رؤفا رحيما لا نبتغى بالايمان بدلا ولا نشترى به ضمنا ابدا وانما خصوا هذا الدعاء بالذكر لانه الذى يليق به صلى اللّه عليه وسلم ومن ثمة استشاروا كيف يدعون له فاشير بمثل ذلك

ثم يكبر ويسلم تسليمتين عن يمين وعن شمال بنية من ثمة الا الميت غير رافع صوته مثل سائر الصلوات وبسن خفض الثانية ويرسل بعد الرابعة يديه لانه ليس بعدها ذكر والركن هو التكبيرات الاربع

واما الثناء والصلاة والدعاء والسلام فبين الجلابى ولا يرفع يديه الا فى التكبير الاول لانه شرع بين كل تكبيرتين ذكر مقتدر فاذا فرغ منه علم انه جاء اوان الآخر

قال فى الاشباه لو قرأ الفاتحة فى صلاته على الجنازة ان قصد الثناء والدعاء لم يكره وان قصد القراءة كره انتهى

واذا ادرك الامام فى الصلاة وقد سبق ببعض تكبيراتها ينتظر تكبيرة اخرى فيتابع الامام فيها ثم ياتى بما سبق به بعد سلام الامام متواليا وعند ابى يوسف والشافعى لا ينتظر بل يكبر ويشرع معه

واما اذا ادرك بعد الرابعة لا يكبر عندهما لفوات الصلاة عليه ويكبر عند ابى يوسف فاذا سلم الامام قضى ثلاث تكبيرات ولو كان حاضرا وقت التحريمة ولم يكبر مع الامام للافتتاح فهو لا ينتظر تكبير الامام بل يشرع ويكبر ولو اجتمعت الجنائز يصلى عليهم دفعة واحدة كذا فى المحيط.

والصلاة على الكبير افضل من الصلاة على الصغير كما فى المضمرات

والثالث ما الحكمة فى عدم فرض الركوع والسجود فى صلاة الجنازة قيل لان صلاة الجنازة دعاء وثناء واستشفاع للمت والركوع والسجود خاص بالتعبد للّه تعالى من غير واسطة اختص به الملة المحمدية لان السجدة كانت تجوز لتعظيم المخلوق فى الملى السالفة ونحن نهينا عن الركوع والسجود لغير اللّه تعالى.

وقيل لان المين اعترض بين المصلى وبين اللّه تعالى فلو ام بالركوع والسجود لتوهم الاعداء والجهلة لنه للميت كما توهم الشيطان من سجود الملائكة انه لآدم عليه السلام فأبى حسدا وعصى جهلا وان كان ساجدا متعبدا قبل ذلك فافتتن بجهله وحسده باحتجاجه عن كون المسجود له فى الحقيقة هو الحق وقالب آدم بمنزلة المحراب : قال الجامى

اى آنكه بقبله بتان روست ترا ... برمغز جرا حجاب شد بوست ترا

دل دربى اين وآن نه نيكوست ترا ... يكدل دارى بست يك دوست ترا

وقال غيره

ازان محراب ابرو رو مكردان ... اكردر مسجدى وردر خرابات

والرابع انه يستحب جعل الصفوف فى الصلاة على الميت ثلاثة وفى الحديث ( ما من مسلم يموت فيصلى عليه امة يبلغون ثلاثة صفوف الا غفر اللّه له ) قال الطبرانى فى معجمه الامة اربعون الى المائة وحاء التصريح بالعدد فى حديث مسلم وهو ( ما من مسلم يصلى عليه اربعون الا شفعوا فيه ) اما اسر تثليث الصفوف فلان ذلك من باب التوسع فى الرجاء كأنهم يقولون جئناك بثلاثة صفوف شافعين فلا تردنا خائبين وهذا ميل تكثير الخطى الى المساجد فانه يستحب تقصير الخطى فى المشى الى المسجد لنه يكتب له بكل خطوة حسنة ويخط عنه سيئة ويرفع له درجة فهو من باب التوسع فى الرجاء واذا استحب جعل الصفوف ثلاثة فالظاهر انهم فى الفضيلة سواء ولا مزية حينئذ ببصف المقدم لانهم مأمورون بالتأخر

وقال الحلبى افضل صفوف الجنازة آخرها بخلاف سائر الصلوات فان الصف الاول اعلم بحال الامام فتكون متابعته اكثر وثوابه اوفر

وعن ابى سعيد الخدرى رضى اللّه عنه عن النبى عليه السلام انه قال ( اول زمرة تدخل المسجد هم اهل الصف الاول وان صلوا فى نواحى المسجد ) كما فى خالصة الحقائق

واما سر الاربعين فلانه لم يجتمع قط اربعون الا وفيهم عبد صالح كما فى اسئلة الحكم وتحصل الشفاعة باقل الامرين من الثلاثة الصفوف والاربعين كما فى فتح القريب والمستحب هو الاول كما سبق

والخامس ان فى الدعاء والاستغفار نفعا لميت ويصل ثواب جميع القرب اليه بدنيا كان او ماليا كالصدقة والعتق والصلاة والصيام والحج والقراءة واجمع المسلمون على ان قضاء الدين يسقط عن ذمة الميت التبعة وينفعه ذلك حتى لو كان من اجنبى او من غير تركته واجمعوا عى ان الحى اذا كان له على الميت حق من الحقوق فاحله منه ينفعه ويبرأ منه كما يسقط من ذمة الحى

قال ابن الملك اعلم ان جعل الانسان ثواب عمله لغيره صلاة كان او صدقة او غيرهما جائز عند اهل السنة خلافا للمعتزلة لهم ان الثواب هو الجنة ولا قدرة للانسان على تمليكها ولنا انه عليه السلام ضحى بكبشين املحين احدهما لنفسه والآخر عن امته المؤمنين فالاعتراض على لاشارع باطل اذ العبادة انواع بنية محضة كالصلاة فالنيابة لا تجوز فيها لان الغرض منها هو اتعاب النفس الامارة لا يحصل ونوع منها مالية محضة كالزكاة فالنيابة فيها لا تجوز لان الغرض منها وهو اغناء الفقير يحصل بالنيابة لكن لا تؤخذ من تركته بغير وصية ونوع منها مركبة منهما كالحج فمن حيث انه متعلق بالبدن لا تجوز فيه النيابة عند الاختيار ومن حيث انه متعلق بالمال جاو فيه النيابة عند الاضطرار وهو العجز الدائم عن ادائه هذا فى الحج الفرض

واما فى النفل فالنيابة جائزة مع القدرة لان فى النفل سعة

قال فى فوائد الفتاوى الاولى ان يوصى باسقاط صلاة عمره بعد البلوغ وان صلاها بغير ترك لاحتمال الفساد او النقصان فى اركانها انتهى واذا اوصى رجل ان يطعم عنه وليه لصلاة الفائتة بعد موته فالوصية جائزة ووجب تنفيذها من ثلث ماله يعطى عن كل مكتوبة نصف صاع من الحنطة وفى صوم النذر كذلك ولا يجوز ان يصوم عنه الولى كما لا يجوز صلاته له لقوله عليه السلام ( لا يصوم ولا يصلى احد عن احد )

قال القهستانى والقياس انه لا يجوز الفداء عن الصلاة واليه ذهب البلخى كما فى قاضى خان والاستحسان ان يجوز الفداء عنهما اما فى الصوم فلو ورد النص

واما فى الصلاة فلمعلوم الفضل ولذا قال محمد انه يجزى بها ان شاء اللّه تعالى وينبغى ان يفدى قبل الدفن وان جاز بعده

وقال فى الاشباه اذا اراد الفدية غن صوم ابيه او صلاته وهو فقير يعطى منوين من الحنطة فقيرا ثم يستوهبه ثم يعطيه وهكذا وذلك بعد ان يسقط من عمره اثنتى عشرة سنة ويسقط من عمرها تسعة لان اقل مدة بلوغ الرجل اثنتا عشرة سنة ومدة بلوغ المرأة تسع سنين كما ذكره فى الوقاية فى آخر كتاب الحجر

ومما ينبغى ان يعلم ان المعتبر فى الطعام للصلاة قدر الطعام دون عدد المساكين حتى لو اعطى مسكينا واحدا فى يوم واحد اكثر من نصف صاع من البر يجوز ولا يجوز ذلك فى كفارة الصوم والظهار لان المعتبر فيهما عدد المسكين كذا فى شرح النقاية. وكره دفع نصاب او اكثر الى فقير غير مديون لان الانتفاع به صادف حال الغنى ولو صادف حال الفقر لكان اكمل فلو كان مديونا او صاحب عيال لا يكره لنه لا يكون به غنيا

١٠٤

{ ألم يعلموا } الاستفهام للتقرير اى ألم يعلم اولئك التائبون

{ ان اللّه هو يقبل التوبة } الصحيحة الخالصة

{ عن عباده } المخلصين فيها ويتجاوز عن سيآتهم كما يفصح عنه كلمة عن

قال الحدادى قبول التوبة ايجاب الثواب عليها

{ ويأخذ الصدفات } اى جنس الصدقات صدقاتهم وصدقات غيرهم اراد به اخذ النبى عليه السلام والائمة بعده لان اخذهم لا يكون الا بامر اللّه وكان اللّه هو الآخذ

قال البيضاوى يقبلها قبول من يأخذ شيأ ليؤدى بدله ففيه استعارة تبعية لان الآخذ حقيقة هو الرسول عليه السلام لا من عينه لاخذها. والصدقات جمع صدقة تطلق على الواجب والتطوع وغلب على افواه العامة تسميه الواجب من الماشية صدقة ومن النبات عشرا ومن النقود زكاة كما فى فتح القريب

{ وان اللّه هو التواب } اى المتجاوز عمن تاب وهو الذى يرجع بالانعام على كل مذنب رجع الى التزام الطاعة

وفى التاويلات النجمية هو التواب هو الموفق للتوبة بلطفه وكرمه ولولا توفيقه ما تاب مذنب قط كما لا يتوب ابليس لعدم التوفيق : وفى المثنوى

جز عنايت كه كشايد جشم را ... جز محبت كه نشاند خشم را

جهد بى توفيق خود كس را مباد ... درجهان واللّه اعلم بالرشاد

{ الرحيم } من مات على النوبة ورحمة اللّه على العباد ارادة الانعام عليهم ومنع الضرر عنهم. ويجوز ان يرجع ضمير

{ ألم يعلموا } الى غير التائبين من المؤمنين فالآية اذا ترغيب للعصاة فى التوبة والصدقة

١٠٥

{ وقل } لهم بعد ما بان لهم شأن التوبة

{ اعملوا } ما شئتم من الاعمال فظاهره ترخيص وتخيير وباطنه ترغيب وترهيب

{ فسيرى اللّه عملكم } فانه لا يخفى عليه خيرا كان او شرا تعليل لما قبله وتأكيد للترغيب والترهيب والسين للتأكيد

{ ورسوله والمؤمنون } فى الخبر ( لو ان رجلا عمل فى صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله الى الناس كائنا ما كان ) والمعنى انه تعالى لا يخفى عليه عملهم كما رأيتم وتبين لكم ثم ان كان المراد بالرؤية معناها الحقيقى فالامر ظاهر وان اريد بها مآلها من الجزاء خيرا او شرا فهو خاص بالدنيوى من اظهار المدح والثناء والذكر الجميل والاعزاز ونحو ذلك من الاجزية واضدادها

{ وستردون } اى بعد الموت

{ الى عالم الغيب والشهادة } قدم الغيب على الشهادة لسعة عالمه وزيادة خطره

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما الغيب ما يسترونه من الاعمال والشهادة ما يظهرونه كقوله تعالى

{ يعلم ما يسرون وما يعلنون } فالتقديم حينئذ لتحقيق ان نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة على ابلغ وجه وآكده لا ايهام ان علمه تعالى بما يسرون اقدم منه بما يعلنون كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزه عن ان يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شئ وتحققه فى نفسه علم بالنسبة اليه تعالى وفى هذا المعنى لا يختلف الحال بين الامور البارزة والكامنة

قال فى التأويلات النجمية

{ وستردون } باقدام اعمالكم الى اللّه الذى هو عالم بما غاب عنكم وغبتم عنه فاما ما غاب فهو نتائج اعمالكم من الخير والشر وجزاؤها فانهل لم تغب عنكم زدتم فى الخير وما علمتم شرا

واما ما غبتم عنه فهو التقدير الازلى والحكمة فيما جرى به القلم من اعمال الخير والشر وعالم بما تشاهده العيون والقلوب فى الملك والملكوت

{ فينبئكم } عقيب الرد الذى هو عبارة عن الامر الممتد الى يوم القيامة

{ بما كنتم تعلمون } قبل ذلك فى الدنيا والمراد بالتنبئة الاظهار لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه غافلين عن سوء عاقبته اى يظهر لهم على رؤس الاشهاد ويعلمهم اى شئ شنيع كانوا يعلمونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء انتهى

فعلى العاقل ان يسعى فى طريق الاعمال الصالحة ويجتنب عن ارتكاب الافعال الفاضحة كيلا يفتضح عند اللّه وعند الرسول وكافة المؤمنين

قال فى التأويلات النجمية ان لعمل المحسن وخلوصه نورا يصعد الى السموات بقدر قوة صدقه واخلاصه فاللّه تعالى يراه بنور الوهيته وروح الرسول عليه السلام يراه بنور نبوته وارواح المؤمنين يرونه بنور ايمانهم فاستعلاء ذلك بصفائه وضوئه يكون على قدر علو همة المحسن وخلوص نيته وصفاء طويته.

وان العمل المسيئ ظلمة تصعد الى السموات بقدر قوة غفلته وخباثة نفسه فاللّه تعالى يراها وروح رسوله وارواح المؤمنين وفى الحديث ( تصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وصم وحج وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر للّه تعالى وتشيعة ملائكة السموات السبع حتى يقطعون به الحجب كلها الى اللّه تعالى فيقفون بين بدى الرب جل جلاله ويشهدون بالعمل الصالح المخلص للّه فيقول اللّه لهم انتم الحفظة على عمل عبدى وانا الرقيب ما فى نفسه انه لم يردنى بهذا العمل ولا اخلصه لى وانا اعلم بما اراد بعلمه غر الآدميين وغركم ولم يغرنى وانا علام الغيوب المطلع على ما فى القلوب لا تخفى على خافية ولا تعزب عنى عازبة علمى بما كان كعلمى بما لم يكن وعلمى بما مضى وعلمى بما بقى وعلمى بالاولين كعلمى بالآخرين واعلم السر واخفى فكيف يغرنى عبدى بعلمه وانما يغر المخلوقين الذين لا يعلمون وانا علام الغيوب عليه لغتى وتقول الملائكة السبعة او الثلاثة الآلاف المشيعون يا ربنا عليه لعنتك ولعنتنا فيقول اهل السماء عليه لعنة اللّه ولعنة اللاعنين ) قال السعدى

وكر سيم اندوده باشد نحاس ... توان خرج كردن برناشناش

منه آب زر جان من بر بشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز

اعلم ان الاقلام كتبت على الالواح احوال العالم كلها من السرائر والظواهر ثم سلمت الالواح للخونة وجعل لكل شئ خزائن ووكلت عليها حوافظ وكوالئ كما قال تعالى

{ وان من شئ الا عندنا خزائنه } فتستنسخ السفرة من الخزنة والحفظة من السفرة فللاعمال كلها مخازن تقسم منها وتنتهى اليها وغاية خزائن الاعمال الصالحة سدرة المنتهى فعلن من هذا ان الحفظة مطلعون على اعمال العباد قلبية كانت او قالبية وليسوا بمطلعين على المقبول منها وغير المقبول الا بعد العرض والرفع فكل عمل مضبوط مجزى به فان اخفاه العبد عن الخلق لا يقدر على اخفائه عن اللّه تعالى وعن الملائكة : قال السعدى قدس سره

دربسته زورى خود بمردم ... تا عيب نكسترند مارا

دربسته جه سود عالم الغيب ... داناى نهان وآشكارا

١٠٦

{ وآخرون } عطف على آخرون قبله اى ومن المتخلفين من اهل المدينة ومن حولها من الاعراب قوم آخرون غير المعترفين المذكورين

{ مرجون } قرأ نافع وحمزة والكسائى وحفص مرجون بالواو على ان يكون اصله مرجيون بالياء والباقون مرجأون بالهمزة يقال ارجيته وارجأته بالياء والهمزة والهمزة اذا اخرته والنسبة الى المهموز حرجئى كمرجعى لا مرج كمعط والى غير مرجى بياء مشددة عقيب الجيم وهم المرجئة بالهمزة والمرجية بالياء مخففة كما فى القاموس والمرجئة قوم لا يقطعون على اهل الكبائر بشئ من عفو او عقوبة بل يرجئون الحكم فى ذلك اى يؤخرونه الى يوم القيامة كما فى المغرب والمعنى مؤخرون

{ لامر اللّه } فى شأنهم اى حتى ينزل اللّه فيهم ما يريد

{ اما يعذبهم } ان بقوا على ما هم عليه من الحال وهو عدم المسارعة الى التوبة والاعتذار دون النفاق فانهم كانوا غير مخلصين

{ واما يتوب عليهم } ان خلصت نيتهم وصحت توبتهم والجملة فى محل النصب على الحالية اى منهم هؤلاء اما معذبين

واما متوبا عليهم

فان قلت اما للشك واللّه تعالى منزه عنه اذ هو عالم بما يصير اليه امرهم

قلت الترديد راجع الى العباد. والمعنى ليكن امرهم عندكم بين الخوف والرجاء

وقال ابو البقاء اذا كانت اما للشك جاز ان يليها الاسم وجاز ان يليها الفعل فان كانت للتخيير وقع الفعل بعدها وكانت معه ان كقوله اما ان تلقى

{ واللّه عليم } باحوالهم

{ حكيم } فيما فعل من الارجاء وغيره

والآية نزلت فى ثلاثة نفر من المتخلفين وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع العمرى وهلال بن امية كانوا من اهل بدر ومياسير ومع ذلك تخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى غزوة تبوك

قال كعب بن مالك انا افره اهل المدينة جملا فمتى شئت لحقت العسكر فتأخر اياما وأيس بعدها من اللحوق بهم فندم على ما صنعه وكذلك صاحباه ولكن لم يفعلوا ما فعله الو لبابة واصحابه من شد انفسهم على السوارى واظهار الغم والجزع فوفقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد نزول هذه الآية ونهى الناس ان يجالسوهم او يؤاكلوهم او يشاربوهم وامرهم باعتزال نسائهم وارسالهن الى اهليهن فجاءت امرأة هلال تسأل ان تأتيه بطعامه فانه شيخ كبير فاذن لها فى ذلك خاصة وجاء رسول من الشام الى كعب برغبة فى اللحاق بهم فقال كعب بلغ من خطيئتى الى ان طمع فى المشركون قال فضاقت على الارض بما رحبت وبكى هلال بن امية حتى خبف على بصره فجعل ناس يقولون هلكوا ان لم ينزل اللّه لهم عذرا وآخرون يقولون عسى اللّه ان يغفر لهم فصاروا عندعم مرجئين لامر اللّه اما يعذبهم

واما يرحمهم حتى نزلت توبتهم بعد ما مضى خمسون يوما بقوله

{ لقد تاب اللّه على النبى } الى قوله

{ وعلى الثلاثة الذين خلفوا } الآية اخر اللّه تعالى امرهم مدة ثم بين توبتهم على اجمل الوجوه حيث قرن توبته تعالى على النبى صلى اللّه عليه وسلم والمهاجرين والانصار وعلم منه ان الهجران للتربية جائز ولوقوف ثلاثة ايام ألا ترى الى الاصحاب كيف قطعوا سلامهم وكلامهم من اولئك الثلاثة الى ان بلغ الكتاب اجله وان اخلاص النية وتفويض الامور الى اللّه تعالى سبب لرحمة اللّه تعالى وان البكاء ايضا مدار لقبول التوبة واخلاص الحال فلا بد من الاستغفار والبكاء على الاوزار -حكى- عن بعض اصحاب فتح الموصلى قدس سره قال دخلت يوما على فتح فوجدته يبكى وقد خالطت دموعه صفرة فقلت له باللّه عليك يا سيدى هل بكيت الدم فقال واللّه لولا انك اقسمت على باللّه عز وجل ما اخبرتك بكيت الدمع وبكيت الدم فقبت علام بكيت الدم قال على تخلفى عن اللّه تعالى فعلام بكيت الدم قال عغلى الدموع ان لا تصح لى ان تقبل منى قال فلما توفى رأيته فى المنام فقلت ما فعل اله بك قال غفر لى وقربنى ربى وقال يا فتح بكيت كل هذا البكاء على ماذا فقلت يا رب على تخلفى عن حقك وقال والدم ولم بكيته قلت يارب على الدموع ان لا تصح لى قال يا فتح فما اردت بهذا كله وعزتى وجلالى لقد صعد الى حافظاك اربعين سنة بصحيفتك وما فيها خطيئة فهذه حال اكابر اولياء اللّه تعالى يسيئون الظن بانفسهم ويجتهدون فى اللّه وان علموا العفو والمغفرة

ووقف الفضيل فى بعض حجاته ولم ينطق بشئ فلما غربت الشمس قال واسوأتاه وان عفوت

يقول الفقير وهذا كلام حق فان من الفضاحة العصيان ومن الفضاحة ايضا بقاء اثره الدنيوى بعد الغفران ألا ترى ان عتقاء جهنم لا يستريحون يوم القيامة وان دخلوا الجنة الى ان يمحو اللّه تعالى ما كتب على جباهم من الأثر : قال الحافظ قدس سره

هرجندكه هجران نمر وصل برآرد ... دهقان ازل كاشكه اين تخم نكشتى

وقال السعدى قدس سره

بسا نام نيكوى بنجاه سال ... كه يك نام زشتش كند بايمال

وفى الآية اشارة الى ان الحكمة الالهية اقتضت بعض النفوس على الذنوب وتأخير توبتهم وهم مترددون بين الخوف والرجاء ولهم فيما بين ذلك تربية ليطيروا بجناحى الخوف والرجاء الى ان يصلوا الى مقام القبض والبسط الى ان يبلغوا سرادقات الانس والهيبة ثم ليطيروا بجناحى الانس والهيبة الى قاب قوسى السير والتجلى او ادنى الوحدة

{ واللّه عليم } بتربية عباده

{ حكيم } بمن يصلح للقرب والقبول وبمن يصلح للعبد والرد كذا فى التأويلات النجمية

١٠٧

{ والذين اتخذوا مسجدا } اى ومن المتخلفين من غزوة تبوك المنافقون الذين اتخذوا مسجد قبا وهو بضم القاف ويذكر ويقصر قرية قرب المدينة على نصف فرسخ منهما كما فى التبيان

اعلم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما هاجر من مكة وقدم قبا نزل فى بنى عمرو ابن عوف وهم بطن من الاوس على كلثوم بن الهدم وكان شيخ بنى عمرو بن عوف وهل كان اسلم قبل رسوله صلى اللّه عليه وسلم الى قبا او بعده ففيه اختلاف فلما نزل وذلك فى يوم يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول

قال عمار بن ياسر رضى اللّه عنه ما لرسول اللّه بد من ان يجعل له مكان يستظل به اذا استيقظ ويصلى فيه فجمع حجارة فاسس رسول اللّه مسجدا واستتم بنيانه عمار فعمار اول من بنى مسجدا لعموم المسلمين وكان مسجد قبا اول مسجد صلى فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم باصحابه جماعة ظاهرين اى آمنين وبعد تحوله عليه السلام الى المدينة وذلك فى يوم الجمعة بعد ان لبث فى قبا بقية يوم الاثنين ويم الثلاثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس او بضع عشرة ليلة وهو المنقول عن البخارى او اربعة عشر يوما وهو المنقول عن مسلم كان يأتيه يوم السبت ماشيا وراكبا ويصلى فيه ثم ينصرف وفى الحديث ( من توضأ واسبغ الوضوء ثم جاء مسجد قبا فصلى فيه له اجر عمرة ) كما فى السيرة الحلبية فهذا المسجد وضعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعمار بمعاونة بنى عمرو بن عوف خالصا للّه تعالى كما عليه الاكثرون وفى الحديث ( من بنى مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعة بنى اللّه له بيتا فى الجنة ) قال القرطبى هذه المسألة ليست على ظاهرها من كل الوجوه وانما معناه بنى له بثوابه بناء اشرف واعظم وارفع لان اجور الاعمال متضاعفة وان الحسنة بعش رامثالها وهذا كما قال فى الثمرة انها تزاد حتى تكون مثل الجبل ولكن هذا التضعيف انما هو بحسب ما يقترن بالفعل من الاخلاص فان بنى على غير الاخلاص او على وجه غير مرضى فلا ثواب له ولا يعبأ اللّه به وان كان فى ظاهر الشرع له حكم المساجد من الاحترام والتعظيم وغير ذلك وكذا الربط والخوانق والقناطر والمطاهر وكل بناء فهو مشروط بذلك قاله فى شرح الالمام

قال النووى يدخل فى هذا الحديث من عمر مسجدا قد استهدم واذا اشترك جماعة فى عمارة مسجد فهل يحصل لكل منهم بيت فى الجنة كما لو اعتقد جماعة عبدا مشتركا بينهم فانهم يعتقون من النار ويجوزون العقبة لقوله تعالى

{ وما ادراك ما العقبة فك رقبة } وقد فسر النبى عليه السلام فك الرقبة بعتق البعض والقياس الحاق المساجد بالعتق لان فيه ترغيبا وحملا للناس على انشاء المساجد وعمارتها وهل يمكن الكافر من بناء المسجد فذهب بعضهم الى ان الصحيح جوازه لقوله عليه السلام ( ان اللّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) كما فى تفسير البغوى

قال الواحدى عند قوله تعالى

{ ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد اللّه } دلت الآية على ان الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ولو اوصى لم تقبل وصيته انتهى

قال سعدى جلبى المفتى عدم قبول وصيته مجمع عليه بين اصحابنا الحنفية انتهى ولا يصير الكافر ببناء المسجد مسلما وان عظمه حتى ياتى بالشهادتين بخلاف المسلم اذا اتى كنيسة واعتقد تعظيمها فانه يكفر لان الكفر يحصل بمجرد النية والاسلام لا يحصل الا بالتلفظ بالشهادتين كما فى فتح القريب

يقول الفقير سامحه اللّه القدير علم منه ان بعض القبط فى الديار الرومية ممن اظهر الاسلام رأيناهم يصلون ويصومون كصلاة المخلصين وصيامهم ثم انهم يدخلون كنائس النصارى فى مواسمهم فهم مرتدون بذلك ولا تصح الصلاة على موتاهم ان ماتوا على تلك الحالة لانه لا شك فى تعظيمهم الكنائس وموافقتهم النصارى فى افعالهم ولياليهم المعهودة فلا نتوقف فى كفرهم

واما تلفظهم بالشهادة فهو بحسب العادة ولا يغنى عنهم شيئا فى اعتقادهم وبعض المعاصرين من العلماء يتوقفون فى كفرهم جهلا العياذ باللّه تعالى

ثم نرجع ونقول ان بنى عمرو بن عوف لما بنوا ذلك المسجد حسدتهم اخوتهم بنو غنيم بن عوف وقالوا أنصلى فى مربط جمار لامرأة عمرو وذلك لانه كانت امرأته تربط فيه حمارها

وقيل كان مكان مسجد قبا محلا يجفف فيه التمر لكلثوم بن هدم رضى اللّه عنهما فبنوا مسجدا آخر فى قبا على قصد الفساد وتفريق جماعة المؤمنين وان يؤمهم فيه ابو عامر الراهب اذا قدم من الشام

وفى الحدادى انهم بنوه باذن النبى عليه السلام اقول هذا يخالف سوق القصة كما لا يخفى وبعيد ان يأذن رسول اللّه قبل اشارة اللّه فى ذلك. وقصى ابى عامر الراهب انه كان من اشراف قبيلة الخزرج تنصر فى الجاهلية وترهب ولبس المسوح وكان ماهرا فى علم التوراة والانجيل

قال الكاشفى [ وبيوسته نعت وصفت سيد عالم صلى اللّه عليه وسلم براهل مدينة مى خواند جون آن حضرت بمدينة هجرت كرد اهل ان خطه شيفته جمال وكمال وى شده وازصبحت ابو عامر برميدند وبرواى اونكردند ]

باوجود لب جان بخش تواى آب حيات ... حيفم آيد سخن از جشمه حيوان كفتن

فحسده وعاداه لانه زالت به عليه السلام رياسته وقال له لا اجد قوما يقاتلونك الا قاتلتك فلم يزل يتقاتل معه عليه السلام الى ان تقاتل معه يوم هوازن فلما انهزمت هوازن خرج الى الشام

قال الكاشفى [ آيد نامه نوشت بمنافقان جون ثعلبه بن حاطب وامثال اوكه شمادر مقابله مسجد قبادر محله خويش براى من مسجدى بسازيدكه جون من بمدينة آيم انجابافاده علم اشتغال نمايم ايشان مسجدى ساختند وحضرت رسالت بناه جون عازم تبوك شد بانيان مسجد آمده والتماس داريمكه درآن مسجد نماركزارى وغرض ايشان آن بودكه بواسطة نماز آن حضرت صلى اللّه عليه وسلم مهم خودرا دراستحكام دهند جنانجه در مثنوى معنوى هست ]

مسجد واصحاب مسجد را نواز ... تومهى ما شب دمى بامابساز

تاشود شب از جمالت همجوروز ... اى جمالت آفتاب جان فروز

اى دريغا كان سخن ازدل بدى ... تامراد آن نفر حاصل شدى

قال فى السيرة الحلبية كانوا يجتمعون فيع ويبيعون النبى عليه السلام ويستهزؤون به فقال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( انى على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا لاتيناكم فصليناكم فيه ) فلما رجع من تبوك اتوه فسألوه اتيان مسجدهم فدعا عليه السلام بقميصه ليلبسه ويأتيهم فانزل اللّه هذه الآية فقال

{ والذين اتخذوا مسجدا } { ضرارا } مفعول له اى مضارة للمؤمنين

قال الكاشفى براى ضرر مؤمنان وستيزه ايشان ]

{ وكفرا } وتقوية للكفر الذى يضمرونه

{ وتفريقا بين المؤمنين } الذين كانوا يجتمعون فى مسجد قبا قانهم ارادوا ببنائهم المسجد صرف بعض الجماعة اليه وتفريق كلمة المؤمنين

{ وارصادا } اى ترقبا وانتظارا

{ لمن حارب اللّه ورسوله من قبل } اى من قبل اتخاذ هذا المسجد وهو ابو عامر الارهب اى لاجله حتى يجيئ قيصلى فيه ويظهر على رسول اللّه وقد سبق حضوره فى الوقائع كلها فمن متعلق بحارب او باتخذوا مسجدا من قبل ان يظهر هؤلاء النفاق بالتخلف

{ وليحلفن } واللّه ليحلفن فهو جواب قسم مقدر

قال الكاشفى [ وهر آيينه سوكند ميخورند جون كسى كويد جرا اين مسجد ساختيد ]

{ ان } نافية

{ اردنا } اى ما اردنا ببناء هذا المسجد

{ الا الحسنى } الا الخصلى الحسنى وهى الصلاة وذكر اللّه والتوسعة على المصلين

{ واللّه يشهد انهم لكاذبون } فى حلفهم ذلك ولما نزلت هذه الآية واعلمه اللّه بخبرهم وما هموا به دعا اى رسول اللّه الوحشى قاتل حمزة وجماعة معه فقال لهم ( انطلقوا الى هذا المسجد الظالم اهله فاهدوه واحرقوه ) فخرجوا سراعا واخذوا سعفا من النخل واشعلوا فيه النار وذلك بين المغرب والعشاء وهدموه الى الارض وامر النبى عليه السلام ان يتخذ كناسة يلقى فيها القمامة والجيف ثم بعد زمان اعطاه صلى اللّه عليه وسلم لثابت بن ارقم يجعله بيتا فلم يولد فى ذلك البيت مولود قط وحفر فيه بقعة فخرج منها الدخان ومات ابو عامر بالشام وحيدا غريبا وذلك انه عليه السلام لما قدم المدينة اقبل اله ابو عامر فقال ما هذا الذى جئت به قال

( جئت بالحنفية دين ابراهيم ) قال ابو عامر وانا عليها فقال عليه السلام ( انك لست لها ) قال بلى ولكنك ادخلت فى الحنفية ما ليس فيها فقال عليه السلام ( ما فعلت ذلك ولكن جئت بها بيضاء نقية ) فقال ابو عامر امات اللّه الكاذب منا طريدا غريبا فقال عليه السلام ( آمين ) فسماه ابا عامر الفاسق مكان الراهب فمات كافرا يقنسرين وهى بكسر القاف وتشديد النون المفتوحة او المكسورة اسم بلدة فى الشام ومع هذه الخباثة كان له ولد صالح يقال له ابو حنظلة استشهد يوم احد فغسلته الملائكة عليهم السلام : قال السعدى قدس سره

هنر بنماى اكر دارى نه كوهر ... كل ازخاست وابراهيم از آزر

وفى الآية اشارة الى ان اهل الطبيعة

{ اتخذوا } مزبلة النفس

{ مسجدا ضرارا } لارباب الحنفية

{ وكفرا } باحوالهم كما انهم اتخذوا بستان القلب مسجدا يذكرون اللّه فيه ويطلبونه وهذا وصف مدعى الطلب الكذابين فى دعواهم المتشبهين بزى ارباب الصدق والطلب

{ وتفريقا بين المؤمنين } الطالبين الصادقين باظهار الدعوى من غير المعنى اى يفرقون بين الاخوان فى اللّه فى طلب انواع الحيل تارة بطلب صحبة معهم ومرافقتهم فى الاسفار وتارة بذكر البلدان وكثرة النعم فيها وطيب هوائها وكرم اهلها وارادتهم لهذه الطائفة ليزعجوهم عن خدمة المشايخ وصحبة الاخوان

{ وارصادا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل } ليوقعوهم فى بلاء صحبة الاباحية من مدعى الفقر والمعرفة وهم يحاربون اللّه بترك دينه وشريعته ورسوله بترك متابعته واحياء سنته

{ وليحلفن لهم ان اردنا الا الحسنى } فيما دعونا اليه

{ واللّه يشهد انهم لكاذبون } فيما يدعون ويحلفون كذا فى التأويلات النجمية

١٠٨

{ لا تقم } يا محمد للصلاة

{ فيه } اى فى مسجد هؤلاء المنافقين { ابدا }

قال سعدى المفتى اى لا تصل فيه عبر بالقيام عن الصلاة كما فى قولهم فلان يقوم الليل ومنه الحديث الصحيح ( من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )

{ لمسجد } مسجد قبا واللام للابتداء او القسم

{ اسس } التأسيس احكتم اس البناء وهو اصله يعنى اسسه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصلى فيه ايام مقامه بقبا { على التقوى }

قال فى التبيان اى بيت حدوده ورفعت قواعده على طاعة اللّه

وفى الحدادى لوجه اللّه وعلى ههنا للمصاحبة بمعنى كما فى قوله تعالى

{ وآتى المال على حبه } كما فى حواشى سعدى المفتى

{ من اول يوم } من ايام وجوده وتأسيسه متعلق باسس وكلمة من الجارة اذا كانت للابتداء تجر المكان كثيرا كما فى قولك جئت من البصرة وقد تجر الزمان ايضا عند الكوفيين كما فى هذه الآية فالمعنى منذ اول يوم بنى لان منذ لابتداء الغاية فى الزمان تقول ما رأيته منذ شهر

وقال الرضى من فى الآية بمعنى فى وذلك كثير فى الظروف. ويقال اراد بالمسجد مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة والاول اشهر واوفق للقصة اذ المسجد بقيا فالموازنة بينهما اولى من الموازنة بين ما بقيا وما بالمدينة

قال الحدادى لا يمتنع ان يكون المراد بالمسجد الذى اسس على التقوى كلا المسجدين مسجد النبى عليه السلام ومسجد قبا

{ احق ان تقوم فيه } اى اولى ان تصلى فيه

فان قيل لم قال اللّه تعالى احق لن تقوم فيه مع ان المفاسد الاربع المذكورة بقوله ضرارا وكفلرا وتفريقا وارصادا تمنع جواز قيامه فى الآخر

والجواب ان الكلام مبنى على النزول والمعنى لو فرضنا جواز القيام فى مسجد الضرار لكان القيام فى مسجد التقوى احق واولى لكونه على قاعدة محكمة فكيف والقيام فيه باطل لكونه مبنيا لاغراض فاسدة ويجوز ان يقال احق ليس للتفضيل بل بمعنى حقيق كما قال المولى ابو السعود والمراد بكونه احق كونه حقيقا به اى لا استحقاق فى مسجد الضرار رأسا وانما عبر عنه بصيغة التفضيل لفضله وكماله فى نفسه او الافضلية فى الاستحقاق المتناول ما يكون باعتبار زعم البانى ومن يتابعه فى الاعتقاد وهو الانسب بما سيأتى

{ فيه } اى فى المسجد المؤسس على التقوى

{ وحال } يعنى الانصار جملة مستأنفة مبينة لا حقية لقيامه عليه السلام فيه من جهة الحال بعد بيان احقيته له من حيث المحل

{ يحبون ان يتطهرا } من الانجاس والاخباث مطلقا بدنية كانت او عملية كالمعاصى والخصال الذميمة

{ واللّه يحب المطهرين } اى يرضى عن المتطهرين ويدينهم من جنابه ادناء المحب حبيبه - روى - ان هذه الآية لما نزلت مشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قبلا فاذا الانصار جلوس فقال

( أمؤمنون انتم ) فسكت القوم ثم اعادها فقال عمر رضى اللّه عنه يا رسول اللّه انهم لمؤمنون وانا معهم فقال عليه السلام ( أترضون بالقضاء ) قالوا نعم قال ( أتصبرون على البلاء ) قالوا نعم قال ( أيشكرون فى الرخاء ) قالوا نعم قال عليه السلام ( مؤمنون ورب الكعبة ) فجلس ثم قال ( يا معشر الانصار ان اللّه قد اثنى عليكم فما الذى تصنعون عند الوضوء وعند الغائط ) فقالوا نتبع الغائط الاحجار الثلاثة ثم نتبع الاحجار الماء فتلا فيه

{ رجال يحبون ان يتطهروا } وفى كلام بعضهم اول من استنجى بالماء ابراهيم عليه السلام والاتسنجاء مسح موضع النجو اى ما خرج من البطن وهو فى الاصل اعم منه ومن غسله كما فى المغرب فيطهر موضع النجو بثلاثة امداد فان لم يجد فبالحجار فان لم يجد فبكفه ولا يستنجى بما سوى الثلاثة لانه يورث الفقر والمقصود التقنية فلو حصل بالواحد كفاه ولم يحصل بالثلاثة زاد ولا يستنجى من النوم والريح فانه بدعة وليس على المستحاضة استنجاء لكل صلاة بلا بول وغائط كما فى النوازل واستعمال المنشفة ادب وذلك قبل ان يقوم وبعد الغسل ليزول اثر الماء المستعمل بالكلية وكان الانصار يتبعون الماء اثر اليوم ايضا وعن بعضهم ان المراد التطهر من الجنابة فلا ينامون عليها وفى الحديث ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة ) المراد بالملائكة هنا هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظة فانهم لا يفارقونه على اى حال من الاحوال

وقال بعض العلماء المراد بالملائكة غير الحفظة وغير ملائكة الموت

وقيل اراد لا تحضره الملائكة بخير ( جيفة الكافر ) المراد بها ذاته حيا وميتا لان الكافر نجس بعيد من الرحمة فى الحياة وبعد الموت ( والمتضخ ) بالضاد والخاء المعجمتين اى المتلطخ المتدهن بالخلوق بفتح الخاء المعجمة طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من انواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة

وقال ابو عبيدة عند العرب هو الزعفران وحده ووجه النهى عن الخلوق لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء والنهى عن الخلوق مختص بالرجال دون النساء كما فى المفاتيح ( والجنب ) الجنابة لغة البعد وسمى الانسان جنبا لانه نهى ان يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر

وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل ( الا ان يتوضأ ) وهذا فى حق كل من اخر الغسل لغير عذر او لعذر اذا امكنه الوضوء فلم يتوضأ

وقيل لم يرد بالجنب من اصابته جنابة فاخر الاغتسال ولكنه الجنب الذى يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لان النبى صلى اللّه عليه وسلم كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد

وفى الشرعة وينام بعد الوطء نومة خفيفة فانه اروح للنفس لكن السنة فيه ان يتوضأ اولا وضوءه للصلاة ثم ينام كما فى شرح ابن السيد على

قال فى فتح القريب المراد بالوضوء الشرعى بلا خلاف وفى رواية شعبة ( اغسل ذكرك ثم توضأ وارقد ) هذا هو الصحيح يعنى الامر بغسل الذكر ثم الوضوء ومن نام ولم يتوضأ فليستغفر اللّه تعالى ولو اراج العةد اى من غير نوم فليتوضأ اى ليتنظف بغسل الذكر واليدين فليس المراد بالوضوء الشرعى المشهور كما ذهب اليه المالكية كما فى شرح المشارق. والوضوء يطلق على غسل اليدين كما فى قوله عليه السلام ( الوضوء قبل الطعام ينفى الفقر ) واذا توضأ وضوءه للصلاة واراد ان ينام فهل الاولى ان ينوى رفع الحدث الاصغر او ينوى سنة العود او رفع الجنابة او ما اصابه من الاعضاء المغسولة الظاهر الاول ليكطون عبادة مستقلة او مخففة للحدث بزوال احد الحدثين كذا فى فتح القريب. وفيه ايضا اختلف فى علة الوضوء فقيل لانه يخفف الحدث

وقيل لبيت على احدى الطعارتين خشية ان يموت فى نومه ذلك لان الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب فيزول ذلك بالوضوء ومذهب الشافعى ومالك استحباب الوضوء للجنب قبل النوم لانه عليه السلام كان يفعل ذلك. وعن بعض المالكية لا تسقط العدالة بتركه لاختلاف العلماء فيه

وقال بعضهم فى الآية يحبون ان يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا عن آخرهم -روى- ان جابرا قال استأذنت الحمى على رسول اللّه عليه وسلم فقال ( من هذه ) قيل ام ملدم فامر بها عليه السلام الى اهل قبل فلقوا فيها ما لا يعلمه الا اللّه فشكوا اليه عليه السلام فقال ( ان شئتم دعوت اللّه ليكشفها عنكم وان شئتم تكون لكم طهورا ) قالوا أو تفعل ذلك فقال ( نعم ) قالوا فدعها وقد ( جاء ان حمى ليلة كفارة سنة ومن حم يوما كان له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته امه ) وعن عائشة رضى اللّه عنها لما قدمت المدينة اخذتها الحمى فسبتها فقال عليه السلام ( لا تسبيها فانها مأمورة ولكن ان شئت علمتك كلمات اذا قلتهن اذهبها اللّه تعالى عنك ) قالت علمنى قال ( قولى اللّهم ارحم جلدى الرقيق وعظمى الدقيق من شدة الحريق يا ام ملدم ان كنت آمنت باللّه العظيم فلا تصدعى الرأس ولا تنتنى الفم ولا تأكلى اللحم ولا تشربى الدم وتحولى عنى الى من اتخذ مع اللّه الها أخر ) فقالتها فذهبت عنها ولما استوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق امزجتهم فمرض كثير منهم وضعفوا تشوقوا الى مكة المكرمة ولذا نظر عليه السلام يوما الى السماء لانها قبلة الدعاء وقال

( اللّهم حبب الينا المدينة كما حببت الينا مكة وبارك لنا فى مدها وصاعها وصححها لنا ثم انقل وباءها الى مهيعة ) اى الجحفة وهى قرية قريبة من رابغ محل احرام من يجيئ من جهة مصر حاجا وكان سكانها ذا ذاك يهودا ودعاؤه عليه السلام ان يحبب اليهم المدينة انما هو لما جلبت عليه النفوس من حب الوطن والحنين اليه ومن ثم جاء فى حديث عائشة رضى اللّه عنها انها سألت رجلا بخضور النبى عليه السلام قدم المدينة من مكة فقالت له كيف تركت مكة فذكر لها من اوصافها الحسنة ما غرغرت منه عينا رسول اللّه عليه السلام وقال ( لا تشوقها يا فلان )

فتنها درانجمن ببدا شود ازسوزمن ... جون مرادر خاطر آيد مسكن ومأواى دوست

وفى اسئلة الحكم ان الختان للتطهير لانه لا يوجب المحبة الالهية كما قال تعالى

{ واللّه يحب المطهرين } فيحصل الاحتراز والتطهر من البول بالختان

قال الفقهاء الاقلف يجب ايصال الماء الى القلفة اذ لا حرج فيه وفى الحديث ( اتقوا البول فان عامة عذاب القبر من البول فانه اول ما يحاسب به العبد فى القبر ) كما فى الترغيب

اعلم ان مسجد المنافقين اشارة الى مزبلة النفس والمسجد المؤسس على التقوى اشارة الى مسجد القلب وهو قد اسس على العبودية والطاعة والاقرار بالوحدانية من اول يوم الميثاق عند خطاب ألست ببكم وجواب قالوا بلى واهله متطهرون عن الصفات الذميمة والاخلاق اللئيمة بل عن دنس الوجود ولوث الحدوث واللّه يحب المطهرين الفانين عن وجودهم الباقين باللّه ولولا محبته اياهم ما وفقهم للتطهير فتطهرهم مطلقا اثر من آثار محبة اللّه لهم : قال الحافظ

طهارت ارنه بخون جكر كند عاشق ... بقول مغتى عشق اش درست نيست نماز

وفى المثنوى

روى ناشسته نبيند روى حور ... لا صلاة كفت الا بالطهور

وهو بالفتح مصدر بمعنى التطهير ومنه ( مفتاح الصلاة الطهور ) واسم لما يتطهر به كذا فى المغرب

١٠٩

{ أفمن اسس بنيانه } جملة مستأنفة مبينة لخيرية الرجال المذكورين من اهل مسجد الضرار وهمزة الاستفهام للانكار والفاء للعطف على مقدر. والتأسيس احكام اس البناء وهو اصله والبنيان مصدر كالغفران اريد به المفعول اى المبنى. والمعنى ابعد ما علم حالهم فمن اسس بنيان مسجده اذ الكلام فيه ويؤيده اسس على التقوى

وقال الكاشفى [ آيا هر كس اساس افكند بناى دين خودرا ]

{ على تقوى من اللّه } المراد بالتقوى درجتها الثانية التى هى التقوى عن كل ما يؤثم من فعل او ترك فيكون غير منصرف كحبلى فلا تنوين فيه اذا. وقرئ بالتنوين على ان يكون الفه للالحاق كالف ارطى

{ ورضوان } وطلب مرضاته بالاشتغال بالطاعة

{ خير } اطلاق خير على معتقد اصحاب مسجد الضرار من اعتقاد الاشتراك فى الخيرية

{ أم من اسس بنيانه } والمعنى اى الفريقين خير واحق بالمصاحبة والصلاة معهم من اسس بناء مسجده مريدا به تقوى اللّه وطاعته وهم اهل مسجد قبا ام من اسس بنيان مسجده على النفاق والكفر وتفريق المؤمنين وارصاد كافر شأنه كيد المسلمين وتوهين امر الدين وترك الاضمار للايذان باختلاف البنيانين ذاتا واختلافهما وصفا واضافة

{ على شفا جرف هار } شفا الشئ بالقصر طرفه وشفيره وتثنيته شفوان والجرف بالضم والاسكان وهما لغتان الارض التى جرفت السيول اصلها اى حفرته واكلته والهارى المتصدع المشرف على السقوط يقال هار الجرف يهور او يهير اذا انشق من خلفه وهو ثابت بعد مكانه فهو هائر فهارى مقلوب هاير نقلت لانه الى مكان العين كما فعل فى شام اصله شايك فصار عارى فاعل كقاضى

قال ابو البقاء اصله هارو اوهاير ثم اخرت عين الكلمة فصارت بعد الراء وقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ثم حذفت لسكونها وسكون التنوين فوزنه بعد القلب فالع وبعد الحذف قال وعين الكلمة واو اوياء يقال تهور البناء وتهير

{ فانهار فى نار جهنم } يقال هار البناء هدمه فالانهار والانهيار [ ريهيده شدن ] كما فى تاج المصادر وفاعل انهار ضمير البنيان وضميربه للمؤسس البانى اى تساقط بنيانه وتناثر به اى بصاحبه فى النار

قال قتادة ذكر لنا انه حفرت بقعة من مسجد الضرار فرؤى الدخان يخرج منها

وقال جابر بن عبد اللّه رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار

قال الحدادى كما ان من بنى على جانب نهر صفته ما ذكرنا انهار بناؤه فى الماء فكذلك بناء اهل النفاق مسجد الشقاق كبناء على جرف جهنم يهور باهبه فيها

{ واللّه لا يهدى القوم الظالمين } اى لانفسهم او الواضعين للاشياء فى غير موضعها اى لا يرشدهم الى ما فيه نجاتهم وصلاحهم ارشادا موصلا لا محالة

واما الدلالة على ما يرشدهم اليه ان استرشدوا به فهو متحقق بلا اشتباه. والظلم فى الحقيقة وضع عبداة الدنيا ومحبتها والحرص فى طلبها فى موضع عبداة اللّه تعالى ومحبته والصدق فى طلبه

١١٠

{ لا يزال بنيانهم الذى بنوا } البنيان مصدر اريد به المفعول ووصفه بالموصول الذى صلته فعله للايذان بكيفية بناتهم له وتأسبسه على اوهن قاعدة واوهى اساس وللاشعار بعلة الحكم اى لا يزال مسجدهم ذلك مبنيا ومهدوما

{ ريبة فى قلوبهم } اى سبب ريبة وشك فى الدين كأنه نفس الريبة. اما حال بنائه فظاهر لما ان اعتزالهم من المؤمنين واجماعهم فى مجمع على حياله يظهرون فيه ما فى قلوبهم من آثار الشرك والنفاق ويدبرون فيه امورهم ويتشاورون فى ذلك ويلقى بعضهم الى بعض ما سمعوا من اسرار المؤمنين مما يزيدهم ريبة وشكا فى الدين.

واما حال هدمه فلما انه رسخ به كان فى قلوبهم من الشر والفساد وتتضاعفت آثاره واحكامه

{ الا ان تقطع } من التفعل بحذف احدى التائين اى الا ان تقطع

{ قلوبهم } قطعا وتتفرق اجزاء بحيث لا يبقى لها قابلية ادراك واضمار قطعا وهو استثناء من اعم الاوقات او اعم الاحوال محلة النصب على الظرفية اى لا يزال بنيانهم ريبة فى كل الاوقات او كل حال من الاحوال الا وقت تقطع قلوبهم فحينئذ يسلون عنها.

واما ما دامت سالمة فالريبة باقية فيها فهو تصوير لامتناع زوال الريبة عن قلوبهم الى الموت ويجوز ان يكون المراد حقيقة تقطعها عند قتلهم او فى القبور بالبلى او فى النار

{ واللّه عليم } [ وخداى تعالى داناست بتأسيس بنا وايشان كه بجه نيت بوده ]

{ حكيم } فيما حكم وامر من هدم مسجدهم واظهار نفاقهم

واعلم ان فى الآيتين المذكورتين اشارات منها ان صفاء الطوية وحسن الاعتقاد كالاساس فى باب الاعمال فكما ان البناء لا يقوم على الماء بل يقوم على الارض الصلبة كذلك الاعمال لا تقوم الا على محكم الاعتقاد وهو الباعث على الاخلاص العمل الذى هو ارادة التقرب الى اللّه تعالى وتعظيم امره واجابة دعوته وضده النفاق وهو التقرب الى الخلق من دون اللّه تعالى.

واما اخلاص طلب الاجر فهو ارادة نفع الآخرة بعمل الخير وضده الرياء وهو ارادة نفع الدنيا بعمل الآخرة سواء اراده من اله او من الناس لان الاعتبار فى الرياء بالمراد منه

فعلى العاقل ان يجعل اساس دينه على الاعتقاد الصحيح والاخلاص والتقوى حتى يكون كشجرة اصلها ثابت وفرعها فى السماء

ومنها ان المنافقين بنوا مسجدا للصلاة صوره فهم انما بنوا متحدثا لهم حقيقة ومحلا لقاذورات اقوالهم وافعالهم ولذا كان حريا بالقاء الجيف فيه بعد الهدم فتتمتعوا قليلا ثم وقعوا فى النار جميعا كما قال تعالى

{ ان اللّه جامع المنافقين والكافرين فى جهنم } فكما ان من جالسهم فى مجالسهم القذرة العذرة شقى شقاوة حقيقية كذلك من جالس الصديقين والعارفين فى مجالسهم المطهرة وانديتهم المقدسة سعد سعادة ابدية وتطهر طهارة اصلية وقد قال عليه السلام

( انهم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) فالمراد السامع او الجالس لان المجالسة والسماع ينتجان عن المحبة قال عليه السلام ( المرء مع من احب ) وهنا سر صوفى يريد صلى اللّه عليه وسلم فى الدنيا والآخرة فى الدنيا بالطاعة والادب الشرعى وفى الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدى

ومنها انهم ارادوا ببنيانهم مكرا وخديعة وغفلوا عن مكر اللّه تعالى بهم ولذا افتضحوا

مكر حق سر جشمه اين مكر هاست ... قلب بين الاصبعين كبر ياست

آنكه سازد دردلت مكرو قياس ... آتشى داند زدن اندر بلاس

ومنها ان من كانت شقاوته اصلية ازلية فهو لا يزداد بما ابتلاه اللّه تعالى به الا ضلالا وغيظا وانكارا والعاقل يختار فضوح الدنيا لانه اهون من فضوح الآخرة

ازين هلاك مينديش وباش مردانه ... كه اين هلاك بودموجب خلاص ونجات

ومنها ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يزل يدب الناس عن النار وعن الوقوع فيها ولذا هدم مسجدم الضرار اذ لو تركه على حاله لعاد الضرر على العامة بنزول البلية وهى نار معنى ولافتتن به بعض الناس والفتنة الدينية سبب للنار حقيقة فأهل الفساد والشر لا يقرون على ما هم عليه بل ينكر عليهم اشد الانكار بهتك اعراضهم واخراجهم من مساكنهم ان مست الحاجة ما هم عليه بل ينكر عليهم اشد الانكار بهتك اعراضهم واخراجهم من مساكنهم ان مست الحاجة الى الاخراج وكذا هدم بيوتهم ومنازلهم

ذكر فى فتاوى ابى الليث رجل بنى رباطا للمسلمين على ان يكون فى يده ما دام حيا فليس لاحد ان يخرجه من يده ما لم يظهر منه امر يستوجب الاخراج من يده كشرب الخمر فيه وما اشبه ذلك من الفسق الذى ليس فيه رضى اللّه لان شروط الوقف يجب اعتبارها ولا يجوز تركها الا للضرورة

وقال فى نصاب الاحتساب فاذا كان الخانقاه يخرج من يد بانيه لفسقه فكيف يترك فى الخانقاه فاسق او مبتدع. مثل الحديدية الذين يلبسون الحديد لان الحديد حلية اهل النار سواء اتخذ خاتما او حلقة فى اليد او فى الاذن او فى العنق او غير ذلك. ومث الجوالقية الذين يلبسون الجوالق والكساء الغليظ ويحلقون اللحية وكلاهما منكلا. فام الاول فلانه لباس شهرة وقد نهى عنه.

واما الثانى فلانه من فعل الافرنج وفيه تغيير خلق اللّه تعالى والتشبه بالنساء. ومثل القلندرية الذين يقصون الشعور حتى الحاجب والاهداب وفيهم يقول الحافظ

قلندرى نه بريشست وموى يا ابرو ... حساب راه قلندر موى بموست

كدشتن تز سرمو در قلندرى سهلست ... جو حافظ آنكه زسر بكذردقلندراوست

وقس عليهم سائر فرق اهل البدعة وفى الحديث ( لقد هممت ان آمر رجلا يصلى بالناس وانظر الى اقوام يتخلفون عن الجماعة فاحرق بيوتهم ) وهذا يدل على جواز احراق بيت الذى بيت الذى يتخلف عن الجماعة لان الهم على المعصية لا يجوز من الرسول عليه السلام لانه معصية فاذا علم جواز احراق البيت على ترك السنة المؤكدة فما ظنك فى احراق البيت على ترك الواجب والفرض عصمنا اللّه واياكم من الاقوال والافعال المنكرة

١١١

{ ان اللّه اشترى } -روى- ان الانصار لما بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة العقلة بمكة وهم سبعون او اربعة وسبعون من اهل المدينة قال عبد اللّه بن رواحة يا رسول اللّه اشترك لربك ولنفسك ما شئت فقال ( اشترطت لربى ان تعبدوه ولا تشركوا به شيأ واشترطت لنفسى ان تمنعونى ما تمنعون منه انفسكم واموالكم ) قال فاذا فعلنا ذلك فما لنا قال ( الجنة ) قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل اى لا نفسخه ولا ننقضه

آن بيع راكه روز ازل باتو كرده ايم ... اصلا دران حديث اقاله نميرود

فنزلت

{ ان اللّه اشترى } { من المؤمنين } لا من المنافقين والكافرين فانهم غي رمستعدين لهذه المبايعة

قال الحسن اسمعوا الى بيعة ربيحة بايع اللّه بها كل مؤمن واللّه على وجه الارض مؤمن الا وقد دخل فى هذه البيعة وسميت المعاهدة مبايعة تشبيها بالمعاوضة المالية

قال ابن ملك فى شرح المشارق المبايعة من جهة الرسول عليه السلام هو الوعد بالثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته

{ انفسهم } [ نفسهاى ايشانرا كه مباشر جهاد شوند ] فالمراد بالنفس هو البدن الذى هو المركب والآلة فى اكتساب الكمالات للروح المجرد الانسانى

{ واموالهم } [ وما لهاى ايشانرا كه درراه نفقه كنند ] فالمال الذى هو وسيلة الى رعاية مصالح هذا المركب

{ بان لهم الجنة } [ باآنكه مرايشانرا باشد بهشت ] اى باستحقاقهم الجنة فى مقابلتها وهو متعلق باشترى ودهلت الباء هنا على المتروك على ما هو الاصل فى باء المقابلة والعوض ولم يقل بالجنة مبالغة تقرر وصول الثمن اليهم واختصاصه بهم كأنه قيل بالجنة الثابتة لهم المختصة بهم

فان قيل كيف يشترى احد ملكه بملكه والعبد وماله لمولاه

قيل انما ذكر على وجه التحريض فى الغزو. يعنى [ اى بنده ازتو بذل كردن نفس ومال وازمن عطا دادن بهشت بى زوال ] ففيه تلطف للمؤمنين فى الدعاء الى الطاعة البدنية والمالية وتأكيد للجزاء كما قال تعالى

{ من ذا الذى يقرض اللّه قرضا حسنا } فذكر الصدقة بلفظ القرض للتحريض على ذلك والترغيب فيه اذ القرض يوجب رد المثل لا محالة وكأن اللّه تعالى عامل عباده معاملة من هو غير مالك فالاشتراء استعارة عن قبول اللّه تعالى من المؤمنين انفسهم واموالهم التى بذلوها فى سبيله واثابته اياهم بمقابلتها الجنة فاللّه تعالى بمنزلة المشترى والمؤمن بمنزلة البائع وبدنه وامواله بمنزلة المبيع الذى هو العمدة فى العقد والجنة بمنزلة الثمن الذى هو الوسيلة وانما لم يجعل الامر على العكس بان يقال ان اللّه باع الجنة من المؤمنين بانفسهم واموالهم ليجل على ان المقصد فى العقد هو الجنة وما بذله المؤمنون فى مقبلتها من الانفس والاموال وسيلة اليها ايذانا بتعلق كمال العناية بانفسهم واموالهم

وعن جعفر الصادق رضى اللّه عنه انه كان يقول يا ابن آدم اعرف قدر نفسك فان اللّه عرفك قدرك لم يرض ان يكون لك ثمن غير الجنة : وفى المثنوى

خويشتن نشناخت مسكين آدمى ... از فزونى آمد وشد در كمى

خويشتن را آدمى ارزان فروخت ... بوداطلس خويش رابردلق دوخت

قال الكاشفى [ نفس سرمايه سر وشورست ومال سبب طغيان وغرور اين دوناقص معيوب را درراه خدا كن وبهشت باقى مرغوبرا بستان ]

سنك بينداز وكهر مى ستان ... خاك زمين مى ده وزر مى ستان

درعوض فانى خوار وحقير ... نعمت باكيزه باقى بكير

وفى التفسير الكبير -حكى- فى الخبر ان الشيطان يخاصم ربه بهذه الآية ويحتج بالمسألة الشرعية فى البيع اذا اشترى المشترى متاعا معيوبا يرده الى البائع يقول يا رب انت اشتريت نفوسهم واموالهم فنفوسهم واموالهم كلها معيوبة در لى عبادك بشرعك وعدلك يكونوا معى حيث اكون فيقول اللّه تعالى انت جاهل بشرعى وعدلى وفضلى اذا اشترى المشترى متاعا بكل عيب فيه بفضله وكرمه لا يجوز رده فى شرعى فى مذهب من المذاهب فيخسأ الشيطان حجلا طريدا مخذولا : وفى المثنوى

كاله كه هيج خلقش ننكريد ... از خلاقت آن كريم آنرا خريد

هيج قلبى بيش حق مردود نيست ... زانكه قصدش ازخريدن سودنيست

[ بس حق سبحانه وتعالى مارا خريده وبعيوب مادانا اميداست كه ازدركاه كرم رد نكند. ودر نفخات الانس مذكورست از ابو زجانى نقل ميكندكه ]

توبعلم ازل مرا ديدى ... ديدى آنكه بعيب بخريدى

توبعلم آن ومن بعيب همان ... ردمكن آنجه خودبسنديدى

{ يقاتلون فى سبيل اللّه } استئناف لبيان البيع الذى يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل كيف يبيعون انفسهم واموالهم بالجنة فقيل يقاتلون فى سبيل اللّه : يعنى [ درراه خدا وطلب رضاى او ] وهو بذل منهم لانفسهم واموالهم الى جهة اللّه تعالى وزتعريض لهما للّهلاك

وقال الحدادى فيه بيان الغرض لاجل اشترائهم وهو ان يقاتلوا العدو فى طاعة اللّه انتهى

اقول هل الافعال الالهية معللة بالاغراض اولا ففيه اختلاف بين العلماء فانكره الاشاعرة واثبته اكثر الفقهاء لان الفعل الخالى عن الغرض عبث والعبث من الحكيم محال وتمامه فى التفاسير عند قوله تعالى { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون }

{ فيقتلون } [ بس كاهى مى كشند دشمانرا ] فهم الغزاة فلهم الجنة

{ ويقتلون } [ وكاهى كشته ميشوند دردست ايشان ] فهم الشهداء فلهم الجنة

قال فى الارشاد هو بيان لكون القتل فى سبيل اللّه بذلا للنفس وان المقاتل فى سبيله باذل لها وان كانت سالمة غانمة فان الاسناد فى الفعلين ليس بطريق اشتراط الجمع بينهما ولا اشتراط الاتصاف باحدهما البتة بل بطريق وصف الكل بحال البعض فانه يتحقق القتال من الكل سواء وجد الفعلان او احدهما منهم او من بعضهم بل يتحقق ذلك وان لم يصدر منهم احدهما ايضا كما اذا وجدت المضاربة ولم يوجد القتل من احد الجانبين او لم توجد المضاربة ايضا فانه يتحقق الجهاد بمجرد العزيمة والنفر وتكثير السواد وتقديم حالة القاتلية على حالة المقتولية للايذان بعدم الفرق بينهما فى كونهما مصداقا لكون القتال بذلا للنفس.

وقرئ بتقديم المبنى للمفعول رعاية لكون الشهادة عريقة فى الباب وايذانا بعدم مبالاتهم بالموت فى سبيل اللّه بل بكونه احب اليهم من السلامة واختار الحسن هذه القراءة لانه اذا قرئ هكذا كان تسليم النفس الى اسراء اقرب وانما يستحق البائع تسليم الثمن اليه بتسليم المبيع وانشد الاصمعى لجعفر رضى اللّه عنه

اثامن بالنفس النفيسة ربها ... وليس لها فى الخلق كلهمو ثمن

بها تشترى الجنات ان انابعتها ... بشئ سواها ان ذلكموغبن

اذا ذهبت نفسى بشئ اصيبه ... فقد ذهب الدنيا وقد ذهب الثمن

وانشد ابو على الكوفى

من يشترى قبة فى عدن عالية ... فى ظل طوبى رفيعات مبانيها

دلالها المصطفى واللّه بائعها ... ممن اراد وجبريل مناديها

واعلم ان من بذل نفسه وماله فى طلب الجنة فله الجنة وهذا هو الجهاد الاصغر ومن بذل قلبه وروحه فى طلب اللّه فله رب الجنة وهذا هو الجهاد الاكبر لان طريق التصفية وتبديل الاخلاق اصعب من مقاتلة الاعداء الظاهرة فالقتل اما قتل العدو الظاهر

واما قتل العدو الباطن وهو النفس وهواها

{ وعدا } مصدر مؤكد لما يدل عليه كون الثمن مؤجلا اذ الجنة يستحيل وجودها فى الدنيا فمضمون الجملة السابقة ناصب له

قال سعدى المفتى لان معنى اشترى بان لهم الجنة وعدهم اللّه على الجهاد فى سبيله

{ عليه } حال من قوله

{ حقا } لانه لو تأخر عنه لكان صفة له فلما تقدم عليه انتصب حالا واصله وعدا حقا اى ثابتا مستقرا عليه تعالى

قال الكاشفى

[ حقا ثابت وباقى كه خلاف دران نيست ]

{ فى التورية والانجيل والقرآن } متعلق بمحذوف وقع صفة لو عدا اى وعدا مثبتا مذكورا فى التوراة والانجيل كما هو مثبت مذكور فى القرآن. يعنى ان الوعد بالجنة للمقاتلين فى سبيل اللّه من هذه الامة مذكور فى كتب اللّه المنزلة وجوز تعلقه باشترى فيدل على ان اهل التوراة والانجيل ايضا مأمورون بالقتال موعودون بالجنة

{ ومن اوفى بعهده من اللّه } من استفهام بمعنى الانكار واوفى افعل تفضيل وقوله من اللّه صلته اى لا يكون احد وافيا بالوعد والعهد وفاء اللّه بعهده ووعده لانه تعالى قادر على الوفاء وغيره عاجز عنه الا بتوفيقه اياه كما فى التأويلات النجمية

{ فاستبشروا } الاستبشار اظهار السرور والسين فيه ليس للطلب كاستوقد واوقد والفاء لترتيب الاستبشار على ما قبله اى فاذا كان كذلك فسروا نهاية السرور وافرحوا غاية الفرح بما فزتم به من الجنة وانما قيل

{ بيعكم } مع ان الابتهاج به باعتبار ادائه الى الجنة لان المراد ترغيبهم فى الجهاد الذى عبر عنه بالبيع وانما لم يذكر العقد بعنوان الشراء لان ذلك من قبل اللّه لا من قبلهم والترغيب انما يكون فيما يتم من قبلهم

قال الحدادى بيعكم انفسكم من اللّه فانه لا مشترى ارفع من اللّه ولا ثمن اعلى من الجنة وقوله تعالى

{ الذى بايعتم به } [ آنكه مبايعه كرديد بآن ] لزيارة تقرير بيعهم وللاشعار بكونه مغايرا لسائر البياعات فانه بيع للفانى بالباقى ولان كلا البدلين له سبحانه وتعالى

{ وذلك } اى الجنة التى جعلت ثمنا بمقابلة ما بذلوا من انفسهم واموالهم

{ هو الفوز العظيم } الذى لا فوز اعظم منه

قال الحدادى اى النجاة العظيمة والثواب الوافر لانه نيل الجنة الباقية بالنفس الفانية ويجوز ان يكون ذلك اشارة الى السبع الى امروا بالاستبشار به وبجعل ذلك كأنه نفس الفوز العظيم او يجعل فوزا فى نفسه

واعلم ان الخلق كلهم ملك اللّه وعبيده.

ومع هذا فقد اشترى من المؤمنين انفسهم لنفاستها لديه احسانا منه

ثم اعلم ان الاجل محكوم ومحتوم. وان الرزق مقسوم ومعلوم. وان من اخطأ لا يصيب. وان سهم المنية لكل احد مصيب. وان كل نفس ذائقة الموت. وان ما قدر ازلا لا يخشى من الفوت. وان الجنة تحت ظلال السيوف. وان الرى الاعظم فى شرب كؤوس الحتوف. وان من اغبرت قدماه فى سبيل اللّه حرمه اللّه على النار. ومن انفق دينارا كتب بسبعمائة دينار وفى رواية بسبعمائة الف دينار. وان الشهداء حقا عند اللّه من الاحياء. وان ارواحهم فى جوف طيور خضر تتبوأ من الجنة حيث تشاء. وان الشهيد يغفر له جميع ذنوبه وخطاياه وانه يشفع فى سبعين من اهل بيته واولاده. وانه آمن يوم القيامة من الفزع الاكبر. وانه لا يجد كرب الموت ولا هول المحشر. وانه لا يحس بالم القتل. وان الطاعم النائم فى الجهاد افضل من الصائم القائم فى سواه. ومن حرس فى سبيل اللّه لا تبصر النار عيناه. وان المرابط يجرى له اجر عمله الصالح الى يوم القيامة. وان الف يوم لا تساوى يوما من ايامه. وان رزقه يجرى عليه كالشهيد ابدا لا يقطع. وان رباط يوم خير من الدنيا وما فيها. وانه يأمن من فتنة القبر وعذابه. وان اللّه يكرمه فى القيامة بحسن مآبه. الى غير ذلك واذا كان الامر كذلك. فيتعين على كل عاقل التعرض لهذه الرتبة وصرف عمره فى طلبها والتشمير للجهاد. عن ساق الاجتهاد. والنفير الى ذوى العناد. من كل العباد. وتجهيز الجيوش والسرايا. وبذل الصلات والعطايا. واقراض الاموال لمن يضاعفها ويزكيها. ودفع سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها. وان ينفر فى سبيل اللّه خفاف وثقالا. ويتوجه الى جهاد اعداء اللّه ركبانا ورجالا. حتى يخرجوا الى الاسلام من اديانهم.

او يعطوا الجزية صغرة بايمانهم. او تستلب نفوسهم من ابدانهم. وتجتذب رؤسهم من تيجانهم. فجموع ذوى الالحاد مكسرة. وان كانت بالتعداد مكثرة. وجيوش اولى العناد مدبرة مدمرة. وان كانت بعقولهم مقدمة مدبرة. وعزمات رجال الضلال مؤنثة مصغرة. وان كانت ذواتهم مذكرة مكبرة. ألا ترى ان اللّه تعالى جعل كل مسلم يغلب منهم اثنين. وللذكر من العقل مثل حظ الانثيين. فوجب علينا ان نطير اليهم ونغير عليهم رجالا وفرسانا. ونجهد فى خلاص اسير ومكروب. واغتنام كل خطير ومحبوب. ونبيد بايدى الجلاد حماة الشرك وانصاره. ونصول بالنصول على دعاة الكفر انهتك استاره. ونتطهر بدماء المشركين والكفار. من ارجاس الذنوب وانحاس الاوزار. هناك فتحت من الجنة ابوابها. وارتفعت فرشها ووضعت اكوابها. وبرزت الحور العين عربها واترابها. وقام للجلاد على قدم الاجتهاد خطابها. فضربوا ببيض المشرفية فوق الاعناق. واستعذبوا من المنية مر المذاق. وباعوا الحياة الفانية بالعيش الباق. فوردوا من مورد الشهادة موردا لم يظمأوا بعده ابدا. وربحت تجارتهم فكانوا اسعد السعدا. اولئك فى صفقة بيعهم هم الرابحون. فرحين لما آتاهم اللّه من فضله ويستبشرون. اليك اللّهم نمد اكف الضراعة ان تجعلنا منهم. وان لا تحيد بنا عند قيام الساعة عنهم. وان ترزقنا من فضلك شهادة ترذيك عنا. وغفرا للذنب الذى انقض الظهر عنى. وقبولا لنفوسنا اذعر ضناها رحمة منك وتفضلا ومنا. وحاشى كرمك ان نأوب بالخيبة مما رجونا واملنا. وانت ارحم الراحمين

وعن الشيخ عبد الواحد بن زيد قدس سره قال بينما نحن ذات يوم فى مجلسنا هذا قد تهيأ للخروج الى الغزو قد امرت اصحابى بقراءة آيتين فقرأ رجل من مجلسنا

{ ان اللّه اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة } اذ قام غلام فى مقدار خمس عشرة سنة او نحو ذلك وقد مات ابوه وورثه مالا كثيرا فقال يا عبد الواحد بن زيد

{ ان اللّه اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة } فقلت نعم حبيبى فقال انى اشهدك انى قد بعت نفسى ومالى بان لى الجنة فقلت له ان حد السيف اشد من ذلك وانت صبى وانى اخاف عليك ان لا تصبر او تعجز عن ذلك فقال يا عبد الواحد ابايع اللّه بالجنة ثم اعجز اشهد اللّه انى قد بايعته او كما قال رضى اللّه عنه قال عبد الواحد فتقاصرت الينا انفسنا وقلنا صبى يعقل ونحن لا نعقل فخرج من ماله كله وتصدق به الا فرسه وسلاحه ونفقته فلما كان يوم الخروج اول من طلع علينا فقال السلام عليك يا عبد الواحد فقلت وعليك السلام ربح البيع ان شاء اللّه ثم سرنا وهو معنا يصوم النهار ويقوم الليل ويخدمنا ويخدم دوابنا ويحرسنا اذا نمنا حتى اذا انتهينا الى دار الروم فبينما نحن كذلك اذا به قد اقبل وهو ينادى واشوقاه الى العياء المرضية فقال اصحابى لعله وسوس هذا الغلام واختلط عقله فقلت حبيبى وما هذه العيناء المرضية فقال قد غفوت غفوة فرأيت كأنه قد اتانى آت فقال لى اذهب الى العيناء المرضية فهجم بى على روضة فيها بحر من ماء غير آسن واذا على شاطئ النهر جوار عليهن من الحلل ما لا اقدر ان اصفه فلما رأيننى استبشرن بى وقلن هذا زوج العيناء المرضية فقلت السلام عليكن أفيكن العيناء المرضية فقلن لا نحن خدمها واماؤها امض امامك فمضيت امامى فاذا انا ينهر من لبن لم يتغير طعمه فى روضة فيها من كل زينة فيها جوار بما رأيتهن افتتنت بحسنهن وجمالهن فلما رأيننى استبشرن وقلن واللّه هذا زوج العيناء المرضية فقلت السلام عليكن أفيكن العيناء المرضية فقلن وعليك السلام يا ولى اللّه نحن خدمها واماؤها فتقدم امامك فتقدمت فاذا انا بنهر من خمر وعلى شط الوادى جوار انسيننى من خلفت فقلت السلام عليكن أفيكن العيناء المرضية قلن لا نحن خدمها واماؤها امض امامك فمضيت فاذا انا بنهر آخر من عسل مصفى امامى فوصلت الى خيمة من درة بيضاء وعلى باب الخيمة جارية عليها من الحلى والحلل ما لا اقدر ان اصفه فلما رأتنى استبشرت بى ونادت من الخيمة ايتها العيناء المرضية هذا بعلك قد قدم قال فدنوت من الخيمة ودخلت فاذا هى قاعدة على سرير من ذهب مكلل بالدر والياقوت فلما رأيتها افتتنت بها وهى تقول مرحبا بك يا ولى اللّه قد دنا لك القدوم علينا فذهبت لاعانقها فالت مهلا فانه لم يأن لك ان تعافنى لان فيك روح اليحاة وانت تفطر الليلة عندنا ان شاء اللّه تعالى فانتبهت يا عبد الواحد ولا صبر لى عنها قال عبد الواحد فما انقطع كلامنا حتى ارتفعت بنا سرية من العدو فحمل الغلام فعددت تسعة من العدو قتلهم وكان هو العاشر فمررت به وهو يتشحط فى دمه وهو يضحك ملئ حتى فارق الدنيا وللّه در القائل

يا من يعانق دنيا لا بقاء لها ... يمسى ويصبح مغرورا وغرارا

هلا تركت من الدنيا معانقة ... حتى تعانق فى الفردوس ابكارا

ان كنت تبغى جنان الخلد تسكنها ... فينبغى لك ان لا تأمن النارا

١١٢

{ التائبون } قال الزجاج هو مبتدأ خبره مضمر. والمعنى التائبون الى آخر الآية من اهل الجنة كالمجاهدين فيما قبل هذه الآية فيكون الوعد بالجنة حاصلا للمجاهدين وغيرهم من المؤمنين وان لم يجاهدوا اذا كانوا غير معاندين ولا قاصدين لترك الجهاد والمراد التائبون عن الشرك والنفاق وكل معصية صغيرة كانت او كبيرة. وهى واجبة على الفور ويتقدمها معرفة الذنب المرجوع عنه انه ذنب وعلامة قبولها اربعة اشياء. ان ينقطع عن الفاسقين. ويتصل بالصالحين بالتردد الى مجالسهم الشريفة اينما كانوا. وان يقبل على جميع الطاعات اذ الرجوع اذا صح من القلب ترى الاعضاء تنقاد لما خلقت له كالشجرة اذا صلح اصلها اثمر فرعها وان يذهب عنه فرح الدنيا اذ المقبل على اللّه لا يفرح بشئ مما سواه وكان عليه السلام متواصل الاحزان دائم الفكر. وان يرى نفسه فارغا عما ضمن اللّه له يعنى الرزق مشتغلا بما امر اللّه تعالى قال اللّه تعالى ( يا ابن آدم خلقتك من تراب ثم من نطفة ولم يعينى خلقك من العدم أفيعنينى رغيف اسوقه لك فى حين وجودك ) فاذا وجدت هذه العلامات وجب على الناس ان يحبوه فان اللّه قد احبه ويدعوا له ان يثبته اللّه على التوبة ولا يعيروه بذنوبه ويجالسوه ويكرموه وليحذر التائب من نقض العهد والرجوع الى المعصية [ يحيى بن معاذ كفت يك كناه بعد از توبه قبيحترست ازهقناد كناه ييش از توبه ]

قال القشيرى قدس سره التائبون اصناف فمن راجع يرجع عن زلته الى طاعته ومن راجع يرجع عن شهود نفسه الى شهود لطفه ومن راجع يرجع عن الاحسان بنفسه وابناء جنسه الى الاتغراق بحقائق ربه

{ العابدون } الذين عبدوا اللّه تعالى مخلصين له

عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغز بوست

والعبادة عبارة عن الاتيان بفعل يشعر بتعظيم اللّه تعالى [ كويند امام اعظم رحمه اللّه بيست سال بوضوء شب نمار روز كزارد وهركز بهلو برزمين ننهاد وجامه خواب نداشت وسر برهنه نشست وباى دراز نكرد ] وفى الحديث ( ان ابغض الخلق الى اللّه الصحيح الفارغ )

وقال القشيرى قدس سره

{ العابدون } الخاضعون اللّه بكل وجه الذين لا يسترقهم كرائم الدنيا ولا يستعبدهم عظائم العقبى فلا يكون العبد عبد اللّه على الحقيقة الا بعد تجرده عن كل حادث

{ الحامدون } اى المثنون عليه بالاءه الشاكرون على الحقيقة الا بعد تجرده عن كل حادث

{ الحامدون } اى المثنون عليه بآلاءه الشاكرون له على نعمائه المادحون له بصفاته واسمائه وعم بعضهم الحمد فاوجبه على النعم الدينية والدنيوية وكذا على الشدائد والمصائب فى الدنيا فى اهل او نفس او مال لانها نعم بالحقيقة بدليل انها تعرض العبد لمثوبات جزيلة حتى ما يقاسيه الاطفال عند الموت من الكرب الشديد ترجع فائدته الى الولى الصابر وقد صح ان رسول اللّه صلى اللع هليه وسلم قال

( الحمد للّه على ما ساء وسر ) كما فى منهاج العابدين. ومما ينبغى ان يعلم ان التوفيق للتوحيد نعمة عظيمة من اللّه تعالا فليقل المؤمن دائما الحمد للّه على دين الاسلام وتوفيق الايمان

قال مجاهد فى تفسير قوله تعالى

{ أليس اللّه باعلم بالشاكرين } يعنى بالشاكرين على التوحيد فاذا عرفت هذا لا يغرنك قول من قال ان نفس الدين وكذا الاسلام والايمان ليس بنعمة فكيف يحمد عليه

وقال القشيرى

{ الحامدون } هم الذين لا اعتراض لهم على ما يحصل بقدرته ولا انقباض لهم عما يجب من طاعته

{ السائحون } عن ابن عباس رضى اللّه عنهما كل ما ذكر فى القرآن من السياحة فهو الصيام وفى الحديث ( سياحة امتى الصوم ) قال الشاعر

تراه يصلى ليله ونهاره ... يظل كثير الذكر للّه سائحا

اى صائما وشبه الصوم بالسياحة لانه عائق عن الشهوات كالسائح لا يتوسع فى استبقاء ما يميل اليه طبعه لان الصوم رياضة نفسانية يتوسل الى العثور على خفايا الملك والملكوت كما ان السائح يصل الى ما لم يعرفه ولم يره

وقال بعض العرفاء النكتة ان السياح يسيح فى الارض فأى بلد استطاب المقام فيه اقام واذا لم يستطب خرج منه الى بلد آخر فكذا الصائم اذا دخل الجنة يقال له ادخل من اى باب شئت واى غرفة وقصر استطبتها فانزلها فيسيح فى قصور الجنة ومنازلها اين ما شاء كالسياح فى الارض

وقال الحسن

{ السائحون } الذين صاموا عن الحلال وامسكوا عن الحرام وههنا واللّه اقوام رأيناهم يصومون عن الحلال ولا يمسكون عن الحرام واللّه ساخط عليهم

وقال القشيرى هم الصائمون عن شهود غير اللّه المكتفون من اللّه باللّه

وقال فى التأويلات النجمية

{ السائحون } السائرون الى اللّه بترك ما شغلهم عنه

وقال عطاء المراد الغزاة فى سبيل اللّه يقطعون المنازل والمراحل الى أن يصلوا الى ديار الكفرة فيجاهدوهم

وقال عكرمة هم طلاب العلم ينتقلون من بلد الى آخر. ورحل جابر رضى اللّه عنه من المدينة الى مصر لحديث واحد ولذا لا يعد احد كاملا الا بعد رحلته ولا يصل الى مقصوده الا بعد هجرته وقالوا كل من لم يكن استاذ يصله بسلسلة الاتباع ويكشف عن قلبه القناع فهو فى هذا الشأن سبط لا اب له دعى لا نسب له

{ الراكعون الساجدون } فى الصلاة وانما كنى بالركوع والسجود عن الصلاة لكون جهة العيادة اظهر فيهما بالنسبة الى باقى اركان الصلاة فان هيئتى القيام والقعود قد يؤتى بهما على وفق العادة بخلاف الركوع والسجود فانهما ليسا من الهيآت الطبيعية الموافقة للعادة فلا يؤتى بهما الا على سبيل العبادة فكان لهما مزيدا اختصاص بالصلاة

وقال القشيرى

{ الراكعون } الخاضعون للّه فى جميع الاحوال بخمودهم تحت سلطان التجلى وفى الخبر

( ان اللّه اذا تجلى لشئ خضع له ) و

{ الساجدون } بنفوسهم فى الظاهر على بساط العبودية وبقلوبهم فى الباطن عند شهود الربوبية

وقال فى التأويلات النجمية

{ الراكعون } الراجعون عن مقام القيام بوجودهم الى القيام بموجودهم

{ الساجدون } الساقطون عن هم على عتبة الوحدة بلاهم

جون تجلى كرد اوصاف قديم ... بس بسوزد وصف حادث را كليم

{ الآمرون بالمعروف } اى بالايمان والطاعة

{ والناهون عن المنكر } اى عن الشرك والمعاصى

وقال الحدادى المعروف هو السنة والمنكر هو البدعة

قال ابن ملك عند قوله عليه السلام ( وكل بدعة ضلالة ) يعنى كل خصلة جديدة اتى بها ولم يفعلها النبى عليه السلام ضلالة لان الضلالة ترك الطريق المستقيم والذهاب الى غيره والطريق المستقيم الشريعة خص من هذا الحكم البدعة الحسنة كما قال عمر رضى اللّه عنه فى التراةيح نعمت البدعة

قال العلماء البدع خمس واجبة كنظم الدلائل لرد شبه الملاحدة وغيرهم. ومندوبة كتصنيف الكتب وبناء المدارس ونحوها. ومباحة كالبسط فى الوان الاطعمة وغيرها. ومكروهة. وحرام وهما ظاهران انتهى

يقول الفقير البناء اما لدرس العلم الظاهر

واما لتعليم علم الباطن فاذا كان بناء المدارس من البدعة الحسنة فليكن بناء الخانقاه منها ايضا بل بناء اشرف لشرف معلومة فمن قال انه ليس فى مكة والمدينة خانقاه فما هذه الخوانق فى البلاد الرومية. وغيرها ونهى عن الخانقاه والتردد اليه لجمعية الذكر واصلاح الحال بالخلوة والرياضة فانما قاله من جهله وحماقته ونهى عن ضلالته وشقاوته فهو ليس بآمر بالمعروف ولا ناه عن المنكر بل بالعكس كما لا يخفى ولقد كثر أمثال هذا المنكر الطاعن فى هذا الزمان مع انهم لا حجة لهم ولا برهان واللّه المستعان

وقال القشيرى الآمرون والناهون هم الذين يدعون الخلق الى اللّه تعالى ويحذرونهم عن غير اللّه يتواصون بالاقبال على اللّه وترك الاشتغال بغير اللّه ثم انه انما تخللت الواو الجامعة بين الآمرون والناهون للدلالة على انهما فى حكم خصلة واحدة لا يعتبر احدهما بدون الآخر وعلى هذا فثامن الاوصاف هو قوله

{ والحافظون } وواوه واو الثمانية

وقيل الصفة الثامنة هى قوله

{ والناهون } وواوه واو الثمانية وذلك ان العرب اذا ذكروا اسماء العدد على سبيل التعداد يقولون واحد اثنان ثلاثة اربعة خمسة ستة سبعة ثم يدخلون الواو على الثمانية ويقولون وثمانية تسعة عشرة للايذان بان الاعداد قد تمت بالسابع من حيث ان السبعة هو العدد التام وان الثامن ابتداء تعداد آخر

قال القرطبى هى لغة فصيحة لبعض العرب وعليها قوله

{ ثيبات وابكارا } وقوله

{ وثامنهم كلبهم } وقوله

{ وفتحت ابوابها } لان ابواب الجنة ثمانية واليه ذهب الحريرى فى درة الغواص وغيره من العلماء

وقال النسفى فى تفسيره المسمى بالتيسير لا اصل لهذا القول عند المحققين فليس فى هذا العدد ما يوجب ذلك والاستعمال على الاطراد كذلك قال اللّه تعالى

{ الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر } بغير واو وقال تعالى

{ ولا تطع كل حلاف مهين } الآية بغير واو فى الثامنة

{ والحافظون لحدود اللّه } اى فيما بينه وعينه من الحقائق والشرائع عملا وحملا للناس عليه

وقال القشيرى هم الواقفون حيث وقفهم اللّه الذين يتحركون اذا حركهم ويسكنون اذا سكنهم ويحفظون مع اللّه انفاسهم

ثم انه لما كانت التكاليف الشرعية غير منحصرة فيما ذكر بل لها اصناف واقسام كثيرة تفصيلها وتثبيتها الا فى مجلدات

ذكر اللّه تعالى سائر اقسام التكاليف على سبيل الاجمال بقوله

{ والحافظون لحدود اللّه } والفقهاء ظنوا ان الذى ذكروه فى بيان التكاليف واف ليس كذلك لان الافعال المكلفين قسمان افعال الجوارح وافعال القلوب وكتب الفقه مشتملة على شرح اقسام التكاليف المتعلقة باعمال الجوارح.

واما التكاليف المتعلقة باعمال القلوب فليس فى كتبهم منها الا قليل نادر وبعض مباحيها مدون فى الكتب الكلامية والبعض الآخر منها فصله الامام الغزالى وامثاله فى علم الاخلاق ومجموعها مندرج فى قوله تعالى

{ والحافظون لحدود اللّه } [ شيخ احمد غزالى ببرادرش امام محمد غزالى كفت جمله علم ترابدو كلمه آورده ام التعظيم لامر اللّه والشفقة على خلق اللّه ]

قال الحدادى وهذه الصفة من اتم ما يكون من المبالغة فى وصف العباد بطاعة اللّه والقيام باوامره والانتهاء عن زواجره لان اللّه تعالى بين حدوده فى الامر والنهى وفيما ندب اليه فرغب اليه او خير فيه وبين ما هو الاولى فى مجرى موافقة اللّه تعالى فاذا قام العبد بفرائض اللّه تعالى وانتهى الى ما اراد اللّه منه كان من الحافظين لحدود اللّه كما روى عن خلف بن ايوب انه امر امرأته ان تمسك عن ارضاع ولده فى بعض الليل وقال قد تمت له السنتان فقيل له لو تركتها حتى ترضعه هذه الليلة قال فاين قوله تعالى

{ والحافظون لحدود اللّه } { وبشر المؤمنين } يعنى هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل. ووضع المؤمنين موضع ضميرهم للتنبيه على ان ايمانهم دعاهم الى ذلك وان المؤمن الكامل كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كأنه قيل وبشرهم بما يجل عن احاطة الافهام وتعبير الكلام واعلى ذلك رؤية اللّه تعالى فى دار السلام واعلم ان كل عمل له جزاء مخصوص يناسبه كالصوم مثلا جزاؤه الاكل والشرب كما قال تعالى

{ كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم فى الايام الخالية } وقس على هذا ياقى الاعمال واجتهد فى تحصيل الحال وفقنا اللّه واياكم الى اسباب مرضاته

١١٣

{ ما كان للنبى والذين آمنوا } باللّه وحده اى ما صح لهم وما استقام فى حكم اللّه تعالى وحكمته

{ ان يستغفروا } اى يطلبوا المغفرة

{ للمشركين } به سبحانه

{ ولو كانوا } اى المشركون

{ اولى قربى } اى ذوى قرابة لهم

{ من بعد ما تبين لهم } اى ظهر للنبى عليه السلام والمؤمنين

{ انهم } اى المشركين

{ اصحاب الجحيم } اى اهل النار بان ماتوا على الكفر او نزل الوحى بانهم يموتون على ذلك -روى- انه لما مرض ابو طالب وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد مضى عشر سنين من بعثتخ عليه السلام وبلغ قريشا اشتداد مرضه

قال بعضهم لبعض ان حمزة ونمر قد اسلما وقد فشا امر محمد فى قبائل قريش كلها فانطلقوا بنا الى ابى طالب فلنأخذ لنا على ابن اخيه وليعطه منا فانا واللّه ما نأمن من ان يسلموا امرنا وفى رواية انا نخاف ان يموت هذا الشيخ فيكون منا شئ اى قتل محمد فتعيرنا العرب ويقولون تركوه حتى اذا مات عمه تناولوه فمشى اليه اشرافهم منه عتبة وشيبة ابنا ربيعة وابو جهل وامية لن خلف وابو سفيان فانه اسلم ليلة الفتح فارسلوا رجلا فاستأذن لهم على بن ابى طالب فقال هؤلاء اشراف قومك يستأذنون عليك قال ادخلهم فدخلوا عليه فقالوا يا ابا طالب انت سيدنا وكبيرنا وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك وقد علمت الذى بيننا وبين ابن اخيك فادعه فخذله منا وخذلنا منه ليدعنا وديننا وندعه ودينه فبعث اليه عليه السلام ابو طالب فجاء ولما دخل عليه السلام على ابى طالب وكا بين ابى طالب وبين القوم فرجة تسع الجالس فخشى ابو جهل ان يجلس النبى عليه السلام فى تلك الفرجة فيكون ارقى منه وثب لعنه اللّه فجلس فيها فلم يجد عليه السلام مجلسا قريبا الى ابى طالب فجلس عند الباب فقال ابو طالب لرسول اللّه عليه السلام يا ابن اخى هؤلاء اشراف قومك اعطهم ما سألوك فقد انصفوك سألوا ان تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك والهك فقال عليه السلام ( أرأيتكم ان اعطيتكم ما سألتم فهل تعطوننى كلمة واحدة تملكون بها العرب ويدين لكم بها العجم ) اى يطيع ويخضع فقال ابو جهل نعطيكها وعشرا معها فما هى قال ( تقولون لا اله الا اللّه وتخلعون ما تعبدون من دونه ) فصفقوا بايديهم ثم قالوا سلنا يا محمد غير هذه الكلمة فقال ( لو جئتمونى بالشمس حتى تصنعوها فى يدى ما سألتكم غيرها ) ثم

قال بعضهم لبعض واللّه ما هذا الرجل بمعطيكم شيأ مما تريدون فامضوا على دين آبائكم حتى يحكم اللّه بينكم وبيه ثم تفرقوا وعند ذلك قال عليه السلام

( اى عم فانت فقلها اشهد لك بها عند اللّه ) فقال واللّه يا ابن اخى لولا مخافة العار عليك وعلى بنى ابيك من بعدى ان تظن قريش انى انما قلتها خوفا من الموت لقلتها فلما ابى عن كلمة التوحيد قال عليه السلام ( لا ازال استغفر لك ما لم انه عنه ) وذلك لغلبة همته على مغفرته لانه كان يحفظه عليه السلام وبنصره ولما مات نالت قريش من رسول اللّه من الاذى ما لم تكن تطمع فيه فى حياة ابى طالب حتى ان بعض سفهاء قريش نثر على رأس النبى عليه السلام التراب فدخل بيته والتراب على رأسه فقام اليه بعض بناته وجعلت تزيله عن رأسه وتبكى ورسول اللّه يقول لها ( لا تبكى يا بنية فان اللّه مانع اباك ) فبقى عليه السلام يستغفر لأبى طالب من ذلك الوقت الى وقت نزول هذه الآية وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سأل عن ابويه ايهما اقرب به عهدا فقيل له امك آمنة فقال ( هل تعلمون موضع قبرها لعلى آتيه فاتستغفر لها فان ابراهيم عليه السلام استغفر لابويه ) فقال المسلمون ونحن ايضا نستغفر اللّه لآبائنا واهلينا فانطلق رسول اللّه وذلك فى سنة الفتح فانتهى الى قبر امه فى الابواء منزل بين مكة والمدينة وذلك انه عليه السلام ولد بعد ان توفى ابوه عبد اللّه ودفن بالمدينة لما انه قد خرج اليها لحاجة فادركه الموت هناك وكان عليه السلام مع امه آمنة فلما بلغ ست سنين خرجت آمنة الى اخوالها بالمدينة تزورهم ثم رجعت به الى مكة فلما كانت بالابواء توفيت هناك دفنت بالحجون ويمكن الجمع بينهما بانها دفنت اولا بالابواء ثم نقلت من ذلك المحل الى مكة كما فى السيرة الحلبية فلما جلس عليه السلام عند قبر امه ناجى طويلا ثم بكى بكاء شديدا فبكينا لبكائه فقلنا يا رسول اللّه ما الذى ابكاك قال ( استأذنت ربى فى زيارة قبر امى فاذن لى فاستأذنته فىلاستغفار لها فلم يأذن لى وانزل علىّ الآيتين ) آية

{ ما كان للنبى } وآية

{ وما كان استغفار ابراهيم }

قال بعضهم لا مانع من تكرر سبب النزول فيجوز ان تنزل الآيتان لما استغفر لامه ولما استغفر لعمه

يقول الفقير سامحه القدير فيه بعد لانه ان سبق النزول لاستغفار امه فكيف يبقى النبى عليه السلام على استغفار عمه وقد تبت ان هذه السورة الكريمة من آخر القرآن نزولا وكذا العكس ومن ادعى الفرق بين الاستغفارين فعليه البيان

١١٤

{ وما كان استغفار ابراهيم لابيه } بقوله

{ واغفر لأبى } اى بان توقفه للايمان وتهديه اليه كما يلوح به تعليله بقوله

{ انه كان من الضالين } { الا عن موعدة } استثناء مفرغ من اعم العلل اى لم يكن استغفاره لأبيه آزر ناشئا عن شيء من الاشياء الا عن موعدة

{ وعدها } ابراهيم

{ اياه } اى اباه بقوله

{ لاستغفرن لك } وقوله

{ سأستغفر لك ربى } بناء على رجاء ايمانه لعدم تبين حقيقة امره

{ فلما تبين له } اى لابراهيم بان اوحى اليه انه مصر على الكفر غير مؤمن ابدا

وقيل بان مات على الكفر والاول هو الانسب بقوله

{ انه عدو للّه } فان وصفه بالعداوة مما يأباه حالة الموت

{ تبرأ منه } اى تنزه عن الاستغفار وتجانب كل التجانب

{ ان ابراهيم لاواه } لكثير التأوه وهو ان يقول الرجل عند التضجر والتوجع آه من كذا او يقول آوه بالمد والتشديد وفتح الواو وسكون الهاء لتطويل الصوت بالشكاية والاواه الخاشع المتضرع

وقيل انه كلما ذكر تقصيرا او ذكر له شيء من شدائد الآخرة كان يتأوه اشفاقا واستعظاما كما قال كعب الاواه هو الذى اذا ذكرت عنده النار قال آه

وقيل معناه الموقر بلغة الحبشة الا ان من قال لا يجوز ان يكون فى القرآن شيء غير عربى قال هذا موافق للعربية بلغة الحبشة والملائم انه كناية عن كمال الرأفة ورقة القلب لانه ذكر فى معرض التعليل لاستغفاره لابيه المشرك. والمعنى انه مترحم متعطف ولفرط رخمته ورأفته كان يتعطف لابيه الكافر

{ حليم } صبور على الاذية ولذلك كان يحلم على ابيه ويتحمل اذاه ويستغفر له مع صعوبة خلقه وغلظ قلبه وقوله لارجمنك ثم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما استغفر لعمه وهو مشرك كما استغفر ابراهيم عليه السلام لابيه المشرك ثم نهى عن الاستغفار للكافر نزلت هذه الآية لبيان عذر من استغفر لاسلافه المشركين قبل المنع عنه وهو قوله تعالى

١١٥

{ وما كان اللّه ليضل قوما } اى ليس من عادته ان يصفهم بالضلال عن كريق الحق ويجرى عليهم احكامه

{ بعد اذ هداهم } للاسلام

{ حتى يبين لهم } بالوحى صريحا او دلالة

{ ما يتقون } اى يجب اتقاؤه من محظورات الدين فلا ينزجروا عما عنه

واما اقبل ذلك فلا يسمى ما صدر عنهم ضلالا ولا يؤاخذون به. وفيه دليل على ان العاقل غير مكلف بما لا يستبد بمعرفته العقل

{ ان اللّه بكل شيء عليم } اى انه تعالى عليم بجميع الاشياء التى من جملتها حاجتهم الى بيان قبح ما لا يستقل العقل معرفته فبين لهم ذلك كما فعل ههنا

١١٦

{ ان اللّه له ملك السموات والارض } من غير شريك له فيه : قال جلال الدين الرومى قدس سره :

واحد اندر ملك واورا يارنى ... بندكانش را جز اوسالارنى

نيست خلقش را دكركس مالكى ... شركتش دعوى كند جز هالكى

{ يحيى ويميت } اى يحيى الاموات ويميت الاحياء اى يوجد الحياة والموت فى الارض والاجساد وقلوب الامم

{ ومالكم من دون اللّه } اى حال كونطكم متجاوزين ولايته ونصرته

{ من ولى ولا نصير } لما منعهم من الاستغفار للمشركين وان كانوا اولى قربى وضمن ذلك التبرى منهم رأسا بين لهم ان اللّه مالك كل موجود ومتولى امره والغالب عليه ولا يتأنى لهم ولاية ولا نصرة الا منه تعالى ليتوجهوا اليه بشرارهم ويتبرأوا مما عداه حتى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون ويذرون سواه

فبقى ههنا ان الجم الغفير من العلماء ذهبوا الى ان النبى عليه السلام مر على عقبة الحجون فى حجة الوداع فسأل اللّه ان يحيى امه فاحياها فآمنت به وردها اللّه تعالى اى روحها

قال فى انسان العيون لا يقال على ثبوت هذا الخبر وصحته التى صرح بها غير واحد من الحفاظ ولم يلتفتوا الى من طعن فيه كيف ينقع الايمان بعد الموت ولا يتعرض لانا نقول هذا من جملة خصوصياته صلى اللّه عليه وسلم

وفى كلام القرطبى قد احيى اللّه تعالى على يده جماعة من الموتى فاذا ثبت ذلك فما يمنع ايمان ابويه بعد احبائهما ويكون زيادة فى كرامته وفضيلته ولو لم يكن احياء ابويه نافعا لايمانهما وتصديقهما لما احييا كما ان رد الشمس لو لم يكن نافعا فى بقاع الوقت لم ترد واللّه اعلم انتهى

يقول الفقير قد اشبعنا الكلام فى ايمان ابوى النبى عليه السلام وكذا ايمان عمه ابى طالب وجده عبد المطلب بعد الاحياء فى سورة البقرة عند قوله تعالى

{ ولا تسأل عن اصحاب الجحيم } فارجع اليه. وجاء ان عبد المطلب رفض فى آخره عمره عبادة الاصنام ووحد اللّه وتؤثر عنه سنين جاء القرآن باكثرها وجاءت السنة بها منها الوفاء بالنذر والمنع من نكاح المحارم وقطع يد السارق والنهى عن قتل الموءودة وتحريم الخمر والزنى وان لا يطوف بالبيت عريان كذا فى كلام سبط ابن الجوزى

وقال فى ابكار الافكار فى مشكل الاخبار ان عبد المطلب قد كان يتعبد فى كثير من احواله بشريعة ابراهيم عليه السلام ويتمسك بسنن اسماعيل عليه السلام ولم ينكر نبوة محمد عليه السلام اذ لم يكن قد بعث فى ايامه ولا يقطع بكفر من مات فى زمن الفترة فلم يكن حكمه حكم الكفار المشركين الذين شهد النبى عليه السلان بانهم فحم فى جهنم انتهى

قال فى السيرة الحلبية منه الاستغفار لامه عليه السلام انما يأتى على القول باب من بدل دينه او غيره او عبد الاصنام من اهل الفترة معذب وهو قول ضعيف مبنى على وجوب الايمان والتوحيد بالعقل.

والذى عليه اكثر اهل السنة والجماعة ان لا يجب ذلك الا بارسال الرسل ومن المقرر ان العرب لم يرسل اليهم رسول بعد اسماعيل عليه السلام وان اسماعيل انتهت رسالته بموته كبقية الرسل لان ثبوت الرسالة بعد الموت من خصاص نبنا صلى اللّه عليه وسلم وان اهل الفترة من العرب لا تعذيب عليهم وان غيروا او بدلوا او عبدوا الاصنام والاحاديث الواردة بتعذيب من ذكر او من بدل او غير او عبد الاصنام مؤولة او خرجت مخرج الزجر للحمل على الاسلام. ثم رأيت بعضهم رجح ان التكليف بوجوب الايمان باللّه تعالى وتوحيده اى بعدم عبادة الاصنام يكفى فيه وجود رسول دعا الى ذلك وان لم يكن الرسول مرسلا لذلك الشخص بان لم يدرك زمنه حيث بلغه انه دعا الى ذلك او امكنه علم ذلك وان التكليف بغير ذلك من الفروع لا بد فيه من ان يكون ذلك الرسول مرسلا لذلك الشخص وقد بلغته دعوته وعلى هذا فمن بدرك زمن نبينا صلى اللّه عليه وسلم ولا زمن من قبله من الرسل معذب على الاشراك باللّه بعبادته الاصنام لانه على فرض ان لا تبلغه دعوة احد من الرسل السابقين الى الايمان باللّه وتوحيده ولكنه كان متمكنا من علم ذلك فهو تعذيب بعد بعث الرسل لا قبله وحينئذ لا يشكل ما اخرجه الطبرانى فى الاوسط بسند صحيح عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ( ما بعث اللّه نبينا الى قوم ثم قبضه الا جعل بعده فترة يملأ من تلك الفترة جهنم ) ولعل المراد المبالغة فى الكثرة والا فقد اخرج الشيخان عن انس رضى للّه عنه عن النبى عليه السلام انه قال ( لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فترتد بعضها الى بعض وتقول قط قط ) تلك الفروع لعدم بعثه رسول اليهم فاهل الفترة وان كانوا مقرين باللّه الا انهم اشركوا بعبادة الاصنام فقد حكى اللّه عنهم

{ ما نعبدهم الا ليقربونا الى اللّه زلفى } ووجه التفرقه بين الايمان والتوحيد وغير ذلك ان الشرائع بالنسبة للايمان باللّه والتوحيد كالشريعة الواحدة لاتفاق جميع الشرائع عليه هذا. وقد جاء انهم اى اهل الفترة يمتحنون يوم القيامة فقد اخرج البزاز عن ثوبان ان النبى عليه السلام قال ( اذا كان يوم القيامة جاء اهل الجاهلية يحملون اوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل الينا رسولا ولم يأتنا لك امر ولو ارسلت الينا رسولا لكنا اطوع عبادك فيقول لهم ربهم أرأيتم ان امرتكم بامر ان تطيعونى فيقولون نعم فيأخذ على ذلك مواثيقهم فيرسل اليهم ان ادخلوا النار فينطلقون حتى اذا رأوها فرقوا ورجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها ولا نستطيع ان ندخلها فيقول ادخلوها داخرين )

فقال النبى عليه السلام ( لو دخلوها اول مرة كانت عليهم بردا وسلاما ) قال الحافظ ابن حجر فالظن بآله صلى اللّه عليه وسلم يعنى الذين ماتوا قبل البعثة انهم يطيعون عند الامتحان اكراما للنبى عليه السلام لتقر عينه ونرجو ان يدخل عبد المطلب الجنة فى جماعة من يدخلها طائعا الا ابا طالب فانه ادرك البعثة ولم يؤمن به بعد ان طلب منه الايمان انتهى كلامه ولعله لم يذهب الى مسألة الاحياء ولذا قال ما قال فى حق ابى طالب

ن اميدم مكن از سابقه لطف ازل ... توجه دانى كه بس برده خوبست وكه زشت

١١٧

{ لقد تاب اللّه على النبى } قال ابن عباس رضى اللّه عنهما هو العفو عن اذنه للمنافقين فى التخلف عنه وهذا الاذن وان صدر عنه عليه السلام وحده الا انه اسند الى الكل لان فعل البعص يسند الى الكل لوقوعه فيما بينهم كما يقال بنوا قتلوا زيدا وهذا الذنب من قبيل الزلة لان الانبياء معصومون من الكبائر والصغائر عندنا لان ركوب الذنوب مما يسقط حشمة من يرتكبها وتعظيمه من قلوب المؤمنين والانبياء يجب ان يكونوا مهابين موقرين ولذا عصموا من الامراض المنفرة كالجذام وغيره فليس معنى الزلة انهم زلوا عن الحق الى الباطل ولكن معناها انهم زلوا عن الافضل الى الفاضل وانهم يعاتبون به لجلال قدرهم ومكانتهم من اللّه تعالى كما قال ابو سعيد الخراز قدس سره حسنات الابرار سيآت المقربين

وقال السلمى ذكر توبة النبى عليه السلام لتكون مقدمة لتوبة الامة وتوبة التابع انما تقبل التصحيح بالمقدمة

وقال فى التأويلات النجمية التوبة فضل من اله ورحمة مخصوصة به لينعم بذلك على عباده فكل نعمة وفضل يوصله اللّه الى عبداه يكون عبوره على ولاية النبوة فمنها يفيض على المهاجرين والانصار وجميع الامة فلهذا قال

{ لقد تاب اللّه على النبى } { والمهاجرين والانصار } يدل على قوله عليه السلام ( ما صب اللّه فى صدرى شيأ الا وصببته فى صدر ابى بكر رضى اللّه عنه ) والانصار جمع نصير كشريف واشراف او جمع ناصر كصاحب واصحاب وهم عبارة عن الصحابة الذين آووا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من اهل المدينة وهو اسم اسلامى سمى اللّه تعالى به الاوس والخزرج ولم يكونوا يدعون بالانصار قبل نصرهم لسيدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا قبل نزول القرآن بذلك وحبهم واجب وهو علامة الايمان وفى الحديث ( آية المؤمن حب الانصار. وحب الانصار آية الايمان. وآية النفاق بغض الانصار ) كذا فى فتح القريب والمهاجرون افضل من الانصار كما يدل عليه قوله عليه السلام ( لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ) قال ابن الملك المراد منه اكرام الانصار فانه لا رتبة بعد الهجرة اعلى من نصرة الدين انتهى وباقى الكلام سبق عند قوله تعالى

{ والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار } الآية فارجع الى تفسيرها

{ الذين اتبعوه } اى النبى صلى اللّه عليه وسلم ولم يتخلفوا عنه ولم يخلوا بأمر من اوامره

{ فى ساعة العسرة } اى وهو الزمان الذى وقع فيه غزوة تبوك فانه قد اصابتهم فيها مشقة عظيمة من شده الحر وقلة المركب حتى كانت العشرة تعتقب على بعير واحد ومن قلة الزاد حتى قيل ان الرجلين كانا يقتسمان تمرة وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير ومن قلة الماء حتى شربوا الفظ وهو ماء الكرش من عمر رضى اللّه عنه خرجنا فى قيظ شديد واصابنا فيه عطش شديد ان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه

فال الكاشفى [ وبرطوبات اجواف وامعاى آن دهن خويش راتر ميسا ختند ] وذلك سميت غزوة العسرة وسمى من جاهد فيها بجيش العسرة وهذه صفة مدح لاصحاب النبى عليه السلام ابتباعهم اياه فى وقت الشدة ومع لك فقد كانوا محتاجين الى التوبة فما ظنك بغيرهم ممن لم يقاس ما قاسوه

{ من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم } اى يميل قلوب طائفة منهم عن الثبات مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بان هموا ان ينصرفوا فى غير وقت الانصراف من غير ان يؤذن لهم فى ذلك لشدائد اصابتهم فى تلك الغزوة لكنهم صبروا واحتسبوا وندموا على ما ظهر على قلوبهم فتاب اللّه عليهم وفى كاد ضمير الشأن وجملة يزيغ فى محل النصب على انها خبر كاد وخبر كاد اذا كان جملة لا بد ان يكون فيه ضمير يعود على اسمها الا اذا كان اسمها ضمير الشان فحينئذ لا يجب ان يكون فيه ضمير يعود الى اسمها

{ ثم تاب عليهم } اى تجاوز عن ذنبهم الذى فرط منهم وهو تكرير للتاكيد وتنبيه على انه يتاب عليهم من اجل ما كابدوا من العسرة : قال الحافظ

مكن زغضه شكايت كه در طريق طلب ... براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد

{ انه } اى اللّه تعالى

{ بهم رؤوف رحيم } استئناف تعليل فان صفة الرأفة والرحمة من دواعى التوبة والعفو ويجوز كون الاول عبارة عن ازالة الضرر والثانى عن ايصال المنفعة وان يكون احدهما للسوابق والآخر للواحق ومن كمال رحمته ارسال حبيبه واظهار معجزاته -روى- انهم شكوا للنبى عليه السلام عسرة الماء فى غزوة تبوك فقال ابو بكر رضى اللّه عنه يا رسول اللّه ان اللّه تعالى عودك فى الدعاء خيرا فادع اللّه لنا قال ( أتحب ذلك ) قال نعم فرفع عليه السلام يديه فلم يرجعهما حتى ارسل اللّه سحابة فمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون اليه وتلك السحابة لم تتجاوز العسكر -وروى- انهم نزلوا يوما فى غزوة تبوك على غير ماء بفلاة من الارض وقد كادت عتاق الخيل والركاب تقع عطشا فدعا عليه السلام وقال ( اين صاحب الميضاة ) قيل هو ذا يا رسول اللّه قال ( جئنى بميضاتك ) فجاء بها وفيها شيء من ماء فوضع اصابعه الشريفة عليها فنبع الماء بين اصابعه العشر وأقبل الناس واستقوا وفاض الماء حتى رووا ورووا خيلهم وركابهم وكان فى العسكر من الخيل اثنا عشر الف فرس ومن الابل خمسة عشر الف بعير والناس ثلاثون الفا وفى رواية سبعون : قال السلطان سليم الاول من الخواقين العثمانية

كوثر نمى زجشمه تحسان رحمتش ... آب حيات قطره ازجام مصطفاست

-روى- انهم لما اصابهم فى غزوة تبوك مجاعة قالوا يا رسول اللّه لو اذنت لنا نحرنا نواضحنا وادّ هنا فقال عمر رضى اللّه عنه يا رسول اللّه ان فعلت فنى الظهر ولكن ادعهم بفضل ازوادهم وادع اللّه لهم فيها بالبركة لعل اللّه ان يجعلها فى ذلك فقال عليه السلام ( نعم ) فدعا بنطع فبسطه ثم دعاهم بفضل ازوادهم فجعل الرجل يأتى بكف من درة ويجيء الآخر بكف من تمر ويجيء الآخر بميرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا عليه السلام بالبركة ثم قال ( خذوا فى اوعيتكم ) فاخذوا حتى ما تركوا فى العسكر ودعاء الا ملأوه واكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال صلى اللّه عليه وسلم ( اشهد ان لا اله الا اللّه وانى رسول اللّه لا يلقى اللّه بها عبدا غير شاك الا وقاه اللّه النار ) قال الشيخ المغربى قدس سره

كل توحيد نرويد ززمينى كه درو ... خار شرك وحسد وكبرورياوكين است

والاشارة فى الآية

{ لقد تاب اللّه على النبى } اى نبى الروح بمنزلة النبى يأخذ بالهام الحق حقائق الدين ويبلغها الى امته من القلب والنفس والجوارح والاعضاء. فالمعنى افاض اللّه على نبى الروح ومهاجرى صفاته الذين هاجروا معه من مكة الروحانية الى المدينة الجسدانية والانصار من القلب والنفس وصفاتها وهم ساكنوا مدينة الجسد فيوضات الرحمة

{ الذين اتبعوا } الروح ساعة رجوعه الى عالم العلو بالعسرة اذ هم نشأوا فى عالم السفل يعسر عليهم السير الى عالم العلو من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق من النفس وصفاتها وهواها فان ميلها طبعا الى عالم السفل ثم تاب عليهم بافاضة الفيض الربانى لتعليهم عن طبعهم انه بهم رؤف رحيم ليجعلهم باكسير الشريعة قابلين للرجوع الى عالم الحقيقة كذا فى التأويلات النجمية

١١٨

{ وعلى الثلثة الذين خلفوا } اى وتاب اللّه على الثلاثة الذين اخر امرهم ولم يقطع فى شأنهم بشيء الى ان نزل فيهم الوحى وهم كعب بن مالك والشاعر ومرادة بن الربيع العنبرى وهلال بنى امية الانصارى يجمعهم حروف كلمة ( مكه ) وآخر اسماء آبائهم ( عكه )

{ حتى اذا ضاقت عليهم الارض } غاية للتخفيف اى اخر امرهم الى ان ضاقت عليهم الارض

{ بما رحبت } اى برحبها وسعتها لاعراض الناس حتى عن المكالمة معهم ولو بالسلام ورده وكانوا يخافون ان يموتوا فلا يصلى النبى عليه السلام ولا لمؤمنون على جنازتهم وهو مثل لشدة الحيرة كأنه لا يستقر به قرار ولا تطمئن له دار

{ وضاقت عليهم انفسهم } اى امتلأت قلوبهم بفرط الوحشة والغم بحيث لم يبق فيها ما يسع شيأ من الراحة والانس والسرور عبر عن الراحة والسرور بضمير عليهم حيث قيل ضاقت عليهم تنبيها على ان انتفاء الراحة والسرور بمنزلة انتفاء ذواتهم

{ وطنوا ان لا ملجأ من اللّه الا اليه } اى علموا وايقنوا ان لا ملاذ ولا خلاص من سخطه تعالى الا الى استغفاره فظنوا بمعنى علموا لانه تعالى ذكر هذا الوصف فى معرض المدح والثناء وذا لا يكون الا مع علمهم بذلك. وقوله ان مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر ولا مع ما فى حيزها خبر ان ومن اللّه خبر لا وان ما فى حيزها ساد مسد مفعولى ظنوا ولا استثناء من العام المحذوف اى وعلموا ان الشان لا التجاء من سخط اللّه الى احد الا اليه

قال بعض المتقدمين من تظاهرت عليه النعم فليكثر الحمد للّه ومن كثرت همومه فليكثر الاستغفار

واعلم ان من توغل فى بحر التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا اللّه لم يلتجئ الا الى اللّه فالفرار ليس الا اليه على كل حال

واما المظاهر او المحال فليست الا اسبابا : وفى المثنوى

كرجه سايه عكس شخص است اى بسر ... هيج ازسايه نتانى خوردبر

هين زسايه شخص را مى كن طلب ... درمسبب روكذر كن از سبب

{ ثم تاب عليهم } اى وفقهم للتوبة

{ ليتوبوا } ليرجعوا عن المعصية

واعلم ان ههنا امورا ثلاثة. التوفيق للتوبة وهو ما دل عليه قوله ثم

{ تاب }. ونفس التوبة وهو ما دل عليه قوله

{ ليتوبوا }. وقبول اللّه تعالى اياها وهو ما دل عليه قوله

{ وعلى الثلثة } وانما عطف الامر الاول على الثالث بكلمة ثم لكونه اصل الجميع مقدما على الامر الثالث بمرتبتين فتكون كلمة ثم للتراخى الرتبى ويجوز ان يكون المعنى ثم تاب عليهم اى انزل قبول توبتهم ليتوبوا اى ليصيروا من جملة التوابين ويعدوا منهم فتكون كلمة ثم على اصل معناها لان انزال القبول متفرع على نفس القبول المذكور بقوله وعلى الثلاثة

{ ان اللّه هو التواب الرحيم } اى المبالغ فى قبول التوبة لمن تاب وان عاد فى اليوم مائة مرة المتفضل عليهم بفنون الآلآء مع استحقاقهم لا فانين العقاب

كر لطف تويارى ننمايد زنخست ... هم توبه شكسته است وهم بيمان سست

جون توبه باميد بذيرفتن تست ... تاتو نبذيرى نشود توبه درست

-روى- ان ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم من بداله وكره مكانه فلحق به عليه السلام

عن الحسن انه قال بلغنى انه كان لاحدهم حائط كان خيرا من مائة الف درهم فقال يا حائطاه ما خلفنى الا ظلك وانتظار ثمارك اذهب فانت فى سبيل اللّه ولم يكن لآخر الا اهله فقال يا اهلاه ما بطأنى ولا خلفنى الا الضن بك فلا جرم واللّه انى لأكابدنذ المفاوز حتى الحق برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فركب ولحق ولم يكن لآخر الا نفسه لا اهل ولا مال فقال يا نفسى ما خلفنى الا حب الحياة لك واللّه لأكابدنّ الشدائد حتى الحق برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتأبط زاده ولحق به عليه السلام

وعن ابى ذر الغفارى ان بعيره ابطأه فحمل متاعه على ظهره واتبع اثر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ماشيا

راه نزديك وبما ندم سخت دير ... سير كشتم زين سوارة سيرسير

فقال صلى اللّه عليه وسلم لما رأى سواده ( كن ابا ذر ) فقال الناس هو ذاك فقال عليه السلام ( رحم اللّه ابا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده ) ومنهم من بقى ولم يلحق به عليه السلام وهم الثلاثة وكان كعب شهد بيعة العقبة وهلال ومرارة شهدا بدرا قال كعب لما قفل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جئته وسلمت عليه فرد على كالمغضب بعد ما ذكرنى وقال ( يا ليت شعرى ما خلف كعبا ) فقيل له ما خلفه الا حسن برديه والنظر فى عطفيه قال ( ما اعلم الافضل واسلاما ) وقال ( ما خلفك عنى ألم تكن قد اتبعت ظهرك ) فقلت ما خلفنى عند عذر وانما تخلفت بمجرد الكسل وقلة الاهتمام فقال عليه السلام ( قم عنى حتى يقضى اللّه فيك ) وكذا قال لصاحبه ونهى عن كلامهم فاجتنبهم الناس ولم يكلمهم احد من قريب ولا بعيد فاما الرجلان فمكثا فى بيوتهما يبكيان

واما كعب فكان يحضر الصلاة مع المسلمين ويطوف فى الاسواق فلا يكلمه احد منهم قال كعب وبينما انا امشى بسوق المدينة اذا نبطى من انباط الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلنى على كعب بن مالك فطفق اى جعل الناس يشترون له حتى اذا جاءنى دفع الى كتابا من ملك غسان الى وهو الحارث بن ابى شمر وكان الكتاب ملفوفا فى قطعة من الحرير فاذا فيه اما بعد فانه قد بلغنى ان صاحبك قد جفاك ولم يجعلك اللّه بدار هو ان ولا بضيعة ذل فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأته وهذا ايضا من البلاء فتيممت اى قصدت به التنور فسجرته اى القيته فيه والانباط قوم يسكنون البطائح بين العراقيين قال حتى اذا مضت اربعون ليلة جاءنى رسول من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال لن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرك ان تعتزل امرأتك فقلت أطلقها ام ماذا قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وارسل الى صاحبى وهما هلال ومرارة بمثل ذلك فقلت لامرأتى الحقى لاهلك فكونى عندهم حتى يقضى اللّه فى هذا الامر فجاءت امرأة هلال رسول اللّه عليه وسلم فقالت يا رسول اللّه ان هلالا شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره ان اخدمه فقال عليه السلام

( لا ولكن لا يقربك ) وقالت واللّه انه ما به حركة الى شئ واللّه ما زال يبكى منذ كان من امره ما كان الى يومه هذا فمضى بعد ذلك عشر ليال حتى كملت خمسون ليلة من خين النهى عن الكلام قال كعب فلما كان صلاة الفجر صبح تلك اليلة سمعت ثوتا من ذروة جبل سلع يقول باعلى صوته يا كعب بن مالك ابشر

ابشروا يا قوم اذ جاء الفرج ... افرحوا يا قوم قد زال الحرج

مى دمددر كوش هرغمكين بشير ... خيز اى مدبر ره اقبال كير

اى درين حبس ودرين كندوشيش ... هين تاكس نشود رسنى خمش

جون كنى خامش كنون اى يارمن ... كزبن هرمو بر آمد طبل زن

فخررت ساجدا وعرفت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اعلم بتوبة اللّه علينا فلما جاءنى الرجل الذى سمعت صوته يبشرنى وهو خمزة بن عمرو الاوسى نزعت ثوبى فكسوته اياهما ببشراه واللّه ما املك غيرهما يومئذ

بعيد نيست كه صد جان بمرده بستانند ... برين بشارت دولت عن قريب آمد

واستعرت من ابن عمى قتادة ثوبين فلبستهما. وكان المبشر لهلال بن امية اسعد بن سعد. ولمرارة بن ربيع سلكان بن سلامة قال كعب انزل اللّه توبتنا على نبيه حين بقى الثلث الاخير من الليل ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند ام سلمة رضى اللّه عنها وكانت ام سلمة محسنة فى شأنى معينة فى امرى فقال عليه السلام ( يا ام سلمة تيب على كعب ) قالت أفلا ارسل اليه فابشره ( قال اذا يحطم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة ) حتى اذا صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة الفجر اعلم بتوبة اللّه علينا قال فانطلقت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتلقانى الناس فوجا فوجا يهنئونى بالتوبة يقولون ليهنك توبة اللّه عليك حتى دخلت المسجد فاذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس وحوله الناس فقام الى طلحة بن عبد اللّه يهرول حتى صافحنى وهنأنى واللّه ما قام الى رجل من المخاجرين غيره ولا انساها لطلحة وذلك لانه عليه السلام كان آخى بينهما حين قدم المدينة قال فلما سلمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور وكان عليه السلام اذا سر استتار وجهه كأنه قطعة قمر : قال السلطان سليم الاول من السلاطين العثمانية

كرآكهى زمعنى والشمس والضحى ... تعريف ماه روى دلاراى مصطفاست

ينكر بجرح وكوكبه لشكر نجوم ... كأنها فروغ كوهر والاى مصطفاست

فلما جلست بين يديه صلى اللّه عليه وسلم قال ( ابشر يا كعب بخير يوم ما مر عليك منذ ولدتك امك ) ثم تلا علينا الآية وهى

{ لقد تاب اللّه } الى قوله

{ وكونوا مع الصادقين } فقلت يا رسول اللّه ان من توبتى ان انخلع من مالى صدقة الى اللّه والى رسوله قال ( امسك عليك بعض مالك فهو خير لك )

وعن ابى بكر الوراق انه سئل عن التوبة النصوح فقال ان تضيق على التائب الارض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه

توبه كردم حقيقت باخدا ... نشكنم ناجان شدن از تن جدا

واعلم ان قصى هؤلاء الثلاثة اشارة الى ان الهجران بين المسلمين اذا كان فيه صلاح لدين المهجور لا يحرم محره حتى يزول ذلك وتظهر توبته وكذا اذا كان المهجور مذموم الحال لبدعة او فسق او نحوهما فانه لا يحرم الهجران الى ظهور التوبة لانه لحق اللّه لما كان فى جانب الدين فيجوز فوق ثلاثة ايام ولا تجوز الزيادة عن الثلاثة فيما كان بينهم من الامور الدنيوية وحظوظ النفس وانما عفى عنه فى الثلاثة لان الآدمى مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفى عن الهجر فى الثلاثة ليذهب ذلك العارض

فعلى العاقل ان يسارع الى تحصيل الاخوة فى اللّه ويجتنب عن التحاسد والتباغض والتدابير

هيج رحمى نه ببرادر دارد ... هيج شوقى نه بدررا ببسرمى بنيم

دختر انراهمه جنكست وجدل بامادر ... بسرانرا همه بدخواه بدر مى بنيم

١١٩

{ يا ايها الذين آمنوا } قولا وتصديقا

{ اتقوا اللّه } فيما لا يرضاه

{ وكونوا مع الصادقين } فى كل شأن من الشؤن اى قائلين بالحق العاملين به ومع الصادقين فى معنى من الصادقين او فى الصادقين لان مع للمصاحبة وفى للوعاء ومن للتبغيض فاذا كانوا فى جهتهم فهم على المعانى الثلاثة اى كونوا فى جملة الصادقين ومصاحبين لهم او لبعضهم

وفى الآية دليل على فضل الصدق وعلو درجته وحث عليه

قال بعض اهل المعرفة من لم يرد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض الموقت قيل ما الفرض الدائم قال الصدق

از كجا افتى لكم وكاستى ... از همه غم رستى اكر راستى

راستى خويش نهان كس نكرد ... برسخن راست زيان كست نكرد

وفى الحديث ( التجار يحشرون يوم القايمة فجارا الا من اتقى وبر وصدق ) الفجار جمع فاجر وهو المنبعث فى المغانى والمحارم سماهم فجارا لما فى البيع والشراء من الايمان الكاذبة والغبن والتدليس والربا الذى لا يتحاشاه احدهم ولذا قال فى تمام الحديث الا من اتقى اى الكذب وبر فى يمينه اى صدق وصدق فى حديثه.

وقيل الا من خاف اللّه فلا يترك اوامره ولا يفعل المناهى وبر احسن فلا يؤذى احدا ولا يوصل ضررا الى احد وصدق فى ثمن المتاع فلم ينفق سلعته بالحلف الكاذب مثل ان يقول للمشترى اشتريت هذا بمائة درهم واللّه لم يشتره بها بل اقل منها وبالحلف الكاذب يمحق اللّه البركة من الثمن وفى الحديث ( ان اطيب الكسب كسب التجار الذين اذا حدثوا لم يكذبوا واذا ائتمنوا لم يخونوا واذا وعدوا لم يخلفوا واذا اشتروا لم يدموا واذا باعوا لم يمدحوا واذا كان عليهم لم يمطلوا واذا كان لهم لم يعسروا ) فالصدق فى كل الاحوال ممدوح وصاحبه محمود فى الدنيا والآخرة

دانى زجه رو سرور وآن سر سبزست ... بيوسته جرا ببوستان سر سبزست

جون مذهب اوست راستى درهمه وقت ... بر طرف جمن هميشه زان سر سبزست

ثم المطل العارفين فى الصدق فى العبودية والقيام بحقوزق الربوبية

قال احمد بن الحوارى قلت لابى سليمان الدارانى قدس سرهما انى قد غبطت بنى اسرائيل قال بأى شئ قلت بثمانمائة سنة من العمر حتى يصيروا كالشنان البالية وكالحنايا وكالاوتار قال ما ظننت الا وقد جئت بشئ واللّه ما يريد منا ان تيبس جلودنا على عظامنا ولا يريد منا الا صدق النية فيما عنده هذا اذا صدق فى عشرة ايام نال ما ناله ذاك فى عمره الطويل انتهى فرب عمر اتسعت آماده وقلت امداده كاعمار بنى اسرائيل اذا كان الواحد منهم يعيش الفا ونحوها ولم يتحصل له شئ مما تحصل لهذه الامة مع كثرة اعمارها ورب عمر قليلة آماده كثيرة امداده كعمر من فتح عليه من هذه الامة فوصل الى عناية اللّه بلمحة كما قال الامام الغزالى قدس سره فى منهاج العابدين منهم من يقطع هذه العقبات فى سبعين سنة ومنهم من يقطعها فى شهر بل فى جمعة بل فى ساعة كسحرة موسى -حكى- ان رابعة البصرية كانت امة كبيرة يطاف بها فى سوق البصرة لا يرغب فيها احد لكبر سنها فرحمها بعض التجار فاشتراها بنحو مائة درهم فاعتقها فاختارت هذا الطريق فاقبلت على العبادة فما تمت لها سنة حتى زارها علماء البصرة وقراؤها لعظم منزلتها

وفى التأويلات النجمية

{ وكونوا مع الصادقين } الذين صدقوا يوم الميثاق فيما اجابوا اللّه عند خطاب ألست بربكم قالوا بلى وصدقوا اللّه على ما عاهدوه عليه ان لا يعبدوا الا اللّه ولا يشركوا به شيأ من مقاصد الدنيا والآخرة ويتجردوا عن كل حادث حتى عن الجسم : وفى المثنوى

جوهر صدقت خفى شد در دروغ ... همجو طعم روغن اندر طعم دوغ

آن دروغت اين تن فانى بود ... راستت آن جان ربانى بود

يقول الفقير اصلحه اللّه القدير كتب الى حضرة الشيخ قدس سره فى بعض مكاتبيه الشريفة وقال عليكم بالصدق مطلقا نية وعملا وهو يرجع الى الاخلاص جدا بان لا يكون للعبد اصلا باعث فى الحركات والسكنات الا اللّه تعالى فان مازجه شوب من حظوظ النفس بطل الصدق ويجوز ان يسمى كاذبا وردجاته لا نهاية لها وقد يكون للعبد صدق فى بعض الامور دون بعض فان كان صادقا فى الجميع فهو الصديق حقا والصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو التخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقا والصديق والمخلص بالفتح من واحد وهو التخلص ايضا من شوائب الغيرية والثانى اوسع فلكا واكثر احاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير عكس ثم ذيل كلاما طويلا يتضمن تأويل سورة الانشراح رزقنا اللّه ذوق كلامه والحقنا به فى مقامه. ثم الصادقون هم المرشدون الى طريق الوصول فاذا كان السالك فى جملة احبابهم ومن زمرة الخدام فى عتبة بابهم فقد بلغ بمحبتهم وتربيتهم وقوة ولايتهم الى مراتب فى السير الى اللّه وترك ما سواه

قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر لن لم تجر افعالك على مراد غيرك لم يصح لك انتقال عن هواك ولو جاهدت نفسك عمرك فاذا وجدت من يحصل فى نفسك حرمته فاخدمه وكن ميتا بين يديه يصرفك كيف يشاء لا تدبير لك فى نفسك معه تعش سعيدا مبادرا لامتثال ما يأمرك به وينهاك عنه فان امرك بالحرفة فاحترف عن امره لا عن هواك وان امرك بالقعود قعدت عن امره لا عن هواك فهو اعرف بمصالحك منك فاسع يا بنى فى طلب شيخ يرشدك ويعصم خواطرك حتى تكمل ذاتك بالوجود الالهى وحينئذ تدبر نفسك بالوجود الكشفى الاعتصامى كذا فى مواقع النجوم : وفى المثنوى

جون كزيدى بير نازك دل مباش ... سست ورزيده جو آب وكل مباش

جون كرفتى بيرهن تسليم شو ... همجو موسى زير حكم خضررو

شيخ راكه بيشوا ورهبرست ... كرمريدى امتحان كرد او خرست

نسأل اللّه تعالى ان يحفظنا من زيغ الاعتقاد ويثبتنا فى طريق اهل الرشاد

١٢٠

{ ما كان لاهل المدينة } اى ما صح وما استقام لهم والمدينة علم بالغلبة لدار الهجرة كالنجم للثريا اذا اطلقت فهى المرادة وان اريد غيرها قيد والنسبة اليها مدنى ولغيرها من المدن مدينى للفرق بينهما كما فى انيان العيون

قال الامام النووى لا يعرف فى البلاد اكثر اسماء منها ومن مكة

وفى كلام بعضهم لها نحو مائة اسم منهادار الاخبار ودار الابرار ودار السنة ودار السلامة ودار الفتح والبارة وطابة وطيبة لطيب العيش بها ولان لعطر الطيب بها رائحة لا توجد فى غيرها وترابها شفاء من الجدام ومن البرص بل ومن كل داء وعجوتها شفاء من السم وقد خص اللّه تعالى مكة والمدينة بانهما لا يخلو ان من اهل العلم والفضل والدين الى ان يرث اللّه الارض ومن عليها وهو خير الوارثين وهى اى المدنية تخرب قبل يوم القيامة باربعين عاما ويموت اهلها من الجوع

{ ومن حولهم الاعراب } [ باديه نشينان ] كمزينة وجهينه واشجع وغفار واضرابهم

قال الكاشقى [ وتخصيص اهالى مدينة وحوالى بجهت قرب بوده ومعرفت ايشان بخروج آن حضرت عليه السلام بطرف تبوك ]

{ ان يتخلفوا عن رسول اللّه } عنج توجه الىلغزو واذا استنفرهم واستنهضهم كما فى حواشى ابن الشيخ وهذا نهى ورد بلفظ النفى للتأكيد

{ ولا } ان

{ يرغبوا بانفسهم عن نفسه } الباء للتعدية فقولك رغبت عنه معناه ارعضت عنه فعدى بالباء فاذا قلت رغبتى بنفسى عنه كأنك قلت جعلنت نفسى راغبة عنه. فالمعنى اللغوى فى الآية ولا يجعلوا انفسهم راغبة ومعرضة عن نفسه عليه السلام وحاصل المعنى لا يصرفوا انفسهم عن نفسه الكريمة اى عما القى فيه نفسه من شدائد الغزو واهوالها ولا يصونها عما لا يصون عنه نفسه بل يكابدوا معه ما يكابده فانه لا ينبغى ان يختاروا لانفسهم الخفض والدعة ورغد العيش ورسول اللّه فى الحر والمشقة

قال الحدادى لا ينبغى ان يكونوا بانفسهم آثر واشفق عن نفس محمد صلى اللّه عليه وسلم بل عليهم ان يجعلوا انفسهم وقاية للنبى عليه السلام لما وجب من الحقوق عليهم بدعائه لهم الى الايمان حتى اهتدوا بهم ونجوا من النار

{ ذلك } اى وجوب المتابعة فان النهى عن التخلف امر بضده

{ لا يصيبهم ظمأ } اى عطش يسير

{ ولا نصب } ولا تعب فى ابدانهم

{ ولا مخمصة } اى مجاعة ما

{ فى سبيل اللّه } واعلاء كلمته

{ ولا يطؤن } ولا يدوسون بارجلهم وحوافر خيولهم واخفاف رواحلهم

{ موطئا } دوسا فهو مصدر كالموعد او مكانا على ان يكون مفعولا

{ يغيظ الكفار } [ بخشم آرد كافرانرا ] اى لا يباغون موضعا من اراضى الكفار من سهل او جبل يغيظ قلوبهم مجاوزة ذلك الموضع فان الانسان يغيظه ان يطأ ارضه غيره والغيظ انقباض الطبع برؤية ما يسوءه والغضب قوة طلب الانتقام

{ ولا ينالون } [ ونيابند ] فان النيل بالفارسية [ يافتن ]

{ من عدو } من قبلهم

{ الا كتب لهم به } اى بكل واحد من الامور المعدودة.

قوله الا كتب فى محل النصب على انه حال من ظمأ وما عطف عليه اى لا يصيبهم ظمأ ولا كذا ولا كذا فى حال من الاحوال الا فى كونه مكتوبا لهم بذلك

{ عمل صالح } وحسنة مقبولة اى استوجبوا به الثواب الجزيل

وقال الكاشفى يعنى [ بهريك ازينها كه بديها رسد مستحق ثواب شوند ابن عباس كويد بهر ترسى كه از دشمن بدل ايشان رسد هفتاد درجه مى نويسد ] هذا ما يدل عليه عامة التفاسير

وقال ابن الشيخ فى حواشيه يقال نال منه اذا ازراه ونقصه وصرح بنيل شيء مما يتأذى الكفار من نيله وهذا المعنى غير المعنى الاول كما لا يخفى

{ ان اللّه لا يضيع اجر المحسنين } على احسانهم وهو تعليل لكتب وتنبيه على ان الجهاد احسان اما فى حق الكفار فلانه سعى فى تكميلهم باقصى ما يمكن كضرب المداوى للمجنون

سفيها ابود تأديب نافع ... جنونرا شربت جوبست دافع

واما فى حق المؤمنين فلانه صيانة لهم من سطوة الكفار واستيلائهم

١٢١

{ ولا ينفقون } فى الجهاد

{ نفقة صغيرة } [ نفقه اندك ] ولو تمرة او علافة سوط او نعل فرس

{ ولا كبيرة } [ ونه نفقه بزرك ] مثل ما انفق عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضى اللّه عنهما فى جيش العسرة وقد سبق عند قوله تعالى

{ الذين يلزمون المطوعين } الاية فى هذه السورة

{ ولا يقطعون } اى لا يجتازون فى مسيرهم الى ارض الكفار مقبلين ومدبرين

{ واديا } من الاودية وهو فى الاصل كل منفرج من الجبال والآكام ينفد فيه السيل اسم فاعل من ودى يدى اذا سال ثم شاع فى الارض على الاطلاق

{ الا كتب لهم } اى اثبت لهم فى صحائفهم ذلك الذى فعلوه من الانفاق والقطع

{ ليجزيهم اللّه } بذلك متعلق بكتب

{ احسن ما كانوا يعملون } مفعول ثان ليجزيهم جزاء احسن اعمالهم بحذف المضاف فان نفس العمل لا يكون جزاء [ درينا بيع فرموده اكر مثلا غازى هزار طاعت باشد ويكى ازهمه نيكو تربود حق سبحانه وتعالى آنرا ثوابى عظيم دهد ونهصد ونودونه ديكررا بطفيل آن قبول كند وهريك را برابر آن ثوابى ارزانى دارد تاكرم او بنسبت مجاهدان برهمه كس ظاهر كردد ] ففى الجهاد فضائل لا توجد فى غيره وهو حرفة النبى عليه السلام

وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال مر رجل من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذب فاعجبته فقال لة اعتزلت الناس فاقمت فى هذا الشعب ولن افعل حتى استأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكر ذلك لرسول اللّه فقال

( لا تفعل فان مقام احدكم فى سبيل اللّه افضل من صلاته سبعين عاما ألا تحبون ان يغفر اللّه لكم ويدخلكم الجنة اغزوا فى سبيل اللّه من قاتل فى سبيل اللّه فواق ناقة وجبت له الجنة ) قوله فواق ناقة وهو ما بين رفع يدك عن ضرعها وقت الحلبة ووضعها

وقيل وهو ما بين الحلبتين. وفى الحديث دلالة على ان الجهاد والتصدى له افضل من العزلة للعبادة

وقال فى فتح القريب يا هذا ليت شعرى من يقوم مقام هذا الصحابى فى عزلته وعبادته وطيب مطمعه ومع هذا قال النبى عليه السلام ( لا تفعل ) وارشده الى الجهاد فكيف لواحد منا ان يتركه من اعمال لا يوثق بها مع قلتها وخطايا لا ينجى معها لكثرتها وجوارح لا تزال مطلقة فيما منعت منه ونفوس جامحة الا عما نهيت عنه ونيات لا يتحقق اخلاصها وتبعات لا يرجى بغير العناية خلاصها : قال الحافظ

كارى كنيم ورنه حجالت برآورد ... روزيكه رخت جان بجهان دكركشيم

واعلم ان المتخلف بعذر اذا كانت نيته خالصة يشارك المجاهد فى الاجر والثواب كما روى انه عليه السلام لما رجع من غزوة تبوك قال ( ان اقواما خلفناهم بالمدينة ما اسلكنا شعبا ولا واديا الا وهم معنا حبسهم العذر ) يعنى يشاركوننا فى استحقاق الثواب لكونهم معنا نية وانما تخلفوا عنا للعذر ولولاه لكانوا معنا ذواتا

قال ابن الملك ولا يظن منه التساوى وفى الثواب لان اللّه قال { فضل اللّه المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما } انتهى

يقول الفقير اصلحه اللّه القدير هذه الآية مطلقة ساكتة عن بيان العذر وعدمه وقد قيدها الحديث المذكور ولا بعد فى ان يشترك المجاهد والمتخلف لعذر فى الثواب بل تاثير الهمة اشد ورب نية خير من عمل ولهذا شواهد لا تخفى على اولى الالباب

والاشارة { ما كان لاهل المدينة } مدينة القلب واهلها النفس والهوى

{ ومن حولهم من الاعراب } اعراب الصفات النفسانية والقلبية

{ ان يتخلفوا عن رسول اللّه } عن رسول الروح اذ هو راجع الى اللّه وسائر اليه

{ لا يرغبوا بانفسهم عن نفسه } اى عن بذل وجوههم عند بذل وجوده بالفناء فى اللّه

{ ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ } من ماء الشهوات

{ ولا نصب } من انواع المجاهدات

{ ولا مخمصة } بتر اللذات وحطام الدنيا

{ فى سبيل اللّه } فى طلب اللّه

{ ولا يطؤن موطئا } مقاما من مقامات الفناء

{ يغيظ الكفار } كفار النفس والهوى

{ ولا ينالون من عدو } عدو الشيطان والدنيا والنفس

{ نيلا } اى بلاء ومحنة وفقرا وفاقة جهدا وهما حزنا وغير ذلك من اسباب الفناء

{ الا كتب لهم به عمل صالح } من البقاء باللّه قدر الفناء فى اللّه

{ ان اللّه لا يضيع اجر المحسنين } الفانين فى اللّه فيبقيهم باللّه ليعبدوه على المشاهدة لان الاحسان ان تعبد اللّه كأنك تره

١٢١

{ ولا ينفقون نفقة } من بذل الوجود

{ صغيرة ولا كبيرة } الصغيرة بذل وجود الصفات والكبيرة بذل وجود الذات فى صفات اللّه تعالى وذاته

{ ولا يقطعون واديا } من اودية الدنيا والآخرة والنفس والهوى والقلب والروح

{ الا كتب لهم } بقطع كل واحد من هذه الاودية قربة ومنزلة ودرجة كما قال

( من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه ذراعا )

{ ليجزيهم اللّه } بالبقاء والفناء عن انفسهم

{ احسن ما كانوا يعلمون } اى احسن مقام كانوا يعملون العبودية فى طلبه لان طلبهم على قدر معرفتهم ومطمح نظرهم وجزاؤه يضيق عنه نطاق عقولهم وفهومهم كما قال { اعدت لعبادى الصالحين } الحديث كما فى التأويلات النجمية

١٢٢

{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة } اللام لتأكيد النفى اى ما صح وما استقام لهم ان ينفروا اى يخرجوا جميعا لنحو غزو او طلب علم كما لا يستقيم لهم ان يتثبطوا جميعا فان ذلك مخل بامر المعاش

{ فلولا نفر } [ بس جرا بيرون نرود ] فلولا تحضيضية مثل هلا وحرف التحصيص اذا دخل على الماضى يفيد التوبيخ على ترك الفعل والتوبيخ انما يكون على ترك الواجب فعلم منه ان الفعل واجب وان قوله فلولا نفر معناه الامر بالنفير وايجابه

{ من كل فرقة منهم طائفة } اى من كل جماعة كثيرة كقبيلة واهل بلدة جماعة قليلة

ودلت الآية على الفرق بين الفرقة والطائفة بان الفرقة اكثر من الطائفة لان القياس ان ينتزع القليل من الكثير والطائفة تتناول الواحد فما فوقه

{ ليتفقهوا فى الدين } ليتكلفوا الفقاهة فى الدين ويتجشموا مشاق تحصيلها والفقه معرفة أحكام الدين

{ ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم } وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة ارشاد القوم وانذارهم وذكر الانذار دون التبشير لانه اهم والتخلية بالمعجمة اقدم من التحلية بالمهملة

{ لعلهم يحذرون } ارادة ان يحذر قومهم عما ينذرون منه

وفى الآية دليل على ان التفقه والتذكير من فروض الكفاية وانه ينبغى ان يكون غرض المتعلم الاستقامة والاقامة لا الترفع على الناس بالتصدر والترأس والتبسط فى البلاد بالملابس والمراكب والعبيد والاماء كما هو ديدن ابناء الزمان واللّه المستعان. فينبغى ان يطلب المتعلم رضى اللّه والدار الآخرة وازالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال واحياء الدين وابقاء الاسلام فان بقاء الاسلام بالعلم ةلا يصح الزهد والتقوى بالجهل

علم آمد دليل آكاهى ... جهل برهان نقض وكمراهى

بيش ارباب دانش وعرفان ... كى بود اين تمام وآن نقصان

وينبغى لطالب العلم ان ينوى به الشكر على نعمة العقل وصحة البدن وسلامة الحواس عملا بقوله تعالى

{ واللّه اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيأ وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون } وينبغى لطالب العلم ان يختار الاستاذ الاعلم والاروع والاسن بعد التامل التام كما اختار ابو حنيفة رضى اللّه عنه حماد قال دخلت البصرة فظننت ان لا اسال عن شيء الا اجبت عنه فسالونى عن اشياء لم يكن عندى جوابها فحلفت على نفسى ان لا افارق حمادا فصحبته عشرين سنة وما صليت قط الا ودعوت لشيخى حماد مع والدى ففى انفاس الاساتذة الصالحين ودعوات الرجال الكاملين تاثيرات عجيبة -كما حكى- ان ابا ابى حنيفة ثابتا اهدى الفالوذج لعلى بن ابى طالب يوم النيروز ويوم المهرجان فدعا له ولاولاده بالبركة وكان ثابت يقول انا فى بركة دعوة صدرت من على رضى اللّه عنه حتى كان يفتخر اولاده العلماء بذلك فاذا وجد الطالب الاستاذ العالم العامل فعليه ان يختار من كل علم احسنه وانفعه فى الآخرة فيبدأ بفرض العين وهو علم ما يجب من اعتقاد وفعل وترك ظاهرا وباطنا ويقال له عن علم الحال الا العلم المحتاج اليه فى الحال

قال العز بن عبد السلام العلم الذى هو فرض لازم ثلاثة انواع.

الاول علم التوحيد فالذى يتعين عليك منه مقدار ما تعرف به اصول الدين فيجب عليك اولا ان تعرف المعبود ثم تعبده وكيف تعبد من لا تعرفه باسمائه وصفات ذاته وما يجب له وما يستحيل فى نعته فربما تعتقد شيا فى صفاته يحالف الحق فتكون عبادتك هباء منثورا.

والنوع الثانى علم السر وهو ما يتعلق بالقلب ومساعيه فيفترض على المؤمن علم احوال القلب من التوكل والانابة والخشية والرضى فانه واقع فى جميع الاحوال واجتناب الحرص والغضب والكبر والحسد والعجب والرياء وغير ذلك وهو المراد بقوله عليه السلام ( طلب الفريضة فريضة على كل مسلم ومسلمة ) اذ لو اريد بالعلم فيه التوحيد فهو حاصل ولو اريد به الصلاة فيجوز ان يتأهلها شخص وقت الضحى ويموت قبل الظهر فلا يستقيم العموم والمستفاد من لفظ كل

واما غيرهما فلا يظهر فلم يبق الا المعاملة القلبية اذ فرضية علمها متحققة فى كل زمان ومكان فى كل شخص.

والنوع الثالث علم الشريعة وهو ما يجب عليك فعله من الواجبات الشرعية فيجب عليك عليه لتؤديه على جهة الشرع كما امرت به وكذا علم كل ما يلزمك تركه من المناهى الشرعية لتتركه وذلك شامل للعبادات والمعاملات فكل من اشتغل بالبيع والشراء وايضا بالحرفة فيجب عليه علم التحرز عن الحرام فى معاملاته وفما يكسبه فى حرفته

واما حفظ ما يقع فى بعض الاحايين ففرض على سبيل الكفاية. والعلوم الشرعية خمسه الكلام والتفسير والحديث والفقه واصول الفقه

قال فى عين المعانى المراد بقوله

{ ليتفقهوا فى الدين } علم الآخرة لاختصاصه بالانذار والحذر به وعلم الآخرة يشمل علم المعاملة وعلم المكاشفة اما علم المعاملة فهو العلم المقرب اليه تعالى والمبعد عنه ويدخل فيه اعمال الجوارح واعمال القلوب

واما علم المكاشفة فهو المراد فيما ورد ( فضل العالم على العابد كفضلى على امتى ) اذ غيره تبع للعمل لثبوته شرطا له فاذا فرغ علما وعملا ساغ ان يشرع فى فروض الكفاية كالتفسير والاخبار والفتاوى غير متجاوز الى نوادر المسائل ولا مستغرق مشتغل عن المقصود وهو العمل ويجوز ان يتعلم من علم النجوم قدر ما يعرف به القبلة واوقات الصلاة ويتعلم من علم الطب قدر ما يمكن بمعرفته تداوى الامراض

قال فى الاشباه تعلم العلم يكون فرض عين وهو بقدر ما يحتاج اليه لدينه وفرض كفاية وهو ما زاد عليه لنفع غيره ومندوبا وهو التبحر فى الفقه وعلم القلب وحراما وهو علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر ودخل فى افلسفة المنطق ومن هذا القسم علم الحروف والموسيقى ومكروها وهو اشعار المولدين من الغزل والبطالة ومباحا كاشعارهم التى لا سخف فيها

قال الخناوى لم ار فى كتب اصحابنا القول بتحريم المنطق ولا يبعد ان يكون وجهه ان يضيع العمر وايضا من اشتغل به يميل الى الفلسفة غالبا فكان المنع منه من قبيل سد الذرائع والا فليس فى المنطق ما ينافى الشرع انتهى

قال القهستانى ذكر فى المهمات للاسنوى لا يستنجى بما كتب عليه علم محترم كالنحو واحترز بالمحترم من غيره من الحكميات مثل المنطق انتهى

قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى مواقع النجوم ولا يكثر مما لا يحتاج اليه فان التكثير مما لا حاجة فيه سبب فى تضييع الوقت على ما هو اهم وذلك ان من لم يعول على ان يلقى نفسه فى درجة الفتيا فى الدين لان فى البلد من ينوب عنه فى ذلك لا يتعين عليه طلب الاحكام كلها اذ هو فى حق الغير طلب فضول العلم انتهى

فعلى العاقل ان يتعلم قدر الحاجة ويشتغل بالعمل وفى الحديث ( من احب ان ينظر الى عتقاء اللّه من النار فلينظر الى المتعلمين فوالذى نفسى بيده ما من متعلم يختلف الى باب العالم الا كتب له بكل قدم عبادة سنة وبنى له بكل قدم مدينة فى الجنة ويمشى على الارض والارض تستغفر له ويمشى ويصبح مغفورا له وشهدت له الملائكة بانه من عتقاء اللّه من النار ) وفى نشر العلم والارشاد به فضائل ايضا قال عليه السلام لمعاذ بن جبل رضى اللّه عنه حين بعثه الى اليمن ( لان يهدى اللّه بك رجلا خير لك مما تطلع عليه الشمس ) والعلماء ورثة الانبياء فكما انهم اشتغلوا بالابلاغ والارشاد كذلك ورثتهم فكل مرشد من الورثة ينبغى ان يكون غرضه اقامة جاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتعظيمه بتكثير اتباعه وقد قال ( انى مكاثر بكم الامم ) قال فى العوارف الصوفية أخذوا حظا من علم الدراسة فافادهم علم الدراسة العمل بالعلم فلما عملوا بما علموا افادهم العمل علم الوراثة فهم مع سائر العلماء فى علومهم وتميزوا عنهم بعلوم زائدة هى علوم الوراثة وعلم الوراثة هو الفقه فى الدين قال اللّه تعالى

{ فلولا نفر } الآية فصار الفقه فى الدين من اكمل الرتب واعلاها هو علم العالم الزاهد فى الدنيا المتقى الذى يبلغ رتبة الانذار بعلمه فمورد الهدى والعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اولا ورد عليه الهدى والعلم من اللّه تعالى فارتوى بذلك ظاهرا وباطنا وانتقل من قلبه الى القلوب ومن نفسه الى النفوس ولا يدرك المرء هذا العلم بالتمنى بل بالجد والطلب ألا ترى الى الجنيد قيل له بم نلت ما نلت فقال بجلوسى تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة واشار الى درجة فى داره

هركنج سعادت كه خداداد بحافظ ... ازيمن دعاى شب وورد سحرى بود

وفى الآية تحريضص للمؤمنين على الخروج من الاوطان لطلب العلم النافع ورحل جابر من المدينة الى مصر لحديث واحد ولذا لم يعد احد كاملا الا بعد رحلته ولا وصل مقصده الا بعج هجرته

وقيل

سافر تجد عوضا عمن تفارقه ... وانصب فان اكتساب المجد فى النصب

فالاسد لولا فراق الخيس ما فرست ... والسهم لولا فراق القوس لم يصب

قال سعدى قدس سره

جفا نبرده جه دانى توقدر يار ... تحصيل كام دل بتكابوى خوشترست

قال فى التأويلات النجمية الاشارة فى الآية ان اللّه تعالى يندب خواص عباده الى رحلة الصورة والمعنى فاما رحلة الصورة ففى طلب اهل الكمال الكاملين المتكملين الواصلين الموصلين كما ندب موسى الرحلة فى طلب الخضر عليه السلام

واما رحلة المعنى فكما كان حال ابراهيم عليه السلام قال انى ذاهب الى ربى فهو السير من القالب وصفاته الى القلب وصفاته ومن القلب الى الروح وصفاته من الروح الى التخلق باخلاق اللّه بقدم فناء اوصافه وهو السير الى اللّه ومن اخلاق اللّه الى ذات اللّه يقدم فناء ذاته يتجلى صفات اللّه وهو السير باللّه ومن انانيته الى هويته ومن هويته الى الوهيته الى ابد الآباد وهو السير باللّه من اللّه الى اللّه تعالى وتقدس انتهى باختصار

١٢٣

{ يا ايها الذين آمنوا } اقروا باللّه وبوحدانيته وصدقوا بحضرة صاحب الرسالة وحقانيته

{ قاتلوا الذين } بكارزار كنيد آنانكه ]

{ يلونكم } الولى القرب والدنو

{ من الكفار } اى قاتلوا من نحوكم ويقربكم من العدو وجاهدوا الاقرب فالاقرب ولا تدعوا الاقرب وتقصدوا الابعد فيقصد الاقرب بلادكم واهاليكم واولادكم وفيه انهم اذا امنوا الاقرب كان لهم محاربة الابعد

واعلم ان القتال واجب مع كافة الكفرة قريبهم وبعيدهم ولكن الاقرب فالاقرب اوجب ولذا حارب عليه السلام قومه اولا ثم انتقل الى غزو سائر العرب ثقم انتقل عنهم الى غزو الشام وكذا الصحابة رضى اللّه عنهم لما فرغوا من امر الشام دخلوا العراق وهكذا المفروض على اهل كل ناحية ان يقاتلوا من وليهم ما لم يضر بهم اهل ناحية اخرى وقد وقع امر الدعوة ايضا على هذا الترتيب فانه عليه السلام امر اولا بانذار عشيرته فان الاقرب احق بالشفقة والاستصلاح لتأكيد حقه

واختلفوا فى افضل الاعمال بعض الفرائض. فقال الشافعى رضى اللّه عنه الصلاة افضل اعمال البدن وتطوعها افضل التطوع. وقال احمد لا اعلم شيأ بعد الفرائض افضل من الجهاد لانه كان حرفة النبى عليه السلام. وقال ابو حنيفة ومالك لا شيء بعد فروض الاعيان من اعمال البر افضل من العلم لان الاعمال تبتنى عليه ثم الجهاد وبلغ من علم ابى حنيفة رحمه اللّه لى ان سمع فى المنام انا عند علم ابى حنيفة بعد ما قيل اين اطلبك يا رسول اللّه وفى الحديث ( اقرب الناس من درجة النوبة اهل العلم واهل الجهاد ) اما اهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل

واما اهل الجهاد فجاهدوا باسيافهم على ما جاءت به الرسل والجهاد سبب البقاء اذ لو تركه الناس لغلبهم العدو وقتلهم وفيه الحياة الدائم فى الآخرة لانه سبب الشهادة التى تورث تلك الحياة والشهداء احياء غير اموات : وفى المثنوى

بس زيادتها درون نقصها ست ... مرشهيدانرا حيات اندر فناست

{ وليجدوا فيكم غلظة } اى شدة وصبرا على القتال

قال فى القاموس الغلظة مثلثة ضد الرقة وهذا الكلام من باب لا ارينك ههنا فانه وان كان على صورة ان ينهى المتكلم نفسه عن رؤية المخاطب ههنا الا ان المراد نهى المخاطب عن ان يحضر ههنا فكذا الآية فانها على صورة امر الكفار بان يجدوا من المؤمنين غلظة لكن المعنى على امر المؤمنين بان يعاملوا الكفار بالغلظة والخشونة على طريق الكناية حيث ذكر اللازم واريد الملزوم : وفى المثنوى

هربيمبر سخت روبد درجهان ... يكسواره كفت برجيش شهان

رونكردانيد ازترس وغمى ... يك تن تنها بزد بر عالمى

كوسفندان كربرننداز حساب ... زانبهشان كى بترسد آن قصاب

قيل للاسكندر فى عسكر دارا الف الف مقاتل فقال ان القصاب لا تهوله كثرة الاغنام والعرب تقول الشجاعة وقاية والجبن مقتلة فاعتبروا بان من يقتل مدبرا اكثر ممن يقتل مقبلا : قال السعدى قدس سره

آنكه جنك آرد بخون خويش بازى ميكند ... روزميدان وانكه بكريزد بخون لشكرى

ونعم ما قيل

زهره مردان ندارى جون زنان در خانه باش ... وربميدان ميروى ازتير باران بر مكرد

واعلم ان السلاطين والوزراء والوكلاء بالنسبة الى العسكر كالقلب بالنسبة الى الاعضاء فكما ان القلب اذا صلح الجسد كله فكذا الرئيس اذا ثبت واظهر الشجاعة ثبت ان الجيش كله [ بهرام يقين كه مال وسر وهرجه هست دربازد ]

{ واعلموا ان اللّه مع المتقين } بالحراسة والاعانة والمراد بالمعية الولاية الدائمة وادخل على المتقين مع اختصاصه بالمتبوع لكونهم المباشرين للقتال ووضع المظهر موضع المضمر اى معكم اشارة الى علة النصرة وهى التقوى كأنه قيل واعلموا ان نصرة اللّه معكم اشارة الى علة النصرة وهى التقوى كأنه قيل واعلموا ان نصرة اللّه معكم بسبب تقواكم بالتوحيد والاسلام والايمان والطاعة عن الاشراك والكفر والنفاق والعصيان فى مرتبة الشريعة وباللّه عن جميع ما سوى اللّه فى مرتبة الحقيقة لا مع الكفار المشركين المنافقين العاصين وان اعطاهم لوازم القتال مكرا واستدراجا كما اعطاكموها كرما واحسانا وبقدر تقواكم بالحق عن الخلق يسخر اللّه لكم الخلق وبقدر تسخيركم للّه قواكم النفسانية يسخر اللّه لكم الكفار وبقدر تسخيركم للّه قواكم الروحانية يسخر اللّه لكم المؤمنين

قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى مواقع النجوم اعلم يا بنى ان اللّه جل ثناؤه لما اراد ان يرقى عبده الخصوصى الى المقامات العلية قرب منه اعداءه حتى يعظم جهاده لهم ويشتغل بمحاربتهم اولا قبل محاربة غيرهم من الاعداء الذين هم منه ابعد قال اللّه تعالى

{ يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين } الآية وحظ الصوفى وكل موفق من هذه الآية ان ينظر فيها الى نفسه الامارة بالسوء التى تحمله على كل محظور ومكروه وتعدل به عن كل واجب ومندوب للمخالفة التى جبلها اللّه عليها وهى اقرب الكفار والاعداء اليه فاذا جاهدها وقتلها او اسرها فحينئذ يصح له ان ينظر فى الاعيار على حسب ما يقتضيه مقامه وتعطيه منزلته فالنفس اشد الاعداء شكيمة واقواهم عزيمة فجهادها هو الجهاد الاكبر ومعنى الجهاد مخالفة هواها وتبديل صفاتها وحملها على طاعة اللّه : وفى المثنوى

اى شهان كشتيم ما خصم برون ... ماند خصم زو بتر دراندرون

قد رجعنا من جهاد الاصغريم ... باعدو اندر جهاد الا كبريم

سهل يرى دانكه صفها بشكند ... شير آن ست آنكه خودرا بشكند

وللنفس سيفان ماضيان تقطع بهما رقاب صناديد الرحال وعظمائهم وهما شهوتا البطن والفرج وشهوة البطن اقوى واشد من شهوة الفرج لانه ليس لها تأييد الا من سلطان شهوة البطن

زان ندارى ميوه مانند بيد ... كآب روبردى بى نان سبيد

فما ملئ وعاء شر من بطن ملئ بالحلال هذا اذا كان القوت حلالا فكيف اذا كان حراما فالطعام والاكثار منه قاطع عن الطريق

وعن عيسى عليه السلام يا معشر الحوارييت جوعوا بطونكم وعطشوا اكبادكم لعل قلوبكم ترى اللّه تعالى وكذا الكلام وكذا التأذى بأذى الانام فعليه بالصبر وان لا يجدهم مؤذين لانه موحد فيستوى عنده المسيء والمحسن فى حقه بل ينبغى ان يرى المسيء محسنا وكذا المنام

قال بعض العلماء من سهر اربعين ليلة خالصا كوشف بملكوت السموات ايقظنا اللّه واياكم من رقدة الغفلة انه مجيب الدعوة

١٢٤

{ واذا ما } كلمه ما صلة مؤكدة لارتباط الجزاء بالشرط

{ انزلت سورة } من سور القرآن وعددها مائة واربع عشرة بالاجماع والسورة طائفة من كلامه تعالى

{ فمنهم } اى المنافقين

{ من يقول } لاخوانه انكارا واستهزاء

{ ايكم } مبتدأ وما بعده خبره

{ زادته هذه } السورة

{ ايمانا } مفعول زادته وايراد الزيادة مع انه لا ايمان فيهم اصلا باعتبار اعتقاد المؤمنين. وفيه اشارة الى ان الاستهزاء من علامات النفاق وامارات الانكار ثم اجاب اللّه تعالى عن انكارهم واستهزائهم من يعتقد زيادة الايمان بزيادة الحاصل بالوحى والعمل الحاصل بالوحى والعمل به فقال

{ فاما الذين آمنوا } باللّه تعالى وبما جاء من عنده

{ فزادتهم ايمانا } هذا بحسب المتعلق وهو مخصوص بزمان النبى عليه السلام

واما الآن فالمذهب على الايمان لا يزيد ولا ينقص وانما تتفاوت درجاته قوة وضعفا فانه ليس من يعرف الشيء اجمالا كمن يعرفه تفضيلا كما ان من رأى الشيء اجمالا كمن يعرفه تفصيلا كما ان من رأى الشيء من بعد ليس كمن يراه من قريب فصورة الايمان هو التصديق القلبى اجمالا وتفصيلا وحقيقته الاحسان الذى هو ان تعبد اللّه كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك وحقيقة الاحسان مرتبة كنت سمعه وبصره التى هى قرب النوافل وفوقها مرتبة قرب الفرائض المشار اليه بقوله سمع اللّه لمن حمده. والحاصل ان من اعتقد الكعبة اذا رآها من بعيد قوى يقينه ثم اذا قرب منها كمل ثم اذا دخل ازداد الكمال ولا تفاوت فى اصل الاعتقاد

{ وهم يستبشرون } بنزولها وبما فيه من المنافع الدينية والدنيوية

١٢٥

{ واما الذين فى قلوبهم مرض } اى كفر وسوء عقيدة

قال الحدادى سمى اللّه النفاق مرضا لان الحيرة فى القلب مرض القلب كما ان الوجع فى البدن مرض البدن

يقول الفقير كل منهما مؤد الى الهلاك. اما المرض الظاهر فالى هلاك الجسم.

واما المرض الباطن فالى هلاك الروح فلا بد من معالجة كل منهما بحسب ما يليق به

{ فزادتهم رجسا الى رجسهم } اى كفرا بها مضموما الى الكفر وعقائد باطلة واخلاقا ذميمة كذلك والفرق ين الرجس والنجس ان الرجس اكثر ما يستعمل فيما يستقذر عقلا والنجس اكثر ما يستعمل فيما يستقذر طبعا

{ وماتوا وهم كافرون } اى واستحكم ذلك الى ان يموتوا عليه بين اللّه تعالى ان بنزول سورة من السماء حصل للمؤمنين امران زيادة الايمان والاستبشار وحصل للمنافقين امران مقابلان لهما زيادة الرجس والموت على الكفر وفى الحديث ( ان اللّه يرفع بهذا الكتاب اقواما ويضع آخرين ) يعنى ان من آمن بالقرآن وعظم شأنه وعمل به يرفع اللّه درجته وفى الآخرة ويرزقه عزة وشرفا ومن لم يؤمن او لم يعمل به او لم يعظم شأنه خذله اللّه فى الدنيا والآخرة

١٢٦

{ أولا يرون } الهمزة للانكار والتوبيخ والواو للعطف على مقدر اى لا ينظر المنافقون ولا يرون

{ انهم يفتنون فى كل عام } من الاعوام بالفارسية [ در هر سالى ]

{ مرة او مرتين } والمراد مجرد التكثير لا بياع الوقوع حسب العدد المزبور اى يبتلون باصناف البليات من المرض والشدة وغير ذلك مما يذكر الذنوب والوقوف بين يدى رب العزة فيؤدى الى الايمان به تعالى

{ ثم لا يتوبون } عطف على ما يرون داخل تحت الانكار والتوبيخ

{ ولا هم يذكرون } والمعنى اولا يرونافتتانهم الموجب لايمانهم ثم لا يتوبون عماهم عليه من النفاق ولا هم يتذكرون بتلك الفتن الموجبة للتذكر والتوبة

قال فى التأويلات النجمية هذه الفتنة موجبة لانتباه القلب الحى وقلوبهم ميتة والقلب الميت لا يرجع الى اللّه ولا يؤثر فيه نصح الناصحين كما قال

{ انك لا تسمع الموتى } وقال

{ لينذر من كان حيا } وفى المثنوى

ورنكوئى عيب خود بارى خمش ... از نمايش وازدغل خودرا مكش

كرتو نقدى يافتى مكشا دهان ... هست درره سنكهاى امتحان

كفت يزدان از ولادت تابحين ... يفتنون كل عام مرتين

امتحان بر امتحانست اى بسر ... هين بكمتر امتحان خود را مر

ماهيانرا بحر نكذارد برون ... خاكيانرا بحر نكذارد درون

١٢٧

{ واذا ما انزلت سورة } بيان لاحوالهم عند نزولها فى محفل تبليغ الوحى كما ان الاول بيان لمقالاتهم وهم غائبون عنه

{ نظر بعضهم الى بعض } المراد بالنظر النظر المخصوص الدال على الطعن فى تلك السورة والاستهزاء بها اى تغامزوا بالعيون انكارا لها وسخرية

{ هل يريكم من احد } اى قائلين هل يراكم من احد من المسلمين لينصرفوا من المسجد والمجلس مظهرين انهم لا يضطربون عند استماعها ويغلب عليهم الضحك فيفتضحون

{ ثم انصرفوا } عطف على نظر بعضهم والتراخى باعتبار وجدان الفرصة والوقوف على عدم رؤية احد من المؤمنين اى انصرفوا جميعا عن محفل الوحى خوفا من الافتضاح. والمعنى يقول بعضهم لبعض هل يراكم من احد من المؤمنين ان قمتم من مجلسكم فان لم يرهم احد خرجوا من المسجد وان علموا ان احدا يراهم اقاموا فيه وثبتوا حتى يفرغ عليه السلام من خطبته ثم انصرفوا

{ صرف اللّه قلوبهم } اى عن الايمان حسب انصرافهم عن المجلس والجملة اخبارية او دعائية

{ بانهم } اى بسبب انهم

{ قوم لا يفقهون } لسوء الفهم او لعدم التدبر

وفى التأويلات النجمية ليس فقه القلب فان فقه القلب من امارات حياة القلب وهو نور يهتدى به الى الحق كما ان الجهل ظلمة يقيم عندها ولا يدرى ماذا يفعل اللّهم اجعلنا من المتدبرين والمتذكرين والمعتبرين

قال بعض العلماء اصحاب القلوب من الانس ثلاثة اصناف. صنف كالبهائم قال اللّه تعالى

{ لهم قلوب لا يفقهون بها } وصنف اجسادهم اجساد بنى آدم وارواحهم ارواح الشياطين. وصنف فى ظل اللّه تعالى يوم لا ظل الا ظله

وعن ابى بكر الوراق رحمه اللّه انه قال للقلب ستة اشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة ونوم فحياته الهدى ونومه الضلالة وصحته الصفاء وعلته العلاقة ويقظته الذكر ونومه الغفلة وفى المثنوى

هر صباحى جون سليمان آمدى ... خاضع اندر مسجد اقصى شدى

نوكياهى رسته ديدى اندرو ... بس بكفتى نام ونفع خود بكو

توجه داروئى وجه تامت جه است ... توزيان كه ونفعت بر كيست

بس بكفتى هركيوء هى فعل ونام ... كه من آنرا جانم واين را حمام

بس سليمان ديد اندر كوشه ... نوكياهى رسته همجون خوشه

كفت نامت جيست بركوبى دهان ... كفت خروبست اى شاه جهان

كفت اندر توجه خاصيت بود ... كفت من رستم مكان ويران شود

من كه حروبم خراب منزلم ... هادم بنياداين آب وكلم

بس سليمان آن زمان دانست زود ... كه اجل آمد سفر خواهد نمود

كفت تامن هستم اين مسجد يقين ... در خلل نايد زآفات زمين

بس خراب مسجد ما بيكمان ... نبود الا بعد مرك ما بدان

مسجدست اين دل كه جشمش ساجدست ... يا ربد خروب هرجا مسجد ست

يا ربد جون رست درتو مهراو ... هين ازوبكريزو كم كن كفت وكو

بركن از بيخش كه كر سر برزند ... مرترا ومسجدت را بركند

١٢٨

{ لقد جاءكم } يحتمل ان يكون الخطاب للعرب والعجم جميعا. فالمعنى باللّه قد جاءكم ايها الناس

{ رسول } اى رسول عظيم الشان والرسول انسان بعثه اللّه تعالى الىلا الخلق لتبليغ الاحكام

{ من انفسكم } اى من جنسكم آدمى مثلكم لا من الملائكة ولا من غيرهم وذلك لئلا يتنفروا ويمتنعوا من متابعته ويقولوا لا طاقة لنا بمتابعته لانه ليس من جنسنا يؤيده قوله تعالى

{ قل انما انا بشر مثلكم } وقوله تعالى

{ لقد من اللّه على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم } اذ لفظ المؤمنين عام لكل مؤمن من كل صنف فيكون معنى من انفسهم اى من جنسهم لان الملك وكذا الجن لعدم جنسية ذى جهتين جهة التجرد لتمكن الاستفاضة من جانب القد وجهة التعلق لتمكن الافاضة الى جانب الخلق وهو الرسول صلى اللّه عليه وسلم ومنه يظهر انه لكمال لطافته يمكن ان يستفيض منه الجن ايضا لكونهم اجساما لطيفة ولذا دعاهم دعوة البشر

مشعله افروزشب خاكيان ... سمع سرا برده افلا كيان

ويحتمل ان يكون الخطاب للعرب خاصة. فالمعنى باللّه قد جاءكم ايتها العرب رسول عربى مثلكم وعلى لغتكم وذلك اقرب الى الالفة وابعد من اللجاجة واسرع الى فهم الحجة فان الارشاد لا يحصل الا بمعرفة اللسان -حكى- ان اربعة نفر عجمى وعربى وتركى ورومى وجدوا فى طريق درهما فاختلفوا فيه ولم يعرف ولم يفهم واحد منهم مراد الآخر فسأل منهم رجل آخر يعرف الالسنة فقال للعربى ايش تريد وللعجمى [ جه ميخواهى ] مثلا وعلم ان مراد الكل ان يأخذوا بذلك الدرهم عنبا فاخذ العارف الدرهم منهم واشترى لهم عنبا فارتفع الخلاف من بينهم. وقرءئ من انفسكم بفتح الفاء اى من اشرفكم وافضلكم من النفاسة وبالفارسية [ عزيز شدن ] وشيء نفيس اى خطير وذلك لان محمدا صلى اللّه عليه وسلم ابن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب وفى كلاب يجتمع نسب ابيه وامه لان امه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وبنوا هاشم افضل القبائل الى اسماعيل عليه السلام من جهة الخصال الحميدة وكلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر واجمع النسابون على ان قريشا انما تفرقت عن فهر فهو جماع قريش وانما سمى فهر قريشا لانه كان يقرش اى يفتش عن حاجة المحتاج فيسدها بماله وكان بنوه يقرشون اهل الموسم عن حوائجهم فيرفدونهم فسموا بذلك قريشا والرفادة طام الحاج ايام الموسم حتى يتفرقوا فان قريشا كانت على زمن قصى تخرج من اموالها فى كل موسم شيأ فتدفعه الى قصى فيصنع به طعاما للحاج ياكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد حتى قام بها ولده عبد مناف ثم بعد عبد مناف ولده هاشم ثم بعد هاشم ولده عبد المطلب ثم ولده ابو طالب

وقيل ولده العباس ثم استمر ذلك الى زمنه صلى اللّه عليه وسلم وزمن الخلفاء بعده ثم استمر ذلك فى الخلفاء الى ان انقرضت الخلافة من بغداد ثم من مصر وعن انس بن مالك رضى اللّه عنه

( حب قريش ايمان وبغضهم كفر ) وفى الحديث ( عالم قريش يملأ طباق الارض علما ) وعن الامام احمد رحمه اللّه هذا العالم هو الشافعى لانه لم ينتشر فى طباق الارض من علم علماء قريش من الصحابة وغيرهم ما انتشر من علم الامام الشافعى ويجتمع نسبه مع نسب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى عبد مناف وهو الجد التاسع للشافعى رحمه اللّه وفى الحديث ( انا انفسكم نسبا وصهرا وحسبا ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح ) وذلك لأنه لا يجيء من الزنى ولى فكيف بى والاشارة فيه الى نفاسة جوهره فى اصل الخلقة لانه اول جوهر خلقه خلقه اللّه تعالى وعن ابى هريرة انه عليه السلام سال جبريل عليه السلام فقال ( يا جبريل كم عمرك من السنين ) فقال يا رسول اللّه لست اعلم غير ان فى الحجاب الرابع نجما يطلع كل سبعين الف سنة مرة رأيته اثنين وسبعين الف مرة فقال عليه السلام ( يا جبريل وعزة ربى انا ذلك الكوكب ) ولما خلق اللّه آدم جعل نور حبيبه فى ظهره فكان يلمع فى جبينه ثم انتقل الى ولده شيث الذى هو وصيه والثالث من ولده وكانت حواء تلد ذكرا وانثى معا لم تلد ولدا منفردا الا شيث الذى هو وصيه والثالث من ولده وكانت حواء تلد ذكرا وانثى معا ولم تلد ولدا منفردا الا شيث كرامة لهذا النور ثم انتقل الى واحد بعد واحد من اولاده الى ان وصل الى عبد المطلب ثم الى ابنه عبد اللّه ثم الى آمنة وكان عليه السلام علة غائية لوجود كل كون فوجوده الشريف وعنصره اللطيف افضل الموجودات الكونية وروحه المطهر امثل الارواح القدسية وقبيلته افضل القبائل ولسانه خير الالسنة وكتابه خير الكتب والالهية وآله واصحابه خير الآل وخير الاصحاب وزمان ولادته خير الازمان وروضته المنورة اعلى الاماكن مطلقا والماء الذى نبع من اصابعه الشريفة افضل المياه مطلقا ثم بعده الافضل ماء زمزم لانه غسل منه صدره عليه السلام ليلة المعراج ولو كان ماء افضل منه يغشل به صدره عليه السلام. ثم ان فى قوله

{ لقد جاءكم } اشارة الى انه صلى اللّه عليه وسلم هدية عظيمة من اللّه تعالى وتحفة جسيمة ولا يعرض عن هدية اللّه تعالى الا الكافرون والمنافقون : قال حضرة الشيخ العطار قدس سره

خويشتن راخواجه عرصات كفت ... انما انا رحمة مهداة كفت

{ عزيز عليه ما عنتم } العزيز الغالب الشديد وكلمة ما مصدرية والعنت الوقوع فى امر شاق واشق الامور دخول النار والجملة من الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر صفة رسول. والمعنى شديد عليه عنتكم اى ما يلحقكم من المشقة والألم بترم الايمان فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع فى العذاب وهذا من نتائج ما سلف من المجانسة

قال الكاشفى [ وبعضى برلفظ عزيز وقف كرده اند وىنرا صفة رسول دانند ومعنى عليه ما عنتم برين فرود آرندكه براست آنجه بكيند ازكناه يعنى اعتذار آن برويست در روز قيامت بشفاعت تدارك آن خواهد نمود ودرين معنى كفته اند ]

نماند بعصيان كسى دركرو ... كه دارد جنين سيدى بيش رو

اكر دفترت ازكنه باك نيست ... جو او عذر خواهت بودباك نيست

{ حريص عليكم } اى على ايمانكم وصلاح احوالكم اذ من البين انه عليه السلام ليس حريصا على ذواتهم والحرص شدة الطلب للشيء مع اجتهاد فيه كما فى تفسير الحدادى

{ بالمؤمنين } متعلق بقوله

{ رؤوف رحيم } قدم الابلغ منهما وهو الرؤف لان الرأفة شدة الرحمة مع ان مقام المدح يقتضى الترقى من الفاضل الى الافضل محافظة على الفواصل وقدم بالمؤمنين على متعلقه وهو رؤف ليفيد الاختصاص اى لا رأفة ولا رحمة الا بالمؤمنين

واما الكفار فليس له عليهم رأفة ولا رحمة

قال فى التأويلات النجمية

{ بالمؤمنين رؤف رحيم } لتربيتهم فى الدين المتين بالرفق كما قال عليه السلام ( ان هذا الدين متين فاوغلوا فيه بالرفق وبالرحمة يعفو عن سيآتهم ) كما امره اللّه تعالى بقوله

{ فاعف عنهم واصفح } وفى قوله

{ ان اللّه بالناس لرؤف رحيم } دقيقة لطيفة شسريفة وهى ان النبى صلى اللّه عليه وسلم لما كان مخلوقا كانت رأفته ورحمته مخلوقة فصارت مخصوصة بالمؤمنين لضعف الخلقة وان اللّه تعالى لما كان خالقا كانت رأفته ورحمته قديمة فكانت عامة للناس لقوة خالقيته كما قال

{ ورحمتى وسعت كل شيء } فمن تداركته الرافة والرحمة الخالقية من الناس قابلا للرأفة والرحمة النبوية لانها كانت من نتائج الرأفة والرحمة الخالقية ما قال

{ فبما رحمة من اللّه لنت لهم } انتهى كلام التأويلات

قال بعض الحكماء ان اللّه تعالى خلق محمدا اى روحه وجعل له صورة روحانية كهيئته فى الدنيا فجعل رأسه من البركة وعينيه من الحياء واذنيه من العبرة ولسانه من الذكر وشفتيه من التسبيح ووجهه من الرضى وصدره من الاخلاص وقلبه من الرحمة وفؤاده من الشفقة وكفيه من السخاوة وشعره من نبات الجنة وريقه من عسل الجنة ألا ترى انه تفل فى بئر رومة فى المدينة وكان ماؤها زعاقا فصار عذبا ولما اكمله بهذه الصفات ارسله الى هذه الامة -روى- انه لما مات ابو طالب ونالت قريش من النبى عليه السلام ما لم تكن نالته منه فى حياته خرج الى الطائف وهو مكروب مشوش الخاطر مما لقى من قريش من قرابته وعترته خصوصا من عمه ابى لهب وزوجته ام جميل حمالة الحطب من الهجو والسب والتكذيب يقولون له انت الذى جعلت الآلهة الها واحدا فجعل ابو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ويقول أتقتلون رجلا ان يقول ربى اللّه وكان خروجه فى شوال سنة عشرة من النبوة وحده

وقيل معه مولاه زيد بن حارثة رضى اللّه عنه يلتمس من ثقيف الاسلام رجاء ان يسلموا وان يناصروه على الاسلام والقيام معه على من خالفه من قومه وكان ثقيف اخواله عليه السلام فلما انتهى الى الطائف عمد الى اشراف ثقيف وكانوا اخوة ثلاثة فجلس اليهم وكلهم فيما جاءهم به فقال احدهم هو يقطع ثياب الكعبة ولا يسرقها وقال آخر ما وجد اللّه احدا يرسله غيرك وقال له الثالث واللّه لا اكلمك ابدا لئن كنت رسولا من عند اللّه كما تقول لانت اعظم خطرا اى قدرا من ان ارد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على اللّه ما ينبغى لى ان اكلمك فقام عليه السلام من عندهم مأيوسا وقال لهم اكتموا على وكره ان يبلغ قومه ذلك فيشتد امرهم عليه وقالوا عليه السلام اخرج من بلدنا وسلطوا عليه سفهاءهم يسبونه ويصيحون ب حتى اجتمع عليه الناس وقعدوا له صفين على طريقه فلما مر عليه السلام بين الصفين دقوا رجليه بالحجارة حتى ادموهما وشجوا رأس زيد فلما خلص ورجلاه يسيلان دما عمد الى بستان فاستظل فى شجرة كرم ودعا بقوله

( اللّهم انى اشكو اليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهو انى على الناس يا ارحم الراحمين انت رب المستضعفين وانت ربى الى من تكلنى ان لم يكن لك غضب على فلا ابالى ) ثم انطلق عليه السلام وهو مهموم حتى اتى بقرن الثعالب وهو ميقات اهل نجد او اليمن وبينه وبين مكة يوم وليلة فارسل اللّه تعالى جبريل ومعه ملك الجبال فقال ان شئت اطبقت على ثقيف هذين الجبلين فقال عليه السلام ملك الجبالة انت كما سماك ربك رؤف رحيم : وفى المثنوى

بندكان حق رحيم وبر دبار ... خوى حق دارنددر اصلاح كار

مهربان بى رشوتان يارى كران ... در مقام سخت ودر روز كران

اى سليمان درميان زاغ وباز ... حلم حق شو باهمه مرغان بساز

اى دوصد بلقيس حلمت رازبون ... كه اهد قومى انهم لا يعلمون

صد هزاران كيميا حق آفريد ... كيميا حق آفريد كيميائى همجو صبر آدم نديد

نسأل اللّه سبحانه ان يلحقنا باهل الحلم والكرم ويزكينا من سوء الاخلاق والشيم

١٢٩

{ فان تولوا } تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اى ان اعرضوا عن الايمان بك وقبول نصحك ولم يتبعوك

{ فقل حسبى اللّه } كافينى فانه يكفيك معرتهم اى المساءة اتى تلحقك من قبلهم ويعينك عليهم. وفيه اشارة الى ان تبليغ الرسالة من النبى عليه السلام كان موجبا لقربه الى اللّه وقبوله اياه فلما بلغ رسالته فقد حصل على القبول من اللّه وقربته ان قبلوا وان اعرضوا

{ لا اله الا هو } كالدليل على ما قبله

يقول الفقير اصلحه اللّه القدير هذه الكلمة الطيبة فى حكم لا اله الا اللّه لان الضمير عائد الى المذكور من لفظ الجلالة وكون هو ضميرا لا ينافى كونه اسما لان المضمرات من قبيل الاسماء فما اشتهر بين الصوفية السالكين من الذكر به بناء على كونه اسما ولما كان وجود الكون موهوما ووجود الحق محققا معلوما صح ان يشار به الى اللّه تعالى سيما اطلق لعدم المزاحم فى الحقيقة والذكر به مناسب للمبتدئ لكونه فى حال الغيبة فاذا ترقى الترقى الكلى فلا يشار به الا الى بهو الا الى الهوية المطلقة نسأل اللّه التوفيق للوصول الى مراتب التحقيق

{ عليه توكلت } اى وثقت فلا ارجو ولا اخاف الا منه والتوكل اعتماد القلب على اللّه وسكونه وعدم اضطرابه لتعلقه باللّه تعالى

{ وهو رب العرش العظيم } ببروردكار عرش بزرك مراد ملك عظيم است يا عرش كه قبله دعا ومطاف ملائكة باشد اشارت بكمال قدرت وحفظ حق تعال راست : يعنى آن خدايى كه عرش رابدان همه عظمت كه هشت هزار ركن دارد وبروايتى سيصد هزار قاعده واز قاعده تاقاعده سيصد هزار سال راه وهمه آن مملو ازخافات وصافات بقدرت كامله نكاه ميدارد قادرست كه ميرانيزاز شر منافقان دربناه آردكه حافظ بندكان وناصر سر افكند كان اوست

ازخواه يارى كه يارى ده اوست ... بدو التجا كن كه اينها ازوست

كسى راكه او آورد در بناه ... جه غم دارد از فتنه كينه خواه

قال الحدادى رب العرش العظيم اى خالق السرير العظيم الذى هو اعظم من السموات والارض وانما خص العرش بذلك لانه اذا كان رب العرش العظيم مع عظمته كان رب ما دونه فى العظم.

وقيل انما خص العرش تشريفا للعرش وتعظيما لشأنه

واعلم ان العناصر والافلاك مرتبة فالارض ثم الماء ثم الهواء ثم النار ثم فلك القمر ثم فلك عطارد ثم فلك الزهرة ثم فلك الشمس ثم فلك المريخ ثم فلك المشترى ثم فلك زحل ثم فلك الثوابت ثم فلك الافلاك ويسمى الفلك الاعظم وهو محيط من الافلاك والعناصر يماس المحاط الذى يليه فى الترتيب المذكور لاستحالة الخلاء وجملة هذه الاجرام من الافلاك والعناصر وما فيها يطلق عليها اسم العالم

قال بعض اهل التحقيق خلق اللّه العرش لاظهار شرف محمد صلى اللّه عليه وسلم وهو قوله

{ عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا } وهو مقام تحت العرش ولان العرش معدن كتاب الابرار لقوله تعالى

{ ان كتاب الابرار لفى عليين } وايضا العرش مرآة الملائكة يرون الآدميين واحوالهم منه كى يشهدوا عليهم يوم القيامة فان عالم المثال والتمثال فى العرض كالاطلس فى الكرسى

قال حضرة شيخنا قدس سره فى الرسالة العرفيانية التى صنفها فى سنة تسع وثمانين بعد الالف العرش العظيم هو الانسان الكبير والعرش الكريم هو الانسان الصغير فظاهر العرش العظيم والانسان الكبير والعرش الكريم هو الانسان الصغير فظاهر العرش العظيم والانسان الكبير على التبدل والتغير وظاهرهما على الدوام والثبات انتهى اجمالا

يقول الفقير المباهى بالانتساب الى ذلك السيد الخطير لعل مراده رضى اللّه عنه ان باطن العرش العظيم هو العرش المحيط الذى يقال له الملكوت وظاهره ما تحته من الاجرام ويقال له عالم الكون والفساد فظاهر العرش لكونه عالم الكون والفساد على التبدل والتغير وباطنه وهو العرش نفسه على حاله بخلاف العرش الكريم الذى هو الانسان فان ظاهره من اول عمره الى آخره على الثبات وباطنه على التغير لان قلبه لا يخلو عن الافكار والتقلبات واللّه تعالى رب العرش العظيم ورب العرش الكريم فى الظاهر والباطن والاول والآخر هذا وقد ذكر فى فضائل هاتين الآيتين اللتين احداهما

{ لقد جاءكم } الآية والاخرى

{ فان تولوا } الآية -روى- ان ابا بكر بن مجاهد المقرى رحمه اللّه اتى اليه ابو بكر الشبلى قدس سره فدخل عليه فى مسجده فقام اليه فتحدث اصحاب بن مجاهد بحديثهما وقالوا انت لم تقم لعلى بن عيسى الوزير وتقوم للشبلى فقال الا اقوم لمن يعظمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى النوم فقال لى يا ابا بكر اذا كان فى غد فسيدخل عليك رجل من اهل الجنة فاذا دخل فاكرمه قال ابن مجاهد قلما كان بعد ذلك بليلتين رأيت النبى عليه السلام فقال لى يا ابا بكر اكرمك اللّه كما اكرمت رجلا من اهل الجنة قلت يا رسول اللّه بم استحق الشبلى هذا منك فقال هذا رجل يصلى خمس صلوات يذكرنى اثر كل صلاة ويقرأ

{ لقد جاءكم رسول من انفسكم } الى آخر السورة وذلك منذ ثمانين سنة أفلا اكرم من فعل كذا فى عقد الدرر واللآلئ

وفيه ايضات حكى عن بعض الصالحين انه حصل له ضيق شديد فرأى النبى صلى اللّه عليه وسلم فى المنام فقال له يا فلان لا تغتم ولا تحزن اذا كان الغد ادخل على على بن عيسى الوزير فاقرئه منى السلام وقل له بعلامة انك صليت على عند قبرى اربعة آلاف مرة يدفع لك مائة دينار عينا فلما اصبح ذهب اليه وقص عليه الرؤيا فاغر ورقت عينا علىّ بن عيسى بالجموع وقال صدق اللّه ورسوله وصدقت انت يا رحل هذا شيء ما كان به علم الا اللّه ورسوله يا غلام هات الكيس فاحضره وبين يديه فاخرج منه ثلاثمائة دينار وقال هذه المائة التى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهذه المائة الاخرى بشارة وهذه المائة الاخرى هدية لك فخرج الرجل من عنده ومعه ثلاثمائة دينار وقد زال همه وغمه ومن اللّه على الوزير المذكور فترك الوزارة وعلو الرياسة وظلم السلطنة وعظمة الجبابرة وذهب الى مكة وجاور فيها بركة ذكر النبى صلى اللّه عليه وسلم وتخصيصه بارسال ذلك الرجل لما سبق له فى علم اللّه تعالى بما يؤول امره اليه من الخير وحسن الخاتمة

خدايا بحق بنى فاطمه ... كه برقول ايمان كنم خاتمه

وعن ابىّ رضى اللّه عنه ( ان آخر ما نزل هاتان الآيتان )

وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم ( ما نزل القرآن علىّ الا آية آية وحرفا حرفا ما خلا سورة براءة وسورة قل هو اللّه احد فانهما انزلتا علىّ ومعهما سبعون الف صف من الملائكة )

واعلم ان الاحاديث التى ذكرها صاحب الكشاف فى اواخر السورة وتبعه القاضى البيضاوى والمولى ابو السعود رحمهم اللّه من اجله المفسرين قد اكثر العلماء القول فيها فمن مثبت ومن ناف بناء على زعم وضعها كالامام الضغانى وغيره واللائح لهذا العبج الفقير سامحه اللّه القدير ان تلك الاحاديث لا تخلو اما ان تكون صحيحة قوية او سقيمة ضعيفة او مكذوبة موضوعة فان كانت صحيحة قوية فلا كلام فيها وان كانت ضعيفة الاسانيد فقد اتفق المحدثون على ان الحديث الضعيف يجوز العمل به فى الترغيب والترهيب فقط كما فى الاذكار للنووى وانسان العيون لعلى بن برهان الدين الحلبى والاسرار المحمدية لابن فخر الدين الرومى وغيرها وان كانت موضوعة فقد ذكر الحاكم وغيره ان رجلا من الزهاد انتدب فى وضع الاحاديث فى فضل القرآن وسوره فقيل له فلم فعلت هذا فقال رأيت الناس زهدوا فى القرآن فاحببت ان ارغبهم فيه فقيل له ان النبى صلى اللّه عليه وسلم قال ( من كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) اى فليتخذ يقال تبوأ الدار اتخذها مباءة اى مسكنا ومنزلا ولفظه امر ومعناه خبر يعنى فان اللّه بوأه مقعده اى موضع قعوده منها فقال انا ما كذبت عليه انما كذبت له كما فى شرح الترغيب والترهيب المسمى بفتح القريب اراد ان الكذب عليه يؤدى الى هدم قواعد الاسلام وافساد الشريعة والاحكام وليس كذلك الكذب له فانه للحث على اتباع شريعته واقتفاء اثره فى طريقته

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الكلام وسيلة الى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل اليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب حرام فان امكن التوصل اليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح ان كان تحصيل ذلك المقصود مباحا وواجب ان كان ذلك المقصود واجبا فهذا ضابطه انتهى : قال الشيخ سعدى

خردمندان كفته اند دروغ ... مصلحت آميز به ازراست فتنه انكيز

وقال اللطيفى

دروغى كه جان ودلت خوش كند ... به ازراستى كان مشوش كند

وبالجملة المرء مخير فى هذا الباب فان شاء عمل بتلك الاحاديث بناء على حسن الظن بالاكابر حيث اثبتوها فى كتبهم خصوصا فى صحف التفاسير الجليلة وظاهر انهمة لا يصنعون حرفا الا بعد التصفح الكثير وان شاء ترك العمل بها وحرم من منافع جمة ولا محاجة معه وربما يتفق المحدثون على صحة بعض الاحاديث ولا صحة له فى نفس الامر فان الانسان مركب من السهو والنسيان وحقيقة العلم عند اللّه الملك المنان ولذا قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قد يظهر من الخليفة الآخذ الحكم من اللّه ما يخالف حديثا ما فى الحكم فيتحيل انه من الاجتهاد وليس كذلك وانما هذا الامام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبى صلى اللّه عليه وسلم ولو ثبت الحكم به وان كان طريق الاسناد العدل عن العدل فالعدل ليس بمعصوم من الوهم الذى هو مبدأ السهو والنسيان ولا من النقل على المعنى الذى هو مبدأ التأويلات والتحريفات فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم انتهى

فهذ كلام حق بلا مريه وليس وراء عبادان قريه

بقى ههنا شيء وهو ان بعض المتقدمين جعل القرآن اثلاثا فالثلث الاول ينتهى عند قوله فى سورة التوبة

{ وقعد الذين كذبوا ورسوله } والثلث الثانى عند قوله فى سورة العنكبوت

{ الا بالتى هى احسن } وعند العامة لثلث الاول ينتهى عند قوله تعالى

{ وطبع اللّه على قلوبهم فهم لا يعلمون } وهو منتهى الجزء العاشر ولعل الاول قوله تحقيقى والثانى تقريبى واللّه اعلم بالصواب

﴿ ٠