١٠٨

{ لا تقم } يا محمد للصلاة

{ فيه } اى فى مسجد هؤلاء المنافقين { ابدا }

قال سعدى المفتى اى لا تصل فيه عبر بالقيام عن الصلاة كما فى قولهم فلان يقوم الليل ومنه الحديث الصحيح ( من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )

{ لمسجد } مسجد قبا واللام للابتداء او القسم

{ اسس } التأسيس احكتم اس البناء وهو اصله يعنى اسسه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصلى فيه ايام مقامه بقبا { على التقوى }

قال فى التبيان اى بيت حدوده ورفعت قواعده على طاعة اللّه

وفى الحدادى لوجه اللّه وعلى ههنا للمصاحبة بمعنى كما فى قوله تعالى

{ وآتى المال على حبه } كما فى حواشى سعدى المفتى

{ من اول يوم } من ايام وجوده وتأسيسه متعلق باسس وكلمة من الجارة اذا كانت للابتداء تجر المكان كثيرا كما فى قولك جئت من البصرة وقد تجر الزمان ايضا عند الكوفيين كما فى هذه الآية فالمعنى منذ اول يوم بنى لان منذ لابتداء الغاية فى الزمان تقول ما رأيته منذ شهر

وقال الرضى من فى الآية بمعنى فى وذلك كثير فى الظروف. ويقال اراد بالمسجد مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة والاول اشهر واوفق للقصة اذ المسجد بقيا فالموازنة بينهما اولى من الموازنة بين ما بقيا وما بالمدينة

قال الحدادى لا يمتنع ان يكون المراد بالمسجد الذى اسس على التقوى كلا المسجدين مسجد النبى عليه السلام ومسجد قبا

{ احق ان تقوم فيه } اى اولى ان تصلى فيه

فان قيل لم قال اللّه تعالى احق لن تقوم فيه مع ان المفاسد الاربع المذكورة بقوله ضرارا وكفلرا وتفريقا وارصادا تمنع جواز قيامه فى الآخر

والجواب ان الكلام مبنى على النزول والمعنى لو فرضنا جواز القيام فى مسجد الضرار لكان القيام فى مسجد التقوى احق واولى لكونه على قاعدة محكمة فكيف والقيام فيه باطل لكونه مبنيا لاغراض فاسدة ويجوز ان يقال احق ليس للتفضيل بل بمعنى حقيق كما قال المولى ابو السعود والمراد بكونه احق كونه حقيقا به اى لا استحقاق فى مسجد الضرار رأسا وانما عبر عنه بصيغة التفضيل لفضله وكماله فى نفسه او الافضلية فى الاستحقاق المتناول ما يكون باعتبار زعم البانى ومن يتابعه فى الاعتقاد وهو الانسب بما سيأتى

{ فيه } اى فى المسجد المؤسس على التقوى

{ وحال } يعنى الانصار جملة مستأنفة مبينة لا حقية لقيامه عليه السلام فيه من جهة الحال بعد بيان احقيته له من حيث المحل

{ يحبون ان يتطهرا } من الانجاس والاخباث مطلقا بدنية كانت او عملية كالمعاصى والخصال الذميمة

{ واللّه يحب المطهرين } اى يرضى عن المتطهرين ويدينهم من جنابه ادناء المحب حبيبه - روى - ان هذه الآية لما نزلت مشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قبلا فاذا الانصار جلوس فقال

( أمؤمنون انتم ) فسكت القوم ثم اعادها فقال عمر رضى اللّه عنه يا رسول اللّه انهم لمؤمنون وانا معهم فقال عليه السلام ( أترضون بالقضاء ) قالوا نعم قال ( أتصبرون على البلاء ) قالوا نعم قال ( أيشكرون فى الرخاء ) قالوا نعم قال عليه السلام ( مؤمنون ورب الكعبة ) فجلس ثم قال ( يا معشر الانصار ان اللّه قد اثنى عليكم فما الذى تصنعون عند الوضوء وعند الغائط ) فقالوا نتبع الغائط الاحجار الثلاثة ثم نتبع الاحجار الماء فتلا فيه

{ رجال يحبون ان يتطهروا } وفى كلام بعضهم اول من استنجى بالماء ابراهيم عليه السلام والاتسنجاء مسح موضع النجو اى ما خرج من البطن وهو فى الاصل اعم منه ومن غسله كما فى المغرب فيطهر موضع النجو بثلاثة امداد فان لم يجد فبالحجار فان لم يجد فبكفه ولا يستنجى بما سوى الثلاثة لانه يورث الفقر والمقصود التقنية فلو حصل بالواحد كفاه ولم يحصل بالثلاثة زاد ولا يستنجى من النوم والريح فانه بدعة وليس على المستحاضة استنجاء لكل صلاة بلا بول وغائط كما فى النوازل واستعمال المنشفة ادب وذلك قبل ان يقوم وبعد الغسل ليزول اثر الماء المستعمل بالكلية وكان الانصار يتبعون الماء اثر اليوم ايضا وعن بعضهم ان المراد التطهر من الجنابة فلا ينامون عليها وفى الحديث ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة ) المراد بالملائكة هنا هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظة فانهم لا يفارقونه على اى حال من الاحوال

وقال بعض العلماء المراد بالملائكة غير الحفظة وغير ملائكة الموت

وقيل اراد لا تحضره الملائكة بخير ( جيفة الكافر ) المراد بها ذاته حيا وميتا لان الكافر نجس بعيد من الرحمة فى الحياة وبعد الموت ( والمتضخ ) بالضاد والخاء المعجمتين اى المتلطخ المتدهن بالخلوق بفتح الخاء المعجمة طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من انواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة

وقال ابو عبيدة عند العرب هو الزعفران وحده ووجه النهى عن الخلوق لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء والنهى عن الخلوق مختص بالرجال دون النساء كما فى المفاتيح ( والجنب ) الجنابة لغة البعد وسمى الانسان جنبا لانه نهى ان يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر

وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل ( الا ان يتوضأ ) وهذا فى حق كل من اخر الغسل لغير عذر او لعذر اذا امكنه الوضوء فلم يتوضأ

وقيل لم يرد بالجنب من اصابته جنابة فاخر الاغتسال ولكنه الجنب الذى يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لان النبى صلى اللّه عليه وسلم كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد

وفى الشرعة وينام بعد الوطء نومة خفيفة فانه اروح للنفس لكن السنة فيه ان يتوضأ اولا وضوءه للصلاة ثم ينام كما فى شرح ابن السيد على

قال فى فتح القريب المراد بالوضوء الشرعى بلا خلاف وفى رواية شعبة ( اغسل ذكرك ثم توضأ وارقد ) هذا هو الصحيح يعنى الامر بغسل الذكر ثم الوضوء ومن نام ولم يتوضأ فليستغفر اللّه تعالى ولو اراج العةد اى من غير نوم فليتوضأ اى ليتنظف بغسل الذكر واليدين فليس المراد بالوضوء الشرعى المشهور كما ذهب اليه المالكية كما فى شرح المشارق. والوضوء يطلق على غسل اليدين كما فى قوله عليه السلام ( الوضوء قبل الطعام ينفى الفقر ) واذا توضأ وضوءه للصلاة واراد ان ينام فهل الاولى ان ينوى رفع الحدث الاصغر او ينوى سنة العود او رفع الجنابة او ما اصابه من الاعضاء المغسولة الظاهر الاول ليكطون عبادة مستقلة او مخففة للحدث بزوال احد الحدثين كذا فى فتح القريب. وفيه ايضا اختلف فى علة الوضوء فقيل لانه يخفف الحدث

وقيل لبيت على احدى الطعارتين خشية ان يموت فى نومه ذلك لان الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب فيزول ذلك بالوضوء ومذهب الشافعى ومالك استحباب الوضوء للجنب قبل النوم لانه عليه السلام كان يفعل ذلك. وعن بعض المالكية لا تسقط العدالة بتركه لاختلاف العلماء فيه

وقال بعضهم فى الآية يحبون ان يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا عن آخرهم -روى- ان جابرا قال استأذنت الحمى على رسول اللّه عليه وسلم فقال ( من هذه ) قيل ام ملدم فامر بها عليه السلام الى اهل قبل فلقوا فيها ما لا يعلمه الا اللّه فشكوا اليه عليه السلام فقال ( ان شئتم دعوت اللّه ليكشفها عنكم وان شئتم تكون لكم طهورا ) قالوا أو تفعل ذلك فقال ( نعم ) قالوا فدعها وقد ( جاء ان حمى ليلة كفارة سنة ومن حم يوما كان له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته امه ) وعن عائشة رضى اللّه عنها لما قدمت المدينة اخذتها الحمى فسبتها فقال عليه السلام ( لا تسبيها فانها مأمورة ولكن ان شئت علمتك كلمات اذا قلتهن اذهبها اللّه تعالى عنك ) قالت علمنى قال ( قولى اللّهم ارحم جلدى الرقيق وعظمى الدقيق من شدة الحريق يا ام ملدم ان كنت آمنت باللّه العظيم فلا تصدعى الرأس ولا تنتنى الفم ولا تأكلى اللحم ولا تشربى الدم وتحولى عنى الى من اتخذ مع اللّه الها أخر ) فقالتها فذهبت عنها ولما استوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق امزجتهم فمرض كثير منهم وضعفوا تشوقوا الى مكة المكرمة ولذا نظر عليه السلام يوما الى السماء لانها قبلة الدعاء وقال

( اللّهم حبب الينا المدينة كما حببت الينا مكة وبارك لنا فى مدها وصاعها وصححها لنا ثم انقل وباءها الى مهيعة ) اى الجحفة وهى قرية قريبة من رابغ محل احرام من يجيئ من جهة مصر حاجا وكان سكانها ذا ذاك يهودا ودعاؤه عليه السلام ان يحبب اليهم المدينة انما هو لما جلبت عليه النفوس من حب الوطن والحنين اليه ومن ثم جاء فى حديث عائشة رضى اللّه عنها انها سألت رجلا بخضور النبى عليه السلام قدم المدينة من مكة فقالت له كيف تركت مكة فذكر لها من اوصافها الحسنة ما غرغرت منه عينا رسول اللّه عليه السلام وقال ( لا تشوقها يا فلان )

فتنها درانجمن ببدا شود ازسوزمن ... جون مرادر خاطر آيد مسكن ومأواى دوست

وفى اسئلة الحكم ان الختان للتطهير لانه لا يوجب المحبة الالهية كما قال تعالى

{ واللّه يحب المطهرين } فيحصل الاحتراز والتطهر من البول بالختان

قال الفقهاء الاقلف يجب ايصال الماء الى القلفة اذ لا حرج فيه وفى الحديث ( اتقوا البول فان عامة عذاب القبر من البول فانه اول ما يحاسب به العبد فى القبر ) كما فى الترغيب

اعلم ان مسجد المنافقين اشارة الى مزبلة النفس والمسجد المؤسس على التقوى اشارة الى مسجد القلب وهو قد اسس على العبودية والطاعة والاقرار بالوحدانية من اول يوم الميثاق عند خطاب ألست ببكم وجواب قالوا بلى واهله متطهرون عن الصفات الذميمة والاخلاق اللئيمة بل عن دنس الوجود ولوث الحدوث واللّه يحب المطهرين الفانين عن وجودهم الباقين باللّه ولولا محبته اياهم ما وفقهم للتطهير فتطهرهم مطلقا اثر من آثار محبة اللّه لهم : قال الحافظ

طهارت ارنه بخون جكر كند عاشق ... بقول مغتى عشق اش درست نيست نماز

وفى المثنوى

روى ناشسته نبيند روى حور ... لا صلاة كفت الا بالطهور

وهو بالفتح مصدر بمعنى التطهير ومنه ( مفتاح الصلاة الطهور ) واسم لما يتطهر به كذا فى المغرب

﴿ ١٠٨