سُورَةُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ آيَةً ١ { الر } اى هذه السورة الر اى مسماه بهذا الاسم فيكون خبره مبتدا محذوف او لا محل له من الاعراب مسرود على نمط تعديد الحروف للتحدى والاعجاز وهو الظاهر فى هذ السورة الشريفة اذ على الوجه الاول يكون كتاب خبرا بعد خبر فيؤدى الى ان يقال هذه السورة كتاب وليس ذاك بل هى آيات الكتاب الحكيم كما فى سورة يونس وحمل الكتاب على المكتوب او على البعض تكلف وهو اللائح بالبال قالوا اللّه اعلم بمراده من الحروف المقطعة فانها من الاسرار المكتومة كما قال الشعبى حين سئل عنها سر اللّه فلا تطلبوه واللّه تعالى لا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول او وارث رسول. وفى الحديث ( ان من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه الا العلماء باللّه فاذا نطقوا به لا ينكره الا اهل الغرة باللّه ) رواه ابو منصور لديلمى وابو عبد الرحمن السلمى كما فى الترغيب قال الرقاشى هى اسرار اللّه يبديها الى امناء اوليائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة وهى من الاسرار التى لم يطلع عليها الا الخواص كما فى فتح القريب وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال حفظت من رسول اللّه وعائين فاما احدهما فبثثته فيكم واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم قال البخارى البلعوم مجرى الطعام كما فى شرح الكردى على الطريقة المحمدية وقال سلطان المفسرين والمؤولين ابن عباس رضى اللّه عنهما معنى الر انا اللّه ارى [ منم خداى كه مى بينم طاعت مطيعانرا ومعصيت عاصيانرا وهركس را مناسب عمل اجزا خواهم داد بس ايت كمله مشتمل است بروعد ووعيد كما فى تفسير الكاشفى ] ويقال الالف آلاؤه واللام لطفه والراء ربوبيته كما فى تفسير ابى الليث وسياتى فى التأويلات غير هذا { كتاب } اى هذا القرآن كتاب كما ذهب اليه غير واحد من المفسرين { احكمت آياته } نظمت نظما محكما لا يعتريه نقض ولا حلل لفظا ومعنى كالبناء المحكم المرصف او منعت من النسخ بمعنى التغيير مطلقا : وفى المثنوى مصطفى را وعده كرد الطاف حق ... كربميرى تونميرد اين سبق كس نتاند بيش وكم كردن درو ... تو به ازمن حافظى ديكر مجو هست قرآن مرترا همجون عصا ... كفر هارا دركشد جون ازدها تو اكر درزير حاكى خفته ... جون عصايش دان توآنجه كفته قاصدا انرا برعصايت دست نى ... توبخسب اى شه مبارك خفتنى { ثم فصلت } يقال عقد مفصل اذا جعل بين كل لؤلؤتين خرزة. والمعنى زينت آياته بالفوائد كما تزين القلائد بالفرائد اى ميزت وجعلت تفاصيل فى مقاصد مختلفة ومعان متميزة من العقائد والاحكام والمواعظ والامثال وغير ذلك وثم للتفاوت فى الحكم اى الرتبة لا للتراخى فى الوجود والوقوع فى الزمان او للتراخى فى الاخبار لا فى الوقت فان الشائع فى الجمل ان يراد بها نفس مفهومها الا انه قد يراد بها الاخبار. بمفهومها كما تقول فلان كريم الاصل ثم كريم الفعل لوالمراد بالتراخى مجرد الترتيب مجازا لظهور ان حقيقة للتراخى منتفية بين الاخبارين ضرورة ان الاخبار بالتفصيل وقع عقيب الاخبار بالاحكام او يقال بوجود التراخى باعتبار ابتداء الخبر الاول وانتهاء الثانى والفعلان من قبيل قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل يعنى انه لم يكن البعوض كبيرا اولا ثم جعله اللّه صغيرا لكنه كان ممكنا فنزل هذا الامكان منزلة الوجود كما فى شرح الهندى على الكافية { من لدن حكيم خبير } صفة ثانية للكتاب صفة ثانية للكتاب وصف اولا بجلالة الشان من حيث الذات ثم وصف من حيث الاضافة. ولدن بمعنى عند لكنها مختصة باقرب مكان وعند للبعيد والقريب ولهذا تقول عندى كذا لما تملكه حضرك او غاب عنك ولا تقول لدى كذا الا لما هو بحضرتك. والحكيم الخبير هو اللّه تعالى حكيم فيما انزل خبير بمن اقبل على امره واعرض عنه ٢ { ان لا تعبدوا الا اللّه } مفعول له حذف منه اللام مع فقدان الشرط اعنى كونه فعلا لفاعل الفعل المعلل بناء على القياس المطرد فى حذف حر الجر مع ان المصدرية كأنه قيل كتاب احكمت آياته ثم فصلت لاجل ان لا تعبدوا الا اللّه اى تتركوا يا اهل مكة عبادة غير اللّه وتتمخصوا فى عبادته دل على ان لا مقصود من هذا الكتاب لشريف الا هذا الحر الواحد فكل من صرف عمره الى سائر المطالب فقد خاب وخسر { انى لكم منه نذير وبشير } كلام على لسان الرسول صلى اللّه تعالى عليه وسلم. قوله منه اما حال من نذير وبشير اى كائنا من جهة اللّه تعالى او متعلق بنذير اى أنذركم من عذابه ان كفرتم اى بقيتم على الكفر وعبادة غير اللّه تعالى وابشركم بثوابه ان امنتم وتقديم النذير لان التخويف هو الاهم اذ التخلية قبل التحلية ٣ { وان استغفروا ربكم } عطف على الا تعبدوا سواء كان نهيا او نفيا وان مصدرية وسوغ سيبويه ان توصل ان بالامر والنهى لان الامر والنهى دالان على المصدر دلالة غيرهما من الافعال والاستغفار طلب المغفرة وهي ان يستر على العبد ذنوبه فى الدنيا ويتجاوز عن عقوبته فى العقبى { ثم توبوا اليه } ثم اخلصوا التوبة واستقيموا عليها كما فى بحر العلوم للسمرقندى وقال فى الارشاد المعنى فعل ما فعل من الاحكام والتفصيل لتخصوا اللّه بالعبادة وتطلبوا منه ستر ما فرط منكم من الشرك ثم ترجعوا اليه بالطاعة انتهى فثم ايضا على بابها فى الدلالة على التراخى الزمانى ويجوز ان يكون ثم لثفاوت ما بين الامرين وبعد المنزلة بينهما من غير اعتبار تعقيب وتراح فان بين التوبة وهى انقطاع العبد اليه بالكلية وبين طلب المغفرة بونا بعيدا كذا ذكره الرضى قال الفراء ثم ههنا بعد الواو لان الاستغفار توبة انتهى يقول الفقير فرقوا بينهما كما قال الحدادى عند قوله تعالى { ومن يعمل سوأ او يظلم ثم يستغفر اللّه } اى بالتوبة الصادقة وشرطت التوبة لان الاستغفار لا يكون توبة بالاجماع ما لم يقل معه تبت واسات ولا اعود ليه ابدا فاغفر لى يا رب { يمتعكم متاعا حسنا } انتصابه على انه مصدر بمعنى تمتيعا حذف منه الزوائد. والتمتيع جعل الشخص متمتعا منتفعا بشيء. والمعنى يعيشكم عيشا مرضيا لا يفوتكم فيه شيء مما تشتهون ولا ينغصه شيء من المكدرات { الى اجل مسمى } الى آخر الاعمار المقدرة وتموتوا على فرشكم -كما حكى- ان اللّه تعالى اوحى الى موسى عليه السلام قل لفرعون ان آمنت باللّه وحده عمرك فى ملكك وردك شابا طريا فمنعه هامان وقال انا اردك شابا طريا فاتاه بالوسمة فخضب لحيته وهو اول من خضب بالسواد جراما وقال العتبى اصل الا متاع الا طالة فيقال جبل ماتع وقد متع النهار اذا طال. والمعنى لا يهلككم بعذاب الاستئصال الى آخر ايام الدنيا وههنا سؤالان. الاول ان قوله عليه السلام ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) وقوله ( وخص البلاء بالانبياء ثم الاولياء ثم الامثل فالامثل ) ونحوهما يدل على ان نصيب المطيع عدم الراحة فى الدنيا فكيف يكون فى امن وسعة الى حين الموت. والجواب ان من ربط قلبه باللّه ورضى بما قضاه اللّه فى حقه حيى حياة طيبة ولذا قال بعضهم متاعا حسنا [ رضاست برانجه هست ازنعمت وصبر برانجه رونمايد ازسخت ] ومن ربط قلبه بالاسباب كان ايدا فى الم الخوف من فوات محبوبه فيتغص عيشه ويضطرب قلبه وكون الدنيا سجنا انما هو بالاضافة الى ما اعد للمؤمن من نعيم الآخرة وهو لا ينافى لراحة فى الجملة -كما حكى- انه كان قاض من اهل بغداد مارا بزقاق كلخان مع خدمه وحشمه كالوزير فطلع الكلخانى فى صورة جهنمى رث الهيئة كان القطران ان يقطر من جوانبه فاخذ بلجام بغلة القاضى فقال ايد اللّه القاضى ما معنى قول نبيكم ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) اما ترى فى الدنيا جنة لك وانت مؤمن محمدى والدنيا سجن لى وانا كافر يهودى فقال القاضى الدنيا وما ترى من زينتها وحشمتها سجن للمؤمنين بالنسبة الى الجنة وما اعد لهم فيها من الدرجات وجنة للكافرين بالنسبة الى جهنم وما اعد لهم فيها من الدركات فعقل اليهودى فاسلم واخلص. والثانى ان قوله تعالى { الى اجل مسمى } يدل على ان للعبد اجلين كما قال الكعبى ان للمقتول اجلين اجل القتل واجل الموت وان المقتول لو لم يقتل لعاش الى اجله الذى هو اجل الموت وكما قال الفلاسفة ان للحيوان اجلا طبيعيا هو وقت موته لتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزتين واجلا اختراميا بحسب الآفات والامراض. والجواب ان الاجل واحد عند اهل السنة والجماعة فان الارزاق والاعمار وان كانت متعلقة بالاعمال كالاستغفار والتوبة فى هذ الآية وكالصلة فى قوله ( صلة الرحم تزيد العمر ) لكنها مسماة بالاضافة فى كل احد بناء على علم اللّه باشتغاله بما يزيد فى العمر من القرب فلا يثبت تعدد الاجل { ويؤت كل ذى فضل } فى الاعمال والاخلاق والكمالات { فضله } والضمير راجع الى كل اى جزاء فضله من الثواب والدرجات العالية ولا يبخس منه قال سعيد بن جبير فى هذه الآية من عمل حسنة كتب له عشر حسنات ومن عمل سيئة كتب عليه سيئة واحدة فان لم يعاقب بها فى الدنيا اخذ من العشرة واحدة وبقيت له تسع حسنات وجورجانى كفته كه ذو فضل آنست كه دردريوان ازل بنام اونشان فضل نوشته باشند وهر آينه بعد از وجود بدان شرف خواهد رسيد أنراكه بدادندا زو بازنكيرند { وان تولوا } اى تتولوا او تعرضوا عما القى اليكم من التوحيد والاستغفار والتوبة وتستمروا على الاعراض وانما اخر عن البشارة جريا على سنن تقدم الرحمة على اغضب { فانى اخاف عليكم } بموجب الشفقة والرحمة او اتوقع { عذاب يوم كبير } شاق وهو يوم القيامة قال فى التبيان وهو بكير لما فيه من الاهوال فوصف بوصف ما يكون فيه ٤ { الى اللّه مرجعكم } اى رجوعكم بالموت ثم بالبعث للجزاء فى مثل ذلك اليوم لا الى غيره وهو شاذ عن القياس لان المصدر الميمى من باب ضرب قياسه ان يجيئ بفتح اعين وهو لا يمنع الفصاحة نحو ويابى اللّه { وهو على كل شيء قدير } فيقدر على تعذيبكم اذ من جملة مقدوراته العذاب والثواب واعلم ان الآية تدل على فضل التوحيد وشرف الاستغفار الا يرى ان الموحد المستغفر كيف ينال العيش الطيب فى الدنيا والدرجات العالية فى العقبى فهما مفتاح سعادة الدارين وفى الحديث ( لا اله الا اللّه ثمن الجنة ) وخبر آخر ( مفتاح الجنة ) وفى الخبر ( قال آدم يا رب انك سلطت على ابليس ولا استطيع ان امتنع منه الا بك قال اللّه تعالى لا يولد لك ولد الا وكلت عليه من يحفظه من مكر ابليس ومن قرناء السوء قال يا رب زندى قال الحسنة عشر وازيد والسيئة واحدة وامحوها قال يا رب زدنى قال التوبة مقبولة مادام الروح فى الجسد قال يا رب زندى قال اللّه تعالى قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم ) ثم الاستغفار لا يختص بكونه من الذنوب بل يكون من العبادة التى لا يؤتى بها على الوجه اللائق كما قال بعضهم ان الصحابة كانوا يستغفرون من عبادتهم استقلالا لها وما يقع فيها : قال العرفى مالب آلوده بهر توبه بكشاييم ليك ... بانك عصيان ميزند ناقوس استغفارا ما وفى التأويلات النجمية قوله { الر } يشير بالالف الى اللّه وباللام الى جبريل وبالراء الى الرسول { كتاب احكمت آياته } يعنى القرآن والحكمة هى الحقائق والمعانى والاسرار التى ادرجت فى آياته { ثم فصلت } اى بينت لقلوب العارفين تلك الحقائق والحكم { من لدن حكيم } اودع فيها الحكمة البالغة التى لا يقدر غيره على ايداعها فيها وهذا سر من اسرار اعجاز القرآن { خبير } على تعليمها من لدنه لمن يشاء من عباده كقوله { فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما } يشير الى ان للقرآن ظهرا يطلع عليه اهل اللغة وبطنا لا يطلع عليه الا ارباب القلوب الذين اكرمهم اللّه بالعلم اللدنى ورأس الحكمة وسرها ان تقول يا محمد لامتك امرتم { ان لا تعبدوا الا اللّه } اى لا تعبدوا الشيطان ولا الدنيا ولا الهوى ولا ما سوى اللّه تعالى { اننى لكم منه نذير } انذركم بالقطيعة من اللّه تعالى ان تعبدوا وتطيعوا وتحبوا غيره وعذاب العبد فى الجحيم { وبشير } ابشركم ان تعبدوه وتطيعوه وتحبوه بالوصول ونعم الوصال فى دار الجلال وكان النبى عليه السلام مخصوصا بالدعوة الى اللّه من بين الانبياء والمرسلين يدل على قوله { يا ايها النبى انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى اللّه باذنه } فيما فرطتم من ايام عمركم فى طلب غير اللّه وترك طلبه وتحصيل الحجب وابطال الاستعداد الفطرى ليكون الاستغفار تزكية لنفوسكم وتصفية لقلوبكم { ثم توبوا اليه } ارجعوا بقدم السلوك الى اللّه تعالى لتكون التوبة تحلية لكم بعد التزكية بالاستغفار وهى قوله { يمتعكم متاعا حسنا } وهو الترقى فى المقامات من السفليات الى العلويات الى حضرة العلى الكبير { الى اجل مسمى } وهو انقضاء مقامات السلوك وابتداء درجات الوصول { ويؤت كل ذى فضل } ذى صدق واجتهاد فى الطلب { فضله } فى درجات الوصول فان المشاهدات بقدر المجاهدات { وان تولوا } تعرضوا عن الطلب والسير الى اللّه { ف } قل { انى اخاف عليكم عذاب يوم كبير } عذاب يوم الانقطاع عن اللّه الكبير فانه اكبر الكبائر وعذابه اعظم المصائب { الى اللّه مرجعكم } طوعا او كرها فان كان بالطوع يتقرب اليكم بجذبات العنايات كما قال { من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا } وان كان بالكره تسحبون فى النار على وجوهكم { وهو على كل شيء } من اللطف والقهر { قدير } ٥ { ألا } اى تنبهوا ايها المؤمنون { انهم } اى مشتركى مكة { يثنون صدورهم } من ثنى يثنى اى عطف وصرف. والمعنى يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والاعراص عن الحق وعداوة النبى صلى اللّه تعالى عليه وسلم بحيث يكون ذلك مخفيا مستورا فيها كما تعطف الثياب على ما فيها من الاشياء المستورة { ليستخفوا منه } الاستخفاء الاستتار اى ليختفوا ويستتروا من اللّه تعالى لجهلهم بما لا يجوز على اللّه تعالى -روى- عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انها نزلت فى اخنس بن شريق الزهرى وكان رجلا حلو المنطق حسن السياق للحديث يظهر لنا رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم المحبة ويضمر فى قلبه ما يضادها وقال ابن شداد انها نزلت فى بعض المنافقين كان اذا مر برسول اللّه ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلا يراه النبى عليه السلام فكأنه انما كان يصنع ما يصنع لانه لو راه النبى عليه السلام لم يمكنه التخلف عن حضور مجلسه والمصاحبة معه وربما يؤدى ذلك الى ظهور ما فى قلبه من الكفر والنفاق فان قلت الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة قلت لك ان تمنع ذلك بل ظهوره انما كان فيها ولو سلم فليكن هذا من باب الاخبار عن الغيب وهو من جملة المعجزات { الا حين يستغشون ثيابهم } اى يتغطون بها للاستخفاء على ما نقل عن ابن شداد وحين ياوون الى فراشهم ويتدثرون ثيابهم وكان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخى ستره ويحنى ظهره ويتغشى ثوبه ويقول هل يعلم اللّه ما فى قلبى قال فى الكواشى حين توقيت للتغطى لا للعلم انتهى اى لئلا يلزم تقييد علمه تعالى بسرهم وعلنهم بهذا الوقت الخاص وهو تعالى عالم بذلك فى كل وقت. والجواب انه تعالى اذا علم سرهم وعلنهم فى وقت التغشية الذى يخفى فيه السر فاولى ان يعلم ذلك فى غيره وهذا بحسب العادة والا فاللّه تعالى لا يتفاوت علمه بتفاوت احوال الخلق { يعلم ما يسرون } اى يضمرون فى قلوبهم { وما يعلنون } بافواههم وما مصدرية اى اسرارهم واعلانهم او بمعنى الذى والعائد محذوف وقدم السر على العلن لان مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن اذ ما من شيء يعلن لا وهو او مباديه قبل ذلك مضمر فى القلب فتعلق علمه سبحانه بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية { انه } اى اللّه تعالى { عليم بذات الصدور } مبالغ فى الاحاطة بمضمرات جميع الناس واسرارهم الخفية المستكنة فى صدورهم بحيث لا تفارقها اصلا فكيف يخفى على ما يسرون وما يعلنون اى كه دردل نهان كنى سرى ... آنكه دل آفريد ميداند ومعنى الآية ان الذين اضمروا الكفر والعداوة لا يخفون علينا وسنجازيهم على ما ابطنوا من سوء اعمالهم حق جزائهم فحقه ان يتقى ويحذر ولا يجترئ على شيء مما يخالف رضاه صورت ظاهر ندارد اعتبار ... باطنى بايد مبرا از غبار واعلم ان اصلاح القلب اهم من كل شيء اذ هو كالملك المطاع فى اقليم البدن لنافذ الحكم وظاهر الاعضاء كالرعية والخدم له والنفاق صفة من صفاته المذمومة وهو عدم موافقة الظاهر للباطن والقول للفعل وقل ناس لابن عمر انا لندخل الى سلطاننا وامرائنا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم اذا خرجنا من عندهم فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم وقال حذيفة ان المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول اللّه قالوا وكيف ذلك قال كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون هركه سازد نفاق بيشه خويش ... خوار كردد بنزد خالق وخلق ومن آفات القلب العداوة وعن على رضى اللّه عنه انه قال العداوة شغل هركه بيشه كند عداوت خلق ... از همه خيرهاجدا كردد كه دلش خسته عنا باشد ... كه تنش بسته بلا كردد وفى هذا المعنى قال حضرة الشيخ السعدى قدس سره دلم خانه مهر يارست وبس ... ازان جانكنجد درو كين كس وفى الآية اشارة الى حال اهل الانكار فان كفار الشريعة كانوا يتغطون بثيابهم لئلا يسمعوا القرآن وكلام رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم وكذا كفار الحقيقة لا يصغون الى ذكر الصوفية بالجهر ولا يقبلون على استماع اسرار المشايخ وحقائق القرآن بل يثنون صدورهم ويظنون ان اللّه تعالى لا يعلم سرهم ونجواهم ولا يجازيهم على اعراضهم عن الحق وعداوتهم لاهله تم الجزء الحادى عشر فى الثامن عشر من ذى القعدة من سنة اثنتين ومائة الف ٦ { وما } نافية { من } صلة { دابة } عام لكل حيوان يحتاج الى الرزق صغيرا كان او كبيرا ذكرا او انثى سليما او معيبا طائرا او غيره لان الطير يدب اى يتحرك على رجليه فى بعض حالاته { فى الارض } متعلق بمحذوف هو صفة لدابة اى ما فرد من افراد الدواب يستقر فى قطر من اقطار الارض { الا على اللّه رزقها } غذاؤها ومعاشها اللائق لتكفله اياه تفضلا ورحمة قال فى التبيان هو ايجاب كرم لا وجوب حق انتهى لانه لا حق للمخلوق على الخالق ولذا قال فى الجامع الصغير يكره ان يقول الرجل فى دعائه بحق نبيك او بيتك او عرشك او نحوه الا ان يحمل على معنى الحرمة كما فى شرح الطريقة وقال فى بحر العلوم انما قال علىللّه بلفظ الوجوب دلالة على ان التفضل رجع واجبا كنذور العباد وقال غيره اتى بلفظ الوجوب مع ان اللّه تعالى لا يجب عليه شيء عند اهل السنة والجماعة اعتبارا لسبق الوعد وتحقيقا لوصوله اليها البتة وحملا للمكلفين على الثقة به تعالى فى شان الرزق والاعراض عن اتعاب النفس فى طلبه ففى كلمة على هنا استعارة تبعية شبه ايصال اللّه رزق كل حيوان اليه تفضلا واحسانا على ما وعده بايصال من يوصله وجوبا فى انتفاء التخلف فاستعملت كلمة على [ وكفته اند بمعى من است يعنى روزى همه از خداست يا بمعنى الى يعنى روزى مفوض بخذاى تعالى است اكر خواهد بسط كند واكر اراده نمايد قبض كند ] { ويعلم مستقرها ومستودعها } يحتمل وجوها الاول ما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان مساقرها المكان الذى تاوى ليه ليلا او نهارا او تستقر فيه وتستكن ومستودعها الموضع الذى تدفن فيه اذا ماتت بلا اختيار منها كالشيء المستودع قال عبد اللّه اذا كان مدفن الرجل بارض ادته الحاجة اليها حتى اذا كان عند انقضاء امره قبض فتقول الارض يوم القيامة هذا ما استودعتنى والثانى مستقرها محل قرارها فى اصلاب الآباء ومستودعها موضعها فى الارحام وما يجرى مجراها من البيض ونحوه وسميت الارحام مستودعا لانها يوضع فيها من قبل شخص خر بخلاف وضعها فى الاصلاب فان النطفة بالنسبة الى الاصلاب فى حيزها الطبيعى ومنشأها الخلقى والثالث مستقرها مكانها من الارض حين وجودها بالفعل ومستودعها حيث تكون مودعة فيه قبل وجودها بالفعل من صلب او رحم او بيضة ولعل تقديم محلها باعتبار حالتها الاخيرة لرعاية المناسبة بينها وبين عنوان كونها دابة فى الارض والرابع مستقرها فى العدم يعلم انه كيف قدرها مستعدة لقبول تلك الصورة المختصة بها ومستودعها لغرض تؤول اليه عند استكمال صورتها. وايضا يعلم مستقر روح الانسان خاصة فى عالم الارواح لانهم كانوا فى اربعة صفوف كما فى الصف الاول ارواح الانبياء وارواح خواص الاولياء وفى الصف الثانى ارواح الاولياء وارواح خواص المؤمنين وفى الصف الثالث ارواح المؤمنين والمسلمين وفى الصف الرابع ارواح الكفار والمنافقين ويعلم مستودع روحه عند استكمال مرتبة كل نفس منهم من دركات النيران ودرجات الجنان الى مقعد صدق عند مليكة مقتدر { كل } اى كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها { فى كتاب مبين } اى مثبت فى اللوح المحفوظ البين لمن ينظر فيه من الملائكة او المظهر لما ثبت فيه للناظرين وفى التأويلات النجمية { فى كتاب مبين } اى عنده فى ام الكتاب الذى لا تغير فيه من المحو والاثبات انتهى وقد اتفقوا علىن اربعة اشياء لا تقبل التغير اصلا وهى العمر والرزق والاجل او الشقاوة فعلى العاقل ان لا يهتم لاجل رزقه ويتوكل على اللّه فانه حسبه مكن سعديا ديده بردست كس ... كه بخشنده بروردكارست وبس اكر حق برستى زدرها بست ... كه كروى براند نخواند كست -روى- ان موسى عليه السلام عند نزول الوحى عليه بالذهاب الى فرعون للدعوة الى الايمان تعلق قلبه باحوال اهله قائلا يا رب من يقوم بامر عيالى فامره اللّه تعالى ان يضرب بعصاه صخرة فضربها فانشقت وخرجت منها صخرة ثالثة ثم ضربها بعصاه فخرجت منها دودة وفى فمها شيء يجرى مجرى الغذاء لها ورفع الحجاب عن سمع موسى فسمع الدودة تقول سبحان من يرانى ويسمع كلامى ويعرف مكانى ويذكرنى ولا ينسانى وعن انس رضى اللّه عنه قال خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم يوما الى المفازة فى حاجة لنا فرأينا طيرا يلحن بصوت جهورى فقال عليه السلام ( أتدرى ما يقول هذا الطير يا انس ) قلت اللّه ورسوله اعلم بذلك قال ( انه يقول يا رب اذهب بصرى وخلقتنى اعمى فارزقنى فانى جائع ) قال انس فبينما نحن ننظر اليه اذا جاء طائر آخر هو الجراد ودخل فى فم الطائر فابتلعه ثم رفع الطائر صوته وجعل يلحن فقال عليه السلام ( أتدرى ما يقول الطير يا انس ) قلت اللّه ورسوله اعلم قال ( انه يقول الحمد للّه الذى لم ينس من ذكره ) وفى رواية ( من توكل على اللّه كفاه ) كما فى انسان العيون قيل كان مكتوبا على سيف الحسين بن عى رضى اللّه عنه اربع كلمات. الرزق مقسوم. والحريص محروم. والبخيل مذموم. والحاسد مغموم وفى الحديث ( من جاع واحتاج وكتمه عن الناس وافضى به الى اللّه تعالى كان حقا على اللّه ان يفتح له رزق سنة ) كما فى روضة العلماء. وحقيقة التوكل فى الرزق وغيره عند المشايخ الانقطاع عن الاسباب بالكلية ثقة باللّه تعالى. وهذا لاهل الخصوص فاما اهل العموم فلا بد لهم من التسبب : كما قال فى المثنوى كر توكل مكنى در كار كن ... كسب كن بس تكيه برجبار كن ثم رزق الانسان يعد جسده وغذاء روحه : وفى المثنوى اين دوهان بستى دهانى باز شد ... كو خورنده لقمهاى راز شد كرز شيرديو تن را وا برى ... درفطام او بسى نعمت خورى ٧ { وهو الذى خلق السموات } السبع. السماء الدنيا وهو فلك القمر من الموج المكفوف المجتمع وهو مقر ارواح المؤمنين. والسماء الثانية وهو فلك عطارد من درة بيضاء وهو مقر ارواع العباد. والسماء الثالثة وهو فلك الزهرة من الحديد وهو مقر ارواح الزهاد. والسماء الرابعة وهو فلك الشمس من الصفر وهو مقام ارواح اهل المعرفة. والسماء الخامسة وهو فلك المريخ من النحاس وهو مقام ارواح الانبياء. وهو فلك المشترى من الفضة وهو مقام ارواح الانبياء. والسابعة وهو فلك زحل من الذهب وهو مقام ارواح الرسل وفوق هذه السموات الفلك الثامن وهو فلك الثوابت ويقال له الكرسى وهو مقام ارواح اولى العزم من الرسل وفوقه عرش الرحمن وهو مقام روح خاتم النبيين صلوات اللّه وسلامه عليهم اجمعين وجمع السموات لاختلاف العلويات اصلا كما ذكرنا وذاتا لانها سبع طبقات بين كل اثنين منها مسيرة خمسمائة على ما ورد فى الخبر وكذا ما بين السابعة والكرسى وبين الكرسى والعرش على ما نقل عن ابن مسعود رضى اللّه عنهما قدم السموات لانها منشاة احكامه تعالى ومصدر قضاياه ومتنزل اوامره ونواهيه وارزاقه ووعده ووعيده فان يؤمرون به وينهون عنه وما يرزقونه فى الدنيا وما يوعدونه فى العقبى كله مقدر مكتوب فى السماء ولانها وما فيها من الآثار العلويات اظهر دلالة على القدرة الباهرة وابين شهادة على الكبرياء والعظمة { والارض } اى الارضين السبع بدليل قوله السموات وافردت فان السفليات واحدة بالاصل والذات وقوله تعالى { ومن الارض مثلهن } اول بالاقاليم السبعة كما فى حواشى سعدى المفتى وبين المشرق والمغرب خمسمائة عام كما بين السماء والارض واكثر الارض مفازة وجبل وبحار والقليل منها العمران ثم اكثر العمران اهل الكفر والقليل منها اهل الايمان والاسلام واكثر اهل الاسلام اهل البدع والاهواء وكلها على الضلالة والباطل والقليل منهم على الحق وهم اهل السنة والجماعة وحول الدنيا ظلمة ثم وراء الظلمة جبل قاف وهو جبل محيط بالدنيا من زمردة خضراء واطراف السماء ملتصقة به ووسط الارض كلها عامرها وخرابها قبة الارض وهو مكان تعتدل فيه الازمان فى الحر والبرد ويستوى فيه الليل والنهار ابدا لا يزيد احدهما على الآخر ولا ينقص واما الكعبة فهى وسط الارض المسكونة وارفع الارضين كلها الى السماء مهبط آدم عليه السلام بارض الهند وهو جبل عال يراه البحريون من مسافة ايام وفيه اثر قدم ىدم مغموسة فى الحجر ويرى علىهذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا بد له فى كل يوم من مطر يغسل قدمى آدم وذروة هذا الجبل اقرب ذرى جبال الارض الى السماء كما فى انسان العيون { فى ستة ايام } السموات فى يومين والارض فى يومين وما عليها من انواع الحيوان والنباتات وغير ذلك فى يومين حسبما قيل فى سورة حم السجدة ولم يذكر خلق ما فى الارض لكونه من تتمات خلقها. والمراد فى ستة اوقات على ان يكون المراد باليوم يوم الشان وهو الآن وهو الزمان الفرد الغير المنقسم وقد مر تحقيقه او فى مقدار ستة ايام من الدنيا اولها يوم الاحد وآخرها يوم الجمعة فان الايام فى المتعارف زمان كون الشمس فوق الارض ولا يتصور ذلك حين لا ارض ولا سماء او من ايام الآخرة كل يوم كالف سنة مما تعدون على ما نقل عن ابن عباس رضى اللّه عنهما وفى خلقها على التدريج مع انه لو شاء لكان ذلك فى اقل من لمح البصر حث على التأنى فى الامور ولعل تخصيص ذلك بالعدد المعين باعتبار صناف الخلق من الجماد والمعدن والنبات والحيوان والانسان والارواح { وكان عرشه } العرش فى اصل اللغة السرير والعرش المضاف اليه تعالى عبارة عن مخلوق عظيم موجود هو اعظم المخلوقات قال مقاتل جعل اللّه تعالى للعرش اربعة اركان بين كل ركن وركن وجوه لا يعلم عددها الا اللّه تعالى اكثر من نجوم السماء وتراب الارض وورق الشجر ليس لطوله وعرضه منتهى لا يعلمه احد الا اللّه تعالى فان قيل لم خلق اللّه تعالى العرش وهو سبحانه لا حاجة له به اجيب بوجوده احدهما موضع خدمة ملائكته لقوله تعالى { وترى الملائكة حافين من حول العرش } وثانيها انه اراد اظهار قدرته وعظمته كما قال مقاتل السموات والارض فى عظم الكرسى كحلقة فى فلاة والكرسى مع السموات والارض فى عظم العرش كحلقة فى فلاة وكلها فى جنب عظمة اللّه تعالى كذرة فى جنب الدنيا فخلقه كذلك ليعلم ان خالقه اعظم منه. وثالثها انه خلق العرش ارشادا لعباده الى طريق دعوته ليدعوه من الفوق لقوله تعالى { يخافون ربهم من فوقهم } ورابعها انه خلقه لاظهار شرف محمد صلى اللّه تعالى عليه وسلم وهو قوله تعالى { عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا } وهو مقام تحت العرش. وخامسها انه جعله معدن كتاب الابرار لقوله تعالى { ان كتاب الابرار لفى عليين } وفيه تعظيم لهم ولكتابهم. وسادسها انه جعله مرآة الملائكة يرون الآدميين واحوالهم كى يشهجوا عليهم يوم القيامة لان عالم المثال والتمثال فى العرش كالاطلس فى الكرسى. وسابعها انه جعله مستوى الاسم الرحمن اى محل الفيض والتجلى والايجاد الاحدى كما جعل الشرع الذى هو مقلوبه مستوى الامر التكليفى الارشادى لا مستوى نفسه تعالى عن ذلك { على الماء } اى العذب كما فى انسان العيون قال كعب الاحبار اصله ياقوتة خضراء فنظر اليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة اللّه تعالى فلذلك يرتعد الماء الى الآن وان كان ساكنا ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها اى ظهرها ثم وضع العرش على الماء وليس ذلك على معنى كون احدهما على الآخر ملتصقا بالآخر بل ممسك بقدرته كما فى فتح القريب قال الاصم هذا كقولهم السماء على الارض وليس ذلك على سبيل كون احداهما ملتصقة بالاخرى فالمعنى وكان عرشه تعالى قبل خلق السموات والارض على الماء لم يكن حائل محسوس بينهما وانما فلنا محسوس فان بين السماء والارض حائلا هو الهواء لكن ما لم يكن محسوسا لم يعد حائلا وفيه دليل على ان العرش والماء خلقا قبل السموات والارض والجمهور على ان اول ما خلق اللّه من الاجسام هو العرش ومن الارواح الروح المحمدى الذى يقال له العقل الاول والفلك الاعلى ايضا. وفيه دليل ايضا على امكان الخلاء فان الخلاء هو الفراغ الكائن بين الجسمين اللذين لا يتماسان وليس بينهما ما يماسهما فاذا لم يكن بين العرش والماء حائل يثبت الخلاء والحكماء ذاهبون الى امتناع الخلاء والمتكلمون الى امكانه قال فى كتب الهيئة مقعر سطح الفلك الاعظم يماس محدب فلك الثوابت ومحدبه لا يماس شيأ اذ ليس وراءه شيء لاخلاء ولا ملاء بل عنده ينقطع امتدادات العالم كلها. وقيل من ورائه افلاك من انوار غير متناهية ولا قائل بالخلاء فيما تحت الفلك الاعظم بل هو الملاء وقال المولى ابو السعود رحمه اللّه وكان عرشه قبل خلقهما على الماء ليس تحته شيء غير سواه كان بينهما فرجة او كان موضوعا على متنه كما ورد فى الاثر فلا دلالة فيه على امكان الخلاء كيف لا ولو دل لدل على وجوده لا على امكانه فقط ولا على كون الماء اول ما حدث فى العالم بعد العرش وانما يدل على ان خلقهما اقدم من خلق السموات والارض من غير تعرض للنسبة بينهما انتهى قال الكاشفى [ دروقوف عرش برآب واستقرار آب برباد اعتبار عظيم است مر اهل تفكررا از عباد ] { ليبلوكم } متعلق بخلق واللام العلة عقلا ولام الحكمة والمصلحة شرعا بمعنى ان اللّه تعالى فعل فعلا لو كان يفعله من يراعى المصالح لم يفعله الا لتلك المصلحة اى خلق السموات والارض وما فيهما من المخلوقات التى من جملتها انتم ورتب فيهما جميع ما تحتاجون اليه من مبادى وجودكم واسباب معايشكم واودع فى تضاعيفهما من اعاجيب الصنائع والعبر وما تستدلون به على مطالبكم الدينية ليعاملكم معاملة من يبتليكم ويمتحنكم { ايكم احسن عملا } فيجازيكم بالثواب والعقاب بعد ما تبين المحسن من المسيء فان قلت الاختبار يعلق بجميع العباد. محسنين كانوا او مسيئين واحسن عملا يخصصه بالمحسنين منهم لان العمل الاحسن يخص بالمحسنين ولا يتحقق فى اهل القبائح فيلزم ان يعتبر عموم الابتلاء وخصوصه معا وهما متنافيان قلت الابتلاء وان كان يعم الفرق المكلفين الا ان المراد خصوصه بالمحسنين تنبيها على ان المقصود الاقصى من خلق المخلوقات ان يتوسلوا باحسن الاعمال الى اجل المثوبات وتحريضا لهم على ترك القبائح والمنكرات والمراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك فسره عليه السلام بقوله ( ايكم احسن عقلا واورع عن محارم اللّه واسرع فى طاعة اللّه ) فان لكل من القلب والقالب عملا مخصوصا به فكما ان الاول اشرف من الثانى فكذ الحال فى عمله فكيف لا ولا عمل بدون معرفة اللّه تعالى الواجبة على العباد وانما طريقها النظرى التفكر فى عجائب صنعه ولا طاعة بدون فهم الاوامر والنواهى. وقد روى عن النبى عليه السلام انه قال ( لا تفضلونى على يونس بن متى فانه كان يرفع له كل يوم مثل عمل اهل الارض ) قالوا وانما كان ذلك التفكر فى امر اللّه تعالى الذى هو عمل القلب لان احدا لا يقدر على ان يعمل فى اليوم بجوارحه مثل عمل اهل الارض واما ذات اللّه تعالى فلا يسعها التفكر : وفى المثنوى بى تعلق نيست مخلوقى بدو ... آن تعلق هست بيجون اى عمو اين تعلق را خرد جون ره برد ... بسته فصلست ووصلست اين خرد زين وصيت كرد مارا مصطفى ... بحث كم جوئيد در ذات خدا آنكه درذاتش تفكر كرد نيست ... در حقيقت آن نظر در ذات نيست هست آن بندار او وزيرا براه ... صد هزاران برده آمد تاله وفى التأويلات النجمية الابتلاء على قسمين. قسم للسعداء وهو بلاء حسن وذلك ان السعيد لا يجعل المكونات مطلبه ومقصده الاصلى بل يجعل ذلك حضرة المولى والرفيق الاعلى ويجعل ما سوى المولى باذن مولاه وامره ونهيه وسيلة الى القربات وتحصيل الكمالات فهو احسن عملا. وقسم للاشقياء وهو بلاء سيء وذلك ان الشقى يجعل المكونات مطلبه ومقصده الاصلى ويتقيد بشهواتها ولذاتها ولم يتخلص من نار الحرص عليها والحسرة على فواتها ويجعل ما انعم اللّه عليه من الطاعات والعلوم التى هى ذريعة الى الدرجات والقربات وسيلة الى نيل مقاصده الفانية واستيفاء شهواته النفسانية فهو اسوء عملا انتهى قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة فى بعض تحريراته نية الانسان لا تخلو اما ان يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيء نية وعملا واما ان يكون متعلقها فى لسانه هو الآخرة وفى جنانه هو الدنيا فهو اسوأ نية وعملا واما ان يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا واما ان يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو وجه اللّه تعالى فهو احسن نية وعملا فالاول حال الكفار والثانى حال المنافقين والثالث حال الابرار والرابع حال المقربين وقد اشار الحق سبحانه الى احوال المقربين عبارة والى احوال غيرهم اشارة فى قوله تعالى { انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا } انتهى باجمال : قال الحافظ صحبت خورنخواهم بودعين قصور ... باخيال تو اكر باد كرى بر دازم اللّهم اجعلنا من الفارين اليك والحاضرين لديك { ولئن قلت } يا محمد لقومك وهم اهل مكة واللام لام التوطئة للقسم {انكم } ايها المكلفون { مبعوثون من بعد الموت } يعنى يوم القيامة { ليقولن الذين كفروا } منهم وهو جواب القسم وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه { ان هذا } ما هذا القرآن الناطق بالبعث { الا سحر مبين } اى مثله فى البطلان فان السحر لا شك تمويه وتخييل باطل اذا جعلوه سحرا فقد اندرج تحته انكار ما فيه من البعث وغيره ٨ { ولئن اخرنا عنهم العذاب } الموعود { الى امة معدودة } الى طائفة من الايام قليلة لان ما يحصره العد قليل { ليقولن } اى الكفار { ما يحبسه } اى اى شيء يمنع العذاب من المجيئ والنزول فكأنه يريد فيمنعه مانع وانما كانوا يقولونه بطريق الاستعجال استهزاء ومرادهم انكار المجيء والحبس رأسا لا الاعتراف به والاستفسار عن حابسه { ألا } [ بدانيد ] { يوم يأتيهم } العذاب كيوم بدر { ليس مصروفا عنهم } اى مدفوعا عنهم يعنى لا يدفعه عنكم دافع بل هو واقع بكم. ويوم منصوب بخبر ليس وهو دليل على جواز تقديم خبر ليس على ليس فانه اذا جاز تقديم معمول خبرها عليها كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها اذ المعمول تابع للعامل فلا يقع الا حيث يقع العامل { وحاق بهم } ونزل بهم واحاط وهو بمعنى يحيق فعبر عن المستقبل بلفظ الناضى تنبيها على تحقق وقوعه { وما كانوا به يستهزئون } اى العذاب الذ كانوا يستعجلون به استهزاء واعلم ان السبب الموجب للعذاب كان الاستهزاء والباعث على الاستهزاء كان الانكار التكذيب والناس صنفان فى طريق الآخرة صنف مبتاع نفسه من عذاب اللّه تعالى بالايمان والاعمال الصالحة وصنف مهلكها باتباع الهوى وترك الاعمال الصالحة والكفار امنوا من عذاب اللّه تعالى وسخطه فوقعوا فيما وقعوا من العذاب العاجل والآجل وفى الحديث القدسى ( وعزتى لا اجمع على عبدى خوفين وامنين اذا خافنى فى الدنيا آمنته يوم القيامة واذا أمننى فى الدنيا اخفته يوم القيامة ) ولشدة الامر قال الفضيل بن عياض انى لا اغبط ملكا مقربا ولا نبيا مرس ولا عبدا صالحا اليس هؤلاء يعاينون القيامة واهوالها وانما اغبط من لم يخبق لانه لا يرى احوال القيامة وشدائدها وعن السرى السقطى اشتهى ان اموت ببلدة غير بغداد مخافة ان لا يبقى قبرى فافتضح عندهم فعلى العاقل ان يتدارك امره قبل حلول الاجل كما قيل علاج واقعه بيش از وقوع بايد كرد ويخاف من ربه ويستغفر من ذنبه ويحترز عن الاصرار وفى الحديث ( المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه ) واللّه تعالى يريد من ك جزء من اجزاء الانسان ما خلقه له فمن القلب المعرفة والتوحيد ومن اللسان الشهادة والتلاوة وترك الاذية بالاستهزاء وغيره فمن ترك الوفاء بما تعهد له من استعمال كل عضو فيما خلق هو لأجله فقد تعرض لسخط اللّه تعالى وعذابه وقد استهزأ ابو جهل بالنبى عليه السلام فى بعض الاوقات حيث سار خلفه عليه السلام فجعل يخلج انفه وفمه يسخر به فاطلع عليه صلى اللّه تعالى عليه وسلم فقال له ( كن كذلك ) فكان كذلك الى ان مات لعنه اللّه واستهزأ به عليه السلام عتبة بن ابى معيط بصق فى وجهه فعاد بصاقه على وجهه وصار برصا ومر عليه السلام بجماعة من كفار اهل مكة فجعلوا يغمزون فى قفاه ويقولون هذا يزعم انه نبى وكان معه عليه السلام جبريل فغمز جبريل باصبعه فى اجسادهم فصاروا جروحا وانتنت فلم يستطع احد ان يدنو منهم حتى ماتوا وقس عليه التعرض لاهل الحق بشيء مكروه كما يفعله اهل الانكار فى حق سادات الصوفية ولا يدرون انه يوجب المقت وربما يبتلى احدهم بمرض هائل فى بدنه وهو غافل عن سببه وجهة نزوله به وكل عمل لا بد وان يصل جزاؤه الى عامله فى الحال ولكن لا يرى فى الدنيا بعين اليقين وانما يرى فى الآخرة اذا قيل له فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدا ألا ترى ان عذاب البعد الواقع لاهل الغفلة الحجاب ولكن ما ذاقوا ألمه لانهم نيام فاذا ماتوا انتبهوا وذاقوا ذلك حسا ولئن قلت للاشقياء موتوا عن الطبيعة باستعمال الشريعة ومزاولة الطريقة لتحيوا بالحقيقة فان الحياة الحقيقة تكون بعد الموت عن الحياة الطبيعية ليقولن الذى ستروا حسن استعدادهم الفطرى بتعلق المكونات ومحبتها وهم الاشقياء ان هذا الا كلام مموه لا اصل له كما فى التأويلات النجمية : قال السعدى بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكر هيج كس رانيا يد بسند كه فردا بشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش وفى المثنوى منقبض كردند بعضى زين قصص ... زانكه هرمرغى جدا دارد قفص كود كان كرجه بيك مكتب درند ... در سبق هريك زيك بالاترند مرك بيش ازمرك اينست اى فتى ... اين جنين فرمود مارا مصطفى كفت وتوا كلكم من قبل ان ... يأتى الموت تموتوا بالفتن ٩ { ولئن } اللام موطئة للقسم { اذقنا الانسان منا رحمة } اى اعطيناه نعمة من صحة وامن وجدة وغيرها واوصلناها اليه بحيث يجد لذتها والمراد مطلق الانسان وجنسه الشامل للمؤمن والكافر بدلالة الاستثناء الآتى. وقوله منا حال من رحمة اى لا باستحقاق منه { ثم نزعناها منه } اى سلبنا تلك النعمة منه وأزلناها عنه وايراد النزع للاشعار بشدة تعلقه بها وحرصه عليها قال سعدى المفتى الظاهر ان من صلة نزعناها اى قلعناها منه ولا يبعد ان يقال واللّه اعلم ان من التعليل يعنى ان منشأ النزع شؤم نفسه بارتكاب معصية اللّه { انه ليئوس } شديد اليأس من ان يعود اليه مثل تلك النعمة المسلوبة قطوع رجاءه من فضل اللّه تعالى لقلة صبره وتسليمه لقضائه وعدم ثقته به وهو جواب القسم ساد مسد جواب الشرط { كفور } عظيم الكفران لما سلف له من النعم نساءله : قال السعدى فى سره سكى را لقمه كردادى فراموش ... نكردد كرزنى صد نوبتش سنك وكر عمرى نوازى سفله را ... بكمتر تندى آيد باتو درجنك ومعنى الكفر ان انكار النعمة والمعروف وستره وترك شكره وحمده وعدم الثناء على فاعله ومعطيه وفيه اشارة الى ان النزع انما كان بسبب كفرانهم ١٠ { ولئن اذقناه نعماء بعد ضراء مسته } كصحة بعد سقم وجدة بعد عدم وفرج بعد شدة اضاف سبحانه وتعالى اذاقة النعماء لى ذاته الكريمة ومس الضراء اليها لا الى ذاته الجليلة تنبيها على ان القصد الاول ايصال الخبر الى العباد تفضلا منه تعالى ورحمة ومساس الشر ليس الا لشؤم نفسه وفساد حاله مجازاة وانتقاما قال اللّه تعالى { ما اصابك من حسنة فمن اللّه وما اصابك من سيئة فمن نفسك } وهذا هو المراد من قول البيضاوى وفى اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى وفى التعبير عن ملابسة الرحمة والنعماء بالذوق الذى هو ادراك الطعم وعن ملابسة الضراء بالمس الذى هو مبدأ الوصول كانما يلاصق البشرة من يغر تأثير تنبيه على ان ما يجده الانسان فى الدنيا من النعم والمحن كالانموذج لما يجده فى الآخرة { ليقولن } الانسان { ذهب السيآت عنى } اى المكاره والمصائب التى ساءتنى اى فعلت بى ما اكره ولن يعترينى بعد امثالها فان الترقب لو ورد امثالها مما يكدر السرور وينغص العيش { انه لفرح } [ شادمانست مغروريان ] وهو اسم فاعل من فعل اللازم. والفرح اذا اطلق فى القرآن كان للذم واذا كان للمدح ياتى مقيدا بما فيه خير كقوله تعالى { فرحين بما آتيهم اللّه من فضله } كذا فى حواشى شعدى المفتى يقول الفقير يرده قوله تعالى { اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة } والظاهر ان كونه للمدح او للذم انما هو بحسب المقام والقرائن واعلم ان الفرح بالنعمة ونسيان المنعم فرح الغافلين والعطب الى هذا اقرب من السلامة والاهانة او فى من الكرامة قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة فى بعض تحريراته هو المحبوب لذاته لا لعطائه وعطاؤه محبوب لكونه محبوبا لا لنفسه ونحبه ونحب عطاءه لحبه انتهى باجمال يشير قدس سره الى الفرح باللّه تعلاى على كل حال { فخور } على الناس بما اوتى من النعم مشغول بذلك عن القيام بحقها : قال السعدى قدس سره جو منعم كند سفله رآ روزكار ... نهد بردل تنك درويش بار جوبام بلندش بودخودبرست ... كندبول وخاشاك بربام بست وقال كه اندر نعمتى مغرور وغافل ... كهى از تنك دستى خسته وريش جو درسرا وضرا حالت اينست ... ندانم كى بحق بردازى از خويش [ يعنى كى فارغ شوى از خود وبحق مشغول شوى ] ١١ { الا الذين } [ مكر آنان كه ] والاستثناء متصل { صبروا } على الضراء ايمانا بقضاء اللّه وقدره وفى الحديث ( ثلاثة لا تمسهم فتنة الدنيا والآخرة المقر بالقدر والى لا ينظر بالنجوم والمتمسك بسنتى ) ومعنى الايمان بالقدر ان يعتقد ان اللّه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق وان جميع الكائنات بقضائه وقدره وهو مريد لها واما النظر فى النجوم فقد كان حقا فى زمن ادريس عليهى السلام يدل عليه قوله تعالى خبرا عن ابراهيم عليه السلام { فنظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم } استدل بالنظر فى النجوم على انه سيسقم ثم نسخ فى زمن سليمان عليه السلام كما فى بحر الكلام وفى كتاب تعليم المتعلم على النجوم بمنزلة المرض فتعلمه حرام لانه يضر ولا ينفع والهرب من قضاء اللّه تعالى وقدره غير ممكن انتهى فينبغى ان لا يصدق اهل النجوم فيما زعموا ان الاجتماعات والاتصالات الفلكية تدل على حوادث معينة وكوائن مخصوصة فى هذا العالم قال العماد الكاتب اجمع المنجمون فى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة فى جميع البلاد على خراب اعالم فى شعبان عند اجتماع الكواكب الستة فى الميزان بطوفان الريح وخوفوا بذلك ملوك الاعاجم والروم فشرعوا فى حفر مغارات ونقلوا اليها الماء والازواد وتهيئوا فلما كانت الليلة التى عينها المنجمون للخراب بمثل ريح عاد كنا جلوسا عند السلطان والشموع تتوقد فلا تتحرك ولم نر ليلة مثلها فى ركودها ذكره الامام اليافعى وقال فى انسان لعيون اول من استخرج علم النجوم ادريس عليه السلام اى علم الحوادث التى تكون فى الارض باقتران الكواكب قال الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره وهو علم صحيح لا يخطئ فى نفسه وانما الناظر فى ذلك هو الذى يخطئ لعدم استيفائه النظر انتهى { وعملوا الصالحات } شكرا لنعمائه الظاهرة والباطنة او السالفة والانفة والعمل الصالح هو ما كان لوجه اللّه تعالى وعن عمر رضى اللّه عنه الشكر والصبر مطيتان ما باليت ايهما اركب يشير رضى اللّه عنه الى ان كل واحد من طريق الصبر والشكر موصل الى اللّه تعالى { اولئك } الموصوفون بتلك الصفات الحميدة { لهم مغفرة } عظيمة لذنوبهم وان جمت { واجر } ثواب لاعمالهم الحسن { كبير } اقله الجنة كما فى تفسير البيضاوى وهو الجنة كما فى الكواشى قال سعدى المفتى وصف الاجر بقوله كبير لما احتوى عليه من النعيم السر مدى ورفع التكاليف والأ من من العذاب ورضى اللّه عنهم والنظر الى وجهه الكريم انتهى يقول الفقير الظاهر ان المراد بالاجر الكبير هو الجنة لان نعم اللّه تعالى ادناه متاع الدنيا واعلاها رضوان اللّه لقوله { ورضوان من اللّه اكبر } واوسطها لجنة ونعيمها فاذا وصف الرضى بالاكبرية لزم ان توصف الجنة بالكبيرية قال الكاشفى [ شيخ الاسلام فرموده كه درجنت نعمتى هست كه همه نعيم بهشتى در جنب آن محقر ومختصر باشد يعنى مشاهده انوار لقاى خدا ] مارا بهشت بهر لقاى تودر خورست ... بى برتو جمال توجنت محقرست وفى الآيتين اشارتان. الاولى ان من ذاق طعم بعض المقامات الالهية وشهد بعض المشاهد الربانية ثم نزع ذلك منه بشئوم خطاياه وسوء ادبه ينبغى ان لا ييأس من روح اللّه ولا يكفر بنعمته كأبليس بل اذا ابتلى بسدل الحجاب ورد الباب كان من شرط عبوديته ان يرج الى ربه معترفا بظلمه على نفسه كآدم عليه السلام ليجتبيه ربه فيتوب عليه ويهديه فان من رحمة اللّه ونعمته على عبده انه اذا اسرف على نفسه ثم تاب ورجع الى ربه وجده غفورا رحيما. والثانية ان من ذاق برد العفو وحلاوة الطاعة ينبغى ان لا يقول صرت معصوما مطهرا مرفوع الحجاب فتعجبه نفسه فينظر اليها بنظر الاعجاب وينظر الى غيره بنظر الحقارة ويامن مكر اللّه فهو فى كلتا الحالتين مذموم فى حالة اليأس وكفران النعمة وفى حالة الاعجاب بنفسه وامنه من مكر اللّه : قال الحافظ زاهد غرور داشت سلامت نبرد راه ... رند ازره نياز بدار السلام رفت وقال زاهد ايمن مشوى ازبازى غيرت زنهار ... كه ره از صومعه تادير مغان اين همه نيست فالايتان تناديان على النفس الامارة بصفاتها الرذيلة فلا بد من معالجتها واصلاحها بما امكن من المجاهدات اصلحها اللّه سبحانه وتعالى ١٢ { فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك } -روى- ان مشركى مكة لما قالوا ائت بقرآن غير هذا ليس فيه سب آلهتنا ولا مخالفة ابنائنا همّ النبى عليه السلام ان يدع سب آلهتهم ظاهرا فانزل اللّه تعالى هذه الآية ولعل اما للترجى ومعناه توقع امر مرجو لا وثوق بحصوله كقوله تعالى { لعلكم تفلحون } واما للاشفاق وهو توقع امر مخوف كقوله تعالى { لعل الساعة قريب } والرجاء والاشفاق يتعلقان بالمخاطبين دون اللّه سبحانه والمراد هنا اما الاول فالمعنى لعظم ما يرد على قلبك من تخليطهم تتوهم انهم يزيلونك عن بعض ما انت عليه من تبليغ ما اوحى اليك ولا يلزم من توقع الشيء وجود ما يدعو اليه ووقوعه لجواز ان يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل عن الخيانة فى الوحى والثقة فى التبليغ ههنا واما الثانى فالمعنى اشفق على نفسك ان تترك تبليغ ما يوحى اليك وهو ما يخالف رأى المشركين مخافة ردهم له واستهزائهم وهو اوجه من الاول كما فى بحر العلوم للسمرقندى قال الكاشفى { فلعلك تارك } [ بس شايد كه توترك كننده باشى. امام ما تريدى رحمة اللّه ميكويد استفهام بمعنى نهى است : يعنى ترك مكن ] { وضائق به صدرك } اى عارض لك ضيق صدر بتلاوته عليهم وتبليغه اليهم فى اثناء الدعوة والمحاجة وضمير به يعود الى بعض ما يوحى وعدل عن ضيق الى ضائق ليدل على انه ضيقا عارضا غير ثابت لان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم كان افسح الناس صدرا ونحوه فلان سائد لمن عرضه له السودد وسيد لمن هو عريق فيه { ان يقولوا } اى مخافة ان يقولوا مكذبين { لولا انزل عليه } هلا القى عليه { كنز } مال من السماء يستعين به فى اموره وينفقه فى الاستتباع كالملوك قال ابن الشيخ كنز اى مال كثير من شأنه ان يجعل كنزا اى مالا مدفونا فان الكنز اسم للمال المدفون فهو لا ينزل فوجب ان يكون المراد به ههنا ما يكنز وقد جرت العادة بان يسمى المال الكثير بهذا الاسم { او جاء معه ملك } يشهد له على صدق قوله ويعينه على تحصيل مقصوده فتزول الشبهة عن امره كما قال رؤساء مكة يا محمد اجعل لنا جبال مكة ذهبا ان كنت رسولا وقال آخرون ائتنا بالملائكة ليشهدوا بنبوتك { انما انت نذير } ليس عليك الا الانذار بما اوحى اليك ولا عليك ردوا او تهكموا او اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك { واللّه على كل شيء وكيل } فتوكل عليه فانه الم بحالهم وفاعل بهم جزاء اقوالهم وافعالهم قال الكواشى تلخيصه ادّ الرسالة غير ملتفت اليهم فانى حافظك وناصرك عليهم در شبى مهتاب مه را برسماك ... ازسكان وعوعو ايشان جه باك قال فى المفاتيح الوكيل القائم بامور العباد وتحصيل ما يحتاجون اليه. وقيل الموكول اليه تدبير البرية وحظ العبد منه ان يكل اليه ويتوكل عليه ويلقى بالاستعانة اليه ١٣ { ام يقولون افتريه } الضمير راجع الى ما يوحى اليك وام منقطعة مقدرة ببل والهمزة ومعنى الهمزة فيه التوبيخ والانكار والتعجب اما التوبيخ فكأنه قيل ايتها الكون ان ينسبوا مثله الى الافتراء ثم لى الاقتدار على الذى هو اعظم الفرى وافحشها اذ يقوله ويفتريه على اللّه ولو قدر عليه دون عامة العرب لكانت قدرته عليه معجزة لخرقها العادة واذ كانت معجزة كان تصديقا من اللّه له والعليم الحكيم لا يصدق الكاذب فلا يكون مفتريا. والمعنى بل أيقولون افتراه وليس من عند اللّه { قل } ان كان الامر كما تقولون { فائتوا } انتم ايضا { بعشر سور مثله } فى البلاغة وحسن النظم قال هنا بعشر وفى يونس والبقرة بسورة لان نزول هذه السورة الكريمة مقدم عليهما لانهم تحدوا اولا بالاتيان بعشر فلم عجزوا تحدوا بسورة واحدة. وقوله مثل نعت لسوراى امثال وتوحيده باعتبار كل واحد وقال سعدى المفتى ولا يبعد ان يقال انه صفة للمضاف المقدر فان المراد بقدر عشر سور مثله واللّه اعلم { مفتريات } صفة اخرى لسور. المعنى فائتوا بعشر سور مماثلة له فى البلاغة مختلقات من عند انفسكم ان صح انى اختلقته من عند نفسى فانكم فصحاء مثلى تقدرون على ما اقدر عليه بل انتم اقدر لتعلمكم القصص والاشعار وتعودكم النثر والنظم وفى الآية دلالة قاطعة على ان اللّه تعالى لا يشبهه شيء فى صفة الكلام وهو القرآن كما لا يشبهه بحسب ذاته { وادعوا } للاستظهار فى المعارضة { من استطعتم } دعاءه والاستعانة به من آلهتكم لتى تزعمون انها ممدة لكم ومدارهكم التى تلجأون الى آرائهم في الملمات ليسعجوكم فيها { من دون اللّه } اى حال كونكم متجاوزين اللّه تعالى { ان كنتم صادقين } فى انى افتريته فان ما افترى انسان يقدر انسان آخر ان يفترى مثله ١٤ { فان لم يستجيبوا لكم } الضمير فى لكم للرسول عليه السلام وجمع للتعظيم اوله وللمؤمنين لانهم اتباع له عليه السلام فى الامر بالتحدى وفيه تنبيه لطيف على ان حقهم ان لا ينفكوا عنه وينصابوا معه لمعارضة المعاندين كما كانوا يفعلونه فى الجهاد قال سعدى المفتى اختلف فى تناول خطاب النبى عليه السلام لامته فقال الشافعية لا وقال الحنفية الحنابلة نعم الا ما دل الدليل فيه على الفرق انتهى. والمعنى فان لم يستجب هؤلاء المشركون لكم يا محمد ويا اصحاب محمد عليه السلام اى ما دعوتموهم اليه من معارضة القرآن واتيان عشر سور مثله وتبيين عجزهم عنه بعد الاستعانة بمن استطاعوا بالاستعانة منه من دون اللّه تعالى { فاعلموا انما انزل بعلم اللّه } ما فى انما كافة وضمير انزل يرجع الى ما يوحى وبعلم حال اى ملتبسا بما لا يعلمه الا اللّه تعالى من المزايا والخواص والكيفيات وقال الكاشفى [ يعنى ملتبس بعلمى كه خاصه اوست وآن علمست بمصالح عباد وآنجه ايشانرا بكار آيد در معاش ودر معاد ] وقال فى التأويلات النجمية { بعلم اللّه } لا بعلم الخلق فان فيه الاخبار عما سيأتى وهو بعد فى الغيب ولا يعلم الغيب الا اللّه انتهى والمراد الدوام والثبات على العلم اى فدوموا ايها المؤمنون واثبتوا على العلم الذى انتم عليه لتزدادوا يقينا وبات قدم على انه منزل من عند اللّه وانه من جملة المعجزات الدالة على صدقه عليه السلام فى دعوى الرسالة { وان لا اله الا هو } اى ودوموا على هذا العلم ايضا يعنى هو ينزل الوحى غيره لانه لا اله ولا اله غيره { فهل انتم مسلمون } ثابتون على الاسلام راسخون فيه اى فاثبتوا عليه فى زيادة الاخلاص وفى الآيات امور. منها ان الوحى على ثلاثة انواع نوع امر عليه السلام بكتمانه اذ لا يقدر على حمله غيره ونوع خير فيه ونوع امر بتبليغه الى العام والخاص من الانس والجن وما يتعلق بمصالح العباد من معاشهم ومعادهم فلا يجوز تركه وان ترتب عليه مضرة وضاق به الصدر سبيل تبليغ الرسالة هو اللسان فلا رخصة فى الترك وان خاف قال صاحب التيسير فهذا دليل قولنا فى المكره على الطلاق والعتاق ان تكلم به نفذ لان تعلق ذلك باللسان لا بالقلب والاكراه لا يمنع فعل اللسان فلا يمنع النفاذ انتهى وفى الحديث ( ان اللّه بعثنى برسالته فضقت بها ذرعا فاوحى اللّه تعالى الى ان لم تبلغ رسالتى عذبتك وضمن لى العصمة فقويت ) ويدخل فيه العلماء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر فانهم اذا عملوا بما علموا وتصدوا للتبليغ وخافوا اللّه دون غيره فان اللّه تعالى يحفظهم من كيد الاعداء -حكى- ان زاهدا كسر خوابى الخمر لسليمان بن عبد الملك الخليفة فاتى به يعاقبه وكان للخليفة بغلة تقتل من ظفرت به واتفق رأى وزرائه ان يلقى الزاهد بين يدي البغلة فالقى بين يديها فخضعت له فلم تقتله فلما اصبحوا نظروا اليه فاذا هو صحيح فعلموا ان اللّه تعالى حفظه فاعتذروا اليه وخلوا سبيله كرت نهى منكر برآيد زدست ... نشايد جوبى دست وبابان نشست ومنها ان المؤمنين ينبغى ان يعاونوا أئمتهم ومن اقتدى بهم فى تنفيذ الحق واجرائه والزام الخصم واسكاته كما كان الاصحاب رضى اللّه عنهم يفعلون ذلك برسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم فى الجهاد وغيره من الامور الدينية وفى الحديث ( المؤمن للمؤمن كبنيان يشد بعضه بعضا ) يعنى المؤمن لا يتقوى فى امر دينه ودنياه الا بمعونة اخيه كما ان بعض البناء يقوى ببعضه وفيه حث على التعاضد فى غير الاثم كذا فى شرح المشارق لابن الملك وكان النبى صلى اللّه عليه وسلم يضع لحسان منبرا فى المسجد فيقوم عليه يهجو من كان يهجو رسول اللّه صلة اللّه عليه وسلم ويدفع عنى المسلمين ويقويهم على المشركين وكان روح القدس اى جبريل يمده بالجواب ويلهمه الصواب هجا كفتن ارجه بسنديده نيست ... مبادا كسى كآلت آن ندارد جه آن شاعرى كوهجا كونباشد ... جوشيرى كه جنكال ودندان ندارد ومنها لزوم الثبات على التوحيد ومن علاماته التكرير باللسان جهرا واخفاء جميعة وانفرادا وفى الحديث ( جددوا ايمانكم ) والمراد الانتقال من مرتبة الى مرتبة فان اصل الايمان قديم بالاول كما فى الواقعات المحمودية : قال المولى الجامى قدس سره دلت آيينه خداى نماست ... روى آيينه توتيره جراست صيقلى دار صيقلى ميزن ... باشد آيينه ات شود روشن صيقل آن اكرنه آكاه ... نيست جز لا اله الا اللّه وفى الحديث ( من مات وهو يدعو من دون اللّه ندا دخل النار ومن مات يعلم انه لا اله الا اللّه دخل الجنة ) واعلم ان كلمة هو فى قوله تعالى { لا اله الا هو } اسم تام بمنزلة لفظة الجلالة ولذا جعلها الصوفية قدس اللّه اسرارهم وردّ الهم فى بعض اوقاتهم قال فى فتح القريب من خواص اسم اللّه انك اذا حذفت من خطه حرفا بقى دالا على اللّه تعالى فان حذفت الالف بقى للّه وان حذفت اللام الاولى وابقيت الالف بقى اله وان حذفتهما معا بقى له ملك السموات والارض وان حذفت الثلاثة بقى هو اللّه الحى القيوم لا اله الا هو انتهى ١٥ { من كان } [ هركه باشدكه ازدنائت همت ] وكان صلة اى زائدة كما فى التبيان وقال فى الارشاد للدلالة على الاستمرار { يريد } بما عمله من اعمال البر والاحسان { الحيوة الدنيا وزينتها } اى ما يزينها ويحسنها من الصحة والامن والسعة فى الرزق وكثرة الاولاد والرياسة وغير ذلك لا وجه اللّه تعالى والمراد بالارادة ما يحصل عند مباشرة لاعمال لا مجرد الارادة القلبية لقلوه تعالى { نوف اليهم اعمالهم فيها } اى نوصل اليهم ثمرات اعمالهم فى الحياة الدنيا كاملة وليس المراد باعمالهم اعمال كلهم فانه لا يجد كل متمن ما تمناه فان ذلك منوط بالمشيئة الالهية كما قال تعالى { من كان يريد لعاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } ولا كل اعمالهم بل بعضها الذى يترتب عليه الاجر والجزاء { وهم فيها } اى فى الحياة الدنيا { لا يبخسون } لا ينقصون شيأ من اجورهم ١٦ { اولئك } المريدون للحياة الدنيا وزينتها الموفون فيها ثمرات اعمالهم من غير بخس { الذين ليس لهم فى الآخرة الا النار } لان هممهم كانت مصروفة الى الدنيا واعمالهم مقصورة على تحصيلها فقد اجتنبوا ثمراتها فلم يبق فى الآخرة الا العذاب المخلد { وحبط ما صنعوا فيها } يعنى بطل ثواب اعمالهم التى صنعوها فى الدنيا لانها لم تكن لوجه اللّه تعالى والعمدة فى اقتضاء ثواب الآخرة هو الاخلاص { وباطل } [ وناجيزاست ] فى نفس الامر { ما كانوا يعملون } رياء وسمعة. فقوله باطل خبر مقدم وما كانوا يعملون مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية معطوفة على الفعلية قبلها والآية فى حق الكفار كما يفصح عنه الحصر فى كينونة النار لهم واعلم ان حسنات الكفار من البر وصلة الرحم والصدقة وبناء القناطر وتسوية الطرق والسعى فى دفع الشرور واجراء الانهار ونحو ذلك مقبولة بعد اسلامهم يعنى يحسب ثوابها ولا يضيع واما قبل الاسلام فانعقد الاجماع على انهم لا يثابون على اعمالهم بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن يكون بعضهم اشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم وذكر الامام الفقيه ابو بكر البيهقى انه يجوز ان يراد بما فى الآيات والاخبار من بطلان خيرات الكفار انهم لا يتخلصون بها من النار وكن يخفف عنهم ما يستوجبونه بجنايات ارتكبوها سوى الكفر ووافقه المازرى كما فى شرح المشارق لابن الملك وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما نزلت هذه الآية فى اهل الرياء من اهل القبلة فمعنى قوله تعالى { ليس لهم فى الآخرة الا النار } ليس يليق لهم الا النار ولا يستحقون بسبب الاعمال الريائية الا اياها كقوله تعالى { فجزاؤهم جهنم } وجائز ان يتغمدهم اللّه برحمته فليس فى الآية دلالة على الخلود والعذاب البتة والظاهر ان الآية عامة لاهل الرياء مؤمنا كان او كافرا او منافقا كما فى زاد المسير والرياء مشتق من الرؤية واصله طلب المنزلة فى قلوب الناس برؤيتهم خصال الخير كما فى فتح القريب وفى الحديث ( ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الاصغر ) قالوا وما الشرك الاصغر يا رسول اللّه قال ( الرياء يقول اللّه عز وجل اذا جزى الناس باعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراؤون فى الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ) مرايى هر كسى معبود سازد ... مرايى را ازان كفتند مشرك قال فى شرح الترغيب المشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ومجوسى ويهودى ونصرانى ومرتد وزنديق وعلى المرائى وهو الشرك الاصغر والشرك الخفى يقال للقراء من اهل الرياء اردت ان يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك ولمن وصل الرحم وتصدق فعلت حتى يقال فقيل ولمن قاتل فقتل قاتلت حتى يقال فلان جريئ فقد قيل ذلك فهؤلاء الثلاثة اول خلق بسعر بهم النار كما فى الحديث ( ويصعد الحفظة بعمل العبد الى السماء السابعة من صلاة وصوم ونفقة واجتهاد وورع فيقول لهم الملك الموكل بها اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه فانه اراد بعمله غير اللّه تعالى ويصعد الحفظة بعمله من صلاة وزكاة وصوم وحج وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر اللّه ويشيعه ملائكة السموات حتى يقطعون الحجب كلها فيقول لهم اللّه تعالى اراد به غيرى فعليه لعنتى فيقول الملائكة كلها عليه لعنتك ولعنتنا يلعنه السموات السبع ومن فيهن ) كما ورد فى الحديث : قال الحافظ كوييا باور نمى دارند روزداورى ... كين همه قلب ودغل دركاردورميكنند قال الفضيل ترك العمل لاجل الناس رياء والعمل لاجل الناس شرك والاخلاص الخلاص من هذين معنى كلامه ان من عزم على عبادة اللّه تعالى ثم تركها مخافة ان يطلع الناس عليه فهو مرائ لانه لو كان عمله للّه تعالى لم يضره اطلاع الناس عليه ومن عمل لاجل ان يراه الناس فقد اشرك فى الطاعة ويستثنى من كلامه مسألة لا يكون ترك العمل فيها لاجل الناس رياء وهى اذا كان الشخص يعلم انه متى فعل الطاعة بحضرة الناس آذوه واغتابوه فان الترك من اجلهم لا يكون رياء بل شفقة عليه ورحمة كما فى فتح القريب وقال فى شرح الطريقة من مكايد الشيطان ان الرجل قد يكون ذا ورد كصلاة الضحى والتهجد وتلاوة القرآن والادعية الماثورة فيقع فى قوم لا يفعلونه فيتركه خوفا من الرياء وهذا غلط منه اذ مداومته السابقة دليل الاخلاص فوقوع خاطر الرياء فى قلبه بلا اختيار ولا قبول لا يضر ولا يخل بالاخلاص فترك العمل لاجله موافقة للشيطان وتحصيل لغرضه نعم عليه ان لا يزيد على معتاده ان لم يجد باعثا وقد يترك لا خوفا من الرياء بل خوفا من ان ينسب اليه ويقال انه مرائ وهذا عين الرياء لانه تركه خوفا من سقوط منزلته عند الناس وفيه ايضا سوء الظن بالمسلمين وقد يقع فى خاطره ان تركه لاجل صيانتهم من الغيبة لا لاجل الفرار من المذمة وسقوط المنزلة وهذا ايضا سوء الظن بهم اذ صيانة اغير من المعصية انما يكون فى ترك المباحات دون السنن والمستحبات انتهى كلامه قال فى التأويلات النجمية { وحبط ما صنعوا } من اعمال الخير { فيها } فى الدنيا للدنيا { وباطل ما كانوا يعملون } من الاعمال وان كانت حقا لانهم عملوها لغير وجه اللّه وهو باطل وبه يشير الى ان كل من يعمل عملا يطلب به غير اللّه فان عمله ومطلوبه باطل كما قال صلى اللّه عليه وسلم ( ان اصدق كلمة قالها العرب ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل ) قال حضرة الشيخ الاكبر قدسنا اللّه بسره الاطهر اعلم ان الموجودات كلها وان وصفت بالباطل فهى حق من حيث الوجود ولكن سلطان المقام اذا غلب على صاحبه يرى ما سوى اللّه تعالى باطلا من حيث انه ليس له وجود من ذاته فحكمه حكم العدم وهذا معنى قولهم قوله باطل اى كالباطل لان العالم قائم باللّه لا بنفسه فهو من هذا الوجه باطل والعارف اذا وصل الى مقامات القرب فى بداية عرفانه ربما تلاشت هذه الكائنات وحجبت عن شهودها بشهود الخلق لانها زالت من الوجود بالكلية ثم اذا كمل عرفانه شهد الحق تعالى والخلق معا فى آن واحد وما كل احد يصل الى هذا المقام فان غالب الناس ان شهد الخلق لم يشهد الحق وان شهد الحق لم يشهد الخلق ولا يدرك الوحدة الا من ادرك اجتماع الضدين ولعل من المشهد الاول قول الاستاذ الشيخ ابى الحسن البكرى قدس سره استغفر اللّه مما سوى اللّه تعالى لان الباطل يستغفر من اثبات وجوده لذاته كذا فى انسان العيون فى سيرة الامين المأمون : قال الشيخ المغربى سايه هستى مو نمايد ليك اندراصل نيست نيست ... را ازهست اربشنا ختى يابى نجات وقال ايضا بيدار شواز خواب كه اين جمله خيالات ... اندر نظر ديده بيدار جو خوابيست نسأل اللّه سبحانه ان يكشف القناع عن وجه المقصود ويتجل لنا بجماله فى وجه كل مظهر وموجود وهو الرحيم الودود ذو الفضل والفيض والجود ١٧ { أفمن كان على بينة من ربه } الهمزة للانكار والبينة الحجة والبرهان وعلى للاستعلاء المجازى وهو الاستيلاء والاقتدار على اقامتها والاستدلال بها ومن شرطية او موصولة مبتدأ حذف خبره والتقدير افمن كان على برهان ثابت من ربه يدل على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره وهو كل مؤمن مخلص كمن ليس على بينة يعنى سواء بل الاول على السعادة وحسن العاقبة والثانى على الشقاوة وسوء الخاتمة { ويتلوه } من التلو وهو التبع ذلك البرهان الذى هو دليل العقل فتذكير الضمير الراجع الى البينة انما هو بتأويل { شاهد منه } اى شاهد من اللّه تعالى يشهد بصحته وهو القرآن { ومن قبله } اى ومن قبل لقرآن الشاهد { كتاب موسى } وهو التوراة فانها ايضا تتلو ذلك البرهان فى التصديق { اماما } كتابا مؤتما به فى الدين ومقتدى وانتصابه على الحال { ورحمة } اى نعمة عظيمة على من انزل اليهم ومن بعدهم الى يوم القيامة باعتبار احكامه الباقية المؤيدة بالقرآن العظيم قال فى انسان العيون التوراة اول كتاب اشتمل على الاحكام والشرائع بخلاف ما قبله من الكتب فانها لم تشتمل على ذلك وانما كانت مشتملة على الايمان باللّه وتوحيده ومن ثمة قيل لها صحف واطلاق الكتب عليها مجاز انتهى { اولئك } اشارة الى من كان على بينة { يؤمنون به } اى يصدقون بالقرآن { ومن يكفر به } [ وهوكه كافر شود بقرآن ] { من الاحزاب } من اهل مكة ومن تحزب معهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقال تحزبوا عليه اى اجتمعوا { فالنار موعده } اى مكان وعده الذى يصير اليه وفى جعلها موعد اشعار بان له فيها ما يوصف من افانين العذاب { فلا تك فى مرية منه } اى فى شك من امر القرآن وكونه من عند اللّه { انه الحق من ربك } الذي يربيك فى دينك ودنياك { ولكن اكثر الناس لا يؤمنون } بان ذلك حق لا شبهة فيه اما القصور انظارهم واختلال افكارهم واما لعنادهم واستكبارهم هذا ما اختاره البيضاوى وتبعه فى ذلك اكثر المفسرين وقال المولى ابو السعود فى الارشاد ما حاصله ان المراد بالبينة البرهان الدال على حقيقة الاسلام وهو القرآن والكون على بينة من اللّه عبارة عن التمسك بها ويتلوه اى يتبعه شاهد من القرآن شهيد بكونه من عند اللّه وهو اعجازه وما وقع فيه من الاخبار بالغيب او شاهد من اللّه تعالى كالمعجزات الظاهرة على يديه عليه السلام ولما كان المراد بتلو الشاهد للبرهان اقامة الشهادة بصحته وكونه من عند اللّه تعالى تابعا له بحيث لا يفارقه فى مشهد من المشاهد فان القرآن بينة باقية على وجه الدهر مع شاهدها الذى يشهد بامرها الى يوم القيامة عند كل مؤمن وجاحد عطف كتاب موسى فى قوله تعالى { ومن قبله كتاب موسى } على فاعله مع كونه مقدما عليه فى النزول فكأنه قيل أفمن كان على بينة من ربه ويشهد به شاهد آخر من قبل هو كتاب موسى وقال فى التأويلات النجمية وحمل الآية فى الظاهر على النبى صلى اللّه عليه وسلم وابى بكر اولى واحرى فانه عليه السلام كما كان على بينة من ربه كان ابو بكر شاهدا يتلوه بالايمان والتصديق يدل عليه قوله { والذى جاء بالصدق } يعنى النبى عليه السلام وصدق به يعنى ابا بكر رضى اللّه عنه وهو الذى كان ثانيه فى الغار وتاليه فى الامامة فى مرضه عليه السلام حين قال ( مر ابا بكر فليصل بالناس ) وكان تاليه بالخلافة باجماع الصحابة وكان منه حيث قال صلى اللّه عليه وسلم لابى بكر وعمر رضى اللّه عنهما ( انهما منى بمنزلة السمع والبصر ) { ومن قبله } اى من قبل ابى بكر وشهادته بالنبوة كان { كتاب موسى } وهو التوراة { اماما } يأتم به قومه بعده وفى ايام محمد صلى اللّه عليه وسلم كما ائتم به عبد اللّه بن سلام وسلمان وغيرهما من احبار اليهود ولانه كان فيه ذكر النبى صلى اللّه عليه وسلم بالنبوة والرسالة { ورحمة } اى الكتاب كان رحمة لاهل الرحمة وهى الذين يؤمنون بالكتاب وبما فيه كما قال { اولئك الذين يؤمنون به } يعنى اهل الرحمة { ومن يكفر به } اى بالكتاب وبما فيه { من الاحزاب } اى حزب اهل الكتاب وحزبالكفار وحزب المنافقين وان زعموا انهم مسلمون لان الاسلام بدعوى اللسان فحسب وانما يحتاج مع دعوى اللسان الى صدق الجنان وعمل الاركان { فلا تك فى مرية منه } اى من ان يكون الكافر بك وبما جئت به من اهل النار لان الايمان بك ايمان بى وان طاعتك طاعتى فلا يخطرن ببالك انى من سعة رحمتى لعلى ارحم من كفر بك كائنا من كان فانى لا ارحمهم لانهم مظاهر قهرى { انه الحق من ربك } اى يكون له مظاهر صفات القهر كما يكون له مظاهر صفات اللطف { ولكن اكثر الناس لا يؤمنون } بصفات لطفه لرجائهم المذموم ولغرورهم المشئوم بكرم اللّه فانه غرهم باللّه وكرمه الشيطان الغرور انتهى : قال الحافظ دركارخانه عشق از كفرنا كزيرست ... آتش كرابسوز دكر بولهب نباشد واعلم ان حضرة القرآن انما نزل لتمييز اهل اللطف واهل القهر فهو البرهان النير العظيم الشان وبه يعلم اهل الطاعة من اهل العصيان ولما كان الكلام صفة من الصفات القديمة له تعالى قال اهل التأويل فى اشارة قوله { أفمن كان على بينة من ربه } اى كشف بيان من تجلى صفة من صفات ربه { ويتلو شاهد منه } اى ويتبع الكشف شاهد من شواهد الحق فان الكشف يكون مع الشهود ويكون بلا شهود. والمعنى أفمن كان على بينة من كشوف الحق وشواهده كما كان على بينة من العقل والنقل مع احتمال السهو والغلط فيها ولذا : قال الحافظ غشق ميورزم واميدكه اين فن شريف ... جون هنر هاى دكر موجب حرمان نشود وقال الصائب طريق عقل را بر عشق رجحان مى دهد زاهد ... عصايى بهتر ازصد شمع كافورست اعمى را وقال جمعى كه بشت كرم بعشق ازل نيند ... نازسمور ومنت سنجاب ميكشند جعلنا اللّه واياكم من المستبصرين لشواهد الحق واوصلنا واياكم الى شهود النور المطلق وحشرنا واياكم تحت لواء الفريق الاسبق ١٨ { ومن اظلم } اى لا احد يظلم { ممن افترى على اللّه كذبا } بان نسب اليه ما لا يليق به كقولهم للملائكة بنات اللّه وقولهم لآلهتهم هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه { اولئك } المفترون { يعرضون على ربهم } المراد عرضهم على الموقف المعد للحساب والسؤال وحبسهم فيه الى ان يقضى اللّه تعالى بين العباد لانه تعالى ليس فى مكان حتى يعرضون عليه واسند العرض اليهم والمقصود عرض اعمالهم لان عرض العامل بعمله وهو الافتراء هنا افظع من عض عمله مع غيبته { ويقول الاشهاد } عند العرض وهم الملائكة والنبيون والمؤمنون جمع شاهد او شهيد كاصحاب واشراف { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم } المحسن اليهم والمالك لنواصيهم بالافتراء عليه وهؤلاء اشارة الى تحقيرهم واصغارهم بسوء صنيعهم { ألا لعنة اللّه } عذابه وغضبه { على الظالمين } بالافتراء المذكور وفى الحديث ( ان اللّه تعالى يدنى المؤمن يوم القيامة فيسرته من الناس فيقول اى عبدى اتعرف ذنب كذا وكذا فيقول نعم يا رب فاذا قرره بذنوبه قل فانى قد سترتها عليك فى الدنيا وقد غفرتها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته واما الكفار والمنافقون فيقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة اللّه على الظالمين يفضحونهم بما كانوا عيله فى الدنيا ويبينون انهم ملعونون عند اللّه بسبب ظلمهم ) وفى الحديث ( من سمع سمع اللّه به ) اى من اظهر عمله للناس رياء اظهر اللّه نيته الفاسدة فى عمله يوم القيامة وفضحه على رؤوس الاشهاد وهم الملائكة الحفظة. وقيل عموم الملائكة. وقيل عموم الاخلاق اجمعين ثم وصفهم بالصد ١٩ { الذين يصدون } اى يمنعون كل من يقدرون على منعه بالتحريف وادخال الشبه { عن سبيل اللّه } عن دين اللّه وطريق طاعته { ويبغونها عوجا } السبيل مؤنث سماعى فلذلك انت ضمير يبغونها يقال بغيت الشيء طلبته وبغيتك خيرا او شرا اى طلبت لك اى ويصفونها بالانحراف عن الحق والصواب فيكون من قبيل اطلاق اسم السبب على المسبب قال فى الارشاد وهذا شامل لتكذيبهم بالقرآن وقولهم انه ليس من عند اللّه { وهم بالآخرة هم كافرون } اى يصفونها بالعوج والحال انهم كافرون بها لا انهم مؤمنون بها ويزعمون ان لها سبيلا سويا يهدن الناس اليه وتكرير ضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به كأن كفر غيرهم ليس بشيء عند كفرهم ٢٠ { اولئك } الكاذبون { لم يكونوا معجزين } اللّه تعالى ان يعاقبهم لو اراد عقابهم { فى الارض } مع سعتها وان هربوا منا كل مهرب { وما كان لهم من دون اللّه من اولياء } ينصرونهم ويمنعونهم من العقاب ولكن آخر ذلك الى اليوم تحقيقا للامهال كما قال تعالى { امهلهم رويدا } والجمع باعتبار افراد الكفرة كان قيل وما كان لاحد منهم من ولى { يضاعف لهم العذاب } استئناف كانه قيل هؤلاء الذين شأنهم ذلك ما مصير امرهم وعقبى حالهم فقيل يضاعف لهم عذاب الابد ضعفين { ما كانوا يستطيعون السمع } النافع { وما كانوا يبصرون } الحق والآيات المصنوبة فى الانفس والآفاق وهو استئناف وقع تعليلا لمضاعفة العذاب وليس المراد بالمضاعفة الزيادة بمرتبة واحدة لشمولها الزيادة بمراتب كما فى الحواشى السعدية ولما كان قبح حالهم فى عدم اذعانهم للقرآن الذى طريق تلقيه لشمع اشد منه فى عدم قبولهم لسائر الآيات المنوطة بالابصار بالغ فى نفى الاول حيث نفى عنهم الاستطاعة واكتفى فى الثانى بنفى الابصار ٢١ { اولئك الذين خسروا انفسهم } باشتراء عبادة الآلهة بعبادة اللّه تعالى فى البحر انه على حذف مضاف اى راحة او سعادة انفسهم والا فانفسهم باقية معذبة انتهى ولعل الابقاء على حاله انسب لمرام المقام وان البقاء معذبا كلابقاء اذ المقصود من البقاع انتفاع به { وضل } بطل وضاع { عنهم ما كانوا يفترون } من الهية الآلهة وشفاعتها ٢٢ { لا جرم } فيه ثلاثة اوجه. الاول ان لا نافية لما سبق وجرم فعل بمعنى حق وان مع ما فى خبره فاعبه. والمعنى لا ينفعهم ذلك الفعل اى حق { انهم فى الآخرة هم الاخسرون } وهذا مذهب سيبويه. والثانى ان جرم بمعنى كسب وما بعده مفعوله وفاعله ما دل عليه الكلام اى كسب ذلك خسرانهم فالمعنى ما حصل ومن ذلك الا ظهور خسرانهم. والثالث ان لا جرم بمعنى لا بد انهم فى الآخرة هم الاخسرون واياما كان فمعناه انهم اخسر من كل خاسر قال الكاشفى [ بى شك وشبهه ايشان دران سراى ايشان زيانكارتر زهمه زيانكاران جه برستش بتانرا بيرستش خداى تعالى خريده اندو متاع دنياى فانى را بر نعيم عقباى باقى اختيار كرده ودرين سود اغبن فاحش است ] مايه اين را بدنيا دادن ازدون همتيست ... زانكى دنيا جملكى رنج اسن ودين آسايش است نعمت فانى ستانى دولت باقى دهى ... اندرين سودا خردداندكه غبن فاحش است -وروى- ابن ابى الدنيا عن الضحاك انه قال اتى النبى صلى اللّه عليه وسلم رجل فقال يا رسول اللّه من ازهد الناس قال ( من لم ينس القبر والبلى وترك زينة الدنيا واثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غذا من ايامه وعدنفسه من الموتى ) وفى الحديث ( بادروا بالاعمال فان بين ايديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ) ومن البائع دينه بالدنيا المدعى مع اللّه رتبة طلبا للرياسة واستجلاب حظوظ النفس بطريق التزهد والشيخوخة وهو ملعون على ألسنة الاولياء الذين هم شهداء اللّه فى الارض لانه نزل نفسه منزلة السادة الكبراء فظلم واستحق اللعنة : وفى المثنوى توملاف ازمشك كان بوى بياز ... ازدم توميكند مكشوف راز كلشكر خوردم همى كوئى وبوى ... ميزند از سيركه ياوه مكوى ومن اوصاف المدعين انهم بادعائهم الشيخوخة يقطعون سبيل اللّه على طالبيه بالدعوة الى انفسهم ويمنعونهم ان يتمسكوا بذيل ارادة صاحب ولاية يهديهم الى الحق ووهم بالآخرة هم كافرون على الحقيقة لان من يؤمن بالآخرة ولقاء اللّه والحساب والجزاء على الاعمال لا يجرى مع اللّه بمثل هذه المعاملات ولهم عذاب الضلال عن سبيل اللّه بطلب الدنيا والقدوة فيها وعذاب اضلال اهل الارادة عن طريق الحق باستتباعهم وهم مؤاخذون بخسرانهم وخسران اتباعهم وبحسبان انهم يحسنون صنعا فهم الاخسرون ترسم نرسى بكعبه اى اعرابى ... كين ره كه توميروى بتركشتانست ٢٣ { ان الذين آمنوا } اى بكل ما يجب ان يؤمن به { وعملوا الصالحات } فيما بينهم وبين ربهم { وأخبتوا الى ربهم } الاخبات الخضوع والخشوع ويستعمل باللام يقال اخبت للّه واستعماله بالى فى الاية لتضمينه معنى الاطمئنان والانقطاع. والمعنى اطمانوا وسكنوا اليه وانقطعوا الى عبادته بالخشوع والتواضع { اولئك } المنعوتون بتلك النعوت { اصحاب الجنة هم فيها خالدون } دائمون لم يأت هنا ضمير الفصل للاشارة واللّه اعلم الى ان الخلود فيها ليس بمختص بهؤلاء الموصوفين فان المؤمن وان لم يعمل الصالحات مآله الخلود فى الجنة على ما هو مذهب اهل السنة كذا فى حواشى سعدى المفتى وقال فى التأويلات النجمية { ان الذين آمنوا } بطلب اللّه وطلبوه على اقدام المعاملات الصالحات للطلب المفيدات للوصول الى المطلوب وانابوا الى ربهم بالكلية ولم يطلبوا منه الا هو واطمانوا به { اولئك اصحاب الجنة } اى ارباب الجنة كما يقال رب الدار لصائب الدار وهم مطلوبوا الجنة لا طلابها وانما هم طلاب اللّه هم فيها خالدون طلابا ٢٤ { مثل الفريقين } الكافر والمؤمن اى حالهما العجيب لان المثل لا يطلق الا على ما فيه غرابة من الاحوال والصفات قال ابن الشيخ لفظ المثل حقيقة عرفية فى القول السائر المشبه مضر به بمورده ثم يستعار للصفة العجيبة والحال الغريبة تشبيها لهما بالقول المذكور فى الغرابة فانه لا يضرب الا ما فيه غرابة { كالاعمى والاصم والبصير والسميع } اى كهؤلاء فيكون ذواتهم كذواتهم فان تشبيه حال الشيء بحال شيء آخر يستلزم تشبيه الشيء الاول بالثانى فالاعمى والاصم هم الكافرون والبصير والسميع هم المؤمنون. والواو فى والاصم والسميع لعطف الصفة على الصفة كقولك هو الجواد والشجاع فان الادخل فى المبالغة ان يشبه الكافر بالذى جمع بين العمى والصمم كالموتى وذلك ان الكفرة حين لا ينظرون الى ما خلق اللّه نظر اعتبار ولا يسمعون ما يتلى عليهم من ىيات اللّه سماع تدبر كان بصرهم كلا بصر وسماعهم كلا سماع فكان حالهم لانتفاء جدوى البصر والسماع كجال الموتى الذى فقدوا مصحح البصر والسمع قال ابن الشيخ الاعمى اذا سمع شيا ربما يهتدى الى الطريق والاصم ربما ينتفع بالاشارة ومن جميع بينهما فلا حيلة له وقس عليه الشخص الذى جمع بين الوصفين الشريفين اللذين هما البصر والسمع فانه يكون بذلك على احسن حال. وقدم الاعمى لكونه اظهر واشهر فى سوء الحال من الاصم { هل يستويان } يعنى الفريقين المذكورين والاستفهام انكارى { مثلا } اى حالا وصفة وهو تمييز من فاعل يستويان منفقول من الفاعلية والاصل هل يستوى مثلهما { افلا تذكرون } اى أتشكون فى عدم الاستواء وما بينهما من التباين او أتغفلون عنه فلا تتذكرن بالتأمل فيما ضرب لكم من المثل فيكون الانكار واردا على المعطوفين معا او أتسمعون هذا فلا تتذكرون فيكون راجعا الى عدم لتذكر بعد تحقق ما يوجب وجوده وهو المثل المضروب وفى التأويلان النجمية الاعمى الذين لا يبصر الحق حقا والباطل باطلا بل يبصر الباطل حقا والحق باطلا. والاصم من لا يسمع الحق حقا والباطل باطلا بل يسمع الباطل حقا والحق باطلا. والبصير الذى يرى الحق حقا ويتبعه ويرى الباطل باطلا ويجتنبه. والسميع الذى من كان اللّه سمعه فيسمع به ومن ابصر باللّه لا يبصر غير اللّه ومن سمع باللّه لا يسمع الا من اللّه انتهى يعنى يسمع من الحق تعالى ولا يرى ان احدا فى الوجود يخاطبه غير اللّه تعالى فهو متمثل لكل ما يؤمر به -حكى- ان خير النساج لقيه انسان فقال له انت عبدى واسمك خير فسمع ذلك من الحق سبحانه واستعمله الرجل فى النسج اعواما ثم بعد ذلك قال له ما انت عبدى ولا اسمك خير كوشى كه بحق بازبود درهمه بازبود درهمه جاى ... ازهيج سخن نشنود ا زخداى وان ديده كزو نور بذيرد اورا ... هرذره بود آبينه دوست نماى وفى كل من مقام الرؤية والسماع ابتلاء والطالب الصادق يقف عند الحد الذى حد له فلا ينظر الى الحرام ولا يرتكب المحذور كشرب الخمر وان قيل له من لسان واحد اشرب هذه الخمر لان هذا القول ابتلاء من اللّه تعالى هل يقف عند حده اولا فلا بد من التحقق والتبعية انما يكون ويحصل بالاجتهاد والتشبث بذيل واحد من اهل الارشاد : وفى المثنوى آن سواريكه سبه راشد ظفر ... اهل دين راكيست سلطان بصر با عصا كوران اكرره ديده اند ... دربناه خلق روشن ديده اند كرنه بينايان بدندى وشهان ... جملة كوران مرده اندى درجهان نى زكوران كشت آيد نى درود ... نى عمارت نى تجارتها وسود ٢٥ { ولقد ارسلنا نوحا الى قومه } الواو ابتدائية واللام جواب قسم محذوف وحرفه الباء لا الواو كما فى سورة الاعراف لئلا يجتمع واوان اى باللّه لقد بعثنا نوحا وهو ابن ملك ابن متوشلخ بن ادريس عليهما السلام وهو اول نبى بعث بعده قال ابن عباس رضى اللّه عنهما بعث نوح على راس اربعين من عمره ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة وكان عمره الفا وخمسين سنة وقيل غير ذلك ولد نوح بعد الف وستمائة واثنتين واربعين سنة من هبوط آدم عليه السلام وكانت دمشق داره ودفن فى الكوفة وقال بعضهم فى الكرك وقال بعضهم فى مغارة ابراهيم عليه السلام فى القدس ويقال كان اسما شاكرا وسمى نوحا لكثرة نياحته على نفسه واختلفوا فى سبب نياحته على ثلاثة اوجه. الاول قلة رحمته حين قال { رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } فلم يرض اللّه ذلك منه. والثانى انه مر بكلب فقال ما اقبحك من خلق فعاتبه اللّه على ذلك أعبتنى ام عبت الكلب فقام وناح على نفسه وذهب فى البرارى والجبال. والثالث الميل والهوى الى ولده ومراجعته الى ربه حيث قال { ان ابنى من اهلى } فقال اللّه { انه ليس من اهلك } فقام وناح على نفسه او شفقة على الولد وخوفا لى نفسه كذا فى التبيان يقول الفقير عامله اللّه بلطف الخطير ان بعض الزلات وان كان سببا للنباحة كما وقع ايضا لداود عليه السلام وغيره الا ان نياحة الانبياء والاولياء انما هى من جلال اللّه تعالى وهيبته الآخذة بقلوبهم فهى من صفات العاشقين وسمات العارفين الا ترى الى يحيى عليه السلام لم ير اكثر نوحا وبكاء منه فى زمانه مع انه لم يهم بذنب قط وبكاء يعقوب عليه السلام لم يكن لمجرد فراق يوسف عليه السلام بل كان فراقه سببا صوريا ظاهريا له واللّه تعالى اذا اراد بكاء عبده وحنينه الى جنابه ابتلاء بالفراق او بالجوع او بغيرهما كما لا يخفى على اهل القلوب وفى ذلك ترقيات له عجيبة وتجليات له غريبة قد شاهدت هذه الحال من بعض اهل الكمال وههنا سؤال وهو انه كيف يستقيم الاخبار فى الازل عن ارسال نوح عليه السلام بلفظ الماضى ونوح وقومه لم يجد بعد والجواب ان هذا الاخبار بالنسبة الى الازل لا يتصف بشيء من الازمنة اذ لا ماضى ولا مستقبل ولا حال بالنسبة الى اللّه تعالى واتصافه به انما هو بالنسبة الى توجه الخطاب له كان ماضيا وان كان معه او بعده فالحال او الاستقبال { انى } اى فقال لقومه انى { لكم نذير } مخوف { مبين } مظهر وذلك الانذار على اكمل طرقه اى ابين لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص منه بيانا ظاهرا لا شبهة فيه ولم يقل وبشير لان البشارة انما تكون لمن آمن ولم يكن احد آمن كما اقتصر على الانذار فى قوله تعالى { قم فانذر } تقديما للتخلية على التحلية ٢٦ { ان لا تعبدوا الا اللّه } اى بان لا تعبدوا على انّ ان مصدرية والباء نتعلقة بارسلنا ولا ناهية اى ارسلناه ملتبسا بنهيهم عن الشرك قال فى التأويلات النجمية قال نوح الروح لقومه القلب والنفس والبدن ان لا تعبدوا الدنيا وشهواتها والآخرة ودجاتها فان عبادة اللّه مهما كانت معلولة بشيء من الدنيا والآخرة فانه عبد ذلك الشيء لا اللّه على الحقيقة انتهى ولذا قالوا الرغبة فى الايمان والطاعة لا تنفع الا اذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه لكونه ايمانا وطاعة واما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيدة : قال الشيخ المغربى قدس سره درجنت ديدار تماشاى جمالت ... باشدز قصورا بودم ميل بجورى { انى اخاف عليكم عذاب يوم اليم } يوم القيامة او يوم الطوفان. واليم يجوز ان يكون صفة يوم وصفة عذاب على ان يكون جره للجوار ووصفه بالاليم على الاسناد المجازى للمبالغة يعنى ان اسناد الاليم الى اليوم اسناد الى الظرف كقولك نهاره صائم واسناده الة العذاب اسناد الى الوصف كقولك جد جده والمتألم حقيقة هو الشخص المعذب المدرك لا وصفه ولا زمانه واذا وصفنا بالتالم دل على ان الشخص بلغ فى تألمه الى حيث سرى ما به من التالم الى ما يلابسه من الزمان والاوصاف فالاليم بمعنى المؤلم علىنه اسم مفعول من الايلام ويجوز ان يكون بمعنى المؤلم على انه اسم فاعل وهو صفة اللّه تعالى فى الحقيقة اذ هو الخالق للألم -روى- ان اللّه تعالى ارسل نوحا الى قومه فجاءهم يوم عيد لهم وكانوا يعبدون الاصنام ويشربون الخمور ويواقعون النساء كالبهائم من غير ستر فنادهم بصوت عال ودعاهم الى التوحيد ففزعوا ثم نسبوه الى الجنون وضربوه وكذبوه كما قال تعالى ٢٧ { فقال الملأ الذين كفروا من قومه } اى الاشراف منهم الذين ملأوا القلوب هيبة والمجالس ابهة ووصفهم بالكفر لذمهم والتسجيل عليهم بذلك من اول الامر لا لان بعض اشرافهم ليسوا بكفرة { وما نريك الا بشرا مثلنا } لا مزية لك علينا نخصك من دوننا بالنبوة ووجوب الطاعة ولو كان كذلك لرأيناه فالرؤية بصرية وا بشرا حال من المفعول ويجوز ان تكون قلبية وهو الظاهر فالا بشرا مفعول ثان وتعلق الرأى بالمثلية لا بالبشرية فقط قال الكاشفى [ ايشان هياكل بشر ديدند وازدرك حقائق اشيا غافل ماندند ] : مثنوى همسرى بانبيا بر داشتند ... اوليارا همجو خود بنداشتند كفت اينك ما بشر ايشان بشر ... ماوايشان بسته خوابيم وخور اين ندانستند ايشان ازعمى ... هست فرقى درميان بى منتهى هردوكون ونبور خوردند از محل ... ليك شد زان نيش وزاين ديكر عسل هر دوكون آهوكيا خوردند وآب ... زاين يكى سركين شد وزان مشكناب هر دو نى خوردند از يك آبخور ... اين يكى خالى وآن براز شكر والاشارة ان النفس سفلية وطبعها سفلى ونظرها سفلى والروح علوى وله طبع علوى ونظر علوى فالروح العلوى من خصائصه دعوة غيره الى عالمه لانه بنظره العلوى يرى شرف العبادات وعزتها ويرى السفليات وخستها وذلتها فمن طبعه العلوى يدعو السفلى الى العلويات والنفس السفلية بنظرها السفلى لا ترى العلويات ولا تميل بطبعها السفلى الى العلويات بل تميل الى السفليات وترى بنظرها السفلى كل شيء سفليا فتدعو غيرها الى عالمها فمن هنا ترى الروح العلوى بنظر المثلية فكذلك صاحب هذه النفس يرى صاحب هذه الروح العلوى بنظر المثلية فيقول ما نراك الا بشرا مثلنا فلهذا ينظرون الى الانبياء ولا يرونهم بنظر النبوة بل يرونهم بنظر الكذب والسحر والجنون ويرون اتباع الانبياء بنظر الحقارة كما قالوا { وما نريك اتبعك } الرؤية ان كانت بصرية يكون اتبعك حالا من المفعول بتقدير قد وان كالت قلبية يكون مفعولا ثانيا { الا الذين هم اراذلنا بادى الرأى } اخساؤنا وادانينا كالحاكة والاساكفة واهل الصنائع الخسيسة ولو كنت صادقا لاتبعك الاكياس والاشراف من الناس. فالاراذل جمع اسم تفضيل اى ارذل كقوله ( اكابر مجرميها واحاسنكم اخلاقا ) جمع اكبر واحسن فان قلت يلزم الاشتراك اذا بين الاشراف وبينهم فى ماخذ الاشتقاق الذى هو الرذالة قلت هو للزيادة المطلقة والاضافة للتوضيح فلا يلزم ما ذكرت وانتصاب بادى الرأى على الظرفية على حذف المضاف اى اتبعك وقت حدوث بادى الرأى وظاهره او فى اول الوهلة من غير تعمق وتدقيق تفكر من البدو او من البدء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها وانما استرذلوهم مع كونهم اولى الالباب الراجحة لفقرهم وكان الاشراف عندهم من له جاه ومال كما ترى اكثر زمانك يعتقدون ذلك ويبنون عليه اكرامهم واهانتهم فلك بمردم نادان دهد زمام مراد ... تواهل فضلى ودانش همين كناهت بس وما اعجب شان اهل الضلال لم يرضوا للنبوة ببشر ولا اتباعه وقد رضوا للالهية بحجر وعبادته قال فى التأويلات النجمية اما الاراذل من اتباع الروح البدن وجوارحه الظاهرة فان الغالب على الحق ان البدن يقبل دعوة الروح ويستعمل الجوارح بالاعمال الشرعية ولكن النفس الامارة بالسوء تكون على كفرها ولا تخلى البدن يستعمل بالاعمال الشرعية الدينية الا لغرض فاسد ومصلحة دنيوية كما هو المعتاد لاكثر الخلق { وما نرى لكم } اى لك ولمتسبيك فغلب المخاطب على الغائبين { علينا من فضل } من زيادة شرف فى الملك والمال تؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة واتباعهم لك لا يدل على نبوتك ولا نجد بكم فضيلة تستبع اتباعنا لكم قال فى الكواشى وما نرى لكم علينا من فضل لانكم بشر تأكلون وتشربون مثلنا { بل نظنكم كاذبين } جميعا لكون كلامكم واحدا ودعوا كم واحدة ٢٨ { قال } نوح { يا قوم } [ اى كروه من ] { أرأيتم } اى اخبرونى فان الرؤية سبب للاخبار { ان كنت على بينة } برهان ظاهر { من ربى } وشاهد يشهد بصحة دعواى { وآتيتنى رحمة من عنده } هى النبوة { فعميت عليكم } اى اخفيت تلك البينة عليكم { انلزمكموها } اى نلزمكم قبول تلك البينة ونوجبها عليكم ونجبركم على الاهتداء بها. وهذا استفهام معناه الانكار يقول لا نقدر ان نلزمكم من ذات انفسنا وهو جواب ارأيتم وساد مسد جواب الشرط { وانتم لها كارهون } والحال انكم لا تختارونها ولا تتاملون فيها ومحصول الجواب اخبرونى ان كنت على حجة ظاهرة الدلالة على صحة الدعوى الا انها خافية عليكم غير مسلمة عندكم أيمكننا ان نكرهكم على قبولها وانتم معرضون عنها غير متدبرين فيها اى لا يكون ذلك قال سعدى المفتى المراد الزام جبر بالقتل ونحوه فاما الزام الايجاب فهو حاصل قال قتادة لو قدر الانبياء ان يلزموا قومهم الايمان لالزموهم ولكن لم يقدروا يكى را بخوانى كه مقبول ماست ... يكى را برانى كه مخذول ماست بدونيك امر ترا بنده اند ... بتسليم حكمت سر افكنده اند ٢٩ { ويا قوم لا اسألكم عليه } على تبليغ الرسالة وهو ان لم يذكر فمعلوم من قوله انى لكم نذير مبين ان لا تعبدوا الا اللّه { مالا } تؤدونه الى بعد ايمانكم واتباعكم لى فيكون ذلك اجرا لى فى مقابلة اهتدائكم { ان اجرى الا على اللّه } وهو الثواب الذى يثيبنى فى الآخرة اى ما بلغتكم من رسالة اللّه الا لوجه اللّه لا لغرض من اغراض الدنيا { وما انا بطارد الذين آمنوا } لانهم طلبوا منه ان يطرد من عنده من الفقراء والضعفاء حتى يجالسوه كما طلب رؤس قريش من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طرد فقراء المؤمنين لملازمين لمجلسه الشريف استنكافا منهم ان ينتظموا معهم فى سلك واحد : قال الحافظ آنجه زر ميشود از برتو آن قلب سياه ... كيميا ييست كه در صحبت درويشا نست وقال نظر كردن بدرويشان منافئ بزركى نيست ... سليمان با جنان حشمت نظرها بودبا مورش قيل ان اللّه تعالى اختار الفقر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نظرا الفقراء حتى يتسلى الفقير بفقره كما يتسلى الغنى بماله وليدل على هو ان الدنيا عند اللّه تعالى { انهم ملاقوا ربهم } يوم القيامة فيقتص لهم ممن ظلمهم كما فى الكواشى او انهم فائزون فى الآخرة بلقاء اللّه تعالى وحسن جزائه كأنه قيل لا اطردهم ولا ابعدهم عن مجلسى لانهم مقربون فى حضرة القدس وكيف اذل من اعزه اللّه تعالى { ولكنى اريكم قوما تجهلون } ما امرتكم به وما جئتكم به قال ابو الليث وقال فى الارشاد تجهلون بكل ما ينبغى ان يعلم ويدخل فيه جهلهم بلقائه تعالى وبمنزلتهم عنده وباستيجاب طردهم لغضب اللّه تعالى ٣٠ { ويا قوم من ينصرنى من اللّه } يدفع عنى غضب اللّه تعالى ويمنعنى من انتقامه { ان طردتهم } وهم بتلك الصفة والمثابة من الكرامة والزلفى { افلا تذكرون } اى أتستمرون على ما انتم عليه من الجهل المذكور فلا تتذكرون ما ذكر من حالهم حتى تعرفوا ان ما تأتون بمعزل من الصواب وفى الحديث ( حب الفقراء والمساكين من اخلاق الانبياء والمرسلين وبغض مجالستهم من اخلاق المنافقين ) والاشارة يقول نوح الروح للنفس من يمنعك من عذاب اللّه تعالى وقهره ان منعت البدن من الطاعة والعبودية واقتصر على مجرد ايمان النفس وتخلقها باخلاق الروح كما هو معتقد اهل الفلسفة واهل العناد فانهم يقولون ان اصل العبودية معرفة الربوبية وجمعية الباطن والتحلة بالاخلاق الحميدة فلا عبرة للاعمال البدنية كذبوا واللّه كذبوا اللّه ورسوله فضلوا كثيرا والقول ما قال المشايخ رحمهم اللّه الظاهر عنوان الباطن وقال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( لا يستقيم ايمان احدكم حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم اعماله ) يعنى اركان الشريعة تسرى الى الباطن عند استعماله الشريعة فى الظاهر وان اللّه تعالى اودع النور فى الشرع والظلمة فى الطبع وانما بعث الانبياء ليخرجوا الخلق من ظلمات الطبع الى نور الشرع ٣١ { ولا اقول لكم } حين ادعى النبوة { عندى خزائن اللّه } اى عندى رزق اللّه وامواله حتى تستدلوا بعدمها على كذبى بقولكم وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين فان النبوة اعز من ان تنال باسباب دنيوية ودعواها بمعزل عن ادعاء المال والجاه قال سعدى المفتى يعنى لا ادعى وجوب اتباعى بكثرة المال والجاه حتى تنكروا فضلى وانما ادعى وجوبه لانى رسول من اللّه وقد جئت بينة تشهد على ذلك { ولا اعلم الغيب } اى لا ادعى فى قولى انى لكم نذير مبين انى اخاف عليكم عذاب يوم اليم العلم على الغيب حتى تسارعوا لى الانكار والاستبعاد وقال سعدى المفتى الظاهر انهم حين ادعى النبوة سألوه عن المغيبات وقالوا ان كنت صادقا فى دعواك فاخبرنا عن كذا وكذا فقال انا ادعى النبوة وقد جئتكم بآية من ربى ولا اعلم الغيب الا باعلامه ولا يلزم من ان يكون سؤالهم مذكورا فى النظم ان سؤال طردهم كذلك { ولا اقول } لكم { انى ملك } حتى تقولوا ما نراك الا بشرا مثلنا فان البشرية ليست من موانع بالنبوة بل من مباديها. يعنى انكم اتخذتم فقدان هذه الامور الثلاثة ذريعة الى تكذيبى والحال انى لا ادعى شيأ من ذلك ولا الذى ادعيه يتعلق بشيء منها وانما يتعلق بالفضائل النفسانية التى تتفاوت مقادير البشر { ولا اقول } مساعدة لكم كما تقولون { للذين تزدرى اعينكم } زراه اذا عابه واستصغره اى لاجل المؤمنين الذين تزدريهم اعينكم لفقرهم وفى شانهم ولو كانت اللام للتبليغ لكان القياس لن يؤتيكم بكاف الخطاب واسناد الازدراء الى الاعين للمبالغة والتنبيه على انهم استرذلوهم بادى الرؤية من غير روية وبما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تأمل فى معانيهم وكمالاتهم : قال السعدى معانيست درزير حرف سباه ... جودر برده معشوق ودرميغ ماه بسنديده ونغز بايد خصال ... كه كاه آيد وكه رود جاه ومال يقول الفقير الظاهر ان اسناد الازدراء الى الاعين انما هو بالنسبة الى ظهوره فيها كما يقال فلان نظر الى فلان يعين التحقير دون عين التعظيم وهذا لا ينافى كونه من صفات القلب فى الحقيقة { لن يؤتيهم اللّه خيرا } فى الدنيا او فى الآخرة فعسى اللّه ان يؤتيهم خير الدارين وقد وقع كما قال فى نطق الانبياء عليهم السلام انما هو من الوحى والالهام حيث اورثهم اللّه ارضهم وديارهم بعد عزتهم { اللّه اعلم بما فى انفسهم } من الايمان والمعرفة ورسوخهم فيه { انى اذا } اى اذ قلت ذلك { لمن الظالمين } لهم بحط مرتبتهم ونقص حقوقهم او من الظالمين لانفسهم بذلك فان وباله راجع الى انفسهم. وفيه تعريض بانهم ظالمون فى ازدرائهم واسترذالهم وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ( المسلم اخو المسلم ) المراد اخوة الاسلام ( لا يظلمه ) بنقصه حقه او بمنعه اياه ( ولا يخذله ) بترك الاعانة والنصرة اذا استعان به فى دفع ظالم ونحوه ( ولا يحقره ) اى لا يحتقره ولا يستكبر عليه. والاحتقار بالفارسية [ خوارداشتن ] ( التقوى ههنا التقوى ههنا التقوى ههنا ) ويشير الى صدره واصل التقوى الاجتناب والمراد ههنا اجتناب المعاصى وكان المتقى يتخذ له وقاية من عذاب اللّه تعالى بترك المخالفة. وقوله ههنا اشارة الى ان الاعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى وانما تحصل بما يقع من عظمة اللّه تعالى وخشيته ومراقبته فمن كانت التقوى فى قلبه فلا ينظر الى احد بعين الحقارة ( بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم ) يعنى يكفيه من الشر احتقاره اخاه المسلم ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله ) العرض موضع المدح والذم من الانسان كما فى فتح القريب وقال ابن الملك عرض الرجل جانبه الذى يصونه ٣٢ { قالوا يا نوح قد جادلتنا } خاصمتنا { فاكثرت جدالنا } اى اطلته. والمجادلة روم احد الخصمين اسقاط كلام صاحبه وهو من الجدل وهو شدة الفتل { فائتنا بما تعدنا } اى تعدنا من العذاب المعجل { ان كنت من الصادقين } فى الدعوى والوعيد فان مناظرتك تؤثر فينا ٣٣ { قال انما يأتيكم به اللّه ان شاء } عاجلا او آجلا وليس موكولا الىّ ولا مما يدخل تحت قدرتى. وفيه اسارة الى وقوع العذاب بمشيئة اللّه لا بالاعمال الموجبة للوقوع { وما انتم بمعجزين } بالهرب او بالمدافعة كما تدافعون فى الكلام قال الامام فان احدا لا يعجزه اى يمنعه مما اراد يفعله والمعجز هو الذى يفعل ما عنده فيتعذر به مراد الغير فيوصف بانه اعجزه فقوله تعالى { وما انتم بمعجزين } اى لا سبيل لكم الى ان تفعلوا ما عندكم فيمتنع على اللّه تعالى ما يشاء من العذاب ان اراد انزاله بكم ٣٤ { ولا ينفعكم نصحى } النصح كلمة جامعة لكل ما يدور عليه الخير من فعل او قول وحقيقته الخاصة ارادة الخير والدلالة عليه ونقيضه الغش وقيل هو اعلام موضع الغى ليتقى وموضع الرشد ليقتفى { ان اردت ان انصح لكم } شرط حذف جوابه للدلالة ما سبق عليه والتقدير ان اردت ان انصح لكم ينفعكم نصحى وهذه الجملة دالة على ما حذف من جواب قوله تعالى { ان كان اللّه يريد ان يغويكم } والتقدير ان كان اللّه يريد ان يغويكم فان اردت ان انصح لكم لا ينفعكم نصحى. وفيه اشارة الى ان نصح الانبياء ودعوتهم لا تفيد الهداية مع ارادة اللّه الغواية والكل بيد اللّه تعالى : قال الحافظ مكن بجشم حقارت نكاه برمن مست ... كه نيست معصيت وزهدبى مشيت او يقول الفقير قد سبق ان نوحا عليه السلام وصفهم بالجهل والجاهل لا ينفع فيه النصح والوعظ كما فى المثنوى بند كفتن باجهول خوابناك ... تخم افكندن بود درشوره خاك جاك حمق وجهل نبذبرد رفو ... تخم حكمت كم دهش اى بندكو { هو ربكم } خالقكم والمتصرف فيكم وفق ارادته { واليه ترجعون } فيجازيكم على اعمالكم لا محالة ٣٥ { ام يقولون } قوم نوح { افتريه } الضمير المستتر المرفوع لنوح عليه السلام والبارز للوحى الذى بلغه اليهم { قل } يا نوح { ان افتريته } بالفرض البحث فهو لا يدل على انه كان شاكا بل هو قول يقال على وجه الانكار عند اليأس من القبول { فعلىّ اجرامى } اى وبال اجرامى وهو كسب الذنب فالمضاف محذوف وان كنت صادقا فكذبتمونى فعليكم عقاب ذلك التكذيب فحذف لدلالة قوله تعالى { وانا بريئ مما تجرمون } عليه اى من اجرامكم فى اسناد الافتراء الىّ فلا وجه لاعراضكم عنى ومعاداتكم لى. وفيه اشارة الى ان ذنوب النفس لا تنافى صفاء الروح ولا يتدكر الروح بها ما دام متبرئا منها لكن كل من القوى يتكدر بما قارفه من ذنوب نفسه فالجهل يكدر الروح والميل الى ما سوى اللّه تعالى يكدر القلب والهوى يكدر النفس والشهوة تكدر الطبيعة فعلى العاقل تجلية هذه المرائى وتصقيلها له تعالى والتوجه الى الحضرة العلياء والعمل على وفق الهدى وترك المشتهيات قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة الانسان. وهم الذين غلب عليهم اوصاف النفس واحوال الشيطنة. واما ملكى وهم الذين غلب عليهم اوصاف الطبيعة والنفس ووصف الملكية والروح. واما رحمانى وهم الذين غلب عليهم وصف السر وحاله ثم الثلاثة الاول من يخرج منهم بالايمان من الدنيا فهم يدخلون الجنة بالفضل او بعد اقامة العدل وهم اصحاب اليمين وارباب الجمال ومن يخرج من الدنيا بلا ايمان فيدخلون الجحيم بالعدل وهم اصحاب الشمال وارباب الجلال والرابع من يخرج منهم بالايمان فهم اهل الاعراف والخامس هم ارباب الكمال السابقون المقربون وما منا الاله مقام معلوم ورزق مقسوم ثم الحيوانيون بعدما خرجوا من الدنيا يحشرون مع الشياطين والملكيون يحشرون مع الملائكة واصحاب الجانبين يحشرون بين الطرفين والرحمانيون يحشرون مع قرب الرحمن قال عليه السلام ( تموتون كما تعيشون وتحشرون كما تموتون ) انتهى كلامه قال يحيى بن معاذ الرازى الناس ثلاثة اصناف. رجل شغله معاده عن معاشه. ورجل شغله معاشه عن معاده. ورجل مشتغل بهما جميعا فالاول درجة الفائزين والثانى درجة الهالكين والثالث درجة المخاطرين وفى الحديث ( ان خواص يسكنهم الرفيع من الجنان كانوا عقل الناس ) قالوا يا رسول اللّه كيف كانوا اعقل الناس قال ( كان نهمتهم المسابقة الى ربهم والمسارعة الى ما يرضيه وزهدوا فى الدنيا وفى رياستها وفى فضولها ونعيمها فهانت عليهم فصبروا قليلا واستراحوا طويلا ) ناكى غم دنياى جنى اى دل دانا ... حيفست زخزبى كه شود عاشق زشتى ٣٦ { واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك } اى المصيرين على الكفر وهو اقناط عليه السلام من ايمانهم واعلام لكونه كالمحال الذى لا يصح توقعه { الا من قد آمن } الا من قد وجد منه ما كان يتوقع من ايمانه وقد للتوقع وقد اصابت محزها وقال المولى ابو السعود رحمه اللّه هذا الاستثناء على طريقة قوله تعالى { الا ما قد سلف } وقد سبق فى اواخر سورة النساء وقال سعدى المفتى ان قيل من قد آمن لا يحدث الايمان بل يستمر عليه فكيف صح اتصال الاستثناء قلنا قد تقرر ان لدوام الامور المستمرة حكم الابتداء ولهذا لو حلف لا البس هذا الثوب وهو لابسه فلم ينزعه فى الحال يحنث ومبنى الايمان على العرف وقال القطب العلامة { الا من قد آمن } قد استعد للايمان وتوقع منه ولا يراد الايمان بالفعل والا لكان التقدير الا من قد آمن فانه يؤمن { فلا تبتئس بما كانوا يفعلون } هو تفتعل من البؤس ومعناه الحزن فى استكانة وهى الخضوع اى لا تحزن حزن بائس مستكين ولا تغتم بما كانوا يتعاطون من التكذيب والايذاء فى هذه المدة الطويلة فقد انتهى افعالهم وحان وقت الانتقام منهم وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم انه قال ( ان نوحا كان اذا جادل قومه ضربوه حتى يغشى عليه فاذا افاق قال اللّهم اهد قومى فانهم لا يعلمون ) انتهى ولما حاء هذا الوحى من عند اللّه تعالى دعا عليهم فقال { رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } وفى المثنوى ناحمولى انبيارا از امردان ... ورنه حمالست بدرا حلمشان طبع را كشتند اندر حمل بد ... ناحمولى كركند ازحق بود قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اول ما يتخلق المتخلق بعدم التأذى باذى الانام باحتماله صبرا ووساطته ان لا يجدهم مؤذين لانه موحد فيستوى عنده المسيئ والمحسن فى حقه وخاتمته ان يرى المسيء محسنا اليه فانه عالم بالحقائق متحقق بالتجلى الالهى وهى بداية التحقيق والاشارة فى الآية ان نوح الروح لا يؤمن من قومه الا القلب والسر والبدن وجوارحه فاما النفس فانها لا تؤمن ابدا اللّهم الا نفوس الانبياء وخواص الاولياء فانها تسلم احيانا دون الايمان وحال النفوس كاحوال الاعراب كقوله تعالى { قالت الاغراب ىمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } قال معدن الايمان القلوب ومظهر الاسلام النفوس لان الاسلام الحقيقى الذى قال تعالى فيه { أفمن شرح اللّه صدره للاسلام فهو على نور من ربه } هو ضوء قد انعكس من مرآة القلب المنور بنور الايمان فاما اسلام الاعراب اذ قال تعالى لهم ولما يدخل الايمان فى قلوبكم لم يكن ضوأ منعكسا من مرآة القلب المنور ولكن هو ضوء منعكس من النور المودع فى كلمة التوحيد والاعمال الصالحة عند اتيانها بالصدق علم ان ايمان الخواص ينزل من الحق تعالى بنظر عنايته على القلوب القابلة للفيض الآلهى بلا واسطة وايمان العوام يدخل فى قلوبهم من طريق الاقرار باللسان والعمل بالاركان { فلا تبتئس } على نفوس السعداء { بما كانوا يفعلون } من اعمال الشر فانها لهم كالجسد للاكسير ينقلب ذهبا مقبولا عند طرح الروح فلذلك تنقلب اعمال الشر خيرا عند طرح التوبة عليها كما قال تعالى { اولئك يبدله اللّه سيآتهم حسنات } { ولا تبتئس } على نفوس الاشقياء { بما كانوا يفعلون } لانها حجة اللّه على شقاوتهم وبتلك السلاسل يسحبون فى النار على وجوههم كذا فى التأويلات النجمية ٣٧ { واصنع الفلك } [ جون فائده دعوت ازايشان منقطع كشته زمان نزول عذاب دررسيد حكم شد كه اى نوح ميان اجتهاد دربندوبساز كستى را ] والامر للوجوب اذ لا سبيل الى صيانة الروح من الغرق الا به فيجب كوجوبها. واللام اما للعهد بان يحمل على ان هذا مسبوق بالوحى اليه انه سيهلككم بالغرق وينجيه ومن معه بشيئ سيصنعه بامره تعالى ووحيه من شانه كيت وكيت واسمه كذا واما للجنس والصنعة بالفارسية [ كاركردن ] والمراد ههنا نجرا الخشب اى نحته ليتحصل منه صورة السفينة { باعيننا } العين ليست من الآلات التى يستعان بها على مباشرة العمل بل هى سبب لحفظ الشيء فعبر عنه مجازا وجمع العين لجمع الضمير والمبالغة والكثرة اسباب الحفظ والرعاية فالاعين فى معنى محفوظا على انه حال من فاعل اصنع اى اصنعه محفوظا من ان يمنعك احد من اعدائك عن ذلك العمل واتمامه ومن ان تزيغ فى صنعته عن الصواب وقال الكاشفى [ باعيننا بنكاه داشتن ما يا با عين ملائكة كه مدد كار وموكل تواند ] يقول الفقير الاول انسب لما فى سورة الطور من قوله تعالى { واصبر لحكم ربك فانك باعيننا } اى فى حفظنا وحمايتنا بحيث نراقبك ونكلؤك واتحاد القضية ليس بشرط { ووحينا } اليك كيف نصنعها وتعليمنا والهامنا اى موحى اليك كيفية صنعها قال ابن عباس رضى اللّه عنهما لم يعلم كيف صنعة الفلك فاوحى اللّه اليه ان يصنعها مثل جؤجؤ الطائر بالفارسية [ جون سينه مرغ وبراو ] فاخذ القدوم وجعل يضرب ولا يخطئ [ ود اخبار آمده كه نوح عليه السلام جوب كشتى بطلبيد فرمان برسيد تادرخت ساج بكاشت ودرمدت بيست سال كه درخت برسيد مطلقا هيج فرزند متولد نشد تا اطفال قوم بالغ شدند وايشان نيز متابعت آبا كرده از قبول دعوت نوح ابا كردند بس نوح بساختن كشتى اشتغال فرمود ] ونحتها في سنتين واستأجر اجراء ينحتون معه وقيل فى اربعمائة سنة ومن الغرائب ما فى الحيوان من ان اول من اتخذ الكلب للحراسة نوح عليه السلام قال يا رب امرتنى ان اصنع الفلك وانا فى صناعته اصنع اياما فيجيئون بالليل فيفسدون كل ما عملت فمتى يلتئم لى ما امرتنى به قد طال علىّ امرى فاوحى اللّه تعالى اليه يا نوح اتخذ كلبا يحرسك فاتخذ نوح كلبا وكان يعمل بالنهار وينام بالليل فاذا جاء قومه ليفسدوا بالليل ينبحهم الكلب فينتبه نوح عليه السلام فيأخذ الهراوة ويثب اليهم فينهزمون منه فالتأم ما اراد وفعل السفينة برشاد : وفى المثنوى قابل تعليم وفهمست اين خرد ... ليك صاحب وحى تعليمش دهد جملة حرفتها يقين از وحى بود ... اول او ليك عقل آنرا فزود هيج حرفت را ببين كين عقل ما ... ماند او آموختن بى اوستا كرجه اندر فكرموى اشكاف بد ... هيج بيشه رام بى اوستا نشد وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع والذراع الى المنكب وعرضها خمسين ذراعا وسمكها اى رتفاعها فى الهواء ثلاثين ذراعا وبابها فى عرضها او كان طولها الفا ومائتى ذراع وعرضها ستمائة ذراع كما قيل ان الحواريين قالوا لعيسى عليه السلام لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة يحدثنا عنها فانطلق بهم حتى انتهى الى كثيب من تراب فاخذ كفا من ذلك التراب فقال أتدرون من هذا قالوا اللّه ورسوله اعلم قال هذا كعب بن حام فضرب بعصاه وقال قم باذن اللّه فاذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب فقال له عيسى أهكذا هلكت قال لا مت وانا شاب ولكنى ظننت انها الساعة ثمن ثم شبت فقال حدثنا عن سفينة نوح قال كان طولها الفا ومائتى ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات طبقة للدواب والوحش وطبقة للاتس وطبقة للطير ثم قال عد باذن اللّه تعالى كما كنت فعاد ترابا قال فى الكواشى وطلاها بالقار فلما اتمها انطقها اللّه فقالت لا اله الا اللّه فى الاولين والآخرين انا السفينة التى من ركبنى نجا ومن تخلف عنى هلك ولا يدخلنى الا اهل الايمان والاخلاص فقال قومه يا نوح هذا قليل من سحرك { ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا } اى لا تراجعنى فيهم ولا تدعنى فى استدفاع العذاب عنهم. وفى وضع المظهر موضع المضمر تسجيل عليهم بالظلم ودلالة على انه انما نهى عن الدعاء لهم بالنجاة لتصميمهم على الظلم وان العذاب انما لحقهم لذلك { انهم مغرقون } محكوم عليهم بالاغراق قد مضى به القضاء وجف القلم فلا سبيل الى كفه ولزمتهم الحجة فلا يبق الا ان يجعلوا عبرة للمعتبرين ومثلا للآخرين ويقال للذين ظلموا يعنى ابنه كنعان كما فى تفسير ابى الليث وزاد فى التبيان امرأنه والعة او واعلة بالعين المهملة وهى ام كنعان يقول الفقير لعله هو الاصوب لانه روى ان الارض صاحت وقال يا رب ما احلمك على هؤلاء الكفرة يمشون على ظهرى ويأكلون رزقك ويعبدون غيرك ثم نطقت السباع كذلك فلما اشتد الامر وعلم نوح انه لا يؤمن من قومه احد بعد دعا عليهم بالهلاك فكيف يخاطب اللّه فيهم وفى نجاتهم. واما كنعان وامه فهما وان كانا كافرين لكن لا يسوى بينهما وبينهم من حيث ان الشفقة على الاهل والاولاد اشد وكان من شأنه المخاطبة فى حقهم ولذلك نهى عنها وسيجيء زيادة البيان فى ذلك قال فى التأويلات النجمية { ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا } اى النفوس فان الظلم من شيمتها انه كان ظلوما جهولا لانها تضع الاشياء فى غير موضعها تضع عبادة الحق فى هواها والدنيا وشهواتها وفى هذا الخطاب حسم مادة الطمع عن ايمان النفوس وفيه حكم يطول شرحها منها ترقى اهل الكمالات لى الابد فافهم جدا وان النفس مكمن مكر الحق حتى لا تأمن منها ومن صفاتها انهم مغرقون فى طوفان الفتن الا من سلمه اللّه منه والسلامة فى ركوب سفينة الشريعة فان نوح الروح ان لم يركبها كان من المغرقين انتهى. وفى الحديث ( مثلة ومثل امتى كمثل سفينة نوح من تمسك بها نجا ومن تخلف عنها غرق ) وفى المثنوى بهر اين فرمود بيغمبر كه من ... همجو كشتى ام بطوفان زمن ماواصحابيم جون كشتئ نوح ... هركه دست اندر زند يابد فتوح جونكه باشيخى تودور از زشتئ ... روز وشب سيارى ودر كشتئ مكسل از بيغمبر ايام خويش ... تكيه كم كن برفن وبركام خويش كرجه شيرى جون روى ره بى دليل ... خويش روبه در ضلاى وذليل ٣٨ { ويصنع الفلك } ينجرها وهى حكاية حال ماضية لاستحضار صورتها العجيبة { وكلما } اى يصنعها والحال انه كلما { مر عليه ملأ } اشراف ورؤساء { من قومه سخروا منه } استهزؤا به لعمله السفينة اما لانهم ما كانوا يعرفونها ولا كيفية استعمالها والانتفاع بها فقالوا يا نوح ما تصنع قال اصنع بيتا يمشى على الماء لتعجبوا من قوله وسخروا منه واما لانه كان يصنعها فى برية بهماء فى ابعد موضع من الماء فى وقت عزته عزة شديدة وكانوا يتضاحكون ويقولون يا نوح صرت نجارا بعدما كنت نبيا ويقولون أتجعل للماء اكافا فاين الماء او لانه كان ينذرهم الغرق فلما طال مكثه فيهم ولم يشاهدوا منه عينا ولا اثرا عدوه من باب المحال ثم لما رأوا اشتغاله باسباب الخلاص من ذلك فعلوا ما فعلوا ومدار الجميع انكار ان يكون لعمله عاقبة حميدة مع ما فيه من تحمل المشاق العظيمة من اكرنيكم وبدتو برو وخودرا باش ... هر كسى ىن درود عاقبت كاركه كشت قوله كلما ظرف وما مصدرية ظرفية تقديره وفى كل وقت مرور سخروا منه والعامل سخروا منه { قال } استئناف كأن سائلا سال فقال فما صنع نوح عند بلوغ اذاهم الغاية فقيل قال { ان تسخروا منا } [ اكر سخريه وافسوس ميكنيد باما ] { فانا نسخر منكم كما تسخرون } سخرية مثل سخريتكم اذا وقع عليكم الغرق فى الدنيا والحرق فى الآخرة قال المولى ابو السعود رحمه اللّه اى نعاملكم معاملة من يفعل ذلك لان نفس السخرية مما لا يكاد يليق بمنصب النبوة انتهى يقول الفقير المقصود من هذه السخرية اصابة جزاء السخرية وكل احد انما يجازى من جنس عمله لا من خلاف جنسه الا ترى الى قوله تعالى فى حق الصائمين { كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم فى الايام الخالية } فانه يقال لهم يوم القيامة كلوا يا من جوعوا بطونهم واشربوا يا من عطشوا اكبادهم ولا يقال كلوا يا من قطعوا الليل واشربوا يا من ثبتوا يوم الزحف اذ ليس فيه المناسبة بين العمل وجزائه فالآية نظير قوله تعالى { ان الذين اجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } الا ترى الى ما قال فى الجزاء { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } ثم تمم بقوله { هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون } وفى الآية اشارة الى ان اهل النفس وتابعى هواها يستهزئون بمن يستعمل اركان الشريعة الظاهرة ويضحكون منهم فى اتعابهم بها نفوسهم اذهم بمعزل عن اسرارها وانوارها فان سخروا منهم بجهلهم لفائدة هذه السفينة فسوف يسخر بهم من ركبها اذ نجوا وهلكوا قال شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة فكما ان العالم الغير العامل والجاهل الغير العامل سواء فى كونهما مطروحين عن باب اللّه تعالى فكذلك العارف الغير العامل والغافل الغير العامل سواء فى كونهما مردودين عن باب اللّه تعالى لان مجرد العلم والمعرفة ليس سبب القبول والفلاح ما لم يقارن العمل بالكتاب والسنة بل كون مجردهما سبب الفلاح مذهب الحكماء الغير الاسلامية فلا بد معهما من العمل حتى يكونا سببا للنجاة كما هو مذهب اهل السنة والحكماء الاسلامية انتهى كلامه المقبول المفيد كارى كنيم ورنه حجالت برآود ... روزى كه رخت جان بجهان دكركثيم قال السعدى قدس سره كنون كوش كآب از كمر دركذشت ... در وقت سيلابت از سر كذشت ٣٩ { فسوف تعلمون من } عبارة عنهم وعى اما استفهامية فى حيز الرفع او موصولة فى محل النصب يتعلمون وما فى حيزها ساد مسد المفعولين قال سعدى المفتى من موصولة ويعدى تعلمون الى واحد استعمالا لها استعمال عرف فى التعدية الى واحد { يأتيه عذاب } وهو عذاب الغرق { يخزيه } يهنيه ويذله وصف العذاب بالاخزاء لما فى الاستهزاء والسخرية من لحوق الخزى والعار عادة { ويحل عليه } حلول الدسن الذى لا انفكاك عنه ففى الكلام استعارة مكنية حيث شبه العذاب الاخروى الذي قضى اللّه تعالى به حقهم بالدين المؤجل الواجب الحلول واثبت له الحلول الذى هو من لوازمه { عذاب مقيم } دائم هو عذاب النار ٤٠ { حتى اذا جاء امرنا } للتنور بالفوران او للحساب بالارسال وحتى هى التى يبتدأ بها الكلام دخلت على الجملة الشرطية وهى مع ذلك غاية لقوله ويصنع فان كونها حرف ابتداء لا ينافى كونها ما بعدها غاية لما قبلها. والمعنى وكان يصنعها لى ان جاء وقت الطوفان { وفار التنور } [ وبجوشيد آب از تنور ] والتنور اسم اعجمى عربته العرب لان اصل بنائه تنر وليس فى كلام العرب ون قبل راء ذكره القرطبى اى نبع منه الماء وارتفع بشدة كما يفور القدر بغليانها. والتنور تنور الخبز لاهله وهو قول المهور -روى- انه قيل لنوح اذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب ومن معك فى السفينة فلما نبع الماء اخبرته امرأته فركب وقيل كان تنور آدم وكان من حجارة فصا الى نوح وانما نبع منه وهو ابعد شيئ من الماء على خرق العادة واختلفوا فى مكان التنور ايضا فقيل كان فى الكوفة فى موضع مسجدها عن يمين الداخل مما يلى باب الكنيسة وكان عمل السفينة فى ذلك الموضع وفى القاموس الغارقون مسجد الكوفة لان الغرق كان فيه وفى زاوية له فار التنور وقيل فى الهند وقيل فى موضع بالشام يقال له عين وردة وقيل التنور وجه الارض او اشرف موضع فى الارض اى اعلاه وعن على رضى اللّه عنه فار التنور طلع الفجر { قلنا } جواب اذا وان جعلت حتى جارة متعلقة بيصنع فاذا ليست بشرطية بل مجرورة بحتى وقلنا استئناف { احمل فيها } الضمير راجع الى الفلك والتأنيث باعتبار السفينة { من كل } اى من كل نوع من الحيوانات لا بد منه فى الارض { زوجين اثنين } فعول احمل واثنين صفة مؤكدة له وزيادة بيان كقوله تعالى { لا تتخذوا آلهين اثنين } والزوجان عبارة عن كل اثنين لا يستغنى احدهما عن الآخر ويقال لكل واحد منهما زوج يقال زوج خف وزوج نعل قال فى الارشاد الزوج ماله مشاكل من نوعه فالذ كرزوج للانثى كما هى زوج له وقد يطلق على مجموعهما فيقابل الفرد ولازالة ذلك الاحتمال قيل اثنين كل منهما زوج الآخر وقدم ذلك على اهله وسائر المؤمنين لانه انما يحمل بماشرة البشر وهم انما يدخلونها بعد حملهم اياه -روى- ان نوحا قال يا رب كيف احمل من كل زوجين اثنين فحشر اليه السباع والطير فجعل يضرب يديه فى كل جنس فيقع الذكر فى يده اليمنى والانثى فى اليسرى فيجعلهما فى السفينة قال الحسن لم يحمل فى السفينة الا ما يلد ويبيض واما ما يتولد من التراب كالحشرات والبق والبعوض فلم يحمل منه شيأ قال الشيخ السمرقندى فى بحر الكلام واول ما حمل نوح الذرة وآخر ما حمله الحمار فلما دخل صدره تعلق ابليس بذنبه فلم يستقل رجلاه نوح يقول ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع حتى قال نوح ادخل والشيطان معك فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه فقال نوح ما ادخلك علىّ يا عدو اللّه ألم تقل ادخل والشيطان معك قال اخرج عنى يا عدو اللّه قال مالك بدّ من ان تحملنى معك وكان فيما يزعمون فى ظهر الفلك انتهى وقال فى التبيان ابليس اراد ان يدخل السفينة فلم يكن ان يدخل من غير اذن فتعلق بذنب حمار وقت دخوله فى السفينة فلم يدخل الحمار فى السفينة فالح عليه نوح عليه السلام فقال نوح للحمار ادخل يا ملعون فدخل الحمار السفينة ودخل معه ابليس فلما كان بعد ذلك رأى نوح ابليس فى السفينة فقال له دخلت السفينة بغير امرى فقال له ابليس ما دخلت الا بأمرك فقال له فانا ما امرتك فقال امرتنى حين قلت للحمار ادخل يا ملعون ولم يكن ثمة ملعون الا انا فدخلت فتركه وفى الحديث ( اذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا باللّه من الشيطان فانها رأت شيطانا واذا سمعتم صياح الديك فاسألوا اللّه من فضله فانها رأت ملكا ) قالوا صوت كل حيوان تسبيح منه الا الحمار فان صوته من رؤية الشيطان وذلك يدل على ان كمال دناءته فى نفسه ولذا تعلق الشيطان بذنبه وجاء صديقا له واما الديك فهو عدو له لانه يصيح فى اوقات الصلاة عند استماع صوت ديك العرش ولا بعد فى تفاوت الحيوانات العجم كالانسان وقد صح ان البغال كانت اسرع الدواب فى نقل الحطب لنار ابراهيم عليه السلام ولذلك دعا عليها فقطع اللّه نسلها وان الوزغ كان ينفخ فى ناره ولذا ورد ( من قتل وزغة فى اول ضربة كتبت له مائة حسنة ) قال فى حياة الحيوان اذا ذبح الديك الابيض الافرق احد لم يزل ينكب فى اهله وماله وعن سالم بن عبد اللّه عن ابيه قال لما ركب نوح عليه السلام فى السفينة رأى فيها شيخا لم يعرفه فقال له نوح ما ادخلك قال لما ركب نوح عليه السلام فى السفينة رأى فيها شيخا لم يعرفه فقال له نوح ما ادخلك قال دخلت لاصيب قلوب اصحابك فيكون قلوبهم معى وابدانهم معك قال نوح اخرج يا عدو اللّه فقال ابليس خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك منهن بثلاث ولا أحدثك باثنتين فاوحى الى نوح انه لا حاجة بك الى الثلاث مره يحدثك بالثنتين قال الحسد وبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما والحرص ابيح لآدم الجنة فاصبت حاجتى منه بالحرص : وفى المثنوى حرص توددكار بدجون آنشست ... اخكر ازرنك خوش آنش خوشست ىن سياهئ فحم در آتش نهان ... جون شد آتش آن سياهى شد عيان اخكراز حرص توشد فحم سياه ... حرص جون شد ماند آن فحم تباه آن زمان آن فحم احكر مينمود ... آن نه حسن كارنار حرص بود حرص كارت را بيارا ئيده بود ... حرص رفت وماند كار توكبود وقيل ان الحية والعقرب اتيا نوحا فقالتا احملنا فقال انتما سبب الضرر والبلاء فلا احملكما قالتا احملنا فنحن نضمن لك ان لا نضر احدا فمن قرأ حين خاف مضرتهما { سلام على نوح فى العالمين } ما ضرتاه وعن وهب بن منبه امر نوح بان يحمل من كل زوجين اثنين قال يا رب كيف اصنع بالاسد والبقرة وبالعناق والذئب وبالحمام والهرة قال يا نوح من القى بينهم العداوة قال انت يا رب قال فانى اؤلف بينهم حتى يتراضوا وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما اكثر الفار فى السفينة حتى خافوا على حبال السفينة فأوحى اللّه تعالى الى نوح ان امسح جبهة الاسد فمسحها فعطس فخرج منها سنوران فأكلا الفار وكثرت العذرة فى السفينة فشكوا الى نوح فأوحى اللّه تعالى ان امسح ذنب الفيل فمسحه فخرج منه خنزيران فاكلا العذرة وفى خبر آخر خنزير واحد ودل خبر وهب على ان الهرة كانت من قبل وهذا الخبر على انها لم تكن من قبل الا ان يقال ان قصة التأليف وعت بعد خروج الهرة من انف الاسد واللّه اعلم { واهلك } عطف على زوجين والمراد امرأته المؤمنة فانه كان له امرأتان احدهما مؤمنة والاخرى كافرة اهى ام كنعان وبنوه ونساؤهم { الا من سبق عليه القول } بانه من المغرقين بسبب ظلمهم والمراد به ابنه كنعان وامه واعلة فانهما كانا كافرين والاستثناء منقطع ان اريد بالاهل الاهل ايمانا وهو الظاهر لقوله تعالى { انه ليس من اهلك } او متصل ان اريد به الاهل قرابة ويكفى فى صحة الاستثناء المعلومية عند المراجعة الى احوالهم والتفحص عن اعمالهم وجيء بعلى لكون السابق ضارا لهم كما جيء باللام فيما هو نافع لهم فى قوله تعالى { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين } وقوله { ان الذين سبقت لهم منا الحسنى } { ومن آمن } عطف على واهلك اى واحمل اهلك والمؤمنين من غيرهم وافراد الاهل منهم للاستثناء المذكور { وما آمن معه الا قليل } [ وايمان نياورده بودند وموافقت نكرده بانوح مكراندكى ازمردمان ] -روى- عن النبى عليه السلام انه قال ثمانية نوح واهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم قال العتبى قرات فى التوراة ان اللّه تعالى اوحى اليه ان اصنع الفلك وادخل انت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك ومن كل شيء من الحيوان زوجان اثنان فانى منزل المطر اربعين يوما وليلة فأتلف كل شيء خلقته على وجه الارض وعن مقاتل كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة واولاد نوح ونساؤهم فالجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما كان فى سفينة نوح ثمانون رجلا وامرأة احدهم جرهم يقال ان فى ناحية الموصل قرية يقال لها قرية الثمانين سميت بذلك لانهم لما خرجوا من السفينة بنوها فسميت بهم والاشارة { حتى اذا جاء امرنا } وهو حد البلاغة التى يكون العبد مأمورا بالركوب على سفينة الشريعة { وفار التنور } اى يفور ماء الشهوة من تنور القالب { قلنا احمل فيها } فى سفينة الشريعة { من كل } صفة من صفات النفس { زوجين اثنين } اى كل صفة وزوجها كالشهوة وزوجها العفة. والحرص وزوجه القناعة. والبخل وزوجه السخاوة والغضب وزوجه الحلم. والحقد وزوجه السلامة. والعداوة وزوجها المحبة. والتكبر وزوجه التواضع والتأنى وزوجه العجلة { واهلك } اى واحمل معك اهلك صفات الروح { الا من سبق عليه القول } من النفس { ومن آمن } اى آمن معك من القلب والسر { وما آمن معه } غالبا { الا قليل } من صفات القلب فيه اشاره الى ان كل ما كان من هذه الصفات وازواجها فى معزل عن سفينة الشريعة فهو غريق فى طوفان الفتن وهذا رد علىلفلاسفة والاباحية فانهم يعتقدون ان من اصلح اخلاقها الذميمة وعالجها بضدها من الاخلاق الحميدة فلا يحتاج الى الركوب فى سفينة الشرع ولا يعلمون ان الاصلاح والعلاج اذا صدرا من طبيعة لا يفيد ان النجاة لان الطبيعة لا تعلم كيفية الاصلاح والعلاج ولا مقدار تزكية النفس وتحليتها وان كانت الطبيعة واقفة على صلاح النفس وفسادها لعالجتها فى ابتداء امرها وما كانت النفس محتاجة الى طبيب عالم بالامراض ومعالجتها وهم الانبياء عليهم السلام حيث قال ( هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ) ليعلموا المرض من الصحة والداء من الدواء { ويزكيهم ويعلمهم الكتاب } والحكمة فبالتزكية عن الصفات الطبيعية يستحقون تحلية اخلاق الشريعة الربانية كذا فى التأويلات النجمية ٤١ { وقال } اى نوح لمن معه من المؤمنين بعد ادخال ما امره بحمله فى الفلك من الازواج قال الكاشفى [ نوح ايشانرا بنزديك كشتى آورد وسربوشى كه ترتيب داده بود بالاى كشتى بوشيد واز زمين آب عذاب جوشيدن كرفت واز آسمان آب بلا فرود آمدن آغار كرد ] -وروى- انه حمل معه تابوت آدم وجعله معترضا بين الرجال والنساء { اركبوا فيها } اى فى السفينة وهو متعلق باركبوا وعدى بى لتضمنه معنى ادخلوا وصيروا فيها راكبين قال فى الارشاد الركوب العلو على الشيء المتحرك ويتعدى بنفسه واستعماله هنا بكلمة فى ليس لان المأمور به كونهم فى جوفها لا فوقها كما ظن فان اظهر الروايات انه عليه السلام جعل الوحوش والسباع والهوام فى البطن الاسفل من الطبقات الثلاث للسفينة والانعام والدواب فى الاوسط وركب هو ومن معه ما يحتاجون اليه من الزاد فى الاعلى بل رعاية لجانب المحلية والمكانية فى الفلك والسر فيه ان معنى الركوب العلو على شيء له حركة اما ارادية كالحيوان او قسرية كالسفينة والعجلة ونحوهما فاذا استعمل فى الاول يوفر له حظ الاصل فيقال ركبت الفرس وان استعمل فى الثانى يلوح لمحلية المفعول بكلمة فى فيقال ركبت فى السفينة قيل انهم ركبوا السفينة يوم العاشر من رجب وكان يوم الجمعة فاتت السفينة البيت فطافت اسبوعا فسارت بهم مائة وخمسين يوما واستقرت بهم على الجودى شهرا وكان خروجهم من السفينة يوم عاشوراء من محرم { بسم اللّه } متعلق باركبوا حال من فاعله اى ركبوا مسمين باسم اللّه وهو تأويل مسمين اللّه وقائلين بسم اللّه وعلى التقديرين فهو حال مقدرة لان وقت الجرى والارساء بعد الركوب { مجريها } بفتح الميم من جرى وبكسر الراء على الامالة نصب على الظرفية اى وقت جريها { ومرسيها } اى وقت ارسائها وحبسها وثبوتها وقال فى الكواشى بسم اللّه مجراها خبر ومبتدأ ومرساها عطف عليه اى بسم اللّه اجراؤها وارساؤها فكان عليه السلام اذا اراد ان تجرى قال بسم اللّه فجرت وان اراد ان ترسو قال بسم اللّه فرست ومجراها ضما وفتحا مصدر اجريته وجريت به لغتان بمعنى كاذبته وذهبت به ومرساها بضم الميم من ارست السفينة ترسى وقفت انتهى { ان ربى لغفور } للذنوب والخطايا { رحيم } لعباده ولهذا نجاكم من هذه الداهية ولولا ذلك لما فعله وفيه دلالة على ان نجاتهم ليست بسبب استقاقهم لها بل يمحض فضل اللّه وغفرانه ورحمت على ما عليه رأى اهل السنة -حكى- ان عجوزا مرت على نوح وهو يصنع السفينة وكانت مؤمنة به فسألته عما يصنعه فقال ان اللّه تعالى سيهلك بالكفار بالطوفان ويجيء المؤمنين بهذه السفينة فاوصت ان يخبرها نوح اذا جاء وقتها لتركب فى السفينة من المؤمنين فلما جاء ذلك الوقت اشتغل نوح بحمل الخلق فيها ونسى وصية العجوز وكانت بعيدة منه ثم لما وقع ما وقع من اهلاك الكفار ونجاة المؤمنين وخرجوا من السفينة جاءت اليه تلك العجوز فقالت يا نوح انك قلت لى سيقع الطوفان ألم يأن ان يقع قال قد وقع وكان امر اللّه مفعولا وتعجب من امر العجوز فان اللّه تعالى قد انجاها فى بيتها من غير ركوب السفينة ولم تر الطوفان قط وهكذا حماية اللّه تعالى لعباده المؤمنين وقد صح عن بعض اهل الكشف ان موضع الجامع الكبير فى بلدة بروسه كان بيتا للعجوز المذكورة كما فى الواقعات المحمودية : وفى المثنوى كاملان از دور نامت بشنوند ... تابقعر باد وبودت درروند بلكه بيش از زادن توسالها ... ديده باشندت ترا باحالها هركسى اندازه روشن دلى ... غيب را بيند بقدر صيقلى والاشارة الى ان السفينة الشريعة معمولة للنجاة لراكبيها من طوفان فتن النفس والدنيا والامر بالركوب فى قوله تعالى { اركبوا فيها } يشير الى كشف سر من اسرار الشريعة وهو ان من ركب سفينة الشرع بالطبع وتقليد الآباء والاستاذين لم ينفعه للنجاة الحقيقية كما ركب المنافقون بالطبع لا بالامر فلم ينفعهم وكما ركب ابليس فى سفينة نوح فلم ينفعه وانما النجاة لمن ركب فيها بالامر وحفظا لادب المقام قال { بسم اللّه مجريها ومرسيها } اى يكون مجريها من اللّه ومرساها الى اللّه كقوله { ان الى ربك المنتهى } { ان ربى لغفور } بالنجاة لمن ركبها { رحيم } لمن ركبها بالامر لا بالطبع كذا فى التأويلات النجمية ٤٢ { وهى } اى الفلك { تجرى } حكاية حال ماضية { بهم } حال من فاعل تجرى اى وهم فيها ملتبسة بهم ولك ان تجعل الباء للتعدية يقال اجريته وجريت به كأذهبته وذهبت به فالمعنى بالفارسية [ همى برد ايشانرا ] والجملة عطف على محذوف دل عليه الامر بالركوب اى فركبوا فيها مسمين وهى تجرى بهم { فى } خلال { موج } يعنى موج الطوفان والطوفان من كل شيء ما كان كثيرا مطيفا بالجماعة كالمطر الغالب فى هذا المقام. والموج جمع موجة وهو ما ارتفع من الماء اذا اشتد عليه الريح { كالجبال } شبه كل موجة من ذلك بالجبل فى عظمتها وارتفاعها على الماء وتراكمها وظاهره يدل على ان السفينة تجرى داخل الموج ولكن المراد ان الامواج لما احاطت السفينة من الجوانب شبهت بالتى تجرى فى داخل الامواج فان قلت ان الماء ملأ ما بين السماء والارض واذا كذلك لم يتصور الموج فيه فما معنى جريها فيه قلت هذا الجريان كان من قبل ان يغمر الطوفان الجبال ثم كانت السفينة تجرى فى جوف الماء كما تسبح السمكة كما قالوا ولا يلزم الغرق لان اللّه قادر على امساك الماء على الدخول فى السفينة الا ترى الى الحوت الذى اتخذ سبيله فى البحر سربا [ يعنى هرجاكه ما هى ميرفت اب بالاى ومرتفع ايستاد ] ومثله من الخوارق فلق البحر لموسى عليه السلام وقومه وجعله تعالى فى الماء كوى متعددة { ونادى } [ وآوازداد ] { نوح ابنه } قيل اسم ابنه كنعان وقيل يام واختلفوا ايضا فى انه كان ربيبه او ابنه لظهره فذهب اكثر علماء الرسوم الى الاول لان ولد الرسول المعصوم يستبعد ان يكون كافرا ولقراءة على رضى اللّه عنه ابنها على ان يكون الضمير لامرأته واعلة بالعين المهملة او والعة كما فى التبيان ولقوله { ان ابنى من اهلى } دون ان يقول منى. وذهب بعضهم وجمهور علماء الحقيقة قجس اللّه اسراهم الى الثانى لقوله تعالى { ابنه } وقول نوح { يا بنى } يقول الفقير اما قولهم ولد الرسول يستبعد ان يكون كافرا فمنقوض بابن آدم وهو قابيل واللّه تعالى يخرج من الميت ويخرج الميت من الحى وعلى هذا تدور حكمته فى مظاهر جلاله وجماله واذا ثبت ان وادلى الرسول ووالد ابراهيم عليهما الصلاة والسلام كانوا كافرين فكيف يبعد ان يكون ولد نوح كافرا. واما قراءة على رضى اللّه عنه قال فانما اسند فيها الابن الى الام لكونها كافرة مثله عادلة عن طريقة نوح فحق ان ينسب الكافر الى الكافر لا الى المؤمن لا لانه اى عليا اعتبر قوله { انه ليس من اهلك } فانه وهم. واما قوله { ان ابنى من اهلى } فلمواقفة قوله تعالى { واهلك } كما لا يخفى فان قيل انه عليه السلام لما قال { رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } كيف ناداه مع كفره اجيب بان شفقة الابوة لعلها حملته على ذلك النداء والذى تقدم من قوله { الا من سبق عليه القول } كان كالمجمل فلعله جوز ان لا يكون هو داخلا فيه كذا فى حواشى ابن الشيخ { وكان } ابنه { فى معزل } مكان منقطع عن نوح وعن دينه لكونه كافرا كما فى الكواشى وقال فى الارشاد اى فى مكان عزل فيه نفسه عن ابيه واخوته وقومه بحيث لم يتناوله الخطاب باركبوا واحتاج الى النداء المذكور وهو فى محل النصب على انه حال من ابنه والحال يأتى من المنادى لانه مفعول به. والمعزل بكسر الزاى اسم لمكان العزل وهو التنحية والابعاد يقال عزله عنه اذا ابعده [ بس ازفرط شفقت كفت ] { يا بنى اركب معنا } بادغام الباء فى الميم لتقاربهما فى المخرج [ اى بسرك من سوار شودر كشتى باما تا ايمن شوى ] ولم يقل اركب فى الفلك لتعينها مع اغناء المعية عن ذكرها { ولا تكن مع الكافرين } فتهلك مثلهم اى لا تكن معهم فى المكان وهو وجه الارض خارج الفلك لا فى الدين وان كان ذلك مما يوجبه كما يوجب ركوبه معه كونه معه فى الايمان لانه عليه السلام بصدد التحذير عن المهلكة فلا يلائمه النهى عن الكفر كذا فى الارشاد يقول الفقير الذى يلوح ان المعنى وكان فى معزل اى بمكان عزل فيه نفسه عن ابيه بناء على ظن ان الجبل يعصمه من الغرق يا بنى اركب معنا بان تؤمن باللّه ونعوت جماله وجلاله ولا تكن مع الكافرين اى منهم لانه اذا كان معهم مصاحبا لهم فقد كان منهم وبعضهم كقوله تعالى { وكونوا مع الصادفين } فان قلت قوله تعالى { واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن } يقطع رجاء الايمان فكيف نادى نوح ابنه فى ايمانه قلت ذلك ليس بنص فى حق ابنه مثل قوله { الا من سبق عليه القول } مع ان من شان الكمل انه لا يستحيل عندهم مطلوب الى ان يخبرهمالحق بخبار مخصوص فحينئذ يصدقون ربهم ويحكمون باستحالة حصول ذلك المطلوب كحال موسى عليه السلام فى طلب الرؤية لما اخبر بتعذر ذلك تاب وآمن ٤٣ { قال } ابنه { سآوى } اصير والتجئ { الى جبل } من الجبال { يعصمنى } يمنعنى بارتفاعه { من الماء } فلا اغرق ولا اومن ولا اركب السفينة زعما منه ان ذلك كسائر المياه والسيول المعتادة التى ربما يتقى منها بالصعود الى الربى وجهلا بان ذلك انما كان لاهلاك الكفرة ان لا محيص من ذلك سوى الالتجاء الى ملجأ المؤمنين { قال } نوح { لا عاصم } ذاتا وصفة { اليوم } زاد اليوم تنبيها على انه ليس كسائر الايام التى تقع فيها الوقائع التى ربما يخلص من ذلك بالالتجاء الى بعض الاسباب { من امر اللّه } اى عذابه الذى هو الطوفان وفيه تنبيه لابنه على خطاه فى تسميته ماء وتوهمه انه كسائر المياه التى يتفصى منها بالهرب الى بعض الامكنة المرتفعة وتمهيد لحصر العصمة فى جنابه عز جاره بالاستثناء كأنه قيل لا عاصم من امر اللّه الا هو وانما قيل { الا من رحم } اى الا الراحم وهو اللّه تعالى تفخيما لشأنه الجليل بالابهام ثم التفسير وبالاجمال ثم التفصيل واشعارا بعلية رحمته فى ذلك بموجب سبقها على غضبه فهو استثناء متصل وعاصم على معناه وقيل بمعنى المعصوم كقوله تعالى { من ماء دافق } او مدفوق وعيشة راضية بمعنى مرضية اى لا معصوم من عذاب اللّه الا من رحم اللّه وقيل لا عاصم بمعنى لاذا عصمة على حذف المضاف على ان يكون بناء النسبة وذو عصمة يطلق على عاصم وعلى معصوم والمراد هنا المعصوم فهو مصدر من عصم المبنى للمفعول ويكون من رحم بمعنى المرحومين والاستثناء متصلا كالاولين لان المرحوم من جنس المعصوم { وحال } [ وحائل شد ] { بينهما الموج } اى بين نوح وبين ابنه فانقطع ما بينهما من المجاوبة { فكان من المغرقين } من المهلكين بالماء وفيه دلالة على هلاك سائر الكفرة على ابلغ وجه فكان ذلك امرا مقرر الوقوع غير مفتقر الى البيان وفي ايراد كان دون صار مبالغة فى كونه منهم : وفى المثنوى همجو كنعان كآشنا ميكرد او ... كه نخواهم كشتئ نوح عدو هين بيا در كشتى بابا نشين ... تانكردى غرق طوفان اى مهين كفت نى من آشنا آموختم ... من بجز شمع تو شمع افروختم هيم مكن كين موج طوفان بلاست ... دست وباى آشنا امروز لاست باد قهرست وبلاى شمع كش ... جزكه شمع حق نمى بايد خمش كفت مى رفتم بران كوه بلند ... عاصمست آن مرا ازهر كزند هين مكن كه كوه كاهست اين زمان ... جز حبيب خويش راندهدامان كفت من كى بند تو بشنوده ام ... كه طمع كردى كه من زين دوده ام خوش نيامد كفت توهر كزمرا ... من برى ام ازتو درهر دوسرا اين دم سردتو در كوشم نرفت ... خاصه اكنون كه شدم دانا وزفت كفت باباجه زيان دارد اكر ... بشنوى يكبار توبند بدر همجنين مى كفت اوبند لطيف ... همجنان ميكفت او دفع عنيف تى بدر از نصح كنعان سير شد ... نى دمى دركوش ان ادبير شد اندرين كفتن بدند وموج تيز ... بر سر كنعان زد وشد ريزريز وقيل انه بنى قبة فى اعلى الجبل وسدها عليه حتى لا يدخل فيها ماء فجاءه البول فبال داخل القبة فما برح البول يتزايد حت غرق فيه والكفار غرقوا بالماء -روى- عن ابن عباس انه قال امطرت السماء اربعين يوما وليلة وخرج ماء الارض كذلك وذلك قوله تعالى { ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على امر قد قدر } فارتفع الماء على اطول جبل فى الارض بخمسة عشر ذراعا او بثلاثين او باربعين وطافت بهم السفينة الارض كلها فى خمسة اشهر لا تستقر على شيء حتى انت الحرم فلم تدخله ودارت حول الحرم اسبوعا وقد اعتق اللّه البيت من الغرق كما فى بحر العلوم وقال فى تفسير ابى الليث ورفع البيت الذى بناه آدم عليه السلام الى السماء السادسة وهو البيت المعمور واستودع الحجر الاسود ابا قبيس الى زمن ابراهيم عليه السلام وسمى ابا قبيس باسم رجل من جرهم اسمه قبيس هلك فيه كما فى انسان العيون قال الحكيم خرج قوس قزح بعد الطوفان امانا لاهل الارض من ان يغرقوا جميعا وسمى به لانه اول ما رؤى فى الجاهلية على قزح جبل بالمزدلفة او لان قزح هو الشيطان ومن ثمة قال على رضى اللّه عنه لا تقل قوس قزح هو الشيطان ولكنها قوس اللّه هى علامة كانت بين نوح وبين ربه تعالى وهى امان لاهل الارض من الغرق كما فى الصواعق لابن حجر قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره تأثير طوفان نوح يظهر فى كل ثلاثين سنة مرة واحدة لكن على الخفة فيقع مطر كثير ويغرق بعض القرى والبيوت من السيل وفى الحديث ( سالت ربى ثلاثا ) اى ثلاث مسائل ( فاعطانى اثنتين ومنعنى واحدة سألت ربى ان لا يهلك امتى بالسنة ) اى القحط اراد به قحطا يعم امته ( فاعطانيها وسالته ان لا يجعل بأسهم بينهم ) اراد بها الحرب والفتن ( فمنعنيها ) وفى التأويلات النجمية { وهى تجرى } يعنى سفينة الشريعة { بهم } بمن ركبها بالامر { فى موج } اى موج الفتن { كالجبال } من عظمتها { ونادى نوح } الروح { ابنه } كنعان النفس المتولدة بينه وبين القلب { وكان فى معزل } من معرفة اللّه وطلبه { يا بنى اركب معنا } سفينة الشريعة { ولا تكن مع الكافرين } من الشياطين المتمردة والا بالسنة الملعونة المطرودة { قال } يعنى كنعان النفس { سآوى الى جبل } اى جبل العقل { يعصمنى من الماء } من ماء الفتن { قال لا عاصم اليوم من امر اللّه } يعنى اذا نبع ماء الشهوات من ارض البشرية ونزول ماء ملاذ الدنيا وفتنها من سماء القضاء لا يتخلص منه بسفينة الشريعة فلا عاصم منه غيرها وذلك قوله { الا من رحم } اى يرحمه اللّه بالتوفيق للاعتصام بسفينة الشريعة { وحال بينهما الموج } اى بين كنعان النفس المعتصم بجبل العقل وبين العقل موج لشهوات النفسانية الحيوانية وفتن زخارف الدنيا { فكان من المغرقين } يعنى كل نفس لا تعتصم بسفينة الشريعة وتريد ان تعتصم بجبل العقل لتتخلص به من طوفان الفتن المهلكة كما هو حال الفلاسفة لا يتهيأ له متمناه وهو من الهالكين : وفى المثنوى بس بكوشى وباخر از كلال ... خود بخود كوئى كه العقل عقال همجو آن مرد مفلسف روزمرك عقل را مى ديدى بس بى بال وبرك ... بى غرض ميكرد آن دم اعتراف كز زكاوت را ندايم اسب از كزاف ... از غرورى سر كشيديم از رجال آشنا كريدم در بحر خيال ... آشنا هيجشت اندر بحر روح نيست آنجا جاره جز كشتئ نوح ... همجو كنعان سوى هركوهى مرو از نبى لا عاصم اليوم شنو ... مى نمايد بست آن كشتى زبند مى نمايد كوه فكرت بس بلند ... در بلندى كوه فكرت كم نكر كه يكى موجش كند زير وزبر ... كرتو كنعانى ندارى باورم كردو صد جندين نصيحت آورم ... كوش كنعان كى بذيرد اين كلام كه براو مهر خدايست وختام ... آخر اين اقرار خواهى كرد هين هم زاول روز آخررا ببين ... هركه آخر بين بود مسعود بود نبودش هر دم بره رفتن عثور ... كر نخوائى هردمى اين خفت وخيز كن زخاك باى مردى جشم تيز ... وقال الحافظ يار مردان خداباش كه در كشتئ نوح ... هست خاكى له بابى نخرد طوفانرا ومن اللطائف المناسبة لهذا المحل ما قال خسرو دهلوى زردياى شهادت جون نهنك لابرآردسر ... نيم فرض كردد رادر وقت طوفانش قوله [ زدرياى شهادت ] هو قول المؤمنين اشهد [ جون نهنك لابر آرد سر ] هو ارتفاع لا والمراد من التميم الضربتان ضربة والا وضربة اللّه. والمراد من نوح اللسان ومن الفم السفينة وطوفائه تلفظه بان لا اله الا اللّه واذا قال اشهد ان لا اله الا اللّه رفع لا رأسه من بحر الشهادة ووقع الطوفان على اللسان فوجب عليه هاتان الضربتان فاذا ضربهما نجا وان لم يضربهما ووقف ساعة غرق فى بحر الطوفان والوقف كفر كذا شرحه حضرة الشيخ بالى الصوفيوى شارح الفصوص قدس سره ٤٤ { وقيل } بنى على المفعول كأخواته لتعين الفاعل وهو اللّه تعالى اذ لا يقدر احد غيره على مثل هذا القول البدايع والفعل العجيب اى قال اللّه تعالى بعد مدة الطوفان تنزيلا للارض والسماء منزلة من له صلاحية النداء { يا ارض } قدم امر الارض على امر السماء لابتداء الطوفان منها { ابلعى } اى انشفى فان البلع حقيقة ادخال الطعام فى الحلق بعمل الجاذبة فهو استعارة لغور الماء فى الارض ووجه الشبه الذهاب الى مقرّ خفى يقال نشف الثوب العرق بكسر الشين اى شربه. وفيه دلالة على انه ليس كالنشف المعتاد التدريجى { ماءك } اى ما على وجهك من ماء الطوفان دون المياه المعهودة فيها من العيون والانهار وانما لم يقل ابلعى بدون المفعول لئلا يستلزم تركه ما ليس بمراد من تعميم الابتلاع للجبال والتلال والبحار وساكنات الماء باسرهن نظرا الى مقام ورود الامر الذى هو مقام عظمة وكبرياء كذا فى المفتاح يقول الفقير تفسير الارشاد يدل على ان الماء المضاف الى الارض مجموع الماء الذى خرج من بطنها ونزول من السماء والظاهر الذى لا محيص عنه انه ماء الارض بخصوصه فانها لما نشفته صار ما نزل من السماء هذه البحور على ما فى تفسير التيسير ثم رأيت فى بعض الكتب المعتبرة ما يوافق هذا وان اللّه تعالى لما انزل الطوفان على قوم نوح عليه السلام انزل عليهم المطر من السماء اربعين يوما بمياه كثيرة وامر عيون الارض فانفجرت فكان الماء آن سواء فى اللين غير ان ماء السماء كان مثل الثلج بياضا وبردا وماء الارض مثل الحميم حرارة حتى ارتفع الماء على اعلى جبل فى الدنيا ثمانين ذراعا ثم امر الارض فابتلعت ماءها وبقى ماء السماء لم تبتلعه الارض فهذه البحور التى على وجه الارض منها واما البحر المحيط فغير ذلك بل هو جزر عن الارض حيث خلق اللّه الارض من زبده انتهى { ويا سماء اقلعى } اى امسكى عن ارسال المطر يقال اقلع الرجل عن عمله اذا كف واقلعت السماء اذا انقطع مطرها فاقلاع يشترك بين الحيوانات والجمادات قال العلماء قيل مجاز مرسل من الارادة كأنه قيل اريد ان يرتد ما انفجر من الارض الى بطنها وان ينقطع طوفان السماء وذلك بعد اربعين يما وليلة -روى- انه لا ينزل من السماء قطرة من ماء الا بكيل معلوم ووزن معلوم الا ما كان يوم الطوفان فانزل بغير كيل ووزن. واصل الكلام قيل يا ارض ابلعى ماءك فبلغت ماءها ويا سماء اقلعى عن ارسال الماء فاقلعت عن ارساله وغيض الماء النازل من السماء فغاض وترك ذكره لظهور انفهامه من الكلام { وغيض الماء } اى نقص ما بين السماء والارض من الماء فظهرت الجبال والارض والغيض النقصان يقال غاض الماء قل ونضب وغاضه اللّه نقصه يتعدى ويلزم وهو فى الآية من المتعدى لان الفعل لا يبنى للمفعول بغير واسطة حرف الجر الا اذا كان متعديا بنفسه { وقضى الامر } اى انجز الموعود من اهلاك الكافرين وانجاء المؤمنين فالقضاء ههنا بمعنى الفراغ كأنه قيل ثم امرهم وفرغ من اهلاكهم واغراقهم قال فىلمفتاح قيل الامر دون ان يقال امر نوح لقصد الاختصار والاستغناء بحرف التعريف عن ذلك قال السيد امالان اللام بدل من المضاف اليه كما هو مذهب الكوفية واما لانها تغنى غناء الاضافة فى الاشارة الى المعهود { واستوت } واستقرت الفلك واختير استوت على سويت اى اقرت مع كونه انسب باخواته المبنية للمفعول اعتبارا لكون الفعل المقابل للاستقرار اعنى الجريان منسوبا الى السفينة على صيغة المبنى للفاعل فى قوله وهى تجرى بهم مع ان استوت اخصر من سويت { على الجودى } هو جبل بالجزيرة يقرب الموصل او بالشام اوبآمد -وروى- فى الخبر ان اللّه تعالى اوحى الى الجبل انى انزل السفينة على جبل فتشامخت الجبال وتواضع الجودى للّه تعالى فارست عليه السفينة : قال السعدى قدس سره طريقت جزاين نيست درويش را ... كه افكنده داردتن خويش را بلنديت بايد تواضع كزين ... كه آن نام را نيست راهى جزاين والتواضع آخر مقام ينتهى اليه رجال اللّه تعالى وحقيقته اعلم بعبودية النفس ولا يصح مع العبودية رياسة اصلا لانها ضد لها ولهذا قال المشايخ قدس اللّه اسرارهم وآخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة ولا تظن ان هذا التواضع الظاهر على اكثر الناس وعلى بعض الصالحين تواضع وانما هو تملق لسبب غاب عنك وكل يتملق على قدر مطلوبه والمطلوب منه فالتواضع سر من اسرار اللّه تعالى لا يهبه على الكمال الا لنبى او صديق كما فى المواقع وعن على رضى اللّه اشد الخلق الجبال الرواسى والحديد اد منها اذ نيحت به الجبل والنار تغلب الحديد والماء يطفى النار والسحاب يحمل الماء والريح تحمل السحاب والانسان يغلب الريح بالبنيان والنوم يغلب الانسان والموت يغلب الكل وذكر اهل الحكمة ان مجموع ما عرف فى الاقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانية وسبهون جيلا وفى زهرة الرياض ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جيلا سوى التلول منها ما طوله عشرون فرسخا ومنها فرسخ الى فرسخ وفى اسؤلة الحكم جعل اللّه الجبال كراسى انبيائه كاحد لنبينا والطور لموسى وسرنديب لآدم والجودى لنوح عليهم السلام وكفى بذلك شرفا وانها بمنزلة الرجال فى الاكوان يقال للرجل الكامل جبل واختلفوا فى ان اى الجبال افضل فقيل ابو قبيس لانه اول جبل وضع على الارض وقيل عرفة وقيل جبل موسى وقيل قاف وقال السيوطى افضل الجبال جبل واحد وهو جبل من جبال المدينة وسمى بذلك لتوحده وانفراده عن غيره من الجبال التى هى هناك وهذا الجبل يقصد لزيارة سيدنا حمزة رضى اللّه عنه ومن فيه من الشهداء رضى اللّه عنهم وهوعلى نحو ميلين او على نحو ثلاثة من المدينة واستدل على افضليته بانه مذكور فى القرآن باسمه فى قراءته من قرأ { اذ تصعدون ولا تلوون على احد } اى بضم الهمزة والحاء بقوله عليه السلام ( احد ركن من اركان الجنة ) اى جانب عظيم من جوانبها وقوله ( الآخر ان احدا هذا جبل يحبنا ونحبه فاذا مررتم فه فكلوا من شجره ولو من عضاهه ) وهى كل شجرة عظيمة لها شوك والقصد الحث على عدم اهمال الاكل من شجرة تبركابه ولا مانع ان تكون المحبة من الجبل على حقيقتها وضع الحب فيه كما وضع فى التسبيح فى الجبال مع داود عليه السلام وكما وضعت الخشية فى الحجارة قال اللّه تعالى { وان منها لما يهبط من خشية اللّه } كما فى انسان العيون يقول الفقير للجمادات حياة حقانية عند اهل اللّه تعالى كما قال فى المثنوى بادرا بى جشم اكر بينش نداد ... فرق جون ميكررد اندر قوم عاد كر نبودى نيل را آن نورديد ... ازجه قبطى را زسبطى ميكزيد كرنه كوه سنك باديدار شد ... بس جرا داور دراو يار شد اين زمين كرنبودى جشم جان ... ازجه قارونرا فرخوردى جنان ومن هذا عرفت النداء فى قوله تعالى يا ارض ويا سماء حقيقة عند العلماء باللّه وكذا مقاله تعالى المنفعهم من قوله وقيل وقال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر وكما نقول تجلى اللّه تعالى فى صورة كما يليق بجلاله كذلك نقول تكلم بحرف وصوت كما يليق بجلاله وكلام اللّه تعالى عين المتكلم ف مرتبة ومعنى قائم به فى الاخرى كالكلام النفسى ومركب من الحروف ومتعين بها فى عاملى المثالى والحس. بحسبهما كما فى الدرة الفاخرة للمولى الجامى رحمه اللّه ثم ان نوحا هبط من السفينة الى الجودى يوم عاشوراء وعن قتادة استقلت بهم السفينة لعشر خلون من رجب وكانت فى الماء خمسين ومائة يوم واستقرت بهم على الجودى شهرا وذلك ستة اشهر وهبطت بهم يوم عاشوراء وسيأتى ما يتعلق بذلك { وقيل بعدا للقوم الظالمين } قولا بعدا مصدر مؤكد لفعله المقدر اى بعدوا بعدا اى هلكوا من قولهم بعدا وبعدا اذا ارادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت. والمعنى الدعاء عليهم بذلك وهو تعليم من اللّه تعالى لعباده ان يدعوا على الظالمين به اى ليبعد القوم بعدا وليهلكوا وهو بالفارسية [ دورى وهلاكى باد مرقوم ستمكارانرا ] واللام فى للقوم لبيان من دعى عليهم كاللام فى هيت لك وسقيا لك متعلق بالفعل المحذوف او بقوله قيل اى لاجلهم هذا القول والتعرض لوصف الظلم للاشعار بعليته للّهلاك وفيه تعريض بان سالكى مسالكهم فى الظلم والتكذيب يستحقون مثل هذا الاهلاك والدعاء عليهم قال فى المفتاح وختم الكلام وختم اظهار لمكان السخط وجهة استحقاقهم اياه لان لدعاء بالهلاك بعد هلاكهم. قيل ما نجا من الكفار غير عوج بن عنق كان فى الماء الى حجزته وهو مقعد الازار وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراع وقد عاش ثلاثة آلاف سنة وقد سبق فى سورة المائدة وكان سبب نجاتع ان نوحا عليه السلام احتاج الى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقلها فحملها عوج اليه من الشام فنجاه اللّه من الغرق بذلك وقد ثبت ايضا ان واحدا من آل فرعون كان يلبس قلنسوة مثل قلنسوة موسى عليه السلام وبسخر منه وقد نجاه اللّه تعالى من الغرق فى بحر القلزم بمجرد تشبهه الصورى ولو تاب من جنايته لنجا من عذاب الدارين وعن ابى العالية قال لما رست سفينة نوح عليه السلام اذا هو بابليس على كوثل السفينة اى مؤخرتها فقال له نوح ويلك قد غرق اهل الارض من اجلك قد اهلكتهم قال له ابليس فما اصنع قال تتوب قال فسل ربك هل لى من توبة فدعا نوح ربه فاوحى اللّه تعالى اليه ان توبته ان يسجد لقبر آدم عليه السلام فقال له نوح قد جعلت لك قال وما هى قال تسجد لقبر آدم تركته حا واسجد له ميتا وفيه اشارة الى ان السجدة لآدم وهو مقبور كالسجدة له وهو غير مقبور اذ الانبياء عليهم السلام احياء هند ربهم وكذا كمل الاولياء قدس اللّه اسرارهم كما قال الصائب مشومبرك زامداد اهل دل نوميد كه خواب مردم آكاه عين بيداريست والشيطان الرجيم غفل عن هذا فنكا عن قبول الحق الصريح ومثله من ينكر الاولياء او زيارة قبورهم والاستمداد منهم نسأل اللّه العصمة ونعوذ به من الخذلان اعلم ان القرآن بجميع سوره وىياته معجز فى غاية طبقات الفصاحة والبلاغة لكن بين بعض اجزائه تفاوت بحسب الاشتمال على الخواص والمزايا فان بعض المقام لا يتحمل ما تحمله مقام كلام فوقه من اللطائف والخفايا فمن المرتفع شأنه فى الحسن والقبول هذه الاية الكريمة وهى قوله تعلاى { وقيل يا ارض ابلعى } الى آخره ولذا لما سمعها من تبوأ اسرّة الفصاحة القحطانية وركب تن البلاغة فى بدوّ الخطب العدنانية من العرب العرباء ومصاقع الخطباء سجدوا لفصاحتها وتططأوا دون سرادقات احاطتها ونسوا قصائدهم المعلقة ورجعوا عن منشآتهم المقررة المحققة ولقد احسن من نبه على التفاوت المذكور وقال على ما هو المشهود دربيان ودر فصاحت كى بودى يكسان سخن كرجه كوينده بودجون جاحظ وجون اصمعى از كلام ايزد بيجون كه وحى منزلست كى بود تبت يدا جون قيل يا ارض ابلعى ألا ترى ان اللّه سبحانه وتعالى جعل الانبياء عليهم السلام متساوية الاقدام فة درجة النبوة وجعل استعدادات اممهم مختلفة فاختلافهم انما هو لمعنى فى نفسهم لا لمعنى فى الذى ارسل اليهم فلما كانت الآيات البينات المندرجة فى مصحف القرآن كذلك اذ هو جامع لحقائق جميع النسخ الوجوبية والامكانية موافق لما فصله الكتب العلمية والاعيانية واللّه درشأن التنزيل فى الاشارة الى المراتب واللّه الغالب قال فى التأويلات النجمية { وقيل يا ارض ابلعى ماءك } اى يا ارض البشرية ماء شهواتك ويا سماء القضاء اقلعى عن انزال مطر الآفات { وغيض الماء } ماء الفتن اى نقصت ظلمتها بنور الشرع وسكنت سورتها { وقضى الامر } اى انقضى ما كان مقدرا من كوفان الفتن للابتلاء { واستوت } اى سفينة الشريعة { على الجودى } وهو مقام التمكين يعنى ايام الطوفان كانت من مقامات التلوين فى معرض الآفات والهلاك فلما مضت تلك الايام آل الامر الى مقام التمكين وفيه النجاة والثبات ونيل الدرجات { وقيل بعدا } اى غرقة وهلاكا { للقوم الظالمين } الذين ظلموا انفسهم بالتقاعد عن ركوب سفينة الشريعة انتهى ٤٥ { ونادى نوح ربه } [ وبخواند بروردكارمن ] { ان ابنى } كنعان وسمى الابن ابنا لكونه بناء ابيه اى مبنى ابيه { من اهلى } وقد وعدتنى نجاءهم فى ضمن الامر بحملهم فى الفلك ومن تبعيضية لانه كان ابنه من صلبه على ما هو الارجح او كان ربيبا له فهو بعض اهله والاهل يفسر بالازواج والاولاد وبالعبيد والاماء وبالاقارب وبالاصحاب وبالمجموع كما فى شرح المشارق لابن ملك قال ابن الكمال الكمال الاهل خاصة الشيء وما ينسب اليه ومنه قوله تعالى { ان ابنى من اهلى } { وان وعدك } ذلك والوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها { الحق } الثابت الذى لا يتطرق اليه اللف ولا يشك فى انجازه والوفاء به والظاهر ان هذا النداء كان قبل غرق ابنه فان الواو لا تدل على الترتيب والمقصود منه طلب نجاته لا طلب الحكمة فى عدم نجاته حين حال الموج بينهما ولم يعلم بهلاكه اما بتقريبه الى الفلك بتلاطم الامواج او بتقريبها اليه ومجرد حيلولة الموج بينهما لا يستوجب هلاكه فضلا عن العلم به لظهور امكان عصمة اللّه اياه برحمته واللّه تعالى على كل شيء قدير زيؤيده ما فى بحر الكلام ان ذكر المسألة اى فى قوله تعالى { فلا تسألن } كما يستاتى دليل على ان النداء كان قبل ان يغرق حتى يخاف عليه { وانت احكم الحاكمين } الا اعلم الحكام واعدلهم اذ لا فضل الحاكم على غيره الا بالعلم والعدل ورب جاهل ظالم من متقلدى الحكومة فى زمانك لقد لقب اقضى القضاة ومعناه احكم الحاكمين فاعتبر واستعبر قال جار اللّه قضاة زماننا صاروا لصوصا ... عموما فى القضايا لا خصوصا خشينا منهمو لو صافحونا ... للصوا من خواتمنا فصوصا وفى الحديث ( القضاة ثلاثة واحد فى الجنة واثنان فى النار فاما الذى فى الجنة فرجل عرف الحق فقضى به واما الآخران فرجل عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار ) اى لا يعرف الحق فيخلط الحلال بالحرام : قال الشيخ السعدى مها زورمندى مكن بركهان ... كه بريك نمط نماند جهان لب خشك مظلوم را كوبخند ... كه دندان ظالم بخواند كند ٤٦ { قال } اللّه تعالى { يا نوح انه } اى ابنك { ليس من اهلك } الذين غمهم الوعد بالانجاء لخروجه منهم بالاستثناء فان مدار الاهليى هو القرابة الدينية ولا علاقة بين المؤمن والكافر وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة انه ابنه غير انه خالفه فى العمل قال بعض الحكماء الابن اذا لم يفعل ما فعل الاب انقطع عنه والامة اذا لم يفعلوا ما فعل نبيهم اخاف ان ينقطعوا عنه فظهر ان لا فائدة فى نسب من غير علم وعمل وفى فخر بمجرد الآباء : قال السعدى قدس سره جو كنعانرا طبيعت بى هنر بود ... بميبر زاده كى قدرش نيفزود هنر بنماى اكر دارى نه كوهر ... كل از خارست وابراهيم از آزر وفى الحديث ( يا بنى هاشم لا يأتينى الناس باعمالهم وتأتونى بانسابكم ) والغرض تقبيح الافتخار لديه عليه السلام بالانساب حيث يأتى الناس بالاعمال وما ينفع الاصل من هاشم ... اذا كانت النفس من باهله وهي تقبيلة معروفة بالدناءة لانهم كانوا يأكلون نقى العظام الميتة { انه عمل غير صالح } اصله انهما متلازمان للايذان بان النجاة انما كانت بسبب الصلاح يقول الفقير لاح لى حين المطالعة معنى آخر وهو ان العمل بمعنى الكشب والفعل ولا يبعد ان يكون المعنى انه كسب غير صالح من غير احتياج الى تقدير مضاف وقد ورد فى الحديث تسمية الولد كسبا فى قوله ( ان اطيب ما يأكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه ) وفى قوله ( انت ومالك لابيك ) قيل لحكيم وهو يواقع زوجته ما تعمل قال ان تم فانسانا { فلا تسألن } سمى نداؤه سؤالا لما فيه من السؤال والطلب اى اذا وقفت على جلية الحال فلا تطلب منى { ما ليس لك به علم } اى مطلبا لا تعلم يقينا ان حصوله صواب وموافق للحكمة { انى اعظك } [ بندميدهم ترا ] { ان تكون } اى كراهة ان تكون { من الجاهلين } عبر عن ترك الاولى بالجهل لان استثناء من سبق عليه القول قد دله على الحال واغناء عن السؤال اشغله حب الولد عنه حتى اشتبه الامر عليه فعوتب على ان اشتبه عليه ما يجب ان لا يشتبه ٤٧ { قال } عند ذلك قبلت يا ربى هذا التكليف فلا اعود اليه الا انى لا اقدر على الاحتراز منه الا باعانتك وهدايتك فلهذا بدأ اولا بقوله { رب انى اعوذ بك ان اسألك } اى من اطلب منك من بعده { ما ليس لى به علم } اى مطلوبا لا اعلم ان حصوله مقتضى الحكمة يعنى احفظنى بعد اليوم من المعاودة الى مثل السؤال وكانعلى قدم الاستغفار لى ان توفى وهذه عادة الصالحين انهم اذا وعظوا اتعظوا واذا نبهوا للخطأ استغفروا وتعوذوا وحكى تعالى ما كان من الانبياء عليهم السلام ليقتدى بهم فى الاستغفار وان لا يقطع الرجاء من رحمة اللّه تعالى وقد قبل اللّه تعالى توبة نوح عليه السلام كما يدل عليه قوله تعالى { قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات } ثم حقيقة التوبة تقتضى امرين احدهما العزم على ترك الفعل فى المستقبل واليه الاشارة بقوله { انى اعوذ بك الخ } والآخر الندم والاستغفار لما مضى واليه الاشارة بقوله { والا } مركب من ان ولا ثم ادغم احدهما فى الآخر { تغفر لى } اى وان لم تغفر لى ما صدر منى من السؤال المذكور { وترحمنى } بقبول توبتى { اكن من الخاسرين } اعمالا بسبب ذلك فان الذهول عن شكر اللّه لا سيما عند وصول مثل هذه النعمة الجليلة لتى هى النجاة وهلاك الاعداء والاشتغال بما لا يعنى خصوصا بمبادى خلاص من قيل فى شأنه انه غير صالح والتضرع الى اللّه تعالى فى امره معاملة غير رابحة وخسران مبين واعلن ان التوبة والاستغفار والالتجاء الى الملك الغفار ورد لا ينقطع الى الموت وفعل يستمر الى زمان الفوت لان المؤمن لا يزل متقلبا بين التنزلات والترقيات والسالك لا يبرح مبتلى بالاستتار والتجليات والكامل لا ينفك يتدرج الى غايات مراتب السير فى عوالم الصفات والذات. وهذا نوح قد سأل ما سأل ثم تاب. وهذا موسى قد طلب ما طلب ثم اناب والكل جار بقضاء اللّه وقدره فانه اذا جاء يتعطل العبد عن قواه وقدره : وفى المثنوى اين هم از تأثير حكمست وقدر ... جاء مى بينى ونتوا بى حذر نيست خودازمرغ يران اين عجب ... كو نبيند دام وافتد در عطب اين عجب كه دام بيند هم وتد ... كر بخواهد ورنخواهد مى فتد جشم باز وش باز ودام بيش ... سوى دامى مى برد بابر خويش ألا ترى الى نوح عليه السلام فانه لما ابتدر الى سؤال ابنه نبه على تركه مرات والاشارة { ونادى نوح } اى نوح الروح { ربه فقال رب ان ابنى من اهلى } اى النفس المتولدة من ازدواج الروح والقالب من اهلى { وان وعدك الحق } ذلك ان اللّه تعالى لما اراد حكمته ان ينزل الارواح المقدسة العلوية من اعلى عليين جواره وقربه الى اسفل سافلين القالب قال ارواح الانبياء والاولياء وخواص المؤمنين يا ربنا والهنا تنزلنا ان اعلى مقامات قربك الى اسفل دركات بعدك ومن عالم البقاء الى عالم الفناء ومن جار السرور واللقاء الى دار الحزن والبلاء ومن منزل التجرد والتواصل الى منزل التوالد والتناسل ومن رتبة الاصطفاء والاجتباء الى رتبة الاجتهاد والابتلاء فوعدهم اللّه من عواطف احسانه بان ينجيهم واهليهم من ورطات الهلاك فكما ان من قضية حكمته ان يكون لنوح اربعة بنين ثلاثة منهم مؤمنون واحد كافر فكذلك حكمته اقتضت ان يكون للروح اربعة بنين ثلاثة منهم مؤمنون وهم القلب والسر والعقل وواحد كافر وهو النفس فكما كان ثلاثة من بنى نوح معه فى السفينة وكان واحد فى معزل منه فكذلك ثلاثة من بنى الروح معه كانوا فى سفينة الشريعة وكان واحد وهو كافر النفس فى معزل منه ومن الدين والشريعة فلما اشرف ولده الكافر على العرق فى بحر الدنيا وطوفان الفتن قال رب ان ابنى من اهلى وان وعدك الحق { وانت اكم الحاكمين } يعنى فان انجيته او اغرقته اتت اعدل العادلين فيما تفعله لانك حكيم واحكم الحكماء لا تخلو افعالك من عدل وحكمة انت اعلم بها { قال } اى الرب تعالى للروح { يا نوح انه ليس من اهلك } اى من اهل دينك وملتك والاهلية على نوعين اهلية القرابة والدين وما نفى اهلية القرابة لتولدها من الروح ثم اظهر علة نفى الاهلية الدينية فقال ( انه عمل غير صالح ) اى خلق للامارية بالسوء وهذه سيرتها ابدا ثم دب الروح آداب اهل القربة فقال { فلا تسألن ما ليس لك به علم } اى علم حقيقى بان يجوز اهل القربة على ابساط القرب هذا الانبسا ام لا { لانى اعظك } يا روح القدس { ان تكون } على البساط بهذا الانبساط { من الجاهلين } اى من النفوس الجاهلة الظالمة. وفيه اشارة الى ان الروح العالم العلوى يصير بمتابعة النفس وهواها جاهل سفلىّ الطبع دنئ الهمة { قال } اى الروح { رب انى اعوذ بك ان اسألك ما ليس لى به علم } من التماس نجاة النفس الممتحنة بآفات الدنيا وشهواتها من طوفان الفتن { والا تغفر لى } تؤدينى بانورا المغفرة { وترحمنى } على عجزى عن الاهتداء بغير هداك { اكن من الخاسرين } يشير الى الرحمة هى المانعة للروح من الخسران كذا فى التأويلات النجمية ٤٨ { قيل } القائل هو اللّه تعالى { يا نوح اهبط } هبط لازم ومتعد الا ان مصدر اللازم الهبوط ومصدر المتعدى الهبط كالرجوع والرجع والمراد هنا الاول والهبوط بالفارسية [ فرود آمدن ] اى انزل من الفلك الى جبل الجودى الذى استقرت السفينة عليه شهرا او من الجودى الى الارض المستوية { بسلام } ملتبسا بسلامة من المكاره كائنة { منا } فسلام بمعنى السلامة حال من فاعل اهبط ومناصفة له دالة على تعظيمه وكماله لان ما كان من اللّه العظيم عظيم او بسلام وتحية منا عليك كما قال { سلام على نوح فى العالمين } فالسلام بمعنى التسليم والاول اوجه لان المقام مقام النجاة من الغرق { وبركات عليك } اى خيرات نامية فى نسلك وما يقوم به معاشك ومعاشهم من انواع الارزاق { وعلى امم } ناشئة { ممن معك } متشعبة منهم فمن ابتدائية. والمراد الامم المؤمنة المتناسلة ممن معه من اولاده الى يوم القيامة فهو من اطلاق لعام وارادة الخاص هذا على رواية من قال كان معه فى السفينة اولاده وغيرهم مع الاختلاف فى العدد فمات غير الاولاد اى بعد الهبوط ولم ينسل وهو الارجح. واما على وراية من قال ما كان معه فى السفينة اولاده وغيرهم مع الاختلاف فى العدد فمات غير الاولاد اى بعد الهبوط ولم ينسل وهو الارجح. واما على رواية من قال ما كان معه فى السفينة الا اولاده ونساؤهم على ان يكون المجموع ثمانية فلا يحتاج الى التأويل وايا ما كان فنوح ابو الخلق كلهم ولذا سمى آدم الثانى وآدم الاصغر لانه لم يحصل النسل الا من ذريته وقد اخرج اللّه الكثير من القليل بقدرته كما اخرج من صلب زين العابدين الكثير الطيب وذلك انه قتل مع سلطان الشهداء الحسين رضى اللّه عنه عامة اهل بيه ولم ينج الا ابنه زين العابدين على انه رضى اللّه عنه اصغرهم فانمى اللّه تعالى ذريته السادة قال فى نفائس المجالس لما ارتفع الطوفان قسم نوح الارض بين اولاده الثلاثة فاما سام فاعطاه بلاد الحجاز واليمن والشام فهو ابو العرب واما حام فاعطاه بلاد السودان فهو ابو السودان واما يافث فاعطاه بلاد المشرق فهو ابو الترك قل فى اسولة الحكم اما ممالك الاقاليم السبعة التى ضبط عددها فى زمن المأمون فثلاثمائة وثلاث واربعون مملكة منها ثلاثة ايام وهى اضيقها وثلاثة اشهر وهى اوسعها ووجدت مملكة فى خط الاستواء لها ربيعان وصيفان وخريفان وشتا آن فى سنة واحدة وفى بعضها ستة اشهر ليل وستة اشهر نهار وبعضها حر وبعضها برد واما جميع مدائن الاقاليم فهو اربعة آلاف مدينة وخمسمائة وست وخمسون وقيل غير ذلك وما العمران فى الخراب الا كخردلة فى كف احدكم وفى الخبر ( ان للّه دابة فى مرج من مروجه رزقها كل يوم بقدر رزق العالم باسره ) فانظر الى سعة رحمة اللّه وبركاته و تغتم لاجل الرزق : وفى المثنوى جمله را رزاق روزى ميدهد ... قسمت هركس كه بيشش مينهد سالها خوردى وكم نامد زخور ... ترك مستقبل كن وماضى نكر { وامم } مبتدأ { سنمتعهم } صفة والخبر محذوف وهم منهم اى ليس جميع من تشعب منهم مسلما ومباركا عليهم بل منهم امم سنمتعهم فى الدنيا معناه بالفارسية [ زود باشدكه برخوردارى دهيم ايشانرا دردنيا بفراخئ عيش وسعت رزق ] { ثم يمسنا منا } [ بس برسد ايشانرا ازما ] { عذاب اليم } [ عذابى دردناك ] اما فى الآخرة وفى الدنيا ايضا وهم الكفار واهل الضقاوة يشير سبحانه وتعالى لى ان اكون كل الناس سعداء او اشقياء مخالف لحكمته فانه اودع فيهم جماله وجلاله على مقتضى تدبيره فلا بد من ظهور آثار كل منهما كما قال الحافظ دركار خانه عشق ازكفرنا كزيرست ... آتش كرابسوزد بولهب نباشد -حكى- فى التفاسير انه لما رست السفينة على الجودى كشف نوح الطبق الذى فيه الطير فبعث الغراب لينظر هل غرقتالبلاد كما فى حياة الحيوان او كم بقى من الماء فيأتيه بخبر الارض كما فى تفسير ابى الليث فابصر جيفة فوقع عليها واشتغل بها فلم يرجع ولذا قالوا فى المثل ابطأ ن غراب نوح ثم ارسل الحمامة فلم تجد موضعا فى الارض فجاءت بورق لزيتون فى منقارها فتعرف نوح ان الماء قد نقص وظهرت الاشجار ثم ارسها فوقعت على الارض فغابت رجلاها فى الطين قدر حمرتهما فجاءت الى نوح وارته فعرف ان الارض قد ظهرت فبارك على الحمامة وطوقها الخضرة التى فى عنقها ودعا لهما بالامان فمن ثم تألف البيوت ودعا الى الغراب بلخوف فلذلك لا يالف البيوت وتشاءم العرب بالغراب واستخرجوا من اسمه الغربة قالوا غراب البين لانه بان عن نوح واعلم ان نوحا عليه السلام هبط بمن معه فى السفينة يوم عاشوراء فصام وامر من معه بصيامه شكرا للّه تعالى وقد فرغت ازوادهم فجاء هذا بكف حنطة وهذا بكف عدس وهذا بكف حمص الى ان بلغت سبعة حبوب فطبخها نوح عليه السلام لهم فامطروا عليها وشبعوا جميعا ببركات نوح وكان اول طعام طبخ على وجه الارض بعد الطوفان هذا فاتخذه الناس سنة يوم عاشوراء وفيه اجر عظيم لمن يفعل ذلك ويطعم الفقراء والمساكين وذكر ان اللّه عز وجل يخرق ليلة عاشوراء زمزم الى سائر المياه فاغتسل يومئذ أمن من المرض فى جميع السنة كما فى الروض الفائق ومن وسع فيه على عياله فى النفقة وسع اللّه له سائر سنته قال ابن سيرين جربناه ووجدناه كذلك كما فى الاسرار المحمدية قل فى عقد الدرر واللآلئ المستحب فى ذلك يوم فعل الخيرات من الصدقة الصوم والذكر وغيرها ولا ينبغى للمؤمن ان يتشبه بيزيد الملعون فى بعض الافعال وبالشيعة والروافض والخوارج ايضا يعنى لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد او يوم مأتم فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبه بيزيد الملعون وقومه وان كان للاكتحال فى ذلك اليوم اصل صحيح فان ترك السنة سنة اذا كانت شعارا لاهل البدعة كالتختم بليمن فانه فى الاصل سنة لكنه لما كان شعار اهل البدعة والظلمة صارت السنة ان يجعل الخاتم فى خنصر اليد اليسرى فى زماننا كما فى شرح القهستانى ومثله تقصير الثياب وتطويلها اللّهم الا ان يفعل بعض الافعال كالاغتسال وزيارة الاخوان وتوسيع النفقة ونحوها من غير ان يطر بباله التشبيه وعدمه كما اذا خرج بطريق الاتفاق او بمصلحة داعية اليه من غير ان يخطر بقلبه الموافقة فانه لا بأس به ومن قرأ يوم عاشوراء وأوائل لمحرم مقتل الحسين رضى اللّه عنه فقد تشبه بالروافض خصوصا اذا كان بالفاظ مخلة بالتعظيم لاجل تخزين السامعين وفى كراهية القهستانى لو اراد ذكر مقتل الحسين ينبغى ان يذكر اولا مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافض انتهى قال حجة الاسلام الغزالى يحرم على الواعظ وغيره راوية مقتل الحسين وحكايته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فانه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم اعلام الدين وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة ولعل ذلك لخطأ فى الاجتهاد لا لطلب الرياسة والدنيا كما لا يخفى وقال عز الدين بن عبد السلام فى فصل آفات اللسان الخوض فى الباطل هو الكلام فى المعاصى كحكاية احول الوقاع ومجالس الخمور وتجبر الظلمة وكحكاية مذاهب اهل الاهواء وكذا حكاية ما جرى بين الصحابة رضى اللّه عنهم انتهى قال فى عقد الدرر ويح قاتل الحسين كيف حاله مع ابويه وجده وانشدوا لا بد ان ترد القيامة فاطم وقميصها بدم الحسين ملطخ ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور فى يوم القيامة ينفخ وفى الحديث ( قاتل الحسين فى تابوت من نار عيله نصف عذاب اهل الدنيا ) قال فى انسان العيون ارسل اهل الكوفة الى الحسين ان ياتيهم ليبايعوه فاراد الذهاب فنهاه ابن عباس وبين لهم غدرهم وقتلهم لابيه وخذلانهم لاخيه الحسن فأبى الا ان يذهب فبكى ابن عباس رضى اللّه عنهما وقال واحسيناه ولم يبق بمكة الا من حزن على مسيره وقدم امامه الى الكوفة مسلم بن عقيل فبايعه من اهل الكوفة للحسين اثنا عشر الفا وقيل اكثر من ذلك ولما شارف الكوفة جهز اليه اميرها من جانب يزيد وهو عبد اللّه بن زياد عشرين الف مقاتل وكان اكثرهم ممن بايع لاجل السحت العاجل على الخير الآجل فلما وصلوا ليه ورأى كثرة الجيوش طلب منهم احدى ثلاث اما ان يرجع من حيث جاء او يذهب الى بعض الثغور او يذهب الى يزيد يفعل فيه ما اراد فابوا وطلبوا منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد فابى فقاتلوه الى ان اثخنته الجراحة فسقط الى الارض فخروا رأسه وذلك يوم عاشوراء عام احدى وستين ووضع ذلك الرأس بين يدى عبد اللّه بن زياد قل فى روضة الاخيار قبر الحسين رضى اللّه عنه بكربلاء وهى من ارض العراق ورأسه بالشام فى مسجد دمشق على رأس اسطوانة وقد رأى النبى صلى اللّه عليه وسلم بعض الصالحين فى النوم فقال يا رسول اللّه بابى انت وامى ما ترى فتن امتك فقال زادهم اللّه فتنة قتلوا الحسين ولم يحفظونى ولم يراعوا حقى فيه وعن الشعبى مر على ر ضى اللّه عنه بكربلاء عند مسيره الى صفين فوقف وسأل عن اسم هذه الارض فقيل كربلاء فبكى حتى بل الارض من دموعه ثم قال دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يبكى فقال ( كان عندى جبريل آنفا واخبرنى ان ولدى الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ثم قبض جبريل قبضة من تراب اشمنى اياها فلم املك عينى ان فاضتا ) -روى- ان تلك التربة جعلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى قارورة وقال لاسم سلمة رضى اللّه عنها ( ان هذا من تربة الارض التى يقتل بها الحسين فمتى صار دما فاعلمى انه قد قتل ) قالت ام سلمة فلما كان ليلة قتل الحسين سمعت قائلا يقول ايها القاتلون جهلا حسينا ... أبشروا بالعذاب والتذليل قد لعنتم على لسان ابن داو ... دو موسى وحامل الانجيل قال فبكيت وفتحت القارورة فاذا التربة قد جرت دما. حكى ان السماء احمرت لقتله قال ابن سيرين والحمرة التى مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين وحكمته على ما قال ابن الجوزى ان غضبنا يؤثر حمرة الوجه والحق منزه عن الجسمية فاظهر تاثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الافق اظهارا لعظيم الجناية ولم يرفع حجر فى الدنيا يوم قتله الا وجد تحته دم عبيط واخرج ابو الشيخ ان جمعا تذاكروا انه ما من اعان على قتل الحسين الا اصابه بلاء قبل ان يموت فقال شيخ انا اعنت وما اصابنى شيء فقام ليصلح السراج فاخذته النار فجعل ينادى النار النار وانغمس فى الفرات ومع ذلك لم يزل ذلك به حتى مات. وبعضهم ابتلى بالعطش فكان يشرب راوية ولا يروى. وبعضهم عوقب بالقتل او العمى او سواد الوجه او زوال الملك فى مدة يسيرة وغبر ذلك فاذا عرفت فكن على جانب ممن يعادى اهل البيت ومن صحبتهم فان موالاتهم معاداة لاهل البيت وبغض لهم واحفظ الحرمة يحفظك اللّه وفى الحديث ( ان للّه تعالى ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ اللّه دينه ومن لم يحفظهن لم يحفظ اللّه تعالى دينه ولا دنياه حرمة الاسلام وحرمتى وحرمة رحمى ومن لم يعرف حتى عترتى والانصار والعرب فهو لاحدى ثلاث اما منافق واما لزنية واما حملت به امه فى غير طهر ) دركار دين زمردم بى دين مدد مخواه ... ازماه منخسف مطلب صبحكاه اللّهم احفظنا من الانقطاع عن الوسائل الحقة والحقنا فى الدنيا والآخرة بالطائفة المحقة ٤٩ { تلك } اشارة الى قصة نوح عليه السلام ومحلها الرفع بالابتداء وخبرها قوله { من انباء الغيب } اى بعض اخباره فانه لتقادم عهده لم يبق علمه الا عند اللّه تعالى { نوحيها } اى تلك القصة بواسطة جبريل خبر ثان { اليك } ليكون لك هداية واسوة فيما لقيه غيرك من الانبياء عليهم السلام { ما كنت تعلمها انت ولا قومك } خبر آخر اى مجهولة عندك تنبيه على انه عليه السلام لم يتعلمه اذ لم يخالط غيرهم وانهم مع كثرتهم لم يسمعوه فكيف يؤخذ منهم قال سعدى المفتى اعلمناهم بها ليكون لهم مثالا وتحذيرا ان يصيبهم اذا كذبوك ما اصاب اولئك { فاصبر } متفرع على الايحاء اى واذ قد اوحيناها وفى تفسير ابى الليث يعنى ان لم يصدقوك فاصبر على مشاق تبليغ الرسالة واذية قومك وتكذيبهم كما صبر نوح فى هذه المدة المتطاولة { ان العاقبة } اى آخلا الامر بالظفر فى الدنيا وبالفوز فى الآخرة { للمتقين } اى المؤمنين الموحدين الصابرين كما شاهدته فى نوح وقومه ولك فيه اسوة حسنة. وفيه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وللمؤمنين : قال الحافظ سروش عالم غيبم بشارتى خوش داد ... كه كس هميشة كرفتار غم نخواهد ماند قال الكاشفى [ بير طريقت فرمودكه صبر كليد همه بستكيها است وشكيبايى علاج همه خستكيها است نتيجه شكيبايى ظفراست وكار بى صبر ازهر روز بترست صبراست كليد كنج مقصود ... بى صبر درمراد نكشود كر صبر كنى مراد يابى ... وزباى در افتى از شتابى -روى- عن خباب بن الارت قال اتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو متوسد بردائه فى ظل الكعبة فشكونا اليه فقلنا يا رسول اللّه ألا تدعو اللّه لنا وتستنصرنا فجلس محمارا لونه ثم قال ( ان من كان قبلكم ليؤتى بالرجل فيحفر له فى الارض حفرة فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ) وفى الحديث ( يؤتى يوم القيامة بانعم اهل الارض فينغمس فى النار غمسة فيخرج اسود محترقا فيقال له هل مر بك نعيم قط او كنت فيه فيقول لا لم ازل فى هذا البلاء منذ خلقنى اللّه تعالى ويؤتى باشد اهل الدنيا بلاء فينغمس فى الجنة غمسة ) يعنى يدخل فيها ساعة ( فيخرج كأنه القمر ليلة البدر فيقال له هل مر بك شدة قط فيقول لا لم ازل فى هذا النعيم منذ خلقنى اللّه تعالى ) يقول الفقير هذا اذا صبر ولم يظفر ببغيته فى الدنيا مع ان من الظفر والنصر الموت على ما قاله بعض العلماء فى قوله تعالى { ألا ان نصر اللّه قريب } فان الميت اما مستريح او مستراح منه ولكن غالب العادة الالهية انزال النصر للعاجز ولقد شاهدت فى عصرى كثيرا من مواد هذا الباب. منها انى كنت فى الاسكوب من الديار الرومية انهى عن المنكر فلقبنى من القوم فى مدة ست سنين ما يضيق نطاق البيان عنه حتى آل الامر الى الهجرة من تلك البلدة فاخرجونى من بينهم فانقلب الابتلاء الى مقاساة شدائد الهجرة مع الاهل والاولاد حتى اذا دخلت مدينة بروسة باشارة حضرة الشيخ قدس سره ووجدت فيها الراحة العظمى استولى الكفار على البلاد الرومية واحرقوا الاسكوب وجعل اللّه من فيها من المستكبرين كأن لم يكن شيأ مذكورا. ومنها ان ابراهيم الوزير فى اواخر دولة السلطان محمد الرابع نفى حضرة شيخنا الاجل الذى جعله اللّه آية من آيات الدولة القمرية الى بلدة المعروفة بشمنى وكان حين النفى متمكنا فى القسطنطينية فلم يلبث حتى نفاه اللّه اى الوزير ثم قتل ثم لما آلت الوزارة الى مصطفى المعروف بابن كوبريلى فى دولة السلطان سليمان الثانى اخرج حضرة الشيخ ايضا لغرض فاسد الى جزيرة قبرص فما مضى سنة الا قتل الوزير وجعل عبرة للمعتبرين ومثلا للآخرين وكنت اتحزن فى امر حضرة الشيخ حين كان فى الجزيرة المذكورة فبينما انا فى تفكره يوما اذوردلى كتاب من جنابه مندرج فيه قوله تعالى { ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يؤون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك الا القوم الفاسقون } فصادف قتل الوزير وهو من كراماته العجيبة حفظه اللّه سبحانه ومتعنا بعلومه الالهية ووارداته الربانية ٥٠ { والى عاد } قبيلة من العرب بناحية اليمن فهو امر متعلق بمضمر معطوف على قوله تعالى ارسلنا فى قصة نوح وهو الناصب لقوله { اخاهم } وتقديم المجرور على المنصوب ههذنا للحذار من الاضمار قبل الذكر. والمعنى وارسلنا الى عاد اخاهم اى واحد منهم فى النسب من قولهم ويا اخا العرب يا اخا بنى تميم يريدون يا واحدا منهم { هودا } وكان عليه السلام من جملتهم فانه هود بن عبد اللّه بن رباح بن الخلود بن عوص بن ارم بن سام بن نوح. وقيل هود بن شالخ بن افخشد بن سام بن نوح ابن عم ابى عاد قال الكاشفى [ عاد جهارم بدر هودست وعاد بسر عوص بن ارم بن سام بن نوح است وبرين قول از ابناء عم عاد باشد ] قال بعضهم عاد هو اسم القبيلة وهى الفروع المنشعبة من اصل واحد فيكون اسم الاب الكبير فى الحقيقة والتعبير باخص الاوصاف التى هى الاخوة بمعنى انتساب شخصين الى صلب واحد او رحم واحد او الى صلب ورحم معا ككونه كذلك بالنسبة الى اتحاد الاب. وقال بعضهم هو اسم ملكهم وانما جعل واحدا منهم لانهم افهم لقوله واعرف بحاله فى صدقه وامانته وارغب فى اقتفائه قيل ان هودا مكث فى ديار قومه اربعين سنة يعبد اللّه ويتجنب اصنامهم فنزل عليه جبريل بالرسالة الى بنى عاد فذهب هود اليهم وهم بالاحقاق متفرقون وهى الرمال والتلال وجعل يدعوهم الى عبادة اللّه تعالى وترك عبادة الاصنام كما قال تعالى { قال } استئناف بيانى كأنه قيل ماذا قال لهم فقيل قال { يا قوم } [ اى كروه من ] { اعبدوا اللّه } وحده لانه { ما لكم من اله غيره } فخصوه بالعبادة ولا تشركوا به شيأ وغيره بالرفع صفة لاله باعتبار محله { ان انتم الا مفترون } اى ما انتم باتخاذكم الاصنام شركاء الا مفترون على اللّه الكذب قال فى التأويلات النجمية يشير بهود الى القلب وبعاد الى النفس وصفاتها فان القلب اخو عاد النفس كما ارسلنا نوح الروح الى قومه وبهذا المعنى يشير الى ان القلب قابل لفيض الحق تعالى كما ان الروح قابل لفيضه قال يا قوم اعبدوا اللّه يشير الى النفس وصفاتها ان يتوجهوا لعبودية الحق وطلبه ما لكم من اله غيره اى شيء دونه لاستحقاق معبوديتكم ومحبوبيتكم ومطلوبيتكم ان انتم الا مفترون فيما تتخذون الهوى والدنيا معبودا ومطلوبا ٥١ { يا قوم لا اسألكم عليه } اى على تبليغ الرسالة { اجرا } يعنى جعلا ورشوة ومعناه لست بطامع فى اموالكم { ان اجرى الا على الذى فطرنى } خلقنى جعل الصلة فعل الفطرة لكونه اقدم النعم الفائضة من جناب اللّه تعالى المستوجبة للشكر { أفلا تعقلون } اى أتغفلون عن هذه القصة فلا تعقلونها واعلم ان المال والجاه وثناه الخلق وغيرها من مشارب النفس عند اله اللّه تعالى ولذا قالوا ما من رسول الا خاطب قومه بهذا القول ازاحة للتهمة وتمحيضا للنصيحة فانها لا تنجع ولا تنفع الا اذا كانت خالصة غير مشوبة بشيء من المطامع طمع بند ودفتر زحكمت بشوى ... طمع بكسل وهرجه خواهى بكوى كما روى عن بعض المشايخ انه كان له سنور وكان يأخذ من قصاب شيأ من الغدد لسنوره فرأى القصاب منكرا فدخل الدار فاخرج السنور اولا ثم جاء واحتسب على القصاب فقال له القصاب لا اعطيك بعد اليوم لسنورك شيأ فقال ما احتسب عليك الا بعد اخراج السنور وقطع الطمع منك والطمع سكون القلب الى منفعة مشكوكة مكن سعديا ديده بردست كس ... كه بخشنده برورد كارست وبس طمع آب روى موقر بريخت ... براى دوجو دامن دريخت وساحة قلوب الانبياء عليهم السلام وكذا الاولياء قدس سرهم مطهرة من دنس التعلق بغير اللّه فى دعوتهم وارشادهم وانما يريد اهل الارشاد من هذه الامة تعظيم جاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتكثير اتباعه لا المال والمنافع الدنيوية فان الآخرة خير وابقى. وفى المثل اجهل من داعى ثمانين من الضأن. قال ابن خالويه انه رجل قضى للنبى عليه السلام حاجة فقال ائتنى بالمدينة فاتاه فقال ( ايما احب اليك ثمانون من الضأن او ادعو اللّه ان يجعلك معى فى الجنة ) قال بل ثمانون من الضأن قال ( اعطوه اياها ) ثم قال ( ان صاحبة موسى عليه كانت اعقل منك ) وذلك ان عجوزا دلته على عظام يوسف عليه السلام فقال لها موسى ايما احب اليك اسأل اللّه ان تكونى معى فى الجنة او مائة من الغنم قالت الجنة ولكمال المحافظة لم يقبل العلماء المتقدمون اجرة على الوعظ والتعليم والامامة والخطابة والتأذين وغيرها زيان ميكند مرد تفسير دان ... كه عل وادب ميفروشد بنان ٥٢ { ويا قوم استغفروا ربكم } آمنوا به { ثم توبوا اليه } من عبادة غيره لان التوبة لا تصح الا بعد الايمان كما فى بحر العلوم واللائح للبال ان المعنى اطلبوا مغفرة اللّه تعالى لذنوبكم السالفة من الشرك والمعاصى بان تؤمنوا به فان الايمان يجب ما قبله اى يقطع ثم ارجعوا اليه بالطاعة فان التحلية بالمهملة بعد للتخلية بالمعجمة فيكون ثم على بابها فى التراخى ايضا { يرسل السماء عليكم } اى المطر { مدرارا } من ابنية مبالغة الفاعل يستوى فيه المذكر والمؤنث واصله من در اللبن درورا وهو كثرة وروده على الحالب يقال سحاب مدرار ومطر مدرار اذا تتابع منه المطر فى اوقات الاحتياج اليه. والمعنى حال كونه متتابعا دائما كلما تحتاجون وقال الكاشفى [ تابفر ستد از آسمان بارانى بيوسته ] { ويزدكم } [ وبيفزايد وزياده كند ] { قوة } مضافة منضمة { الى قوتكم } اى يضاعفها لكم وانما رغبهم فى الايمان بكثرة المطر وزيادة القوة لانهم كانوا اصحاب زروع وبساتين وعمارات حراصا عليها اشد الحرص فكانوا احوج شيء الى الماء وكانوا مدلين بما اوتوا من شدة القوة والبطش والبأس والنجدة ممنوعين بها من العدو مهيبين فى كل ناحية وقال الكاشفى [ آورده اندكه عاديان دعوت هود قبول نكردند وحق سبحانه وتعالى بشآ مت آن سه سال باران ازايشان باز كرفت وزنان ايشانرا عاقره وعقيمه ساخت وجون اصحاب زراعت بودند ودشمنان نيزداشتند براى زراعت به باران وبرأى دفع اعادى باولاد محتاج شدند هود عليه السلام فرمودكه { يا قوم استغفروا } الخ فيكون معنى قوله { ويزدكم قوة الى قوتكم } قوتى باقوت شما يعنى فرزندان دهد شمارا تابمدد ايشان بر دفع اعادى قادر شويد ] وعن الحسن بن على انه وفد على معاوية لما خرج تبعه بعض حجابه فقال انى رجل ذو مال ولا يولد فعلمنى شيأ لعل اللّه يرزقنى ولدا فقال عليك بالاستغفار فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر فى يوم واحد سبعمائة مرة فولد له عشرة بنين فبلغ ذلك معاوية فقال هلا سألته مم قال ذلك فوفد وفدة اخرى فسأله الرجل فقال ألم تسمع قول هود { ويزدكم قوة الى قوتكم } وقول نوح { ويمددكم باموال وبنين } { ولا تتولوا } ولا تعرضوا عما ادعوكم اليه وارغبكم فيه { مجرمين } اى حال كونكم مصرين على الاجرام والآثام والاجرام كسب الجرم كالاذناب بكسر الهمزة كسب الذنب ٥٣ { قالوا } استئناف بتقدير سؤال سائل كأنه قيل ما قال له قومه بعد ان امرهم ونهاهم فقيل قالوا { يا هود ما جئتنا ببينة } اى بحجة تدل على صحة دعواك وانما قالوه لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بماء جاءهم من المعجزات كما قالت قريش لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لولا انزل عليه آياته من ربه مع فوات آيات الحصر { وما نحن بتاركى آلهتنا } اى بتاركى عبادتهم واصله تاركين سقطت النون بالاضافة { عن قولك } حال من الضمير فى تاركى كأنه قيل وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك اى صادرا تركنا عن ذلك باسناد حال الوصف الى الموصوف ومعناه التعليل على ابلع وجه لدلالته على كونه علة فاعلية ولا يفيده الباء واللام قال السعدى المفتى قد يقال عن للسببية كما فى قوله تعالى { الا عن موعدة وعده اياه } فيتعلق بتاركى اى بقولك المجرد عن حجة { وما نحن لك بمؤمنين } اى بمصدقين فيما تدعونا اليه من التوحيد وترك عبادة الآلهة وهم اقناط له من الاجابة والتصديق ٥٤ { ان نقول الا اعتريك } قوله اعتراك جملة مفسرة لمصدر محذوف تقديره ما نقول فى شأنك الا قولنا اعتراك اى اصابك من عراه يعره اذا اصابه { بعض آلهتنا بسوء } الباء للتعدية. والمعنى بالفارسية [ مكر آنكه رسانيده اند بتو برخى ازخدايان ما رنجى وكزندى وعلتى ] اى بجنون لسبك اياها وصدك عنها وعداوتك مكافاة لك منها على سوء فعلك بسوء الجزاء فمن ثم تتكلم بكلام المجانين وتهذى بهذيان المبرسمين { قال } هود { انى اشهد اللّه واشهدوا } اى واقول اشهدوا لئلا يلزم عطف الانشاء على الخبر { انى بريئ } تنازع فيه اشهد اللّه واشهدوا اى على انى بريئ { مما تشركون } اى من اشراككم ٥٥ { من دونه } اى من دون اللّه او مما تشركون من آلهة غير اللّه فما موصولة واشهاد اللّه تعالى حقيقة واشهادهم استهزاء بهم واستهانة اذ لا يقول احد لمن يعاديه اشهدك على انى بريء منك الا وهو يريد عدم المبالاة ببراءته والاستهانة بعداوته واعلم انهم لما سمعوا اصنامهم آلهة واثبتوا لها الضرر نفى هود بقوله انى اشهد اللّه الآية كونهم آلهة رأسا ثم نفى الضرر بقوله { فكيدونى } الكيد ارادة مضرة الغير خفية وهو من الخلق الحيلة السيئة ومن اللّه التدبير بالحق لمجازاة اعمال الخلق اى ان صح ما تفوهتم به من كون آلهتكم مما تقدر على اضرار من يسبها ويصد عن عبادتها فانى بريئ منها فكونوا أنتم وآلهتكم { جميعا } حال من ضمير كيدونى على قصد اهلاكى بكل طريق { ثم لا تنظرون } لا تمهلونى ولا تسامحونى فى ذلك فالفاء لتفريع الامر على زعمهم فى قدرة آلهتهم على ما قالوا وعلى البراءة كليهما كما فى الارشاد وفيه اشارة الى النفس وصفاتها والشيطان والهوى والدنيا فى كيد القلب على الدوام والقلب المؤيد بالتأييد الربانى لا يناله كيدهم جملة عالم اكر دريا شود ... جون تو باحق ترنكردد باى تو ٥٦ { انى توكلت علىللّه ربى وربكم } يعنى انكم والهتكم لا تقدرون على ضررى فانى متوكل على اللّه القادر القوى وهو مالكى ومالك كل شيء اذ { ما من دابة } نسمة تدب على الارض { الا هو } اى رب تعالى { آخذ بناصيتها } الناصية عند العرب منبت الشعر فى مقدس الرأس ويسمى الشعر النابت هناك ايضا ناصية تسمية له باسم منبته والاخذ بناصيته الانسان عبارة عن قهره والغلبة عليه وكونه فى قبضة الآخذ بحيث يقدر على التصرف فيه كيف يشاء والعرب اذا وصفوا انسانا بالذلة والخضوع لرجل قالوا ما ناصيته الا بيد فلان اى انه مطيع له لان كل من اخذت بناصيته فقد قهرته واخذ اللّه بناصية الخلائق استعارة تمثيلية لنفاذ قدرته فيهم. والمعنى الا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها والغرض من هذا الكلام الدلالة على عظمته وجلالة شأنه وكبرياء سلطانه وباهر قدرته وان كل مقدور وان عظم وجل فى قوته وجثته فهو مستصغر الى جنب قدرته مقهور تحت قهره وسلطانه منقاد لتكوينه فيه ما يشاء غير ممتنع عليه { ان ربى على صراط مستقيم } يعنى انه على الحق والعدل فى ملكه لا يفوته ظالم ولا يضيع عنده معتصم به وفى التأويلات النجمية { ما من دابة } تدب فى طلب الخير والشر { الا هو آخذ بناصيتها } يجرا بها الى الخير والشر وهى فى قبضة قدرته مذللة له { ان ربى على صراط مستقيم } فى اصلاح حال اهل الخير وافساد حال اهل الشر وفيه اشارة اخرى ان ربى على صراط مستقيم يدل طالبيه به عليه يقول من طلبه فليطلبه على صراط مستقيم الشريعة على اقدام الطريقة فانه يصل اليه بالحقيقة وايضا يعنى الصراط المستقيم هو الذى ينتهى اليه لا الى غيره كقوله { وان الى ربك المنتهى } [ ودر نقد النصوص قدس سر جامعه مذكور است درباب احديث افعال وبيان تأثيرات ومؤثرات كه آن ذات متعاليه كه فى الحقيقة مصدر جميع افعال ومؤثر درتمام منفعلا تست بحكم تربيت هريكى را بحسب قابليات بسوى حضرت خود مى كشاند انيست سر آخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم ] كش كشاند مى كشد كانا اليه راجعون ... جوروى جاى دكر فكر غلط باشد جنون وازين مقوله ها است قول قائل جون همه راه اوست ازجب وراست ... توبهرره كه ميرى اوراست جون از بود ابتداى همه ... هم بدو باشد انتهاى همه ٥٧ { فان تولوا } فان تولوا بحذف احدى التاءين اى وان تستمروا على التولى والاعراض فلا تفريط منى { فقد ابلغتكم ما ارسلت به اليكم } اى لانى قد اديت ما علىّ من الابلاغ والزام الحجة وكنتم محجوجين بان بلغكم الحق فابتم الا التكذيب والجحود فالمذكور دليل الجزاء { ويستخلف ربى قوما غيركم } كلام مستأنف اى ويهلككم اللّه ويجيئ بقوم آخرين يخلفونكم فى دياركم واموالكم { ولا تضرونه } بتوليكم واعراضكم { شيأ } من ضرر قط لانه لا يجوز عليه المضار والمنافع وانما تضرون انفسكم { ان ربى على كل شيء حفيظ } رقيب فلا يخفى عليه اعمالكم ولا يغفل عن مجازاتكم واعلم انه بين وجوب التوكل على اللّه وكونه حفيظا حصينا اولا بان ربوبيته عامة لكل واحد ومن يرب يدبر امر المربوب ويحفظه فلا يحتاج حفظ الغير وثانيا بان كل ذى نفس تحت قهره اسير عن الفعل والتأثير فى غيره فلا حاجة الى الاحتراز منه وثالثا بانه على طريق العدل فى عالم الكثرة الذى هو ظل وحدته فلا يسلط احدا على احد الا عن استحقاق لذلك بسبب ذنب وجرم لا يعاقب احدا من غير زلة ولو صغيرة نعم قد يكون لتزكية ورفع درجة فالمستفاد فى ضمن ذلك كله نفى القدرة عنهم وعن آلهتهم فلا حول ولا قوة الا باللّه واللّه تعالى لا يظلم الناس مثقال ذرة وما يرى فى صورة الظلم فمن خفأ سره وحكمته والعارف ينظر الى الاسرار الآلهية ويحمل الوقائع على الحكم -حكى- انه كان رجل سقاء بمدينة بخارى يحمل الماء الى دار صائغ مدة ثلاثين سنة وكان لذلك الصائغ زوجة صالحة فى نهاية الحسن والبهاء فجاء السقاء على عادته يوما واخذ بيدها وعصرها فلما جاء زوجها من السوق قالت ما فعلت اليوم خلاف رضى اللّه تعالى فقال ما صنعت فالحت فقال جاءت امرأة الى دكانى وكان عندى سوار فوضعته فى ساعدها فاعجبنى بياض يدها فعصرت فقالت اللّه اكبر هذه حكمة خيانة السقاء اليوم فقال الصائغ ايتها المرأة انى تبت فاجعلينى فى حل فلما كان من الغد جاء السقاء وتاب وقال يا صاحبة المنزل اجعلينى فى حل فان الشيطان قد اضلنى فقالت امض فان الخطأ لم يكن الا من الشيخ الذى فى الدكان فاقتص اللّه منه فى الدنيا وامثال ذلك من عدل اللّه تعالى فليكن العباد على العدالة وخصوصا الحكام والسلاطين فان العدل ينفع فى الدنيا والآخرة -حكى- ان ذا القرنين سأل من ارستطا ليس اى شيء أفضل للملوك الشجاعة ام العدل فقال اذا عدل السلطان لم يحتج الى الشجاعة فمن آمن بالملك الديان وخشى من عذابه كل آن فقد عدل واحترز عن الظلم والطغيان وفاز بالدرجات فى اعلىلجنان والا فقد عرض نفسه لعذاب النيران ولعذاب الدنيا ايضا على اشد ما كان ألا ترى الى قوله تعالى حكاية { ويستخلف ربى قوما غيركم } مع ماله من انواع اللعنة : قال السعدى قدس سره نماند ستمكار بد روزكار ... بماند برو لعنت بإيدار خنك روز محشر تن دادكر ... كه در سايه عرش داردمقر ٥٨ { ولما } [ آن هنكام كه ] { جاء امرنا } اى عذابنا فيكون واحد الامور اوامرنا بالعذاب فيكون مصدر امر { نجينا هوجا والذين آمنوا معه } وكانوا اربعة آلاف { برحمة } عظيمة كائنة { منا } اى نجيناهم بمجرد رحمة وفضل لا باعمالهم لانه لا ينجو احد ان اجتهد فى الاعمال والعمل الصالح الا برحمة اللّه تعالى كما هو مذهب اهل السنة { ونجيناهم من ذعاب غليظ } شديد وهو تكرير لبيان ما نجيناهم منه اى كانت تلك التنجية تنجية من عذاب غليظ وهى السموم التى كانتى تدخل انوف الكفرة وتخرج من ادبارهم فتقطعهم اربا اربا وقد سبق تفصيل القصة فى سورة الاعراف فارجع اليها وفيه اشارة الى ان العذاب نوعان خفيف وغليظ فالخفيف هو عذاب الشقاوة المقدرة قبل خلق الخلق والغليظ هو عاب الشقى بشقاوة معاملات الاشقياء لتى تجرى عليه مع شقامته المقدرة له قبل الوجود كما فىلتأويلات النجمية -روى- ان اللّه تعالى لما اهلك عادا ونجى هودا والمؤمنين معه اتوا مكة وعبدوا اللّه تعالى فيها حتى ماتوا قال فى انسان العيون كل نبى من الانبياء كان اذا كذبه قومه خرج من بين اظهرهم واتى مكة يعبد اللّه تعالى حتى يموت وجاء ( ما بين الركن اليمانى والركن الاسود روضة من رياض الجنة ) وان قبر هود وشعيب وصالح واسماعيل عليهم السلام فى تلك البقعة وفى فتوح الحرمين هيج نبى هيج ولى هم نبود ... كونه برين دررخ اميد سود كعبه بود نوكل مشكين من ... تازه از وباغ دل ودين من ٥٩ { وتلك } القبيلة يا قوم محمد { عاد } قال العلامة الطيبى كأنه تعالى اذن بتصوير تلك القبيلة فى الذهن ثم اشار اليها وجعلها خبرا للمبتدأ لمزيد الابهام فيحسن التفسير بقوله { جحدوا بآيات ربهم } كل الحسن لمزيد الاجمال والتفصيل انتهى ويجوز ان تكون اشارة الى قبورهم وآثارهم كأنه تعالى قال سيروا فى الارض فانظروا اليها واعتبروا ففى الكلام مجاز حذف اما قبل المبتدأ اى اصحاب تلك واما قبل الخبر اى قبور عاد كفروا بآيات ربهم بعد ما استيقنوها يعنى انهم كانوا يعرفون انها حق لكنهم جحدوا كما يجحد المودع الوديعة ويستمر على جحوده ولا يرعوى { وعصوا رسله } لانهم عصوا رسولهم ومن عصى رسوله فقد عصى الكل لاتفاق كلمتهم على التوحيد واصول الشرائع. قيل لم يرسل اليهم الا هود وحده وهذا الحجود والعصيان شامل لكل فرد منهم اى لرؤسائهم واسافلهم ٦٠ { واتبعوا } اى الاسافل { امر كل جبار } [ فرمان هرسر كشى ] { عنيد } [ ستيزه كاررا ] قال فى التبيان الجبار المتعظم فى نفسه المتكبر على العباد والعنيد الذى لا يقول الحق ولا يقبله وقال القاضى اى من كبرائهم الطاغين قال سعدى المفتى اشار الى ان الجبار بمعنى المتكبر فانه يأتى بمعنى المتكبر الذى لا يرى لاجد عليه حقا ويقال اذا طغى. والمعنى عصوا من دعاهم الى الايمان وما ينجيهم واطاعوا من دعاهم الى الكفر وما يرديهم { واتبعوا } اى التابعون والرؤساء { فى هذه الدنيا لعنة } اى ابعادا عن الرحمة وعن كل خير اى جعلت تابعة لهم ولازمة تكبهم فى الذعاب كمن ياتى خلف شخص فيدفعه من خلفه فيكبه وانما عبر عن لزوم اللعنة لهم بالتبعية للمبالغة فكأنها لا تفارقهم وان ذهبوا كل مذهب بل تدور معهم حيثما داروا ولوقوعه فى صحبة اتباعهم فى يوم القيامة ايضا لعنة وهى عذاب النار المخلد حذفت لدلالة الاولى عليها { الا ان عادا كفروا ربهم } جحدوه كأنهم كانوا من الدهرية وهم الذين يرون محسوسا ولا يرون معقولا وينسبون كل حادث الى الدهر قال فى الكواشى كفر يستعل متعديا ولازما كشكرته وشكرت له { ألا بعد العاد } [ بدانديكه دوريست مرعاديانرا يعنى ازرحمت دورند ] كما قال فى التبيان وعاد ارم الحديث وانما كرر ألا ودعاءه عليهم واعاد ذكرهم تهويلا لامرهم وتفظيعا له وحثا على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم : وفى المثنوى بس سباس اوراكه مارا درجهان كرد بيدا از بس بيشينيان ... تاشنيديم آن سياستهاى حق بر قرون ماضيه اندر سبق ... استخوان وبشم آن كركان عيان بنكريد ويند كيريد اى مهان ... عاقل از سر بنهد اين هستى وباد جون شنيد انجام فرعونان وعاد ... ورنه بنهد ديكران از حال او عبرتى كيرند از اضلال او ... ثم قوله { ألا بعدا لعاد قوم هود } دعاء عليهم بالهلاك اى ليبعد عاد بعدا وليهلكوا والمراد به الدلالة على انهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكى عنهم وذلك لان الدعاء بالهلاك بعد هلاكهم ففائدته ما ذكر ثم اللام تدل ايضا على الاستحقاق وعلى البيان كأنه قيل لمن فقيل لعاد قال سعدى المفتى ويجوز ان يكون دعاء عليهم باللعن وفى القاموس البعد والبعاد اللعن انتهى وفى الكفاية شرح الهداية اللعن على ضربين. احدهما الطرد من رحمة اللّه تعالى وذلك لا يكون الا للكافر. والثانى الابعاد عن درجة الابرار ومقام الصالحين وهو المراد بقوله عليه السلام ( المحتكر ملعون ) لان اهل السنة والجماعة لا يخرجون احدا من الايمان بارتكاب الكبيرة وجاء فى اللعن العام ( لعن اللّه من لعن والديه ولعن اللّه لغير اللّه من آوى محدثا ولعن اللّه من غير منار الارض ) قوله محدثا بكسر الدال معناه الآتى بالامر المنكر مما نهى عنه وحرم عليه اى من آواه وحماه وذب عنه ولم يكن ينكر عليه ويردعه. ومنار الارض العلامات التى تكون فى الطرق والحد بين الاراضى وفى الحديث ( لعن اللّه آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده والواشمة والموشومة ومانع الصدقة ولمحلل والمحلل له ) الوشم هو الزرقة الحاصلة فى البدن بغرز الابرة فيه وجعل النيلة او الكحل فى موضعه. والواشمة الفاعلة. والموشومة المفعول بما فى ذلك وفى الحديث ( لعن اللّه الراشى والمرتشى والرائش ) اى الذى يسعى بينهما وفى الحديث ( لعن اللّه الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها وللمحمولة ليه واكل ثمنها ) ويكره للمسلم ان يؤجر نفسه من كافر لعصر العنب كما فى الاشباه ويجوز بيع العصير لمن يتخذه خمرا لان عين العصير عار من المعصية وانما يلحقه الفساد بعد تغيره بخلاف بيع السلاح فى ايام الفتنة لان عينه آلة بلا تغيير يعنى يكره بيع السلاح ايام الفتنة اذا علم ان المشترى من اهل الفتنة لانه يكون سببا للمعصية واذا باع مسلم خمرا وقبض الثمن وعليه دين كره لرب الدين اخذه منه لان الخمر ليست بمال متقوم فى حق الذمى فملك الثمن فحل الاخذ منه وفى الحديث ( لعن المسلم كقتله ) قال ابن الصلاح فى فتاواه قاتل لحسين رضى اللّه عنه لا يكفر بذلك وانما ارتكب ذنبا عظيما وانما يكفر بلقتل قاتل نب من الانبياء ثم قال والناس فى يزيد ثلاث فرق. فرقة تتولاه وتحبه. وفرقة تسبه وتلعنه. وفرقة متوسطة فى ذلك لا تتولاه ولا تلعنه وتسلك به مسالك سائر ملوك الاسلام وخلفائهم غير الراشدين فى ذلك وهذه الفرقة هى المصيبة ومذهبها هو اللائق بمن يعرف سير الماضين ويعلم قواعد الشريعة المطهرة انتهى وقال سعد الدين التفتازانى اللعن على يزيد فى الشرع يجوز ... واللاعن يجزى حسنات ويفوز قد صح لدى انه معتل ... واللعن مضاعف وذلك مهموز وباقى البحث فيه قد سبق فى سورة البقرة ألا لعنة اللّه على الظالمين قال فى حياة الحيوان ان اللّه تعالى لم يجعل الدنيا مقصودة لنفسها بل جعلها طريقة موصولة الى ما هو المقصود لنفسه وانه لم يجعلها دار اقامة ولا جزاء وانما جعلها دار رحلة وبلاء وانه ملكها فى الغالب الجهلة والكفرة وحماها الانبياء والاولياء والابدال وحسبك بها هوانا انه سبحانه صغرها وحقرها وابغضها وابغض اهلها ومحبها ولم يرض لعاقل فيها الا بالتزويد للارتحال عنها وفى الحديث ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر اللّه ومن والاه وعالما واو متعلما ) ولا يفهم من هذا اباحة لعن الدنيا وسبها مطلقا كما روى ابو موسى الاشعرى ان النبى صلى اللّه عليه وسلم قال ( لا تسبوا الدنيا فنعمت مطلية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ان العبد اذا قال لعن اللّه الدنيا قالت الدنيا لعن اللّه من عصى ربه ) وهذا يقتضى لمنع من سبب الدنيا ولعنها. ووجه الجمع بينهما ان المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبعدا عن اللّه تعالى وشاغلا عنه كما قال السلف كل ما شغلك عن اللّه سبحانه من مال وولد فهو مشئوم عليك واما ما كان من الدنيا يقرب من اللّه ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل لسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب ويحب واليه الاشارة حيث قال ( الا ذكر اللّه ومن والاه او عالما او متعلما ) وهو المصرح به فى قوله ( نعمت مطية المؤمن ) الخ وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين واعلم ان حقيقة اللعن هو الطرد عن الحضرة الآلهية الى طلب شهوات الدنيا وتعب وجدانها وتعب فقدانها فهو اللعنة الدنيوية واما اللعنة يوم القيامة فبالبعد والخسران والحرمان وعذاب النيران فلنفس اذا لم تقبل نصيحة هود القلب وتركت مشارب القلب الدينية الباقية من لوامع النورانية وطوامع الروحانية وشواهد الربانية واقبلت على المشارب الدنيوية الفانية من الشهوات والمستلذات الحيوانية وثناء الخلق عندهم وامثال هذا فقد جاء فى حقها ألا بعدا اى طردا وفرقة وقطيعة وحسرة لها عصمنا اللّه واياكم من مكايد النفس الامارة وشرفنا بصلاح الحال الى آخر الاعمار والآجال ٦١ { والى ثمود } اى وارسلنا الى ثمود وهى قبيلة من العرب سموا باسم ابيهم الاكبر ثموج بن عاد بن ارم بن سام. وقيل انما سموا بذلك لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل. فى تفسير ابى الليث انما لم ينصرف لانه اسم قبيلة وفى الموضع الذي ينصرف جعله اسما للقوم { اخاهم } اى واحدا منهم فى النسب { صالحا } عطف بيان لاخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسخ بن عبيد بن خاور ابن ثمود { قال } استئناف بيانى كأن قائلا قال فما قال لهم صالح ارسل اليهم فقيل قال { يا قوم } [ اى قوم من ] { اعبدوا اللّه } وحده لانه { ما لكم من اله غيره } [ نيست شمارا معبودى جزوى ] { هو } لا غيره لانه فاعل معنوى وتقديمه يدل على القصر { انشأكم } كونكم وخلقكم { من الارض } من لابتداء الغاية اى ابتداء انشاءكم منها فانه خلق آدم من التراب وهو انموذج منطو على جميع ذرياته التى ستوجد الى يوم القيامة انطواء اجماليا لان كل واحد منهم مخلوق من المنى ومن دم الطمث والمنى انما يتولد من الدم والدم انما يتولد من الاغذية وهى اما حيوانية او نباتية والنباتية انما تتولد من الارض والاغذية الحيوانية لا بد ان تنتهى الى الاغذية النباتية المتولدة من الارض فثبت انه تعالى انشأ الكل من الارض { واستعمركم فيها } من العمر يقال عمر الرجل يعمر عمرا بفتح العين وسكون الميم اى عاش زمانا طويلا واستعمره اللّه اى اطال بقاءه ونظيره بقى الرجل واستبقاه اللّه من البقاء اى ابقاء اللّه فبناه استفعل للتعدية. والمعنى عمركم واستبقاكم فى الارض وبالفارسية [ وزند كانى وبقاداد شمارا درزمين. درمدارك مذ كورست كه سال عمر هريك از ثمود از سيصد تاهزار بوده ] ويجوز ان يكون من العمارة بالفارسية [ آبادان كردن ] قال كعب قوله تعالى { واستعمركم فيها } يدل على وجوب عمارة الارض لان الاستعمار طلب العمارة والطلب المطلق منه تعالى يحمل على الامر والايجاب. والمعنى امركم بالعمارة فيها واقدركم على امارتها كما قال فى الكاشفى [ شما قدرت داد برعمارت زمين تامنازل نزه ساختيد وبر حفر انهار وغرس اشجار اشتغال نموديد ] { فاستغفروه } فاطلبوا مغفرة اللّه بالايمان يعنى [ ايمان أريد تا شمارا بيامرزد ] فان ما فصل من فنون الاحسان داع الى الاستغفار { ثم توبوا اليه } من عبادة غيره لان التوبة لا تصح الا بعد الايمان وقد سبق تحقيق ( ثم ) هذه غير مرة { ان ربى قريب } اى قريب الرحمة لقوله تعالى { ان رحمة اللّه قريب من المحسنين } { مجيب } لمن دعاء وسأله قال سعدى المفتى والذى يلوح للخاطر ان قوله تعالى قريب ناظر لتوبوا ومجيب لاستغفروا اى ارجعوا الى اللّه فانه قريب ما هو بعيد واسألوا مه المغفرة فانه مجيب لسائله لا يخيبه محالست اكر سربرين در نهى ... كه باز آيدت دست حاجت تهى وحفظ العبد من الاسم المجيب ان يجيب ربه فيما امره ونهاه ويتلقى عباده بلطف الجواب واسعاف السؤال والعبد اذا اجاب ربه فاللّه تعالى يجيبه كما قال ابو طالب لرسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم ما اطوع ربك فقال عليه السلام ( وانت يا عم لو اطعنه لاطاعك ) قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر الدعاء يوذن بالبعد وهو تعالى يوذن بالبعد وهو تعالى القريب واذا كان القريب فلم تدعو وان سكت قال لك لم تدعو هل استكبرت فلم تبق الغبطة الا للاخرس وهو البكم صم بكم عمى طوبى لهم وحسن مآب انتهى وهذا وصف العلماء باللّه وهم الذين قيل فيهم من عرف اللّه كل لسانه جو بيت المقدس درون بر قباب ... رها كرده ديوار بيرون خراب بخود سرفروبرده همجون صدف ... ند ماند زدريا بر آورده كف واعلم ان عمارة الظاهر بافعال الشريعة من اسباب عمارة الباطن باخلاق الربانية. قال العلماء العمارة متنوعة الى واجب ومندوب ومباح وحرام فالواجب مثل سد الثغور وبناء القناطر على الانهر المهلكة وبناء المسجد الجامع فى المصر وغير ذلك والمندوب كبناء القناطر على الانهر الصغيرة والمساجد والمدارس والرباطات وحو ذلك تيسيرا للناس والمباح كالزوايا والخانقات والبيوت التى تقى الحر والبرد وربما تكون الاخيرة واجبة قال فى الاسرار المحمدية الغرض من المسكن دفع المطر والبرد واقل الدرجات فيه معلوم وما زاد عليه فهو من الفضول والاقتصار على الاقل والادنى يمكن فى الديار الحارة واما البلاد البادرة فى غلبة البرد ونفوذه من الجدران الضعيفة حتى كاد يهلك او يمرض فالبناء بالطين واحكامه لا يخرجه عن حد الزاهدين كذا فى ايام لصيف عند اشتداد الحر واستضراره واستضرار اولاده بالبيت الشتوى السفلى لعدم نفوذ الهواء البارد فيه ومن براغيثه فى الليل المزعجات عن النوم وانواع الحشرات فيه فلا يجوز حملهم على الزهد بان يتركهم على هذه الحال بل عليه ان يبنى لهم صيفيا علويا لما روينا عن النبى عليه السلام ( من بنى بنيانا فى غير ظلم ولا اعتداء او غرس غرسا فى غير ظلم ولا اعتداء كان له اجرا جاريا ما انتفع به احد من خلق الرحمن ) انتهى والحرام كابنية الجهلة الذين بنوا للمباهاة وابنية الظلمة وغير ذلك مما ليس به حاجة. وفى الخبر ( من بنى فوق ما يكفيه جاء يوم القيامة وهو حامله على عنقه ) وفى الحديث ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ما كان منا للّه تعالى ) وكان ملوك فارس قد اكثروا من حفر الانهار وغرس الاشجار وعمروا الاعمار الطوال مع ما كان فيهم من عسف الرعايا فسأل نبى من انبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم غاوحى اليه انهم عمروا بلادى فعاش فيها عبادى وعن معاوية انه اخذ فى احياء الارض فى آخر امره فقيل له فقال ما حملنى عليه الا قول القائل ليس الفتى بفتى يستضاء به ولا يكون له فى الارض آثار والمراد بهذه الآثار ما يتناول العمارة الواجبة والمندوبة : قال سعدى قدس سره نمرد آنكه ماند بس ازوى بجاى ... بل ومسجد وخان ومهمان سراى هر آن كو نماند ازبسش ياد كار ... درخت وجودش نياورد بار وكر رفت آثار خيرش نماند ... نشايد بس از مرك الحمد خواند ٦٢ { قالوا } اى قوم صالح بعد دعوتهم الى اللّه تعالى وعبادته { يا صالح قد كنت فينا } فيما بيننا { مرجوا } مأمولا { قبل هذا } الوقت وهو وقت الدعوة كانت تلوح فيك مخايل الخير وامارات الرشد والسداد فكنا نرجوك ان تكون لنا سيدا ننتفع بك ومستشارا فى الامور ومسترشدا فى التدابير فلما سمعنا منك هذا القول انقطع رجاؤنا عنك وعلمنا ان لا خير فيك كما يقول بعض اهل الانكار لبعض من يسلك طريق الارادة والطلب ان هذا قد فسد بل جن وكان قبل هذا رجلا صالحا عاقلا فلا يرجى منه اليخر : وفى المثنوى عقل جزوى عشق را منكربود ... كرجه بنمايد كه صاحب سربود قال الحافظ مبين حقير كدايان عشق را كين قوم ... شهان بى كمر وخسروان بى كلهند غلام همت دردى كشان يك رنكيم ... نه زين كروه كه ازرق رداودل سيهند { أتنهينا } معنى الهمزة الانكار اى أتمنعنا من { ان نعبد ما يعبد آباؤنا } اى عبدوه والعدل الى صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية { واننا } من قال انا اسقط النون الثانية من ان دون كناية المتكلمين ن وهو المختار { لفى شك مما تدعونا اليه } من التوحيد وترك عبادة الاوثان { مريب } موقع فى الريبة اى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة : يعنى [ كمانى كه نفس را مرب ميسازد ودل آرام نمى دهد وعقل را شوريده مى كرداند ] من ارابه اى اوقعه فى الريبة واسناد الارابه الى الشك وهو ان يبقى الانسان متوقفا بين النفى والاثبات مجازى لان الريب هو انتفاء ما يرجح احد طرفى النسبة او تعارض الادلة لا نفس الشك وقال سعدى المفتى يجوز ان يعتقدوا ان الشك يوقع فى القلق والاضطراب فيكون الاسناد حقيقيا وان كان الموقع عند الموحدين هو اللّه تعالى ٦٣ { قال } صالح { يا قوم أرأيتم } اى اخبرونى { ان كنت } فى الحقيقة { على بينة } حجة ظاهرة وبرهان وبصيرة { من ربى } مالكى ومتولى امرى { وآتينى منه } من جهته { رحمة } نبوة وانما اتى بحرف الشك مع انه متيقن انه على بينة وانه نبى لا خطابه للجاحدين وهو على سبيل الفرض والتقدير كأنه قال افرضوا وقدروا انى على بينة من ربى وانى نبى بالحقيقة وانظروا ان تابعتكم وعصيت ربى فيما امرنى { فمن ينصرنى من اللّه } اى فمن يمنعنى من عذاب اللّه ففيه تضمين ينصر معنى يمنع وتقدير المضاف قبل اللفظة الجليلة وقال فى الارشاد فمن ينصرنى منجيا من عذابه تعالى { ان عصيته } فى تبليغ رسالته والنهى عن الاشراك به { فما تزيدوننى } اذا باستتباعكم اياى كما ينبئ عنه قولهم { قد كنت فينا مرجوا قبل هذا } اى لا تفيدوننى اذ لم يكن فيه اصل الخسران حتى يزيدوه { غير تخسير } اى غير ان تجعلونى خاسرا بابطال اعمالى وتعريضى سخط اللّه تعالى او فما تزيدوننى بما تقولون لى وتحملوننى عليه غير ان انسبكم الى الخسران واقول لكم انكم لخاسرون فالزيادة على معناها وصيغة التفعيل للنسبة يقال فسقه وفجره اذا نسبه الى الفسق والفجور فكذا خسره اذا نسبه الى الخسران وفى الآية اشارة الى ان لا رجوع عن الحق بعدما استبان فانه ماذا بعد الحق الا الضلال والخذلان والخسران قال اوحد لمشايخ فى وقته ابو عبد اللّه الشيرازى قدس سره رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى المنام وهو يقول من عرف طريقا الى اللّه فسلكه ثم رجع عنه عذبه اللّه بعذاب لم يعذب به احدا من العالمين وقال الجنيد قدس سره لو اقبل صديق على اللّه الف سنة ثم اعرض عنه لحظة فان ما فاته اكثر مما ناله وفى شرح التجليات البيعة لازمة الى ان يلقى اللّه تعالى ومن نكث الاتباع فحسبه جهنم خالدا فيها لا يكلمه اللّه ولا ينظر اليه وله عذاب اليم هذا كما قال ابو سليمان الدارانى قدس سره حظه فى الآخرة واما الدنيا فقد قال ابو يزيد البسطامى قدس سره فى حق تلميذه لما خالفه دعوا من سقط من عين اللّه فرؤى بعد ذلك مع المخنثين وسرق فقطعت يده هذا لما نكث اين هو ممن وفى بيعته مثل تلميذ الدارانى قيل له الق نفسك فى التنور فالقى نفسه فعاد عليه بردا وسلاما وهذا نتيجة الوفاء واعلم ان المبايع فى الحقيقة وهو معطى البيعة هو اللّه تعالى لكن خلق الوسائط والوسائل ليسهل الاخذ والعهد فجعل الانبياء والشيوخ الورثة والسلاطين اللاحقين بالشيوخ مبايعين فهم معصومون محفوظون لا يأمرون بمعصية اصلا ولا يتصور منهم نكث العهد قطعا فبقى الاتباع فمن لزم منهم الباب استسعد بحسن المآب ومن رجع القهقرى ونعوذ باللّه اللّه واخزاه : فى المثنوى مرسكانرا جون وفا آمد شعار ... روسكانرا ننك بدنامى ميار بى وفائى جون سكانرا عاربود ... بى وفائى جون روا دارى نمود فعلى العاقل ان لا يكون فى تردد وشك مما دعا اليه الانبياء والاولياء من التوحيد وحقائقه بل يتبع الحق الى ان يصل لى دقائقه فان التردد والشك من اوصاف الكفرة والقلق والاضطراب من احوال الفجرة اين تردد عقبه راه حقست ... اى خنك آنراكه بايش مطلقست بى تردد مى رود برراه راست ... ره نمى دانى بجوكامش كجاست كام آهورا بكيرو رومعاف ... تارسى ازكام آهو تابناف كركران وكر شتابنده بود ... عاقبت جوينده يابنده بود وقد رأينا فى زماننا اشخاصا يطلبون شيوخا ورثة عم على بينة من ربهم فلا يجدونهم لان فى الطلب ضعفا وترددا وفى الاعتقاد والهمة توزعا وتفرقا فاذا لم يكن الطالب على بصيرة من الامر لا يجد اهل البصيرة وان كانوا نصب عينيه بل تزداد خسارته ونعم ما قيل الشمس شمس وان لم يرها الضرير ألا ترى الى طغاة الامم السالفة كيف انكروا الانبياء مع ظهور حججهم وبراهينهم اللّهم انا نسألك العصمة والتوفيق ٦٤ { ويا قوم } -روى- عن النبى عليه السلام انه قال ان صالحا لما دعا قومه الى اللّه تعالى كذبوه فضاق صدره فسأل ربه ان يأذن له فى الخروج من عندهم فاذن له فخرج وانتهى الى ساحل البحر فاذا رجل يمشى على الماء فقال له صاح ويحك من انت فقال انا من عباد اللّه كنت فى سفينة قومها كفرة غيرى فاهلكهم اللّه ونجانى منهم فخرجت الى جزيرة اتعبد هناك فاخرج احيانا واطلب شيأ من رزق اللّه ثم ارجع الى مكانى فمضى صالح فانتهى الى تل عظيم فرأى رجلا فانتهى اليه وسلم عليه فرد عليه السلام فقال له صالح من انت قال كانت ههنا قرية كان اهلها كفارا غيرى فاهلكهم اللّه تعالى ونجانى منها فجعلت على نفسى ان اعبد اللّه تعالى ههنا الى الموت وقد انبت اللّه لى شجرة رمان واظهر عين ماء آكل من الرمان واشرب من ماء العين واتوضأ منه فذهب ثالح وانتهى الى قرية كان اهلها كفارا كلهم غير اخوين مسلمين يعملان عمل الخوص فضرب النبى عليه السلام مثلا فقال لو ان مؤمنا دخل قرية فيها الف رجل كلهم كفار وفيهم مؤمن واحد فلا يسكن قلبه مع احد حتى يجد المؤمن ولو ان منافقا دخل قرية فيها الف رجل كلهم مؤمنون وفيهم منافق واحد فلا يسكن قلب المنافق مع احد ما لم يجد المنافق فدخل صالح وانتهى الى الاخوين فمكث عندهما اياما وسأل عن حالهما فاخبرا انهما يصبران على اذى المشركين وانهما يعملان عمل الخوص ويمسكان قوتهما ويتصدقان بالفضل فقال صالح الحمد للّه الذى ارانى فى الارض من عباده الصالحين الذين صبروا على اذى الكفار فانا ارجع الى قومى واصبر على اذاهم فرجع اليهم وقد كانوا خرجوا الى عيد لهم فدعاهم الى الايمان فسألوه آية فقال أية آية تريدون فاشار سيدهم جندع بن عمرو الى صخرة منفردة يقال لها الكاثبة وقال له اخرج من هذه الصخرة ناقة واسعة الجوف كثيرة الوبر عشراء اى اتت عليها من يوم ارسل لفحل عليها عشرة اشهر فان فعلت صدقناك فاخذ عليهم مواثقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن فقالوا نعم فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانشقت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا فقال يا قوم { هذه ناقة اللّه } الاضافة للتشريف والتنبيه على انها مفارقة لسائر ما يجانسها من حيث الخلقة ومن حيث الخلق لان اللّه تعالى خلقها من الصخرة دفعة واحدة من غير ولادة وكانت عظيمة الجثة جدا { لكم آية } معجزة دالة على صدق نبوتى فآمن جندع به فى جماعة وامتنع الباقون وانتصاب آية على الحال من ناقة اللّه وعاملها ما فى اسم الاشارة من معنى الفعل اى اشير اليها آية ولكم حال من آية متقدمة عليها لكونها نكرة لو تأخرت لكانت صفة لها فلما تقدمت انتصبت حالا { فذروها } اى خلوها وشأنها { تأكل فى ارض اللّه } ترع نباتها وتشرب ماءها فهو من قبيل الاكتفاء نحو تقيكم الحر والمراد انه عليه السلام رفع عن القوم مؤونتها يعنى [ روزئ اوبر شمانيست ونفع اورا شماراست ] كما روى انها كانت تعى الشجرة وتشرب الماء ثم تفرج بين رجليها فيحلبون ما شاؤا حتى تمتلئ اوانيهم فيشربون ويدخرون وهم تسعمائة اهل بيت ويقال الف وخمسمائة ثم انه عليه السلام لما خاف عليها منهم لما شاهد من اصرارهم على الكفر فان الخصم لا يحب حجة خصمه بل يسعى فى اخفائها وابطالها باقصى ما يمكن من السعى فلهذا احتاط وقال { ولا تمسوها بسوء } [ ومرسانيدبوى آزارى ] فالباء للتعدية بولغ فى النهى عن التعرض لها بما يضرها حيث نهى عن المس الذى هو من مبادئ الاصابة ونكر السوء ليشمل جميع انواع الاذى من ضرب وعقر ذلك اى لا تضربوها ولا تطردوها ولا تقربوها بشيء من الاذى فضلا عن عقرها وقتلها { فيأخذكم عذاب قريب } اى قريب النزول وكانت تصيف بظهر الوادى فتهرب منها انعامهم الى بطنه وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم الى ظهره فشق عليهم ذلك ٦٥ { فعقروها } عقرها قدار بامرهم ورضاهم وقسموا لحمها على جميع القرية. والعقر قطع عضو يؤثر فى النفس وقدار كهمام بالدال المهملة اسم رجل وهو قدار بن سالف وتفصيل القصة سبق فى سورة الاعراف قال الكاشفى [ صالح عليه السلام دران وقت درميان قوم نبود وجون بيامد حال با تقريد كردند ] { فقال } لهم صالح { تمتعوا } اى عيشوا { فى داركم } فى بلدكم ومنازلكم وتسمى البلاد الديار لانه يدار فيها اى تصرف يقال دياربكر لبلادهم وتقول العرب الذين حوالى مكة نحن من عرب لدار يريدون من عرب البلد كما فى بحر العلوم { ثلاثة ايام } الاربعاء والخميس والجمعة فانهم عقروها ليلة الارعاء واهلكوا صبيحة يوم السبت كما فى التبيان قيل قال لهم تصبح وجوهكم غذا مصفرة وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب وكان كما قال { ذلك } اشارة الى ما يدل عليه الامر بلتمتع ثلاثة ايام من نزول العذاب عقيبها { وعد غير مكذوب } اى غير كذب كالمجلود بمعنى الجلد الذى هو الصلابة والجلادة او غير مكذوب فيه فحذف حرف الجر فاتصل الضمير باسم المفعول باقامته مقام المفعول به توسعا كما يقال شهدناه والاصل عهدنا فيه فاجرى الظرف مجرى المفعول وذلك لان الوعد انما يوصف بكونه غير مكذوب اذا كان من شأنه ان يكون مكذوبا وليس كذلك لان المصدوق والمكذوب من كان مخاطبا بالكلام المطابق للواقع وغير الواقع وقلما يوصف بها الا الانسان الصالح للخطاب والاشارة ان القوم انما فعلوا ذلك جهلا منهم بحقيقة الامر ولاداء ادوأ من الجهل والدنيا مسكن النفس ومقرها والتمتع فيها ثلاثة ايام اليوم الاول هو يوم الجهل وفيه تصفر الوجوه واليوم الثانى هو يوم الغفلة وفيه تحمر الوجوه واليوم الثالث هو يوم الرين ولختم على القلوب وفيه تسود الوجوه فلا يبقى الا العذاب فعلى العاقل ان يزيل حجاب الجهل بمعرفة اللّه تعالى والغفلة بليقظة قبل حصول الرين فانه عند حصوله لا يوجد له العلاج فانه الداء العضال ونعوذ باللّه تعالى وكما تتلون الوجوه بنار الجلال كذلك تتلون بنور الجمال كما قال ذو النون المصرى بينما انا فى طريق البصرة اذ سمعت قائلا يقول يا شفيق يا رفيق ارفق بنا فطلبت الصوت فاذا انا بجارية متطلعة من قصر مشرف فقلت اراك مسفرة بغير خمار فقالت ما يصنع بالخمار وجه قد علاه الصفار وقلت ومم الصفار قالت من الخمار قلت يا جارية عساك تناولت من الشراب قالت نعم شربت البارحة بكأس الودّ مسرورة فاصبحت غذاة صباحى هذا من شوقه مخمورة قلت اراك حكيمة فعظينى قالت عليك بالسكوت ولزوم خدمته فى ظلم البيوت حتى يتوهم الناس انك مبهوت وارض من اللّه بالقوت واستعد ليوم تموت لكى يبنى لك بيت فى الملكوت اساسه من الزبرجد والياقوت : وفى الثنوى روح همجون صالح وتن ناقه است ... روح تندر وصل وتن در فاقه است روح صالح قابل آفات نيست ... زخم بر ناقه بود بر ذات نيست روح صالح قابل آزار نيست ... نوريزدان سغبه كفار نيست جسم كاخىرا بدو بيوسته جان ... ا بيازارند و بينند امتحان بى خبر كازار اين آزار اوست ... آب اين خم متصل باآب جوست ناقه جسم ولى را بنده باش ... تاشوى باروح صالح خواجه تاش ٦٦ { فلما جاء امرنا } [ بس آن هنكام كه آمد فرمان ما بعذاب ايشان ] { نجينا } التنجية [ نجات دادن ] { صالحا والذين آمنوا معه } متعلق بنجينا وبآمنوا وهو الاظهر اذا المراد آمنوا كما آمن صالح واتبعوه فى ذلك لا ان زمان ايمانهم مقارن لزمان ايمانه فان ايمان الرسول مقدم على ايمان من اتبعه من المؤمنين { برحمة } اى ملتبسين بمجرد رحمة عظيمة { منا } وفضل لا باعمالهم كما هو مذهب اهل السنة قال فى التأويلات النجمية هى توفيقاعمال النجاة وقال فى الارشاد هى بالنسبة الى صالح النبوة والى المؤمنين الايمان { ومن خزى يومئذ } عطف على نجينا اى ونجيناهم من خزى يومئذ اى من زلة ومهانته وفضيحته ولا خزى اعظم من خزى من كان هلاكه بغضب اللّه وانتقامه قال ابن الشيخ كرر نجينا لبيان ما نجاهم منه وهو هلاكهم يومئذ اى يوم اذا جاء امرنا فان اذ مضافة الى جملة محذوفة وعوض عنها التنوين او هو الذل والهوان الذى نزل بهم فى ذلك اليوم ولزمهم بحيث بقى ما لحقهم من العار بسببه مأثورا عنهم ومنسوبا اليهم الى يوم القيامة فان معنى الخزى العيب الذى تظهر فضيحته ويستحيى من مثله واعلم ان ظرف الزمان اذا اضيف الى مبنى جاز فيه البناء والاعراب فمن قرأ بفتح الميم بناه لاضافته الى مبنى وهو اذ الغير المتمكن ومن قرأ بكسرها اعربه لاضافة الخزى اليه والقراءة الاولى لنافع والكسائى والثانية لغيرهما { ان ربك } يا محمد { هو القوى } القادر على كل شيء { العزيز } الغالب عليه لا غيره وقال الكاشفى { هو القوى } [ اوست توانا بنجات مؤمنان { العزيز } غالب بردشمان برهلاك ايشان ولكون الاخبار بتنجية الاولياء لا سيما عند الانباء بحلول العذاب اهم ذكرها اولا ثم اخبر بهلاك الاعداء ] ٦٧ { واخذ الذين ظلموا } انفسهم { الصيحة } اى صيحة جبرائيل عليه السلام وهو فاعل اخذ والموصول مفعول والصيحة فعلة تدل على المرة من الصياح وهو الصوت الشديد يقال صاح يصيح صياحا اى صوت بقوة وفى سورة الاعراف { فاخذتهم الرجفة } اى الزلزلة ولعلها وقعت عقيب الصيحة المستتبعة لتموج الهواء قال الكاشفى [ در زاد المسير آورده كه در آن سه روز كه وعده حيات داشتد درخانها خود ساكن شده قبرها كنديدند ومنتظر عذاب مى بودند جون روزجهارم آفتاب طالع شده وعذاب نيامد ازمنازل بيرون آمده يكديكررا مى خواندند واستهزا ميكردندكه تاكاه جبرائيل برصورت اصل خويش بايش برزمين وسر بر آسمان برهاى خويش نشر كرده از مشرق تا مغرب بايهاى وى زرد وبالهايش سبز ودندانهاى سفيد وبراق وبيشانى باجلا ونورانى ورخساى برافروخته وموى سروى سرخ برنك مرجان ظاهر شده واوفق را بيوشيد وقوم ثمود آن حالرا مشاهده نمودند وروى بمساكن نهاده بقبور درآمدند جبرائيل نعره زدكه موتوا عليكم لعنة اللّه بيكبار همه مردند وزلزله درخانها افتاده سقفها برايشان فرود آمد ] { فاصبحوا } اى صاروا { فى ديارهم } فى بلادهم او فى مساكنهم { جاثمين } خامدين ميتين لا تحركون والمراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب وحركة كما يكون ذلك عند الموت المعتاد. ولا يخفى ما فيه من الدلالة على شدة الاخذ وسرعته اللّهم انا نعوذ بك من حلول غضبك. وجثومهم سقوطهم على وجوههم او الجثوم السكون يقال للطير اذا باتت فى اوكارها جثمت ثم ان العرب اطلقوا هذا اللفظ على ما لا يتحرك من الموت قال فى بحر العلوم يقال الناس جثم اى قعود لا حراك بهم ولا ينسبون بهم ولا ينسبون بنسبة ومنه المجثمة التى نهى الشرع عنها وهى البهيمة تربط وتوجمع قوائمها لترمى : وفى المثنوى شحنة قهر خدا ايشان بجست ... خونبهاى اشترى شهرى درست جون همه درنا اميدى سرزدند ... همجو اشتر دردو زانو آمدند در نبى آورد جبريل امين ... شرح اين زانو زدن را جاثمين زانو آندم زن كه تعليمت كنند ... وز جنين زاتو زدن بيمت كنند ٦٨ { كأن لم يغنوا فيها } اى كأنهم لم يقيموا فى ديارهم ولم يكونوا احياء مترددين متصرفين وهو فى موقع الحال اى اصبحوا جاثمين مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم فى مقام قط. والمغنى المنزل والمقام الذى يقيم الحى به يقال غنى الرجل بمكان كذا اى اقام به وغنى اى عاش { ألا } [ بدانيد ] { ان ثمود كفروا ربهم } جحدوا بوحدانية اللّه تعالى فهذا تنبيه وتخويف لمن بعدهم { الا بعدا } [ دورى وهلاك ] { لثمود } فقوله بعدا مصدر وضع موضع فعله فان معناه بعدوا اى هلكوا واللام لبيان من دعى عليهم وفائدة الدعاء عليهم بعد هلاكهم الدلالة على استحقاقهم عذاب الاستئصال بسبب كفرهم وتكذيبهم وعقرهم ناقة اللّه تعالى وعن جابر رضى اللّه عنه ان رسول اللّه لما نزل الحجر فى غزوة تبوك قام فخطب الناس فقال ( يا ايها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات هؤلاء قوم صالح سالوا نبيهم ان يبعث لهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون من لبنها مثل الذى كانوا يشربون من مائها يوم غبها فعتوا عن امر ربهم فقال تمتعوا فى داركم ثلاثة ايام وكان وعدا من اللّه غير مكذوب ثم جاءتهم الصيحة فاهلك اللّه من كان فى مشارق الارض ومغاربها منهم الا رجلا كان فى حرم اللّه فمنعه حرام اللّه من عذاب اللّه يقال له ابورغال ) قيل له يا رسول اللّه من ابو رغال قال ( ابو ثقيف ) الاشارة فيه انه اشار الى اهلاك النفس وصفاتها بعذاب البعد وصاعقة القهر الا ما كان فى حرم اللّه تعالى وهو الشريعة يعنى النفس وصفاتها ان لم تكن آمنت ولكن التجأت الى حرم الشريعة ىمنت من عذاب البعد فتكون بقدر التجائها فى القرب وجوار الحق وهو الجنة ولهذا قال تعالى للنفس المطمئنة { فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى } كما فى التأويلات النجمية. والناس فى القرب والبعد والسلوك والترك على طبقات. فمنهم من اختار اللّه له فى الازل البلوغ اليه بلا كسب ولا تعمل فوقع مفطورا على النظر اليه بلا اجتهاد بدفع غيره عن مقتضى قصده. ومنهم من شغلته الاغيار عن اللّه زمانا فلم يزل فى علاج وجودها بتوفيق اللّه تعالى حتى افناها ولم يبق له سواه سبحانه. ومنهم من بقى فى الطريق ولم يصل الى المقصد الاقصى لكون نشأته غير حاملة لما اراده. ومنهم من لم يدر ما الطريق وما الدخول فيها فبقى فى مقامه الطبيعى : قال الحافظ قومى بجدوجهد خريدند وصل دوست ... قومى دكر حواله بتقدير ميكنند اما الاول فاخذوا بقوله تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا } فالوصل اذا مما للكسب مدخل فيه فيكون كالوزارة الممكن حصولها بالاسباب. واما الثانى فجعلوا الوصل من الاختصاصات الالهية التى ليس للكسب مدخل فيها عند الحقيقة فهو كالسلطنة قال اللّه تعالى { قل اللّهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء } وقال { يؤتى الحكمة من يشاء } وقال { وما يمسك فلا مرسل له } هكذا لاح للخاطر واللّه اعلم بالبواطن والظواهر ٦٩ { ولقد جاءت رسلنا ابراهيم } اى وباللّه لقد جاء جبريل وجمع من الملائكة معه فى صورة الغلمان الذين يكونون فى غاية الحسن والبهاء والجمال الى ابراهيم عليه السلام { بالبشرى } اى ملتبسين بالبشارة بالولد من سارة بدليل ذكره فى سورا اخرى ولانه اطلق البشرى هنا وقيد فى قوله { فبشرناها باسحق } والمطلق محمول على المقيد { قالوا } استئناف بيانى { سلاما } اى سلمنا عليك سلاما او نسلم. وبالفارسية [ سلام ميكنيم برتو سلام كردنى ] { قال } ابرهيم عليكم { سلام } حياهم باحسن من تحيتهم لان الجملة الفعلية دالة على التجدد والحدوث والاسمية دالة على الثبات والاستمرار قال الكافى [ ابراهيم عليه السلام ندانست كه فرشتكانند ايشانرا درمهما نخانه نشانيد ] { فما } نافية { لبث } مكث ابراهيم { ان جاء بعجل } ولد البقرة { حنيذ } يعنى [ بس درنك نكرد تا آنكه آورد كوساله بريان كرده برسنك كرم ] والنيذ هو المشوى فى حفرة من الارض بالحجارة المحماة بغير تنور ومن غير ان تمسه النار كفعل اهل البادية فانهم يشوون فى الاخدود بالحجارة المحماة وفى الكواشى حنيذ مشوى فى حفيرة يقطر دسما من خذت الفرس اذا وضعت اليه جلاله ليسيل عرقه وفى التأويلات النجمية { قالوا سلاما } اى نبلغك سلاما قولا من رب رحيم { قال سلام } اى علينا سلام الجليل وهذا كما كان حال الحبيب ليلة اسرى به قال ( السلام عليك ايها النبى ورحمة اللّه وبركاته ) قال الحبيب ( السلام علينا وعلى عبادنا الصالحين ) والفرق بين الحبيب والخليل ان سلام الحبيب بلا واسطة وسلام الخليل بواسطة الرسل وفى سلام الحبيب والخليل ان سلام الحبيب بلا واسطة وسلام الخليل بواسطة الرسل وفى سلام الحبيب زيادة رحمة اللّه وبركاته { فما لبث ان جاء بعجل حنيذ } تكرمه لسلام الخليل واعزازا لرسله انتهى قاصد دلبر كه آرد يك بيام ... از حبيب من كه أمديك سلام مزدكانه مال وجانم مى دهم ... هرجه ميدارم براهش مة نهم ٧٠ { فلما رأى ايديهم لا تصل اليه } لا يمدون الى العجل ايديهم للاكل { نكرهم } انكر ذلك منهم ولم يعرف سبب عدم تناولهم منه وامتناعهم عنه { واوجس } الايجاس الادراك. وفى التهذيب [ بيم دردل كرفتن ] اى احس وادرك { منهم } من جهتهم { خيفة } لما وقع فى نفسه انهم ملائكة وان نزولهم لامر انكره اللّه عليه او لتعذيب قومه قال فى التأويلات النجمية ما كان خوف ابراهيم خوف البشرية بان حاف على نفسه فانه حين رمى بالمنجنيق الى النار ما خاف على نفسه وقال اسلمت لرب العالمين وانما كان خوفه خوف الرحمة والشفقة على قومه يدل عليه { قالوا الا تخف انا ارسلنا } بالعذاب { الى قوم لوط } خاصة ما ارسلنا الى قومك فكن طيب النفس وكان اخا سارة او ابن اخى ابراهيم عليهما السلام ٧١ { وامرأته } سارة بنت هاران بن ناخور وهى ابنة عمه { قائمة } وراء الستر بحيث تسمع محاوراتهم او على رؤسهم للخدمة وكانت نساؤهم لا تحجب كعادة الاعراب ونازلة البوادى والصحراء ولم يكن التبرج مكروها وكانت عجوزا وخدمة الضيفان مما يعد من مكارم الاخلاق والجملة حال من ضمير قالوا اى قالوا لابراهيم لا تخف فى حال قيام امرأته { فضحكت } سرورا بزوال الخوف { فبشرناها باسحق } اى عقبنا سرورها بسرور اتم منه على ألسنة رسلنا واسحاق بالعبرانية الضحاك { ومن وراء اسحق } الوراء فعال ولامه همزة ولامه همزة عند سيبويه وابى على الفارسى وياء عند العامة وهو من ظروف المكان بمعنى خلف وقدام فهو من الاضداد وقد يستعار للزمان كما فى هذا المكان. ولمعنى وهبنا لها بعد اسحاق { يعقوب } فهو من عطف جملة على جملة ولا يكون يعقوب على هذا مبشرا به وقال فى التبيان اى بشروها بانها تلد اسحاق وانها تعيش الى ان ترى ولد الولد وهو يعقوب بن اسحاق والاسمان يحتمل وقوعهما فى البشارة كيحيى حيث سمى فى البشارة قال اللّه تعالى { انا نبشرك بغلام اسمه يحيى } ويحتمل وقوعهما فى احكاية بعد ان ولد فسميا باسحاق ويعقوب وتوجيه البشارة اليها لا اليه مع انه الاصل فى ذلك للدلالة على ان الولد المبشر به يكون منها ولانها كانت عقيمة حريصة على الولد وكان لابراهيم ولده اسماعيل من هاجر لان المرأة اشد فرحا بالولد وقال ابن عباس ووهب فضحكت تعجبا من ان يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها وعلى هذا تكون الآية من التقديم والتاخير تقديره وامرأة قائمة فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب فضحكت كما فى بحر العلوم وتفسير ابى الليث وقال فى التأويلات النجمية هذه البشارة لها ما كانت بشارة تتعلق ببشريتها وحيوانيتها وما كان ضحكها للسرور بحصول الابن الذى هو من زينة الدنيا وانما كان ضحكها لسرور نجاة القوم من العذاب زكانت بشارتها بنبوة ابنها اسحاق بعد ابراهيم ومن وراء اسحاق يعقوب اى بعد اسحاق يكون يعقوب نبيا وتكون النبوة فى عقبهم الى عهد خاتم النبيين محمد صلى اللّه عليه وسلم فانه يكون من عقب اسماعيل قال الكاشفى عند قوله تعالى { بالبشرى } [ در حقايق آورده كه مزده بود بظهور حضرت سيد انبياء از صلب وى بآنكه خاتم بيغمبران وصاحب لواء حمداست وجه بشارت در مقابله اين تواند بودكه بدريرا جنين يسر باشد ] خوش وقت آن بدركه جنين باشدش بسر ... ساباش ازان صدف كه جنين برورد كهر آبا ازو مكرم وابنا ازو عزيز ... صلوا عليه ما طلع الشمس والقمر ٧٢ { قالت } كأنه قيل فما ذا قالت اذ بشرت بذلك فقيل قالت { يا ويلتا } اى يا عجبا اصله يا ويلتى فابدل من الياء الالف ومن كسرة التاء الفتحة لان الالف مع الفتحة اخف من الياء مع الكسرة واصل هذه الكلمة فى الشر لان الشخص ينادى ويلته وهى هلكته يقول ها تعالى واحضرى فهذا او ان حضورك ثم اطلق فى كل امر عجب كقولك يا سبحان اللّه وهو المراد هنا قال سعدى المفتى اصل الدهاء بالويل ونحوه فى التفجع لشدة مكروه يدهم النفس ثم استعمل فى عجب يدهم النفس { ءالد } [ ايا من بزايم ] { وانا عجوز } بنت تسعين او تسع وتسعين سنة لم الد قط { وهذا } الذى تشاهدونه { بعلى } اى زوجى واصله القائم بالامر { شيخا } ابن مائة سنة او مائة وعشرين ونصبه على الحال والعامل معنى الاشارة قال فى الكواشى كأنها اشارت الى معروف عندهم اى هذا المعروف بعلى ثم قالت شيخا اى اشير اليه فى حال شيخوخته ولو لم يكن معروفا عندهم لكان يجب ان يكون بعلها مدة شيخوخته ولم يكن بعلها مدة شبيبته ونحوه هذا زيد قائما ان اخبرت من يعرفه صح المعنى وان اخبرت من لا يعرفه لا يصح لانه انما يكون زيدا ما قام فاذا ترك القيام فليس بزيد وقدمت بيان حالها على بيان حال بعلها لان مباينة حالها لما ذكر من الولادة اكثر اذ ربما يولد للشيوخ من الشواب ولا يولد للعجائز من الشبان { ان هذا } اى حصول الولد اكثر اذ ربما يولد للشيوخ من الشواب ولا يولد للعجائز من الشبان { ان هذا } اى حصول الولد من هرمين مثلنا { لشيء عجيب } بالنسبة الى سنة اللّه المسلوكة فيما بين عباده ومقصدها استعظام نعمة اللّه عليها فى ضمن الاستعجاب العادى لا استبعاد ذلك بالنسبة الى قدرة اللّه تعالى لان التعجب من قدرة اللّه يوجب الكفر لكونه مستلزما للجهل بقدرة اللّه تعالى ٧٣ { قالوا } منكرين عليها { اتعجبين من امر اللّه } اى من شأن اللّه تعالى بايجاد الولد من كبيرين قال الكاشفى [ ازكاوخداى تعالى هيج عجيب نيست كه از صنع آلت واز فضل بى علت ازميان دو بير فرزندى بيرون آرد] قدرتى راكه بركمال بود ... كى جنينها از ومحال بود قال سعدى المفتى اخذ جبريل عمودا من الارض يابسا فدلكه بين اصبعيه فاذا هى شجرة تهتز فعرفت انه من اللّه تعالى وفى التأويلات النجمية { من امر اللّه } اى من قدرة اللّه تعالى فان للّه تعالى سنة وقدرة فيجرى امر العوام بسنته وامر الخواص اظهارا للآية والاعجاز بقدرته ومثلها امرأة عمران وهى حنة كانت عاقرا لم تلد الى ان عجزت اى صارت عجوزا ثم حملت بمريم وقد سبق فى آل عمران فاذا كان هذا الحمل بقدرة اللّه تعالى خارقا للعادة لم يحتج الى الحيض ايضا فى كبر السن كما فسر بعض العلماء قوله تعالى { ضحكت } بحاضت قيل لما صلب الحجاج عبد اللّه بن الزبير جاءته امه اسماء بنت ابى الصديق فلما رأته حاضت مع كبر سنها وقد بلغت مائة سنة وخرج اللبن من ثدييها وقالت حنت اليه مراتعه ودرت عليه مراضعه { رحمة اللّه } التى وسعت كل شيء واستبقت كل خير { وبركاته } خيراته النامية المتكاثرة فى كل باب التى من جملتها هبة الاولاد حالتان { عليكم } لازمتان لكم لا تفارقاكم يا { اهل البيت } ارادوا ان هذه وامثالها مما يكرمكم به رب العزة ويخصكم بالانعام به يا اهل بيت النبوة فليست بمكان عجب. والجملة مستأنفة فقيل خبر وهو الاظهر وقيل دعاء وقيل الرحمة النبوة والبركات الاسباط من نبى اسرائيل لان الانبياء منهم وكلهم من ولد ابراهيم عليه السلام ومثله قصة نوح عليه السلام { قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك } وقد سبق { انه } اى اللّه تعالى { حميد } فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده لا سيما فى حقها { مجيد } كثير الخير والاحسان الى عباده خصوصا فى ان جعل بيتها مهبط البركات وفى التأويلات النجمية { حميد } على ما يجرى من السنة والقدرة { مجيد } فيما ينعم به على العوام والخواص واصل المجد فى كلامهم السعة قال ابن الشيخ المجد الكرم والمجيد صيغة مبالغة منه وقال الامام الغزالى رحمه اللّه المجيد الشريف ذاته الجميل لفعاله الجزيل عطاؤه ونواله فكان شريف الذات اذا قارنه حسن الفعال سمى مجيدا ٧٤ { فلما ذهب عن ابراهيم الروع } اى زال الخوف والفزع الذى اصابه لما لم يأكلوا من العجل واطمأن قلبه بعرفانهم بحقيقتهم الملكية وعرفان سبب مجيئهم { وجاءته البشرى } بنجاة قومه كما { قالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط } او بالولد اسحاق كما قال { فبشرناها باسحق } وابراهيم اصل فى التبشير كما قال فى سورة اخرى { وبشرناه بغلام حليم } { يجادلنا } اى جادل وخاصم رسلنا لانه صرح فى سورة العنكبوت بكون المجادلة مع الرسل وجيئ بجواب لما مضارعا مع انه ينبغى ان يكون ماضيا لكونها موضوعة للدلالة على وقوع امر فى الماضى لوقوع غيره فيه على سبيل الحكاية الماضية { فى قوم لوط } فى شانهم وحقهم لرفع العذاب جدال الضعيف مع القوى لا جدال القوى مع الضعيف بل جدال المحتاج الفقير مع الكريم الغنى وجدال الرحمة والمعاطفة وطلب النجاة للضعفاء والمساكين الهالكين وكان لوط ابن اخيه وهو لوط بن آزور بن آزر وابراهيم بن آزر ويقال ابن عمه وسارة كانت اخت لوط فلما سمعا بهلاك قوم لوط اغتما لاجل لوط فطفق ابراهيم يجادل الرسل حين قالوا انا مهلكوا اهل هذه القرية فقال أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها قالوا لا نقول فاربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا حتى بلغ خمسة قالوا لا قال أرأيتم ان كان فيها رجل واحد مسلم اتهلكونها قالوا لا فعند ذلك قال فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجيه واهله ٧٥ { ان ابراهيم لحليم } غير عجول على الانتقام ممن اساء اليه { اواه } كثير التأوه على الذنوب والتأسف على الناس وفى ربيع الابرار معنى التأوه الدعاء الى اللّه بلغة توافق النبطية { منيب } راجع الى اللّه تعالى بما يجب ويرضى اى كان جداله بحلم وتأوه عليهم فان الذى لا يتعجل لفى مكافأة من يؤذيه يتأوه اى يقول أوه وآه اذا شاهد وصول الشدائد الى الغير وانه مع ذلك راجع الى اللّه فى جميع احواله اى مان بعض احواله مشوبا بعلة راجعة الى حظ نفسه بل كان كله للّه فتبين ان رقة القلب حملته على المجادلة فيهم رجاء ان يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة والانابة كما حملته على الاستغفار لابيه يقول الفقير دلت الآية على ان المجادلة وقعت فى قوم لوط ودلت التفاسير على انها وقعت فى لوط نفسه والمؤمنين معه ولا تنافى بينهما فان عموم الرحمة التى حملته عليها نشأة الانبياء عليهم السلام لا يميز بين شخصين وشخص فان الامة بالنسبة الى النبى كالاولاد بالنسبة الى الاب وكفرهم لا يرفع الرحمة فى حقهم ويدل عليه حال نوح مع ابنه كنعان كما وقفت عليه فيما سبق وانما مجيئ البشرى فى حق قومه فقط فبقى الالم فى حق الغير على حاله واتصال القرابة بين ابراهيم ولوط يقتضى ان يكون قوم لوط فى حكم قوم ابراهيم فافهم ٧٦ { يا ابراهيم } على ارادة القول اى قالت الملائكة يا ابراهيم { اعرض عن هذا } الجدال بالحلم والرحمة على غير اهل الرحمة { انه } اى الشان { قد جاء امر ربك } قدره بمقتضى قضائه الازلى بعذابهم وهو اعلم بحالهم والقضاء هو الارادة الازلية والعناية الالهية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص والقدرة تعلق الارادة بالاشياء فى اوقاتها { وانهم آتيهم عذاب غير مردود } غير مصروف عنهم بجدال ولا بدعاء ولا بغير ذلك وانك مأجور مثاب فيما جادلتنا لنجاتهم وهذا كما كان النبى صلى اللّه عليه وسلم يقول ( شفعوا تؤجروا وليقصنّ اللّه على لسان نبيه ما شاء ) قال ابن الملك فى شرح الحديث لا يخفى ان مطلق الشفاعة لا يكون سببا للاجر فيحمل على ان تكون الشفاعة لارباب الحوائج المشروعة كدفع ظلم وعفو عن ذنب ليس فيه حد انتهى والحد واجب فى اللواطة عند الامامين لانهما الحقاها بالزنى. وعند ابى حنيفة يعزر فى ظاهر الرواية وزاد فى الجامع الصغير ويودع فى السجن حتى يتوب. وروى عنه الحد فى دبر الاجنبية ولو فعل هذا بعبده او امته او منكوحته لا يحد بلا خلاف وفى الشرح الاكملى والظاهر ان ما ذهب اليه ابو حنيفة انما هو استعظام لذلك الفعل فانه ليس فى القبح بحيث يجازى بما يجازى القتل او الزنى وانما التعزير الفتنة الناجزة كما انه يقول فى اليمين الغموس انه لا يجب فيه الكفارة لانه لعظمه لا يستتر بالكفارة يقول الفقير الظاهر ان اتيان العذاب الغير المردود لاصرارهم على الكفر والتكذيب بعد استبانة الحق واللواطة من جملة اسباب الاتيان كالعقر لناقة اللّه بالنسبة الى قوم صالح -روى- ان الرسل الذين بشروا ابراهيم خرجوا بعد هذه المجادلة من عنده وانطلقوا الى قرية لوط سدوم وما بين القريتين اربعة فراسخ فانتهوا اليها نصف النهار فاذاهم بجوار يستقين من الماء فابصرتهم ابنة لوط وهى تستقى الماء فقالت لهم ما شأنكم واين تريدون قالوا اقبلنا من مكان كذا ونريد كذا فاخبرتهم عن حال اهل المدينة وخبثهم فاظهروا الغم من انفسهم فقالوا هل احد يضفنا فى هذه القرية قالت ليس فيها احد يضيفكم الا ذاك الشيخ فاشارت الى ابيها لوط وهو قائم على بابه فاتوا اليه وقال الكاشفى [ جون نزديك شهر سدوم رسيدندكه لوط در انجا مى بودنكاه كردند ديدندكه وى درزمين كار ميكرد بيش وى رفتند وسلام كردند ] فلما رىهم وهيئتهم ساءه ذلك وهو قوله تعالى ٧٧ { ولما جاءت رسلنا لوطا سيئ بهم } [ اندوهكين شد بديشان ] وهو فهل مبنى للمفعول والقائم مقام الفاعل ضمير لوط من قولك ساءنى كذا اى حصل لى منه سوء وحزن وغم وبهم متعلق به اى بسببهم. والمعنى ساءه مجيئهم لا لانهم جاؤا مسافرين وهو لا يود الضيف وقراه فحاشى بيت النبوة عن ذلك بل لانهم جاؤا فى صورة غلمان حسان الوجوه فحسب انهم اناس فيخاف عليهم ان يقصدهم قومه فيعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم وفيه اشارة الى عروض الهمّ والحزن له لهلاك قومه بالعذاب فانظر الى التفاوت بين ابراهيم ولوط وبين قومهما حيث كان مجيئهم لابراهيم للمسرة وللوط للمساءة مع تقديم المسرة لان رحمة اللّه سابقة على غضبه -وروى- ان اللّه تعالى قال لهم لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط اربع شهادات فلما اتوا اليه قال لهم أما ابلغكم امر هذه القرية قالوا وما امرها قال اشهد باللّه انها لشر قرية فى الارض عملا يقول ذلك اربع مرات فدخلوا منزله ولم يعلم بذلك احد فاذاع خبرهم امرأته الكافرة كما ستقف عليه { وضاق بهم ذرعا } [ وتنك دل شد بجهت ايشان ] وذرعا نصب على التمييز اى ضاق بمكانهم صدره او قلبه او وسعه وطاقته وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة امكروه والاحتيال فيه يقال ضاق ذرع فلان بكذا اذا وقع فى مكروه ولا يطيق الخروج منه. وفى الاخترى ضاق به ذرعا اى طاقة وضاق بالامر اى لم يطقه ولم يقو عليه وكان مد اليه يده فلم تنله. قال الازهرى الذرع يوضع موضع الطاقة والاصل فيه البعير يذرع عن ذلك فضعف ومد عنقه وجعل ضيق الذرع عبارة عن قلة الوسع والطاقة فيقال مالى به ذرع ولا ذراع اى مالى به طاقة { وقال هذا يوم عصيب } اى شديد علىّ وهو لغة جرهم كما فى ربيع الابرار ثم قال لوط لامرأته ويحك قومى اخبزى ولا تعلمى احدا وكانت امرأته كافرة منافقة فانطلقت لطلب بعض حاجاتها فجعلت لا تدخل على احد الا اخبرته وقالت ان فى بيت لوط رجالا ما رأيت احسن وجوها منهم ولا انظف ثيابا ولا اطيب رائحة فلما علموا بذلك جاؤا الى باب لوط مسرعين ٧٨ قوله تعالى { وجاءه } اى لوطا وهو فى بيته مع اضيافه { قومه } والحال انهم { يهرعون اليه } يسرعون اليه كأنما يدفعون دفعا طلبا للفاحشة من اضيافه غافلين عن حالهم جاهلين بمآلهم والاهراع والاسراع قال فى التهذيب الهرع [ براندن سخت وشتابانيدن ] يقال اهرع القوم وهرعوا { ومن قبل كانوا يعملون السيآت } الجملة ايضا من قومه اى جاؤا مسرعين والحال انهم كانوا من قبل هذا الوقت وهو وقت مجيئهم الى لوط منهمكين فى عمل الفواحش [ عملهاى بد از لواطه وكبوتر بازى وصفير زدن درمجالس وبراى استهزا نشستن برسرراهها ] فتمرنوا بها اى تعودوا واستمروا حتى لم تعب عندهم قباحتها ولذلك لم يستحيوا مما فعلوا من مجيئهم مهرعين مجاهرين وفى التأويلات النجمية كانوا يعملون السيآت الموجبة للّهلاك والعذاب فجاوا مسرعين مستقبلى العذاب وطلبوا من بيت النبوة من اهل الطهارة معاملة ساءتهم بخباثة نفوسهم بذلك كمال الشقاوة وسرعة العذاب انتهى ودل ما ذكر ان جهار الفسق فوق اخفائه ولذا رد شهادة الفاسق المعلن وفى الحديث ( كل تمتى معافى الا المجاهرون ) اى لكن المجاهرون بالمعاصى لا يعافون بل يؤخذون فى الدنيا ان كانت مما يتعلق بالحدود واما فى الآخرة فمطلقا : قال السعدى قدس سره نه هركز شنيدم درين عمر خويش ... كه بد مردرا نيكى آمد بيبش نه ابليس بدكرد ونيكى نديد ... بر باك نايد زتخم بليد { قال يا قوم } [ اى قوم من ] { هؤلاء } مبتدأ خبره قوله { بناتى } الصلبية فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن من قبل ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لعدم مشروعيته فان تزويج المسلمات من الكفار كان جائزا فى شريعته وهكذا فى اول الاسلام بدليل انه عله السلام زوج ابنتيه من ابى العاص بن وائل وعتبة بن ابى لهب قبل الوحى وهما كافران ثم نسخ ذلك بقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وقيل لهم سيدان مطاعان فاراد ان يزوجهما ابنتيه واياما كان فقد اراد به وقاية ضيفه وذلك غاية فى الكرم { هن } مبتدأ خبره قوله { اطهر لكم } هذا لا يدل على ان اتيان الذكور كان طاهرا كما لا يدل قولك النكاح اطهر من الزنى على كون الزنى طاهرا لانه خبث ليس فى شيء من الطهارة لكن هؤلاء القوم اعتقدوا ذلك طهارة فبنى ذلك على زعمهم الفاسد واعتقادهم الباطل وهو مثل ما قال النبى عليه السلام لعمر رضى اللّه عنه ( اللّه اجل واعلى ) جوابا لابى سفيان حيث قال اعل هبل اعتقد علو صنمه وذلك اعتقاد فاسد لا شبهة فيه يقول الفقير عرض عليهم اولا بناته لكى يرغبوا فيهن فينسد باب الفتنة ففيه حسن دفع لهم من اول الامر وبناته وان لم تف للجميع لكثير لانه على ما روى كان له بنتان لكنه اذا رضى بهن البعض ممن كان مكاعا انقطع عرق النزاع منالاتباع ولئن سلم انه لم يكن فيهم مطاع فلقد شاهدنا اندفاع شر كثير بخير يسير ثم حكم بكونهن اطهر وهو للزيادة لمطلقة على ما ذهب اليه الرازى فى الكثير تأكيدا فانه اذا كان المحيض اذى وقذرا يجب التجنب عنه مع كون المحل مباح الاصل فلأن يكون الجزاء كذلك اولى مع كون المحل حرام الاصل { فاتقوا اللّه } بترك الفواحش او بايئارهن عليهم { ولا تحزون } [ مرا رسواى نكنيد ] { فى ضيفى } فى حقهم وشأنهم فان اخزآء ضيف الرجل اخزاؤه كما ان اكرام من يتصل به اكرامه. والضيف مصدر فى الاصل يكون للقليل والكثير { أليس منكم رجل رشيد } رجل واحد يهتدى الى الحق ويرعوى عن القبيح وقال الكاشفى [ آيانيست ازشما مردى راه يافته كه شمارا بند دهد واز عملهاى بد باز دارد ] وفى التأويلات النجمية رجل رشيد يقبل نصحى ويتوب الى اللّه بالصدق فينجيكم من العذاب ببركته انتهى وذلك لان الواحد على الحق كالسواد الاعظم وكالاكسير ٧٩ { قالوا لقد علمت ما لنا فى بناتك من حق } من حاجة اى لا رغبة لنا فيهن فلا ننكحهن ومقصودهم ان نكاح الاناث ليس من عاداتنا ومذهبنا ولذا قالوا علمت فان لوطا ان يعلم ذلك ولا يعلم عدم رغبتهم فى بناته بخصوصهن ويؤيده قوله { وانت لتعلم ما نريد } وهو اتيان الذكور وهو فى الحقيقة طلب ما اعد اللّه لهم فى الازل من قهره يعنى الهلاك بالعذاب ولما يئس من ارعوائهم عماهم عليه من الغى ٨٠ { قال لو ان لى بكم قوة } لو للتمنى وهو الانسب بمثل هذا المقام فلا يحتاج الى الجواب وبكم حال من قوة اى بطشا والمعنى بالفارسية [ كاشكى مرا باشد بدفع شما قوتى ] { او آوى الى ركن شديد } عطف على ان لى بكم لما فيه من معنى الفعل الركن بسكون الكاف وضمها الناحية من الجبل وغيره اى لو قويت على دفعكم ومقاومتكم بنفسى او التجأت الى ناصر عزيز قوى استند اليه واتمنع به فيحميني منكم شبه بركن الجبل فى الشدة والمنعة وقال الكاشفى [ يابناه كيرم وباز كردم بركنئ سخت يعنى عشيره وقبيله كه بديشان منع شماتوانم كرد ] وكان لوط رجلا غريبا فيهم ليس له عشيرة وقبيلة يلتجئ اليهم فى الامور الملمة والغريب يعينه احد غالبا فى اكثر البلدان خصوصا فى هذا الزمان : قال الحافظ تيمار غريبان سبب ذكر جميلست ... جانا مكر اين قاعده درشهر شمانيست وانما تمنى القوة لان اللّه تعالى خلق الانسان من ضعف كما قال { خلقكم من ضعف } والعارف ينظر الى هذا الضعف ذوقا وحالا ولذا قيل ان العارف التام المعرفة فى غاية العجز والضعف عن التأثير والتصرف لانقهاره تحت الوحدة الجمعية وقد قال تعالى { فاتخذه وكيلا } والوكيل هو المتصرف فان الهم التصرف بجزم تصرف وان منع امتنع وان خير اختار ترك التصرف الا ان يكون ناقص المعرفة : وفى المثنوى ماكه باشيم اى تومار جان جان ... تاكه ما باشيم باتو درميان دست نى تادست جنباند بدفع ... نطق نى تادم زند از ضر ونفع بيش قدرت خلق جمله باركه ... عاجزان جون بيش سوزن كاركه وفى الحديث ( رحم اللّه اخى لوطا كان يأوى لى ركن شديد ) وهو نصر اللّه ومعونته واختلف فى معناه فقال الكاشفى يعنى [ بخداى بناه كرفت وخداى اورايارى دادكه ملجأ درماندكان جزدركاه اونيست ] آستانش كه قبله همه است ... دربناهش زماهى تايمه است هركه دل در حمايتش بستست ... ازغم هردو كون وارستست وقال ابن الشيخ اى كان يريد ويتمنى ان يأوى الى ركن شديد وفى قوله { رحم اللّه } اشارة الى ان هذا الكلام عن لوط ليس مما ينبغى من حيث انه يدل على قنوط كلى ويأس شديد من ان يكون له ناصر ينصره والحال انه لا ركن اشد من الركن الذى كان ياوى اليه أليس اله بكاف عبده انتهى وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ما بعث اللّه نبيا بعد لوط الا فى عز من قومه يعنى استجيب دعوته ضرورة وكان صلى اللّه عليه وسلم يحميه قبيلته كأبى طالب فانه كان يتعصب للنبى ويذب عنه دائما وانما اضطر الى الهجرة بعد وفاته -روى- ان لوطا اغلق بابه دون اضيافه حين جاؤا واخذ يحاولهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما بلوط من الكرب ٨١ { قالوا يا لوط انا رسل ربك لن يصلوا اليك } بضرر ولا مكروه ولن يخزوك فينا وان ركنك شديد فافتح الباب ودعنا واياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبرائيل ربه تعالى فى عقوبتهم فاذن اللّه فقام فى الصورة لتى يكون فيها فنشر جناحه وله جناحان وعليه وشاح من در منظوم وهو براق الثنايا فضرب بجناحه وجوههم فطمس اعينهم واعمالهم كما قال تعالى { فطمسنا اعينهم } فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون النجاء النجاء قال فى بيت لوط سحرة وهددوا لوطا وقالوا مكانك حتى نصبح { اسر باهلك } الاسراء بالفارسية [ رفتن بشب ] وهو لازم ومتعد وكذا السرى فان معناه [ رفتن بشب ] والمصدر على فعل خص به المعتل كما فى التهذيب والمعنى كما قال الكاشفى [ ببركشان خودرا ] { بقطع من الليل } القطع فى آخر الليل وقال ابن عباس بطائفة من الليل والمعنى [ ببار شب يعنى بعد از كذشتن برخى ازشب ] فالباء فى باهلك للتعدية ويجوز ان تكون للحال اى مصاحبا بهم وفى قوله بقطع الحال اى مصاحبين بقطع على ان المراد به ظلمة الليل وقيل الباء فيه بمعنى فى اى اخرجوا ليلا لتستبقوا نزول العذاب الذى موعده الصبح { ولا يلتفت منكم احد } منك ومة اهلك اى لا يتخلف ولا ينصرف عنى امتثال المأثور به اولا ينظر الى ورائه فالظاهر على هذا انه كان لهم فى البلد اموال واقمشة واصدقاء فالملائكة امروهم بان يخرجوا ويتركوا تلك الاشياء ويقطعوا تعلق قلوبهم كما قال فى التأويلات النجمية { ولا يلتفت منكم احد } الى ما هم فيه من الدنيا وزينتها ومتاعها اراد به تجرد الباطن عن الدنيا وما فيها فان النجاة من العذاب والهلاك منوط به انتهى وفى الحديث ( اللّهم امض لاصحابى هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم ) اى انفذها وتممها لهم ولا تمسهم فى بلدة هاجروا منها لئلا ينتقض الثواب بالركون الى الوطن قال ابو الليث فى تفسيره جمع لوط اهله وابنتيه ريثا ورعورا فحمل جبريل لوطا وبناته وماله على جناحه الى مدينة زغر وهى احدى مدائن لوط وهى خمس مدائن وهى على اربع فراسخ من سدوم ولم يكونوا على مثل عملهم انتهى ويخالفه الامر بالاسراء كما لا يخفى وقال فى بحر العلوم وانما نهوا على الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التوقف لان من يلتفت الى ما وراءه لا بدله من ادنى وقفة { الا امرأتك } استثناء من قوله تعلاى { فأسر باهلك } { انه } اى الشان { مصيبها ما اصابهم } من العذاب بابدن ياركشت همسر لوط ... خاندان نبوتش كم شد يعنى وقعت اهل بيت نبوته فى الضلالة فهلكت والمراد امرأته فانها مع تشرفها بالاضافة الى بيت النبوة لما اتصلت باهل الضلالة صارت ضالة وادّى ضلالها وكفرها الى الهلاك معهم ففيه تنبيه على ان لصحبة الاغيار ضررا عظيما { ان موعدهم الصبح } اى موعد عذابهم وهلاكهم وهو تعليل للامر بالاسراء والنهى عن الالتفات المشعر بالحث على الاسراع كما فى الارشاد -وروى- انه قال للملائكة متى موعدهم قالوا الصبح فقال اريد اسرع من ذلك فقالوا { أليس الصبح بقريب } [ ىيانيست صبح نزديك نفى نزديكست ] وانما جعل ميقات هلاكهك الصبح لانه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ حلول العذاب حينئذ افظع ولانه انسب بكون ذلك عبرة للناظرين وفيه ارة الى ان صبح يوم الوفاة قريب لكل احد فاذا ادركه فكأنه لم يلبث فى الدنيا الا ساعة من نهار : قال السعدى قدس سره جرا دل برى كاروان مى نهيم ... كه ياران برفتند وما بررهم بس اى خاكساركنه عن قريب ... سفر كرد خواهى بشهر غريب برين خاك حيندان صبا بكذرد ... كه هرذره از ما بجابى برد ٨٢ { فلما جاء امرنا } اى وقت عذابنا وموعده وهوالصبح { جعلنا } بقدرتنا الكاملة { عاليها } اى عالى قرى قوم لوط وهى التى عبر عنها بالمؤتفكات وهى اربع مدائن فيها اربعمائة الف او اربعة آلاف قال الكاشفى [ درهريكى صد هزار مرد شمشيررن ] وهى سدوم وعامورا وكادوما ومذوايم كانت على مسيرة ثلاثة ايام من بيت المقدس { سافلها } اى قلبناها على تلك الهيآت. وبالفارسية [ نكون ساختيم ] -روى- ان جبريل جعل جناحه فى اسفلها فاقتلعها من الماء الاسود ثم رفعا الى السماء حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة لم يكفأ اناء ولم ينتبه نائم ثم قلبها عليهم فاقبلت تهوى من السماء الى الارض { وامطرنا عليها } على اهل المدائن من فوقهم [ اى بعد از سرنكون شدن ] وكان حقه جعلوا وامطروا اى الملائكة المأمورون به فاسند الى نفسه من حيث انه المسبب تعظيما للامر وتهويلا للخطب { حجارة من سجيل } من طين متحجر كقوله حجارة من طين واصله [ سنك كل ] فعرب { منضود } نضد فى الارسال بتتابع بعضه بعضا كقطار الامطار. والنضد وضع الشيء بعضه على بعض وهو نعت لسجيل ٨٣ { مسومة } نعت حجارة اى معلمة لا تشبه حجارة الدنيا او باسم صاحبها الذى تصيبه ويرمى بها { عند ربك } اى جاءت من عند ربك قال الكاشفى [ آماده كشته درخزائن بروردكار تو يراى عذاب ايشان ] -روى- ان الحجر اتبع شذاذهم اينما كانوا فى البلاد ودخل رجل منهم الحرم وكان الحجر معلقا فى السماء اربعين يوما حتى خرج فاصابه فاهلكه [ در تفسير زاهدى آورده كه سنك كلان اوبرابرخمى بود وخردى مساوى اسبوى ] يقول الفقير لعل الامطار على نلك القرى بعد القلب انما هو لتكميل العقوبة كالرجفة الواقعة بعد الصيحة لقوم صالح ولتحصيل لهلاك لمسافريهم الخارجين من بلادهم لمصالحهم وهو الظاهر واللّه اعلم { وما هى } اى الحجارة الموصوفة { من الظالمين } من كل ظالم فهو بسبب ظلمهم ستحقون لها ملابسون بها { بعيد } تذكيره على تأويل الحجارة بالحجر. وفيه وعيد لاهل الظلم كافة وعنه عليه السلام انه سأل جبرائيل فقال يعنى ظالمى امتك ما من ظالم الا وهو بعرضة حجر يسقط من ساعة الى ساعة يقال فلان عرضة للناس لا يزالون يقعون فيه وجعلت فلانا عرضة لكذا اى نصبته فلا تظن الظالمين انهم يتخلصون ويسلمون من هذه الحجارة جل تسقط عليهم وقت وفاتهم وحصولهم الى صباح موتهم ونظيره ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان قاعدا مع اصحابه فى المسجد فسمعوا هدّة عظيمة وهى صوت انهدام الحائط فارتاعوا اى خافوا وفزعوا فقال عليه السلام ( أتعرفون ما هذ الهدة ) قالوا اللّه ورسوله اعلم قال ( حجر القى من اعلى جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل الى قعرها وكان وصوله الى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة ) فما فرغ من كلامه الا والصراخ فى دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة فلما مات حصل فى قعرها قال اللّه تعالى { ان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار } فكان سماعهم تلك الهدة التى اسمعهم اللّه ليعتبروا وفى الخبر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ليلة اسرى بى الى السماء رأيت فى السماء الثالثة حجارة موضوعة فسألت عن ذلك جبريل فقال لا تسأل عنها فلما انصرفت وقفت على تلك الحجارة وقلت اخبرنى عن الحجارة فقال هذه الحجارة فصلت من حجارة قوم لوط خبئت للظالمين من امتك ثم تلا وما هى من الظالمين ببعيد ) كذا فى زهرة الرياض جون عالم ازتمكر ننك دارد ... عجب نبودكه بروى سنك بارد وفى التبيان والبعيد الذى ليس بكائن ولا يتصور وقوعه وكل ما هو كائن فهو قريب وعن محمد بن مروان قال صرت الى جزيرة النوبة فى آخر ممرنا فامرت بالمضارب فخرج النوب يتعجبون واقبل ملكهم رجل طويل اصلع حاف عليه كساء فسلم وجلس على الارض فقلت له مالك لا تقعد على البساط قال انا ملك وحق لمن رفعه اللّه ان يتواضع له اذا رفعه تواضع زكردن فرازان نكوست ... كدا كرتواضع كند خوى اوست ثم قال ما بالكم تطاون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم فى دينكم قلت اشياعنا فعلوه بجهلهم قال فما بالكم تلبسون الديباج وتتحلون بالذهب والفضة وهى محرمة عليكم على لسان نبيكم قلت فعل ذلك اعاحم من خدمنا كرهنا الخلاف عليهم فجعل ينظر فى وجهى ويكرر معاذرى على وجه الاستهزاء ثم قال ليس كما تقول يا ابن مروان ولكنكم قوم ملكتكم فظلمتم وتركتم ما امرتم فاذاقكم اللّه وبال امركم وللّه فيكم نعم لم تحص وانى اخشى ان ينزل بك وانت فى ارضى مصيبة فتصيبنى معك فارتحل عنى واعلم ان الظلم من نتائج القساوة التى تمطر على كل قلب مقدار ما قدره فلا يزال يزداد ظلم المرء بحسب ازدياد قساوة قلبه فاذا احاطت بمرىة قلبه قساوته ابعد من ان يكون مرجوا نجاته وكان من المهلكين بحجر القساوة النازلة من سماء القهر والجلال عصمنا اللّه واياكم من البغى والفساد وارشدنا الى العدل والصلاح انه ولى الارشاد ٨٤ { والى مدين } هو اسم ابن ابراهيم عليه السلام ثم صار اسما للقبيلة او اسم مدينة بناها مدين فسميت باسمه اى وارسلنا الى قبيلة مدين او ساكنى بلدة مدين { اخاهم } اى واحدا منهم فى النسب { شعيبا } عطف بيان له وهو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين { قال } استئناف بيانى { يا قوك } [ اى كروه من ] { اعبدوا اللّه } وحده لا تشركوا به شيأ من الاصنام لانه { ما لكم من اله غيره } اى ليس لكم اله سوى اللّه تعالى وكانت كلمة جميع الانبياء فى التوحيد واحدة فدعوا الى اللّه الواحد وعبادته فامرهم شعيب بالتوحيد اولا لانه ملاك الامر وقوامه ثم نهاهم عما اعتادوه من النقص فى الكيل والوزن لانه يورث الهلاك فقال { ولا تنقصوا المكيال والميزان } اى آلة الوزن والكيل وكان لهم مكيالان وميزانان احدهما اكبر من الآخر فاذا اكتالوا على الناس يستوفون بالاكبر واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون بالاصغر والمراد لا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود وكذا الصنجات كى تتوسلوا بذلك الى بخس حقوق الناس ويجوز ان يكون من ذكر لمحل وارادة الحال. والمعنى بالفارسية [ مكاهيد وكم مكنيد بيمانه را دريمودن مكيلات وترازورا در سنجيدن موزونات ] وكل من البخسين شائع فى هذا الزمان ايضا كأنه ميراث من الكفرة الخائنين { انى ارايكم بخير } علة للنهى اى ملتبسين بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف. يعنى [ درمانده ومحتاج نيستيدكه داعى باشد شمارا بخيانت بلكه منعم وتوانكريد رسم حق كزارى آنست كه مردم را از مال خود بهره مند كنيد نه آنكه از حقوق ايشان باز كيريد ] { وانى اخاف عليكم } وان لم ترجعوا عن ذلك النقص { عذاب يوم محيط } لا يشذ منه احد منكم. والمراد منه عذاب يوم القيامة او عذاب الاستئصال ووصف اليوم بالاحاطة وهى حال العذاب لاشتماله عليه ففيه اسناد ومجازى واصل العذاب فى كلام العرب من العذب من معاودة مثل جرمه ويمنع غيره من مثل فعله ٨٥ { ويا قوم اوفوا المكيال والميزان } ايفاء الحق اعطاؤه تاما كاملا اى اسعوا فى اعطاء الحق على وجه التمام والكمال بحيث يحصل لكم اليقين بالخروج عن العهدة { بالقسط } حال من فاعل او فوا اى ملتبسين بالعدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان فان الزيادة فى الكيل والوزن وان كانت تفضلا مندوبا اليه لكنها فى الآلة محظورة كالنقص فلعل الزائد للاستعمال عند الاكتيال والناقص للاستعمال وقت الكيل كذا فى الارشاد. وصرح بالايفاء بعد النمهى عن ضده لان النهى عن نقص حجم المكيال وصنجات الميزان والامر بايفاء المكيال والميزان حقهما بان لا ينقص فى الكيل والوزن وهذا الامر بعد مساواة المكيال والميزان للمعهود فلا تكرار فى الآية كما فى حواشى سعدى المفتى { ولا تبخسوا الناس اشياءهم } مطلقا اى سواء كانت من جنس المكيل والموزون او من غيره وسواء كانت جليلة او حقيرة وكانوا يأخذون من كل شيء يباع شيأ كما يفعل السماسرة ويمكنون الناس وينقصون من اثمان ما يشترون من الاشياء { ولا تعثوا فى الارض مفسدين } العثى اشد الفساد اى ولا تتمادوا فى الفساد فى حال فشادكم لانهم كانوا متمادين فيه فنهوا عن ذلك ومن الفساد نقص الحقوق ومن الافساد قص الدراهم والدنانير وترويج الزيوف ببعض لاسباب وغير ذلك ٨٦ { بقيت اللّه } اى ما ابقاه اللّه لكم من الحلال بعد ترك الحرام فهى فعيلة بمعنى المفعول واضافتها للتشريف كما فى بيت اللّه وناقة اللّه فان ما بقى بعد ايفاء الكيل والوزن من الرزق الحلال يستحق التشريف { خير لكم } مما تجمعون بالبخس والتطفيف فان ذلك هباء منثور بل شر محض وان زعمتم ان فيه خيرا كما قال تعالى { يمحق اللّه الربا ويربى الصدقات } قال فى شرح الشرعة ولا يخون احد فى مبايعته بالحيل والتلبيس فان الرزق بل تزول بركته فمن جمع المال بالحبل حبة حبة يهلكه اللّه جملة قبة قبة وييقى عليه وزره ذرة كرجل كان يحلط اللبن بالماء ليرى كثيرا فجاء السيل وقتل بقره فقالت صبيته يا ابت قد اجتمع المياه التى جعلتها فى اللبن وقتلت البقر { ان كنتم مؤمنين } بشرط ان تؤمنوا وانما شرط الايمان فى خيرية ما بقى بعد الايفاء لان فائدته وهى حصول الثواب والنجاة من العقاب انما تظه مع الايمان فان الكافر مخلد فى عذاب النيران ومحروم من رضوان وثواب الرحمن سواء اوفى الكيل والميزان او سلك سبيل الخوّان ان كنتم مصدقين لى فى مقالتى لكم { وما انا عليكم بحفيظ } اى ما بعثت لاحفظكم عن المعاصى والقبائح وانما بعثت مبلغا ومنبها على الخير وناصحا وقد بلغت من آنجه شرط بلاغست باتو ميكويم ... توخواه از سخنم بند كير وخواه ملال اعلم ان العدل ميزان اللّه فى الارض سواء كان فى الاحكام او فى المعاملات والعدول عنه يؤدى الى مؤاخذة العباد فينبغى ان يجتنب اظلم والمراد بالظلم ان يتضرر به الغير والعدل ان لا يتضرر منه احد بشيء ما قال عكرمة اشهد ان كل كيال ووزان فى النار قيل له فمن اوفى الكيل والميزان قال ليس رجل فى المدينة يكيل كما يكتال ولا يزن كما يتزن واللّه تعالى يقول { ويل للمطففين } وقال سعيد بن المسيب اذا اتيت ارضا يوفون المكيال والميزان فاطل المقام فيها واذا اتيت ارضا ينقصون المكيال والميزان فاقل المقام فيها وفى الحديث ( ما ظهر الغلول فى قوم الا القى فى قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى فى قوم الا كثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع اللّه عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق الافشا فيهم الدم ولا ختر قوم بالعهد الا سلط اللّه عليهم العدو ) قوله ولا ختر اى غدر ونقض العهد كما فى الترغيب وفى التأويلات النجمية { ولا تنقصوا المكيال والميزان } اى مكيال المحبة وميزان الطلب فان للمحبة مكيالا ووهو عداوة ما سوى اللّه تعالى كما قال الخليل عند اظهار الخلة فانهم عدولى الارب العالمين فانك ان تحب احدا وشيأ مع اللّه فقد نقصت فى مكيال محبة اللّه وان للطلب ميزانا وهو السير على قدمى الشريعة والطريقة كما قيل خطوتان وقد وصلت فان خطوت خطوتين دونهما فقد نقصت من الميزان انتهى فعلى السالك ان يتأدب بآداب الاولياء والانبياء ويضع القدم فى هذا الطريق الاولى كما امر به وشرط له ولا بد من الامانة والاستقامة وايتاء كل ذى حق حقه قائما بالعدل والقسط القويم وازنا بالقسطاس المستقيم كائلا بالكيل السليم فعند ذلك يتفضل له المولى بالقبول والمدح فى الدنيا والثواب والانعام فى الآخرة فيعيش سعيدا واما اذا غدر وظلم وخان واستكبر واصر يعدل له المولى بالرد والذم فى الدنيا والعقاب والانتقام فى الآخرة ان لم يتداركه الفضل والعفو فيعيش شقيا ويموت شقيا ويحشر شقيل : وفى المثنوى جون ترازوى توكثر بود ودغا ... راست جون جوئى ترازوى جزا جونكه باى جب بود درغدر وكاست ... نامه جون آيد ترادر دست راست جون جزا سايه است اى قد توخم ... سايه توكز فتد در بيش هم ٨٧ { قالوا يا شعيب } [ آورده اندكه انبيا بردوقسم بوده اند بعضى آنكه ايشانرا فرمان حرب بود جون موسى وسليمان عليهم السلام وبرخى آنكه ايشانرا بحرب نفر مودند وشعيب ازان جمله بودكه رخصت حرب نداشت قوم خودرا موعظه ميكفت وخود همه شب نمازمى كرد كفتند قوم اوكه اى شعيب ] { أصلوتك } [ آيانمازتو ] { تأمرك } اسندوا الامر الى صلاته قصدا الى الاستهزاء فمرادهم السخرية لا حقيقة الاستفهام. والمعنى أصلاتك تدعوك الى امرنا { ان نترك ما يعبد آباؤنا } من الاوثان وقد توارثنا عبادتها ابا عن جد اجابوا بذلك امره عليه السلام اياهم بعبادة اللّه حده المتضمن لنهيهم عن عبادة الاوثان { او ان نفعل فى اموالنا ما نشؤاء } جواب عن امره بايفاء الحقوق ونهيه عن البخس والنقصمعطوف على ما وأو لان ما كلفهم به شعيب هو مجموع الامرين لاحدهما. والمعنى ان نترك ان نفعل فى اموالنا ما نشاء من التصرفات وقال بعضهم كان ينهاهم عن تقطيع اطراف الدراهم والدنانير وقصها فارادوا به ذلك. والمعنى ما نشاء من تقطيعها واعلم ان اول من استخرج الحديد والفضة والذهب من الارض ( هوشنك ) فى عصر ادريس عليه السلام وكان ملكا صالحا داعيا الى الاسلام. واول من وضع السكة على النقدين الضحاك وافساد السكة بأى وجه كل افساد فى الارض وسئل الحجاج عما يرجو به النجاة فذكر اشياء منها ما افسدت النقود على الناس { انك لانت الحليم الرشيد } الاحمق السفيه بلغة مدين كما فى ربيع الابرار وقال فى الكواشى تتعاطى الحلم والرشد ولست كذلك اى ما انت بحليم ولا رشيد فيما تأمرنا وترشدنا اليه وقال اكثر اهل التفسير ارادوا السفيه الضال الغاوى فتهكموا به كما يتهكم بالشحيح فيقال لو ابصرك حاتم لتعلم منك الجود. وبالمستجهل والمستخف فيقال يا عالم يا حليم فهو اذا من قبيل الاستعارة التبعية نزلوا التضاد منزلة التناسب على سبيل الهزؤ فاستعاروا الحلم والرشد للسفه والغواية ثم سرت لاستعارة منهما الى الحليم الرشيد ٨٨ { قال } شعيب { يا قوم أرأيتم } اخبرونى { ان كنت } ايراد حرف الشك باعتبار حال المخاطبين { على بينة من ربى } اى حجة واضحة وبرهان نير من مالك نير من مالك امرى عبر بهما عمّا اتاه اللّه تعالى من النبوة والحكمة ردا على مقالتهم الشنعاء فى جعلهم امره ونهيه غير مستند الى سند { ورزقنى منه } اى من لدنه { رزقا حسنا } هو النبوة والحكمة ايضا عبر عنهما بذلك تنبيها على انهما مع كونهما بينة رزق حسن كيف لا وذلك مناط الحياة الا بدية له ولامته وقال بعضهم هو ما روقه اللّه من المال الحلال من غير شائبة حرام اى من غير بخس وتطفيف وكان كثير المال وجواب الشرط محذوف لان اثباته فى قصة نوح ولوط دل على مكانه ومعنى الكلام ينادى عليه. والمعنى اخبرونى ان كنت على حجة واضحة ويقين من ربى وكنت نبيا على الحقيقة فهل يصح لى ان اتبعكم واشوب الحلال بالحرام ولا آمركم بتوحيد اللّه وترك عيادة الاصنام والكف عن المعاصى والقيام بالقسط والانبياء لا يبعثون الا لذلك { وما اريد } بنخى اياكم عن التطفيف { ان اخالفكم } حال كونى مائلا { الى ما انهيكم عنه } يقال خالفت زيدا لى كذا اذا قصدته وهو مول عنه وخالفته عنه اذا كان الامر بالعكس اى لا انهى عن شيء وارتكبه من نقصان الكيل والوزن اى اختار لكم ما اختار لنفسى فانه ليس بواعظ من يعظ الناس بلسانه دون عمله قال فى الاحياء اوحى اللّه تعالى الى عيسى عليه السلام يا ابن مريم عظ نفسك فان اتعظت فعظ الناس والا فاستحى منى : قال الحافظ واعظان كين جلوه در محراب ومنبر ميكنند ... جون بخلوت ميروند آن كار ديكر ميكنند مشكلى دارم زدانشمند مجلس باز برس ... توبه فرمايان جراخود توبه كمتر ميكنند { ان اريد } اى ما اريد بما اباشره من الامر والنهى { الا الاصلاح } الا ان اصلحكم بالنصيحة والموعظة { ما استطعت } اى مقدر ما استطعته من الاصلاح قال فى بحر العلوم ما مصدرية واقعة موقع الظرف اى مدة استطاعتى الاصلاح وما دمت متمكنا منه لا اترك جهدى فى بيان ما فيه مصلحة لكم : قال السعدى قدس سره بكوى آنجه دانى سخن سومند ... وكر هيج كس را نيايد بسند { وما توفيقى } مصدر من المبنى للمفعول اى كونى موفقا لتحقيق ما اقصده من اصلاحكم { الا باللّه } الا بتأييده ومعونته بل الاصلاح من حيث الخلق مستند اليه وانما انا من مباديه الظاهرة. والتوفيق يعدى بنفسه وباللام وبالباء وهو تسهيل سبل الخير واصله موافقة فعل الانسان القدر فى الخير والاتفاق اختصاص العبد بعناية ازلية ورعاية ابدية { عليه توكلت } اعتمدت فى ذلك معرضا عما عداه فانه القادر على كل مقدور وما عداه عاجز محض فى حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار بمعزل عن رتبة الاستمداد به فى الاستظهار { واليه انيب } اى ارجع فيما انا بصدده فى جميع امورى ويجوز ان يكون المراد وما كونى موفقا لاصابة الحق والصوابفى كل ما اتى وما اذر الا بهدايته ومعونته عليه توكلت وهو اشارة الى معرفة المعاد والتوكل على ثلاثة اوجه. توكل المبتدى وهو ترك الاسباب فى طلب المعاش. وتوكل المتوسط هو ترك طلب المعاش فى طلب العيش مع اللّه. وتوكل المنتهى وهو استهلاك الوجود فى وجود اللّه وافناء الاختيار فى اختيار اللّه ليبقى فى هويته بلا هو متصرفا فى الاسباب وان لا يرى التصرف والاسباب الا لمسبب الا سباب قال فى التأويلات القاشانية اول مراتب التوحيد توحيد الافعال ثم توحيد الصفات ثم توحيد الذات فان الذات محجوبة بالصفات والصفات بالافعال والافعال بالآثار والاكوان. فمن تجلت عليه الافعال بارتفاع حجب الاكوان توكل. ومن تجلت عليه الصفات بارتفاع حجب الافعال رضى وسلم. ومن تجلت عليه الذات بانكشاف حجب الصفات فهو فى الوحدة فصار موحدا مطلقا انتهى تاخوانى ( لا ) و ( الا اللّه ) را ... درنيابى منهج اين راه را عشق آن شعله است كوجون برفروخت ... هرجه جز معشوق باق جملة سوخت تيغ ( لا ) در قتل غير حق براند ... درنكر آخر كه بعد از ( لا ) جه ماند ماند ( الا اللّه ) وباقى جملة رفت ... شادباش اى عشق شركت سوز ورفعت فعلى العاقل ان يجتهد فى طريق الحق بالاذكار النافعة والاعماتل الصالحة الى ان يصل الى مقام التوحيد الحقيقى ثم اذا وصل اليه اقتفى باثر الانبياء وكمل الاولياء فى طريق النصح والدعوة ولم يرد الا الاصلاح تكثيرا للاتباع المحمدية وتقويما لاركان العالم بالعدل ونظما للناس فى سلك الرشاد واللّه ولى الارشاد وهو المبدأ واليه الرجوع والمعاد ٨٩ { ويا قوم } [ اى كروه من ] { لا يجرمنكم } يقال جرم زيد ذنبا اى كسبه وجرمته ذنبا اى كسبه وجرمته ذنبا اى اكسبته اياه فهو يتعدى الى واحد والى اثنين والاول فى الآية الكاف والميم. والمعنى لا يكسبنكم { شقاقى } فاعل لا يجرمن اى شقاقكم وعداوتكم اياى { ان يصيبكم } اى ينالكم وهو الثانى من مفعولى لا يجرمنكم ويقال جرمنى فلان على ان صنعت كذا اى حملنى فيقدر حرف الجر بعد ان. والمعنى لا يحملنكم بغضكم اياى على ان يصيبكم قال الكاشفى [ شما بران نداد ودشمنى وستيزه كارى بامن كه برسد شمارا ] { مثل } فاعل ان يصيب مضاف الى قوله { ما اصاب قوم نوح } من الغرق { او قوم هود } من الريح { او قوم صالح } من الصيحة { وما قوم لوط } قال الجوهرى الثوم يذكر ويؤنث { منكم ببعيد } يعنى انهم اهلكوا بسبب الكفر والمعاصى فى عهد قريب من عهدكم فهم اقرب الهالكين منكم فان لم تعتبروا بمن قبلهم ن الامم المعدودة فاعتبروا بهم ولا تكونوا مثلهم كيلا يصيبكم مثل ما اصابهم والاشارة ان فى طبيعة الانسان مركوزا من صفات الشيطنة الاباء والاستكبار ومن طبعه انه حريص على ما منع كما ان آدم عليه السلام لما منع من اكل الشجرة حرص على اكلها فلهاتين الصفتين اذا امر بشيء ابى واستكبر واذا نهى عن كل شيء حرص على اتيانه لا سيما اذا صدر الامر والنهى عن انسان مثله فان طاعة اللّه هينة القبول بالنسبة الى طاعة المخلوق لان فى الطاعة ذلة ووانا وكسرا للنفس وان ما يحتمل المخلوق من خالقه اكثر مما يحتمله من مخلوق مثله ولهذا السر بعث اللّه الانبياء وامر الخلق بطاعتهم وقال { اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولى الامر منكم } فمن كان موفقا من اللّه تعالى بالعناية الازلية يأتمر بما امر به وينتهى عما نهى عنه ويطيع الرسل فما جاءوا به اخرجته الطاعة من ظلمات صفاته المخلوقة الى نور صفاته الخالقية ومن سبقته الشقاوة فى الازل تداركه الخذلان ووكل الى نفسه وطبعه فلا يطيع اللّه ورسوله ويثمرد عن قبول الدعوة ويستكبر على الرسول ويعاديه بمعاداته ما أمره اللّه فيصيبه قهر اللّه وعذابه { مثل ما اصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد } اى وما معاملة قوم لوط من معاملتكم وذنوبكم من ذنوبكم ببعيد لان الكفر كله من جنس واحد وصفات الكفر قريب بعضها من بعض كذا فى التأويلات النجمية : قال فى المثنوى بس وصيت كرد وتخم وعظ كاشت ... جون زمين شان شوره بدسودى نداشت كرجه ناصح را بود صد داعيه ... بندرا اذنى ببايد واعيه توبصد تلطيف وبندش ميدهى ... اوز بندت ميكند بهلوتهى بك كس ن مستمع زاستيز ورد ... صد كس كوينده را عاجز كند زانبيا ناصحتر وخوش لهجه تر ... كى بودكه رفت دمشان در حجر زانجه كوه وسنك دركار آمدند ... مى نشد بدجت را بكشاده بند آنجنان دلها كه بدشان ما ومن ... تعتشان شد بل اشد قسوة ٩٠ { واستغفروا ربكم } بالايمان { ثم توبوا اليه } مما انتم عليه من المعاصى وعبادة الاوثان لان التوبة لا تصح الا بعد الايمان او استغفروا بالايمان ثم ارجعوا اليه بالطاعة او استغفروا بالاعمال الصالحة وتوبوا بالفناء التام قال فى التأويلات النجمية واستغفروا من صفات الكفر ومعاملاته كلها وبدلوها بصفات الاسلام ومعاملاته فانها تزكية النفوس عن الصفات الذميمة ثم ارجعوا اليه على قدمى الشريعة والطريقة سائرين منكم اليه ليحليكم تحلية الحقيقة وهى الفناء عنكم والبقاء به { ان ربى رحيم } عظيم الرحمة للمؤمنين والتائبين { ودود } فاعل بهم من اللطف والاحسان كما يفعل البليغ المودة بمن يوده قال فى المفاتيح الودود مبالغة الواد ومعناه الذى يحب الخير لجميع الخلائق ويحسن اليهم فى الاحوال كلها. وقيل المحب لاوليائه وحاصله يرجع الى ارادة مخصوصة وحظ العبد منه ان يريد للخلق ما يريد لنفسه ويحسن اليهم حسب قدرته ووسعته ويحب الصالحين من عباده واعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه كمن قال منهم اريد ان اكون جسرا على النار يعبر عليه الخلق ولا يتأذون بها كما فى المقصد الاسنى للغزالى قال الكاشفى فى تفسيره [ قطب الابرار مولانا يعقوب جرخى قدس سره در شرح اسماء اللّه تعالى معنى الودودرا برين وجه آورده است كه دوست دارنده نيكى بهمه خلق ودوست دردلهاى بحق يعنى اونيك را دوست ميدارد ونيكان اورا دوست ميدارند وفى الحقيقة دوستى ايشان فرع دوستى اوست زيراكه جون بنظر تحقيق درنكر نداصل حسن واحسان كه سبب محبت مى باشد غيراورا ثابت نيست بسرخود خودرا دوست ميداردوازين باب نكتة جنددرآيت { يحبهم ويحبونه } برمنظر عيان جلوه نمود وللوالد الاعز زيدت حقائقه اى حسن توداده يوسفانرا خوبى ... وز عشق توكرده عاشقان يعقوبى كرنيك نظر كندكسى غير تونيست ... در مرتبة محبى ومحبوبى واعلم ان اللّه تعالى لو لم يكن له ود لما هدى ولما فرح بتوبة عبده المؤمن كما قال صلى اللّه عليه وسلم ( لا للّه افرح بتوبة عبد المؤمن من رجل نزل فى ارض دوية مهلمة معه راحلة عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهب راحلته فطلبها حتىشتد عليه الحر والعطش قال ارجع الى مكانى الذى كنت فيه فانام حتى اموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فاذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فلا للّه اشد فرحا بتوية العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ) فمن اضاع راحلته فى برية الهوى بغلبة الغفلة فعليه الرجوع الى مكانه الاول اعنى الفطرة الاولى بالتسليم واموت الاختيارى حتى يجد ما اضاعه. وفى الحديث اشارة الى الطريق من البداية الى النهاية فبقوله عليه السلام ليموت لان الفناء غاية السير الى اله ثم ان قوله فاستيقظ فاذا راحلته عنده اشارة الى البقاء بعد الفناء والرجوع الى البشرية ثم اعلم ان التوبة على مراتب اعلاها الرجوع عن جميع ما سوى اللّه تعالى الى اللّه سبحانه وهذا المقام يقتضى نسيان المعصية والتوبة عن التوبة فان وقت الصفاء يقتضى نسيان الجفاء وايضا اذا تجلى الحق للسالك ورأى كل شيء هالكا الا وجهه فنى الذوات كلها فما ظنك بالاعمال واللّه تعالى تواب يقبل التوبة الا ان يكون العبد كذوبا -يحكى- ان مالك ابن دينار مر بشابين يلهوان فوعظهما فقال احدهما انا اسد من الاسود فقال مالك سيأتيك اسد تكون عنده ثعلبا فمرض الشاب وعاده مالك فبكى الشاب وقال قد حاء الاسد الذى صرت عنده ثعلبا فقال مالك تب الى اللّه تعالى فانه تواب فنودى من زاوية البيت جربناه مرارا فوجدناه كذوبا : وفى المثنوى توبه آرند وخدا توبه بذير ... امر او كيرند او نعم الامير ٩١ { قالوا } استئناف بيانى { يا شعيب ما نفقه } الفقه معرفة غرض المتكلم من كلامه اى لا نعرف ولا نفهم { كثيرا مما تقول } اى كل ما تقول من التوحيد ومن ايفاء الكيل والوزن وغير ذلك كما فى قوله تعالى { وما يتبع اكثرهم الا ظنا } اى كلهم على احد الوجهين وذلك استهانة بكلامه واحتقارا به كما يقول الرجل لصاحبه اذا لم يعبأ بحديثه ما ندرى ما نقول والا فشعيب كان يخاطبهم بلسانهم وهم يفهمون كلامه لكن لما كان دعاؤه الى شيء خلاف ما كانوا عليه وآباؤهم قالوا وما قالوا { وانا لنريك فينا } اى فيما بيننا { ضعيفا } هو فى المشهور من ليس له قوة جسمانية اى لا قوة لك فتمتنع منا ان اردنا بك سوءا او مهينا لاعزلك وهذا لا يتعلق بالقوة الجسمانية فان ضعيف الجسم قد يكون وافر الحرمة بين الناس وهو الظاهر لان الكفرة كانوا يزدرون بالانبياء وباتباعهم المؤمنين وفى التأويلات النجمية { ضعيفا } هو فى المشهور من ليس له قوة جسمانية اى لا قوة لك فتمتنع منا ان اردنا بك سوءا او مهينا لاعزلك وهذا يتعلق بالقوة الجسمانية فان ضعيف الجسم قد يكون وافر الحرمة بين الناس وهو الظاهر لان الكفرة كانوا يزدرون بالانبياء وباتباعهم المؤمنين وفى التأويلات النجمية { ضعيفا } اى ضعيف الرأى ناقص العقل وذلك لانه كما يرى العاقل السفيه ضعيف الرأى يرى السفيه العاقل ضعيف الرأى { ولولا رهطك } ولولا حرمة قومك ومراعاة جانبهم وقالوا ذلك كرتمة لقومه لانهم كانوا على دينهم لا خوفا منهم لان الرهط من الثلاثة الى السبعة او التسعة او العشرة وهم الوف فكيف يخافون من رهطه { لرجمناك } لقتلناك برمى الحجارة وقد يوضع الرجم موضع القتل وان لم يكن بها قال عمر رضى اللّه عنه تعلموا انسابكم تعرفوا بها اصولكم وتصلحوا بها ارحامكم. قالوا ولو لم يكن فى معرفة الانساب الا الاحتراز بها من صولة الاعداء ومنازعة الاكفاء لكان تعلمها من احزم الرأى وافضل الصواب ألا ترى الى قول قوم شعيب ولولا رهطك لرجمناك فابقوا عليه لرهطه يقال ابقيت على فلان اذا ارعيت عليه ورحمته { وما انت علينا بعزيز } مكرم محترم حتى تمنعنا عزتك من رجمك بل رهطك هم الاعزة علينا لكونهم من اهل ديننا فانما نكف عنك للمحافظة على حرمتهم وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والآيات بالسب والتهديد وتقديم الفاعل المعنوى لافادة الحصر والاختصاص وان كان الخبر صفة لا فعلا وعلينا متعلق بعزيز وجاز لكون المعمول ظرفا والباء مزيدة وفى التأويلات النجمية يشير الى ان كل من كان على اللّه بعزيز فانه ليس على الجاهل بعزيز انتهى اقول وذلك لان العزة والشرف عند الجهلاء بالجاه والمال بالدين والكمال وقد قال النبى عليه السلام ( ان اللّه لا ينظر الى صوركم واموالكم بل ينظر الى قلوبكم واعمالكم ) يعنى اذا كانت لكم قلوب واعمال صالحة تكونون مقبولين مطلقا سواء كانت لكم صور حسنة واموال فاخرة ام لا والا فلا : وفى المثنوى وقت بازة كودكان را زاختال ... مى نمايد اين خرفتها زرو مال عارفانش كيميا كر كشته اند ... تاكه شد كانها بريشان ونزند باغها وقصرها وآب رود ... بيش جشم از عشق كلخن مى نمود ٩٢ { قال } شعيب فى جوابهم { يا قوم أرهطى } [ ايا عشيرة وقوم من ] وهمزة الاستفهام للانكار والتوبيخ { اعز عليكم } [ عزيز ترند برشما ودوسترند نزدشما ] { من اللّه } كان الظاهر ان يقال منى الا انه قيل من اللّه للايذان بان تهاونهم به وهو نبى اللّه تهاون باللّه تعالى وانما انكر عليهم اعزية رهطه منه تعالى مع ان ما اثبتوه انما هو مطلق عزة رهطه لا اعزيتهم منه تعالى مع الاشتراك فى اصل العزة لتكرير التوبيخ حيث انكر عليهم اولا بترجيح جنب اللّه تعالى وثانيا بنفى العزة بالمرة. والمعنى أرهطى اعز عليكم من اللّه تعالى فانه مما لا يكاد يصح والحال انكم لم تجعلوا له حظا من العزة اصلا { واتخذتموه } اى اللّه تعالى { وراءكم } [ ازبس بشت خود ] { ظهريا } [ همجو مرد فراموش شده ] اى شيأ منبوذا وراء الظهر منسيا لا يبالى به اى جعلتموه مثله باشراككم به والاهانة برسوله فلا تبقون على اللّه وتبقون على رهطى اى فلا تحفظوننى ولا ترحموننى للّه وتراعون نسبة قرابتى الى الرهط وتضيعون نسبتى الى اللّه بالنبوة فكأنكم زعمتم ان القوم اعز من اللّه حيث تزعمون انكم تركتم قتلى اكراما لرهطى واللّه اولى بان يتبع امره كأنه يقول حفظكم اياى فى اللّه اولى منه فى رهطى والعرب تقول لكل مالا يعبأ بامره قد جعل فلان هذا الامر بظهره فالظهرى منسوب الى الظهر والكسر لتغيير النسب كقولهم فى النسبة الى امس امسى بكسر الهمزة والى الدهر دهرى بضم الدال { ان ربى بما تعملون } من الاعمال السيئة التى من جملتها عدم مراعاتكم لجانبه { محيط } لا يخفى عليه منها خافية وان جعلتموه منسيا فيجازيكم عليها والاحاطة ادراك الشيء بكماله واحاطة اللّه بالاعمال مجاز ٩٣ { ويا قوم اعملوا عللا مكانتكم } مصدر من مكن مكانة فهو مكين اذا تكن ابلغ التمكن والجار والمجرور فى موقع النصب على الحال. والمعنى اعملوا حال كونكم موصوفين بغاية الممكنة والقدرة كل ما فى وسعكم وطاقتكم من ايصال الشرور الى او بمعنى المكان كمقام ومقامة فاستعيرت من العين للمعنى كما يستعار حيث للزمان وهو المكان. والمعنى على ناحيتكم وجهتكم التى انتم عليها من الشرك والعداوة لى { انى } ايضا { عامل } على مكانتى فحذف للاختصار اى عامل بقدر ما آتانى اللّه من القدرة وعلى حسب ما يؤتينى اللّه من النصرة والتأييد فكأنهم قالوا ماذا يكون اذا عملنا على قوتنا فقال { سوف تعلمون من } استفهام اى اينا او موصولة اى تعرفون الذى { يأتيه عذاب يخزيه } يذله ويهينه { ومن هو كاذب } عطف على من يأتيه لما اوعدوه وكذبوه اراد ان يدفع ذلك عن نفسه ويلحقه بهم فسلك سبيل ارخاء العنان لهم وقال { سوف تعلمون } من المعذب والكاذب منى ومنكم واينا الحانى على نفسه والمخطئ فى فعله يريد ان المعذب والكاذب انتم لا انا { وارتقبوا } اى انتظروا مآل ما اقول لكم سيظهر صدقه { انى معكم رقيب } منتظر فعيل بمعنى الراقب وكان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الانبياء لحسن محاورته مع قومه وكمال اقتداره فى مراجعته جوابهم وكان كثير البكاء حتى عمى ثم رد اللّه عليه عليه السلام بصره فاوحى اليه يا شعيب ما هذا البكاء أشوقا الى الجنة ام خوفا من النار فقال الهى وسيدى انك تعلم انى ما ابكى شوقا الى الجنة ولا خوفا من النار ولكن اعتقدت حبك بقلبى فاذا نظرت اليك فما ابالى ما الذى تصنع بى فاوحى اللّه تعالى يا شعيب ان يكن ذلك حقا فهنيئا لقائى يا شعيب لذلك اخدمتك موسى بن عمران كليمى : قال المولى الجامى زهاد خلد خواهد واوباش عيش نقد ... ماخود بدولت غمت ازهر دورسته ايم وهذه حال المقربين فانهم جعلوا اللّه تعالى بين اعينهم وجعلوا الخلق وراء ظهورهم خلاف ما عليه اهل الغفلة فلم يلتفتوا الى شيء من الكونين حبا للّه تعالى وقصرا للنظر عليه وهم العبيد الاحرار والناس فى حقهم على طبقات فاما اهل الشقاء فلم يعرفوهم من هم ولم يروهم اصلا لانطماس بصيرتهم وعدم استعدادهم لهذا الانكشاف ألا ترى الى قوم شعيب كيف حجبهم كونه اعمى فى الصورة عن رؤية جمال نبوته وظنوا ان لهم ابصارا ولا بصر له ولذا عدوه ضعيفا ولم يعرفوا انهم عمى فى الحقيقة وان ابصارهم الظاهرة لا تستجلب لهم شرفا وان الحق مع اهل الحق سواء ساعده الاسباب الصورية والآلات الظاهرة اولا فان الناس مشتركون فيما يجرى على ظواهرهم من انواع الابتلاء مفترقون فيما يرد على بواطنهم من اصناف النعماء واللّه تعالى ارسل الانبياء عليهم السلام الى الناس الغافلين ليفتحوا عيون بواطنهم من نوم الغفلة ويدعوهم الى اللّه تعالى ووصاله ولقاء جماله فمن كان له منهم استعداد لهذا الانفتاح رضى بالتربية والارشاد وقام فى طريق الحق بالسعى والاجتهاد ومن لم يكن له منهم ذلك ابى واستكبر عن تخذ التلقين وامتنع عن الوصول الى حد اليقين فبقى فى الظلمات كالاعمى لا يدرى اين ذهب فيا ايها الاخوان ارجعوا الى ربكم مع القوافل الروحانية فعن قريب ينقطع الطريق ولا يوجد الرفيق ونعم ما قال من قال خيزد لامست شواز مى قدسى ازانك ... ما نه درين تيره جام بهر نشست آمديم ٩٤ { ولما جاء امرنا } الذى قدرناه فى الازل من العذاب والهلاك لقوم شعيب فالامر واحد الامور { نجينا شعيبا } قدم تنجيته ايذانا بسبق الرحمة التى هى مقتضى الربوبية على الغضب الذى يظهر اثره بموجب الجرائم { والذين آمنوا معه } اى ونجينا الذين اتبعوا شعيبا فى الايمان وآمنوا كما آمن هو { برحمة } ازلية صدرت { منا } فى حقهم ومجرد فضل لا بسبب اعمالهم كما هو مذهب اهل السنة. وقال بعضهم هى الايمان الذى وقفناهم له يقول الفقير وجه هذا القول ان العذاب والهلاك الذى من باب العدل قد اضيف الى الكفر والظلم فاقتضى ان يضاف الخلاص والنجاة الذى هو من باب الفضل الى الايمان ولما كان الايمان والعمل الصالح امرا موقوفا على التوفيق كان مجرد فضل ورحمة فافهم { واخذت الذن ظلموا } انفسهم بالاباء والاستكبار عن قبول دعوة شعيب { الصيحة } فاعل اخذت والمراد صيحة جبرائيل عليه السلام بقوله موتوا جميعا. وفى سورة الاعراف { فاخذتهم الرجفة } اى الزلزلة ولعلها من روادف الصيحة المستتبعة لتموج الهواء المفضى اليها عن ابن عباس رضى اللّه عنهما لم يعذب اللّه امتين بعذاب واحد الا قوم شعيب وصالح وذلك انه اصابهم حر شديد فخرجوا الى غيضة لهم فدخلوا فيها فظهرت لهم شحابة كهيئة الظلة فاحدقت بالاشجار واخذت فيها النار وصاح بهم جبريل ورجفت بهم الارض فماتوا كلهم واحترقوا فذلك قوله تعالى { فاصبحوا } اى صاروا { فى ديارهم } بلادهم او مساكنهم { جاثمين } ميتين لازمين لاماكنهم لابراح لهم منها اى لا زوال ٩٥ { كأن لم يغنوا فيها } اى لم يقيموا فى ديارهم احياء متصرفين مترددين { ألا بعدا لمدين } اى هلاكا لاهل مدين واعلم ان بعدا وسحقا ونحوهما مصادر قد وضعت مواضع افعالها التى لا يستعمل اظهارها. ومعنى بعدا بعدوا اى هلطوا. وقوله لمدين بيان لمن نبه عليه بالبعد نحو هيت لك قال الكاشفى [ بدانيدكه هلا كيست قوم مدين را ودورى از رحمت من ] { كما بعدت ثمود } اى هلكت شيه هلاكهم بهلاكهم لانهما اهلكتا بنوع من العذاب وهو الصيحة كما مر آنفا. والجمهور على كسر العين من بعدت على انها اهلكتا بوع من العذاب وهو الصيحة كما مر آنفا. والجمهور على كسر العين من بعدت على انها من بعد يبعد بكسر العين فى الماضى وفتحها فى المضاوع بمعنى هلك يهلك ارادت العرب ان تفرق بين البعد بمعنى الهلاك وبين البعد الذى هو ضد القرب ففرقوا بينهما بتغيير البناء فقالوا بعد بالضم فى ضد القرب وبعد بالكسر فى ضد السلامة والبعد بالضم والسكون مصدر لهما والبعد بفتحتين انما يستعمل فى مصدر مكسور العين وفى الآية اشارة الى ان الكفرة واهل الهوى افسدوا الاستعداد الروحانى الفطرى فى طلب الدنيا واستيفاء شهواتها والاستكبار عن قبول الحق والهدى وادى تمردهم عن الحق وتماديهم فى الباطل الى الهلاك صورة ومعنى. اما صورة فظاهر. واما معنى فلانهم ابعدوا عن جوار اللّه وطيب العيش معه الى اسفل سافلين القطيعة فبقوا فى نار الفرقة لا يحيون ولا يموتون وما انتفعوا بحياتهم فصاروا كالاموات وكما ان الصيحة من جبرائيل اهلكتهم فكذا النفخة من شعيب احيت المؤمنين لان انفاس الانبياء والاولياء كنفخ اسرافيل فى الاحياء اذا كان المحل صالحا لطرح الروح فيه كجسد الا كسير : قال فى المثنوى سازد اسرافيل روزى ناله را ... جان دهد بوسيده صد ساله را هين كه اسرافيل وقتند اوليا ... مرده را زيشان حياتست ونما جان هر يك مرده از كور تن ... برجهد زآواز شان اندر كفن سركشى از بندكان ذو الجلال ... وانكه دارند از وجود توملال كهربا دارند جون بيدا كنند ... كاه هستى ترا شيدا كنند كهرباى خويش جون بنهان كنند ... زود تسليم ترا طغيان كنند قد سبق ان قوم شعيب عدوه ضعيفا فيما بينهم وما عرفوا ان اللّه القوى معه كرتو بيلى خصم تو از تو رميد ... نك جزا طيرا ابابيلت رسيد كر ضعيفى درزمين خواهد امان ... غلغل افتد در سمباه آسمان كر بدندانش كزى برخون كنى ... درد دندانت بكيرد جون كنى هر ييمبر فرد آمد در جهان ... فرد بود وصد جهانش درنهان ابلهان كفتند مردى بسش نيست ... واى آن كو عاقبت انديش نيست فعلى المصالحين ان يعتبروا بحوال الصالحين فانهم قد اخذوا الدنيا وآثروها على الآخرة ثم سلبهم اللّه اموالهم وديارهم كأن لم ينتفعوا بشيء ولم يقيموا فى دار وعن جابر بن عبد اللّه انه قال شهدت مجلسا من مجالس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اذ اتاه رجل ابيض الوجه حسن الشعر واللون عليه ثياب بيض فقال السلام عليك يا رسول اللّه فقال عليه السلام ( عليك السلام ) فقال يا رسول اللّه ما الدنيا قال ( هى حلم المنام واهلها مجازون ومعاقبون ) قال يا رسول اللّه وما الآخرة قال ( عيش الابد فريق فى الجنة وفريق فى السعير ) فقال يا رسول اللّه فما الجنة قال ( بذل الدنيا لطالبها نعيمها لاهلها ابدا ) قال فما جهنم قال ( بذل الآخرة لطالبها لا يفارقها اهلها ابدا ) قال فما خير هذه الامة قال ( الذى يعمل بطاعة اللّه ) قال فكيف يكون الرجل فيها قال ( مشمرا كطالب القافلة ) قال فكم القرار بها قال ( كقدر المتخلف عن القافلة ) قال فكم ما بين الدنيا والآخرة قال ( غمضة عين ) قال فذهب الرجل فلم ير فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( هذا جبريل اتاكم ليزهدكم فى الدنيا ويرغبكم فى الآخرة ) كذا فى تنبيه الغافلين : قال السعدى قدس سره يكى بر سركور كل ميسر شت ... كه حاصل كندزان كل كورخشت بانديشه لختى فرو رفت بير ... كه اى نفس كوته نظر بند كير جه بندى درين خشت زرين دلت ... كه يك روز خشتى كند از كلت تو غافل در انديشه سود ومال ... كه سرمايه عمر شد بإيمال دل اندر دلارام دنيا سبند ... كه ننشست باكس كه دل برنكند بر مرد هشيار دنيا خسست ... كه هر مدتى جاى ديكر كسست ٩٦ { ولقد ارسلنا } اى وباللّه لقد ارسلنا { موسى } حال كونه ملتبسا { بآياتنا } التسع التى هى العصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص الاموال والانفس { وسلطان } برهان { مبين } واضح ه من قبيل عطف الصفة مع اتحاد الموصوف اى ولقد ارسلنا موسى بالجامع بين كونه آياتنا وبين كونه سلطانا له على صدق نبوته واضحا فى نفسه او موضحا اياها فان ابان جاء لازما ومتعديا كقوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان } اى التوراة الجامعة بين كونها كتابا وحجة تفرق بين الحق والباطل ويجوز ان يراد بسلطان مبين الغلبة والاستيلاء كقوله تعالى { ونجعل لكم سلطانا } ٩٧ { الى فرعون وملائه } اى اشراف قومه ورؤسائه. وتخصيص ملئه بالذكر مع عموم رسالته لقومه كافة لاصالتهم فى الرأى وتدابير الامور واتباع غيرهم لهم فى الورود والصدور { فاتبعوا امر فرعون } اى امره بالكفر بما جاء به موسى من البينات واطاعوا قوله حيث قال لهم ما علمت لكم من اله غيرى وخالفوا امر موسى بالتوحيد وقبول الحق وانما لم يصرح بكفر فرعون بآيات اللّه للايذان بوضوح حاله فكان كفره امر ملئه بذلك محقق الوجود غر محتاج الى الذكر صريحا وانما المحتاج الى ذلك شأن ملته المترددين بين هاد الى الحق وداع الى الضلال وايراد الفاء للاشعار بمسارعتهم الى الاتباع لم يتراخ من الارسال والتبليغ بل وقعا فى وقت واحد { وما امر فرعون برشيد } قال الكاشفى [ نبود كارفرعون برنهج رشد وصواب ] وقال غيره الرشيد مستعمل فى كل ما يحمد ويرتضى كما استعمل الغى فى كل ما يذم ويتسخط فهو ضد الغى الرشيد بمعنى المرشد والاسناد مجازى. والمعنى وما هو مرشد الى خير وهوعى محض وضلال صريح وانما يتبع العقلاء من يرشدهم ويهديهم لا من يضلهم ويغويهم فيه تجهيل لمتبعيه ٩٨ { يقدم } فى الصحاح قدم بالفتح يقدم قدما اى تقدم وهو استئناف لبيان حاله فى الآخرة { قومه } جميعا من الاشراف وغيرهم { يوم القيمة } اى يتقدمهم يوم الآخرة الى النار وهم خلفه ويقودهم الى النار كما كانوا يتبعونه فى الدنيا ويقودهم الى الضلال { فاوردهم النار } اى يوردهم ويدخلهم فيها. وايثار صيغة الماضى للدلالة على تحقق الوقوع لا محالة لان الماضى متيقن الوجود واعلم ان الورود عبارة عن المجيء الىلماء والايراد احضار الغير والمورد الماء فشبه فرعون بالفارط الذى يتقدم الواردة الى الماء واتباعه بالواردة والنار بالماء الذى يردونه ثم قيل { وبئس الورد المورود } اى بئس المورد الذى يردونه النار لان الورد انما يورد لتسكين العطش وتبريد الاكباد والنار على ضد ذلك ٩٩ { واتبعوا } اى الملأ الذين اتبعوا امر فرعون { فى هذه } اى فى الدنيا { لعنة } لغة عظيمة حيث لعنهم من بعدهم من الامم { ويوم القيمة } اى حيث يلعنهم اهل الموقف قاطبة فهى تابعة لهم حيثما ساروا دائرة معهم اينما داروا فكما اتبعوا امر فرعون اتبعتهم اللعنة فى الدارين جزاء وفاقا او يلعنون ويطردون من رحمة اللّه تعالى فى الدنيا بالغرق والآخرة بما فيها من عذاب فان كل معذب ملعون مطرود من الرحمة كما ان كل مخذول حروم من التوفيق والعناية كذلك واكتفى ببيان حالهم الفظيع عن بيان حال فرعون اذ حين كان حالهم هكذا فما ظنك بحال من اغواهم والقاهم فى هذا الضلال البعيد وحيث كان شان الاتباع ان تكون اعوانا للمتبوع جعلت اللعنة رفدا لهم على طريقة التهكم فقيل { بئس الرفد المرفود } الرفد قد جاء بمعنى العون وبمعنى العطية والملائم هنا هو الاول قال الزجاج كل شيء جعلته عونا لشيء واسندت به شيأ فقد رفدته. والمعنى بئس العون المعان رفدهم وهى اللعنة فى الدارين وذلك ان اللعنة فى الدنيا رفد للعذاب ومدد له وقد رفدت باللعنة فى الآخرة. وفى الآية بيان شقاء فرعون وانه لم ينفعه ايمانه حين الغرق ولو نفعه لما كان قائد قومه الى النار وفى الفتوحات فى الباب الثانى والستين المجرمون اربع طوائف كلها فى النار لا يخرجون منها وهم المتكبرون على اللّه تعالى كفرعون وامثاله ممن ادغى الربوبية لنفسه ونفاها على اللّه تعالى فقال { يا ايها الملأ م علمت لكم من اله غيرى } وقال { انا ربكم الاعلى } يريد انه ليس فى السماء اله غيرى وكذلك نمرود وغيره وقال فى الفتوحات فى موضع آخر وهوة معتقدى وغير هذا قلت على سبيل البحث والاستكشاف انتهى وعلى هذا يحمل ما فى فصوص الحكم من كونه مقبوضا على الطهارة فتدبر وامسك لسانك عن الشيخ فان لكلمات الكبار محامل كثيرة والقرآن لا ينقضى عجائبه وهى بكر بالنسبة الى ارباب الرسوم هدانا اللّه واياكم الى حقيقة العلم والعمل وارشدنا واياكم الى طريق الكمل وفى الآية أيضا ذم لاتباع اهل الهوى وصحبة اهل الفسق فان العرق دساس والطبع جذاب والمقارنة مؤثرة والامراض سارية اى فغان ازيارنا جنس اى فغان ... همنشين نيك وئيد اى مهان وفى الحديث ( لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم او جامعهم فهو منهم وليس منا ) اى لا تسكنوا مع المشركين فى المسكن الواحد ولا تجتمعوا معهم فى المجلس الواحد حتى لا يسرى اليكم اخلاقهم الخبيثة وسيرهم القبيحة بحكم المقارنة فقوم فرعون لما اتبعوا فرعون اوردهم النار ولو اتبعوا موسى لاورهم الجنة : وفى المثنوى اى خنك آن مرده كز خودرسته شهد ... در وجود زنده بيوسته شد سيل جون آمد بدريا بحر كشت ... دانه جون آمد بمزرع كشت كشت جون تعلق يافت نان بأبو البشر ... نان مرده زنده كشت وباخبر موم وهيزم جون فداى نارشد ... ذات ظلمانئ او انوار شد سنك سرمه جونكه شد در ديدكان ... كشت بينائى شد آنجا ديده بان واى آن زنده كه بامرده نشست ... مرده كشت وزندكى ازوى بجست ١٠٠ { ذلك } اى الخبر السابق با محمد { من انباء القرى } بعض انباء القرى المهلكة بما جنت ايدى اهلها { نقصه عليك } خبر بعد خبر اى مقصوص عليك ليكون فيه دلائل نبوتك { منها } اى من تلك القرى { قائم } باق اثره وجدرانه كالزرع القائم على ساقه مثل ديار عاد وثمود { وحصيد } مبتدأ حذف خبره اى ومنها عافى الاثر كالزرع المحصود مثل بلاد قوم نوح ولوك وقال الكاشفى [ قائم باقيست وآبادان وحصيد مفقوداست يا خراب ] وفى التأويلات النجمية من الاجساد ما هو قائم قابل لتدارك مافات عنها واصلاح ما افسد النفس منها ومنها ما هو محصود بمحصد الموت مأيوس من التدارك ١٠١ { وما ظلمناهم } باهلاكنا اياهم والضمير الى الاهل المحذوف المضاف الى القرى { ولكن ظلموا انفسهم } بارتكاب ما يوجب الهلاك من الشرك وغيره فانهم اكلوا رزق اللّه وعبدوا غيره وكذبوا رسله. وفيه اشارة الى انه تعالى اعطاهم استعدادا روحانيا وآلة لتحصيل كمالات لا يدركها الملائكة المقربون فاستعملوا تلك الآلة وفق الطبيعة لاعلى حكم الشريعة فعبدوا طاغوت الهوى ووثن الدنيا واصنام شهواتها فجاءهم الهلاك من ايدي الاسماء الجلالية { فما اغنت عنهم } ما نافية اى فما نفعتهم ولا قدرت ان ترد بأس اللّه عنهم { آلهتهم التى يدعون } اى يعبدون وهى حكاية حال ماضية وانما اريد بالدعاء العبادة لانه منها ومن وسائطها ومنه قوله عليه السلام ( الدعاء هو العبادة ) { من دون اللّه } اى حال كونهم متجاوزين عبادة اللّه { من شيء } فى موضع المصدر اى سيأ من الاغناء وهو القليل منه { لما جاء امر ربك } منصوب باغنت اى حين مجيئ عذابه ونقمته وهى المكافاة بالعقوبة { وما زادوهم } الضمير المرفوع للاصنام والمنصوب بعبدتها وعبر عن الاصنام بواو العقلاء لانهم نزلوها منزلة العقلاء فى عبادتهم اياها واعتقادهم انها تنفع { غير تتبيب } من تب اذا هلك وخسر وتبه غيره اذا اهلكه اواقعه فى الخسران اى غير اهلاك وتخسير فانهم انما هلكوا وخسروا بسبب عبادتهم لها وكانوا يعتقدون فى الاصنام جلب المنافع ودفع المضار فزال عنهم بسبب ذلك الاعتقاد منافع الدنيا والآخرة وذلك من اعظم الهلاك واشد الخسران ١٠٢ { وكذلك } الكاف فى محل الرفع على انها خبر مقدم للمصدر المذكور بعده اى مثل ذلك الاخذ الذى مر بيانه { اخذ ربك اذا اخذ القرى } اى اهلها وانما اسند اليها للاشعار بسريان اثره اليها { وهى ظالمة } حال من القرى وهى فى الحقيقة لاهلها لكنها لما اقيمت مقامهم فى الاخذ اجريت الحال عليها وفائدتها الاشعار بانهم اخذوا بظلمهم وكفرهم ليكون ذلك عبرة لكل ظالم { ان اخذه اليم شديد } اى عقوبة مؤلمة شديدة صعبة على المأخوذ والمعاقب لا يرى منها الخلاص وعن ابى موسى رضى اللّه عنه انه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ان اللّه ليملى للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته ثم قرأ وكذلك اخذ ربك ) الآية كسى كر صرصر ظلمش دمادم ... جراغ عيش مظلومان بميرد نميترسد ازان كايزد تعالى ... اكرجه دير كيرد سخت كيرد واللّه تعالى لا يجير الظالم ولكن يمهله ويكله الى نفسه يظلم على نفسه وعلى نفس غيره فيؤاخذه اللّه تعالى بظلمه عدلا منه ولكنه اذا نظر بفضله ورحمته الى عبد بنظر العناية يزيل بنور العناية ظلمات امارية نفسه فتصير نفسه مأمورة لامر الشريعة فلا يعمل الا للنجاة من عذاب الآخرة ونيل الدرجات والقربات فعلى كل من اذنب ان يحذر اخذ ربه فيبادر الى التوبة ويترك التسويف فانه ورد ( هلك المسوفون ) قبول توبة بر رب كريمست ... فعجل ان فى التأخير آفات ١٠٣ { ان فى ذلك } اى فيما نزل بالامم الهالكة بذنوبهم او فيما قصه اللّه من قصصهم { لآية } لعبرة بينة وموعظة بالغة { لمن خاف عذاب الآخرة } اى اقربه وآمن لانه يعتبر به حيث يستدل بما حاق من العذاب الشديد بسبب ما عملوا من السيآت على احوال عذاب الآخرة واما من انكر الآخرة واحال فناء العالم ولم يقل بالفاعل النختار وجعل تلك الوقائع لاسباب فلكية اتفقت فى تلك الايام لا لذنوب المهلكين فهو بمعزل من هذا الاعتبار تبا لهم ولما لهم من الافكار : قال الحافظ سير سهر ودور قمر راجه اختيار ... دركردشند بر حسب اختيار دوست { ذلك } اشارة الى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة { يوم مجموع له الناس } اى يجمع له الاولون والآخرون للمحاسبة والجزاء واستعمال اسم المفعول حقيقة فيما تحقق فيه وقوع الوصف وقد استعمل ههنا فيما لم يتحقق مجازا تنبيها على تحقق وقوعه { وذلك } اى يوم القيامة مع ملاحظة عنوان جمع الناس له { يوم مشهود } اى مشهود فيه حيث يشهد فيه اهل السموات والارضين للموقف لا يغيب عنه احد فالمشهود هو الموقف والشاهدون اى الحاضرون والخلائق والمشهود فيه اليوم فاتسع فيه اجراء للظرف مجرى المفعول به واليوم كما يصح ان يوصف بانه مشهود فيه بمعنى يشهد فيه الخلائق من كل ناحية لامر له شأن او لخطب يهمهم كيوم الجمعة والعيد وعرفة وايام الحروب وقدوم السلطان كذلك يصح ان يوصف بانه مشهود اى مدرك كما تقول ادركت يوم فلان فاريد فى هذا المقام اليوم المشهود فيه لما فيه من تهويل ذلك اليوم لا اليوم المشهود لان سائر الايام كذلك ١٠٤ { وما نؤخره } اى وما نؤخر احدا فى ذلك اليوم الملحوظ بعنوانى الجمع والشهود { الا لاجل معدود } الا لانقضاء مدة قليلة بحذف المضاف قال الكاشفى [ مكر از براى كذشتن مدتى شمرده يعنى تاوقت وى در نرسد قائم نكردد ] حسما يقتضيه الحكمة. وفى الآيات تهديد وتخويف من اللّه وحث على تصحيح الحال وتصفية البال وتزكية الاعمال ومحاسبة النفوس قبل بلوغ الآجال فان العبد لا يحصد الا ما يزرع ولا يشرب الا بالكأس التى يسقى وفى الحديث القدسى ( يا عبادى انى حرمت من الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظلموا. يا عبادى كلكم ضال الا من هديته فاستهدونى اهدكم. يا عبادى كلكم جائع الا من اطعمته فاستطعمونى اطعمكم. يا عبادى كلكم عار الا من كسوته فاستكسونى اكسكم. يا عبادى انكم تخطئون بالليل والنهار وانى اغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى اغفر لكم. يا عبادى انكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى. يا عبادى لو ان اولكم وآخركم وجنكم واتسكم قاموا فى صعيد واحد فسألنى كم واحد منكم مسأة واعطيته ما نقص ذلك مما عندى الا كما ينقص المخيط اذا غمس فى البحر غمسى واحدة. يا عبادى انما هى اعمالكم احصيها لكم واوفيكم اياها يوم القيامة فمن وجد خيرا فليحمد اللّه تعالى من وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه ) فعلى العاقل ان يتدارك ما فات ولا يضيع الاوقات : قال المولى الجامى قدس سره هردم از عمر كرامى هست كنج بى بدل ... ميرود كنج جنين هر لحضه باد آخ آخ وقد خسر من فات عنه نفس فى طلب غير اللّه فكيف يكون حال من اضاع انفاسه فى هواه ١٠٥ { يوم يأت } اى حين يأتى ذلك اليوم المؤخر بانقضاء اجله وهو يوم القيامة فلا يلزم ان يكون للزمان زمان وذلك لان الحين مشتمل على ذلك اليوم وغيره من الاوقات ولا محذور فى كونه الزمان جزأ من زمان آخر ألا ترى ان الساعة جزء من اليوم واليوم من الاسبوع والاسبوع من الشهر وعلى هذا ويأت بحذف الياء اجتزاء عنها بالكسرة كما قالوا لا ادر ولا ابال وهو كثير فى لغة هذيل -روى- عن عثمان رضى اللّه عنه انه عرض عليه المصحف فوجد فيه حروفا من اللحن فقال لو كان الكاتب من ثقيف ولمملى من هذيل ما وجد فيه هذه الحروف فكأنه مدح هذيلا بالفصاحة والناصب للظرف قوله { لا تكلم نفس } لا تتكلم بما ينفع وينجى من جواب او شفاعة { الا باذنه } اى باذن اللّه تعالى كقوله تعالى { لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا } وقوله { من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه } ويوم القيامة يوم مقداره الف سنة من سنى الدنيا ففيه مواقف وازمنة واحوال مختلفة يتكلمون فى بعضها ويتساءلون كما قال { يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها ولا يتكلمون } فى بعضها لشدة الهول والفزع وظهور سطوة آثار القهر او لعدم الاذن لهم فى الكلام كما قال { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون } ويختم فى بعضها على افواههم وتتكلم ايديهم وتشهد ارجلهم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( تمكثون الف عام فى الظلمة لا تتكلمون ) قال السعدى قدس سره [ اكر تيغ قهر بركشد ولى وبنى سردر كشد وكر غمزه لطف بجنباند بدارنرا بنيكان رساند ] كر بمحشر خطاب قهر بود ... ابيارا جه جاى معذرتست برده از لطف كوبردار ... كاشقيارا اميد مغفرتست { فمنهم } اى من الناس المذكور فى قوله مجموع له الناس او من اهل الموقف المدلول عليهم بقوله لا تكلم نفسى { شقى } وجبت له النار بموجب الوعيد { وسعيد } اى ومنهم سعيد وجبت له الجنة بمقتضى الوعد. وتقديم الشقى على السعيد لان المقام مقام التحذير والانذار قال فى التبيان علامة الشقاوة خمسة اشياء قساوة القلب وجمود العين والرغبة فى الدنيا وطول الامل وقلة الحياء. وعلامة السعادة خمسة اشياء لين القلب وكثرة البكاء والزهد فى الدنيا وقصر الامل وكثرة الحياء وفى التأويلات النجمية { شقى } محكوم عليه بالشقاوة فى الازل { وسعيد } محكوم عليه بالسعادة فى الازل. وعلامة الشقاء الاعراض عن الحق وطلبه الاصرار على المعاصى من غير ندم عليها والحرص على الدنيا حلالها وحرامها واتباع الهوى والتقليد والبدعة. وعلامة السعادة الاقبال علىللّه وطلبه والاستغفار من المعاصى والتوبة الى اللّه والقناعة باليسير من الدنيا وطلب الحلال منها واتباع السنة واجتناب البدعة ومخالفة الهوى انتهى [ شيخ ابو سعيد خراز قدس سره فرموده كه حق سبحانه وتعالى درين سوره دوكار عظيم بيان فرموده يكى سياست جبارى وسطوت قهارى كه دمار از روز كار كفار بر آورده ديكر حكم ازلى كه بشقاوت وسعادت خلق شرف نفاذ يافته وحضرت رسالت از هيبت آن خبر وسطوت اين حكم فرموده كه ( شيبتنى سورة هود ) ] آن يكى را ازازل لوح سعادت بركنار ... وين يكى را تا ابد داغ شقاوت برجبين عدل اوميرانداين را سوى اصحاب شمال ... فضل او ميخواند انرا نزد اصحاب يمين قال ابن الشيخ فى حواشيه قوله تعالى { فمنهم شقى وسعيد } ظاهره يدل على ان اهل الموقف لا يخرجون عن هذين القسمين اللذين. احدهما مخلد فى النار ابدا الا ما شاء ربك. وثانيهما مخلد فى الجنة ابدا الا ما شاء ربك فيلزم ان يكون اطفال المشركين والمجانين الذين لم يعلموا صالحا غير خارجين عنهما فان قلت انهم من اهل الجنة فبلا ايمان وان قلت انهم من اهل النار فبلا ذنب فاعلم ان امرهم فيما يتعلق بالامور الدنيوية تبع لاشراف الابوين وفيما يتعبق بامر الآخرة من الثواب والعقاب معلوم مما روى عن ابى هريرة رضى اللّه عنه انه قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن اطفال المشركين أهم من اهل الجنة ام من اهل النار فقال عليه السلام ( اللّه اعلم بما كانوا عاملين من الكفر والايمان ان عاشوا وبلغوا ) وتحقيق هذا المقام ان اللّه تعالى يحشر يوم القيامة اصحاب الفترات والاطفال الصغار والمجانين فى صعيد واحد لاقامة العدل والمؤاخذة بالجريمة والثواب للعمل فى اصحاب الجنة فاذا حشروا فى صعيد واحد بمعزل عن الناس بعث فيهم نبى من افضلهم وتمثل لهم نار يأتى بها هذا النبى المبعوث فى ذلك اليوم فيقول لها انا رسول اللّه اليكم فيقع عند بعضهم التصديق به ويقع التكذيب عند بعضهم ويقول لهم اقتحموا هذه النار لانفسكم فمن اطاعنى نجا ومن عصانى وخاف امرى هلك وكان من اهل النار فمن امتثل ارمه منهم ورمى بنفسه فيها سعد ونال ثواب العمل ووجد تلك النار بردا وسلاما ومن عصاه استحق العقوبة ودخل النار ونزل فيها بعمله المخالف ليقوم العدل من اللّه تعالى فى عباده هكذا ورد فى صحيح الاخبار ١٠٦ { فاما الذين شقوا } اى سبقت لهم الشقاوة وقضى لهم بالنار { ففى النار } اى مستقرون فى جهنم كأن سائلا قال ما شأنهم فيها فقيل { لهم فيها زفير وشهيق } الزفير اخراج النفس بقوة وشدة والشهيق رده واستعمالهما فى اول ما ينهق الحمار ما يفرغ من نهيقه وفيه استعارة تصريحية فان المراد تشبيه صراخهم باصوات الحمير فكما ان الحمير لها اصوات منكرة كذلك لهم اصوات منكرة فى جهنم كما يشاهد ذلك فى اهل الابتلاء فى الدنيا لا سيما عند الصلب او الخنق او ضرب العنق او قطع اليد او نحوها فان لبعض المجرمين حينئذ خوارا كخوار البقر يتغير صوته كما يتغير لونه وحال الآخرة اشد من حال الدنيا الف مرة ١٠٧ { خالدين فيها } مقيمين دائمين فيها حال مقدرة من ضمير الاستقرار فى الظرف وهو قوله فى النار هذا ان اريد حدوث كونهم فى النار وقال بعضهم لا حاجة هنا الى جعل الحال مقدرة كما ف قوله تعالى { فادخلوها خالدين } لان الخلود بعد الدخول وهى ههنا حال من استقر فيها فلا حاجة مقام الظرف. والمعنى مدة دوامهما وهو عبارة عن التاييد ونفى الانقطاع على عادة العرب وذلك انهم اذا وصفوا شيأ بالابد والخلود قالوا ما دامت السموات والارض لانهما باقيتان ابد الآباد على زعمهم فمثلوا ما قصد تأبيده بهما فى عدم الزوال فورد القرآن على هذا المنهاج وان اريد تعليق قرارهم فيها بدوام السموات والارض فالمراد سموات الآخرة وارضها وهى دائمة مخلدة ويدل عليه قوله { يوم تبدل الارض غير الارض والسموات } وقوله { واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء } وان اهل الآخرة لا بد لهم من مظل ومقل اما سماء يخلقها اللّه فتظلهم او يظلهم العرش وكل ما علاك فهو سماء وكل ما استقرت عليه قدمك فهو ارض ولا فساد فى التشبيه بما لا يعرف اكثر الخلق وجوده ولا مانع ونظيره تشبيه الشيء بالكيمياء او بمدينة ارم وغير ذلك [ حضرت شيخ قدس سره درفتوحات آورده كه دوام آسمان وزمين از حيثيت جوهر ايشان مرادست نه از حيثيت صورت ايشان ] وقال اهل التأويل سموات الارواح والقلوب وارض النفوس والبشرية { الا ما شاء ربك } استثناء من الخلود فى النار لان بعض اهل النار وهم فساق الموحدين يخرجون منها وذلك كافة فى صحة الاستثناء لان زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض ويجوز اجتماع الشقاوة والسعادة فى شخص والسعادة فى شخص واحد باعتبارين كما قال فى التأويلات النجمية { الا ما شاء ربك } من الاشقياء وذلك لان اهل الشقاوة على ضربين شقى واشقى فيكون من اهل التوحيد شقى بالمعاصى سعيد بالتوحيد فالمعاصى تدخله النار والتوحيد يخرجه منها ويكون من اهل الكفر والبدعة اشقى يصليه كفره وتكذيبه النار فيبقى خالدا مخلدا انتهى وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه ليأتين على جهنم زمان ليس فيها احد بعد ما يلبثون فيها احقابا وعن ابى هريرة وعبد اللّه بن عمرو بن العاص مثله ومعناه عند اهل السنة ان لا يبقى فيها احد من اهل الايمان فتبقى طبقتهم خالية واما مواضع الكفار فممتلئة ابدا : قال الحافظ دلا طمع مبراز لطف بى عنايت دوست ... كه ميرسد همه را لطف بى نهايت او وفى هذا البيت اشارة الى سر خفى لا يدركه الا اهل الالهام قال بعض الكبار الترقى والتدلى انما يجرى فى هذا العالم واما فى الآخرة فلا ترقى فيها فان قلت فقد ترقى المعاصى الى مرتبة الجنة بعد الخروج من النار قلت ذلك الترقى كان فى الدنيا بسبب الايمان غير ان ظهوره كان فى الآخرة فعذب اوّلا ثم دخل الجنة { ان ربك فعال لما يريد } منتخليد البعض كالكفار واخراج البعض كالفساق من غير اعتراض عليه. وانما قيل فعال لان ما يريد ويفعل فى غاية الكثرة وقال المولى ابو السعود { الا ما شاء ربك } استثناء من الخلود على طريقة قوله تعالى { لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الاولى } وقوله { ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف } وقوله { حتى يلج الجمل فى سم الخياط } غير ان استحالة الامور المذكورة معلومة بحكم العقل واستحالة تعلق المشيئة بعدم الخلود معلومة بحكم النقل يعنى انهم مستقرون فى النار فى جميع الازمنة الا فى زمان مشيئة اللّه تعالى لعدم قرارهم فيها واذلا امكان لتلك المشيئة ولا لزمانها بحكم النصوص القاطعة الموجبة للخلود فلا امكان لانتهاء مدة قرارهم فيها ولدفع ما عسى يتوهم من كون استحالة تعلق المشيئة بطريق الوجوب على اللّه تعالى قال { ان ربك فعال لما يريد } يعنى انه فى تخليد الاشقياء فى النار بحيث يستحيل وقوع خفه فعال بموجب ارادته قاض بمقتضى مشيئته الجارية على سنن حكمته الداعية الى ترتب الاجزئة على افعال العباد ولك ان تقول انهم ليسوا بمخلدين فى العذاب الجسمانى بل لهم من العقوبات والآلام الروحانية ما لا يعلمه ا اللّه تعالى وهذه العقوبات وان كانت تعتريهم وهم فى النار لكنهم ينسون بها عذاب النار ولا يحسون بها ألا ترى ان من دهمه الغم المفرط وادهشه خطب جليل فانه لا يحس بقرص النملة والبرغوث ونحوهما وقس عليه الحال فى جانب السرور كما سيأتى ١٠٨ { واما الذين سعدوا } من سعد بمعنى اسعد لغتان حكاهما الكسائى اى قدر لهم السعادة وخلقوا لها { ففى الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك } قال قتادة اللّه اعلم بثنياه وقال الضحاك الا ما مكثوا فى النار حتى ادخلوا الجنة فان التأبيد من مبدأ معين كما ينقص باعتبار الانتهاء فكذلك باعتبار الابتداء وقال المولى ابو السعود فى تفسيره ان حمل على طريقة التعليق بالمحال فقوله { عطاء غير مجذوذ } نصب على المصدرية من معنى الجملة لان قوله { ففى الجنة خالدين فيها } يقتضى اعطاء وانعاما فكأنه قيل يعطيهم اعطاء غير مقطوع بل ممتدا لا الى نهاية وهو ما اسم مصدر اعطاء وانعاما فكأنه قيل يعطيهم اعطاء غير مقطوع بل ممتدا لا الى نهاية وهو ما اسم مصدر هو الاعطاء او مصدر بحذف الزوائد كقوله تعالى { انبتكم من الارض نباتا } وان حمل على ما اعد اللّه لعباده الصالحين من النعيم الروحانى الذى عبر عنه ( ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطرت على قلب بشر ) فهو نصب على الحالية من المفعول المقدر للمشيئة قال بعض الكبار اهل الجنة يبقى فى مرتبة الجنة واهل الترقى يتجاوز ويترقى الى ما فوقها وتحقيقه على ما فى التأويلات النجمية ان اهل السعادة على ضربين سعيد واسعد فالسعيد من يبقى فى الجنة ودرجاتها وغرفاتها الى العليين بحسب العبادة والعبودية والاسعد من يدخل الجنة ويعبر عن درجاتها وغرفاتها الى مقامات القربة بحسب المعرفة والتقوى والمحبة كقوله تعالى { ان المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر } وقال صلى اللّه عليه وسلم ( ان اهل الجنة ليرون اهل العليين كما يرى احدكم الكوكب الدرى فى افق السماء وان ابا بكر وعمرو منهم فى انعم مكان فمن كان من اهل الجنة واهل العليين فلهم خلود فى الجنة ومن كان فى مقام مقعد الصدق فهو فى انعم مقام من الجنة فلهم الخروج من الجنة من بجذبات العناية الى عالم الوحدة ) والسر فى هذا ان السالك يسلك بقدم المعاملات الى اعلى مقام الروحانية من حضيض البشرية وهو بعد فى مقام الاثنينية وهو سدرة المنتهى عندها جنة المأوى فلا عبور عن هذا المقام للملك المقرب ولا للنبى المرسل الا برفوف جذبة العناية فانها توازى عمل الثقلين وبها يصل العبد الى عالم الوحدة فلفهم جدا فما ابقى هناك الدخول والخروج والاستثناء بقوله { الا ما شاء ربك } راجع الى هذا المقام ولهذا قال { عطاء غير مجذوذ } لانه لا انقطاع له ولا تغيير فيه انتهى يقول الفقير على ما تلقف من فم حضرة الشيخ العلامة ابقاه اللّه بالسلامة ان اهل الجنة يصلون بمقتضى الاستثناء الذ هو قوله تعالى { الا ما شاء ربك } الى مقام لا يشابه ما قبله اصلا وذلك بعد تطاول الزمان وتباعد التنغم فى الجنان وعند ذلك يظهر سر الازل فى مرآة الابد فكما ان مبدأ التعينات وهو شئونات الغيبية ازل الازال كذلك مقام هذا التجلى المخصوص ابد الآباد فالأبد المضاف هو ما بعد هذا التجلى المخصوص ابد الآباد فالأبد المضاف هو ما بعد هذا التجلى لا الى نهاية والمضاف اليه ما كان قبله مذ دخولهم الجنة وكذا الازل فان ما فوق المبدأ المذكور هو الازل المضاف وما تحته هو الازل المضاف اليه ونظير هذا هو ما يصل اليه اهل الفناء الكلى فى الدنيا وذلك انهم استوفوا حظهم من الارزاق المعنوية بحيث لم يبق لهم بحسب مرتبتهمخ وتعينهم الخاص شيء لم يصلوا اليه من اسرار الافعال والصفات والذات فى جميع المراتب والتعينات فعند ذلك يتجلى اللّه لهم بصورة اخرى لا تشابه ما قبلها اصلا فيحيون حياة ابدا باقية. ثم السر المذكور المنسوب الى اهل الجنة والعليين جار على اهل النار لكنهم اهل الجلال ومقامهم مقام الفردية ولذا لا تزوج لهم ولا تنعم بما يتنعم به اهل الجنان واهل الجنة اهل الجمال ومقامهم مقام الصفة ومقتضاه التنعم والتلذذ. فالفرق بين اهل الجنة واهل النار ان لاهل الجنة ظهورا بالصفات وفى الظهور بطون وهو سر الذات وان لاهل النار بطونا وليس فى البطون ظهور ولاهل الكمال احاطة وسعة بحيث لا توصف وذلك فى الدارين فالمقربون واقفون على احوال الابرار ومكاشفون عن مقاماتهم ومواطنهم وهم محجوبون عن المقربين فى ذلك وكذا الابرار واقفون على احوال اصحاب المشأمة وهم محجوبون عن الابرار فقس على حال الدنيا البرازخ والآخرة ولذا قال بعض الكبار ان الروح بعد خلاصه من حبس البدن ان كان علويا بعضه يقطع برزخا وبعضه اكثر ان يسموا البرازخ فكلما قطع برزخا ازداد احاطة حتى يصل الى المحيط الحقيقى فهناك يضمحل الكل فهو محيط الكل واما اذا كان سفليا فانه فى البلاء والعياذ باللّه تعالى ثم ان العلم الالهى انما يستكمل بعد اربعين سنة من اول المكاشفة والظهور كما ان العقل انما يستكمل فى سن الاربعين يعنى ان الوصول الى منتهى المراتب انما يحصل فى تلك المدة وقد اجرى اللّه عادته على ذلك فلا يطمع احد فيه قبلها فان العلم يزداد الى ذلك الحد ثم يحصل التحقق وتصير الاوصاف الطبيعية والنفسانية كلها تحت تسخيره وفى يده غالبا عليها باذن اللّه تعالى وعونه فانظر الى طول الطريق وعزة المطلب فاختر لك دليلا الى ان تصل الى اللّه اللّه الرب : وفى المثنوى بيررا بكزين بى بير اين سفر ... هست ره برآفت وخوف وخطر آن رهى كه بارها تورفته ... بى قلاوز اندر آن آشفته بس رهى راكه ند يدستى توهيج ... هين مروتنها زرهبر سرمييج كرنباشد سايه بيرا يفضول ... بس تراسر كشته دارد بانك غول اللّهم خذ بايدينا وجد علينا كل حين ١٠٩ { فلا تك } اصله لا تكن حذفت النون لكثرة الاستعمال اى اذا تبين عندك ما قصصت عليك من قصص المتقدمين وسوء عاقبتهم فلا تكن { فى مرية } اى فى شك { مما يعبد هؤلاء } ما مصدرية اى من جهة عبادة هؤلاء الحاضرين من المشركين وكن على يقين فى انها ضلال سيئ العاقبة كأنه قيل لم لا اكون فى شك فاجيب لانهم { ما يعبدون الا كما } كان { يعبد آباؤهم من قبل } اى حالهم كحال آبائهم من غير تفاوت فهم على الباطل والتقليد على الحق والتحقيق وفيه اشارة الى ان اهل الفترة الذين عبدوا الاصنام من اهل النار فان الذى ينادى على ذلك { وانا لموفوهم } توفية الشيئ تأديته واعطاؤه على وجه التمام والضمير لهؤلاء الكفرة { نصيبهم } اى حظهم المتبعين لهم من العذاب الدنيوى والاخروى كما وفينا آباءهم انصباءهم المقدرة حسب جرائمهم فسيلحقهم مثل ما لحق بآبائهم فان التماثل فى المسببات فان قيل لا سبب عندنا الا اللّه قلنا يكفينا السببية العادية وهو ما يفضى الى الشيء بحسب جريان العادة { غير منقوص } حال مؤكدة من النصيب كقوله { هو الحق مصدقا } وفائدته مع دفع توهم التجوز تقرير ذى الحال اى جعله مقررا ثابتا لا يظن انه غيره وفى الآية ذم للتقليد وهو قبول قول الغير بلا دليل وهو جائز فى الفروع والعمليات ولا يجوز فى اصول الدين والاعتقاديات بل لا بد من النظر والاستدلال لكن ايمان المقلد صحيح عند الحنفية والظاهرية وهو الذى اعتقد جميع ما وجب عليه من حدوث العالم ووجود الصانع وصفاته وارسال الرسل وما جاؤا به حقا من غير دليل لان النبى صلى اللّه عليه وسلم قبل ايمان الاعراب والصبيان والنسوان والعبيد والاماء من غير تعليم الدليل ولكنه يأثم بترك النظر والاستدلال لوجوبه عليه ولا يحصل اليقين الا بترك التقليد وبالوصول الى عين التوحيد : قال المولى الجامى قدس سره سيراب كن زبحر يقين جان تشنه را ... زين بيش خشنك لب منشين برسر آب ريب ثم ان اهل التقليد وارباب الطبيعة انما يعبدون الدنيا والهوى فى الحقيقة فلا بد من ترك الهوى واتباع الهدى يقال لما وقع الازدواج بين آدم وحواء وقع الازدواج بين ابليس والدنيا فتولد من الازدواج الاول نوع البشر ومن الثانى الهوى فجميع الاديان الباطلة والاخلاق المذمومة من تأثير ذلك الهوى قال بعض المحققين لما جعل اللّه سلطان الروح ملكا فى ملك البدن وجعل العقل وريره جعل النفس خليلة الروح فمالت النفس الى الهوى فسئل الوزير عن حالها فقال وزير العقل ايها الملك ان ههنا مسمى بالهوى قد اضل النفس فتوجه الروح الى اللّه تعالى بلتضرع والابتهال فانقادت النفس للروح بالصلاح وحسن الحال فمن اراد اصلاح نفسه فليرجع الى القادر المتعال يقال ان ضرر البدعة والهوى اكثر من ضرر المعصية فان صاحب المعصية يعلم قبحها فيستغفر ويتوب بخلاف صاحب البدعة والهوى ثم ان البدعة والهوى عندنا معاشر الصوفية خلال العمل بسنة النبى عليه السلام وسنة الاصحاب العظام وسنة المشايخ الكرام والاتباع بالعقل الجزئى والطبع فى كل فعل وترك. فعلى السالك ان لا يخالف السنن مطلقا ولا يخرج عن آثار الاخيار ولا يلتفت الى طعن الاغيار فان الحق احق ان يتبع دين ما عشقست اى زاهد مكوبيهوده بند ... ما بترك دين خود كفتن تخواهيم ازكذاف ١١٠ { ولقد } اى وباللّه لقد { آتينا موسى الكتاب } اى التوراة وهو اول كتاب اشتمل على الاحكام والشرائع واما ما قبله من الكتب فانما كانت مشتملة على الايمان باللّه وتوحيده ومن ثمة قيل لها صحف واطلاق الكتب عليها مجاز { فاختلف فيه } اى فى شأنه وكونه من عند اللّه وآمن به قوم وكفر به آخرون فلا تبال يا محمد باختلاف قومك فيما آتيناك من القرآن واصبر على تكذيبهم كما صبر موسى على تكذيب قومه. ففيه تسلية له صلى اللّه عليه وسلم ولما قسم صلى اللّه عليه وسلم غنائم الطائف واطال بعض المنافقين الكلام فى انه لم يعدل فى القسمة قال عليه السلام ( من يعدل اذا لم يعدل اللّه ورسوله رحمه اللّه على اخى موسى لقد اوذى باكثر من هذا فصبر ) يعنى ان موسى اصابه الكثير من جهة قومه فصبر على اذاهم فلم يجزع فانا احق بالصبر منه لان الجمعية الكمالية فى ذاته عليه السلام اتم فحظه من الصفات الالهية والاخلاق الحميدة الربانية اكثر واوفر : قال المولى الجامى قدس سره فى نعته بر دفتر جلال تو تورات يك رقم ... وزمصحف جمال توانجيل يك ورق { ولولا كلمة سبقت من ربك } هى كلمة القضاء بانظارهم الى يوم القيامة قال سعدى المفتى الا ظهر ان لا تقيد بيوم القيامة فان اكثر طغاتهم نزل بهم العذاب يوم بدر وغيره { لقضى بينهم } اى لا وقع القضاء بين المخفلين من قومك بانزال العذاب الذى يستحقه المبطلون ليتميزوا به عن المحقين { وانهم } اى وان كفار مكة اريد به بعض من رجع اليهم ضمير بينهم للامن من الالباس { لفى شك } عظيم { منه } اى من القرآن وان لم يجر له ذكر فان مقام التسلية ينادى على ذلك نداء غير خفى { مريب } وصف لشك يقال اراد به اوقعه فى الريبة. يعنى [ نفس را مضطرب ودل را شوريده كننده ] ١١١ { وان كلا } التنوين عوض عن المضاف اليه اى وان كل المختلفين فيه المؤمنين منهم والكافرين { لما يوفينهم ربك اعمالهم } اللام الاولى موطئة للقسم والثانية جواب للقسم المحذوف ولما بتشديد الميم اصله لمن بكسر الميم على انها من الجارة دخلت على ما الموصولة او الموصوفة فلما اجتمعت النون ساكنة مع ميم ما وجب ادغامها فقلبت ميما فاجتمع فى اللفظ ثلاث ميمات فحذفت احداهن اولاهن كانت المحذوفة ام وسطاهن على اختلاف الاقوال. والمعنى ان جميعهم لمن الذى او لمن خلق او لمن فريق واللّه ليوفينهم ربك اعمالهم من الايمان وسائر الحسنات والكفر وسائر السيآت اى ليعطينهم ويؤدينهم جزاء اعمالهم خيرا او شرا تاما وافيا كاملا { انه } اى اللّه تعالى { بما يعملون } اى بما يعمله كل فرد من المختلفين من الخير والشر { خبير } بحيث لا يخفى عليه شيء من جلائله ودقائقه فيجازى كلا بحسب عمله وتوفية جزاء الطاعات وعد عظيم وتوفية جزاء المعاصى وعيد عظيم فعلى العاقل ان ينتبه من الغفلة ويجانب ما يخالف امر اللّه تعالى فان اللّه تعالى لا يفوته منه شيء بهمه كار بنده دانا اوست ... بمكافات او توانا اوست واعلم ان الكلمة الالهية الازلية سبقت بسعادة اهل الايمان وشقاوة اهل الكفر فهم فى قبضتى الكفر والقهر وامهالهم وتأخيرهم انما هو لاستكمال السعادة والشقاوة لنفوسهم ولغيرهم فكتاب اللّه تعالى هو محك النفوس فمن آمن به وعمل باحكامه فقد كملت سعادته ومن كفر به وترك العمل باحكامه فقد كملت شقاوته وكل واحد من الفريق الاول اهل يقين ونجاة وكل واحد من الفريق الثانى اهل شك وهلاك وعادة اللّه تعالى جارية على تسليط اهل الانكار على اهل القرار لاستخراج ما فى معادن نفوسهم من جواهر اوصافه الشريفة كالصبر على الاذى والتحمل على البلاء والحلم على السفهاء والعفو عن الجهلاء والصفح عمن ليس له حياء لكى يتخلقوا باخلاق اللّه تعالى ويظهر بها صدق عبوديتهم وتفاوت درجاتهم فان المراتب ليست بالدعاوى والامانى بل بالحقائق والمعانى : قال المولى الجامى بى رنج كسى جون نبردره بسر كنج ... آن به كه بكوشم بتمنا ننشينم قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس سره مبانى طريق الصوفية على اربعة اشياء وهى اجتهاد وسلوك وسير وطير فالاجتهاد التحقق بحقائق الايمان والسير التحقق بحقائق الاحسان والطير الجذبة بطريق الجود والاحسان الى معرفة الملك المنان فمنزلة الاجتهاد من السلوك منزلة الاستنجاء من الوضوء فمن لا استنجاء له لا وضوء له فكذا من لا اجتهاد له لا سلوك له ومنزلة السلوك من السير منزلة الوضوء من الصلاة فمن لا وضوء له لا صلاة له فكذا من لا سلوك له لا سير وبعده الطير وهو الوصول وادنى الانتساب فى هذا الباب محبة اهل الاجتهاد وتصديق الواصلين الى سر المبدأ والمعاد ورعاية جانب المتحققين بحقائق القرآن دون العداوة والبغض والشنآن وفى الحديث القدسى ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ) اى اعلمته انى محارب له حيث كان محاربا لى بمعاداة اوليائى فاذا كان معادى الولىّ ورافض علومه محاربا للّه تعالى فما ظنك بمعادى النبى وتارك كتابه ولا يفلح احد ممن حارب اللّه تعالى ورسوله ووارث رسوله فان اللّه تعالى ذو البطش الشديد فاذا اخذه لم يفلته نسأل اللّه العافية والوفاء والصفاء ونعوذ به من الخذلان واهل الجفاء ١١٢ { فاستقم كما امرت } يقول الفقير اى اذا تبين عندك يا محمد احوال القرون الاولى وان اخوانك الانبياء ومؤمنيهم تحملوا من قومهم الاذى من قومهم الاذى وصبروا واستقاموا على طريقتهم المثلى لى ان يأتى ارم اللّه تعالى فدم انت ايضا على الاستقامة على التوحيد والدعوة اليه كما امر اللّه تعالى { ومن تاب معك } معطوف على المستكن فى فاستقم من غير تأكيد بالمنفصل لوجود الفاصل القائم مقامه اى ومن تاب من الشرك والكفر وشاركك فى الايمان هو المعنى بالمعية والا فليس لهم مصاحبة له فى التوبة عما ذكر اذ الانبياء معصومون عن الكفر وكذا فى تعمد الكبائر قبل الوحى وبعده بالاجماع لكن الظاهر ان الاشتراك فى نفس التوبة يكفى فى الاصطحاب ولا يلزم الاشتراك فى المتوب عنه وقد كان عليه السلام يستغفر اللّه كل يوم اكثر من سبعين مرة على ما ورد فى الحديث كذا فى حواشى سعدى المفتى يقول الفقير لعل التوبة فى مثل هذا المقام هر الرجوع عن الحالة الاولى ومفارقتها سواء صدر فيها الكفر كسجود الصنم وغيره وهو حال اكثر المؤمنين او لم يصدر وهو حال الاقلين ومنهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد صح انه عليه السلام شهد بان عليا رضى اللّه عنه لم يكفر باللّه قط طرفة عين مع قوله له فى دعوة الاسلام ( وادعوك الى الكفر باللات والعزى ) فان هذا القول لا يقتضى كفره رضى اللّه عنه اذ قد يدعى الرجل الى كفر ما لم يتصف به اذا كان من شأنه الكفر به والانكار عليه { ولا تطغوا } اى ولا تنحرفوا عما حد لكم بافراط وتفريط فان كلا طرفى قصد الامور ذميم. وانما سمى ذلك طغيانا وهو تجاوز الحد تغليظا او تغليبا لحال سائر المؤمنين على حاله. وفى سورة شورى { واستقم كما امرت ولا تتبع اهواءهم } والنهيان متقاربان اذا المراد عدم الاتباع لاهواء اهل الكفر لان فى الاتباع الطغيان وفى عدمه الاستقامة المحضة { انه } اى اللّه تعالى { بما تعملون بصير } عالم لا يخفى عليه شيء فيجازيكم على ذلك فاتقوه فى المحافظة على حدوده وهو فى معنى التعليل للامر والنهى وعن بعض الصلحاء وهو ابو على السنوسى رضى اللّه عنه قال رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى النوم فقلت له روى عنك انك قلت ( شيبتنى سورة هود ) فقال نعم فقلت فما الذى شيبك منها أقصص الانبياء وهلاك الامم قال لا ولكن قوله فاستقم كما امرت وذلك لان حقيقة الاستقامة هى الوفاء بالعهود كلها وملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط فى كل الامور من الطعام والشراب واللباس فى كل امر دينى ودنيوى ترغيب او ترهيب او حال او حكم او صفة او معاملة وذلك هو الصراط المستقيم فى الآخرة والتمشى على هذا الصراط الذى يقال لها الاستقامة الاعتدالية عسير جدا كما قال فى بحر العلوم والاستقامة على جميع حدود اللّه على الوجه الذى امر اللّه بالاستقامة عليه مما يكاد يخرج عن طوق البشر ولذلك قال عليه السلام ( سيبتنى سورة هود ) ولن يطيق مثل ههذ المخاطبة بالاستقامة الا من ايد بالمشاهدات القوية والآثار الصادقة ثم بالتثبت كما قال { لولا ثبتناك } ثم حفظ وقت المشاهدة ومشافهة الخطاب ولولا هذه المقدمات لتفسخ دون هذا الخطاب ألا تراه كيف قال للامة ( استقيموا ولن تحصوا ) اى لن تطيقوا الاستقامة التى امرت بها قيل لمحمد بن فضل حاجة العارفين الى ماذا قال حاجتهم الى الخصلة التى كملت بها المحاسن كلها ألا وهى الاستقامة التى امرت بها قيل لمحمد بن فضل حاجة العارفين الى ماذا قال حاجتهم الى الخصلة التى كملت بها المحاسن كلها ألا وهى الاستقامة فكل من كان اتم معرفة كان اتم استقامة قال ابن عطاء فاستقم اى افتقر الى اللّه مع تبريك من الحول والقوة وفى التفسيرالفارسى للامام القشيرى [ فرمودكه مستقيم آنكس است كه از راه حق بازنكردد تابسر منزل وصال برسد. وشيخ ابو على دقاق كفته استقامت آنست كه سرخودرا از ما سوى محفوظ دارى. وخواجه بخارى درصفت اهل استقامت فرموده ] كسى را دانم اهل استقامت ... كه باشد برسر كوى ملامت زا اوصاف طبيعت باك برده ... باطلاق هويت جان سبرده تمام از كردتن دامن فشانده ... برفته سايه وخوشيد مانده وقال ابو على الجرجانى كن كالب الاستقامة لا طالب الكرامة فان نفسك متحركة فى طلب الكرامة ويطلب منك الاستقامة فالكرامة الكبرى الاستقامة فى خدمة الخالق باظهار الخوارق قال حضرة الشيخ الشهير بالهدائى قدس سره فى نفائس المجالس لا تتيسر الاستقامة الا بايفاء حق كل مرتبة من الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة فمن رعاية حق الشريعة العدالة فى الاحكام فالاستقامة فى مرتبة الطبيعة برعاية الشريعة وفى مرتبة النفس برعاية الطريقة وفى مرتبة الروح برعاية المعرفة وفى مرتبة السر برعاية المعرفة والحقيقة فمراعاة تلك الامور فى غاية الصعوبة ولذلك قال عليه السلام ( شيبتنى سورة هود ) فالكمال الانسانى بتكميل تلك المراتب لا باظهار الخوارق كما حكى انه قيل للشيخ ابى سعيد ان فلانا يمشى على الماء قال ان السمك والضفدع كذلك وقيل ان فلانا يطير فى الهواء فقال ان الطيور كذلك فقيل فما الكمال عندك قال ان تكون فى الظاهر مع الخلق وفى الباطن مع الحق واعلم ان النفوس جبلت على الاعوجاج عن طريق الاستقامة الا ما اختص منها بالعناية الازلية والجذبة الالهية : قال المولى الجامى قدس سره سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند ١١٣ { ولا تركنوا } الركون هو الميل اليسير والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من المؤمنين اى لا تميلوا ادنى ميل { الىلذين ظلموا } اى الى الذين وجد منهم الظلم فى الجملة { فتمسكم } بسبب ذلك وهو منصوب باضمار ان فى جواب النهى يعنى بشما برسد ] { النار } [ آتش درزخ ] واذا كان الركون الى من صدر منهم ظلم مرة فى الافضاء اى مساس النار هكذا فما ظنك بالركون الى من صدر منهم ظلمة مرة فى الافضاء الى مساس انار هكذا فما ظنك بالركون الى من صدر منهم الظلم مرارا ورسخوا فيه ثم بالميل اليهم كل الميل { وما لكم من دون اللّه من اولياء } اى من انصار ينقذونكم من النار على ان يكون مقابلة الجمع بالجمع بطريق انقسام الآحاد على الآحاد. والجملة نصب على الحالية من مفعول فتمسكم النار وانتم على هذه الحالة وهى انتفاء ناصركم { ثم لا تنصرون } جملة فعليه معطوفة على الاسمية قبلها. وكلمة ثم لاستبعاد نصرة اللّه تعالى اياهم مع استحقاقهم العذاب بسبب ركونهم ثم لا ينصركم اللّه اذ سبق فى حكمه ان يعذبكم ولا يبقى عليكم. والآية ابلغ ما يتصور فى النهى عن الظلم والتهديد عليه والعجب من قوم يقرأون هذه الآية ويرون ما فيها ثم لا يرتدعون عن الظلم والميل الى اهله ولا يتدبرون انهم مؤاخذون غير منصورين : قال السعدى قدس سره كرازى بجاه اندر افتاده بود ... كه ازهول اوشير نرمانده بود بد انديش مردم بجز بدنديد ... بيفتادو عاجز تر ازخود نديد همه شب زفرياد وزارى نخفت ... يكى برسرش كوفت سنكى وكفت تو هركز رسيدى بفرياد كس ... كه ميخواهى امروز فرياد رس كه برريش جانت نهد مرهمى ... كه دلهى زدردت بنالد همى تومارا همى جاه كندى براه ... بسر لاجرم درفتادى بجاه اكربد كنى جشم نيكى مدار ... كه هر كزنيارد كزا نكور بار وفى الحديث ( اياكم والظلم فانه يخرب قلوبكم ) وفى تخريب القلب تخريب سائر الجسد فالظالم يظلم على نفسه حيث يخرب اعضاءه الظاهرة والباطنة وعلى اللّه حيث يخرب بنيان اللّه ويغيره ويفسده ولانه اذا ظلم غيره وآذاه فقد ظلم على اللّه ورسوله وآذاه. والدليل عليه قوله عليه السلام ( انا من اللّه والمؤمنون منى فمن آذى مؤمنا فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى اللّه تعالى ) ودخل فى الركون الى الظالمين المداهنة والرضى باقوالهم واعمالهم ومحبة مصاحبتهم ومعاشرتهم ومد العين الى زهرتهم الفانية وغبطتهم فيما اوتوا من القطوف الدانية والدعاء لهم بالبقاء وتعظيم ذكرهم واصلاح دواتهم وقلمهم ودفع القلم او الكاغد الى ايديهم والمشى خلفهم والتزيى بزيهم والتشبه بهم وخياطة ثيابهم وحلق رؤوسهم. وقد امتنع بعض السلف عن رد جواب الظلمة فى السلام وقد سئل سفيان عن ظالم اشرف على الهلاك فى برية هل يسقى شربة ماء فقال لا فقيل له يموت فقال دعه فانه اعانه للظالم وقال غيره يسقى الى ان يثوب الى نفسه ثم يعرض عنه وفى الحديث ( العلماء امناء الرسل على عباد اللّه لم يخالطوا السلطان فاذا فعبوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم ) فاذا علمت هذا فاعلم ان الواجب عليك ان تعتزل عنهم بحيث لا تراهم ولا يرونك اذ لا سلامة الا فيه وان لا تفتش عن امورهم ولا تتقرب الى من هو من حاشيتهم ويتصل بهم من امامهم ومؤذنهم فضلا عن غيرهم من عمالهم وخدمهم ولا تتأسف على ما يفوت بسبب مفارقتهم وترك مصاحبتهم واذكر ان كثيرا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( اذا قرأ الرجل القرآن وتفقه فى الدين ثم اتى باب السلطان تملقا اليه وطمعا لما فى يديه خاض بقدر خطاه فى نار كهنم ) والحديث كأنه مأخوذ من الآية فهما متطابقان معنى كما لا يخفى -وروى- ان اللّه تعالى اوحى الى يوشع بن نون انى مهلك من قومك اربعين الفا من خيارهم وستين الفا من شرارهم فقال ما بال الاخيار فقال انهم لم يغضبوا لغضبى فكانوا يواكلونهم ويشاربونهم وبهذا تبين ان بغض الظلمة والغضب عليهم للّه واجب وانما ظهر الفساد فى الرعايا وجميع اقطار الارض برا وبحرا بفساد الملوك وذلك بفساد العلماء اولا اذ لولا القضاة والعلماء السوء لقل فساد الملوك بل لو اتفق العلماء فى كل عصر على الحق ومنع الظلم مجتهدين فى ذلك مستفرغين مجهودهم لما اجترأ الملوك على الفساد ولاضمحل الظلم من بينهم راسا وبالكلية ومن ثم قال النبى عليه السلام ( لا تزال هذه الامة تحت يد اللّه وكنفه ما لم يمالئ قرّاؤها امراءها ) وانما ذكر القراء لانهم كانوا هم العلماء وما كان علمهم الا بالقرآن ومعانيهم الا بالسنة وما وراء ذلك من العلوم انما احدثت عدهم كذا فى بحر العلوم للشيخ على السمرقندى قدس سره يقول الفقير اصلحه اللّه القدير ذكر فى الاحياء ان من دخل على السلطان بلا دعوة كان جاهلا ومن دعى فلم يجب كان اهل بدعة وتحقيق المقام ان الركون فى الآية اسند الى المخاطبين ولمخالطة وايان الباب والممالأة الى العلماء والقراء فكل منها انما يكون مذموما اذا كان من قبل العلماء واما اذا كان من جانب السلاطين والامراء بان يكونوا مجبورين فى ذلك مطالبين بالاختلاط لاجل الانتفاع الدينى فلا بأس حينئذ بالمخالطة لان امجبور المطالب مؤيد من عند اللّه تعالى خال عن الاغراض النفسانية بخلاف ما اذا كان مقارنا بالاغراض النفسانية فيكون موكولا الى نفسه فتختطفه الشياطين نعوذ باللّه تعالى ١١٤ { واقم الصلوة } فى الامر بافعال الخير جاء موحدا موجها الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى الظاهر وان كان المامور به من حيث المغنى عاما وفى النهى عن المحظورات موجها الى غير الرسول مخاطبا به امته فهذا من جليل البلاغة القرآنية ولمراد باقامة الصلاة اداؤها وانما عبر عنه اشارة الى ان الصلاة عماد الدين { طرفى النهار } اى غدوة وعشية وانتصابه على الظرفية لكونه مضافا الى الوقت فيعطى حكم المضاف اليه { وزلفا من الليل } منصوب على الظرفية لعطفه على طرفى النهار اى ساعات من الليل وهى الساعات القريبة من النهار فانه من ازلفه اذا قربه جمع زلفة كغرف جمع غرفة. والمراد بصلاة الغدوة صلاة الفجر. وبصلاة العشية الظهر والعصر لان من بعد الزوال عشى. وبصلاة الزلف المغرب والعشاء وفيه دلالة بينة على اطلاق بينة على اطلاق لفظ الجمع وهو الزلف على الاثنين فالآية مشتملة على الصلوات الخمس ونظيرها قوله تعالى فى سورة ق { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس } اى بصلاة الصبح { وقبل الغروب } اى بصلاة العصر والظهر فالعصر اصل فى ذلك الوقت والظهر تبع لها كما فى تفسير المناسبات { ومن الليل } فى بعض اوقاته { فسبحه } بصلاتى المغرب والعشاء وفسر بعضهم طرفى النهار بالصبح والمغرب وزلف الليل بالعشاء والتهجد فانه كان واجبا عليه فيوافق قوله { ومن الليل فتهجد به } اى الوتر على ما ذهب اليه ابو حنيفة او مجموع العشاء والوتر والتهجد على ما يقتضيه ظاهر صيغة الجمع فى زلفا { ان الحسنات } على الاطلاق لا سيما الصلوات الخمس { يذهبن السيآت } اى يكفرن الصغائر يعنى لا انها تذهب السيآت نفسها اذ هى قد وجدت بل ما كان يترتب عليها وفى الحديث ( الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنب الكبائر ) ويمنعن من اقترافها كقوله تعالى { ان الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر } -روى- فى سبب النزول ان ابا اليسر الانصارى كان يبيع التمز فاتته امرأة فاعجبته فقال لها فى البيت اجود من هذا التمر فذهب الى نحو بيته وضمها الى نفسه وقبلها وفعل بها كل شيء الا الجماع فقالت له اتق اللّه فتركا وندم فاتى ابو بكر رضى اللّه عنه فاخبره فقال استر على نفسك وتب الى اللّه تعالى فلم يصبر فاتى عمر رضى اللّه عنه فقال له مثل ذلك فلم يصبر ثم اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاخبره بما فعل فقال ( انتظر امر ربى فاستر على نفسك ) فلما صلى صلاة العصر نزلت هذه الآية فقال عليه السلام ( صليت العصر معنا ) قال نعم فقال ( اذهب فانها كفارة لما فعلت ) فقال الحاضرون من الصحابة ( هذا له خاصة ام للناس عامة ) قال ( بل للناس كافة ) وفى الحديث ( أرأيتم لو ان نهرا بباب احدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من دونه شيء ) قالوا لا قال ( فذلك مثل صلاة الخمس يمحو ها الخطايا ) واعلم ان الذنوب كلها نجاسات والطاعات مطهرات وبماء اعضاءالوضوء تتساقط الاوزار ولذا كانت الغسالة فى حكم النجاسة. ومن هنا اخذ بعض الفقهاء كراهة والصلاة بالخرقة التى يتمسح بها اعضاء الوضوء وقال اللّه تعالى لموسى عليه السلام { يا موسى يتوضأ احمد وامته كما امرتهم واعطيهم بكل قطرة تقطر من الماء جنة عرضها كعرض السماء } فانظر الى ما سلبه الوضوء وجلبه : قال الحافظ خوشا نماز ونياز كسى كه ازسر درد ... بآب ديده وخون جكر طهارت كرد واحسن الحسنات وافضل الطاعات العلم باللّه وطريقة التوحيد وخلاف هوى النفس فبذكر اللّه يتخلص العبد من لذنوب وبه يحصل تزكية النفوس وتصفية القلوب وبه يتقوى العبد على طاعة الرحمن ويتخلص من كيد الشيطان قالوا يا رسول اللّه لا اله الا اللّه من الحسنات قال ( هى احسن الحسنات ) وفى الآية اشارة الى ادامة الذكر والطاعة والعبادة فى الليل والنهار الا ان يكون له ضرورة من الحاجات الانسانية فيصرف بعض الاوقات اليها كطلب المعاش فى النهار والاستراحة فى الليل فانه يحصل للقوى البشرية والحواس كلال فيلزم دفعه بالمنام ليقوم فى اثناء الليل نشيطا للذكر والطاعة { ان الحسنات يذهبن السيآت } اى ان انوار الحسنات وهى الاعمال الصالحة والذكر والمراقبة طرفى النهار وزلفا من الليل يذهبن ظلمات سيآت الاوقات التى تصرف فى قضاء الحوائج النفسانية الانسانية وما يتولد من الاشتغال بها واعلم ان تعلق الروح النورانى العلوى بالجسد الظلمانى السفلى موجب لخسران الروح الا ان تتداركه انوار الاعمال الصالحة الشرعية فتربى الروح وترقيه من حضيض البشرية الى ذروة الروحانية بل الى الوحدانية الربانية وتدفع عنه ظلمة الجسد السفلى كما ان القاء الحبة فى الارض موجب لخسران الحبة الا ان يتداركها الماء فيربيها الى ان تصير الحبة الواحدة الى سبعمائة حبة واللّه يضاعف لمن يشاء فعلى العاقل ان يصبر على مشاق الطاعات والعبادات فان له فيها انوار او حياة باقية مده براحت فانى حيات باقى را بمحنت دوسه روز ازغم ابد بكريز { ذلك } اي المذكور من الاستقامة والاقامة وغيرهما { ذكرى للذاكرين } اى موعظة للمتعظين فمن امتثل الى امر اللّه تعالى فاستقام واقام فقد تحقق بحقيقة الحال والمقام قل بعض الحكماء علامة الذى استقام ان يكون مثله كمثل الجبل لان الجبل له اربع علامات. احداها ان لا يذيبه الحر. والثانية ان لا يجمده البرد. والثالثة ان لا تحركه الريح. والرابعة ان لا يذهب به السيل فكذا المستقيم اذا احين اليه انسان لا يحمله احسانه على ان يميل ليه بغير الحق كما يفعله ارباب الجاه والمناصب فى هذا الزمان فانهم بالشيء اليسير من الدنيا الواصل اليهم من يد رجل او امرأة يتخطون الحد ويتركون الاستقامة وليس الاتعاظ وقبول النصيحة من شأنهم. والثانى اذا اساء اليه انسان لا يحمله ذلك على ان يقول بغير الحق. والثالث ان هوى نفسه لا يحوله عن امر اللّه تعالى. والرابع ان حطام الدنيا لا يشغله عن طاعة اللّه : فقال الحافظ ببال وبرمر وازره كه تير برتابى ... هواكرفت زمانى ولى بخاك نشست يعنى لا تخرج بالقدرة الدنيوية والممكنة المالية على حد الطريق المستقيم فان لكل ترق تنزلا الا ترى الى حل السهم كيف صعد الى جور السماء زمانا ثم سقط على الارض فالانسان لا بد وان يسقط على الارض فى آخر امره ونهاية عمره ١١٥ { واصبر } يا محمد على مشاق الاوامر ويدخل فيه الامة بالتبعية وقد كانت العادة القرآنية على اجراء اكثر خطابات الاوامر على النبى عليه لسلام واكثر خطابات النهى على الامة اعتبارا للاصالة فى الاتصاف والتنزه والاجتناب فافهم { فان اللّه لا يضيع اجر المحسنين } فى اعمالهم صلاة كانت او صبرا او غيرهما من فرائض الاسلام ومندوبات الاعمال ومكارم الاخلاق ومحاسن الشيم اى يوفيهم اجور اعمالهم من غير بخس اصلا وانما عبر عن ذلك بنفى الاضاعة مع ان عدم اعطاء الاجر ليس باضاعة حقيقة كيف لا والاعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها ضياعها لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يمتنع صدوره عنه سبحانه من القبائح وابراز الاثابة فى معرض الامور الواجبة وهو تعليل للامر بالصبر. وفي ايماء الى ان الصبر من باب الاحسان وهو ان تعبد اللّه كأنك تراه لانه اذا قدر المرء على هذه المشاهدة هان عليه الصبر من باب الاحسان وهو ان تعبد اللّه كأنك تراه لانه اذا قد المرء على هذه المشاهدة هان عليه الصبر وغيره من مر الاحكام ولا يكون هذا الاحسان الا بالاخلاص واخلاص السريرة كر نباشد نيت خالص جه حاصل از عمل ... وكان اهل الخير يكتب بعضهم الى بعض بثلاث كلمات من عمل لآخلاته كفاه اللّه امر دنياه ومن اصلح سريرته صلح اللّه علانيته. ومن اصلح فيما بينه وبين اللّه اصلح اللّه ما بينه وبين الناس واعلم ان اللّه تعالى امر ونهى ومراده اطاعة عباده له فى كل ما يأتون وما يدرون فان فلاحهم فى ذلك ولا يرضى اللّه منهم الا بالطاعة والتسليم والقبول : قال الحافظ مزن زجون وجرا دمكه بنده مقبول ... قبول كرد بجان هر سخن كه جانان كفت وعن ابى بكر الوراق قال طلبنا اربعة اشياء سنين فوجدناها فى اربعة. طلبنا رضى اللّه تعالى فوجدناه فى طاعته. وطلبنا سلامة الدين فوجدناها فى حفظ اللسان. وطلبنا نور القبر فوجدناه فى صلاة الليل فعلى العاقل السعى فى طريق الطاعات وتنوير القلب بنور العبادات وفى التأويلات النجمية { واصبر } ايها الطالب الصادق والعاشق الوامق على صرف الاوقات فى طلب المحبوب بدوام الذكر ومراقبة القلب وترك لشهوات ومخالفة الهوى والطبيعة { فان اللّه لا يضيع اجر المحسنين } اى سعى الطالبين كما قال { ألا من طلبنى وجدنى } لان من سنة كرمه قوله { من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا } والمقصود من الحديث لقدسى بيان سعة فيضه وجوده على عباده والتقرب الى اللّه تعالى انما يكون بقطع التعينات ورفع حجب الكثرة عن وجه الوحدة الذاتية الا ان ذلك مشروط بشرائط ومربوط بالاسباب فى الصورة الظاهرة ولا تقيد ذلك الشرائط والاسباب الا بالجذبة الالهية والدعوة الربانية فمن دعاه وازال الموانع عن طريقه فقد وصل والا فقد انقطع دونه الطريق وبقى متحيرا مبهوتا داد حق را قابليت شرط نيست ... بلكه شرط قابليت داد اوست اللّهم ارحمنا فان ذنوبنا قد جلت وحجبنا قد كثفت وحيلنا قد انقطعت وما بقى الا التوفيق منك والعفو والغفران واللطف والكرم والاحسان انك انت المحسن فى كل زمان ومكان ١١٦ { فلولا كان } لولا بمعنى هلا وكان بمعنى وجد. والمعنى بالفارسية [ بس جرا نبود ] { من القرون } الهالكة الكائنة { من قبلكم } على رأى من جوز حذف الموصول مع بعض صلته او كائنة من قبلكم على ان يكون حالا وكل اهل عصر قرن لمن بعدهم لانهم يتقدمونهم قال فى القاموس القرن مائة سنة وهو الاصح لقوله عليه السلام لغلام ( عش قرنا ) فعاش مائة سنة وكل امة هلكت فلم يبق منها احد { اولوا بقية } اصحاب فضل وخير وسمى الفضل والجودة بقية على ان يكون الهاء للنقل كالذبيحة لان الرجل انما يستبقى مما يكسبه عادة اجوده وافضله فصار مثلا فى الجودة والفضل يقال فلان من بقية القوم اى من خيارهم ومنه ما قيل فى الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا { ينهون } المفسدين نعت لاولوا { عن الفساد فى الارض } الواقع منهم حسبما حكى عنهم ومعناه جحد اى لم يكن فيهم اولوا بقية ينهون حتى لا ينزل العذاب بهم { الا قليلا ممن انجينا منهم } استثناء منقطع اى لكن قليلا ممن انجينا من القرون نهوا عن الفساد وهم اتباع الانبياء وسائرهم تاركوا النهى. ومن فى ممن للبيان لا للتبعيض لان جميع الناجين ناهون { واتبع الذين ظلموا } عطف على مضمر دل عليه الكلام اى لم ينهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا بمباشرة الفساد وترك النهى عنه فيكون العدول الى المظهر لادراج المباشرين معهم فى الحكم والتسجيل عليهم بالظلم وللاشعار بعلية ذلك لما حاق بهم من العذاب { ما اترفوا فيه } الاتراف الانعام من الترف وهو النعمة اى انعموا فيه من الشهوات واللذات وآثروها على امر الآخرة. ويقال اترفته النعمة اى اطغته. فالمعنى ما اطغوا فيه على ان يكون فيه للسببية والمراد هو الاموال والاملاك قال اللّه تعالى { ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى } يعنى اهتموا بكسبها وبذلوا وسعهم فى تحصيلها وجمعها واعرضوا عما وراءها. اما المباشرون فظاهر. واما المتساهلون فلما فى ذلك من نيل حظوظهم الفاسدة { وكانوا مجرمين } عطف على اتبع وهذا بيان لسبب استئصال الامم المهلكة وهو ترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر واتباع الشهوات وفى الحديث ( ان اللّه لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروا فلا ينكرون فاذا فعلوا ذلك عذب اللّه العامة والخاصة فكل قوم لم يكن فيهم آمر بالمعروف وناه عن المنكر من ارباب الصدق وهم مجتمعون على الفساد اولا يأتمرون بالامر بالمعروف ولا ينتهون بالنهى عن المنكر غانهم هالكون ) قال السعدى كرت نهى منكر برآيد ز دست ... نشايد جو بى دست وبابان نشست بكو ىنجه دانى سخن سودمند ... وكر هيج كس را نيايد بسند جو دست وزبانرا نماند مجال ... بهمت نمايند مردى رجال ١١٧ { وما كان ربك ليهلك اهل القرى } اللام لام الجحود عند البصريين وينتصب الفعل بعدها باضمار ان وهى متعلقة بخبر كان المحذوف اى مريدا لاهلاك اهل القرى وقال الكوفيون يهلك خبر كان زيدت اللام دلالة على التأكيد { بظلم } حال من الفاعل اى ظالما لها بغير ذنب واستحقاق للّهلاك بل استحال ذلك فى الحكمة { واهلها مصلحون } غير ظالمين حال من المفعول. والمراد تنزيه اللّه تعالى عن الظلم بالكلية بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى والا فلا ظلم فيما فعل اللّه بعباده كائنا ما كان. وقيل قوله { بظلم } متعلق بالفعل المتقدم والمراد به الشرك. والمعنى ليهلك القر بسبب شرك اهلها وبمجرده وهم مصلحون فيما بينهم لا يضمون الى شركهم فسادا آخر وذلك لفرط رحمته ومسامحته فى حقوقه ولهذا قال الفقهاء حقوق اللّه تعالى مبنية على المساهلة وحقوق العباد مبنية على المضايقة وقدموا عن تزاحم الحقوق حقوق العباد والحاصل ان عذاب الاستئصال لا ينزل لاجل كون القوم معتقدين للشرك والكفر بل انما ينزل ذلك العذاب اذا خانوا فى المعاملات وسعوا فى اذى الخلق وظلمهم وانما لم يهلكهم بمجرد شركهم لان مكافاة الشرك انار لا ما دونها وانما يهلكهم بمعاصيهم زيادة على شركهم مثل قوم صالح بعقر الناقة وقوم لوط بالافعال الخبيثة وقوم شعيب بنقصان الكيل والوزن وقوم فرعون بايذائهم موسى وبنى اسرائيل قال بعضهم فى الملك يبقى مع الشرك ولا يبقى مع الظلم واشتهر انوشروان بالعدل اشتهار حاتم بالجود حتى صار العادل لقباله فلفظ العادل انما يطلق عليه لعدم جوره وظهور عدله لا لمجرد المدح والثناء عليه واما سلاطين الزمان فلظهور جورهم وعدم اتصافهم بالعدل منعوا عن اطلاق العادل عليهم اذ اطلاقه عليهم حينئذ يكون بمجرد المدح لهم والثناء عليهم فيكون كذبا وكفرا -جكى- ان انوشروان لما مات كان يطاف بتابوته فى جميع مملكته وينادى مناد من له علينا حق فليأت فلم يوجد احد فى ولايته له عليه حق من درهم شه كسرى از ظلم ازان ساده است ... كه در عهد او صطفى زاده است وذكر عن ابى ميسرة قال اتى الى رجل فى قبره بعد ما دفن ونكير فقالا له انا ضارباك مائة سوط فقال الميت انى كنت كذا وكذا فتشفع حتى عطا عنه عشرة ثم لم يزل بهما حتى حطا عنه عشرة اخرى الى ان صار الة ضربة واحدة فقالا انا ضارباك ضربة فضربناه واحدة فالتهب القبر نارا فقال لم ضربتمانى فقالا مررت برجل مظلوم فاستغاث بك فلم تغثه فهذه حال الذى لم يغث المظلوم فيكف يكون حال الظالم. فعلى السلاطين والحكام العدل على كافة الانام وتفتيش احوال الاسلام نيايد بنزديك دانا بسند ... شبان خفته وكرك در كوسفند مكن تاتوانى دل خلق ريش ... وكرميكنى ميكنى بيخ خويش ١١٨ { ولو شاء ربك } مشيئة قسر كما فى الكواشى { لجعل الناس امة واحدة} متفقة على الحق ودين الاسلام بحيث لا يكاد يختلف فيه احد كما كانوا قبل الاختلاف قال اللّه تعالى { وما كان الناس الا امة واحدة فاختلفوا } وكما يكونون بعد الاختلاف فى آخر الزمان فى عهد عيسى عليه السلام على ما فى بعض الروايات ولكن لم يشأ ذلك لما علم انهم ليسوا باهل لذلك فلم يكونوا امة متفقة على الحق يقول الفقير وقع الاتفاق فى اول النشأة الانسانية ثم آل الامر الى الاختلاف بمقتضى الحكمة الالهية الى عهد عيسى عليه السلام ويعوذ فى زمانه على ما كان عليه قبل. ففيه اشارة الى اتحاد سر الازل والابد فلفهم جدا. واما الاختلاف الواقع قبل آدم فغير معتبر لكونه من جنس الناس وكذا بعد عيسى عليه السلام لكونه بعد انقطاع الولاية المطلقة وانتقالها الى نشأة اخرى {ولا يزالون } اى الناس { مختلفين } فى الحق ودين الاسلام اى مخالفين له كقوله تعالى { وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم } او على انبيائهم كما قال عليه السلام ( ان اللّه بعثنى رحمة للعالمين كافة فادوا عنى رحمكم اللّه ولا تختلفوا كما اختلف الحواريون على عيسى فانه دعاهم الى اللّه مثل ما ادعوكم اليه ) وفى الآية اثبات الاختيار للعبد لما فيها من النداء على انهم صرفوا قدرتهم وارادتهم الى كسب الاختلاف فى الحق فان وجود الفعل بلا فاعل محال سواء كان موجبا اولا وهو جبر متوسط وقول بين القولين وذلك لان الجبرية اثنتان متوسطة تثبت كسبا فى الفعل كالاشعرية من اهل السنة ولجماعة وخالصة لا تثبته كالجهمية وان القدرية يزعمون ان كل عبد خالق لفعله لا يرون الكفر والمعاصى بتقدير اللّه تعالى فنحن معاشر اهل السنة نقول العبد كاسب واللّه خالق اى فعل العبد حاصل بخلق اللّه اياه عقيب ارادة العبد وقصده الجازم بطريق جرى العادة بان اللّه يخلقه عقيب قصد العبد ولا يخلقه بدونه فالمقدور الواحد داخل تحت القدرتين المختلفتين لان الفعل مقدور اللّه من جهة الايجاد ومقدور العبد من جهة الكسب يقول الفقير قوله تعالى { وما رميت اذ رميت } ونحوه لا ينافى الاختيار لان ذلك بالنسبة الى فناء العبد فى الحق ولا كلام فى ان المؤثر على كل حال هو اللّه تعالى : كما قال المولى الجامى قدس سره حق فاعل وهرجه جز حق آلات بود ... تأثير زآلت از محالات بود هستى مؤثر حقيقى است يكيست ... باقى همه اوهام وخيالات بود ١١٩ { الا من رحم ربك } استثناء متصل من الضمير فى مختلفين وان شئت من فاعل لا يزالون اى الا قوما هداهم اللّه بفضله الى الحق فاتفقوا عليه ولم يختلفوا فيه اى لم يخالفوه { ولذلك } اى وللرحمة بتأويل ان مع الفعل { خلقهم } الضمير لمن قاله ابن عباس اى خلق اهل الرحمة للرحمة كما خلق اهل الاختلاف للاختلاف : وفى المثنوى جون خلقت الخلق كى يربح على ... لطف توفرمود اى قيوم وحى لا لان تربح عليهم جودتست ... كه شود زو جمله ناقصها وحى درست عفو كن زين بند كان تن برست ... عفو از درياى عفو اوليترست { وتمت كلمة ربك } اى وجب من عصاتها اجمعين او منهما اجمعين لا من احدهما فهو لتأكيد العموم للنوعين والثلان هما النوعان المخلوقان للاختلاف فى دن اللّه الموصوفان بكفران نعم اللّه ونسيان حقه وهما سيان فى الحكم فلاشقياء الجن ما لاشقياء الانس من العقاب واعلم ان الناس فى الاديان على اربعة اقسام سعيد. بالنفس والروح فى لباس السعادة وهم الانبياء واهل الطاعة. والثانى شقى بالنفس فى لباس الشقاوة وهم الكفرة المصرون. والثالث شقى بالنفس فى لباس السعادة مثل بلعم بن باعورا وبرصيصا وابليس. والرابع سعيد بالنفس فى لباس الشقاوة كبلال وصهيب وسليمان فى اوائل امرهم ثم بدل اللّه لباسهم بلباس التقوى والهداية فاصل الاصول هو العناية الازلية والهداية الالهية والسعادة الاصلية قال فى الاحياء المانع من الوصول عدم السلوك والمانع من السلوك عدم الارادة والمانع من الارادة عدم الايمان وسبب عدم الايمان عدم الهداية انتهى قرب توبا سباب وعلل نتوان يافت بى سابقه فضل ازل نتوان يافت قال فى التأويلات النجمية { ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة } فى طلب الحق { ولا يزالون } الخلق { مختلفين } فى الطلب فمنهم من طلب الدنيا ومنهم من طلب الآخرة ومنهم من طلب الحق { الا من رحم ربك } فاخرجهم بنور رحمته من ظلمة طبيعتهم الجسمانية والروحانية الى نور طلب الربوبية فلا يكونون طلابا للدنيا والعقبى بل يكونون طلاب جمال اللّه وجلاله { ولذلك خلقهم } اى ولطلب اللّه تعالى خلقهم واكرمهم بحسن استعداد الطلب ورحمهم على توفيق الطلب وفضلهم على العالمين بفضيلة الوجدان { وتمت كلمة ربك } فى الازل اذ قال { هؤلاء فى الجنة ولا ابالى وهؤلاء فى النار ولا ابالى } { لاملأن جهنم من الجنة } اى من الارواح المستهلكة المتمردة وهم ابليس واتباعه { والناس } وهم النفوس الامارات بالسوء { اجمعين } كلهم من الفريقين المعرضين عن اللّه تعالى وطلبه انتهى : قال المولى الجامى قدس سره يا من ملكوت كل شيء بيده ... طوبى لمن ارتضاه ذخر الغدة اين بس كه دلم جز تونداردكامى ... توخواه بده كام دلم خواه مده وقال المغربى قدس سره نيست درباطن ارباب حقيقت جز حق ... جنت اهل حقيقت بحقيقت اينست فاذا عرفت حقيقة احال وسر هذا الكلام فجرد همتك من لباس علاقة كل حال ومقام وصر واصلا الى اللّه حاصلا عنده وهو غاية المرام ١٢٠ { وكلا } مفعول به لنقص وتنوينه وض عن المضاف اليه المحذوف اى كل نبأ وخبر { نقص عليك } نخبرك به { من انباء الرسل } بيان لكل اوصفة لما اضيف اليه كل لكلا لان الفصيح وصف المضاف اليه ومن للتبعيض { ما نثبت به فؤادك } بدل من كلا او صفة لما اضيف اليه والا ظهر ان يكون المضاف اليه المحذوف فى كلا المفعول المطلق اى كل اقتصاص اى كل اسلوب من اساليبه نقص عليك من انباء الرسل. وقوله ما نثبت به فؤادك مفعول نقص اى ما نشد به قلبك حتى يزيد يقينك ويطيب به نفسك وتعلم ان الذى فعل بك قد فعل بالانبياء قبلك والانسان اذا ابتلى بمحنة وبلية فرأى جماعة يشاركونه فيها خف على قلبه بليته كما يقال البلية اذا عمت خفت وطابت قال القاشانى رحمه اللّه فى شرح التائية للقلب وجه الى الروح يسمى فؤادا وهو فى محل الشهود كما قال سبحانه { ما كذب الفؤاد ما رأى } ووجه الى النفس يسمى صدرا وهو محل صور العلوم والقلب عرش الروح فى عالم الغيب كما ان العرش قلب الكائنات فى عالم الشهادة انتهى { وجاءك فى هذه } السورة على ما فسره ابن عباس رضى اللّه عنهما فى منبر البصرة وعليه الاكثر { الحق } ما هو حق وبيان صدق وتخصيصها بالحكم بمجيئ الحق فيها مع ان ما جاءه فى جميع السور حق يحق تدبره واذعانه والعمل بمقتضاه تشريفا لها ورفعا لمنزلتها { وموعظة } ونصيحة عظيمة { وذكرى } وتذكرة { للمؤمنين } لانهم هم المنتفعون بالموعظة والتذكير بايام اللّه وعقوبته قال فى الارشاد اى الجامع بين كونه حقا فى نفسه وكونه موعظة وذكرى للمؤمنين ولكون الوصف الاول حالا له فى نفسه باللام دون ما هو وصف له بالقياس الى غيره وتقديم الظرف اعنى فى هذه الفاعل لان المقصود بيان منافع السورة لا بيان ذلك فيها لا فى غيرها ١٢١ { وقل للذين لا يؤمنون } بهذا الحق ولا يتعظون به ولا يتذكرون من اهل مكة وغيرهم { اعملوا على مكانتكم } اى حالكم وجهتكم التى هى عدم الايمان { انا عاملون } على حالنا وهو الايمان به والاتعاظ والتذكير به ١٢٢ { وانتظروا } بنا الدوائر والنوائب على ما يعدكم الشيطان { انا منتظرون } ان ينزل بكم ما نزل بامثالكم من الكفرة على ما وعد الرحمن فهذا تهديد لهم لا ان الآية منسوخة بآية السيف واعلم ان تثبيت القلوب على الدين والطاعة الى اللّه تعالى لا الى غيره لانه تعالى اسنده الى ذاته الكريمة وان التثبت يكون منه بالواسطة وبغير الواسطة فاما بالواسطة فههنا كما قال { ما نثبت به } اى بالانباء عن اقاصيص الرسل كقوله تعالى { يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت } واما غير الواسطة فكقوله تعالى { ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيأ قليلا } وهذا التثبيت من انزال السكينة فى قلبه بغير واسطة كقوله { فانزل سكينته على رسوله } وكقوله { هو الذى انزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم } واعلم انه كما يزداد الايمان بالسكينة فكذلك يزداد اليقين على اليقين باستماع قصص الانبياء والامم السالفة كما قيل حكايات الصالحين جند من جنود اللّه تعالى وهذا لم يثبت اللّه بقلبه لا لمن يزداد شكه على الشك وكفره على الكفر كأبى جهل ونحوه لان اللّه تعالى اودع فى كل شيء لطفه وقهره فمن فتح عليه باب لطفه اغلق عليه باب قهره ومن فتح عليه باب قهره اغلق عليه باب لطفه : قال فى المثنوى ماهيانرا بحر نكذارد برون ... خاكيانرا بحر نكذارد درون اصل ما هى زاب وحيوان از كاست ... حيله وتدبير اينجا باطلست قفل رفتست وكشاينده خدا ... دست در تسليم زن اندر رضا ومن فتح اللّه عليه باب لطفه جاء الحق من هذا الباب كما قال اللّه تعالى { وجاءك فى هذه الحق } اى انك لست بقادر ان تجيئ فى هذه بالحق لان ابواب اللطف والقهر مغلوقة والمفتاح بيد الفتاح لا يقدر غير المفتاح ان يفتحه فاذا هو الذى يفتح باب لطفه فى كل شيء على العبد ويجيئ بكرمه فيه اليه بلا كيف ولا اين { وموعظة وذكرى للمؤمنين } ليطلبوا الحق من باب لطفه فى كل شيء ولا يطلبوا من باب قهره اطلبوا الارزاق من اسبابها ... ادخلوا الابيات من ابوابها { وقل للذين يؤمنون } يطلب الحق ووجدانه { اعملوا على مكانتكم } فى طلب المقاصد من باب قهر الحق تعالى { انا عاملون } فى طلب الحق من باب قهره { انا منتظرون } وجد ان الحق من باب لطفه وقد ثبت ان اهل التحقيق ان الوجود العينى تابع لعلم اللّه تعالى وهو تابع للمعلوم الذى هو عين ثابتة لكل فرد من افراد الانسان وهم قد سألوا بلسان الاستعداد فى تلك المرتبة اى حين كونهم اعيانا ثابتة كل مالهم وعليهم فسلوكهم فى هذه النشأة الى طريق الاعمال القهرية ودقهم باب الجلال الالهى انما هو من نتائج استعدادتهم ومقتضيات اسئلتهم السابقة وقس عليه اهل اللطف والجمال وكما ان اللّه تعالى نصر انبياءه كذلك ينصر اولياءه وصالح المؤمنين ويفتح عليهم ابواب لطفه وكرمه ويؤيدهم ويثبتهم ويحفظهم من تزلزل الاقدام بحسب مراتبهم ويدفع عن قلوبهم الألم وانما الألم من فقدان العيان -يحكى- ان شابا ضرب تسعة وتسعين سوطا فما صاح ولا استغاث الا فى واحدة بعدها فتبعه الشبلى رحمه اللّه فسأله عنامره فقال ان العين التى ضربت من اجلها كانت تنظر الىّ فى التسعة والتسعين وفى الواحدة حجبت عنى : وفى المثنوى هركجا باشد شه مارا بساط ... هست صحرا كربود سم الخياط هركجا يوسف رخى باشد جوماه ... جنتست آن كرجه باشد قعرجام فالكلام انما هو فى كون المرء مع الحق وشهوده فى كل وقت ١٢٣ { وللّه } اللام للاختصاص { غيب السموات والارض } الغيب فى الاصل مصدر واضافة المصدر من صيغ العموم والاضافة بمعنى فى اى يختص به ما اب فيهما عن العباد وخفى عليهم علمه فكيف يخفى عليه اعمالكم { واليه } تعالى وحده { يرجع الامر كله } بضم الياء وفتح الجيم بمعنى يرد وبفتح الياء وكسر الجيم بمعنى يعود عواقب الامور كلها يوم القيامة فيرجع امرك يا محمد وامر الكفار اليه فينتقم لك منهم { فاعبده } اى اطعه واستقم على التوحيد { وتوكل عليه } فوض اليه جميع امورك فانه كافيك وعاصمك من شرهم فعليك تبليغ ما اوحينا اليك بقلب فسيح غير مبال بعداوتهم وعتوهم وسفههم وفى تأخير الامر بالتوكل على الامر بالعبادة اشعار بانه لا ينفع بدونها { وما ربك بغافل عما تعملون } وكل عمل تعمله انت وهم اى الكفار فاللّه تعالى عالم به غير فاعل عنه لان الغفلة والسهو لا يجوزان على من لا يخفى عليه شيء فى السماوات والارض فيجاوى كل منك ومنهم بموجب الاستحقاق وعن كعب الاحبار ان فاتحة التوراة سورة الانعام وخاتمتها هذه الآية وهى { وللّه غيب السموات والارض } الخ اعلم ان علم الغيوب بالذات مختص باللّه تعالى واما اخبار الانبياء والاولياء صلوات اللّه عليهم اجمعين فبواسطة الوحدة والالهام وتعليم اللّه تعالى. ومن هذا القبيل اخباره عليه السلام عن حال العشرة المبشرة. وكذا عن حال بعض الناس وعن محمد بن كعب انه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه ( ان اول من يدخل من هذا الباب رجل من اهل الجنة ) فدخل عبد اللّه ابن سلام فقام اليه الناس من اصحاب رسول اللّه فاخبروه بذلك قالوا لو اخبرتنا باوثق عمل ترجو به فقال انى ضعيف ومن اوثق ما ارجو به سلامة الصدر وترك ما لا يعنى. وكذا اخباره عليه السلام عن اشراط الساعة وما يظهر فى آخر الزمان من غلبة البدع والهوى واماتة الصلاة واتباع الشهوات وعن سيد الطائفة جنيد البغدادى رحمه اللّه قال لى خالى سرى السقطى تكلم على الناس وكنت اتهم نفسى فى استحقاق ذلك ورأيت النبى عليه السلام وكان ليلة الجمعة فقال تكلم على الناس فانتبهت واتيت بابه العامى فقال لم تصدقنا حتى قيل لك فقعدت من غد للناس اى بطريق العظة والتذكير فقعد على غلام نصرانى متنكرا وقال ايها الشيخ ما معنى قوله عليه السلام ( اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه ) قال فاطرقت رأسى ورفعت فقلت اسلم فقد حان وقت اسلامك فاسلم الغلام فمثل هذا العلم والوقوف على احوال الناس لا يحصل الا باخبار اللّه تعالى والا فكل ولى متحير فى امره وامر غيره كما قال المولى الجامى اى دل توكه آن فضولى وبو العجبى ... ازمن جه نشان عافيت مى طلبى سركشته بود خواه ولى خواه نبى ... در وادى وما أدرى ما يفعل بى ثم ان التوكل عبارة عن الاعتصام به تعالى فى جميع الامور ومحله القلب وحركة الظاهر لا تنافى توكل القلب بعد ما تحقق عند العبد ان التقدير من قبل اللّه تعالى ويعتمدوا عليه كل الاعتماد لا على الجاه والعقل والاموال والاولاد فان اللّه تعالى خالق كل مخلوق وزارق كل مرزوق وفى الحديث ( ما من زرع على الارض ولا ثمر على الاشجار الا وعليه مكتوب بسم اللّه الرحمن الرحيم ها رزف فلان ابن فلان ) وفى الحديث ( خلق اللّه الارزاق قبل الاجساد بالف عام فبسطها بين السماء والارض فضربتها الرياح فوقعت فى مشارق الارض ومغاربها فمنهم من وقع رزقه فى الف موضع ومنهم من وقع فى مائة ومنهم من وقع فى مائة ومنهم من وقع على باب داره يغدو ويروح حتى يأتيه ) قال المولى الجامى قدس سره حرص جه ورزى كه نبودت اوسود ... هيج دوشش كرد دوهشت تونه رنج طلب راهمه برخود مكير ... يطلبك الرزق كما تطلبه وافضل العبادات فى مقام التوكل هو التوكل وفى مقام الرضى وفى مقام الفناء هوالفناء وعلى هذا ثم ان العبادة وان كثرت انواعها ولكن العبادة فى الحقيقة ترك العادات ومخالفة النفس بالمجاهدات والانقطاع عما سوى اللّه تعالى حتى يترقى العبد من مقام العبادة الى مقام العبودية ولا يحصل ذلك الا بكمال التوحيد وكمال التوحيد لا يحصل الا بالمداومة للعبادات والملازمة الى ذكر اللّه تعالى فى جميع الحالات يا رب ز دوكون بى تيازم كردان ... واز افسر فقر سر فرازم كردان درراه طلب مجرم رازم كردان ... زان ره كه نه سوى تست بازم كردان واللّه ولى التوفيق واليه تعود العواقب على التحقيق تمت سورة هود بفضل اللّه الودود فى سحر ليلة السبت الرابع والعشرين من شهر ربيع الاول من سنة ثلاث ومائة والف |
﴿ ٠ ﴾