٧

{ وهو الذى خلق السموات } السبع. السماء الدنيا وهو فلك القمر من الموج المكفوف المجتمع وهو مقر ارواح المؤمنين. والسماء الثانية وهو فلك عطارد من درة بيضاء وهو مقر ارواع العباد. والسماء الثالثة وهو فلك الزهرة من الحديد وهو مقر ارواح الزهاد. والسماء الرابعة وهو فلك الشمس من الصفر وهو مقام ارواح اهل المعرفة. والسماء الخامسة وهو فلك المريخ من النحاس وهو مقام ارواح الانبياء. وهو فلك المشترى من الفضة وهو مقام ارواح الانبياء. والسابعة وهو فلك زحل من الذهب وهو مقام ارواح الرسل وفوق هذه السموات الفلك الثامن وهو فلك الثوابت ويقال له الكرسى وهو مقام ارواح اولى العزم من الرسل وفوقه عرش الرحمن وهو مقام روح خاتم النبيين صلوات اللّه وسلامه عليهم اجمعين وجمع السموات لاختلاف العلويات اصلا كما ذكرنا وذاتا لانها سبع طبقات بين كل اثنين منها مسيرة خمسمائة على ما ورد فى الخبر وكذا ما بين السابعة والكرسى وبين الكرسى والعرش على ما نقل عن ابن مسعود رضى اللّه عنهما قدم السموات لانها منشاة احكامه تعالى ومصدر قضاياه ومتنزل اوامره ونواهيه وارزاقه ووعده ووعيده فان يؤمرون به وينهون عنه وما يرزقونه فى الدنيا وما يوعدونه فى العقبى كله مقدر مكتوب فى السماء ولانها وما فيها من الآثار العلويات اظهر دلالة على القدرة الباهرة وابين شهادة على الكبرياء والعظمة

{ والارض } اى الارضين السبع بدليل قوله السموات وافردت فان السفليات واحدة بالاصل والذات وقوله تعالى

{ ومن الارض مثلهن } اول بالاقاليم السبعة كما فى حواشى سعدى المفتى وبين المشرق والمغرب خمسمائة عام كما بين السماء والارض واكثر الارض مفازة وجبل وبحار والقليل منها العمران ثم اكثر العمران اهل الكفر والقليل منها اهل الايمان والاسلام واكثر اهل الاسلام اهل البدع والاهواء وكلها على الضلالة والباطل والقليل منهم على الحق وهم اهل السنة والجماعة وحول الدنيا ظلمة ثم وراء الظلمة جبل قاف وهو جبل محيط بالدنيا من زمردة خضراء واطراف السماء ملتصقة به ووسط الارض كلها عامرها وخرابها قبة الارض وهو مكان تعتدل فيه الازمان فى الحر والبرد ويستوى فيه الليل والنهار ابدا لا يزيد احدهما على الآخر ولا ينقص

واما الكعبة فهى وسط الارض المسكونة وارفع الارضين كلها الى السماء مهبط آدم عليه السلام بارض الهند وهو جبل عال يراه البحريون من مسافة ايام وفيه اثر قدم ىدم مغموسة فى الحجر ويرى علىهذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا بد له فى كل يوم من مطر يغسل قدمى آدم وذروة هذا الجبل اقرب ذرى جبال الارض الى السماء كما فى انسان العيون

{ فى ستة ايام } السموات فى يومين والارض فى يومين وما عليها من انواع الحيوان والنباتات وغير ذلك فى يومين حسبما قيل فى سورة حم السجدة ولم يذكر خلق ما فى الارض لكونه من تتمات خلقها.

والمراد فى ستة اوقات على ان يكون المراد باليوم يوم الشان وهو الآن وهو الزمان الفرد الغير المنقسم وقد مر تحقيقه او فى مقدار ستة ايام من الدنيا اولها يوم الاحد وآخرها يوم الجمعة فان الايام فى المتعارف زمان كون الشمس فوق الارض ولا يتصور ذلك حين لا ارض ولا سماء او من ايام الآخرة كل يوم كالف سنة مما تعدون على ما نقل عن ابن عباس رضى اللّه عنهما وفى خلقها على التدريج مع انه لو شاء لكان ذلك فى اقل من لمح البصر حث على التأنى فى الامور ولعل تخصيص ذلك بالعدد المعين باعتبار صناف الخلق من الجماد والمعدن والنبات والحيوان والانسان والارواح

{ وكان عرشه } العرش فى اصل اللغة السرير والعرش المضاف اليه تعالى عبارة عن مخلوق عظيم موجود هو اعظم المخلوقات

قال مقاتل جعل اللّه تعالى للعرش اربعة اركان بين كل ركن وركن وجوه لا يعلم عددها الا اللّه تعالى اكثر من نجوم السماء وتراب الارض وورق الشجر ليس لطوله وعرضه منتهى لا يعلمه احد الا اللّه تعالى

فان قيل لم خلق اللّه تعالى العرش وهو سبحانه لا حاجة له به

اجيب بوجوده احدهما موضع خدمة ملائكته لقوله تعالى

{ وترى الملائكة حافين من حول العرش } وثانيها انه اراد اظهار قدرته وعظمته كما قال مقاتل السموات والارض فى عظم الكرسى كحلقة فى فلاة والكرسى مع السموات والارض فى عظم العرش كحلقة فى فلاة وكلها فى جنب عظمة اللّه تعالى كذرة فى جنب الدنيا فخلقه كذلك ليعلم ان خالقه اعظم منه. وثالثها انه خلق العرش ارشادا لعباده الى طريق دعوته ليدعوه من الفوق لقوله تعالى

{ يخافون ربهم من فوقهم } ورابعها انه خلقه لاظهار شرف محمد صلى اللّه تعالى عليه وسلم وهو قوله تعالى

{ عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا } وهو مقام تحت العرش. وخامسها انه جعله معدن كتاب الابرار لقوله تعالى

{ ان كتاب الابرار لفى عليين } وفيه تعظيم لهم ولكتابهم. وسادسها انه جعله مرآة الملائكة يرون الآدميين واحوالهم كى يشهجوا عليهم يوم القيامة لان عالم المثال والتمثال فى العرش كالاطلس فى الكرسى. وسابعها انه جعله مستوى الاسم الرحمن اى محل الفيض والتجلى والايجاد الاحدى كما جعل الشرع الذى هو مقلوبه مستوى الامر التكليفى الارشادى لا مستوى نفسه تعالى عن ذلك

{ على الماء } اى العذب كما فى انسان العيون

قال كعب الاحبار اصله ياقوتة خضراء فنظر اليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة اللّه تعالى فلذلك يرتعد الماء الى الآن وان كان ساكنا ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها اى ظهرها ثم وضع العرش على الماء وليس ذلك على معنى كون احدهما على الآخر ملتصقا بالآخر بل ممسك بقدرته كما فى فتح القريب

قال الاصم هذا كقولهم السماء على الارض وليس ذلك على سبيل كون احداهما ملتصقة بالاخرى فالمعنى وكان عرشه تعالى قبل خلق السموات والارض على الماء لم يكن حائل محسوس بينهما وانما فلنا محسوس فان بين السماء والارض حائلا هو الهواء لكن ما لم يكن محسوسا لم يعد حائلا

وفيه دليل على ان العرش والماء خلقا قبل السموات والارض والجمهور على ان اول ما خلق اللّه من الاجسام هو العرش ومن الارواح الروح المحمدى الذى يقال له العقل الاول والفلك الاعلى ايضا.

وفيه دليل ايضا على امكان الخلاء فان الخلاء هو الفراغ الكائن بين الجسمين اللذين لا يتماسان وليس بينهما ما يماسهما فاذا لم يكن بين العرش والماء حائل يثبت الخلاء والحكماء ذاهبون الى امتناع الخلاء والمتكلمون الى امكانه

قال فى كتب الهيئة مقعر سطح الفلك الاعظم يماس محدب فلك الثوابت ومحدبه لا يماس شيأ اذ ليس وراءه شيء لاخلاء ولا ملاء بل عنده ينقطع امتدادات العالم كلها.

وقيل من ورائه افلاك من انوار غير متناهية ولا قائل بالخلاء فيما تحت الفلك الاعظم بل هو الملاء

وقال المولى ابو السعود رحمه اللّه وكان عرشه قبل خلقهما على الماء ليس تحته شيء غير سواه كان بينهما فرجة او كان موضوعا على متنه كما ورد فى الاثر فلا دلالة فيه على امكان الخلاء كيف لا ولو دل لدل على وجوده لا على امكانه فقط ولا على كون الماء اول ما حدث فى العالم بعد العرش وانما يدل على ان خلقهما اقدم من خلق السموات والارض من غير تعرض للنسبة بينهما انتهى

قال الكاشفى [ دروقوف عرش برآب واستقرار آب برباد اعتبار عظيم است مر اهل تفكررا از عباد ]

{ ليبلوكم } متعلق بخلق واللام العلة عقلا ولام الحكمة والمصلحة شرعا بمعنى ان اللّه تعالى فعل فعلا لو كان يفعله من يراعى المصالح لم يفعله الا لتلك المصلحة اى خلق السموات والارض وما فيهما من المخلوقات التى من جملتها انتم ورتب فيهما جميع ما تحتاجون اليه من مبادى وجودكم واسباب معايشكم واودع فى تضاعيفهما من اعاجيب الصنائع والعبر وما تستدلون به على مطالبكم الدينية ليعاملكم معاملة من يبتليكم ويمتحنكم

{ ايكم احسن عملا } فيجازيكم بالثواب والعقاب بعد ما تبين المحسن من المسيء

فان قلت الاختبار يعلق بجميع العباد. محسنين كانوا او مسيئين واحسن عملا يخصصه بالمحسنين منهم لان العمل الاحسن يخص بالمحسنين ولا يتحقق فى اهل القبائح فيلزم ان يعتبر عموم الابتلاء وخصوصه معا وهما متنافيان

قلت الابتلاء وان كان يعم الفرق المكلفين الا ان المراد خصوصه بالمحسنين تنبيها على ان المقصود الاقصى من خلق المخلوقات ان يتوسلوا باحسن الاعمال الى اجل المثوبات وتحريضا لهم على ترك القبائح والمنكرات والمراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك فسره عليه السلام بقوله

( ايكم احسن عقلا واورع عن محارم اللّه واسرع فى طاعة اللّه ) فان لكل من القلب والقالب عملا مخصوصا به فكما ان الاول اشرف من الثانى فكذ الحال فى عمله فكيف لا ولا عمل بدون معرفة اللّه تعالى الواجبة على العباد وانما طريقها النظرى التفكر فى عجائب صنعه ولا طاعة بدون فهم الاوامر والنواهى. وقد روى عن النبى عليه السلام انه قال ( لا تفضلونى على يونس بن متى فانه كان يرفع له كل يوم مثل عمل اهل الارض ) قالوا وانما كان ذلك التفكر فى امر اللّه تعالى الذى هو عمل القلب لان احدا لا يقدر على ان يعمل فى اليوم بجوارحه مثل عمل اهل الارض

واما ذات اللّه تعالى فلا يسعها التفكر : وفى المثنوى

بى تعلق نيست مخلوقى بدو ... آن تعلق هست بيجون اى عمو

اين تعلق را خرد جون ره برد ... بسته فصلست ووصلست اين خرد

زين وصيت كرد مارا مصطفى ... بحث كم جوئيد در ذات خدا

آنكه درذاتش تفكر كرد نيست ... در حقيقت آن نظر در ذات نيست

هست آن بندار او وزيرا براه ... صد هزاران برده آمد تاله

وفى التأويلات النجمية الابتلاء على قسمين. قسم للسعداء وهو بلاء حسن وذلك ان السعيد لا يجعل المكونات مطلبه ومقصده الاصلى بل يجعل ذلك حضرة المولى والرفيق الاعلى ويجعل ما سوى المولى باذن مولاه وامره ونهيه وسيلة الى القربات وتحصيل الكمالات فهو احسن عملا. وقسم للاشقياء وهو بلاء سيء وذلك ان الشقى يجعل المكونات مطلبه ومقصده الاصلى ويتقيد بشهواتها ولذاتها ولم يتخلص من نار الحرص عليها والحسرة على فواتها ويجعل ما انعم اللّه عليه من الطاعات والعلوم التى هى ذريعة الى الدرجات والقربات وسيلة الى نيل مقاصده الفانية واستيفاء شهواته النفسانية فهو اسوء عملا انتهى

قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه اللّه بالسلامة فى بعض تحريراته نية الانسان لا تخلو اما ان يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيء نية وعملا

واما ان يكون متعلقها فى لسانه هو الآخرة وفى جنانه هو الدنيا فهو اسوأ نية وعملا

واما ان يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا

واما ان يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو وجه اللّه تعالى فهو احسن نية وعملا فالاول حال الكفار والثانى حال المنافقين والثالث حال الابرار والرابع حال المقربين وقد اشار الحق سبحانه الى احوال المقربين عبارة والى احوال غيرهم اشارة فى قوله تعالى

{ انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا } انتهى باجمال : قال الحافظ

صحبت خورنخواهم بودعين قصور ... باخيال تو اكر باد كرى بر دازم

اللّهم اجعلنا من الفارين اليك والحاضرين لديك

{ ولئن قلت } يا محمد لقومك وهم اهل مكة واللام لام التوطئة للقسم

{انكم } ايها المكلفون

{ مبعوثون من بعد الموت } يعنى يوم القيامة

{ ليقولن الذين كفروا } منهم وهو جواب القسم وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه

{ ان هذا } ما هذا القرآن الناطق بالبعث

{ الا سحر مبين } اى مثله فى البطلان فان السحر لا شك تمويه وتخييل باطل اذا جعلوه سحرا فقد اندرج تحته انكار ما فيه من البعث وغيره

﴿ ٧