٣٦

{ ودخل معه السجن فتيان } اى دخل يوسف السجن واتفق ان ادخل حينئذ آخران من عبيد الملك الاكبر وهو ريان بن الوليد احداهما شرابيه واسمه ابروها اويونا والآخر خبازه واسمه غالب او مخلب -روى- ان جماعة من اهل مصر ضمنوا لهما ما ليسما الملك فى طعامه وشرابه فاجابهم الى ذلك ثم ان الساقى نكل عن ذلك ومضى عليه الخباز فسم الخبز فلما حضر الطعام قال الساقى لا تأكل ايها الملك فان الخبز مسموم فلم يضره وقال للخباز كله فابى فجربه بدابة فهلكت فامر بحبسهما فاتفق ان دخلاه معه وكأنه قيل ماذا صنعا بعد ما دخلا معه السجن فاجيب بان

{ قال احدهما } وهو الشرابى

{ انى ارينى } فى المنام كأنى فى بستان فاذا انا باصل حبلة حسنة فيها ثلاثة اغصان عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وكان كأس الملك بيدى فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه وذلك قوله تعالى

{ اعصر خمرا } اى عنبا سماه بما يؤول اليه لكونه المقصود من العصر

{ وقال الآخر } وهو الخباز

{ انى ارينى } كأنى فى مطبخ الملك

{ احلم فوق رأسى خبزا } فوق بمعنى على اى على رأسه ومثله

{ فاضربوا فوق الاعناق } كما فى التبيان قم وصف لخبز بقوله

{ تأكل الطير منه } يعنى كأن فوق رأسى ثلاث سلال فيها خبز والوان الاطعمة وارى سباع الطير يأكلن من السلة العليا

واختلف فى انهما هل رأيا رؤيا ولم يريا شسيأ فتحا لما اختبارا ليوسف لانه لما دخل السجن قال لاهله انى اعبر الاحلام ورأى احدهما وهو الناجى وكذب الآخر وهو المطلوب

{ نبئنا بتأويله } اى اخبرنا بتفسير ما ذكر من الرؤيين وما يؤول اليه امرهما وعبارة كل واحد منهما نبئنى بتأويله مستفسرا لما رآه مستفسرا لما رآه وصيغة المتكلم مع الغير واقعة فى الحكاية دون المحكى على طريقة قوله تعالى

{ يا ايها الرسل كلوا من الطيبات } فانهم لم يخاطبوا بذلك دفعة بل خوطب كل منهم فى زمانه بصيغة مفردة خاصة به

{ انا نريك } يجوز ان يكون من الرؤية بالعين وان يكون من الرؤية بالقلب كما فى بحر العلوم

{ من المحسنين } الذين يجيدون عبارة الرؤيا لما رأياه يقص عليه بعض اهل السجن رؤياه فيؤولها له تأويلا حسنا ويقع الامر على ما عبر به او من المحسنين الى اهل السجن اى فاحسن الينا بكشف غمتنا ان كنت قادرا على ذلك كما قال المولى الجامى

جو زندان بركرفتاران زندان ... شد از ديدار يوسف باغ خندان

همه از مقدم اوشاد كشتند ... زبند دردورنج آزاد كشتند

بكردن غلشان شد طوق اقبال ... بيا زنجير شان فرخنده خلخال

اكر زندانئ بيمار كشتى ... اسير محنت وتيمار كشتى

كمر بستى بى بيمار داريش ... خلاصى دادى از تيمار داريش

اكر جابر كرفتارى شدى تنك ... سوى تدبير كارش كردى آهنك

كشاده روشدى اورا دوا جوى ... زتنكى دركشاد آورديش روى

وكر بر مفلسى عشرت شدى تلخ ... زنا دارى نموده غره اش سلخ

ززرداران كليد زركرفتى ... زعيشش قفل تنكى بر كرفتى

وكر خوابى بديدى تنك بختى ... بكر داب بلا افتاده رختى

شنيدى ازلبش تعبير آن خواب ... بخشكى آمدى رختش زكرداب

وكان فى السجن ناس قد انقطع رجاؤهم وطال حزنهم فجعل يقول ابشروا واصبروا تؤجروا

صبورى مايه اميدت آرد ... صبورى دولت جاويدت آرد

فقالوا بارك اللّه عليك ما احسن وجهك وما احسن خلقك لقد بورك فى جوارك فمن انت يا فتى قال انا يوسف ابن صفى اللّه يعقوب ابن ذبيح اللّه اسحاق ابن خليل اللّه ابراهيم عليهم السلام فقال له عامل السجن لو استطعت خليت سبيلك ولكنى احسن جوارك فكن فى اى بيوت السجن شئت -وروى- ان الفتيين قلا له انا لنحبك من حين رأيناك فقال انشد كما باللّه ان لا تحبانى فواللّه ما احبنى احد قط الا دخل علىّ من حبه بلاء ثم احبنى زوجة صاحبى فدخل علىّ من حبها بلاء فلا تحبانى بارك اللّه فيكما

قال بعضهم ابتلى يوسف بالعبودية والسجن ليرحم المماليك والمسجونين اذا صار خليفة وملكا فى الارض وابتلى بجفاء الاقارب والحساد ليعتاد الاحتمال من القريب والبيد وابتلى بالغربة ليرحم الغرباء وفى الخبر ( يجاء بالعبد يوم القيامة فيقال له ما منعك ان تكون عبدتن فيقول ابتليتنى فجعلت على اربابا فشغلونى فيجاء بيوسف عليه السلام فى عبوديته فيقال انت اشد ام هذا فيقول بل هذا فيقال لم لم يمنعه ذلك ان عبدنى ويجاء بالغنى فيقال ما منعك ان تكون عبدتنى فيقول بل هذا فيقول لم لم يمنعه ذلك ان عبدنى ويجاء بالمريض فيقال له ما منعك ان تعبدنى فيقول رب ابتليتنى فيجاء بايوب عليه السلام فيقال انت اشد ضرا وبلاء ام هذا فيقول بل هذا فيقال لم لم يمنعه ذلك ان عبدنى ويجاؤء بيائس من رحمة اللّه بسبب عصيانه فيقال لم يئست من رحمتى فيقول لكثرة عصيانى فيجاء بفرعون فيقال ءانت كنت اكثر عصيانا ام هذا فيقول بل هذا فيقال له ما هو يائس من الرحمة التى وسعت كل شيء ) حيث اجرى كلمة التوحيد على لسانه عند الغرق . فيوسف حجة على من ابتلى بالرق والعبودية اذا قصر فى حق اللّه تعال . وسليمان حجة على الملوك والاغنياء . وايوب حجة على اهل البلاء . وفرعون حجة على اهل اليأس نعوذ برب الناس اى بالنسبة الى ظاهر الحال عند الغرق وان كان كافرا فى الحقيقة باجماع العلماء وليس ما جرى على الانبياء والاولياء من المحن والبلايا عقوبات لهم بل هى تحف وهذايا وفى الحديث

( اذا احب اللّه عبدا صب عليه البلاء صبا )

جاميا دل بغم ودردنه اندرره عشق ... كه نشد مردره آنكس كه نه اين درد كشيد

والاشارة انه لما دخل يوسف القلب سجن الشريعة ودخل معه السجن فتيان وهما ساقى النفس وخباز البدن غلامان لملك الروح احدهما صاحب شرابه والآخر صاحب طعامه فالنفس صاحب شرابه تهيئ لملك الروح ما يصلح له شربه منه فان الروح العلوى الاخروى لا يعمل عملا فى السفلى البدنى الا بشرب يشربه النفس والبدن صاحب طعامه الذى يهيئ من الاعمال الصالحة ما يصلح لغذاء الروح والروح لا يبقى الا بغذاء روحانى باق كما ان الجسم لا يبقى الا بغذاء جسمانى وانما حبسا فى سجن الشريعة لانهما مهمام بان يجعلا السم فى شراب ملك الروح وطعامه فيهلكاه وهو سم الهوى والمعصية فاذ كانا محبوسين فى سجن الشريعة امن ملك الروح من شرهما والنفس والبدن كلاهما دنيوى واهل الدنيا نيام فاذا ماتوا انتبهوا وكل عمل يعمله اهل الدنيا هو بمثابة الرؤيا التى يراها النائم فاذا انتبه بالموت يكون لها تأويل يظهر لها فى الآخرة ويوسف القلب بتأويل مقامات اهل الدنيا عالم لانه من المحسنين اى الذين يعبدون اللّه على الرؤية والمشاهدة بقلوب حاضرة عند مولاهم وجوه ناضرة الى ربها ناظرة وكل حكم صدر من تلك الحضرة فهم شاهدوه فى الغيب كما قبل نزوله الى عالم الغيب فكسته القوة المتخيلة عند عبوره عليها كسوة خيالية تناسب معناه فصاحب الرؤيا كان عالما بلسان الخيال يعبره ولا يعرضه على المعبر ليكون ترجمانا له فيترجم له بلسان الخيال فيخبره عن الحكم الصادر من الحضرة الالهية فلهذا كانت الرؤيا الصالحة جزأ من اجزاء النبوة لانها فرع من الوحى الصادر من اللّه وتأويل الرؤيا جزء ايضا من أجزاء النبوة لانه علم لدنى يعلمه اللّه من يشاء من عباده

﴿ ٣٦