سُورَةُ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ مِائَةٌ وَثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً

١

{ أتى امر اللّه } روى ان كفار قريش كانوا يستبطئون نزول العذاب الموعود لهم سخرية بالنبي عليه السلام وتكذيباً للوعد ويقولون ان صح ما يقولون من مجيء العذاب فالاصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت * وامر اللّه هو العذاب الموعود لان تحققه منوط بحكمه النافذ وقضائه الغالب واتيانه عبارة عن دنوه واتقرابه على طريقة نظم المتوقع في سلك الواقع وقد وقع يوم بدر . والمعنى دنا واقترب ما وعدتم به ايها الكفرة

{ فلا تستعجلوه } اى امر اللّه ووقعوه اذلا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه واستعجالهم وان كان بطريق الاستهزاء لكنه حمل على الحقيقة ونهوا عنه بضرب من التهكم والاستعجال طلب الشئ قبل حينه

{ سبحانه } [ يا كست خداى ]

{ وتعالى } [ وبرثرست ]

{ عما يشركون } اى تبرأ وتقدس بذاته على ان يكون له شريك فيدفع له شريك فيدفع ما اراد بهم بوجه من الوجوه ولما كان المنزه للذات الجليلة هو نفس الذات آل التنزيه الى معنى التبرى * وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما لما انزل اللّه تعالى

{ اقتربت الساعة وانشق القمر } قال الكفار بعضهم لبعض ان هذا يزعم ان القيامة قد قربت فامسكوا بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن فملا رأوا انه لا ينزل شئ قالوا ما نرى شيأ فانزل

{ اقترب للناس حسابهم } الآية فاشفقوا وانتظروا قرب الساعة فلما امتدت الايام قالوا يا محمد ما نرى شيأ مما تخوفنا به فانزل اللّه تعالى

{ اتى امر اللّه } فوثب النبي عليه السلام قائما مخافة الساعة وحذر الناس من قيامها ورفع الناس رؤسهم فنزل

{ فلا تسعجلوه } اى لا تطلبوا الامر قبل حينه فاطمأنوا وجلس النبى عليه السلام بعد قيامه وليس في هذه الرواية استعجال المؤمنين بل خوفهم وظنهم ثم ان الاستعجال بها لا يوصف به المؤمنون قال اللّه تعالى

{ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفعون منها } بل الظاهر انهم لما سمعوا اول الآية اضطربوا لظن انه وقع ثم لما سمعوا خطاب الكفار بقوله فلا تستعجلوه اطمأنوا كما في حواشى سعدى المفتى * ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ( بعثت انا والساعة كهاتين ) يعني اصبعيه المسبحة والوسطى معناه ان ما بينى وبين الساعة بالنسبة الى ما مضى من الزمان مقدار فضل الوسطى على المسبحة شبه القرب الزمانى بالقرب المساحى لتصوير غاية قرب الساعة وفى حديث آخر ( مثلى ومثل الساعة كفرسى رهان ) قال فى القاموس كفرسى رهان يضرب للاثنين يسبقان الى غاية فيستويان وهذا التشبيه فى الابتداء لان الغاية تجلى عن السابق لا محالة انتهى

والاشارة الى ان قوله تعالى

{ اتى امر اللّه فلا تستعجلوه } كلام قديم كان اللّه فى الازل به متكلما والمخاطبون به بعد فى العدم محبوسون وهم طبقات ثلاث منهم الغافلون والعاقلون والعاشقون فكان الخطاب مع الغافلين بالعتاب اذ كانوا مشتاقين الى الدنيا وزخارفها ولذاتها وشهواتها وهم اصحاب النفوس

نفس اكرجه زير كست وخرده دان ... قبله اش دنياست اورا مرده دان

والخطاب مع العاقلين بوعد الثواب اذ كانوا مشتاقين الى الطاعات والعبادات والاعمال الصالحات التى تبلغهم الى الجنة ونعيمها الباقية وهم ارباب العقول

نصبيب ماست بهشت اى خداشناس برو ... كه مستحق كرامت كنا هكارانند

والخطاب مع العاشقين بوصلة رب الارباب اذ كانوا مستاقين الى مشاهدة جمال ذى الجلال

جه سود ازروزن جنت اكر شيرين معاذ اللّه ... زكوى خود درى در روضه فرهاد نكشايد

فاستعجل ارواح كل طبقة منهم للخروج من العدم الى الوجود لنيل المقصود وطلب المفقود فتكلم اللّه فى الازل بقوله

{ اتى امر اللّه } اى سيأتى امر اللّه للخروج من العدم لاصابة ما كتب لكل طبقة منكم فى القسمة الازلية

{ فلا تستعجلوه } فانه لا يفوتكم يدل عليه قوله تعالى

{ وآتاكم من كل ما سألتموه } اى في العدم وهو يسمع خفيات اسراركم ويبر خفيات سرائركم المعدومة

{ سبحانه وتعالى عما يشركون } اى هو منزه فى ذاته ومتعال فى صفاته ان يكون له شريك يعمل عمله او شبيه يكون بدله

قهار بى منازع وغفار بى ملال ... ديان بى معادل وسلطان بى سباه

باغير او اضافت شاهى بود جنانك ... بريك دوجوب باره زشطرنج نام شاه

٢

{ ينزل } اللّه تعالى

{ الملائكة } اى جبريل لان الواحد يسمى بالجمع اذا كان رئيسا تعظيما لشأنه ورفعا لقدر او هو ومن معه من حفظة الوحى كما قال السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام

{ ينزل الملائكة } يعني ملائكة الوحى وهم جبريل وقال الملائكة بالجمع لانه قد ينزل بالوحى مع غيره - وروى - عن عامر الشعبي باسناد صحيح قال وكل اسرافيل بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاث سنين وكان يأتيه بالكلمة والكلمتين ثم نزل عليه جبريل بالقرآن والحكمة فى توكيل اسرافيل به انه الموكل بالصور الذى فيه هلاك الخلق وقيام الساعة ونبوته صلّى اللّه عليه وسلّم مؤذنة بقرب الساعة وانقطاع الوحى وفى صحيح مسلم انه نزل عليه بسورة الحمد اى فاتحة الكتاب ملك لم ينزل بها جبريل كما

قال بعضهم وهو بشيع . وذكرابن ابى حيثمة خالد بن سنان العبسى وذكر نبوته وانه وكل به من الملائكة مالك خازن النار وكان من اعلام نبوته ان نار يقال لها نار الحدثان كانت تخرج على الناس من مغارة فتأكلهم والزرع والضرع ولا يستطيعون ردها فردها خالد بن سنان بعصاه حتى رجعت هاربة منه الى المارة التي خرجت منها فلم تخرج بعد وفى الحديث ( وكان نبيا ضيعه قومه ) يعنى خالد بن سنان اى ضيعوا وصية نبيهم حيث لم يبلغوه مراده من اخبار احوال القبر وقوله عليه السلام ( انى اولى الناس بعيسى بن مريم فانه ليس بينى وبينه نبى ) اى نبى داع للخلق الى اللّه وشرع وسبق تفصيل اقصة فى سورة المائدة عنه قوله تعالى

{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا } الآية فلنظر هناك . وذلك ان ملكا يقال له زياقيل كان ينزل على ذى الرنين وذلك الملك هو الذى يوطى الارض يوم القيامة ويقبضها فتقع اقدام الخلائق كلهم بالساهرة فيما ذكره بعض اهل العلم وهذا مشاكل لتوكيله بذى القرنين الذى قطع مشارق الارض ومغاربها كما ان قصة خالج بن سنان وتسخير النار له مشاكلة لحال الملك الموكل به كذا فى كتاب التعريف واسئلة الحكم

{ بالروح } اى بالوحى الذى من جملته القرآن على نهج الاستعارة فانه يحيى القلوب الميتة بالجهل او يقوم فى الدين مقام الروح فى الجسد يعنى ان الروح استعارة تحقيقية عن الوحى ووجه التسمية احد هذين الوجهين والقرينة ابدال ان انذروا من الروح وقال بعضهم الباء يمعنى مع اى ينزل الملائكة مع جبريل قال الكاشفي [ درتبيان ميكويد كه هيج ملكى فرونيايد الا كه روح با اوست ورقيب بروجنانجه بر آدميان حفظه مبياشند ]

{ من امره } بيان للروح الذي اريد به الوحى فانه امر بالخير وبعث عليه وايضا هو من عالم الامر المقابل لعالم الخلق وان كان جبريل من عالم الخلق او هو متعلق بينزل ومن للسببية كالباء مثلها فى قوله تعالى

{ مما خطيآتهم } اى ينزلهم بالروح بسبب امره واجل ارادته

{ على ما يشاء من عباده } ان ينزلهم به عليهم لاختصاصهم بصفات تؤهلهم لذلك

{ ان انذروا } يدل من الروح اى ينزلهم ملتبسين بان انذروا اى بهذا القول والمخاطبون به الانبياء الذين نزلت الملائكة عليهم والآمر هو اللّه والملائكة نقلة للامر كما يشعر به الباء فى المبدل منه وان مخففة من الثقيلة وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف اى ينزلهم ملتبسين بان الشأن اقول لكم انذروا والانذار الاعلام خلا أنه مختص باعلام المحذور من نذر بالشئ كفرح علمه فحذره وانذره بالامر انذارا اعلمه وحذره وخوفه فى ابلاغه كذا فى القاموس اى اعملوا الناس ايها الانبياء

{ انه } اى الشأن

{ لا اله الا انا } [ كن نيست خداى مستحق عبادت مكر من كه آفريننده وروزى دهنده همه ام ] وانباؤه عن المحذور ليس لذاته بل من حيث اتصاف المنذرين بما يضاده من الاشراك وذلك كاف في كون اعلامه انذارا كما قال سعدى المتفى فى حواشيه التخويف بلا اله الا انا من حيث انهم كانوا يثبتون له تعالى ما لا يليق لذاته الكريمة من الشركاء والانداد فاذا كان ما اسندوه خلاف الواقع وهو مستبد بالالوهية فالظاهر انه ينتقم منهم على ذلك { فاتقون }

[ بس بترسيد از من وجز مرا برستش مكنيد ]

مرا بندكى كن كه دارا منهم ... تواز بندكانى ومولامن

وفي الآية دلالة على ان الملائكة وسائط بين اللّه وبين رسله وانبيائه فى ابلاغ كتبه ورسالاته وانهم ينزلون بالوحى على بعضهم دفعة فى وقت واحد كما نزلوا بالتوراة والانجيل والزبور على موسى وعيسى وداود والدال عليه قراءة ابن كثير وابى عمرو وينزل من انزل وعلى بعضهم منجما موزعا على حسب المصالح وكفاء الحوادي كما نزلو بالقرآن منجما فى عشرين سنة او فى ثلاث وعشرين على ما يدل عليه قراءة الباقين لان فى التنزيل دلالة على التدريج والتكثر والانزال بشموله التدريجي والدفعى اعم منه وانه ليس ذلك النزول بالوحى جملة واحدة او متفرقا الا بامر اللّه وعلى ما يراه خيرا وصوابا وان النبوة موهبة اللّه ورحمته يختص بها من يشاء من عباده وان المقصود الاصلى في ذلك اعلامهم الناس بتوحيد اللّه تعالى وتقواه فى جميع ما امر به ونهى عنه والاول هو منتهى كمال القوة العلمية والثانى هو اقصى كمالات القوة العلمية قال ى بحر العلوم واتقاء اللّه باجتناب الكفر والمعاصى وسائر القبائح يشمل رعاية حقوقها بين الناس

والاشارة

{ ينزل الملائكة بالروح من امره } اى بالوحى وبما يحيى القلوب من المواهب الربانية من امره اى من امر اللّه وامره على وجوه منهاما يرد على الجوارح بتكاليف الشريعة ومنها ما يرد على النفوس بتزكيتها بالطريقة ومنها ما يرد على الارواح بملازمة الحضرة للمكاشفات ومنها ما يرد على الخفيات بتبجل الصفات لافناء الذوات

{ على من يشاء من عباده } من الانبياء والاولياء

{ ان انذروا انه لا اله الا انا } اى اعلموا اوصاف وجودكم يبذلها فى انانيتى ان لا اله الا انا

{ فاتقون } اى فاتقوا سن انانيتك بانانيتى كذا فى التأويلات النجمية قال شيخى وسندى روحه اللّه روحه فى بعض تحريراته المتقى اما ان يتقى بنفسه عن الحق سبحانه

واما بالحق عن نفسه والاول هو الاتقاء باسناد النقائص الى نفسه عن اسنادها الى الحق سبحانه فيجعل نفسه وقاية لله تعالى والثانى هو الاتقاء باسناد الكمالات الى الحق سبحانه عن اسنادها الى نفسه فيجعل الحق سبحانه وقاية لنفسه والعدم نقصان والوجود كمال فاتقوا اللّه حق تقاته بان تضيفوا العدم الى انفسكم مطلقا ولا تضيفوا الوجود اليها اصلا وتضيفوا الوجود الى اللّه مطلقا ولا تضيفوا العدم اليه اصلا فان اللّه تعالى موجود دائما ازلا وابدا سرمدا لا يجوز فى حقه العدم اصلا ونفوسكم من حيث هى هى معدومة دائما وازلا وابدا وسرمدا لا يجوز فى حقها الوجود اصلا وطريان الوجود عليها من حيث فيضان الجود الوجودى عليها من الحق تعالى لا يوجب وجودها اصلا من حيث هى هى عند هذا الطيان على عدمها الاصلى من حيث هى دائما مطلقا فاتقوا اللّه ما استطعتم واسمعوا واطيعوا انتهى كلام الشيخ

كر تويى جمله در فضاى وجود ... هم خود انصاف ده بكو حق كو

در همه اوست بيش جشم شهود ... جيست بندارى هستئ من وتو

باك كن جامى ازغبار دويى ... لوح خاطر كه حق يكيس نه دو

٣

{ خلق السموات والارض } اى الاجرام العلوية والآثار السفلية يقال قبل ان يخلق اللّه الارض كان موضع الارض كله ماء فاجتمع الزبد فى موضع الكعبة فصارت ربوة حمراء كهيئة التل وكان ذلك يوم الاحد ثم ارتفع بخار الماء كهيئة الدخان حتى انتهى الى موضع السماء وما بين السماء والارض مسيرة خمسمائة عام كما بين المشرق والمغرب فجعل اللّه درة خضرا ، فخلق منها السماء فلما كان يوم الاثنين خلق الشمس والقمر والنجوم ثم بسط الارض من تحت الربوة

{ بالحق } اى بالحكمة والمصلحة لا بالباطل والبعث ونعيم ما قيل

انما الكون خيال ... وهو حق في الحقيقة

ويقال جعل اللّه الارواح العلوية والاشباح السفلية مظاهر افاعيله فهو الفاعل فيما يظهر على الراواح والاشباح

{ تعالى } وتقدس . وبالفارسية [ برترست خدى تعالى وبزركتر ]

{ عما يشركون } عن شركة ما يشركونه به من الباطل الذى لا يبدئ ولا يعيد فينبغي للسالك ان يوحد اللّه تعالى ذاتا وصفه وفعلا فان اللّه تعالى هو الفاعل خلق حجاب الوسائط لا بالوسائط بل بالذات فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا وهو ما اريد به وجه اللّه ولا يشرك بعبادة ربه احدا

وقيل للمرائي مشرك

مرايى هركسى معبود سازد ... مرايى را ازان كفتند مشرك

٤

{ خلق الانسان } اى بنى آدم لا غير لان ابويهم لم يخلقا من النطفة بل خلق آدم من التراب وحواء من الضلع الايسر منه

{ من نطفة } قال فى القاموس النطفة ماء الرجل . والمعنى بالفارسية [ از آب منى كه جماديست بى حس وحركت وفهم وهيولائى كه وضع وشكل نبذيرد بس اورافهم وعقل داد ]

{ فاذا هو } [ بس آنكاه او ] اى الانسان بعد الخلق واتى بالفاء اشارة الى شرعة نسيانهم ابتداء خلقهم

{ خصيم } بليغ الخصومة شديد الجدل

{ مبين } اى مظهر للحجة او ظاهر لا شبهة فى زيادة خصومته وجدله : يعنى [ مناظره ميكند وميخوا هدكه سخن خودرا بحجت ثابت سازد ]

قال فى التكملة الظاهرة ان الآية على العموم وقد حكى المهدوى ان المراد به اى بن خلف الجمحى فانه اتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعظم رميم فقال يا محمد اترى اللّه تعالى اى أتظن ان اللّه يحيى هذا بعد ما قدرم فنزلت ومثلها الآية التى فى آخر سورة يس وفيه نزلت : يعنى { اودرا اول جمادى بوده وما اورا حس ونطق داديم اكنون باما مجالة ميكند جرا اسندلال نمى كند بايداء براعاده كه هركه برابداء قادر بودهر ايينه برين نيز قدرت دارد }.

وفى التويلات النجمية اى جعل الانسان من نطفة ميتة لا فعل لها ولا علم بوجودها فاذا اعطيت العلم والقدرة صارت خصيما لخالقها مبينا وجودها مع وجود الحق وادعت الشركة معه فى الوجود والافاعيل انتهى.

والآية وصف الانسان بالافراط فى الوقاحة والجهل والتمادى فى كفران النعمة قالوا خلق اللّه تعالى جوهر الانسان من تراب اولا ثم من نطفة ثانيا وهم ما ازدادوا الا تكبرا وما لهم والكبر يعد ان خلقوا من نطفة نحبسة فى قول عامة العلماء

نه در ابتدا بودى آب منى ... اكر مردى از سر بدركن منى

وفي انسان العيون ان فضلاته صلّى اللّه عليه وسلّم طاهرة انتهى.

وهو من خصائصه عليه السلام كما صرحوا به فى كتب السير وحكم النطفة اسهل من الفضلات لانها أخف منها - يحكى - ان بعض اهل الرياضة المحققين من اهل التوحيد الحقانى كان يشم من فضلاتهم رائحة المسك وذلك ليس ببعيد لصفوة باطنهم وسريان آثار حالهم الىجميع اعضائهم واجزائهم فهم من النطفة صورة ومن النور معنى وليس غيرهم مثلهم لان معناهم ظهر فى صورة الوجود فغابوا من الغيبة ووصلوا الى عالم الشهود بخلاف غيرهم من ارباب الغفلة قان انتتطمع فى الوصول الى ما وصلوا او الحصول عند ما حصلوا فعليك باخلاص العمل وترك المراء والجدل فان حقيقة التوحيد لا تحصل للخصم العنيد بل هى منه بمكان بعيد.

٥

{ والانعام } جمع نعم وقد يسكن عينه وهي الابل والبقر والغنم والمعز وهى وهى الاجناس الاربعة المسماة بالزواج الثمانية اعتبارا للذكر والأنثى لان ذكر كل واحد من هذه الانواع زوج بانثاه وانثاه زوج بذكره فيكون مجموع الازواج ثمانية بهذا الاعتبار من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين فالخيل والبغال والحمير خارجة من الأنعام واكثر ما يقع هذا الاسم على الابل وانتصابها بمضمر يفسره قوله تعالى

{ خلقها لكم } ولمنافكم ومصالحكم يا بنى آدم وكذا سائر المخلوقات فانها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم لا لها يدل عليه قوله تعالى

{ خلق لكم ما فى الارض جميعا } وقوله

{ سخر لكم ما فى السموات وما فى الارض }

واما الانسان فقد خلق له تعالى كما قال

{ واصطنعتك لنفسى } فالانسان مرآة صفات اللّه تعالى ومجلى اسمائه الحسنى

{ فيها دف } [ درايشان بوستست كرم كننده يعنى جامعها ازبشم وموى كه سرما بازدادر ].

والدفئ نقيض حدة البرد اى بمعنى السخونة والحرارة ثم سمى به كل ما يدفأ به اى يسخن به من لباس معمول من صوف الغنم او وبر الابل او شعر المعز هذا

واما الفرو فلا بأس به بعد الدباغة من أى صنف كان وقد عد الامام الشافعى رحمه اللّه لبس جلد السباع مكروها وكان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جبة فنك يلبسها فى الاعياد والفنك بالتحريك دابة فروتها اطيب انواع الفراء واشرفها واعد لها صالح لجميع الامزجة المعتدلة كما فى القاموس ثم ان اسباب التسخين انما تلزم للعامة وقد اشتهر ان النبى صلّى اللّه عليه وسلّم لم يصطل بالنار وكذا بعض الخواص فان حرارة باطنهم تغنى عن الحرارة الظاهرة : قال الصائب

جمعى كه بشت كرم بعش ازل نيند ... ناز سمورومنت سنجاب ميكشند

{ ومنافع } نسلها ودرها وركوبها والحراثة بها وثمنها واجرتها

{ ومنها تأكلون } من للتبعيض اى تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم وغير ذلك بخلاف الغدة والقبل والدبر والذكر والخصيتين والمرارة والمثانة ونخاع الصلب والعظم والدم فإنها حرام . وتقديم الظرف لرعاية الفاصلة او لان الا كل منها هو الاصل الذى يعتمده الناس فى معائشهم

واما الا كل من غيرها من الطيور وصيد البر والبحر فعلى وجه التداوى او التفكه والتلذذ فيكون القصر اضافيا بالنسبة الى سائر الحيوانات حتى لا ينتقض بمثل الخبز ونحوه من المأكولات المعتادة.

٦

{ ولكم فيها } مع ما فصل من انواع المنافع الضرورية

{ جمال } اى زينة فى اعين الناس ووجاهة عندهم

{ حين تريحون } تردونها من مراعيها الى مراحها ومباركها بالعشى اى فى آخر النهار من اراح الابل اذ ردها الى المراح بضم الميم وهو موضع اراحة الابل والبقر والغنم . والاراحة بالفارسية [ شبانكاه باز آوردن اشتر وكوسفند ]

{ وحين تسرحون } ترسلونها بالغداة اى فى اول النهار فى المرعى وتخرجونها من حظائرها الى مسارحها من سرح الراعى الابل اذ رعاها وارسلها فى المرعى قال فى تهذيب المصادر والسروح [ بجراهشتن ] وسرح لام ومتعد يقال سرحت الماشية وسرحت الماشية انتهى.

وتعيين الوقتين لان الرعاة اذا اراحوا بالعشى وسروحها بالغداة تزينت افانية بها اى ما اتسع من امام الدار كما فى القاموس وتجاوب الثغاء والرغاء الاول صوت الشاة والمعز والثانى ذوات الخف فيجل بكسر الجيم اى يعظم اهلها فى اعين الناظرين اليها ويكسبون الجاه والحرمة عند الناس

واما عند كونها فى المراعى فينقطع اضافتها الحسية الى اربابها وعند كونها فى الحظائر لا يراها راء ولا ينظر اليها ناظر وقدم الاراحة على السرح وان كانت بعده لان الجمال فيها اظهر اذهى حضور بعد غيبة واقبال بعد ادبار على احسن ما يكون ملأى البطون مرتفعة الضلوع حافلة الضروع . قال في القاموس الجمال الحسن فى الخلق والخلق وتجمل تزين وجمله زينه وفى الحديث ( جمال الرجل فصاحة لسانه ) وفى حديث آخر ( الجمال صواب المقال والكمال حسن الفعال )

موشند وكويا بشر ... ا كنده كوى ازبهايم بتر

٧

{ وتحمل اثقالكم } جمع ثقل بفتح الثاء والقاف وهو متاع المسافر وحشمه اى تحمل امتعتكم واحمالكم

{ الى بلد } بعيد اياما كان فيدخل فيه اخراج اهل مكة متاجرهم الى اليمن ومصر والشام

{ لم تكونوا بالغيه } واصلين اليه بانفسكم مجردين عن الاثقال لولا الابل اى لو لم تخلق الابل فرضا

{ الا بشق الانفس } فضلا عن استصحابها معكم اى عن ان تحملوها على ظهوركم اليه . والشق بالكسر والفتح الكلفة والمشقة وهو استثناء مفرغ من اعم الاشياء اى لم تكونوا بالغيه بشئ من الاشياء الا بشق الانفس

{ ان ربكم لرؤوف رحيم } عظيم الرأفة بكم وعظم الانعام عليكم حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وانعمها عليكم لانتفاعكم وتيسير الامر عليكم . عن عمر ابن الخطاب رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسلم كان فى بعض مغازيه فبينما هم يسيرون اذا خذوا فرخ طائر اى ولده فاقبل احد ابويه حتى سقط فى ايدى الذين اخذوا الفرخ فقال عليه الصلاة والسلام ( ألا تعجبون لهذا الطير اخذ فرخه فاقبل حتى سقط فى ايديكم واللّه لله ارحم بعباده من هذا الطائر بفرخه )

فروماند كانزرا برحمت قريب ... تضرع كنائر بدعوت مجيب

وفي الآية اشارة الى ان فى خلق الحيوانات انتفاعا للانسان فانهم ينتفعون بها حين اطلاعهم على صفاتها الحيوانية الذميمة بالصفات الملكية الحميدة احترازا عن الاحتباس فى حيزها واجتنابا عن شبهها بقوله

{ اولئك كالأنعام بل هم اضل } وهذه الصفات الحيوانية انما خلقت فيهم لتحمل اثقال ارواحهم الى بلد عالم الجبروت ولذا ورد ( نفسك مطيتك فارفق بها ).

واعلم ان اللّه تعالى من على عباده بخلق الابل والبقر والغنم والمعز وقد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ابل يركبها وهى الناقة القصوى اى المقطوع طرف اذنها والجدعاء اى المقطوعة الانف او مقطوعة الاذن كلها والعضباء اى المشقوقة الاذن

قال بعضهم وهذه القاب ولم يكن بتلك شئ من ذلك والعضباء هى التى كانت لا تسبق فسبقت فشق ذلك على المسلمين فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( ان حقا على اللّه ان لا يرفع شيأ من الدنيا الاوضعة ) وهى التى لم تأكل بعد وفاة رسول اللّه ولم تشرب حتى ماتت وجاء ان ابنته فاطمة رضى اللّه عنها تحشر عليها قال السعدى [ حلم شتر جنانكه ملعومست اكر طفلى مهارش كيرد وصد فرسنك ببرد كردن ازمتابعت او نيجد اما اكردرره هو لناك بيش آيدكه موجب هلاك باشد وطفل بنادانى خواهدكه آن جايكه برود زمام از كفش بكسلاند وديكر مطاوعت نكند كه هنكام درشتى ملاطفت مذموم است وكفته اندكه دثمن بملاطفت دوست نكردد بلكه طمع زياد كند ].

كسى كه لطف كند باتوخاك بايش باش ... وكر خلاف كنددردو جشمش آكن خاك

سخن بلطف وكرم بادرشت كوى مكوى ... كه رنك خوردده نكردد بنرم سوهان باك

قال فى حياة الحيوان واذا احرق وبر الجمل وذر على الدم السائل قطعه وقراده يربط فى كم العاشق فيزول عشقه ولحمه يزيد فى الباءة اى الجماع . والبقر من بقر اذا شق لانها تشق الارض بالحراثة .

وقيل لمحمد بن الحسين بن على رضى اللّه عنهم الباقر لانه شق العلم ودخل فيه مدخلا بليغا واذا اردت ان ترى عجبا فادفن جرة فى الارض الى حلقها وقد طلى باطنها بشحم البقر فان البراغيث كلها تجتمع اليها واذ بخر البيت بشحمه مع الزرنيخ اذهب الهوام خصوصا العقارب ولم ينقل انه صلّى اللّه عليه وسلّم ملك شيأ منها اى من البقر للقنية فلا ينافى انه ضحى عن نسائه بالبقر كما فى انسان العيون يقال ثلاثة لا يفلحون بائع البشر وقاطع الشجر وذابح البقر والمراد القصاب المعتاد لذلك وفى الحديث ( عليكم بالبان البقر واسمانها واياكم ولحومها فان البانها واسمانها دواء وشفاء ولحومها داء ) قال الامام السخاوى قد صح ان النبى عليه الصلاة والسلام ضحى عن نسائه بالبقر قال الحليمى هذا ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاص ذلك وهذا التأويل مستحسن والا فالنبي عليه السلام لا يتقرب الى اللّه تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر لتلك اليبوسة وجواب آخر انه عليه السلام ضحى بالبقر ببيان الجواز او لعدم تيسر غيره انتهى كلام السخاوى وفى الحديث ( صوفها رياش وسمنها معاش ) يعنى الغنم الرياش اللباس الفاخر يعني ان ما على ظهرها سبب الرياش ومادتها وما فى بطنها سبب المعاش وهو الحياة.

وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال امر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الاغنياء باتخاذ الغنم وامر الفقراء باتحاذ الدجاج وقال ( الدجاج غنم فقراء امتى والجمعة حج فقرائها ) وعند اتخاذ الاغنياء الدجاج يأذن اللّه بهلاك القرى وجاء ( اتخذوا الغنم فانها بركة ) قال فى حياة الحيوان جعل اللّه البركة فى نوع الغنم وهى تلد فى العام مرة ويؤكل منها ما شاء اللّه ويمتلئ منها جوف الارض بخلاف السباع فانها تلد ستا وسبعا ولا يرى منها الا واحد فى اطراف الارض وكان له صلّى اللّه عليه وسلّم مائة من الغنم وسبعة اعنز كانت ترعاها ام ايمن رضى اللّه عنها وكان له عليه السلام شاة يختص بشرب لبنها وماتت له عليه الصلاة والسلام شاة فقال ( ما فعلتم باهابها ) قالوا انها ميتة قال ( باغاها طهورها ) قال الامام الدميرى كبد الكبش اذا احرقت طرية ودلك بها الاسنان بيضتها وقرن الكبش اذا دفن تحت شجرة يكثر حملها واذ انحملت المرأة بصوف النعجة قطعت الحبل واذا غطى الاناء بصوف الضأن الابيض وفيه عسل لا يقربه النمل.

٨

{ والخيل } عطف على الانعام اى خلق اللّه الخيل وهو اسم جنس للفرس لا واحد له من لفظه كالابل . والخيل نوعان عتيق وهجين والفرق بينهما ان عظم البرذون اعظم من عظم الفرس وعظم الفرس اصلب ونقل والبرذون اجمل من الفرس والفرس اسرع منه والعتيق بمنزلة الغزال والبرذون بمنزلة الشاة فالعتيق ما ابواه عربيان سمى بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه بالامور المنقصة . وسميت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرق لانه لم يملكها مالك قط . والهجين الذى ابوه عربى وامه عجمية . وخلق اللّه الخيل من ريح الجنوب وكان بعد العصر والذكر من الخيل خلق قبل الانثى لشرفه كآدم وحواء . واول من ركب الخيل اسماعيل عليه السلام وكانت وحوشا ولذلك قيل لها العراب وفى الحديث ( اركبوا الخيل فانها ميراث ابيكم اسماعيل ) وقد سبق قصة انقيادها لاسماعيل فى سورة البقرة عند قوله تعالى ( واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ) الآية وعن انس رضى اللّه عنه ان النبى صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن شئ أحب اليه بعد النساء من الخيل وفى الحديث ( لما أراد ذو القرنين ان يسلك فى الظلمة الى عين الحياة سأل أى الدواب فى الليل ابصر فقالوا الخيل فقال أى الخيل ابصر فقالوا الاناث قال فأى الاناث ابصر فقالوا البكارة فجمع من عسكره ستة آلاف فرس كذلك ) وكان له صلّى اللّه عليه وسلّم سبعة افراس . الاول الكسب شبه بكسب الماء وانصبابه لشدة جريه . والثانى المرتجز سمى به لحسن صهيله مأخوذ من الرجز الذى هو ضرب من الشعر والثالث اللحيف كاميرا او زبير كأنه يلحف الارض بذنبه لطوله اى يغطيها

وقيل هو بالخاء المعجمة كامير وزبير . والرابع اللزاز مأخوذ من لاززته اى لاصقته فكأنه يلحق بالمطلوب لسرعته . والخامس الورود وهو ما بين الكميت والاشقر الكميت كزبير الذى خالط حمرته قنو وقنأ قنوأ اشدت حمرته والاشقر من الدواب الاحمر فى مغرة حمرة يحمر منها العرف والذنب ومن الناس من تعلو بياضه حمرة . والسادس الطرف بكسر الطاء المهملة واسكان الراء وبالفاء الكريم الجيد من الخيل . والسابع السبحة بفتح السين المهملة واسكان الموحدة وفتح الحاء المهملة اى سريع الجرى وفي الحديث ( ما من ليلة الا والفرس يدعو فيها ويقول رب انك سخرتنى لابن آدم وجعلت رزقى يده اللهم فاجعلنى احب اليه من اهله وولده ) وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الفرس يقول اذا التقت الفئتان سبوح قدوس رب الملائكة والروح ولذلك قيل رب بهيمة خير من راكبها وكان له فى الغنيمة سهمان وعن النبى عليه السلام

( لا يعطى الا لفرس واحد ) عربيا كان او غيره لان اللّه تعالى قال

{ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } ولم يفرق بين العربى وغيره ويقال ان الفرس لا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال للبعير لامرارة له اى لا جسارة له والفرس يرى المنامات كبنى آدم زبله اذا دخن به اخرج الولد من البطن قال الحافظ شرف الدين الدمياطى فى كتاب الخيل اذا ربط الفرس العتيق فى بيت لم يدخله الشيطان

واما الفرس الذى فيه شؤم فهو الذى لا يغزى عليه ولا يستعمل فى مصلحة حميدة ولا يركبه صالح وفى الحديث ( من نقى شعيرا لفرسه ثم جاء به حتى يعلق عليه كتب اللّه له بكل شعيرة حسنة ) قال موسى للخضر أى الدواب احب اليك قال الفرس والحمار والبعير لان الفرس مركب اولى العزم من الرسل والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام والحمار مركب عيسى والعزير عليهما السلام فكيف لا احب شيأ احياه اللّه بعد موته قبل الحشر

{ والبغال } جمع بغل وهو مركب من الفرس والحمار ويقال اول من استنتجها قارون وله صبر الحمار وقوة الفرس وهو مركب الملوك فى اسفارهم ومعبرة الصعاليك فى قضاء اوطارهم . وعن على بن ابى طالب رضى اللّه عنه ان البغال كانت تتناسل وكانت اسرع الدواب في نقل الحطب لنار ابراهيم خليل الرحمن فدعا عليهم فقطع اللّه نسلها وهذه الرواية تستدعى ان يكون استنتاجها قبل قارون لان ابراهيم مقدم على موسى بازمنة كثيرة واذا بخر البيت بحافر البغل الذكر هرب منه الفأر وسائر الهوام كما فى حياة الحيوان . وكان له صلّى اللّه عليه وسلّم بغال ست . منها بغلة شهباء يقال لها دلدل اهداها اليه المقوقس والى مصر من قبل هرقل والدلدل فى الاصل القنفذ

وقيل ذكر القنافذ

وقيل عظيمها وكان عليه الصلاة والسلام يركبها فى المدينة وفى الاسفار وعاشت حتى ذهبت اسنانها فكان يدق لها الشعير وعميت وقاتل على رضى اللّه عنه عليها مع الخوارج بعد ان ركبها عثمان رضى اللّه عنه وركبها بعد على رضى اللّه عنه ابنه الحسن ثم الحسين ثم محمد بن الحنيفة رضى اللّه عنهم . يقول الفقير انما ركبوها وقد كانت مركبه عليه الصلاة والسلام طلبا للنصرة والظفر فالظاهر انهم لم يركبوها فى غير الوقايع لان من آذاب التابع ان لا يلبس ثياب متبوعه ولا يركب دابته ولا يقعد فى مكانه ولا ينكح امرأته . ومنها بغلة يقال لها فضة . ومنها الايلية . وبغلة اهداها اليه كسرى . واخرى من دومة الجندل . واخرى من عند النجاشى

{ والحمير } جمع حمار وكان له صلّى اللّه عليه وسلّم من الحمر اثنان يعفور وعفير والعفرة الغبرة . وفى كتاب التعريف والاعلام ان اسم حمارة عليه الصلاة والسلام عفير ويقال له يعفور - روى - ان يعفور وجده صلّى اللّه عليه وسلّم بخيبر وانه تكلم فقال اسمى زياد بن شهاب وكان في آبائى ستون حمارا كلهم ركبهم بنى وانت بنى اللّه فلا يركبنى احد بعدك فلما توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم القى الحمار نفسه في بئر جزعا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فمات وذكر ان النى عليه الصلاة والسلام كان يرسله اذا كانت له حاجة الى اخذ من اصحابه فيأتى الحمار حتى يضرب برأسه باب الصحابة فيخرج اليه فيعلم ان النبى عليه الصلاة والسلام يريده فينطلق مع الحمار اليه والحمار من اذل خلق اللّه تعالى كما قال الشاعر

يقيم على ضيم يراد به ... الا الاذلان عير الحىّ والوتد

هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشبح فلا يرثى له احد

اى لا يصبر على ظلم يراد به فى حقه الا الاذلان اللذان هما فى غاية الذل ولفظ البيت خبر والمعنى نهى عن الصبر على الظم وتحذير وتنفير للسامعين عنه وفى الحديث ( من لبس الصوف وحلب الشاة وركب الاتن فليس فى جوفه شئ من الكبر ) والاتن جمع اتان وهى الحمارة

{ لتربكوها } تعليل بمعظم منافعها والا فالانتفاع بها بالحمل ايضا مما لا ريب فى تحققه

{ وزينة } انتصابها على المفعلو له عطفا على محل لتركبوها وتجريده عن اللام لكونه فعلا لفاعل الفعل المعلل به دون الاول فان الركوب فعل الراكب وهو المخلوق والزينة فعل الزائن وهو الخالق او مصر لفعل محذوف اى وتتزينوا بها زينة وقد احتج به ابو حنيفة رحمه اللّه تعالى على حرمة اكل لحم الخليل لانه علل خلقها للركوب والزينة ولم يذكر الاكل بعدما ذكره فى الانعام ومنفعة الا كل اقوى والآية سيقت لبيان النعمة ولا يليق بالحكيم ان يذكر فى موضع المنة ادنى لانعمتين ويترك اعلاهما كذا فى المدارك . وفى الحمر الاهلية خلاف مالك . وفى الخيل خلاف ابى يوسف ومحمد والشافعى كما فى بحر العلوم والتفصيل فى كتاب الذبائح من الكتب الفقهية

{ ويخلق مالا تعلمون } من انواع المخلوقات من الحشرات والهوام والطيور وحيوانات البحر ومخلوقات ما وراء جبل قاف وفى الحديث ( ان اللّه تعالى خلق الف امة ستمائة منها فى البحر واربعمائة فى البر ومن انواع السمك ما لا يدرك الطرف اولها وآخرها ومالا يدركها الطرف لصغرها ) وفى الحديث ( ان اللّه خلق ارضا بيضاء مثل الدنيا ثلاثين مرة محشوة خلقا من خلق اللّه لا يعلمون ان اللّه تعالى يعصى طرفة عين ) قالوا يا رسول اللّه أمن ولد آدم هم قال ( لا يعلمون ان اللّه خلق آدم ) قالوا فأين ابليس منهم قال

( لا يعلمون ان اللّه خلق ابليس ) ثم قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم

{ ويخلق مالا تعلمون } كما فى البستان وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان عن يمين العرش نهرا من نور مثل السموات السبع والارضين السبع والبحار السبعة يدخل فيه جبريل كل سحر فيغتسل فيزداد نورا الى نور وجمالا الى جمال وعظما الى عظم ثم ينتفض فيخلق اللّه من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا الف ملك فيدخل منهم كل يوم سبعون الف ملك البيت المعمور وسبعون ألف ملك الكعبة لا يعودون اليه الى يوم القيامة كما فى الارشاد وفى الحديث ( اذا ملئت جهنم تقول الجنة ملأت جهنم بالجبابرة والملوك والفراعنة ولم تملأنى الامن ضعفاء خلقك فينشئ اللّه خلقا عند ذلك فيدخلهم الجنة فطوبى لهم من خلق لم يذوقوا موتا ولم يروا سوأ باعينهم ) كما فى بحر العلوم واعلم ان اللّه تعالى قال

{ وما اوتيتم من العلم الا قليلا } وكيف يحصر من كان قليل العلم مخلوقات اللّه الغير المحصورة التى هى مظاهر كلماته التامة واسمائه العامة فالاولى السكوت وقد اظهر الانبياء عليهم السلام العجز مع سعة علومهم واحاطة قلوبهم فما ظنك فى حق افراد الامة.

در محفلى كه خورشيد اندر شمار ذره است ... خودرا بزرك ديدن شرط ادب نباشد

وفى التأويلات النجمية

{ ويخلق } فيكم بعد رجوعكم بالجذبة الى مستقركم

{ مالا تعلمون } قبل الرجوع اليه وهو قبول فيض نور اللّه تعالى بلا واسطة انتهى.

قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر سكت النبى عليه السلام عن الاستخلاف اذ فى امته من يأخذ الامر عن ربه فيكون بباطنه خليفة اللّه وبظاهر خليفة رسول اللّه فهو تابع ومتبوع وسامع ومسموع ومع ذلك فهو يأخذ من المعدن الذى يأخذ منه الملك الموجى الى رسول اللّه والمعدن الذى يأخذ منه الرسول وقد نبه سبحانه على ذلك لقوله

{ ادعوا الى اللّه على بصيرة انا ومن اتبعنى } بي انّ الرسول قابل للزيادة فى ظاهر الاحكام والخليفة الولى ليس كذلك ناقص عن رتبة النبوة انتهى فانظر الى استعداد كاملى هذه الامة كيف اخذوا الفيض من اللّه بلا واسطة نسأل اللّه تعالى ان يملأ قلوبنا بمحبتهم واعتقادهم ويوفقنا لاعمالهم ورشادهم ويحشرنا معهم وتحت لوائهم ويدخلنا الجنة ونحن من رفقائهم.

٩

{ وعلى اللّه قصد السبيل } القصد مصدر بمعنى الفاعل يقال سبيل قصد وقاصد اى مستقيم على نهج اسناد حال سالكه اليه كأنه ييقصد الوجه الذى يؤمه السالك لا يعدل عنه والمراد بالسبيل الطريق بدليل اضافة القصد اليه اى حق عليه سبحانه بموجب رحمته ووعده المحتوم لا واجب اذ لا يجب عليه شئ من بيان الطريق المستقيم الموصل لمن يسلكه الى الحق الذى هو التوحيد بنصب الادلة وارسال الرسل وانزال الكتب لدعوة الناس اليه

{ ومنها } فى محل الرفع على الابتداء اما باعتبار مضمونه

واما بتقدير الموصوف اى بعض السبيل او بعض من السبيل فانها تذكر وتؤنث . قال ابن الكمال الفرق بين الطريق والصراط والسبيل انها مستاوية فى التذكير والتأنيث اما فى المعنى فبينهما فرق لطيف وهو ان الطريق كل ما يطرقه طارق معتادا كان او غير معتاد والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك والصراط من السبيل مالا التواء فيه اى لا اعوجاج بل يكون على سبيل القصد فهو اخص

{ جائر } اى مائل عن الحق منحرف عنه لا يوصل سالكه إليه وهو طريق الضلال التى لا يكاد يحصى عددها المندرج كلها تحت الجائر كاليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر ملل الكفر واهل الهواء والبدع ومن هذا علم ان قصد السبيل هو دين الاسلام والسنة والجماعة جعلنا اللّه واياكم على قصد السبيل وحسن الاعتقاد والعمل وحفظنا واياكم من الجائر والزيغ والزلل.

قال مرجدع طريقة الجلوتية بالجيم اعنى حضرة الشيخ محمود هداى الاسكدارى قدس سره رأيت صور اعلام اهل الاديان فى مبشرتى ليلة الاثنين والعشرين من جماد الآخرة لسنة اثنتي عشرة والف وهى هذه- هذا علم اهل الايمان وصورة استمدادهم من الحق تعالى بالتوجه الى العلو اقتداء بمن قال فى حقه المولى الاعلى ما زاغ البصر وما طغى- هذا علم النصارى وصورة انحرافهم عن الحق- هذا علم اليهود وصورة انحرافهم عن الحق اكتفاء بالقلب انتهى

{ ولو شاء لهديكم اجمعين } اى ولو شاء اللّه ان يهديكم الى ما ذكر من التوحيد هداية موصلة اليه البتة مستلزمة لاهتدائكم اجميعن لفعل ذلك ولكن لم يشأ لان مشيئته تابعة للحكمة الداعية اليها ولا حكمة فى تلك المشيئة لما ان مدار التكليف والثواب والعقاب انما هو الاختيار الجزئى الذى يترتب عليه الاعمال التى بها نيط الجزاء.

وقال ابو الليث فى تفسيره لو علم اللّه ان الخلق كلهم اهل للتوحيد لهداهم انتهى.

يقول الفقير هو معنى لطيف مبنى على ان العلم تابع للمعلوم فلا يظهر من الاحوال الا ما اعطته الاعيان الى العلم الالهى كالايمان والكفر والطاعة والعصيان والنقصان والكمال فمن كان مقتضى ذاته الايمان والطاعة والكمال وكان اهلالها فى عالم عينه الثابتة اعطاها للعلم فشاء اللّه هدايته فى هذه النشأة بحكمته ومن كان مقتضى استعداده خلاف لم يشأ اللّه هدايته حين النزول الى مرتبة وجوده العنصرى والالزم التغير فى علم اللّه تعالى وهو محال وفى الحديث

( انما انا رسول وليس الى شئ من الهداية ولو كانت الهداية الىّ لآ من كل من الارض وانما ابليس مزين وليس له من الضلالة شيء ولو كانت الضلالة اليه لا ضل كل من فى الارض ولكن اللّه يضل من يشاء ) كذا فى تقليح الاذهان قال الحافظ

مكن بجشم حقارت ملامت من مشت ... كه نيست معصيت وزهد بى مشيت او

وقال

درين جمن نكم سرزتش بخود رويى ... جنانكه برورشم مى دهند ومى رويم

وقال

رضا بداده بده وزجبين كره بكشاى ... كه برمن وتو در اختيار نكشادست

فعليك بترك القيل والقال ورفض الاعتزال والجدال فان الضى والتسليم بسبب القبول وخلافه يؤدى الى غصب الحبيب المقبول - يحكى - عن حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر انه قال اقمت بمدينة قرطبة بمشهد فارانى اللّه اعيان رسله عليهم السلام من لدن آدم الى نبينا عله الصلاة والسلام فخاطبنى منهم هود عليه السلام واخبرنى فى سبب جمعيتهم وهو انهم اجتمعوا شفعاء للحلاج الى نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك انه كان قد اساء الادب بان قال فى حياته الدنيوية ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم همته دون منصبه قيل له ولم ذلك قال لان اللّه تعالى قال

{ ولسوف يعطيك ربك فترضى } وكان من حقه لا يرضى الا ان يقبل اللّه تعالى شفاعته فى كل كافر ومؤمن لكنه ما قال الا ( شفاعتى لاهل الكبائر من امتى ) فلما صدر منه هذا القول جاءه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى واقعة وقال له يا منصور انت الذى انكرت على الشفاعة فقال يا رسول اللّه قد كان ذلك فقال ألم تسمع اننى حكيت عن ربى عز وجل ( اذا احببت عبدا كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ) فقال بلى يا رسول اللّه فقال ( أو لم تعلم انى حبيب اللّه ) قال بلى يا رسول اللّه قال فاذا كنت حبيب اللّه كان هو لسانى القائل فاذا هو الشافع والمشفوع اليه وانا عدم فى وجود فأى عتاب على يا منصور فقال رسول اللّه ( انا تائب من قولى هذا فما كفارة ذنبى ) قال قرب نفسك لله قربانا فاقتل نفسك بسيف شريعتى فكان من امره ما كان ثم قال هود عليه السلام وهو من حيث فارق الدنيا محجوب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والآن هذه الجمعة لاجل الشفاعة له الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انتهى.

بقول الفقير سامحه اللّه القدير فى هذه القصة امران احدهما عظم شأن الحلاج قدس سره بدلالة عظم شأن الشفعاء والثانى انه قتل فى بغداد فى آخر سنة ثلاثمائة وتسع ومات حشرة الشيخ الاكبر بالشام سنة ثمان وثلاثين وستمائة فبينهما من المدة ثلاثمائة وتسع وعشرون سنة والظاهر واللّه اعلم ان روح الحلاج كان محجوبا عن روح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اكثر من ثلاثمائة سنة تقريبا وذلك سبب كلمة صدرت منه على خلاف الادب فان من كان على بساط القرب والحضور ينبغى ان يراعى الادب فى كل امر من الامور فما ظنك بمن جاوز حد الشريعة ورخص نظم القرآن ومعانيه اللطيفة وعمل بالخيلات والاوهام فليس اولئك الا كالانعام نسأل اللّه العافية والعفو والانعام

١٠

{ هو الذى انزل } بقدرته القاهر

{ من السماء } الى السحاب ومنه الى الارض

{ ماء } نوعا من هوهو المطر . وفى بحر العلوم تنكيره للتبعيض اى بعض الماء فأنه لم ينزل من السماء الماء كله

{ لكم منه } اى من ذلك الماء المنزر

{ شراب } اى ما تشربونه والظرف الاول وهو لكم خبر مقدم لشراب والثانى حال منه ومن تبعيضية

{ ومنه شجر } من ابتدائية اى ومنه وسببه يحصل شجر ترعاه المواشى والمراد به ما ينبت من الارض سواء كان له ساق اولا وفى حديث عكرمة

{ لا تأكلون ثمن الشجرة فانه سحت } يعني الكلأ وهو بالقصر ما روعته الدواب من الرطب واليابس وانما كان ثمنه سحتا لما فى حديث آخر ( الناس شركاء فى ثلاث الماء والكلأ والنار ) اى فى اصطلائها وضوئها لا فى الجمر كما ان المراد بالماء ماء الانهار والآبار لا الماء المحرز فى الظروف والحيلة فيه ان يستأجر موضعا من الارض ليضرب فيه فسطاطا او ليجعله حظيره لغنمه فتصح الاجارة ويبيح صاحب المرعى الانتفاع له بالرعى فيحصل مقصودها كذا فى الكافى ويجوز بيع الاوراق على الشجرة لا بيع الثمرة قبل ظهورها والحيلة فى ذلك بيعها مع الاوراق اول ما تخرج من وردها فيجوز البيع فى الثمر تبعا للبيع فى الاوراق كما فى انوار المشارق

{ فيه تسيمون } الاسامة بالفارسية

{ بيرون هشتن رمه بجرا } يقال سامت الماشية رعت واسمامها صاحبها من السومة بالضم وهى العلامة لانها تؤثر بالرعى علامات فى الارض اى ترعون مواشيكم قدم الشجر لحصوله بغير صنع من البشر ثم استأنف اخبار عن منافع الماء فقال لمن قال هل له منفعة غير ذلك

١١

{ ينبت } اللّه تعالى

{ كلم } لمصالحكم ومنافعكم

{ به } اى بما انزل من السماء

{ الزرع } الذى هو اصل الاغذية وعمود المعاش.

قال الكاشفى [ مراد حبوب غاذيه است كه زراعت ميكنند ] قال في بحر العلوم الزرع كل ما استنبت بالبذر مسمى بالمصدر وجمع زروع . قال كعب الابحبار لما اهبط اللّه تعالى آدم جاء ميكائيل بشئ من حب الحنطة وقال هذا رزق ورزق اولادك قم فاضرب الارض وابذر البذر قال ولم يزل اخب من عهد آدم الى زمن ادريس كبيضة النعام فلما كفر الناس نقص الى بيضة الدجاج ثم الى بيضة الحمام ثم الى قدر البندقة ثم الى قدر الحمصة ثم الى المقدار المحسوس الا ان يقال ان البوم لا يأكل الحنطة ولا يشرب الماء

اما الاول فلان آدم عصى بالحنطة ربه

واما الثانى فلان قوم نوح اهلكوا بالماء

{ والزيتون } الذى هو ادام من وجه وفاكهة من وجه.

وقال الكاشفى يعني [ درخت زيتون را ] . قال فى انسان اليعون شجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة وكان زاده صلّى اللّه عليه وسلّم وقت تخليه بغار حراء بالمد والقصر الكعك والزيت وجاء ( ائتدموا بالزيت وادهنوا به فانه يخرج من شجرة مباركة ) وهى الزيتون وقبل لها مباركة لانها لا تكاد تنبت الا فى شريف البقاع التى بورك فيها كارض بيت المقدس

{ والنخيل } [ وخرما بنانرا ] والنخيل والنخل بمعنى واحد وهواسم جمع والواحدة نخلة كالثمرة والثمر وفى الحديث ( اكرموا عمتكم النخلة فانها خلقت من فضل طينة آدم وليست من الشجرة شجرة اكرم على اللّه من شجرة ولدت تحتها مريم ابنة عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر ) كما فى المقاصد الحسنة

{ الاعناب } [ وتا كهارا ] جمع الاعناب للاشارة الى ما فيها من الاشتمال على الصناف المختلفة . وفيه اشارة الى ان تسمية العنب كرما لم يكن يوضع الواضع ولكنه كان من الجاهيلة كأنهم قصدوا به الاشتقاق من الكرم لكون الخمر المتخذة منه تحت على الكرم والسخاء فنهى النبى عليه السلام عن ان يسموه بالاسم الذى وضع الجاهلية وامرهم بالتسمية اللغوية بوضع الواضع حيث قال ( لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة ) ثم بين قبح تلك الاستعارة بقوله ( إنما الكرم قل بالمؤمن ) يعني ان ما ظنوه من السخاء والكرم فانما هو من قلب المؤمن لا من الخمر اذا اكثر تصرفات السكران عن غلبة من عقله فلا يعتبر ذلك العطاء كرما ولا سخاء اذهو في تلك الحالة كصبى لا يعقل السخاء ويؤثر بماله سرفا وتبذيرا فكما لا يحمل ذلك على الكرم فكذا اعطاء السكران كذا فى ابكار الافكار . وخصص هذه الانواع المعدودة بالذكر للاشعار بفضلها وشرفها ثم عمم فقال

{ ومن كل الثمرات } من تبعضية اى بعض كلها لانه لم يخرج بالمطر جميع الثمرات وانما يكون فى الجنة اى لم يقل كل الثمرات لان كلها لا تكون الا فى الجنة وانما ابنت فى الارض من كلها للتذكرة ولعل المراد ومن كل الثمرات التى يحتملها هذه النشأة الدنيوية وترى بها وهى الثمرات المتعارفة عند الناس بانواعها واصنافها فتكون كلمة من صلة كما فى قوله تعالى

{ يغفر لكم من ذنوبكم } على رأى الكوفية وهو اللائح

{ ان فى ذلك } اى فى انزال الماء وانبات ما فصل

{ آية } عظيمة دالة على تفرده تعالى بالالوهية لاشتماله على كمال العلم والقدرة والحكمة

{ لقوم يتفكرون } فان من تفكر فى ان الحبة والنواة تقع فى الارض وتصل اليها نداوة تنفذ فيها فينشق اسفلها فيخرج منه عروق وتنبسط فى اعماق الارض وينشق اعلاها ان كانت منتكسة فى الوقوع ويخرج منه ساق فينمو ويخرج منه الاوراق والازهار والحبوب والثمار على اجسام مختلفة الاشكال والالوان والخواص والطبائع وعلى نواة قابلة توليد الامثال على النمط المحرر لا الى نهاية مع اتحاد المواد واستواء نسبة الطبائع السفلية والتأثيرات العلوية بالنسبة الى الكل علم ان من هذه افعاله وآثاره لا يمكن ان يشبهه شئ فى شئ من صفات الكمال فضلا عن ان يشاركه اخس الاشياء فى صفاته التى هى الالوهية واستحقاق العبادة تعالى عن ذلك علو كبيرا

روضه جابنش جانها آفريد ... بغجه كون ومكانها آفريد

كرد ازهر شاخها كل برك وبار ... جلوه او نقش ديكر آشكار

والتفكر تصرف القلب فى معانى الاشياء لدرك المطلوب قالوا الذكر طريق والفكر وسيلة المعرفة التى هى اعظم الطاعات.

قال بعضهم الذكر افضل للعامة لما فى الفكر لهم من خوف الوقوع فى الاباطيل وتمكن من الفكر المستقيم فانهم كلما عرضت لهم شبهة تطلبوا دليلا يزيلها فكان الفكر لهم افضل من الذكر اذا لم يتمكنوا من حصول الفكر البليغ مع الذكر واليه اشار عليه السلام بقوله ( تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة ) - روى - ان عثمان رضى اللّه عنه ختم القرآن فى ركعة الوتر تمكنه من التدبر والتفكر ولم يبح ذلك لمن لم يتمكن من تدبيره ومعرفة فقهه واجل له مدة يتمكن فيها من ذلك كالثلاثة والسبعة

١٢

{ وسخر لكم } اى لمنامكم ومعاشكم ولعقد الثمار وانضاجها

{ الليل والنهار } يتعاقبان خلفة كما قال تعالى

{ هو الذى جعل الليل والنهار خلفة } قاتل بعضهم الليل ذكر كآدم والنهار انثى كحواء والليل من الجنة والنهار من النار ومن ثمة كان الانس بالليل اكثر

{ والشمس والقمر } تسخرا فى سيرهما وانارتهما اصالة وخلافة واصلحهما لما نيط بهما صلاحه كل ذلك لمصالحكم ومنافكم : قال السعدى

ابر وباد ومنه وخورشيد وفلك دركارند ... تاتو نانى بكف آرى وبغفلت نخورى

همه از بهرنو سركشته وفرمان بردار ... شرط النصاف نباشد كه توفرمان نبرى

والسخير بالفارسية [ رام كردانيدن ] وليس المراد بتسخير هذه لهم تمكنهم من تصريفها كيف شاؤوا كما فى قوله تعالى

{ سبحان الذى سخر لنا هذا } ونظائره بل هو تصريفه تعالى لها حسبما يترتب عليه منافهم ومصالحهم لا ان ذلك تسخير لهم وتصرف من قبلهم حسب ارادتهم

{ والنجوم مسخرات بامره } مبتدأ وخبر اى سائر النجوم فى حركاتها واوضاعها من التثليث والتربيع ونحوهما مسخرات اى مذللات لله خلقها ودبرها كيف شاء او لما خلقن له بامره اى بارادته ومشيئته وحيث لم يكن عود منافع لالنجوم اليهم فى الظهور بمثابة ما قبلها من الملوين والقمرين لم ينسب تسخيرها اليهم باداة الاختصاص بل ذكر على وجه يفيد كونها تحت ملوكته تعالى من غير دلالة على شئ آخر ولذلك عدل عن الجملة الفعلية الدالة على الحدوث الى الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار . وقرئ بنصب النجوم على تقدير وجعل النجوم مسخرات بامره او على انه معطوف على المنصوبات المتقدمة ومسخرات حال من الكل والعالم ما فى سخر من معنى نفع اى نفعكم بها حال كونها مسخرات لله او لما خلقن له بايجاده وتقديره

{ ان فى ذلك } اى فيما ذكر من التسخير المتعلق بما ذكر مجملا ومفصلا

{ لآيات } باهرة متكاثرة

{ لقوم يعقلون } يفتحون عقولهم للنظر والاستدلال ويعتبرون وحيث كانت الآثار العلوية متعددة ودلالة ما فيها من عظيم القدرة والعلم والحكمة على الوحدانية أظهر جميع الآيات علقت بمجرد العقل من غير حاجة الى التأمل والتفكر.

قال اهل العلم العقل جوهر مضيئ خلقه اللّه فى الدماغ وجعل نوره فى القلب يدرك الغائبات بالوساط والمحسوسات بالمشاهدة وهو للقلب بمنزلة الروح للجسد فكل قلب لا عقل له فهو ميت وهو بمنزلة قلب البهائم وسئل النبى صلّى اللّه عليه وسلّم من احسن الناس عقلا قال ( المسارع الى مرضاة اللّه تعالى والمجتنب عن محارم اللّه تعالى ) قالوا اخف حلما من العصفور قال حسان بن ثابت الانصارى رضى اللّه عنه

لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال واحلام العصافير

١٣

{ وما ذرأ لكم } عطف على قوله والنجوم رفعا ونصبا على انه مفعول لجعل المقدر اى وما خلق

{ فى الارض } من حيوان ونبات حال كونه

{ مختلفا الوانه } اى اصنافه فان اختلافها غالبا يكون باختلاف اللون سخر لله تعالى او لما خلق من الخواص والاحوال والكيفيات او جعل ذلك مختلف الاصناف لتتمتعوا من ذلك بأى صنف شئتم.

وفى بحر العلوم مختفا الوانه هيآته من خضرة وبياض وحمرة وسواد وغير ذلك . وفي اكثر التفاسير وما ذرأ معطوف على الليل والنهار اى وسخر لكم ما خلق لاجلكم وتعقب بان ذكر الخلق لهم مغن عن ذكر التسخير واعتذر بان الاول لا يستلزم الثانى لزوما عقليا لجواز كون ما خلق لهم عزيز المرام صعب المنال

{ ان فى ذلك } الذى ذكر من التسخيرات ونحوها

{ لآية } دالة على ان من هذا شأنه واحد لا شريك له

{ لقوم يتذكرون } فان ذلك غير محتاج الا الى تذكر ما عسى يغفل عنه من العلوم الضرورية.

والاشارة

{ وسخر لكم الليل } ليل البشرية

{ والنهار } نهار الروحانية

{ والشمس } شمس الروح

{ والقمر } فمر القلب

{ والنجوم } نجوم القوى والحواس الخمس

{ مسخرات بامره } وهو خطاب وتسخيرها استعمالها على وفق الشريعة وقانون الطريقة بمعالجة طبيب حاذق البصيرة والولاية كامل التصرف فى الهداية مخصوص بالعناية

{ ان في ذلك لآيات } لشاهدات

{ لقوم يعقلون } بشواهد الحق من غير التكفر بل بالمعاينات

{ وما ذرأ لكم } وما خلق لمصالحكم

{ فى الارض } فى ارض جلبتكم من الاستعدادات

{ مختلفا الوانه } منها ملكية ومنها شيطانية ومنها حيوانية

{ ان فى ذلك لآيات لقوم يتذكرون } عبورا ارواحهم على هذه العوالم المختلفة وتلونها فى كل عالم بلون ذلك العالم من عوالم الملكية والشيطانية والحيوانية الى ان ردت الى اسفل سافلين القالب كذا فى التأويلات النجمية.

فعلى العاقل ان يتخلص من قيد الغفلة ويربط نفسه بلسلة اهل التذكر . قال محمد بن فضل ذكر اللسان كفارات ودرجات وذكر القلب زلفى وقربات والتذكر من شأن القلب والقلب امير الجسد واسير الحق وفى الحديث ( لولا ان الشيطاين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا الى ملكوت السموات ) وفى هذه اشارة الى الاسباب التى هى حجاب بين القلب وبين الملكوت واصحاب القلوب من الانس ثلاثة صنف كالبهائم قال اللّه تعالى

{ لهم قلوب لا يفقهون بها } وصنف اجسادهم اجساد بنى آدم وارواحهم ارواح الشياطين ونصف فى ظل اللّه تعالى يوم لا ظل الا ظله كذا فى الخالصة : قال السعدى قدس سره

ترا ديده درسر نهادند وكوش ... دهن جاى كفتار ودل جاى هوش

مكر باز دانى نشيب از فراز ... نكويى كه اين كوتهست يادراز

يعنى ان اللّه تعالى خلق كل عضو من الاعضاء بالحكمة فاستعملوها فيما خلقت له.

١٤

{ وهو الذى سخر البحر } قال فى القاموس البحر الماء الكثير أو الملح فقط والجمع ابحر وبحور وبحار انتهى.

وفى الكواشى سخر البحر العذب والملح اى جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والغوص والاصطياد .

قال بعضهم هذه البحور على وجه الارض ماء السماء النازل وقت الطوفان فان اللّه تعالى امر الارض بعد هلاك القوم فابتلعت ماءها وبقى ماء السماء لم تبتلعه الارض

واما البحر المحيط فغير ذلك بل هو جزر عن الارض حين خلق اللّه الارض من زبده . ويجوز ركوب البحر بشرط علم السباحة وعدم دوران الرأس والا فقد القى نفسه الى التهلكة واقدم على ترك الفرائض وذلك للرجال والنساء كما قاله الجمهور وكره ركوبه للنساء لان حالهن على الستر واذا متعسر فى السفينة غالبا لا سيما فى الزورق وهى السفينة الصغيرة

{ لتأكلوا منه } اى من العذب والملح كما فى الكواشى

{ لحما طريا } من الطراوة فلا يهمز وهو بالفارسية [ تازه ] والمراد السمك والتعبير عنه باللحم مع كونه حيوانا للتوبيخ بانحصار الانتفاع به فى الاكل كما فى الارشاد وللايذان بعدم احتياجه للذبح كسائر الحيوانات غير الجراد كا هو اللائح وصفه بالطراوة ارشادا لا يتناول طريا فان اكله قديدا اضر ما يكون كما هو المقرر عند الاطباء وفيه بيان لكمال قدرته حيث خلقه عذبا طريا فى ماء زعاق وهو كغراب الماء المر الغيظ لا يطاق شربه من اطلاق اللحم عليه ذهب مالك والثورى الى ان من حلف لا يأكل اللحم حنث باكله والجواب ان مبنى الايمان الغرف ولا ريب فى انه لا يفهم من اللحم عند الاطلاق ألا ترى ان اللّه تعالى سمى الكافر دابة حيث قال

{ ان شر الدواب عند اللّه الذين كفروا } ولا يحنث بركوبه من حلف لا يركب دابة . وفى حياة الحيوان المذهب المفتى به حل الجميع من الحيوانات التى فى البحر الا السرطان والضفدع والتمساح سواء كان على صورة كلب او خنزير ام لا وفى الحديث ( اكل السمك يذهب بالحسد ) كما فى بحر العلوم . والسمك يستنشق الماء كما يستنشق بنوا آدم وحيوان البر الهواء الا ان حيوان البر يستنشق الهواء بالانوف ويصل بذلك الى قصة الرئة والسك يسنشق باصداغه فيقوم له الماء قى تولد الروح الحيوانى فى قلبه مقام الهواء فى امة الحاية ولم نستغن نحن وما اشبهنا من اليحوان عنه لان عالم السماء والارض دون عالم الهواء ونحن من عالم الارض ونسيم البرّ لو مرّ على السك ساعة لهلك : وفى المثنوى

ما هيانزرا بحر نكذارد برون ... خاكيانرا بحر نكذارد درون

اصل ما هى آب وحيوان ازكلست ... حيله وتدبير اينجا باطلست

{ وتستخرجوا منه } اى من البحر الملح

{ حلية } الحلية الزينة من ذهب او فضة والمراد بها فى الآية اللؤلؤ والحجر الاحمر الذى يقال له المرجان

{ تلبسونها } تنزين بها نساؤكم وانما اسند اليهم لكونهن منهم ولبسهن لاجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم

{ وترى الفلك} اى لو حضرت ايها المخاطب لرأيت السفن { مواخر فيه } جوارى فى البحر مقبلة ومدبره ومعترضة بريح واحدة بحيزومها من المخر وهو شق الماء يقال مخرت السفينة كمنع جرت وشقت الماء بجآجئها جمع جؤجؤ بالضم وهو صدر السفينة . وقال الفراء المخرصوت جرى الفلك بالريح

{ ولتبتغوا من فضله } عطف على تستخرجوا اى لتطلبوا من سعة رزقه بركبوها للتجارة فان تجارته اربح من تجارة البر والية اشارة حشرة سعدى بقوله

سود دريانيك بودى كرنبودى بيم موج ... صحبت كل خوش بدى كنيستى تشويس خار

وفي الحديث ( من ركب البحر فى ارتجاجه ففرق برئت منه الذمة ) وارتجاجه هيجانه من الموج وهو الحركة الشديدة ومعناه ان لكل احد من اللّه عهدا وذمة بالحفظ فاذا القى نفسه الى التهلكة فقد انقطع عنه عهد اللّه فلندور السلام حين الموج الشديد لم يجز ركوبه وعصى فاعله

{ ولعلكم تشركون } اى تعرفون حقوق نعمه الجليلة فتقومون بادائها بالطاعة والتوحيد ولعل مستعار لمعنى الارادة كما فى بحر العلوم ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لانه اوقى في ابا الانعام من حيث انه جعل المهالك سببا للانتفاع وتحصيل المعاض . قال صاحب كشف الاسرار [ آورده اندكه حق سبحانه وتعالى ازروى ظاهر درزمين درياها آفريد جون قلزم وعما ومحيط وجزائر وبرى عبور بران كشتيها مقرّ ر فرموده وازروى باطن درنفس آدمى درياها بديد كرده جون درياهاى شغل وغم وحرص وغفلت وتفرقه وبراى عبور ازان كشتيها تعيين نموده . هركه دركشتى توكل نشيند ازدرياى شغل بساحل فراغت رسد . وهركه در كشتى رضا درا آيد از بحر غم بساحل فرح رسد . وهركه دركستى قناعت جاى كند از درياى حرص بساحل زهد آيد وهركه دركشتى ذكر نشيند ازدرياى غفلت بساحل آكاهى رسد . وهركه بكشتى توحيد در آيد از درياى تفرقه بساحل جمعيت رسد وبحقيقت تفرقه در بقاست وجميعت درفنا باوجود آن در مملكت تفرقه وبيخودان در مرتبه جمع ]

بحساب خودى قلم دركش ... درره بيخودى علم بركش

تا بجاروب ( لا ) نرو بى راه ... كى رسى در حريم الا الله

والاشارة وهو الذى سخر لكم بحر العلوم لتأكلوا منه الفوائد الغيبية والمواهب السنية وتستخرجوا من بحر العلوم جواهر المعانى ودرر الحقائق حلية لقلوبكم تلبس بها ارواحكم النور والبهاء وترى سفائن الشرائع والمذاهب جاريات فى بحر العلوم ولتبتغوا من فضله وهو الاسرار الخفيات عن الملائكة المقربين ولعلكم تشركون هذه النعم الجسيمة والعطيات العظيمة التى اختصكم بها عن العالمين كما فى التأويلات النجمية.

١٥

{ والقى } اللّه تعالى بقدرته القاهرة

{ فى الارض } هى كروية الشكل محلها وسط العالم وسميت بالارض لانها تأرض اى تأكل اجساد بنى آدم

{ رواسى } ابى جبالا ثوابت من غير سبب ولا ظهير كأنها حصيات قبضهن قابض بيده فنبذهن فى الارض فهو تصوير لعظمته وتمثيل لقدرته وان كل عسير فهو عليه يسر اى وجعل فيها رواسى بان قال لها كونى فكانت فاصبحت الارض وقد ارسيت بالجبال بعد ان كانت تمور مورا فلم يدر احد مم خلقت من رسا الشئ اذا نبت جمع راسية والتاء للتأنيث على انها صفة جبال

{ ان تميد بكم } مفعول له والميد الحركة والميل يقال ماد يميد ميدا تحرك ومنه سميت المائدة . والمعنى كراهة ان تميل بكم وتضطرب . وبالفارسية [ تاميلى نكند بشمازمين يعني متحرك ومضطرب نكردد وشمارا نيكودارد ] وقد خلق اللّه الارض مضطربة لكونها على الماء ثم ارساها بالجبال وهى ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول على جريان عادته فى جعل اشياء منوطة بالاسباب فالارض بلا جبال كاللحم بلا عظام فكما ان وجود الحيوان وجسده انما يستمسك بالعظم فكذا الارض انما تقوم بالرواسى ألا ترى ان سطيحا الكاهن لم يكن فى بدنه عظم سوى القفا لكونه من ماء المرأتين وكان لا يستمسك وانما يخرج فى السنة مرة ملفوفا فى خرقة او موضوعا على صحيفة من فضة

{ وانهارا } جمع نهر ويحرك مجرى الماء اى وجعل فيها انهار الان فى القى معنى الجعل اذا لا لقاء جعل مخصوص وذلك مثل الفرات نهر الكوفة ولجة نهر بغداد وجيحون نهر بلخ وجيحان نهر اذنه فى بلاد الارمن وسيحون نهر الهند وسيحان نهر المصيصة والنيل نهر مصر وغيرها من الانهار الجارية فى اقطار الارض

{ وسبلا } وطرقا مختلفة جمع سبيل وهو الطريق وما وضح يعنى

[ بديد كرديم در زمين راها ازهر موضعى بموضعى ] { لعلكم تهتدون } ارادة ان تهتدوا بها الى مقاصدكم ومنازلكم .

قال بعضهم خذوا الطريق ولو دارت واسكنوا المدن ولو جارت وتزوجوا البكر ولو بارت اى ولو كانت البكر بورا اى فاسدة هالكة لا خير فيها

١٦

{ وعلامات } اى وجعل فيها معالم يستدل بها السابلة وهى القوم المختلفة على الطري قبالنهار من بجل وسهل ومياه واشجار وريح كما قال المام رأيت جماعة يشمون التراب وبواسطة ذلك الشم يتعرفون الطرقات

{ وبالنجم هم يهتدون } بالليل فى البرارى والبحار حي لا علامة غيره ولعل الضمير لقريش فانهم كانوا كثيرى التردد للتجارة مشهورين بالاهتداء بالنجوم فى اسفارهم وصرف النظم عن سنن الخطاب وتقديم النجم واقحام الضمير للتخصيص كأنه قيل وبالنجم خصوصا هؤلاء يهتدون فالاعتبار بذلك الزم لهم والشكر عليه اوجب عليهم والمراد بالنجم الجنس او هو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدى وذلك لانها تعلم بها الجهات ليلا لانها دائرة حول القطب الشمالى فهى لا تغيب والقطب فى وسط بنات نعش الصغرى والجدى هو النجم المفرد الذى ففى طرفها والفرقدان هما النجمان اللذان فى اطرف الآخر وهما من النعس والجدى من البنات ويقرب من بنات نعش الصغرى بنات نعش الكبرى وهى سبعة ايضا اربعة نعش وثلاث بنات وبازاء الاوسط من البنات السهى وهو كوكب خفى صغير كانت الصحابة رضى اللّه عنهم تمتحن فيه ابصارهم كذا فى التكملة لابن عسكر . قال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه تعلموا من النجوم ما تهتدون به فى طرقكم وقبلتكم ثم كفروا وتعلموا من الانساب ما تصلون به ارحامكم قيل اول من نظر فى النجوم والحساب ادريس النبى عليه السلام . قال بعض السلف العلوم اربعة الفقه للاديان والطب للابتدان والنجوم للازمان والنحو للسان

واما قوله عليه السلام ( من اتقبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر ) اى تعلم قطعة منه فقد قال الحافظ المنهى عنه من علم النجوم هو ما يدعيه اهلها من معرفة الحوادثالآتية من مستقبل الزمان كمجيء المطر ووقعو الثلج وهبوب الريح وتغير الاسعار ونحو ذلك ويزعمون انهم يدركون هذا بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الازمان دون بعض وهذا علم استأثر اللّه به لا يعلمه احد غيره كما حكى انه لما وقع قران الكواكب السبعة فى دقيقة من الدرجة الثالثة من الميزان سنة احدى وثمانين وخمسمائة حكم المنجمون بخراب الربع المسكون من الرياح وكان وقت البيدر ولم يتحرك ريح ولم يقدر الدهاقين على رفع الحبوب ولذا استوصى تلميذ من شيخه بعد التكميل عند افتراقه فقال ان اردت ان لا تحزن ابدا فلا تصحب منجما وان اردت ان تبقى لذة فمك فلا تصحب طبيبا . قال الشيخ [ منجمى بخانه خود در آمد مرد بيكانه را ديد بازن او بهم نشسته دشنام داد وسقط كفت وفتنه وآشوب برخاست صاحب دلى برين حال واقف شد وكفت

توب بر اوج فلك جا دانى جيست ... جو ندانى كه درسراى تو كست

فاما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذى يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقى فانه غير داخل فى النهى انتهى كلام الحافظ مع زيادة.

يقول الفقير اصحاب النظر والاستدلال محتاجون الى معرفة شىء من علم النجوم والحكمة والهيئة والهندسة ونحوها مما يساعده ظاهر الشرع الشريف اذ هو ادخل فى التفكر وقد قال تعالى

{ ويتفكرون في خلق السموات والارض } ولا يمكن صرف التفكر الى المجهول المطلق فلا بد من معلومية الامر ولو بوجه ما وهذا القدر خارج عن الطعن والجرح كما قال السيد الشريف النظر فى النجوم ليستدل بها على توحيد اللّه تعالى وكمال قدرته من أعظم الطاعات

واما اربابا الشهود والعيان فطريقهم الذكر وبه يصلون الى مطالعة انوار الملك والملكوت ومكاشفة اسرار الجبروت واللاهوت فيشاهدون فى الانفس والآفاق ما غاب عن العيون ويعاينون فى الظاهر والباطن ما تخير فيه الحكاء والمنجمون ثم ان الاهتداء اما بنجوم عالم الآفاق وهو للسائرين من ارض الى ارض

واما بنجوم عالم الانفس وهو للمهاجرين من حال الى حال وفى الحديث ( اصحابي كالنجوم بأيهم اقتد يتم اهتديتم ) وهذا الاقتداء والاهتداء مستمر باق الى آخر الزمان بحسب التوراث فى كل عصر فلا بد من الدليل وهو صاحب البصيرة والولاية كامل التصرف فى الهداية المخصوص بالعناية : قال الحافظ

بكوى عشق منه بى دليل راه قدم ... كه من بخويش نمودم صد اهتمام ونشد

وفى التأويلات النجمية والقى فى ارض البشرية جبال الوقار والسكينة لئلا تميل بكم صفات البشرية عن جادة الشريعة والطريقة وانهارا من ماء الحكمة وطريق الهداية لعلكم تهتدون الى اللّه تعالى وعلامات من الشواهد والكشوف وبنجم الهداية من اللّه يهتدون الى اللّه وهو جذبة العناية يخرجكم بها من ظلمات وجودكم المجازى الى نور الوجود الحقيقى انتهى.

قال الشيخ ابو القاسم الخزيمى الغرارى فى كتاب الاسئلة المقحمة فى الاجوبة المفحمة قوله تعالى

{ والقى فى الارض } الى قوله

{ لعلكم تهتدون } فيه دليل انه تعالى اراد من الكل الاهتداء والشكر وان كل من لا يهتدى فليس ذلك بارادته تعالى والجواب المراد به ان يذكرهم النعم التى يستحق عليها الشكر فى قوله تعالى

{ خلق السموات والارض } الى قوله

{ وان تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها } ثم بين تعالى ان هذا النعم كلها توجب الشكر والهداية ثم يختص بها من يشاء كما قال تعالى { ولو شاء لهداكم اجمعين . }

١٧

{ أفمن يخلق } هذه المصنوعات العظيمة وهو اللّه تعالى . وبالفارسية [ آيا كسى كه مرا آفريند اين همه مخلوقات راكه مذكور شد ]

{ كمن لا يخلق } كمن لا يقدر على شئ اصلا وهو الاصنام ومن اللعقلاء لانهم سموها آلهة فاجريت مجرى العقلاء او لانه قابله بالخلق وجعله معه كقوله تعالى

{ فمنهم من يمشى على بطنه ومنه من يمشى على رجلين } والهمز للانكار اى ابعد ظهور دلائل التوحيد تتصور المشابهة والمشاركة : يعنى

[ خالق را بامخلوق هيج مشابهتى نسيت بس عاجزرا شريك قادر ساختن غايت عناد ونهايت جهلست ] واختير تشبيه الخالق بغير الخالق مع اقتضاء المقام بظاهره عكس ذلك مراعاة لحق سبق الملكة على العدم

{ أفلا تذكرون } اى ألا تلاحظون فلا تذكرون ذلك فتعرفون فساد ما انتم عليه يا هل مكة فانه بوضوحه بحيث لا يفتقر الى شئ سوى التذكر وهو بالفارسية

[ ياد كردن ]

١٨

{ وان تعدوا } العد بالفارسية [ شمردن

{ نعمة اللّه } الفائضة عليكم مما لم يذكر

{ لا تحصوها } لا تطيقوا حصرها وضبط عددها ولو اجمالا فضلا عن القيام بشكرها يقال احصاه اى عده كما فى القاموس واصله ان الحساب كان اذا بلغ عقدا وضعت له حصاة ثم اتؤنف العدد . والمعنى لا توجد له غاية فتوضع له حصاة

عطا ييست هرمو ازو برتنم ... جكونه بهر موى شكرى كنم

{ ان اللّه لغفور } ستور يتجاوز عن تقصيركم فى شكرها

{ رحيم } عظيم الرحمة والنعمة لا يقطعها عنكم مع استحاققكم للقطع والحرمان بسبب ما انتم عليه من العصيان ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها وتقديم وصنف المغفرة لعى نعت الرحمة لتقدم التخلية على التحلية.

قال ابن عطاء ان لك نفسا وقلبا وروحا وعقلا ومحبة ودينا ودنيا وطاعة ومعصية وابتداء وانتهاء وحينا واصالا وفصلا فنعمة النفس الطاعات والاحسان والنفس فيهما تتقلب ونعمة القب اليقين والايمان وهو فيهما يتقلب ونعمة الروح الخوف والرجاء وهو فيهما يتقلب ونعمة العقل الحكمة والبيان وهو فيهما يتقلب وتنعمة المعرفة الذكر والقرآن وهى فيهما تتقلب ونعمة المحبة الالفة والمواصلة والامن من الهجران . وهى فيها تتقلب وهذا تفسير قوله

{ وان تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها } انتهى.

واعلم انه لو صرف جميع عمر الانسان الى الاعمال الصالحة واقامة الشكر لما كافأ نعمة الوجود فضلا عن سائر النعم

لو عشت الف ... عام فى سجدة لربى

شكر الفضل يوم ... لم اقض بالتمام

والعام الف شهر ... والشهر الف يوم

واليوم الف حين ... والحين الف عام

قال الشيخ سعدى قدس سره

ير خدمت آوردم ... كه ندارم بطاعت استطهار

عاصيان از كناه توبه كنند ... عارفان از عبادت استغفار

المراد رؤية العمل لا ترك العمل وينبغى للعبد از يكون تحت طاعة المولى لا تحت طاعة النفس والشيطان فان المطيع والعاصى لا يستويان - حكى - ان عابدا من بنى اسرائيل عبد اللّه تعالى سبعين سنة فاراد اللّه ان يظهره على الملائكة فارسل اليه لمكا يخبره انه مع تلك العبادة لا يليق بالجنة فقال العابد نحن خقلنا للعبادة فينبغى ان نعبد خالقنا امتثالا لامره فرجع الملك فقال الهى انت تعلم بما قال فقال اللّه تعالى اذا لم يعرض عن عبادتنا فنحن مع الكرم لا نعرض عنه اشهدوا انى قد غفرت له فللعبد ان يكون قصده مراعاة الامر واخراج النفس عن البين وهو حجاب عظيم للوصول الى الحقيقة وعلى تقدر الزلة فالمسارعة الى الاتستغفار فانه نعم المطهر من درن الذنوب والاوزار.

١٩

{ واللّه يعلم ما تسرون } ما تضمرون من العقائد والاعمال

{ وما تعلنون } اى تظهرونه منها اى يستوى بالنسبة الى علمه المحيط سركم وعلنكم فحقه ان يتقى ويحذر ولا يجترأ على شئ مما يخالف رضاه.

٢٠

{ والذين يدعون } اى والآلهة الذين عبدهم الكفار والدعاء بمعنى العبادة فى القرآن كثير

{ من دون اللّه } نصب على الحال اى متجاوزين اللّه فان معنى دون ادنى مكان من الشئ ثم استعير للتفاوت فى الاحوال والرتب ثم اتسع فيه فاستعمل فى كل من تجاوز حدا الى حد وتخطى حكما الى حكم

{ لا يخلقون شيأ } من الاشياء اصلا اى ليس من شنهم ذلك لانهم عجزة

{ وهم يخلقون } اى شأنهم ومقتضى ذاتهم الخلوقية لانها ذوات ممكنة مفتقرة فى مأهيتها ووجوداتها الى الموجد.

قال فى القاموس الخالق فى صفاته المبدع للشيء المخترع على غير مثال سبق.

٢١

{ اموات } جمع ميت خبر ثان للموصول اى جمادات لا حياة فيها وبالفارسية [ وايشان باوجود مخلوقيت مردكانند ] ولم يقل موات لانهم صوروا على شكل من تحله الروح . قال فى القاموس الموات كغراب وكسحاب مالا روح فيه وارض لا مالك لها

{ غير أحياء } جمع حى ضد الميت اى غير قابلين للحياة كالنفطة والبيضة فهى اموات على الاطلاق

{ وما يشعرون ايان يبعثون } الشعور [ بدانستن ] يقال شعر به كنصر وكرم شعرا وشعورا علم به وفطن له وعقله . وايان مركب من أى التي للاستفهام وآن بمعنى الزمان فلذلك كان بمعنى متى اى سؤالا عن الزمان كما كان اين سؤالا عن المكان فلما ركبا وجعلا اسما واحدا بنيا على الفتح كبعلبك وبعث الموتى نشرهم اى احياؤهم كما فى القاموس . والمعنى ما يعلم اولئك الآلهية متى يبعث عبدتهم من القبور . وفيه ايذان بان معرفة وقت البعث مما لا بد منه فى الالوهية وتعريض بانهم كما لا بد لهم من الموت لا بد لهم من البعث وهم منكرون لذلك وهو اللائح.

٢٢

{ الهكم اله واحد } [ يكتا ويكانه است ] لا نشاركه شئ فى شئ

{ فالذين لا يؤمنون بالآخرة } واحوالها من البعث والجزاء وغير ذلك والايمان فى اللغة التصديق بالقلب وفى الشريعة هو الاعتقاد بالقلب والاقرار باللسان . قال السهيلى فى كتاب الامالى الفرق بين لاتصديق والايمان ان التصديق لا بد ان يكون فى مقابلة خبر والايمان قد يكون فى مقابلة خبر صادق وقد يكون عن فكر ونظر فاذا نظرت فى الصنعة وعرفت بها الصانع آمنت ولم تكن مصدقا بخبر الا خبر هناك فاذا جاء الخبر بما آمنت به واقررت صدقت الخبر وايضا ان التصديق قد يكون بالقلب وانت ساكت تقول سمعت الحديث قصدقته والايما لا بد من اجتماع اللفظ مع العقد فيه لغة وشرعا انتهى

{ قلوبهم منكرة } للوحدانية متصفة بالنكارة لا بالمعرفة

{ وهم مستكبرون } اى وهم قول لا يزال الاستكبار عن اعتراف الوحدانية والتعظيم عن قبول الحق بأدبهم كما ان الانكار سجيتهم.

٢٣

{ لا جرم } [ هر آيينه راست است ]

{ ان اللّه } [ آنكه خداى تعالى ] { يعلم ما يسرون } من انكار قلوبهم

{ وما يعلنون } من استكبارهم . لا جرم للتحقيق والتأكيد بمنزلة حقا . قال ابو البقاء فى لا جرم اربعة اقوال .

احدها ان لا رد لكلام ماض اى ليس الامر كما زعموا وجرم فعل بمعنى كسب وفاعله مضمر فيه وان ما بعده فى موضع النصب على المفعول به .

والقول الثانى ان لا جرم كلمتان ركبتا وصار معناهما حقا وما بعدها فى موضع رفع بانه فاعل لحق .

والثالث ان المعنى لا محالة فيكون ما بعدها فى موضع رفع ايضا

وقيل فى موضع نصب او جر

والرابع ان التقدير لا منع

{ انه } اى اللّه تعالى

{ لا يحب المستكبرين } عن التوحيد اى جنس المستكبرين سواء كانوا مشركين او مؤمنين . والاستكبار رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق والفرق بين المتكبر والمستكبر ان التكبر عام لاظهار الكبر الحق كما فى اوصاف الحق تعالى فانه جاء فى اسمائه الحسنى الجبال المتكبر وفى قوله عليه السلام ( التكبر على المتكبر صدقة ) ولاظهار الكبر الباطل كما فى قوله تعالى

{ ساصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الارض بغير الحق } والاستكبار اظهار الكبر باطلا كما فى قوله تعالى فى حق ابليس

{ استكبر } ومنه ما فى هذا المقام . وفى العوارف الكبر ظن الانسان انه كبر من غيره والتكبر اظهاره ذلك وفى الحديث ( لا يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من فى قلبه مثاقل ذرة من ايمان )

قال الخطابى فيه تأويلان احدهما ان المراد كبر الكفر ألا ترى انه قابله فى نقيضه بالايمان والآخر انه تعالى اذا اراد ان يدخله الجنة نزع ما فى قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر . قال فى فتح القريب هذان التأويلان فيهما بعد فان الحديث ورد فى سياق النهى عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس واحقارهم ودفع الحق

وقيل لا يدخلها دون مجازاة ان جازاه

وقيل لا يدخلها مع المتقين اول وهله . وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه عن النبى صلّى اللّه عليه وسلّم انه قال ( قال اللّه تعالى يا بنى آدم خلقتكم من التراب ومصيركم الى التراب فلا تتكبروا على عبادى فى حسب ولا مال فتكونوا على اهون من الذر وانما تجزون يوم القيامة باعمالكم لا باحسابكم وان المتكبرين فى الدنيا اجعلهم يوم القيامة مثل الذر يطأهم الناس كما كانت البهائم تطأه فى الدنيا ) - وحكى - انه افتخر رجلان عند موسى عليه السلام بالنسب والحسب فقال احدهما انا فلان ابن فلان حتى عدّ تسعة فاوحى اللّه تعالى اليه قل له هم فى النار وانت عاشرهم وانشد بعضهم

ولا تمش فوق الارض الا تواضعا ... فكم تحتها قوم همو منك ارفع

فان كنت فى عز وحرز ورفعة ... فكم مات من قوم همو منك امنع

فعليك بالتواضع وعدم الفخر على احد فان التواضع باب من ابواب الجنة والفخر باب من ابواب النار واللازم فتح الواب الجنان وسد ابواب النيران كتحصيل الفقر المعنى الذى ليس الفخر فى الحقيقة الا به فانه لا يليق المرؤ بدولة المعنى ورياسة الحال وسلطنة المقام الا بتحلية ذاته بحلية التواضع وزينة الفناء : قال الحافظ

تابج شاهى طلبى كوهر ذاتى بنماى ... ورخوداز كوهر جمشيد وفريدون باشى

اللهم اجعلنا من اهل التواضع لا من ارباب التملق واجعلنا من اصحاب التحقق بعد التخلق.

٢٤

{ واذا قيل لهم } عن السعدى اجتمعت قريش فقالوا ان محمدا رجل حلو اللسان اذا كلم رجلا ذهب بقلبه فانظروا اناسا من اشرافكم فابعثوهم فى كل طريق سكة على رأس ليلة او ليلتين فمن جاء يريده ردوه عنه فخرج ناس منهم من كل طريق فكان اذا جاء وافد من القوم ينظر ما يقول محمد فنزل بهم قالوا له هو رجل كذاب مايتبعه الا السفهاء والعبيد من لا خير فيه

واما اشياخ قومه واخيارهم فهم مفارقوه فيرجعه احدهم واذا كان الوافد ممن هداه اللّه يقول بئس الوافد انا لقومى ان كنت جئت حتى اذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل ان القى هذا الرجل فانظر ما يقول فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ما يقول لهم فيقولون خيرا فذلك قوله تعالى

{ واذا قيل لهم } اى لهؤلاء الشمركين المستكبرين المقتسمين من قبل الوفود اووفود الحاج فى الموسم

{ ماذا انزل ربكم } ماذا منصوب بانزل بمعنى أى شئ انزل ربكم على محمد

{ قالوا اساطير الاولين } عدلوا عن الجواب فقالوا هذا اساطير الاولين على ان يكون خبر مبتدأ محذوف لانهم انكروا انزال الرآن بخلاف قوله

{ وقيل للذين اتقوا ماذا انزل ربكم قالوا خيرا } كما يجيئ ويجوز ان يكون ماذا مرفوعا بالابتداء اى ما الذى انزله ربكم قالوا اساطير الاولين اى ما تدعون نزوله احاديث الامم السالفة وباطيلهم وليس من الانزال فى شئ : يعنى [ هيج نفر ستاده وآنجه آدمى خواند اساطير الاولين است ] قال فى القاموس الاساطير الاحاديث لا نظام لها جمع اسطار واسطير بكسرهما واسطورة وبالهاء فى الكل.

٢٥

{ ليحملوا اوزارهم } [ بار كناهان خودرا ] واللام للعاقبة اذ لم يكن داعيهم الى ذلك القول حمل الاوزار ولكن الاضلال غير ان ذلك لما كان نتيجة قولهم وثمرته شبه بالداعى الذى لاجله يفعل الفاعل الفعل كما فى بحر العلوم . وقال فى الارشاد اللام للتلعيل فى نفس الامر من غير ان يكون غرض اى قالوا ما قالوا ليحملوا اوزارهم الخاصة بهم وهى اوزار ضلالهم اى تحتم حمل الاوزار عليهم على تقدير التعليل . والاوزار جمع وزر وهو الثقل والحمل الثقيل

{ كاملة } لم يكفر منها شئ بنكبة اصابتهم فى الدنيا كما يكفر بها اوزار المؤمنين فان ذنوبهم تكفر عنهم من الصلاة الى الصلاة ومن رمضان الى رمضان ومن الحج الى الحج وتكفر بالشدائد والمصائب اى المكروهات من الآلام والسقام والقحظ حتى خدش العود وعثرة القدم

{ يوم القيامة } ظرف ليحملوا

{ ومن اوزار الذين يضلونهم } اى وبعض اوزار من ضل باضلالهم وهو زر الاضلال والتسبيب للضلالة لانهما شريكان هذا يضله وهذا يطاوعه فيتحاملان الوزر وفى الحديث ( من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها على يوم القيامة ) وفى المثنوى.

هو كه بنهد سنت بد اى فتى ... تاردر افتد بعداو خلق ازعمى

جمع كردد بروى آن جمله بزه ... كوسرى بوده است وايشان دم غزه

{ بغير علم } حال من الفاعل اى يضلونهم غير عالمين بان ما يدعون اليه طريق الضلالة وبما يستحونه من العذاب الشديد فى مقابلة الاضلال او من المفعول اى يضلون من لا يعلم انهم ضلال وفائدة التقييد بها الاشعار بان مكرهم لا يروج عند ذوى لب وانما يتبعهم الاغبياء والجهلة والتنبيه على ان جهلهم ذلك لا يكون عذرا اذ كان يجب عليهم ين يبحثوا ويميزوا بين المحقق الحقيق بالاتباع وبين المبطل.

جشم باز وكوش باز ودام بيش ... سوى دامى مى برد باير خويش

{ ألا ساء ما يزرون } ساء فى حكم بئس والضمير الذى فيه يجب ان يكون مهما يفسره ما يزرون والمخصوص بالذم محذوف اى بئس شيأ يزرونه اى يحملونه فعلهم . وبالفارسية [ بدانيد كه بدركاريست آن بارى كه ايشان مى كشند ] . واعلم انه لا يحمل احدورر احد اذ كل نفس تحمل ما كسبت هى لا ما كسبت غيرها اذ ليس ذلك من مقتضى الحكمة الالهية

واما حمل وزر الضلال فهو حمل وزر نفسه لانه مضاف اليه لا الى غيره . فعلى العاقل ان يجتنب من الضلال والاضلال فى مرتبة الرشيعة والحقيقة فمن حمل القرآن على الاساطير ودعا النسا الى القول بها فقد ضل واضل وكذا من حل إشارات القرآن على الاباطيل لا على الحقائق فانه ضل بالانكار واضل طلاب الحق عن طريق الاقرار فحمل حجاب الضلال وحجاب الاضلال وكلما تكاثف الحجب وتضاعف الاستار بعد المرؤ عن درك الحق ورؤية الآثار والمراد بالاشاراة الصحيحة المشهود لحقيتها بالكتاب ولاسنة وهى الاشارات الملهمة الى اهل الوصول لا الاشاراتن التى تدعيها الملاحدة وجهلة المتصوفة مما يوافق هواهم فانها ليست من الاشارات فى شئ كما قال فى المثنوى.

بر هوا تأويل قرآن ميكنى بست ... وكز شد از تزمعنئ سنى

آن مكس بر برك كاه وبول خر ... همجو كشتيبان همى افراشت سر

كفت من دريا وكشتى خوانده ام ... مدتى درفكر آن مى ما نده ام

اينك اين دريا واين كشتى ومن ... مرد كشتيبان واهل ورأى زن

بر سر دريا همى راند او عمد ... مى نمودش آن قدر بيرون زحد

صاحب تأويل باطل جون مكس ... وهم ابو بول خر وتصوير خس

كرمكس تأويل بكذارد براى ... آن مكس را بخت كرداند هماى

٢٦

{ وقد مكر الذين من قبلهم } المكر الخديعة يعنى قد مكر اهل مكة كما مكر الذين من قبلهم وصار المكر سببا لهلاكهم لا لهلاك غيرهم لان من حفر لاخيه جبار وقع فيه منكبا . قال فى المدارك الجمهور على ان المراد نمرود بن كنعان حين بنى الصريح ببال وكان قصرا عظيما طوله خمسة آلاف ذراع وعرضه فرسخان ليقاتل عليه من فى السماء بزعمه ويطلع على اله ابراهيم عليه السلام

{ فاتى اللّه بنيانهم من القواعد } البنيان البناء والجمع ابنية والقواعد جمع قاعدة وقواعدي البيت اساسه او اساطينه اى قصد اللّه تخريب بنائهم من جهة اصوله واساسه واتاه امره وحكمه وبأسه او من جهة الاساطين التى بنوا عليها بان ضعفت

{ فخر } اى سقط

{ عليهم السقف } اى سقف بنائهم

{ من فوقهم } يعنى [ اول بام برايشان فرود آمد بس ديوارها ] اذ لا يتصور البناء بعد هدم القواعد وجاء بفوقهم وعليهم للايذان بانهم كانوا نحته فان العرب لا تقول سقط علينا البيت وليسوا تحته - روى - انه هبت عليه ريح هائلة فالقت رأسه فى البحر وخر الباقى عليهم ولما سقط الصرح تبلبلت الالسن من الفزع يومئذ : يعنى [ بهم بر آمد وسخن ايشان مختلف كشت هرقومى بزبانى سخن كفتن آغاز كردند وهبج يك زبان آن ديكر ندانست ] فتكلموا ثلاثة وسبعين لسانا فلذلك سميت ببابل وكان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية

{ واتيهم العذاب } اى الهلاك بالريح

{ من حيث لا يشعرون } باتيانه منه بل يتوقعون اتيان مقابله مما يريدون ويشتهون . والمعنى ان هؤلاء الماكرين القائلين للقرآن العظيم اساطير الاولين سيأتيهم فى الدنيا من العذاب مثل ما اتاهم وهم لا يحتسبون [ دمياطى آورده كه مراد ازين عذاب بعوضه است كه برلشكر نمرود مسلط شد . درلباب فرموده كه خداى تعالى نمرودرا مبتلاكردانيد به بشه كه در بينى اورفته بود ودردماغ وى جاى كرفته وبزرك شد وجهار صدسال درانجا بماند ودرين مدت بيوسته مطرقه برسر او ميزدند تا فى الجمله آرام يافت . شيخ فريد الدين عطار قدس سريه در منطق الطير آورده

نيم بشه برسر دشمن كما شت ... درسراو جارصد سالش بداشت

جون دهدحكمش ضعيفى رامدد ... سبلت خصم قوى را بر كند

٢٧

{ ثم يوم القيامة } اى هذا العذاب جزاؤهم فى الدنيا ويوم القيامة

{ يخزيهم } [ رسواى كرداند ايشانرا ] اى يذل اولئك المفترين والماكرين الذين من قبلهم جميعا بعذاب الخزى على رؤس الاشهاد واصل الخزى ذل يستحيى منه وثم لتفاوت ما بين الجزاءين

{ ويقول } لهم تفضيحا وتوبيخا فهو الى آخره بيان للاخزاء

{ اين شركائى } بزعمكم

{ الذين كنتم تشاقون } اصله تشاققون اى تخاصمون الانبياء والمؤمنين

{ فيهم } اى في شأنهم بانهم شركاء احقاء حين بينوا لكم بطلانها . والمراد بالاستفهام استحضارها للشفاعة او المدافعة على طريق الاستهزاء والتبكيت والاستفسار عن مكانهم لا يوجب غيبتهم حقيقة بل يكفى فى ذلك عدم حضورهم بالعنوان الذى كانوا يزعمون انهم متصفون به من عنوان الالهية فليس هناك شركاء ولا اما كنها

{ قال الذين اوتوا العلم } من اهل الموقف وهم الانبياء والمؤمنون الذين اوتوا علما بدلائل التوحيد وكانوا يدعونهم فى الدنيا الى التوحيد فيجادلونهم ويتكبرون عليهم اى يقولون توبيخا لهم واظهار اللشماته بهم

{ ان الخزى } اى الفضيحة والذل والهوان وبالفارسية [ خوارى ورسوايى ]

{ اليوم } متعلق بالخزى وايراده للاشعار بانهم كانوا قبل ذلك فى عزة وشقاق

{ والسوء } اى العذاب

{ على الكافرين } باللّه تعالى وبآياته ورسله وهو قصر للجنس الادعائى كأن ما يكون من الذل وهو العذاب لعصاة المؤمنين لعدم بقائه ليس من ذلك الجنس.

٢٨

{ الذين تتوفيهم الملائكة } فى محل الجر على انه نعت للكافرين وفائدة تخصيص الخزى والسوء بمن استمر كفره الى حين الموت دون من آمن منهم ولو فى آخر عمره اى على الكافرين المستمرين على الكفر الى ان تتوفاهم الملائكة اى يقبض ارواحهم ملك الموت واعوانه

{ ظالمى انفسهم } اى حال كونهم مستمرين على الكفر والاستكبار فانه ظلم منهم على انفسهم وأى ظلم حيث عرضوها للعذاب المخلد بوضعها بالاستكبار على الملك الجبار غير موضعها وبدلوا فطرة اللّه تبديلا

{ فالقوا السلم } عطف على قوله تعالى

{ ويقول اين شركائى } والسلم بالتحريك الاستسلام اى فيلقون الاستسلام والانقياد فى الآخرة حين عاينوا العذاب ويتركون المشاقة وينزلون عما كانوا عليه فى الدنيا من التكبر والعلو وشدة الشكيمة قائلين

{ ما كنا نعمل } فى الدنيا

{ من سوء } اى من شرك قالوه منكرين لصدوره عنهم قصدا لتخليص نفوسهم من العذاب

{ بلى } رد عليهم من قبل اولى العلم واثبات لما نفوه اى بلى كنتم تعملون ما تعملون

{ ان اللّه بما كنتم تعملون } فهو يجازيكم عليه وهذا اوانه فلا يفيد انكاركم وكذبكم على انفسكم.

٢٩

{ فادخلوا } الفاء للتعقيب

{ ابواب جهنم } اى كل صنف بابه المعدّ له

{ خالدين فيها } ان اريد بالدخول حدوثه فالحال مقدّرة وان اريد مطلق الكون فيهما فمقارنة

{ فلبئس مثوى المتكبرين } الفاء عطف على فاء التعقيب واللام للتأكيد تجرى مجرى القسم والمثوى المنزل والمقام والمخصوص بالذم محذوف وهو جهنم : والمعنى بالفارسية [ بس هر آينه بد مقامى وبد آرامكاهيست متكبرانرا جهنم ] وذكره بعنوان التكبر للاشعار بعليته لثوآئهم فيها اى اقامتهم والمراد المتكبر عن التوحيد او كل متكبر من المشركين والمسلمين . قال حضرة الشيخ على السمرقندى قدس سره فى تفسيره المسمى بيجر العلوم التكبر ينقسم على ثلاثة اقسام . التكبر على اللّه وهو اخبث انواع الكبر واقبحها وما منشأه الا الجهل المحض . ثم التكبر على الرسل من تعزز النفس وترفعها عن الانقياد لبشر مثل سائر الناس وهذا كالتكبر على اللّه تعالى فى القيامة واستحقاق العذاب السرمدى . والثالث التكبر على العباد وهو بان يستعظم نفسه ويستحقر غيره فيأبى عن الانقياد لهم ويدعوه الى الرفع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويستنكف عن مساواتهم وهو ايضا قبيح وصاحبه جاهل كبير يستأهل سخطا عظيما لو لم يتب وان كان دون الاولين للدخول تحت عموم قوله

{ مثوى المتكبرين } وايضا من تكبر على احد من عباد اللّه فقد نازع اللّه فى ردائه وفى صفة من صفاته . قال ابو صالح حمدان ابن أحمد القصار رحمة اللّه عليه من ظن ان نفسه خير من نفس فرعون فقد اظهر الكبر : وفى المثنوى.

آنجه درفرعون بوداندر توهست ... ليك اردرهات محبوس جهست

آتشت را هيزم فرعون نيست ... زانكة جون فرعون اوراعوننيست

وعن ابن عمر رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( ان نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا نبيه فقال انى آمركما باثنين وانها كما عن اثنين آمر كما بلا اله الا اللّه فلو ان السموات السبع والارضين السبع وضعن فى كفة ولا اله اللّه فى كفة لرجحت بهن ولوان السموات السبع والارضين السبع حلقة مبهمة لقصمتهن لا اله الا اللّه وآمركما بسبحان اللّه وبحمد فانها صلاة كل نبى بها يرزق الخلق وانها كما عن الكفر والكبر )

٣٠

وقيل - روى - ان احياء العرب كانوا ييعثون ايام موسم الحج من يأتيهم بخبر النبى صلّى اللّه عليه وسلّم فاذا جاء الوافد كفه المقتسمون الذين اقتسموا طرق مكة وامروه بالانصراف وقالوا ان لم تلقه كان خيرا لك فانه ساحر كاهن كذاب مجنون فيقول اناشر وافد ان رجعت الى قومى دون ان استطلع امر محمد واراه فيلقى اصحاب النبى عليه لسلام فيخبرونه بصدقه فذلك قوله

وقيل اى من طرق الوافدين

{ للذين اتقوا } عن الكفر والشرك وهم المؤمنون المخلصون

{ ماذا } اى أى شئ فهو مفعول قوله

{ انزل ربكم } على محمد

{ قالوا } فى جوابه انزل

{ خيراً } وفى تطبيق الجواب بالسؤال اشارة الى ان الانزال واقع وانه نبى حق . قال الكاشفى [ مراد ازخير قرآنست كجامع جميع خيرات ومستجمع مجموع حسنات وبركات اوست ونيكوهاى دينى ودنياوى وخوبيهاى صورى ومعنوى ناشى ازو ]

{ للذين احسنوا } اعمالهم وقالوا لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فانه احسن الحسنات وهو كلام مستأنف جيئ به لمدح المتقين

{ فى هذه } الدار

{ الدنيا حسنة } اى مثوبة حسنة مكافا فيها باحسانهم وهى عصمة الدماء والاموال واستحقاق المدح والثناء والظفر على الاعداء وفتح ابواب المكاشفات والمشاهدات الذى من اوتيه فقد فاز بالقدح المعلى.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من احسن اعماله بالصالحات واخلاقه بالحميدات واحواله بالانقلاب عن الخلق الى الحق فله حسنة من اللّه وهو ان ينزله منازل الواصلين الكاملين فى الدنيا

{ ولدار الآخرة } اى ولثوابهم فيها

{ خير } مما اوتوا فى الدنيا من المثوبة او دار الآخرة خير من الدنيا على الاطلاق فان الآخرة كالجوهر والدنيا كالخزف وقيمة الجوهر ارفع من قيمة الخزف بل لا مناسبة بينهما اصلا

{ ولنعم دار المتقين } [ ونيكو سرابيست مر بر هيزكارانرا سراى آخرت ].

قال الحسن دار المتقين الدنيا لانهم منها يتزودون للآخرة . يقال الفقير فيه مدح للدنيا باعتبار انها متاع بلاغ فانها باعتبار انها متاع الغرور مذمومة كما قال فى المثنوى

جيست دنيا ازخدا غافل شدن ... نى قماش ونقره وميزان وزن

مال را كز بهر دين باشى خمول ... نعم مال صالح خواندش رسول

آب در كشتى هلاك كشتى است ... آب اندر زير كشتى بشتى است

جونكه مال وملك را ازدل براند ... زان سليمان خويش جز مسكين نخواند

كوزه سربسته اندر آب رفت ... از دل برباد فوق آب رفت

باد درويشى جودر باطن بود ... بر سر آب جهان ساكن بود

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان للاتقيان الواصلين دارا غير دار الدنيا ودار الآخرة فدارهم مقعد الصدق فى مقام العندية ونعم الدار.

٣١

{ جنات عدن } عدن علم اى لهم بساتين عدن حال كونهم

{ يدخلونها } حال كونها

{ تجرى من تحتها الانهار } اى من تحت منازلها الانهار الاربعة على ان يكون المنبع فيها بشهادة من

{ لهم } خبر مقدم

{ فيها } اى فى تلك الجنات حال من المبتدأ المؤخر وهو قوله

{ ما يشؤن } ويحبون من انواع المشتهيات . قال البيضاوى فى تقديم الظرف تنبيه على ان الانسان لا يجد جميع ما يريده الا فى الجنة . يقول الفقير ان قلت هل يجوز للمرء ان يشتهى فى الجنة اللواطة وقد ذهب اليه من لا وقوف له على جلية الحال فالجواب ان الاشتهاء المذكور مخالف لحكمة الرب الغفور ولو جاز نكاح الامهات فيها على تقدير الاشتهاء وانه مما لا يستريب عاقل فى بطلان ألا ترى ان الذكور وكذا الزنى واللواطة والكذب ونحوها كان حراما مؤبدا فى الدنيا فى جميع الاديان لكونه مما لا تقتضى الحكمة حله بخلاف الخمر ونحوها ولذا كانت هى احد الانهار الجارية فيها فنسأل اللّه تعالى ان يجعلنا ممن لا يستطيب ما استخبثته الطباع السليمة . قال الكاشفى [ ودرجواب كسى كه كويد شايد بهشتى خواهد كه بدرجات انبيا ومنازل اولياء ومراتب شهدا برسد وكفته اند دربهشت غيظ وحسد كه موجب تمناها باشد نيست با آنكه هريك ازبهشتيان بآنجه دارند راضى اند ].

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من الاتقياء من مشيئته الجنة ونعيمها ومن مشيئته العبور على الجنة والخروج الى مقعد الصدق فى مقام العندية فلهم ما يختارون من الجنة ومقعد الصدق

{ كذلك } اى مثل ذلك الجزاء الاوفى

{ جيزى اللّه المتقين } اى كل من يتقى عن الشرك والمعاصى.

٣٢

{ الذين تتوفيهم الملائكة } نعت للمتقين اى يقبض ملك الموت واعوانه ارواحهم حال كونهم

{ طيبين } اى طاهرين عن دنس الظلم لانفسهم بتبديل فطرة اللّه . وفائدته الايذان بان ملاك الامر فى التقوى هو الطهارة عما ذكر الى وقت توفيهم . ففيه حث للمؤمنين على ذلك ولغيرهم على تحصيله .

وقيل طيبين بفبض ارواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية الى جناب القدس جعلنا اللهواياكم منهم : وفى المثنوى

همجنين باد اجل باعارفان نرم ... وخوش همجون نسيم يوسفان

وفى التأويلات النجمية اى طيبى الاعمال عن دنس الشهوات والمخالفات . وطيبى الاخلاق عن المذمومات الملوثة بالطبيعات دون الشريعات . وطيبى الاحوال عن وصمة ملاحظات الكونين

{ يقولون } حال من الملائكة اى قائلين لهم على وجه التعظيم والتبشير

{ سلام عليكم } لا يخيفكم بعد مكروه . قال القرطبى اذا استدعيت نفس المؤمن جاءه ملك الموت فقال السلام عليك يا ولى اللّه الهل يقرئك السلام وبشره بالجنة

{ ادخلوا الجنة } اى جنات عدن فانها معدة لكم فاللام للعهد والمراد دخولهم لها فى وقته كما قال الكاشفى [ بعد ازسلام كويند فردا كه مبعوث شويد در آييد دربهشت كه براى شما آماده است ] القبر روضة من رياض الجنة ومقدمة لنعيمها ومن دخله على حسن الحال والاعمال فكأنه دخل جنته ووجد نعيما لا يزول ولا يزال

{ بما كنتم تعملون } بسب بثباتكم على التقوى والطاعة والعمل وان لم يكن موجبا للجنة لان الدخول فيها محض فضل من اللّه الا ان الباء دلت على ان الدرجات انما تنال بالاعمال وصد الاحوال فان المراد من دخول الجنة انما هو اقتسام المنازل بحسب الاعمال [ وكفته اند ] زرع يومك حصا غدك

بكوش امروز تاتخمى بباشى ... كه فردا بر جوى قادر نباشى

كر انيجا كشت كردن را نورزى ... دران خرمن به از ارزن نيرزى

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان دخول الجنة للاتقياء جزاء لاصلاح اعمالهم والعبور عليها جزاء لاصلاح اخلاقهم والخروج الى مقعد الصدق جزاء لاصلاح احوالهم فلكل متق مقام بحسب معاملته مع اللّه تعالى وفى الحديث ( عدن دار اللّه التى لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيون والصديقون والشهداء يقول اللّه تعالى طوبى لمن دخلك )

قال فى بحر العلوم المراد بالصديق كل من آمن باللّه ورسله ولم يفرق بين احد منهم بدليل قوله تعالى

{ والذين آمنوا باللّه ورسله اولئك هم الصديقون } ويدل عليه ايضا الآية التى نحن فيها كما لا يخفى ويعضده قول النبى عليه السلام ( اللّه تعالى بنى جنات عدن بيد قدرته وجعل ملاطها المسك وترابها وحصباءها اللؤلؤ لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس غرسها بيد قدرته وقال لها تكلمى قالت قد افلح المؤمنون فقال طولى لك منزل الملوك )

وفى قولها قد افلح المؤمنون تنبيه على ان سكانها اهل الايمان باللّه ورسوله انتهى.

يقول الفقير لا شك ان اهل الايمان كلهم يدخلون الجنة لكن بحسب تفاوت درجاتهم فى مراتب اليامان تتفاوت منازلهم الجنانية فالفردوس وعدن للخواص ومن يلحق بهم وغيرهما للعوام وكمال الايمان انما يحصل بمكاشفة اسرار الملكوت ومشاهدة انوار الجبروت وصاحبه الصديق الاكبر والدليل على ما قلنا قوله تعالى

{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا } فانهم قد قالوا فى التفسير ان اهلها هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وهو الوصف الزائد على مطلق الايمان ولذا وعدوا بتلك الجنان اذ من كان ارفع مرتبة فى الدنيا بحسب العلوم النافعة والاخلاق الفاضلة كان اعلى درجة فى الجنة.

٣٣

{ هل ينظرون } [ ايا انتظار ميبرند كفار مكة ] اى ما ينتظرون

{ الا ان تأتيهم الملائكة } اى ملك الموت واعوانه لقبض ارواحهم بالعذاب لمواظبتهم على الاسباب الموجبة له المؤدية اليه فكأنهم يقصدون اتيانه ويترصدون لوروده

{ او يأتى امر ربك } اى العذاب الدنيوى وقد اتى يوم بدر

{ كذلك } مثل فعل هؤلاء من الشرك والظلم والتكذيب والاستهزاء

{ فعل الذين } خلوا

{ من قبلهم } من الامم

{ وما ظلمهم اللّه } بما سيتلى من عذابهم

{ ولكن كانوا انفسهم يظلمون } بالكفر والمعاصى المؤدية اليه.

٣٤

{ فاصابهم } عطف على قوله فعل الذين من قبلهم . والمعنى بالفارسية [ رسيد ايشانرا بحكم عدل ]

{ سيآت ما عملوا } اى اجزية اعمالهم السيئة على طريقة تسمية المسبب باسم سببه ايذانا بفظاعته لا على حذف المضاف فانه يوهم ان لهم اعمالا غير سيآتهم

{ وحاق بهم } اى احاط بهم ونزل من الحيق الذى هو احاطة الشرك كما فى القاموس الحيق ما يشتمل على الانسان من مكروه فعله

{ ما كانوا به يستهزئون } من العذاب الموعود.

٣٥

{ وقال الذين اشركوا } اى اهل مكة

{ لو شاء اللّه } عدم عبادتنا لشئ غيره

{ ما عبدنا من دونه } [ بجز خداى تعالى ]

{ من شئ } يعني تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . ومذهب اهل السنة ان الكفر والمعاصى وسائر افعال العباد بمشيئة اللّه وخلقه والكفار وان قالوا ان الشرك وغيره بمشيئة اللّه لكنهم يستدلون بذلك على اباحة تحريم الحلال وسائر ما يرتكبون من المعاصى ويزعمون ان الشرك والمعاصى اذا كان بمشيئة اللّه تعالى ليست معصية ولا عليها عذاب فهذا كلام حق اريد به الباطل فصار باطلا . وفى المداك هذا الكلام صدر منهم استهزاء ولو قالوه اعتقادا لكان صوابا انتهى [ حسين بن فضل كفته كه اكر كفار اين سخن از روى تعظيم واجلال ومعرفت الهى كفتندى حق سبحانه وتعالى ايشانرا بدان عيب نكردى ] : قال الحافظ

درين حمين نكنم سرزنش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميد هند ميرويم

وقال

نقش مستورى ورندى نه بدست من وتست ... آنجه سلطان ازل كفت بكن آن كردم

يقول الفقير فرق بين الجاهل الغافل المجحوب وبين العارف المتيقظ الواصل الى المطلوب والادب اسناد المقابح الى النفس والمحاسن الى اللّه تعالى فانه توحيد أي توحيد

{ كذلك } اى مثل ذلك الفعل الشنيع

{ فعل الذين من قبلهم } من الامم اى اشكروا باللّه وحرموا حله وعصوا رسله وجادلوهم بالباطل حين نبهوهم على الخطأ وهدوهم الى الحق

{ فهل على الرسل } [ بس هست برفرستاد كان يعنى نيست برايشان ]

{ الا البلاغ المبين } اى ليست وظيفتهم الا تبليغ الرسالة تبليغا واشحا واطلاع الخلق على بطلان الشرك وقبحه لا الجاءهم الى قبول الحق وتنفيذ قولهم عليهم شاؤوا او ابوا.

٣٦

{ ولقد بعثنا فى كل امة } من الامم . وبالفارسية [ درميان هز كروهى ]

{ رسولاً } خاصا بهم كما بعثناك

{ ان اعبدوا اللّه } ان مفسرة لبعثنا اى قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا اللّه وحده

{ واجتنبوا الطاغوت } هو الشيطان وكل ما يدعوا الى الضلال وذلك لالزام الحجة وقطع المعذرة مع علمه ان منهم من لا يأتمر بالاوامر ولا يؤمن . والطاغوت فعلوت من الطغيان كالجبروت والملكوت من الجبر والملك واصله طغيوت فقدم اللام على العين وتاؤه زائدة دون التأنيث

{ فمنهم } اى من تلك الامم والفاء فصيحة اى فبلغوا ما بعثوا به من الامر بعبادة اللّه وحده واجتناب الطاغوت فتفرقوا فمنهم

{ من هدى اللّه } خلق فيه الاهتداء الى الحق الذى هو عبادته واجتناب الطاغوت بعد صرف قدرتهم واختيارهم الجزئى الى تحصليه

{ ومنهم من حقت عليه الضلالة } [ كمراهى بسبب خذلان الهى ] اى وجبت وثبتت الى حين الموت فعناده واصراره عليها وعدم صرف قدرته فلم يخلق فيه الاهتداء ولم يرد ان يطهر قلبه

{ فسيروا } سافروا يا معشر قريش اذ الكلام معهم

{ فى الارض فانظروا } فى اكنافها وفى الفاء الموضوعة للتعقيل اشارة الى وجوب المبادرة الى النظر والاستدلال المؤديين الى الاقلاع عن الضلال

{ كيف كان عاقبة المكذبين } من عاد وثمون ومن سار بسيرتهم ممن حقت عليه الضلالة لعلكم تعتبرون حين تشاهدون من منازلهم وديارهم آثار الهلاك والعذاب.

٣٧

{ ان تحرص } يا محمد

{ على هديهم } اى ان تطلب منازلهم وديارهم بجهدك . وبالفارسية [ اكرسخت كوشى وحرص ورزى ]

{ فان اللّه لا يهدى من يضل } اى فاعلم ان اللّه لا لخلق الهداية جبرا وقهرا فيمن يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره

{ وما لهم من ناصرين } من ينصرهم برفع العذاب عنهم ويصغة الجمع فى الناصرين باعتبار الانبياء في الضمير فان مقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد الى الآحاد . واعلم ان سرّ بعثة الانبياء عليهم السلام الى الخلق ان يأمروهم بعبادة اللّه واجتناب طاغوت الهوى وما يعبدون من دون اللّه ويعلموهم كيفية العبادة الخالصة من الشوائب وكيفية الاجتناب عما سوى اللّه ليصلوا بهذين القدمين الى حضرة الجلال كما

قال بعضهم خطوتان وقد حصلت . فالخطوة الاولى عبادة اللّه بالتوحيد وهو التوجه الى اللّه تعالى بالكلية طلبا وشوقا ومحبة . والثانية الخروج عما سوى اللّه بالكلية صدقا واجتهادا بليغا لينالوا ما نال من قال لربه - كلى بكلك مشغول فقال كلى لكلك مبذول - كما فى التأويلات النجمية . فعلى العاقل ان يجتهد فى طريق العبودية وهى رفض المشيئة لان العبد لا مشيئة له لانه لا يملك ضرا ولا نفعا - وحكى - ان ابراهيم بن ادهم رحمه اللّه اشترى عبد ا فقال له أى شئ تأكل قال ما تطعمنى قال أى شئ تعمل قال ما تستعملنى قال أى شئ لك ارادة قال واين تبقى ارادة العبد فى جنب ارادة سيده ثم راجع ابراهيم نفسه وقال يا مسكين ما كنت لله فى عمرك ساعة مثل ما كان هذا لك فى هذه الحالة ان قلت الطاعة راجحة ام ترك المخالفة . قلت الاحتماء غالب على المعالجة بالادوية كما يفعله اهل الهند فانهم يداوون مرضاهم بترك الاكل اياما . وقد قال ابو القاسم لا تطلبوا الآخرة بالبذل والايثار وطلوبا بالترك والكف . وهذا عكس ما عليه اهل الزمان فان عبادهم يأتون ما امكن لهم من الطاعات وهم غرقى فى بحر المخالفات اذ ليس مبالاة فى باب التروك فلو انهم اقتصروا على الفرائض والواجبات واجتهدوا فى باب الكف عن الرزائل والمخالفات لكان خيرا لهم ولذا قال فيى المثنوى

بهر اين بعض صحابه از رسول ... ملتمس بودند مكر نفس غول

كوجه آميزدز اغراض تهان ... در عبادتها و درا خلاص جان

فضل طاعت را نجستتدى ازو ... عيب ظاهر را نجستندى كه كو

مو بمو و ذره ذره مك رنفس ... مى شناسيدناجون كل از كرفس

نسأل اللّه تعالى ان يهدينا الى حق اليقين ويعصمنا من اعمال من قال فى حقهم ومالهم من ناصرين.

٣٨

{ واقسموا باللّه } الاقسام [ سوكندخوردن ] والقسم محركة اليمين باللّه . والمعنى بالفارسية [ سوكندخوردند بخدى تعالى ].

عن ابى العالية كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فاتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والذى ارجوه بعد الموت انه لكذا : يعنى

[ دراثنا مكالمه كفت بدان خدى كه بعد ازمرك بلقاء اواميد وارم ] فقال المشرك انك لتزعم انك تبعث بعد الموت [ اى كفت تواميد وارى كه بعد ازمرك زنده شوى مسلمان كفت آرى آن كافر بايمان غلاظ وشدادكه دركيش او مقرر بود سوكند ياد كردكه هيجكس بعد ازمرك زنده نشود ] فانزل اللّه تعالى هذه الآية

{ جهد ايمانهم } [ سخترين سوكند ايشان يعنى جهد كردند در تغليظ سوكند ] . يقال جهد الرجل فى كذا كمنع جد فيه وبالغة واجتهد . قال الحال اى جاهدين فى ايمانهم اى حلفوا باللّه مبالغين فى ايمانهم حتى بلغوا غاية شدتها ووكادتها . وفى تفسير ابى الليث كل من حلف باللّه فهو جهد اليمين لانهم كانوا يحلفون بالاصنام وبآبئهم ويسمون اليمين باللّه جهد ايمانهم

{ لا يبعث اللّه من يموت } مقسم عليه

{ بلى } اثبات لما بعد النفى اى بلى يبعثهم

{ وعدا } اى وعد بذلك وعدا ثابتا

{ عليه } انجازه لامتناع الخلف فى وعد اللّه تعالى

{ حقا } اى حق حقا

{ ولكن اكثر الناس لا يعلمون } انهم يبعثون والقول بعدمه لجهلهم بشؤن اللّه تعالى من العلم و القدرة والحكمة وغيرها من صفات الكمال وبما يجوز عليه ولما لا يجوز وعدم وقوفهم على سر التكوين والغاية القصوى منه.

٣٩

{ ليبين لهم } عبارة عن اظهار ما كان مبهما قبل ذلك اى يبعث اللّه كل من يموت مؤمنا كان او كافرا ليبن لهم الشان

{ الذى يختلفون } مع المؤمنين

{ فيه } من الحق المنتظم للبعث والجزاء وجميع ما خالفوه مما جاء به الشرع المبين والمؤمنون وان كانوا عالمين بذلك عند معاينة حقيقة الحال يتضح الامر فيصل علمهم الى مرتبة عين اليقين لانه يحصل لهم مشاهدة الاحوال حقيقة الحال يتضح الامر فيصل علمهم الى مرتبة عين اليقين لانه يحصل لهم مشاهدة الاحوال كما هى ومعاينتها بصورها الحقيقية

{ وليعلم الذين كفروا } باللّه تعالى بالاشراك وانكار البعث وتكيب وعده الحق عندما خرجوا من قبورهم

{ انهم كانوا كاذبين } فى قولهم لا يبعث اللّه من يموت ونحوه وهو اشارة الى السبب الداعى الى البعث المتقضى له من حيث الحكمة وهو التمييز بين الحق والباطل والمحق والمطبل بالثواب والعقاب.

٤٠

{ انما } ما كافة

{ قولنا } مبتدأ

{ لشئ } اى أي شئ كان مما عزوها متعلق بقولنا على ان اللام للتبليغ كهى فى قولنا قلت له قم فقام.

فان قلت فيه دليل على ان المعدوم شئ لانه سماه قبل كونه . قلت التعبير عنه بذلك باعتبار وجوده عند تعلق مشئيته تعالى لانه كان شيأ قبل ذلك.

وفى التأويلات النجمية فى الآية دلالة على ان المعدوم الذى فى علم اللّه ايجاده قبل ايجاده شئ بخلاف المعدوم الذى فى علم اللّه عدمه ابدا

{ اذا ارادناه } ظرف لقولنا اى وقت ارادتنا لوجوده

{ ان نقول له كن } خبر للمبتدأ اى احدث لانه من كان التامة بمعنى الحدوث التام

{ فيكون } عطف على مقدر اى فنقول ذلك فيكون او جواب لشرط محذوف اى فاذا قلنا ذلك فهو يكون ويحدث عقيب ذلك وهذا الكلام مجاز عن سرعة الايجاد وسهولته على اللّه وتمثيل الغائب وهو تأثير قدرته فى المراد بالشاهد وهو امرا لمطاع للمطيع فى حصول المأمور به من غير امتناع وتوقف ولا افتقار الى مزاولة عمل واستعمال آلة وليس هناك قول ولا مقول له ولا آمر ولا مأمور حتى يقال انه يلزم احد المحالين اما خطاب المعدوم او تحصيل الحاصل . والمعنى ان ايجاد كل مقدور على اللّه بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذى هو من بعض المقدورات

آنكه بيش ازوجود جان بخشد ... هم تواند كه بعد ازان بخشد

جون جر آورد ازعدم بوجود ... جه عجب بازا كر كند موجود

وذهب فخر الاسلام وغيره الى ان حقيقة الكلام مرادة بان اجرى اللّه سنته فى تكوين الاشياء ان يكوّنها بهذه الكلمة اذ لم يمتنع تكوينها بغيرها . والمعنى يقول له احدث فيحدث عقيب هذا القول لكن المراد هو الكلام النفسى المنزه عن الحروف والاصوات لا الكلام اللفظى المركب منهما لانه حادث يستحيل قيامه بذاته تعالى.

يقول الفقير افادنى شيخى وسندى روح اللّه روحه فى قوله عليه السلام ( ان اللّه فرد يحب الفرد ) ان مقام الفردية يقتضى التثليث فهو ذات وصفة وفعل وامر الايجاد يبنى على ذلك واليه الاشارة بقوله تعالى

{ انما قولنا لشئ اذا اردناه ان نقول له كن فيكون } فهو ذات وارادة وقول والقول مقلوبه بعد الاعلال اللقا فليس عند الحقيقة هناك قول وانما هو لقاء الموجد اسم فاعل بالموجد اسم مفعول وسيريان هويته اليه وظهور صفته وفعله فيه فافهم هذه الدقيقة . قال الروح ينزل بالمطروله تعين فى كل نشأة بما يناسب حاله فعند تمام الخلقة فى الرحم ينفخ اللّه تعالى الروح وهو عبارة عن تعين الروح وظهوره كظهور النار من غير ايقاد ولكن عبر عنه بالنفخ تفخيما لان العقل قاصر عن دركه ولذا قال العلماء لا يبحث عن ذات البارى تعالى وكيفية تعلق القدرة بالمعدومات وكيفية العذاب بعد الموت.

٤١

{ والذين هاجروا فى اللّه } اى فى شأن اللّه ورضاه وفى حقه والتمكين من طاعته ولوجهه

{ من بعد ما ظلموا } هم الين ظلمهم اهل مكة من اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واخرجوهم من ديارهم فهاجروا الى الحبشة ثم الى المدينة فجمعوا بين الهجرتين . لا المهاجرون مطلقا فان السورة مكية - روى - ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما رأى ما نزل بالمسلمين من توالى الاذى عليهم من كفار قريش قال لهم ( تفرقوا فى الارض فان اللّه سيجمعكم ) قالوا الى اين نذهب قال ( اخرجوا الى ارض الحبشة فان بها ملكا عظيما لا يظلم عنده احد وهى ارض صدق حى يجعل اللّه لكم فرجا مما انتم فيه ) فهاجر اليها ناس ذو عدد

قال بعضهم كانوا فوق ثمانين مخافة الفتنة فرار الى اللّه تعالى بدينهم منهم من هاجر الى اللّه باهله كعثمان بن عفان رضى اللّه عنه هاجر ومعه زوجته رقية بنت النبى صلّى اللّه عليه وسلّم وكان اول خارج ومنهم من هاجر بنفسه وفى الحديث ( من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الارض استوجب له الجنة وكان رفيق ابيه خليل اللّه ابراهيم ونبيه محمد عليهما السلام )

{ لنبوئنهم } لننزلنهم

{ فى الدنيا حسنة } اى مباءة حسنة وهى المدينة المنورة حيث آواهم اهلها ونصروهم . يقال بوأه منزلا انزله والمباءة المنزل فهى منصوبة على الظرفية او على انها مفعول ثان ان كان لنبوئنهم فى معنى لنعطينهم

{ ولا جر الآخرة } المعد لهم فى مقابلة الهجرة

{ اكبر } مما يعجل لهم فى الدنيا . فى المدارك الوقف لاز عليه لان جواب قوله

{ لو كانوا يعلمون } محذوف والضمير للكفار اى لو علموا ان اللّه تعالى يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لو افقوهم فى الدين ويجوز ان يعود الى المؤمنين المهاجرين فانهم لو علموا علم المشاهدة لازدادوا فى المجاهدة والصبر واحبوا الموت وليس الخبر كالمعاينة.

٤٢

{ الذين } اى المهاجرون هم الذين

{ صبروا } على مفارقة الوطن اللذى هو حرم اللّه المحبوب فى كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤسهم - روى - ان النبى صلّى اللّه عليه وسلّم لما توجه مهاجرا الى المدينة وقف ونظر الى مكة وبكى وقال ( واللّه انى لا خرج منك واتى لا علم انك احب بلاد اللّه الى اللّه تعالى واكرمها على اللّه ولولا ان اهلك اخرجونى منك ما خرجت ) قال الهمام

مشتاب ساربان كه مرا باى دركلست ... دركردنم زحلقه زلفش سلاسلست

تعجيل ميكنى تو وبايم نمى رود ... بيرون شدن زمنزل اصحاب مشكلشت

جون عاقبت زصحبت يا ران بريد نيست ... بيوند باكسى نكند هركه عاقلست

وكذا صبروا على مفارقة الاهل والشدائد من اذية الكفار وبذل الارواح ونحو ذلك

{ وعلى ربهم } خاصة

{ يتوكلون } منقطعين اليه معرضين عما سواه مفوضين اليه الامر كله والمعنى على المضى والتعبير بصيغة المضارع لاستحاضر صورة توكلهم البديعة.

والاشارة

{ والذين هاجروا فى اللّه } بالابدان عما نهى اللّه عنه بالشريعة وهاجروا باللّه بالقلوب عن الحظوظ الاخروية برعاية الطريقة وهاجروا الى اللّه بالارواح عن مقامات القربة ورؤية الكرامات بجذبات الحقيقة بل هاجروا عن الوجود المجازى مستهلكا فى بحر الوجود الحقيقى حتى لم يبق لهم فى الوجود سوى لاله من بعدما ردوا الى اسفل السافلين لننزلنهم على اقرب القرب فى حال حياتهم ولاجر الآخرة اى بعد الخروج من الدنيا والخلاص من حبس اوصاف البشرية وتلوثها بها اكبر اى اعظم واجل واصفى واهنى وامرى مما كان لهم من حسنات الدنيا وكانوا يعلمون قدره ويؤدون شكره الذين صبروا على الاثتمار بالاوامر وعلى الانتهاء عن النواهى بل صبروا على المجاهدات والمكابدات لنيل المشاهدات والمواصلات

{ وعلى ربهم يتوكلون } صبروا باللّه فى طلبه وتوكلوا على اللّه فى وجدانه فبالصبر ساروا وبالتوكل طاروا ثم فى اللّه حاروا حيرة لا نهاية لها الى الابد كما فى التأويلات النجمية.

اعلم ان من توكل على اللّه وانقطع اليه كفاه اللّه لك مؤونة ومن انقطع الى الدنيا واهلها لا يتم امره فان اهل الدنيا لا تقدر على النفع وايصال الخير ما لم يرد اللّه . قال ابو سعيد الخراز قدس سره اقمنا بمكة ثلاثة ايام لم نأكل شيأ وكان بحذائنا فقير معه ركوة مغطاة بحشيش وربما اراه يأكل خبزا حوارى فقلت له نحن ضيفك فقال نعم فلما كان وقت العشاء مسح يده على سارية فناولنى درهمين فاشترينا خبزا فقلت بما وصلت الى ذلك فقال يا ابا سعيد بحرف واحد تخرج قدر الخلق من قلبك تصل الى حاجتك.

٤٣

{ وما ارسلناك } وذلك ان مشركى قريش لما بلغهم النبى صلّى اللّه عليه وسلّم الرسالة ودعاهم الى عبادة اللّه تعالى انكروا ذلك وقالوا اللّه اعظم من ان يكون رسوله بشرا ولو اراد ان يبعث الينا رسولا لبعث من الملائكة الذين عنده فنزل قوله تعالى وما ارسلنا

{ من قبلك } اى الامم الماضية

{ الا رجالا } آدميين لا ملكا وقوله تعالى

{ جاعل الملائكة رسلا } اى الى الملائكة الى الانبياء ولا امرأة اذ مبنى حالها على الستر والنبوة تقتضى الظهور ولا صبيا ونبوة عيسى فى المهد لا تنافيه اذ الرسالة اخص . قال ابن الجوزى اشتراط الاربعين في حق الانبياء ليس بشئ

{ نوحى اليهم } على ألسنة الملائكة فى الغلب واكثر الامر وفيه اشارة الى ان الرسالة والنبوة والولاية لا تسكن الا فى قلوب الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه.

نه هركس سزاوار باشد بصدر ... كرامت بفضلست ورتبت بقدر

{ فاسألوا } اى فان سككتم فى ذلك فاسألوا يا معشر قريش

{ اهل الذكر } علماء اهل الكتاب ليخبروكم ان اللّه تعالى لم يبعث الى الامم السالفة الا بشرا وكانوا يشارونهم فى بعض الامور ولذلك احالهم الى هؤلاء للالزام

{ ان كنتم لا تعلمون } ذلك . وفى الآية اشارة الى وجوب المراجعة الى العلماء فيما لا يعلم . وسئل الامام الغزالى رحمه اللّه نم اين حصل لك الاحاطة بالعلوم اصولها وفروعها فتلا هذه الآية اى افاد ان ذلك العلم الكلى انما حصل باستعلام المجهول من العماء وترك العار وقد ورد ( الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها اخذها ) يعنى ينبغى للمؤمن ان يطلب الحكمة كما يطلب ضالته.

٤٤

{ بالبينات والزبر } بالمعجزات والكتب بينة وهى الواضحة . والزبر جمع زبور وهو الكتاب بمعنى المزبور اى الكتوب

{ وانزلنا اليك الذكر } اى القرآن انما سمى به لا نه تذكير وتنبيه للغافلين . يعنى انه سبب الذكر فاطلق عليه المسبب

{ لنبين للناس } كافة العرب والعجم

{ وما نزل اليهم } فى ذلك الذكر من الاحكام والشرائع وغير ذلك من احوال القرون المهلكة بافانين العذاب حسب اعمالهم الموجبة لذلك على وجه التفصيل بيانا شافيا كما ينبئ عنه صيغة التفعيل فى الفعلين

{ ولعلهم يتفكرون } التفكر تصرف القلب فى معانى الاشياء لدرك المطلوب اى وارادة ان يجيلوا فيه افكارهم فيتنبهوا للحقائق وما فيه من العبر ويحترزون عما يؤدى الى مثل ما اصاب الاولين من العذاب.

وفى التأويلات النجمية ولعلهم اى وفى انزال الذكر اليك حكمة اخى وهى لعل الناس يتفكرون فيما يسمعون من بيان القرآن والاحكام منك على انك امى ما قرأت الكتب المنزلة ولا تعلمت العلوم وانما تبين لهم من نور الذكر فيلازمون الذكر ويواظبون عليه ليصلوا الى مقام المذكورين فى متابعتك ورعاية سنتك . ولما سئل النبى صلّى اللّه عليه وسلّم عن جلاء القلب قال ( ذكر اللّه وتلاوة القرآن والصلاة علىّ ) ولا شك ان خير الاذكار كلمة التوحيد . قال ابراهيم الخواص رحمه اللّه دواء القلب خمسة . قراءة القرآن بالتدبر . وخلاء البطن . وقيام الليل . والتضرع الى اللّه عند السحر . ومجالسة الصالحين.

وفى ابكار الافكار افضل اذكر قراءة القرآن فانها افضل من الدعوة الغير المأثورة .

واما المأثورة فقيل انها افضل منها

وقيل القراءة افضل انتهى.

وفى نفائس المجالس مما يجب فيه التدبر والتذكر قوله تعالى

{ يا ايها الذين آمنوا آمنوا } فاللّه تعالى امر المؤمنين بالايمان اى بتكرار عقد القلب وتجديده كما ورد

{ جددوا ايمانكم بقول لا اله الا اللّه } قال بعض الكبار قد علم بحديث التجيد ان الايمان يقبل البلى وذلك بزوال الحب وتجديده بالتوحيد وكلمة التوحيد مركبة من النفى والاثبات فبنفى ما سوى المعبود واثبات ما هو المقصود يصل الموحد الى كمال الشهود وحصول ذلك بنور التلقين والكينونة التامة مع الصادقين كما قال تعالى

{ وكونوا مع الصادقين } والكينونة صورية وهى بملازمة اهل الصدق ومجالستهم ومعنوية وهى باتخاذ الاسرار وتحصيل المناسبة المعنوية فلا بد من الارتباط بواحد من الصادقين

زمن اى دوس اين يك بندبيذير ... برو فتراك صاحب دولتى كير

كه قطره تاصدف را درنيايد ... نكردد كوهر وروشن نتابد

واعلم ان التبيين حق اهل الدعوة والارشاد اذ ليس عليهم الا البلاغ المبين والعمل بموجب الدعوة على العباد اذ ليس عليهم الاقبول ما جاء من طرف النبى الامين فاذا قبلوا ذلك ورجعوا فى المشكلات اليه او الى وارث من ورثته الكمل علموا ما لم يعلموا ووصلوا الى كمال العلم والعمل وحصلوا عند المقصود من نزول القرآن فطوبى لهم فلهم درجات الجنان ورؤية المنان.

٤٥

{ أفأمن الذين مكروا السيآت } هم اهل امكة الذين مكروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وراموا صدّ اصحابه عن الايمان واحتالوا فى ابطال الاسلام والفاء عطف على مقدر والانكار موجه الى المعطوفين معا . والسيآت نعت لمصدر محذوف اى ألم يتفكروا فامن الذين مكروا السيآت وعملوا الكفر والمعاصى

{ ان يخسف اللّه بهم الارض } مفعول لا من اى ان يغوّ ربهم الارض حتى يدخلوا فيها الى الارض السفلى كما فعل بقارون واصحابه . وبالفارسية [ از آنكه فرو برد خداى تعالى ايشانرا درزمين ] ذكر الحافظ ان الكركى لا يطأ الارض بقدميه بل باحدهما فاذا وطئها لم يعتمد عليها خوفا ان تخسف الارض فاذا لم يأمن الطير من الخسف فما بال الانسان العاقل يمشى على الارض وهو غافل

{ او يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون } باتيانه اى فى حال غفلتهم.

ديدى آن قهقه كبك خرامان حافظ ... كه زسر نيجه شاهين قضا غافل بود

٤٦

{ او يأخذهم فى تقلبهم } التقلب [ بركشتن ] وفى القاموس تقلب فى الامور تصرف كيف شاء انتهى.

اى فى حالتي تقلبهم فى مسايرتهم ومتاجرهم واسباب دنياهم . وقال سعدى المفتى الظاهر ان المراد من قوله او يأتيهم حال يقظتهم وتصرفهم كقوله تعالى

{ فجاءهم باسنا بياتا اوهم قائلون } { فما هم بمعجزين } بناجين من عذاب اللّه القهار سابقين قضاءه بالهرب والفرار على ما يوهمه التقلب والسير فى الديار وفى الحديث ( ان اللّه ليملى للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته ) اى ليمهل ويطول عمره حتى يكثر منه الظلم ثم يأخذه اخذ شديدا فاذا اخذه لم يتركه ولم يخلصه احد من اللّه وفى الحديث ( تسلية للمظلوم ووعيد للظالم لئلا يغتر بامهاله ) قال الشيخ سعدى قدس سره

مهما زور مندى مكن بر كهان ... كه بريك نمط مى نماند جهان

نمى ترسى اى كرك ناقص خرد ... كه روزى بلنكيت برهم درد

٤٧

{ او يأخذهم على تخوف } قال فى القاموس تخوف الشئ تنقصه ومنه او يأخذهم على تخوف انتهى.

ولقى رجل اعرابيا فقال يا فلان ما فعل دينك فقال تخوفته يعنى تنقصته كما فى تفسير ابى الليث . والمعنى او يأخذهم على ان ينقصهم شيأ بعد شئ فى انفسهم واموالهم حتى يهلكوا ولا يهلكهم فى حالة واحدة فيكون المراد مما قبلها عذاب الاستئصال ومنها الاخذ شيأ فشيأ والمراد بذكر الاحوال الثلاث بيان قدرة اللّه على اهلاكهم بأى وجه كان لا الحصر فيها

{ فان ربكم لرؤوف رحيم } حيث لا يعالجكم بالعقوبة ويحلم عنكم مع استحقاقكم لها والمعنى انه اذا لم يأخذكم مع ما فيه فانما أفته تقيكم ورحمته تحميكم.

وفى التأويلات النجمية رؤف بالعباد اذا عطاهم حسن الاستعداد رحيم عليهم عند افساد اتسعدادهم بالمعاصى بان لا يأخذهم فى الحال ويتوب عليهم فى المآل ويقبل توبتهم بالفضل والنوال ومن المعاصى التقلب من اعمال الدنيا الى اعمال الآخرة بالرياء او من اعمال الآخرة الى اعمال الدنيا بالهوى وعذاب الرد من حرم القبول والرجع من درجات الوصول.

فعلى العقال التيفظ فى الامور وترك السيآت والشرور فانه لا يشعر من اين يأتى العذاب من قبل الاعمال الدنيوية او من قبل الاعمال الاخروية ومن جه لالمريد بنفسه وبحق ربه ان يسيء الادب باظهار دعوى مثلا فتؤخر العقوبة عند امهالا له فيظنه اهمالا فيقول لو كان هذا سوء ادب لقطع الامداد واوجب الابعدا اعتبارا بظاهر الامر وما ذلك الا لفقد نور بصيرته او ضعف نورها والا فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر حتى ربما ظن أنه متوفر فى عين تقصير ولو لم يكن من قطع المدد الامنع المزيد لكان قطعا لان من لم يكن فى زيادة فهو فى نقصان .

قال بعضهم الزم الادب ظاهرا وباطنا فما اساء احد الادب فى الظاهر الا عوقب ظاهرا ولا اساء احد الادب فى الباطن الا عوقب باطنا من ضيع الادب فهو بعيد من حث يظن القرب ومردود من حيث يظن القبول . وقال رويم لابن خفيف اجعل عملك ملحا وادبك دقيقا : وفى المثنوى

ازخدا جوبيم توفيق وادب ... بى ادب محروم كشت ازلطف رب

بى ادب تنها نه خودرا داشت بد ... بلكه آتش درهمه آفاق زد

هركه نامردى كندرراه دوست ... رهزن مردان شدونا مرد اوست

اللهم اجعلنا من المتأدبين بآداب حبيبك واصحابه الى يوم السؤال وجوابه.

٤٨

{ أو لم يروا } الهمزة للانكار وهى داخلة فى الحقيقة على النفى وانكار النفى نفى له ونفى النفى اثبات . والرؤية هى البصيرة المؤدية الى التفكر والضمير لكفار مكة اى ألم ينظروا ولم يروا

{ الى ما خلق اللّه } اى قدر رأوا امثال هذه الصنائع فما لهم لم يتفكروا فيه ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافون منه

{ من شئ } بيان لما الموصولة اى من كل شئ

{ يتفيؤا ظلاله } اى ترجع شيأ فشيأ من جانب الى جانب وتدور من موضع الى موضع حسبما تقتضيه ارادة الخالق فان التفئ مطاوع الافاءة . قال فى تهذيب المصادر النفئ [ باز آمدن سايه بعد ازانتصاف النهار ] ولا يكون التفيئ الا بالعشى قال اللّه تعالى

{ يتفيؤا ظلاله } انتهى.

والظلال جمع الظل وهو بالفارسية [ سايه ] والجملة صفة لشئ . قال فى الارشاد ولعل المراد بالموصول الجمادات من الجبال والاشجار والاحجار التى لا يظهر لظلالها اثر سوى التفيء بارتفاع الشمس وانحدارها

واما الحيوان فظله يتحرك بتحركه . وفى التبيان يريد الشجر والنبات وكل جسم قائم له ظل

{ عن اليمين والشمائل } متعلق بيتفيء . والشمائل جمع شمال . وضد اليمين وبالفتح الريح التى مهبها بين مطلع الشمس وبنات نعش او من مطلع النعش الى مسقط النسر الطائر كما فى القاموس اى ألم يروا الاشياء التى لها ظلال متفيئة عن ايمانها وشمائلها اى عن جانبي كل واحد منها وشقيه . وفى التبيان اى فى اول النهار عن اليمين وفى آخره عن الشمال يعنى من جانب الى جانب اذا كنت متوجها الى القبلة استعارة من يمين الانسان وشماله بجانبى الشئ وتوحيد اليمين وجمع الشمائل لان مذهب العرب اذا اجتمعت علامتان فى شىء واحد ان يلغى واحد ويكتفى باحدهما كقوله تعالى

{ وعلى سمعهم وعلى ابصارهم } وقوله تعالى

{ يخرجهم من الظلمات الى النور } كذا فى الاسئلة المقحمة.

والاشارة ان المخلوقات على نوعين . منها ما خلق من شئ كعالم الخلق وهو عالم الجسام . ومنها ما خلق من غير شئ كعالم الامر وهو عالم الارواح كما قال تعالى

{ ألا له الخلق والامر } وانما سمى عالم الارواح الامر لانه خلقه بامر كن من غير شئ بلازمان كما قال تعالى

{ خلقتك من قبل ولم تك شيأ } يعنى خلقت روحك من قبل خلق جسدك ومنه قوله عليه السلام ( ان اللّه خلق الارواح قبل الاجساد بالفى الف عام ) كذا فى التأويلات النجمية

{ سجدا لله } اى حال كون تلك الظلال ساجدين لله دائرين على مراد اللّه فى الامتداد والتقلص وغيرهما غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيء

{ وهم داخرون } يقال دخر كمنع وفرع دخورا ودخر صغر وذلك وادخره كما فى القاموس وهو حال من الضمير فى ظلاله والجمع باعتبار المعنى اذا المراد ظلال كل شئ وايراد صيغة الخاصة بالعقلاء لان الدخور من خصائصهم او لان من جملة ذلك من يعقل فغلب.

والمعنى ترجع الظلال من جانب الى جانب بارتفاع الشمس وانحدارها منقادة لما قدر لها من التفيء والحال من اصحابها من الاجرام داخرة اى صاغرة منقادة لحكمه تعالى ووصفها بالدخور مغن عن الوصف ظلالها به وبعد ما بين سجود الظلال من الاجرام السفلية الثابة في احيازها ودخورها له سبحانه شرع فى بيان سجود الملخوقات المتحركة بالارادة سواء كانت لها ظلال ام لا فقيل

٤٩

{ ولله يسجد } اى له تعالى وحده ويخضع وينقاد لا لشيء غيره استقلالا واشتراكا فالقصر ينتظم القلب والافراد

{ ما فى السموات } من العلويات قاطبة ودخل فيه الشمش والقمر والنجوم

{ وما فى الارض } كائنا ما كان

{ من دابة } بيان لما فى الارض فان قوله تعالى

{ واللّه خلق كل دابة من ماء } يدل على اختصاب الدابة فما فى الارض لان ما فى السماء لا يخلق بطريق التولد وليس لهم دبيب بل لهم اجنحة يطيرون بها . بقول الفقير الظاهر ان الطيران لا ينفى الدبيب وقد نقل ان فى السماء خلقا يدبون ودبيبه لا يستلزم كونه مخلوقا من الماء المعهود اذ من الماء كل شئ حى فيكون من دابة بيانا لما فى السماء والارض وما عام للعقلاء وغيرهم . وفى الاسئلة المقحمة ان ما لا يعقل اكثر عددا ممن يعقل فغلب جانب ما لا يعقل لانه اكثر عددا

{ والملائكة } عطف على ما فى السموات عطف جبريل على الملائكة عظيما واجلالا

{ وهم } اى والحال ان الملائكة مع علو شأنهم

{ لا يستكبرون } لا يتعظمون عن عبادته والسجود له بتذللون فكل شئ بين يدى صانعه ساجد بسجود يلائم حاله كما ان كل شئ يسبح بحمده تسبيحا يلائم حاله فتسبيح بعضهم بلسان القال وتسبيح بعضهم بلسان الحال واللّه يعلم لسان حالهم كما يعلم لسان قالهم : وفى المتنوى

جون مسبح كرده هر جيزرا ... ذات بى تمييز وبا تمييز را

هر يكى تسبيح بر نوع دكر كويد ... او ازحال آن اين بى خبر

آدمى منكر زتسبيح جماد ... وان جماد اندر عبادت او ستاد

واعلم ان اللّه تعالى اعطى لكل شئ من اصناف المخلوقات من الحيوات الى الجمادات سمعا وبصرا ولسانا وفهما به يسمع كلام الحق ويبصر شواهد الحق ويكلم الحق ويفهم اشارة الحق كما اخبر اللّه تعالى عن حال السموات والارض وهما فى العدم اعطاهما سمعا به سمعنا قوله ائتيا طوعا او كرها واعطاهما فهما به فهمتا كلامه واعطاهما لسانا به قالتا اتينا طائعين فكل شئ يسبح اللّه بذلك اللسان ويسجد له بذلك اطوع . فمن هذا اللسان الملكوتى معجزة النبى عليه السلام كانت الحصى تسبح فى يده . وكذلك الاحجار الثلاثة كلمت داود عليه السلام واوّبت الجبال معه ولما قال اللّه تعالى

{ وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } فلا يبعد ان يسجد لله كل شئ وان لم نفقه سجوده.

قال الكاشفى [ درين آيت سجدة بايد كرد واين سجده سوم است از سجدهاى قرآنى . وحضرت شيخ قدس سره در فتوحات اين را سجود عالم بالا وادنا خوانده كه در مقام ذلت وخوف حق را سجده مى كنند بس بنده بايدكه درين محل بدين صفت موسوم شود خودرا بزمره ساجدان كنجايش دهد ].

٥٠

{ يخافون ربهم } اى مالك امرهم والجملة حال من الضمير فى لا يستكبرون

{ من فوقهم } اى يخافونه تعالى خوف هيبة واجلال وهو فوقهم بالقهر لقوله تعالى

{ وهو القاهر فوق عباده } فهو حال من ربهم . قال فى التبيان عند قوله

{ وهو القاهر فوق عباده } يعنى الغالب عباده فوق صلته انتهى.

او يخافون ان يرسل عليهم عذابا من فوقهم فهو متعلق بيخافون.

قال فى التأويلات النجمية معنى

{ يخافون ربهم } اى يأتيهم العذاب

{ من فوقهم } ان عصوه

{ ويفعلون ما يؤمرون } اى ما يأمرهم الخالق من الطاعات والتدبيرات من غير تناقل عنه وتوان فيه وفه ان الملائكة مكلفون مدارون على الامر والنهى والوعد والوعيد وبين الخوف والرجاء وفى الحديث ( ان لله ملائكة فيى السماء السابعة سجد منذ خلقهم اللّه الى يوم القيامة ترعد فرائصهم من مخافة اللّه فاذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا ما عبدناك حق عبادك ) كذلك فى تفسير ابى الليث . ويقال من لسان الاشارة ان الامطار والمياه دموع الملائكة والارض فهم يخافون اللّه تعالى بقدر ما وسعهم من معرفة جلاله فما بال الانسان يمشى آمنا ضاحكا مع سوء حاله واللّه الهادى

٥١

{ وقال اللّه } لجميع المكلفين

{ لا تتخذوا الهين اثنين } تأكيد

{ انما هو اله واحد} لا شريك له ولا شبيه

از همه در صفات ذات خدا ... ليس شئ كمثله ابدا

{ فاياى } لا غيرى

{ فارهبون } خافون.

٥٢

{ وله } وحده خلقا وملكا

{ ما فى السموات } من الملائكة

{ والارض } من الجين والانس

{ وله الدين } اى لاطاعة والانقياد من كل شئ فى السموات والارض وما بينهما

{ واصبا } حال من الدين اى واجبا ثابتا لا زوال له لانه الاله وحده الواجب ان يرهب منه يقال وصب يصب وصوبا اى دام وثبت

{ أفغير اللّه تتقون } الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر اى أبعد العلم بما ذكر من التوحيد واختصاص الكل به خلقا وملكا غير اللّه تطيعون فتتقون.

٥٣

{ وما بكم } اى أى شئ يلابسكم ويصاحبكم

{ من نعمة } أى نعمة كانت كالغنى وصحة الجسم والخصب ونحوها

{ فمن اللّه } فهى من قبل اللّه فما شرطية او موصولة متضمنة لمعنى الشرط باعتبار الاخبار دون الحصول فان ملابسة النعمة بهم سبب للاخبار بانها منه تعالى لا لحصولها منه

{ ثم اذا مسكم الضر } اى الفقر والبلاء فى جسدكم والقحط ونحوها مساسا يسيرا

{ فاليه تجأرون } تتضعرون فى كشفه لا الى غيره . والجؤار رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.

٥٤

{ ثم اذا كشف الضر عنكم اذا } [ ناكاه ]

{ فريق منكم } وهم كفاركم { بربهم يشركون }

٥٥

{ ليكفروا } بعبادة غيره

{ بما آيتناهم } من نعمة الكفش عنهم كأنهم جعلوا غرضهم فى الشرك كفران النعمة ففى اللام استعارة تبعية وقوله ليكفروا من الكفران

وقيل اللام لام العاقبة

{ فتمتعوا } بقية آجالكم اى فعيشوا وانتفعوا بمتاع الحياة الدنيا اياما قليلة وهو امر تهديد

{ فسوف تعلمون } عاقبة امركم وما ينزل بكم من العذاب.

وفى الآيات اشارات . منها ان اكثر الخلق اتخذوا مع اللّه الها آخر وهو الهوى وهو ما يميل اليه الطبع وتهواه النفس بمجرد الاشتهاء من غير سند مقبول ودليل معقول قال تعالى

{ أفرأيت من اتخذ الهه هواه } فلهذا قال

{ الهين } وما قال آلهة لانه ما عبد الها آخر الا بالهوى ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم ( ما عبد اله ابغض على اللّه من الهوى ) فقال

{ انما هو اله واحد } اى الذى خلق الهوى وسائر الآلة

{ فاياى فارهبون } فانى انا الذى يستحق ان يرغب اليه ويرهب منه لا الهوى والالهة فانهم لا يقدرون على نفع ولا شر . وعن بعضهم قال انكسرت بنا السفينة وبقيت انا وامرأتى على لوح وقد ولدت فى تلك الحالة صبية فصاحت بى وقالت يقتلنى العطش فقلت هوذا يرى حالنا فرفعت راسى فاذا رجل فى الهواء جالس وفى يده سلسلة من ذهب فيها كوز من يقاوت احمر فقال هاك اشربا فاخذت الكوز وشربنا منه فاذا هو اطيب رائحة من المسك وابرد من الثلج واحلى من العسل فقلت من انت يرحمك اللّه فقال عبد لمولاك فقلت بم وصلت الى هذا قال تركت الهوى لمرضاته فاجلسنى على الهوى ثم غاب عنى فلم اره رضى اللّه عنه.

ومن الاشارات ان كاشف الضر هو اللّه تعالى فمن اراد كشفه عن الاسباب لا عن المسبب فقد اشرك ألا ترى ان وكيل السلطان اذا قضى لك حاجة فانت وان كنت شاكرا فعله ولكن انما تدعو فى الحقيقة للسلطان حيث قلد العمل لمثل هذا فحاجتك انما قضيت فى الحقيقة من قبل السلطان من حيث ان فعل هذا خلف حجاب الاسباب لا بالاسباب فافهم . ومنها ان الكفران سبب لزوال النعمة : وفى المثنوى

باشد آن كفران نعمت درمثال ... كه كنى با محسن خود توجدال

كه نمى آيد مرا اين نيكوئى ... من برنجم زين جه رنجه ميشوى

لطف كن اين نيكو ئى رادور كن ... من نخواهم عاقبت رنجور كن

نسأل اللّه العصمة من الكفار وعذابه.

٥٦

{ ويجعلون } اى كفار مكة

{ لما لا يعلمون } اى للصنام التى لا يعلم الكفار حقيقتها وقدرها الخسيس ويعقتدون فيها انما تضرو وتنفع وتشفع عند اللّه تعالى

{ نصيبا } [ بهره ]

{ مما رزقناهم } من الزرع والانعام وغيرهما تقربا اليها فقالوا هذا لله . بزعمهم وهذا لشركائنا وهو مذكور فى الانعام ويحتمل ان يعود ضمير لا يعلمون الى الاصنام وصيغة جمع العقلاء لكون ما عبارة عن آلهتهم التى وصفوها بصفات العقلاء اى الاشياء التى غير موصوفة بالعلم ولا تشعر أجعلوا لها نصيبا وحظا فى انعامهم وزروعهم ام لا

{ تاللّه لتسألن } سؤال توبيخ وتقريع

{ عما كنتم تفترون } فى الدنيا انها آلهة حقيقة بان يتقرب اليها.

وفيه اسارة الى ان اصحاب النفوس والاهواء يجعلون مما رزقهم اللّه من الطاعات نصيبا بالرياء لمن لا علم لهم باحوالهم ليحسنوا فى حقهم ظنا ويكتسبوا عندهم منزلة وهم غافلون فارغون عن توهمهم وافترائهم فى نفوسهم عليهم

بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش باخدا درتوانى فروخت

٥٧

{ ويجعلون لله البنات } هم خزاعة وكنانة كانوا يقولون الملائكة بنات اللّه [ وسخن بعضى از كفار اين بود كه حق تعالى باجن مصاهرت كرد وملائكة متولد شد نعوذ باللّه ]

{ سبحانه } [ باكست خداى از قول ايشان كه ميكويند خداى تعالى دختران دارد ]

{ ولهم ما يشتهون } من البنين اى يختارون لانفسهم الاولا الذكور ما مرفوعة المحل على انها مبتدأ والظرف المقدم خبره والجملة حالية ثم وصف كراهتهم البنات لانفسم فقال

٥٨

{ واذا بشر احدهم بالاثنى } البشارة بمعنى الاخبار على الوضع الاصلى والمضاف مقدر اى اخبر بولادتها [ يعنى جون كسى را از كافران خبر دهند كه ترا دخترى متولد شده ]

{ ظل وجهه } اى صار من الظلول بمعنى الصيرورة كما يستعمل اكثر الافعال الناقصة بمعناها او هو بمعناه يقال ظل يفعل كذا اذا فعله نهارا اى دام النهار كله لان اكثر الوضع يتفق بالليل ويتأخر اخبار المولود الى النهار وخصوصا بالانثى فيظل نهاره

{ مسودا } [ سياه ازاندوه وغم وشر مندكى درميان قوم ] واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير وهو بالفارسية [ خجل كردن ] يقال شور به فعل به فعلا يستحيى منه فتشور

{ وهو كظيم } مملوء غضبا على المرأة لاجل ولادتها الانثى . ومن هنا اخذ المعبرون من رأى اورؤى له ان وجهه اسود فان امرأته تلد انثى.

٥٩

{ يتوارى } يستخفى

{ من القوم } [ از كروه آشنايان وخويشان ]

{ من سوء ما بشر به } اى من اجل سوء المبشر به ومن اجل تعييرهم والتعبير عنها بما لاسقاطها عن درجة العقلاء

{ أيمسكه } التذكير باعتبار ما اى مترددا فى امره ومحدثا نفسه فى شأنه أيمسك ذلك المولود ويتركه

{ على هون } ذل وهوان للعمل والاستقاء والخدمة فهو حال من المفعول اى يمسكها مهانة ذليلة ويحتمل ان يكون حالا من الفاعل اى يمسكها مع رضاه بهوان نفسه

{ ام يدسه } يخفيه

{ فى التراب } بالوأد : يعنى [ زنده دركور كند جنانجهبنو تميم وبنو مضر ميكردند ] ولقد بلغ بهم المقت الى ان يهجر بعضهم البيت الذى فيه المرأة اذا ولدت انثى

{ ألا ساء } [ بدانيده بدست ]

{ ما يحكمون } [ آنجه حكم ميكنند مشركان يعنى دخترانرا كه بيش ايشان قدر وحرمت ندادند بخدى نسبت ميدهند ] ويختارون لانفسهم البنين فمدار الخطأ جعلهم ذلك لله مع ابائهم اياه.

٦٠

{ للذين لا يؤمنون بالآخرة } ممن ذكرت قبائحهم

{ مثل السوء } صفة السوء الذى هو كالمثل فى القبح وهى الحاجة الى الولد ليقوم مقامهم عند موتهم وايثار الذكور للاستظهار بهم ووأد البنات لدفع العار وخشية الاملاق مع احتياجهم اليهن طلب النكاح المنادى كل ذلك بالعجز والقصور والشح البالغ المنفور

{ ولله المثل الاعلى } اى الصفة العجيبة الشأن التى هى مثل فى العلو مطلقا وهو الوجوب الذاتى والغنى المطلق والوجود الواسع والنزاهة عن صفات المخلوقين

{ وهو العزيز } المنفرد بكمال القدرة لا سيما على مؤاذختهم

{ الحكيم } الذى يفعل كل ما يفعل بمقتضى الحكمة البالغة ومن حكمته ان خلق الذكور والاناث . فعلى العاقل ان يستسلم لامر اللّه تعالى وينقاد لحكمه فان كل ظهور انما هو منه تعالى وبارادته واللّه تعالى اذا اراد شيأ فليس للعبد أن يريد خلافه فانه لا يكون ابدا : قال الحافظ

بدرد وصاف ترانيست حكم دم دركش ... كه هرجه ساقئ ما كرد عين الطافست

وفى الشرع ويزداد فحاء بالبنات مخالفة لاهل الجاهلية وفى الحديث ( من بركة المرأة تبكيرها بالبنات ) اى يكون اول ولدها بنتا ألم تسمع قوله تعالى

{ يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور } حين بدأ بالاناث وفى الحديث ( من ابتلى من هذه البنات بشئ فاحسن اليهن كن له سترا من النار ) والابتلاء هو الامتحان لكن اكثر استعمال الابتلاء فى المحن والبنات قد تعد منها لان غالب هوى الخلق فى الذكور . وفسر بعض شراح المصابيح الاسحان اليهن بالتزويج بالاكتفاء لكن الاوجه ان يعمم قال بعض الفقهاء لا يزوج بنته معتزليا فان اختلاف الاعتقاد بين السنى والبدعى كاختلاف الدين وشأن التقوى الاحتراز عن صحبة غير المجالس ومصاهرته

آن بكى را صحبت اخيار يار ... لا جرم شد بهلوى فجار جار

وقال صلّى اللّه عليه وسلّم ( سألت اللّه ان يرزقنى ولدا بلا مؤونة فرزقنى البنات ) وقال ( لا تكرهوا البنات فانى ابو البنات )

ومن لطائف الروضة سأل الحجاج بعض جلسائه عن ارق الصوت عندهم فقال احدهم ما سمعت سوتا ارق من صوت قارئ حسن الصوت يقرأ كتاب اللّه فى جوف الليل قال ذلك الحسن وقال آخر ما سمت صوتا اعجب من ان اترك امرأتى ما خصنا واتوجه الى المسجد بكيرا فيأتينى آت فيبشرنى بغلام فقال واحسناه فقال سعبة بن علمة التميمى لا واللّه ما سمعت قط اعجب الى من ان اكون جائعا فاسمع خفخفة الخوان فقال الحجاج ابيتم يا بنى تميم الا الزاد.

ايها المحبوس فى رهن الطعام ... سوف تنجو ان تحملت الفطام

جون ملك تسبيح حق راكن غذا ... تا رهى همجون ملائك از اذى

٦١

{ ولو يؤاخذ اللّه } فاعل هنا بمعنى فعل

{ الناس } اى الكفار

{ بظلمهم } بكفرهم ومعاصيهم

{ ما ترك عليها } اى على الارض المدلول عليها بالناس وبقوله

{ من دابة } لانها ما يدب على الارض والعرب تقول فلان افضل من عليها وفلان اكرم من تحتها فيردون الكناية الى الارض والسماء من غيره سبق ذكر لظهور الامر بين يديى كل متكلم وسامع ومن هذا القبيل قولهم والذى شقهن خمسا من واحد يعنى الاصابع من اليد ولم يقل على ظهرها احترازا عن الجمع بين الظاءين فى كلام واحد وهو لو وجوابه فانه ثقيل فى كلام العرب . والمعنى ما ترك على وجه الارض من دابة قط بل اهلكها بالكلية بشؤم ظلم الظالمين كقوله تعالى

{ واتقوا فتنة لا تصيبت الذين ظلموا منكم خاصة } فهلاك الدواب باجلها وهلاك الناس عقوبة . وعن ابى هريرة انه سمع رجلا يقول ان الظالم لا يضر الا نفسه فقال بلى واللّه حتى ان الحبارى لتموت فى وكرها بظلم الظالم . وعن ابن مسعود ضى اللّه عنه لو عذب اللّه الخلائق بذنوب بنى آدم لاصاب العذاب جميع الخلائق حتى الجعلان فى حرها ولامسكت السماء أن احد أذا احق بيته يسرى ذلك الى بيوت الملحة بل البلدة ويحترق بسببه الدواب والهوام

بى ادب تنهانه خودرا داشت بد ... بكله آتش درهمه آفاق زد

{ ولكن } لا يؤاخذهم بذلك بل

{ يؤخرهم } يمهلهم بحلمه

{ الى اجل مسمى } اى معين لاعمارهم او لعذابهم كى يتوالدوا ويتناسوا او يكثر عذابهم

{ فاذا جاء } [ بس جون بيايد ]

{ اجلهم } المسمى

{ لا يستأخرون } عن ذلك الاجل اى لا يتأخرون . وصيغة الاستفعال للاشعار بعجزهم عنه مع طلبه له.

كه يك لحظه سورت نبندد امان جو بيمانه برشد بدور زمان

{ ساعة } اقصر وقت وهى مثل فى قلة المدة

{ ولا يستقدمون } اى لا يتقدمون وانما

تعرض لذكره مع انه لا يتصور الاستقدام عند مجيئ الاجل مبالغة فى عدم الاستيخار بنظمه فى سلك ما يمتنع.

٦٢

{ ويجعلون لله } اى يثبتون له سبحانه وينسبون اليه فى زعمهم

{ ما يكرهون } لانفسهم من البنات ومن الشرك فى الرياسة

{ و } مع ذلك

{ تصف } تقول

{ ألسنتهم الكذب } مفعول تصف وهو

{ ان لهم الحسنى } بدل الكل من الكذب اى العاقبة الحسنى . عند اللّه وهى الجنة ان كان البعث حقال كقوله تعالى

{ ولئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى } فلا ينافى قولهم لا يبعث اللّه من يموت فانه يكفى فى صحته الفرض والتقدير . وعن بعضهم انه قال لرجل من الاغنياء كيف تكون يوم القيامة اذا قال اللّه هاتوا ما دفع الى السلاطين واعوانهم فيؤتى بالدواب والثياب وانواع الاموال الفاخرة واذا اقل ما دفع الىّ فيؤتى بالكسر والخرق وما لا مؤونة له أما تستحى من ذلك الموقف وقرأ هذه الآية

{ لا جرم } رد لكلامهم ذلك واثبات لنيته وهو مصدر بمعنى حقا . بالفارسية [ حق حينين است كه فردا قيامت ]

{ ان لهم } مكان ما املوا من الحسنى

{ النار } التى ليس وراءها عذاب وهى علم فى السوء

{ وانهم مفرطون } اى مقدمون الى النار معجلون اليها من افطرته اذا قدمته فى طلب الماء او منسيون متركون فى النار من افرطت فلانا خلفى اذا خلقته ونسيته خلفك ثم سلى رسوله عما يناله من جهالات الكفرة ليصبر على اذاهم فقال

٦٣

{ تاللّه لقد ارسلنا الى امم من قبلك } اى رسلا الى من تقدمك من الامم فدعوهم الى الحق فلم يجيبوا الى ذلك

{ فزين لهم الشيطان اعمالهم } القبيحة من الكفر والتكذيب بالرسل فعكفوا عليها مصرين

{ فهو } اى الشيطان

{ وليهم } اى قرينهم وبئس القرين

{ اليوم } اى يوم زين لهم الشيطان اعمالهم فيه على طريقة حكاية الحال الماضية او فى الدنيا تولى اضلالهم بالغرور فجعل اليوم عبارة عن زمان الدنيا ويوم القيامة وهو عاجز عن نصر فنسه فكيف ينصر غيره فهذا حكاية حال آيتة فى حال كونهم معذبين فى النار والولى بمعنى الناصر . يقول الفقير الظاهر ان المراد باليوم يوم النبى صلّى اللّه عليه وسلّم وعصره وبالضمير فى وليهم اعقابهم وانسابهم من الكفرة المعاصرين واللّه اعلم

{ ولهم } فى الآخرة

{ عذاب اليم } هو عذاب النار.

٦٤

{ وما انزلنا عليك الكتاب } اى القرآن لعلة من العلل

{ الا لتبين لهم } اى للناس

{ الذين اختلفوا فيه } من التوحيد واحوال المعاد والحلال والحرام والمراد بالمختلفين المؤمنون والكافرون كما فى الكواشى

{ وهدى ورحمة } معطوفوان على محل لتبين وانتصابهما لانهما فعلا الذى انزل الكتاب بخلاف التبين فانه فعل المخاطب لا فعل المنزل اى وللهداية من الضلالة والرحمة من العذاب

{ لقوم يؤمنون } وتخصيصهم لانهم المنتفعون بالقرآن . قال سهل بن عبد اللّه لا يتصل احد باللّه حتى يتصل بالقرآن ولا يتصر بالقرآن حتى يتصل بالرسول ولا يتصل بالرسول حتى يتصل بالاركان التى قام بها الاسلام - حكى - عن مالك بم دينار انه قال يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن فى قلوبكم فان القرآن ربيع المؤمن كما ان الغيب ربيع الارض . وعن على بن ابى طالب كرم اللّه وجهه قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول ( انها ستكون فتنة ) قلت ما المخرج منها يا رسول اللّه قال ( كتاب اللّه فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما كان بعدكم وحكم ما بينكم وهو العلم وهو الفصل ليس بالهزل لا تشبع منه العلماء وهو بحل اللّه المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به اجر ومن دعا اليه فقد هدى الى صراط مستقيم ) ثم ان تبيين احكام القرآن للعامة وحقائقه للخاصة انما هو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالاصالة والاستقلال ولورثته بعده قرنا بعد قرن بالفرعية والتبعية . فعلماء الظواهر يخلصون الناس من الاختلاف فيما يتعلق بالظواهر بالبيان الصريح . وعلماء البواطن يخلصونهم من الاختلاف فيما يتعلق بالبواطن بالكشف الصحيح ولكل منهم مشرب لا يخيب وارده وهم اساطين الدين وسلاطين المسلمين . واعلم ان الاتعاظ بالمواعظ القرآنية يدخل العبد فيى السعادة الباقية ويخلصه من الحظوظ النفسانية - حكى - ان ابراهيم بن ادهم سر ذات يوم بمملكته ونعمته ثم نام فرأى رجلا اعطاه كتابا فاذا فيه مكتوب لا تؤثر الفانى على الباقى ولا تغتر بملكك فان الذى انت فيه جسيم لولا انه عديم فسارع الى امر اللّه فانه يقول

{ وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة } فانتبه فزعا وقال هذا تنبيه من اللّه تعالى وموعظة وهدى ورحمة فتاب الى اللّه واشتغل بالطاعة : قال المولى الجامى قدس سره

هركه دل برعشوه كيتى نها ... برحذر باش از غرور وجهل او

دامن او كير كزهمت فشاند ... آستين بردنبى وبراهل او

شرفنا اللّه واياكم بالعصمة عن الهوى وبالتمسك باسباب الهدى

٦٥

{ واللّه انزل من السماء } الى السحاب ومنه الى الارض

{ ماء } نوعا خاصا من الماء وهو المطر

{ فاحيا به الارض } اى انبت بسبب المطر فى الارض انواع النباتات

{ بعد موتها } اى بعد يبسها شبه تهييج القوى النامية فى الارض واحداث نضارتها بانواع النباتات بالاحياء وهو اعطاء الحياة وهى صفة تقتضى الحس والحركة وشبه يبوستها بعد نضارتها بالموت بعد الحياة وما يفيده الفاء من التعقيب العادى لا ينافيه ما بين المعطوفين من المهلة

{ ان فى ذلك } اى فى انزال الماء من السماء واحياء الارض الميتة به

{ لآية } دالة على وحدته تعالى وعلمه وقدرته وحكمته الا اذا الصنام وغيرها لا تقدر على شئ

{ لقوم يسمعون } هذا التذكير ونظائره سماع تفكر وتدبر فكأنه من ليس كذلك اصم لا يسمع : وفى المثنوى

جون سليمان سوى مرغان سبا ... يك صفيرى كرد آن جمله را

جز مكر مرغى كه بدبى جان وبر ... باجو ما هى كنك بدازاصل كر

نى غلط كفتم كه كركر سرنهد ... بيش وحى كبريا سمعش دهد

وقال بعضهم

{ واللّه انزل من السماء ماء } قرآنا هو سبب حياة المؤمنين فاحيي به قلوب الميتة بالجهل

{ ان فى ذلك لآية لقوم يسمعون } القرآن بسمع يسمع به كلام اللّه من اللّه فان اللّه تعالى متكلم بكلام ازلى ابدا ولا يسمع كلامه الامن اكرمه اللّه بسمع يسمع كلامه كقوله تعالى ولو علم اللّه فيهم خيرا لاسمعهم والحق تعالى تارة يتلو عليك الكتاب من الكبير الخارج وتارة يتلو عليك من نفسك فاسمع وتأهب لخطاب مولاك اليك فى أي مقام كنت وتحفظ من الوقر والصمم فالصمم آفة تمنعك عن ادراك تلاوته عليك من الكتاب الكبير وهو الكتاب المعبر عنه الفرقان والوقر آفة تمنعك من ادراك تلاوته عليك من نفسك المختصرة وهو الكتاب المعبر عنه القرآن اذا الانسان محل الجمع لما تفرق فى العالم الكبير وعلامة السامعين المتحققين فى سماعهم انقيادهم إلى كل عمل مقرب الى اللّه تعالى من جهة سماعه اعنى من التكليف المتوجه على الاذن من امرا ونهى كسماعه للعلم والذكر والثناء على الحق تعالى والموعظة الحسنة والقول الحسن.

ومن علامته ايضا التصامم عن سماع الغيبة والبهتان والسوء من القول والخوض فى آية اللّه والرفث والجدال وسماع القينات وكل محرم حجر الشارع عليك سماعه قال اللّه تعالى

{ واذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره انكم اذا مثلهم } فالكافر الخائض والمنافق الجليس له المستمع لخوضه كذلك من جالس الصديقين والعارفين فى مجالسهم المطهرة وانديتهم المقدسة فانه شريك لهم فى كل خير ينالون من اللّه تعالى وقد قال النبى صلى عليه الصلاة والسلام فيهم ( انهم لقوم لا يشقى بهم جليسهم ) افمرؤ مع من جالس فى الدنيا بالطاعة والادب الشرعى وفى الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدى نسأل اللّه تعالى ان يجعلنا مع الصلحاء فى الدنيا والآخرة انه الفياض الوهاب.

٦٦

{ وان لكم } ايها الناس

{ فى الانعام } جمع نعم بالتحريم وهى الانواع الاربعة التى هى الابل والبقر والضأن والمعز . والمعنى بالفارسية [ در وجود جهار بايان ]

{ لعبرة } دلالة يعبر بها من الجهل الى العلم كأنه قيل كيف العبرة فقيل

{ نسقيكم } [ مى آشامانيم شمارا ] قال الزجاج سقيته واسقيته بمعنى واحد . وفى الاسئلة المقحمة يقال اسقيته اذا جعلت له سقيا دائما وسقيته اذا اعطيته شربه

{ مما فى بطونه } من للتبعيض لان اللبن بعض ما فى بطونه والضمير يعود الى بعض الانعام وهو الاناث لان اللبن لا يكون للكل او الى المذكور اى فى بطون ما ذكرنا قاله الكسائى . والفرث فضالة العلف فى الكرش وثقله والكرش للحيوان بمنزلة المعدة للانسان

{ خالصا } صافيا ليس عليه لو الدم ولا رائحة الفرت

{ سائغا } بالفارسية [ كوارنده ]

{ للشاربين } ايى هسل المرور فى حلقهم قيل لم يغص احد باللبن قط وليس فى الطعام ولاشراب انفع منه ألا يرى الى قوله عليه السلام ( اذا كل احدكم عاما فليقل اللهم بارك لنا فيه واطعمنا خيرا منه واذا شرب للنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فانى لا اعلم شيأ انفع فى الطعام والشراب منه ) قال فى الكواشى المعنى خلق اللّه اللبن فى مكان وسط بين الفرث والدم واعلاء دما وبينه وبينهما حاجز من قدرة اللّه لا يختلط احدهما بالاخر بلون ولا طعم ولا رائحة مع شدة الاتصال ثم تسلط الكبد على هذه الاصناف الثلاثة تقسمها فتجرى الدم فى العروق واللبن فى الضروع ويبقى الفرث فى الكرش ثم ينحدر . فان قلت ان اللبن والدم لا يتوالدان فى الكرش اذ البهائم اذا بحت لم يوجد فى كشرها لبن ولا دم . قلت المراد كان اسفله مادة الفرث واوسطه مادة اللبن واعلاه مادة الدم فالمحدر الى الضروع مادة اللبن لا مادة الدم وقول بعضهم ان الدم ينحدر الى الضروع فيصير لبنا ببرودة الضرع بدليل ان الضرع اذا كانت فيه آفة يخرج منه الدم مكان اللبن مدفوع بانه يجوزم ان يتلون اللبن بلون الدم بسبب الآفة وهو اللائح بالبال ومن بلاغات الزمخشرى

كما يحدث بين الخبيثين ابن لا يؤبن ... الفرث والدم يخرج منهما اللبن

اى كما ان اللبن الطيب الطاهر يخرج من بين الخبيثين اللذيثن هما الفرث والدم بحيث لا يشوبه شئ من اوصافهما مع كمال الاصتال والا كتناف كذلك يخرج الابن الطيب الطاهر الذى لا يعاب بشئ اصلا من بين الابوين الخبيثين بحيث لا يوجد فيه شئ من اوصافهما الخبية

مى زغوره شود شكر ازنى ... عسل ازنحل حاصلست بقى

مكوزنهاراصل عود جوبست ... به بين دودش جه مستثنى وخوبست

- وسئل - شقيق عن الاخلاص فقال تمييزا العمل من العيوب كتمييز اللبن من بين فرث ودم [ در قوت القلوب فرموده كه تمامى نعمت بخلوص لبن است يعنى اكر دروى يكى از وصفين فرث ودم باشد تمام نعمت نبود وطبع اورا قبول نكند همجنين معامله بندكان باحق بايدكه خالص بود اكر بشوب فرث ريا ودم هوا آميخته كردد از خلوص دور واز نظر قبول مهجور خواهد بود زيرا كه ريا در عمل شرك خفيست وصفاى عمل بسبب شوب هوا منتفى در ريا نظر بردم است ودر هوا برغرض خود وبر هروجه عمل خالى از آلود كى نيست

طاعت آلوده نيايد بكار ... مشك جكر سوده نيايد بكار

هركة ز آلود كى افتاد باك ... ييش نظرها نبود تا بناك

وفى الآية اشارة الى اعتبار العاقل فيما سقاه اللّه مما فى بطون انعام النفوس فانها كالانعام من بين فرث الخواطر الشيطانى ودم الخواطر النفسانى لبنا خالصا من الالهام الربانى جائزا الاهل هذا الشرب على الصراط المستقيم من غير تلعثم كذا فى التأويلات النجمية.

٦٧

{ ومن ثمرات النخيل والاعناب } [ ومى آشامانيم شمارا از كونه ميوهاوى درختان خرما ودرختان انكورها ] ونسقيكم ايها الناس من عصيرها ونطعمكم ثم بين كنه الاسقاء والاطعام وكشفه بقوله

{ تتخذون منه } اى من عصيرها

{ سكرا } قال فى القاموس السكر محركة الخمر ونبيذ يتخذ من التمر . فالآية سابقة على تحريم الخمر دالة على كراهتها حيث قوبل السكر بالرزق الحسن ومقابل الحسن لا يكون حسنا

{ ورزقا حسنا } كالتمر والدبس والزبيب والرب والخل وفى الحديث ( خير خلكم خل خمركم ) قال فى الروضة خطب المأمون بمرو فسعل الناس فنادى بهم ألامن كان له سعال فليتداو بشرب خل الخمر ففعلوا فانقطع سعالهم .

قال بعضهم انظرا الى الاخبار عن نعمة اللبن ونعمة السكر والرزق الحسن لما كان اللبن لا يحتاج الى معالجة من الناس اخبر عن نفسه بقوله

{ نسقيكم } ولما كان السكر والرزق الحسن يحتاج الى معالجة قال فاخبر عنهم باتخاذهم منه السكر والرزق الحسن

{ ان فى ذلك } الاسقاء

{ لآية } باهرة

{ لقوم يعلقون } يستعملون عقولهم فى الآيات بالنظر والتأمر وفى التأويلات النجمية ومن مثرات نخيل الطاعات واعناب المجاهدات تتخذون من ثمرات الطاعت والمجاهدات وهى المكاشفات والمشاهدات ووقائع ارباب الطلب واحوالهم العجيبة سكرا ورزقا حسنا السكر ما يجعل لمنها شرب النفس فتسكر النفس فتارة تميل عن الحق والصراط المستقيم ميلان السكران وتارة تظهر رعوناتها بالافعال والاقوال رياء وسمعة وشهرة والرزق الحسن ما يكون منها شرب القلب والروح فيزداد منه الشوق والمحبة والصدق والطلب كما

قال بعضهم

شربت الحب كأسا بعد كأس ... فما نفد الشراب وما رويت

وقالوا

شقانى شربة احيى فؤادى ... بكأس الحب من بحر الوداد

ان فى ذلك الاعتبار لدلالة لقوم يدركون بالعقل اشارات الحق ويفهمونها انتهى

مافى التأويلات قال اهل التحقيق العقل شجرة ثمرها العلم والحلم فشرف الثمر دال على شرف المثمر وصاحب العقل فى قومه كالنبى فى امته . قال بعض العلماء قسم العقل بالفى جزء الف للانبياء والرسل والملائكة وتسعمائة وتسعة وتسعون جزأ لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ومن الواحد اربعة دوانق للعلماء ودانق لعامة الرجال ونصف دانق للسناء ونصف لأهل القرى والرساتيق . ولادانق بفتح النون وكسرها سدس الدرهم . قال حكيم العمر فى الدنيا قليل والحسرة فى الآخرة طويلة والعبد بعمل نفسه فى الآخرة اما عزيز

واما ذليل . فعلى كل عاقل واجب ان يجتهد فى اصلاح نفسه قبل ان يأتيه اليقين ويأخذ اشارة من كل رطب ويابس وغث وسمين ويصحو من سكر الغفلة والهوى ويشرب من مشرب التيقظ والهدى : وفى المثنوى

عقل جزؤى را وزير خود مكير ... عقل كل را ساز اى سلطان وزير

كين هوابر حخرص وحالى بين بود ... عقل انديشه يوم الدين بود

٦٨

{ واوحى ربك } يا محمد

{ الى النحل } هو ذباب العسل وزنبوره اى الهمها وقذف فى قلوبها وعلمها بوجه لا يعلمه الا هو مثل قوله

{ بان ربك اوحى لها } والوحى يقع على كل تنبيه خفى واللّه تعالى ألم كل حيوان ان يلتمس منافعه ويجتنب مضاره وقد الهم اللّه الغراب ان يبحث فى الارض ليرى قابيل كيف يوارى سوءة اخيه هابيل : كما فى المثنوى

بس بجنكال اززمين انكيخت كرد ... زود زاغ مرده را دركور كرد

دفن كردش بس بيوشيدش بخاك ... زاغ از الهام حق بد علمناك

وكفاها شرفا قول اللّه تعالى

{ واوحى ربك الى النحل } وكل ذباب فى النار الا ذباب العسل قال فى عجائب المخلوقات يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة وفي اوحى ربك الى النحل صنعة العسل . قال فى حياة الحيوان يحرم اكل النحل . وان كان العسل حلالا كالآدمية لبنها حلال وحلمها حرام ويكره قتلها

واما بيعها فى الكوارة فصحيح ان يشاهد جميعها والا فهو بيع غائب فان باعها وهى ظاهرة . ففى التتمة يصح . وفى التهذيب عكسه . وقال ابو حنيفة لا يصح بيع النحل كالزنبور وسائر الحشرات ويجوز بيع دود القز من الذى يسنع به

{ ان اتخذى } لنفسك اى بان اتخذى فان مصدرية وصيغة التأنيث لان النحل يذكر ويؤنث

{ من الجبال } [ ازشكاف كوهها ]

{ بيوتا } [ خانه هاى مسدس ] اى مساكن تأوى الهيا وسمى ما تبينه لتعسل فيه بيتا تشبيها ببناء الانسان لما فى بيوته المسدسة المتاسوية بلا بركار ومسطر من الحذاقة وحسن الصنعة التى لا يقوى عليها حذاق المهندسين الا بآلات وانظار دقيقة واختارت السمدس لانه اوسع من المثلث والمربع والمخمس ولا يبقى بينهما فرج خالية كما تقى بين المدورات وما سواها من المضلعات ومن للبتعيض لانها لا تبنى فى كل جبل وكذا قوله

{ ومن الشجر } لانها لا تبنى فى كل شجر . والمعنى بالفارسية [ وازيمان درخاتن نيز خانه كيريد يعنى در بعضى شجر جاى كنيد درجانب كوه وقتى كه مالكى وصاحبى نداشته باشد ] وكذا فى قوله

{ ومما يعرشون } لانها لا تبنى فى كل ما يعرشه الناس اى يرفعه من الاماكن لتعسل فيها وهذا اذا كان لملاك . وقال بعضهم ومما يعرشون من كرم لو سقف او جدران او غير ذلك ولما كان اهم شئ للحيوان بعد الراحة من هم المقيل الا كل ثنى به ولما كان عاما فى كل ثمر ذكره بحرف التراخى اشارة الى عجيب الصنع فى ذلك وتيسره لها فقال

٦٩

{ ثم كلى } واشارة الى كثرة الرزق بقوله

{ من كل الثمرات } فهو للتكثير كقوله تعالى فهو عام مخصوص بالعادة

{ فاسلكى } جواب شرط محذوف اى فاذا اكلت الثمار فى المواضع البعيدة من بيوتك فادخلى

{ سبل ربك } فى الجبال وفى خلال الشجر اى طرق ربك التى الهمك وعرفك الرجوع فيها الى مكانك من الخلية بعد بعدك عنها حال كون السبل

{ ذللا } جمع ذلول اى موطأة للسلوك مسهلة وذلك انها اذا اجدب عليها حولها سافرت الى المواضع البعيدة فى طلب النجعة ثم ترجع الى بيوتها من غير التباس وانحراف واشارة باسم الرب الى انه لولا عظيم احسانه فى تربيتها لما هدت الى ذلك وهذا كما يقال فى القطا وهو طائر معروف يضرب به المثل فى الهداية ويقال ( اهدى من قطاة ) وذلك انه يترك فراخه ثم يطلب الماء من مسيرة عشرة ايام واكثر فيرده فيما بعد طلوع الفجر الى طلوع نتيجة ذلك جوابا لمن قال ماذا يكون من هذا كله فقال

{ يخرج من بطونها } اى بطون النحل بالقيئ

{ شراب } اى عسل لانه مشروب وذلك ان النحل تأكل الاجزاء اللطيفة الطلية الحلوة الواقعة على اوراق الاشجار والازهار وتمص من الثمرات الرطبة والاشياء العطرة ثم تقيئ فى بيوتها ادخارا للشتاء فينعقد عسلا باذن اللّه تعالى والى هذا اشار ظهير الفاريانى بقوله

بدان طمع كه دهن خوش كنى زغايت حرص ... نشسته مترصد كه فى كند زنبور

واما قول على رضى اللّه عنه فى تحقير الدنيا اشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دمدة واشرف شرابه رجيع نحلة فوارد على طريق التقبيح وان كان العسل فى نفسه ما يسلتذ ويستطاب على ان اطلاق الرجيع عليه انما هو لكونه مما يحويه البطن . وفى حياة الحيوان قد جمع اللّه تالى فى النحل السم والعسل دليل على كمال قدرته واخرج منها السعل ممزوجا بالشمع وكذلك عمل المؤمن ممزوج بالخوف والرجاء وهى تأكل من كل الشجرة لا يخرج منها الا حلو اذلا ليغرها اختلاف مآكلها والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه : وفى المثنوى

اين كه كرمناست وبالاميرود ... وحيش از زنبور كى كمتر بود

جونكه اوحى الرب الى النحل آمدست ... خانة وحيش براز حلوا شدست

او بنور وحى حق عز وجل ... كرد عالم را براز شمع وعسل

وللعسل اسماء كثيرة . منها الحافظ الامين لانه يحفظ ما يودع فيه فيحفظ الميت ابدا واللحم ثلاثة أشهر والفاكهة ستة اشهر وكل ما اسرع اليه الفساد اذا وضع فى العسل طالبت مدة مقامه وكان عليه السلام يحب الحلواء والعسل . قال العلماء المراد بالحلواء ههنا كل حلو وذكر العسل بعدها تنبيها على شرفه ومزيته وهو من باب ذكر الخاص بعد العام وفيه جواز اكل لذيذ الاطعمة والطيبات من الرزق وان ذلك لا ينافى الزهد والمراقبة لا سيما اذا حصل انفاق وفى الحديث ( اول نعمة ترفع من الارض العسل ) وقال على رضى اللّه عنه انام الدنيا ستة اشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومركوب ومنكوح ومشموم.

فاشرف المطعومات العسل وهو مذقة ذباب . واشرب المشروبات الماء يستوى فيه البر والفاجر واشرب الملبوسات الحرير وهو نسيج دودة . واشرف المركوبات الفرس وعليه يقتل الرجال . واشترف الشمومات المسك وهو دم جيوان . واشرف المنكوحات المرأة وهى مبال فى مبال

{ مختلف الوانه } من ابيض واخضر واصفر واسود بسبب اختلاف سن النحل فالابيض يلقيه شباب النحل والاصفر كهولها والاحمر شيبها وقد يكون الاختلاف بسبب اخلتلاف لون النور.

قال حكيم يونان لتلامذته كونوا كالنحل فى الخلايا وهى بيوتها قالوا وكيف النحل فى خلاياها قال انها لا تترك عندها بطلا الا نفته واقصته عن الخلية لانه يضيق المكان ويفنى العسل وانما يعمل النشيط لا الكسل . وعن ابن عمر رضى اللّه عنهما مثل المؤمن كالنحلة تأكل طيبا وتصنع طيبا ووجه المشاهبة بينهما حذق النحل وفطنته وقلة اذاه ومنفعته وتنزهه عن الاقذر وطيب اكله وانه لا يأكل من كسب غيره وطاعته لا ميره وان للنحل آفات تقطعه عن عملة ظلمة الغفلة وغيم الشك والربح والدخان والماء والنار وكذلك المؤمن له آفات تغيره عن عمله ظلمة الغفلة وغيم الشك وربح الفتنة ودخان الحرام وماء السفه وانر الجوى

{ فيه } اى فى الشراب وهو العسل

{ شفاء للناس } اى شفاء الاوجاع التى يعرف شفاؤها منه يعنى انه من جملة الاشفية المشهورة النافعة لامراض الناس وليس المراد انه شفاء لكل مرض كما قال فى حياة الحيوان . قوله

{ فيه شفاء للناس } . لا يقتضى العموم لكل علة وفى كل انسان لانه نكرة فى سياق الاثبات بل المراد انه يشفى كما يشفى غيره من الادوية فى حال دون حال وكان ابن مسعود وابن عمر رضى اللّه عنهم يحملانه على العموم . قال البيضاوى

{ فيه شفاء للناس } اما بنفسه كما فى الامراض البلغمية او مع غيره كما فى سائر الامراض اذ قلما يكون معجون الا والعسل جزؤ منه

واما السكر فمختص به بعض البلاد وهو محدث ولم يكن فيما تقدم من الازمان يجعل فى الاشربة والادوية الا العسل - روى - ان رجلا جاء الى النبى صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ان اخى قد اشتكى بطنه فقال اسقه عسلا فسقاه عسلا فما زاده الا استطلاقا فعاد الى النبى عليه الصلاة والسلام فذكر له ذلك فقال اسقه عسلا فسقاه ثانيا فما زاد الا استطلاقا ثم رجع فقال يا رسول اللّه سقيته فما نفع فقال ( اذهب فاسقه عسلا فقد صدق اللّه وكذب بطن اخيك ) فسقاه فشفاه اللّه فبرئ كانما انشط من عقال وفى الحديث ( ان اللّه جعل الشفاء فى اربعة الحبة السوداء والجحامة والعسل وماء السماء ) وجاء رجل الى على بن ابى طالب كرم اللّه وجهه وشكا له سوء الحفظ فقال أترجع الى اهل قال نعم فقال قل لها تعطيك من مهرها درهمين عن طيب نفس فاشتر بهما لبنا وعسلا واشربهما مع شربة من ماء المطر على الريق ترزق حفظا.

فسئل الحسن بن الفضل عن هذا فقال اخذه من قوله تعالى

{ وانزلنا من السماء ماء مباركا } وفى اللبن

{ خالصا سائغا للشاربين } وفى العسل

{ فيه شفاء للناس } وفى المهر

{ فكلوه هنيئاً مريئاً } فاذا اجتمعت البركة والشفاء والهنيئ والمريئ والخالص السائغ فلا عجب ان ينفع - روى - عن عوف بن مالك انه مرض فقال ائتونى بماء فان اللّه تعالى قال

{ وانزلنا من السماء ماء مباركا } ثم شربه فشفى . وكان بعضهم يكتحل بالعسل ويتداوى به من كل سقم واذا خلط العسل الذى لم يصبه ماء ولا نار ولا دخان بشئ من المسك واكتحل به نفع من نزل الماء فى العين والتلطخ به يقتل القمل . والمطبوخ منه نافع للسموم ولعقه علاج لعضة الكلب . قال امام الاولياء محمد بن على الترمذى قدس سره انما كان العسل شفاء للناس لان النحل ذلت لله مطيعة واكلت من كل الثمرات حلوها ومرها محبوبها ومكروهها اركة لشهواتها فلما ذلت لامر اللّه صار هذا الا كل كلمة لله فصار ذلك شفاء للاسقام . فكذلك اذاذل لعبدلله مطيعا وترك هواه صار كلامه شفاء للقلوب السقيمة انتهى.

وفى العسل ثلاثة اشياء الشفاء والحلاوة واللبن . وكذلك المؤمن قال اللّه تعالى

{ ثم تلين جلودهم وقوبهم الى ذكر اللّه } ويخرج من الشاب خلاف ما خرج من الكهل والشيخ كذلك حال المقتصد والسابق . وغن ابن مسعود رضى اللّه عنه العسل شفاء من كل داء اى فى الابدان والقرآن شفاء فما فى الصدور فعليكم بالشفاءين القرآن والعسل ريح اكر بسيار شد كى غم خورم جون شفاوى جان بيمارم تويى

{ ان فى ذلك } اى فى امر نحل العسل

{ لآية } حجة ظاهرة دالة على القدرة الربانية

{ لقوم يتفكرون } اى للذين تفكروا فعلموا ان النحلة على صغر جسمها وضعف خلقتها لا تهتدى لصنعة العسل بنفسها فان ذلك بصانع صنعها خالف بينها وبين غيرها من الحشرات الطائرة فاستدل بذلك على خالق واحد قادر لا شريك له ولا شبيه . قال الكاشفى

{ لقوم يتفكرون } [ مر كروهى را كه تفكر كنند داراختصاص بصانيع دقيقه وامور رقيقه وهر آينه اينها بوجود نكيرد الاز الهام توانايى ودانايى كه جندين حكمت درجانورى ضعيف وديعت نهد انقيادى دارند كه ازراه فرمان منحرف نشوند امانتى كه مبيؤه تلخ خورند وعسل شيرين بازهند ورعى كه جز باك وبا كيزه نخورند طاعتى كه هركز خلاف فرمان نكنند تمكنى كه فرسنكها بروندوباز با وطن خود رجوع نمايند طهارتى كه هركز برفازورات ننشينند وازان نخورند وصناعتى كه اكر همه بنايان عالم جميع شوند همجو خانهاى مسدس ايشان نتوانند ساخت بس همجنانجه ازعسل ايشان فاى الم ظاهر حاصل شود ازتفكر احوال ايشان شفاء مرض باطن كه جهلست دست دهد ]

فكر دلرانيك وهم نمكين كند ... كام جانرا جون عسل شيرين كند

شربت فكر اربكام جان رسد ... جاشنئ آن بماند تابد

قال القشيرى رحمه اللّه ان اللّه تعالى اجرى سنته ان يخفى كل عزيز فى شئ حقير جعل البريسم فى الدود وهو اصغر الحيوانات واضعفها والعسل فى النحل وهو اضعف الطيور وجعل الدر فى الصدف وهو اوحش حيوان من حيوانات البحر واودع الذهب والفضة والفيوزنج فى الحجر وكذلك اودع المعرفة والمحبة فى قلوب المؤمنين وفيهم من يخطى وفيهم من يعصى ومنهم من يعرف ومنهم من يجعل امره

كسى راكه نزديك ظنت بداوست ... ندانى كه صاحب ولايت هم اوست

قال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى ان تصرف كل حيوان فى الاشياء مع كثرتها واختلاف انواعها انما هو بتعريف اللّه تعالى اياه والهامه على قانون حكمته وارادته القديمة لا من طبعه وهواه . وانما خص النحل بالوحى وهو الالهام والرشد من بين سائر الحيونات لانها اشبه شئ بالانسان لا سيما باهل السلوك فان من دأبهم وهجيراهم ان يتخذوا من الجبال بيوتا اعتزلا عن الخلق وتبتلا الى اللّه تعالى كما كان حال النبى صلّى اللّه عليه وسلّم حيث كان يتخنث الى حراء اسبوعا واسبوعين وشهرا وان من شأنهم النظافة فى الموضع والملوس والمأكول كذلك النحل من نظافتها تضع ما فى بطنها على الحجر الصافى او على خشب نظيف لئلا يخالطه طين او تراب ولا تقعد على جيفة ولا على نجاسة احترازا عن التلوث كما يحترز الانسان عنه ومثرات البدن الاعمال الصالحة وثمرات النفوس الريضات والمجاهدات ومخالفات الهوى وثمرات القلوب ترك الدنيا وطلب العقبى والتوجه الى حضرة المولى وثمرات الاسرار شواهد الحق والتطلع على الغيوب والتقرب الى اللّه فهذه كلها اغذية الارواح واللّه تعالى قال للنحل

{ كلى من كل الثمرات } وقال مثله للسالكين { كلوا من الطيبات واعملوا صالحا }.

٧٠

{ واللّه } المحيط بكل شئ علما وقردة

{ خلقكم } اوجدكم واخرجكم من العدم الى الوجود . وبالفارسية

[ ازظلمت آباد ن بود بصحراى انوار وجود آورد ]

{ ثم يتوفيكم } اى يقبض ارواحكم على اختلاف الاسنان صبيانا وشبانا وكهولا فلا يقدر الصغير على ان يؤخر ولا الكبير على ان يقدم فمنكم من يموت حال قوته

{ ومنكم من يرد } قبل توفيه اى يعاد

{ الى ارذل العمر } اسه واحقره وهو الهرم والخرف الذى يعود فيه كهيئته الاولى فى اوان طفوليته ضعيف البنية ناقص القوة والعقل قليل الفهم وليس له حد معلوم فى الحقيقة لانه رب ابن ستين انتهى الى ارذل العمر ورب ابن مائة لم يرد اليه . وقال قتادة اذا بلغ تسعين سنة يتعطل عن العمل والصترف والاكتساب والحج والغزو ونحوها ولذا دعا محمد بن على الواسطى لنفسه فقال

يا ربا لا تحينى الى زمن ... اكون فيه كلا على احد

خذ بيدى قبل ان اقول لمن القاه عند القيام خذ بيدى

وسأل الحجاج شيخا كيف طعمك قال اذا اكلت ثقلت واذا تركت ضعفت فقال كيف نومك قال انام فى المجمع واسهر فى المهجع فقال كيف قيامك وقعودك قال اذا قعدت تباعدت عنى الارض واذا قمت لزمتنى فقال كيف مشيك قال تعقلنى الشعرة وتعثرنى البعرة

{ لكيلا يعلم بعد علم شيأ } ليصير الى حالة شبيهة بحال الطفولية فى سوء الفهم والنسيان وان يعلم شيأ ثم يسرع فى نسيانه فلا يعلمه ان سئل عنه فمؤدى الكلام لينسى ما عيلم وهو يستلزم ان لا يعلم زيادة علم على علمه لانه اذا كان حاله بحيث ينسى ما علم فكيف يزيد علمه واللام فى لكى هى لا م كى دخلت على كى للتأكيد وهى متعلقة بيرد . وقال بعضهم اللام جارة وكى حرف مصدرى كأن وشيأ مفعول لا يعلم

{ ان اللّه عليم } بمقادير اعمالكم.

قال الكاشفى [ داناست وجهل بردانايى او طارى نشود ]

{ قدير } [ تواناست وعجز برتوانايى اوراه نيايد ] اى قدير على كل شئ يميت الشاب النشيط ويبقى الهرم الفانى : قال الشيخ سعدى قدس سره.

اى بسا اسب تيزروكه بماند ... كه خرلنك جان بمنزل برد

بس كه درخاك تن درستانزرا ... دفن كردند وزخم خورده نمرد

وفيه تنبيه على ان تفاوت الآجال ليس الا بتقدير قادر حكيم ركب ابنيتهم وعدل امزجتهم على قدر معلوم ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لما بلغ التفاوت هذا المبلغ . قالوا اسنان الانسان سبعة اطوار . طور الفضولية الى سبع سنين . قم الصبى الى اربع عشرة سنة . ثم الشباب الى اثنتين وثلاثين سنة ثم الكهولة . ثم الشيخوخة . ثم الهرم الى منتهى العمر . وفى الارشاد ضبطوا مراتب العمر فى اربع الاولى سن النشو والنماء.

والثانية سن الوقوف وهى سن الشباب . والثالثة سن الانحطاط القليل وهى سن الكهولة . والرابعة سن الانحاط الكثير وهى سن الشيخوخة ولا عمر اسوأ حالا من عمر الهرم الذى يشبه الطفل فى نقصان العقل والقوة وعند اخلاله لا يوجد له شفاء ولا يمنعه دواء وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو ( اعوذ بك من البخل والكسل وارذل المر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات )

قال بعضهم حكم الهرم انما يظهر فى حق الكافر لان المسلم يزداد عقله لصلاحه فى طول عمره كرامة له وفى الحديث ( من قرأ القرآن لم يردّ الى ارذل العمر ) وكذا من يتدبره ويعمل به كم فى تفسير العيون . يقول الفقير لا شك ان الجنون والعته ونحوهما من صفات النقصان فاللّه تعالى لا يبتلى كامل الانسان انبياء واولياء فالمراد بقولهم ان العلماء لا يعرض لهم العته وان بلغوا الى ارذل العمر علماء الآخرة والعلماء باللّه لا مطلق العلماء كما لا يخفى اذ قد شاهدنا من علماء زماننا من صار حاله الى حال الطفولية ثم ان ارذل العمر وان كان اشد الازمان واعبها لكنه اوان المغفرة ورفعه الدرجة وفى الحديث ( اذا بلغ المرء ثمانين سنة انبتت حسناته ومحيت سيآته واذا بلغ تسعين سنة غفر اللّه ذنبه ما تقدم منه وما تأخر وكان اسير اللّه فى الارض وشفيعا لاهل بيته يوم القيامة ) - روى - ان رجلا قال للنبيى عليه الصلاة والسلام اصابنى فقر فقال ( لعلك مشيت امام شيخ ) واول من شاب من ولد آدم ابراهيم عليه السلام فقال يا رب ما هذا قال هذا نورى فقال رب زدنى من نورك ووقارك وكان الرجل فى القرون الاولى لا يحتمل حتى يأتى عليه ثمانون سنة . وعن وهب ان اصغر من مات من ولد آدم ابن مائتى سنة . قال بعض المشايخ هذه الامة وان كانت اعمارهم قصار قليلة لكن امدادهم كثيرة وهم ينالون فى زمن قصير ما ناله الاقدمون فى مدة طويلة من المرتبة وهذا فضل من اللّه تعالى.

قال حكيم ان خير نصفى عمر الرجل آخره يذهب جهله ويثوب حلمه ويجتمع رأيه وشر نصفى عمر المرأة آخره يسوء خلقها ويحد لسانها ويعقم رحمها وفى الحديث ( خير شبابكم من تشبه بكهولكم وشر كهولكم من تشبه بشبابكم ) يقول الفقير هذا يشمل التشبه بانواعه فى الاقوال والاحوال والافعال والقيام والقعود واللباس ونحوها فالصوفى شيخ فى المعنى لان مراده الفناء عن الوصاف كلها فينبغى له ان يلبس لباس الكهول وان كان شابا وفى الحديث ( من اتى عليه اربعون سنة لم لم يغلب خيره شره فليتجهز الى النار )

قال يحيى بن معاذ رحمه اللّه مقدار عمرك فى جنب عيش الآخرة كنفس واحد فاذا ضيعت نفسك فخسرت الابد انك لمن الخاسرين . وفى الية اشارة الى الفناء والبقاء فالمتوفى هو الفانى عن اثبات وجوده والمردود هو الباقى بوجود موجود وجوده وقوله

{ لكيلا لا يعلم بعد علم شيأ } اى ليكون عاقبة امره ان لا يعلم بعد فناء علمه شيأ بعلمه بل يعلم بربه الاشياء كما هى كما فى التأويلات النجمية.

٧١

{ واللّه } تعالى وحده

{ فضل بعضكم على بعض فى الرزق } اى جعلكم متفاوتين فيه فمنكم غنى ومنكم فقير ومنكم مالك ومنكم مملوك . والرزق ما يسوقه اللّه تعالى الى الحيوان من المطعومات والمشروبات . وفيه تبيه على ان غنى المكثير ليس من كياسته ووفور عقله وكثرة سعيه ولا فقر المقل من بلادته ونقصان عقله وقلة سعيه بل من اللّه تعالى ليس الا

كم عاقل عاقل ايعت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

قال الحافظ

سكندر را نمى بخشند آبى ... بزور وزر ميسر نيست اين كار

قال ابن الشيخ وهذا التفاوت غير مختص بالمال بل هو واقع فى الذكاء والبلادة والرشد والدناءة الحسن والقباحة والصحة والسقامة وغير ذلك.

كنج زر كرنبود كنج قناعت باقيست ... آنكه آن داد بشاهان بكدايان اين داد

وفى التأويلات النجمية فضل اللّه الارواح على القلوب فى رزق المكاشفات والمشاهدات بعد الفناء والرد الى البقاء . وفضل القلوب على النفوس فى رزق الزهد والورع والتقوى والصدق واليقين والايمان والتوكل والتسليم والرضى . وفضل النفوس على الابدان فى رزق التزكية ومقاساة شدائد المجاهدات والصبر على المصائب والبلايا وحمل اعباء الشريعة باشارات الطريقة وتبديل الاخلاق الذميمة بالحميدة وفضل ابدان المؤمنين على ابدان الكافرين فى رزق الاعمال التى هى اركان الشريعة وقراءة القرآن والذكر باللسان مشرفة باخلاص بالجنان

{ فما الذين فضلوا } اى فليس الموالى الذين فضلوا فى الرزق على المماليك

{ برادى رزقهم } اى بمعطى رزقهم الى رزقهم اياه اصله رادين سقط النون للاضافة

{ على ما ملكت ايمانهم } على ممالكيهم الذين هم شركاؤهم فى المخلوقين والمرزوقية

{ فهم } اى الملاك والمماليك

{ فيه } فى الرزق

{ سواء } فى الفاء دلالة على ترتب التساوى على الرد اى لا يردون عليهم ردا مستتبعا للمساوى فى التصرف والتشارك فى التدبير وانما يردون عليهم منه شيأ يسيرا والحاصل انهم لا يجعلون ما رزقناهم من الاموال وغيرها شركة بينهم وبين مماليكهم بحيث لا يرضون بمساواة مماليكهم لانفسهم وهم امثالهم فى البشرية والمخلوقية فما بالهم كيف جعلوا مماليكه تعالى ومخلوقه شركاء له مع كمال علوه فأين التراب ورب الارباب . وهذا كما ترى مثل ضرب لكمال قباحة ما فعله المشركون تقريعا عليهم وكانوا يقولون فى التلبية لبيك لا شريك لك الا شريك هو لك

{ أفبنعمة اللّه يجحدون } الفاء للعطف على مقدر وهى داخلة فى المعنى على الفعل والجحود الانكار والباء لتضمينه معنى الكفر . والمعنى أبعد علمهم بان الرزاق هو اللّه تعالى يشركون به فيجحدون نعمته فان الاشراك يقتضى ان يضيفوا نعم اللّه الفائضة عليهم الى شركائهم وينكروا كونها من عند اللّه تعالى فاللّه تعالى يدعو عباده بهذه الآية الى التوحيد ونفى الشرك حتى يتخلصوا من الشرك والظلمات ويتشرفوا بالتوحيد الخالص والانوار العاليات.

فعلى العبد الطاعة والسعى الى تحصيل الرضوان والعرفان وانما الرزق على المولى الكريم المنان . ومن الكلمات التى نقلها كعب الاحبار عن التوراة ( يا بن آدم خلقتك لعبادتى فلا تلعب وقسمت رزقك فلا تتعب وفى اكثر منه لا تطمع ومن اقل منه لا تجزع فان انت رضيت بمكا قسمته لك ارحت قلبك وبدنك وكنت عندى محمودا وان كنت لم ترض به وعزتى وجلالى لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش فى البر ولا ينالك منها لا ما قسمته لك وكنت عندى مذوما . يا ابن آدم خلقت لك السموات والارضين لم اعى بخلقهن أبعينى رغيف اسوقه اليك من غير تعب . يا ابن آدم انا لك محب فبحبى عليك كن لى محبا . يا ابن آدم لا تطالبنى برزق غد كما لا اطالبك بعمل غد فانى لم انس من عصانى فكيف من اطاعنى ) واعلم ان عباد اللّه فى باب الرزق على وجوه منهم من جعل رزقه فى الطلب فمن جعل رزقه فى الطلب فعليه بكسب الحلال الطيب كعمل اليد مثلا . ومنهم من جعل رزقه فى القناعة وهى فى اللغة الرضى بالقسمة وفى اصطلاح اهل الحقيقة هى السكون عند عدم المألوفات . ومنهم من جعل رزقه فى التوكل وهو الثقة بما عند اللّه واليأس مما فى ايدى الناس . ومنهم من جعل رزقه فى المشاهدة والمجاهدة كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم ( ابيت عند ربى يعطمنى ويسقينى ) وهو اشارة الى المشاهدة وقال ( جعل رزقى تحت ظل رمحى ) وهو اشارة الى المجاهدة فعلى العاقل المجاهدة العبادة لله تعالى خالصا لا لأجل تنعم النفس فى الجنة والخلاص من النار فانها معلولة والمعبود فى الحقيقة هو الثواب والعقاب ولذا قال فى المثنوى

هشت جنت هفت دوزخ بيس من ... هست بيدا همجوبت بيتس وثن

٧٢

{ واللّه } تعالى وحده

{ جعل لكم من انفسكم } من جنسكم

{ ازواجا } نساء لتأنسوا بها وتقيموابذلك جميع مصالحكم ويكون اولادكم امثالكم . ومن هنا اخذ بعض العلماء انه يمتنع ان يتزوج المرؤ امرأة من الجن اذ لا مجانسة بينهما فلا منا كحة واكثرهم على امكانه ويدل عيله ان احد ابوى بلقيس كان جنيا.

قال ابن الكببى كان ابوها من عظماء الملوك فتزوج امرأة من الجن يقال لها ريحانه بينت السكن فولدت له بلقيس وفيه حكايات اخر فى آكام المرجان فان قيل غلبة عنصر النار فى الجن تمنع من ان تتكون النطفة الانسانية فى رحم الجنية فما فيها من الرطوبات فتضمحل ثمة لشدة الحرارة النيرانية وقس عليه نكاح الجنى الانسية . قالت انهم وان خلوقا من نار فليسوا بباقين على عنصرهم النازى بل قد استحالوا عنه بالاكل والشرب والتوالد والتناسل كما استحال بنوا آدم عن عنصرهم الترابى بذلك على ان الذى خلق من نار هو ابو الجن كما خلق آدم ابو الانس من تراب

واما كل واحد من الجن عيرا ابيهم فليس مخلوقا من النار كما ان كل واد من بنى آدم ليس مخلوقا من تراب . وذكروا ايضا جواز لمناكحة بين الانسان وانسان الماء كما قال فى حياة الحيوان ان فى بحر الشام فى بعض الاوقات من شكله شكل انسان وله لحية بيضاء يسمونه شيخ البحر فاذا رآه الناس استبشروا بالخصب - حكى - بعض الملوك حمل اليه انسان ماء فاراد الملك ان يعرف حاله فزوجه امرأة فاتاه منها ولد يفهم كلام ابويه فقيل للولد ما يقول ابوك قال يقول اذناب الحيوان كلها فى اسفلها فما بال هؤلاء اذنابهم فى وجوههم . وذكروا ايضا بنات الماء ومناحكة الانسان اياهن وتولد الاولاد منهن

{ وجعل لكم من ازواجكم } اى جعل لكل منكم من زوجه لا من زوج غيره

{ بينين } [ فرزندان ]

{ وحفدة } جمع حافد وهو الذى يسرع فى الخدمة والطاعة ومنه قول القانت واليك نسعى ونحفد اى جعل لكم خد ما يسرعون فى خدمتكم وطاعتكم ويعينونكم كاولاد الاولاد ونحوهم.

يقول الفقير حمل الحفدة على البنات كما فعله البعض بناء على انهن يخدمنه فى البيوت اتم خجمة ضعيف لان الخطاب لكون السورة مكية مع المشركين وهم كانوا تسودّ وجوههم حين الاخبار بالبنات فلا يناسب مقام الامتنان حملها عليهن

{ ورزقكم من الطيبات } من اللذائذ كالعسل ونحوه من للتبعيض لان كل الطيبات فى الجنة وما طيبات الدنيا الا انمود منها . يقال الفقير المقصود الطيبات المفهمه بحسب اعرف وهى طيبات البلدة والناحية والاقليم لا الطيبات المشتملة عليها الدنيا والجنة فكل الطيبات مرزوق بها العباد

{ أفالباطل يؤمنون } الفاء فى المعنى داخلة على الفعل وهى للعطف على مقدر اى أيكفرون بالهل الذى شأنه هذا فيؤمنون بالباطل وهو ان الاصنام تنفعهم وان البحائر ونحوها حرام

{ وبنعمة اللّه هم يكفرون } حيث يضيفونها الى الصنام او المراد بالباطل الاصنام وما يفضى الى لاشرك وبنعمة اللّه السلام والقرآن وما فيه من التوحيد والاحكام.

والباطل عند اهل الحقيقة قسمان باطل حقيقى وهو مالا تحقق ولا وجود ولا ثبوت له بان لم يقع التجلى الالهى فى عالمه اصلا وقسم باطل مجازى وهو التعينت الموجودة كلها اما بطلانه فلكونه عد ما فى نفسه ( ألا كل شئ ما خلا اللّه باطل )

واما مجازيته فلكونه مجلى ومرآة للوجود الاضافى والحق المجازى والمؤمن بالباطل مطلقا كافر باللّه تعالى.

سالك باك رو نخوانندش ... آنكه از ما سوى منزه نيست

٧٣

{ ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم زقا من السماوات والارض شيأ } الرزق مصدر وشيأ نصب على المفعولية منه والمراد من الموصول الآلهة اى ما لا يقد رعلى ان يرزق منهم شيأ لا من السموات مطر ولا من الارض نباتا

{ ولا يستطيعون } ان يملكوه اذلا استطاعة لهم اصلا لانهم جماد.

٧٤

{ فلا تضربوا لله الامثال } اى فلا تشبهوا اللّه بشئ من خلقه وتشركوا به فان ضرب المثل تشبيه حال بحال وقصة بقصة واللّه تعالى واحد حقيقى لا شبه له ازلا وابدا

در تصور ذات اورا كنج كو ... تادر آيد در تصور مثل او

الارشاداى لا تشبهوا بشأنه تعالى شأنا من الشؤون واللام مثلها فى قوله تعالى

{ ضرب اللّه مثلا للذين كفروا امرأة نوح . وضرب اللّه مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون } لا مثلها فى قوله تعالى

{ واضرب لهم مثلا اصحاب القرية } ونظائره

{ ان اللّه يعلم } كنه ما تفعلون وعظمه وهو معاقبكم عليه بما يوازيه فى العظم

{ وانتم لا تعلمون } ذلك ولو علمتموه لما جرأتم عليه فاللّه تعالى هو العالم بالخطأ والصواب ومن خطأ الانسان عبادته الدنيا والهوى وطلب المقاصد من المخلوقين وجعلهم امثال اللّه وليس فى الوجود مؤثر الا اللّه تعالى فهو المقصود ومنه الوصول اليه.

وعن النبى صلّى اللّه عليه وسلّم ( ان اللّه احتجب عن البصائر كما احتجب عن الابصار وان الملأ الاعلى يطالبونه كام تطلبونه انتم ) وذلك لان اللّه تعالى ليس له زمان ولا مكان وان كان الزمان والمكان مملوءين من نوره فاهل السماء والارض فى طلبه سواء . وقال موسى عليه السلام أين اجدك يا رب قال يا موسى اذا قصدت الىّ فقد وصلت الىّ اشار تعالى الى ان القاصد واصل بغير زمان ومكان وانما الكلام فى القصد الوجدانى الجمعى والميل الكلى لان من طلب وجدّ وجد ومن قرع البا ولجّ ولج والباب هو باب القلب فان منه يدخل المرؤ بيت المعرفة الالهية ثم يصل الى صدر المشاهدة الربانية فيحصل الانس والحضور والذوق والصفاء ويرتفع الهيبة والحيرة والوحشة والغفلة والكدر والجفاء اللهم اجعلنا من الواصلين آمين.

٧٥

{ ضرب اللّه مثلا } ضرب المثل تشبه حال بحال وقصة بقصة اى ذكر واورد شيأ يستدل به على تباين الحال بين جنابه وبين ما اشركوا به وليس المراد حكاية ضرب الماضى بل المراد انشاؤه بما ذكر عقيبه

{ عبدا مملوكا } بدل من مثلا وتفسير له والمثل فى الحقيقة حالته العارضة له من المملوكية والعجز التام وبحسبها ضرب نفسه مثلا ووصفه بالمملوكية ليخرج عنه الحر لاشتراكهما فى كونهما عبد اللّه تعالى

{ لا يقدر على شئ } وصفه بعدم القدرة لتمييزه عن المكاتب والمأذون اللذين لهما تصرف فى الجملة

{ ومن رزقناه } من موصوفة معطوفة على عبدا كأنه قيل وحرا رزقناه بطريق الملك ليطابق عبد

{ منا } من جانبنا الكبير المتعال

{ رزقا حسنا } حلالا طيبا او مستحسنا عند الناس مرضيا . قال الكاشفى [ روزى نيكو يعنى بسيار وبى مزاحك كددرو تصرف تواند كرد ]

{ فهو } [ بس اين مرزوق ]

{ ينفق منه } أى من ذلك الرزق الحسن

{ سرا وجهرا } اى حال السر والجهر وقدم السر على الجهر للايذان بفضله عليه . قال الكاشفى [ بنهان وآشكارا يعنى هر نوع كه يمخواهد خرج ميكند وازكس نميترسد ]

{ هل يستوون } جمع الضمير للايذان بان المراد ما ذكر من اتصف بالاوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين لافردان متعينان منهما . والمعنى بالفارسية [ آيا برابرند يعنى مساوى نباشند بندكان بى اختيار باخواجكان صاحب اقتدار بس جون مملوك عاجز با مالك قادر متصرف برابر نسيت بس بنان كه اعجز مخلوقاتند شريك قادر على الاطلاق جكونه توانند بود ]

راه تو بنور لا يزالى ... از شرك وشريك هردو خالى

آن بنده كه عاجزست ومحتاج ... كى راه برد بصاحب تاج

ما للقراب ورب الارباب [ صاحب كشف المحجوب آورده كه روزى بخلوت شيخ ابو العباس شيبانى در آمدم ويرا ديدم كه اين آيت ميخواند ويمريست ونعره مى زدبند اشتم كه ازدنيا بخواهد رفت كفتم اى شيخ اين جه حالتست فرمود كه يازده سال ميكذرد تاورد من اينجار سيده است وازنيجادر نميتوانم كذشت آرى حدوث در قدم نميتواند سيد وممكن ازكنه واجب خبر نتواند داد ]

نيست باهست جون زند بهلو ... قطره بابحر دون كند دعوى

{ الحمدلله } اعتراض اى كل الحمد لله تعالى لانه معطى جميع النعم وان ظهرت على ايدى بعض الوسائط وليس شئ من الحمد للاصنام لعدم استحقاقها اياه فضلا عن العباد

{ بل اكثرهم } [ بلكه اكثر مشركان . يعنى همه ايشان ]

{ لا يعلمون } ذلك فيضفون نعمه تعالى الى غيره ويعبدونه لاجلها . وفى الاربشاد نفى العلم عن اكثرهم للاشعار بان بعضه ميعلمون ذلك

واما لا يعلمون بموجبه عنادا كقوله تعالى { يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها واكثرهم الكفارون }.

٧٦

{ وضرب اللّه مثلا } آخر يدل على ما يدل عليه المثل السابق على اوضح وجه واظهره

{ رجلين } . قال فى الكواشى تقديره مثلا مثل رجلين فمثلا الاول مفعول والثانى بدل منه او بيان فحذف الثانى واقيم مقامه رجلين

{ احدهما ابكم } وهو من ولد اخرس ولا بد ان يكون اصم كما قال الكاشفى [ وبى شبهه كنك ما در زاد نشود ]

{ لا يقدر على شئ } من الاشايء المتعلقة بنفسه او بغيره بحدس او فراسة لقلة فهمه وسء ادراكه

{ وهو كل على مولاه } ثقل وعيال على من يعوله ويلى امره وهذا بيان لعدم قدتره على اقامة مصالح نفسه بعد ذكر عدم قدرته على شئ مطلق

{ اينما يوجهه } اى حيث يرسله مولاه فى امره وكفاية مهم وهو بيان لعدم قدرته على اقامة مصالح مولاه ولو كانت مصلحة يسير

{ لا يأت بخير } [ باز نيامد به نيكويى يعنى كارى نسازد وكفايتى نكند لا يفهم ولا يفهم ]

{ هل يستوى هو } [ آيا برابر باشد ابن ابكم ] مع ما فيه من الاوصاف المذكورة

{ ومن بأمر بالعدل } اى من هو منطيق فهم ذور أى وكفاية ورشد ينفع الناس بحثهم على العدل الجامع لجميع الفضائل والمكارم وهذا كسحبان وباقل فان سحبان كان رجلا فصيحا بليغا متكلما بحيث لا يقطع الكلام ولو سرده يوما وليلة ولا يكرر ولو اقتضى الحال فبعبارة اخرى لا يتنحنح وان باقلا كان رجلا اشترى ظبيا باحد عشر درهما فسئل عن شرائه ففتح كفيه واخرج لسانه يشير الى ثمنه فانفلت الظبى فضرب به المثل فى العى

{ وهو } فى نفسه مع ما ذكر من نفعه العام للخاص والعام

{ على صراط مستقيم } [ برراهى راستست وسيرتى درست وطريقة بسنديده كه بهر مطلب كه توجه نمايد زود بمقصد ومقصود رسد بس جنانكه بجاهل مساوى اين كامل فاضل نيست بس بتان بى اعتبار را مساوت باحضرت بروردكار جل شانه نباشد ].

وقال الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام فيما ابهم من القرآن . ان الابكم هو ابو جهل واسمه عمر و بن هشام بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم . والذي يأمره بالعد لعمار بن ياسر العنسى وعنس بالنون حى من مدلج وكان حليفا لبنى مخزوم رهط ابى جهل وكان ابو جهل يعذبه على السلام ويعذب امه سمية وكانت مولاة لابى جهل وقال لها ذات يوم انما آمنت بمحمد لانك تحبينه لجماله ثم طعنها بالرمح فى فيها فماتت فكانت اول شهيده فى الاسلام.

وفى الآية اشارة الى ان النفس الامارة لا تقدر على شئ من الخير لان من شأنها متابعة هواها ومخالفة مولاها وان الروح من شأنه ان يأمر النفس بطاعة اللّه وحسن عبوديته كما ان النفس تأمر الوح بمعاصى اللّه وعبودية هواها فالتوفيق فى جانب الروح واعداء المؤمن ثلاثة النفس والشيطان والدنيا فحارب النفس بالمخالفة وحارب الشيطان بالذكر وحارب الدنيا بالقناعة . وعن حكيم نفسك لصك فاحفظها وهى عدوك فجاهدها كذا فى الخالصة.

٧٧

{ ولله } تعالى خاصة لا لاحد غيره استقلالا ولا اشراكا وكان كفار قريش يستعجلون وقوع القيامة استهزاء فانزل اللّه تعالى فى هذه الآية

{ غيب السموات والارض } اى علم ما غاب فيهما عن العباد . قال فى الارشاد فيه اشعار بان علمه سبحانه حضورى فان تحقق الغيوب فى انفسها علم بالنسبة اليه تعالى ولذلك لم يقل ولله علم غيب السماوت والارض

{ وما امر الساعة } الساعة اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساع خيفة يحدث فيها امر عظيم اى وما شأن قيام القيامة التى هى من الغيوب فى سرعة المجيئ

{ الا كلمح البصر } اللمح النظر بسرعة اى كرجع الطرف من اعلى الحدقة الى اسفلها . يعنى [ آوردن خدى تعالى مر قيامت را آسانترست ازآنكه شما ديده برهم زنيد ]

{ وهو } اى بل امرها فيما ذكر من السرعة والسهولة

{ اقرب } من لمح البصر واسرع زمانا . قال الكاشفى

[ اقرب نزديكتراست جه لمحبصر دو فعل است وضع جفن ورفع آن وايقاع قيامت باحياء موى يك فعل بست ممكن است ووقوع آن درنصف زمان اين حركت ] وأو ليست للشك بل للتخير اى تخيير المخاطبين بين ان يشبهوا امر قيامها بلمح البصر وان يقولوا هو اقرب وانما ضرب به المثل لانه لا يعرف زمان اقل منه

{ ان اللّه على كل شيء قدير } فهو يقدر على ان يقيم الساعة ويبعث الخلق لا بعض المقدورات . يعنى لأتواند احياء خلائق دفعة جنانجه قادراست براحياء ايشان برسبيل تدريج بس از ابتداء طهور ايشان خبر داد تا از مبدأ وبر معاد استدلال كنند ] . واعلم انهم قالوا [ كرجه قيامت دير آمد ولى مى آمد ] يعنى هودان عند اللّه تعالى وان كان بعيدا عندان فلا بد من التهيئ له . وعن انس بن مالك رضى اللّه عنه ان رجلا قال للنبى صل اللّه عليه وسلم متى الساعة قال عليه السلام ( ما اعددت لها ) قال لا شئ الا انى احب اللّه ورسوله ( انت مع من احببت ) وشرط كون المرء مع من أحب ان يشترك معه فى الدين ويتحد ومن مقتضاه اتيان المأمورات وترك المحظوارت فان المحبة الكاملة لا تحصل الا به فمن خالف امره اللّه تعالى وامر نبيه فقد فارقهما فكيف يحبهما مع البينونة : قال الشخي سعدى قدس سره.

نظر دوست نادر كند سوى تو ... جودر روى دشمن بودروى تو

ندانى كه كنز نهد دوست باى ... جوبيندكه دشمن بود درسراى

ثم اعلم ان رجوع النس الى ربها يكون باماتتها عن اوصافها واحيائها بصفات اللّه والامانة تكون بتجلى صفة الجلال والاحياء بتجلى صفة الجمال فاذا تجلى اللّه لعبد لا يبقى له زمان ولا مكان اذ هو فان عن وجوده باق ببقاء الحق ان اللّه على كل شئ من المواهب التى يقربها اولياءه قدير وان لم يفهم الاغبياء بعقولهم كيفية تلك المعارف والكمالات بل العقلاء بعقولهم السليمة بمعزل من ادراك تلك الحقائق وذلك لانها خارجة عن طور العقل

سيل ضعيف واصل دريا نميشود ... والتجليات ثلاثة . الاول التجلى العلمى واهله من اصحاب البرازخ لا يصح ان يكون مرشد الا تقليدا . والثانى التجلى العينى . والثالث التجلى الحقى واهلهما من ارباب اليقين والوصول من شأنهم ارشاد الناس فى جميع المراتب اى فى مرتبة الطبيعة والنفس والقلب والروح والطريقة والمعرفة والحقيقة وهم اهل البصيرة الذين اشير اليهم فى قوله تعالى

{ قل هذه سبيلى ادعو الى اللّه على بصيرة انا ومن اتعبنى } فعليك بالقتداء بهم دون غيرهم . فان قلت ما الفرق بين اهل التجلى الثاني والثالث . قلت انهما بعد اشتراكهما فى ان كلا منهما قطب ارشاد يتميز الثالث بالقطبية الكبرى التى هى اعلى المناسب.

٧٨

{ واللّه } تعالى وحده

{ اخرجكم من بطون امهاتكم } جمع الام زيدت الهاء فيها كما زيدت فى الاهراق من اراق

{ لا تعلموا شيأ } اى حال كونكم غير عالمين شأ اصلا من امور الدنيا والآخرة ولا مما كانت ارواحكم تعلم فى عالم الارواح ولا مما كانت ذرياتكم تعلم من فهم خطاب ربكم اذ قال ألست بربكم ولا مما علمت اذ قالت بالجواب بلى ولامما تعلم الحيوانات حين ولادتها من طلب غذائها ومعرفة امها والرجوع اليها والاهتداء الى ضروعها وطريق تحصيل اللبن منها ومشيها خلفها وغير ذلك مما تعلم الحيوانات وتهتدى اليه ولا يعلم الطفل منه شيأ ولا يهتدى اليه قال الشيخ سعدى قدس سره

مرغك از بيضه برون آيدوروزى طلبد ... آدمى بجه ندارد خبر وعقل وتميز

{ وجعل لكم السمع } قدمه على البصر لما انه طريق تلقى الوحى ولذا ابتلى بعض الانبياء بالعمى دون الصمم او لان ادراكه اقدم من ادراك البصر ألا ترى ان الوليد يتأخر انفتاح عينيه عن السمع وافراده باعتبار كونه مصدرا فى الاصل

{ والابصار } جمع بصر وهى محركة حسن العين

{ والافئدة } جمع فؤاد وهو وسط القلب وهو من القلب كالقلب من الصدر وهو من جموع القلة التى جرت مجرى جموع الكثرة . قال فى بحر العلوم استعملت فى هذه الآية وفى سائر آيات وردت فيها فى الكثرة لان الخطاب فى جعل لكم وانشأ لكم عام . والمعنى جعل لكم هذه الاشياء آلات تحصلون بها العلم والمعرفة بان تحسوا بمشاعركم جزئيات الاشياء وتدركوها بفائدتكم وتتنهوا لما بينها من المشاركات والمباينات بتكرر الاحساس فيحصل لكم علوم بديعيه تتمكنوا بالنظر فيها من تحصل العلوم الكسبية.

والعم ان قوله وجعل عطف على اخرجكم وليس فيه دلالة على تأخر الجعل المذكور عن الاخراج لمان مدلول الواو هو الجمع مطلقا لا الترتيب على ان اثر ذلك الجعل لا يظهر قبل الاخراج كما فى الارشاد . التحقيق ان لله تعالى صفات سبعا مرتبة وهى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام واذا قلب الكلام يصير كمالا فآخر الكمال الكلام كما ان اول الكمال الكلام لان اول التعينات الالهية هى الهوية الذاتية وآخرها الكلام ملطقا وعلى هذا يدور الامر فى المظهر الانسانى ألا ترى ان اول ما يبدو فى الجنين حسن السمع ثم البصر ثم الكلام ولذا حرم تزوج الحبلى من النكاح اتفاقا ومن الزنى اختلافا لما قال عليه السلام ( من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر لا يسقين ماء رزع غيره ) فان قيل فم الرحم منسد بالحبل فكيف يوجد سقى الزرع . قلنا قد جاء فى الخبر ( ان سمع الحمل وبصره يزداد حده بالوطئ ) فظهر ان آخر ما يظهر بعد الولادة هو الكلام ومقتضى مقام الامتنان ان هذه القوى انما تظهر آثارها بعد الاخراج من طبون الامهات وهذا لا ينافى حصولها قبله بالقوة القريبة من الفعل

{ لعلكم تشكرون } ارادة ان تشكرواهذه الآلات وشكرها استعمالها فيما خلقت لاجله من استماع كلام اللّه واحاديث رسول اللّه وحكم اوليائه وما ليس فيه ارتكاب منهى ومن النظر الى آيات اللّه والاستدلال بها على وجوده ووحدته وعلمه وقدرته فمن استعملها فى غير ما خلقت له فقد كفر جلائل نعم اللّه تعالى وخان فى اماناته : قال الشسخ السعدى قدس سره

كذر كاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش

دوجثم ازبى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فرو كيرو دوست

وقال اصائب

ترابكوا هردل كردماند امانتدار ... زردزد امانت حق را نكاهد ار مخسب

وفى التأويلات النجمية

{ وجعل لكم السمع والابصار والافئدة } لاجسادكم كما جعل للحيوانات لتسمعوا بها وتبصروا وتفهموا ما يسمع الحيوان ويبصر ويفهم وجعل لارواحكم سمعا تسمعون به ما تسمع الملائكة وبصرا تبصرون به ما تبصر الملائكة وفؤادا تفهمون به ما تفهم الملائكة وجعل لاسراركم سمعا تسمعون باللّه وبصرا تبصرون باللّه وفؤادا تعرفون باللّه وهذه الحواس مستفادة من قوله تعالى ( كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبى يسمع وبى يبصر وبى ينطق )

{ لعلكم تشكرون } بهذه الآلات نعم اللّه واداء شكر نعم اللّه باستعمالها وصرفها فى طلب اللّه وترك الالفتات الى النعم بل للمنعم.

وفى الآية اشارة اخرى واللّه اخرجكم من بطون امهاتكم اى من العدم وهو الام الحقيقى لا تعلمو شيأ قبل ان يعلمكم اللّه اسماء كل شئ وجعل لكم السمع والابصار والافئدة حين خاطبكم بقوله ألست بربكم فتجلى لكم بربوبيته فبنور سمعه اعطاكم لسانا تجيبونه بقولكم بلى لعلكم تشركون فلا تسمعون بهذا السمع الا كلامه ولا تبصرون بهذا البصر الاجماله ولا تحبون بهذا الفؤاد الا ذاته ولا تكلمون بهذا اللسان الا معه.

٧٩

{ ألم يروا الى الطير } تقرير لمن ينظر اليهن وتعجيب من شأنهن . والطير جمع طائر اى ألم ينظروا اليها ليستدلوا بها على قدرة اللّه تعالى

{ مسخرات } مذللات للطيران بما خلق لها من الاجنحة والسباب المساعدة له . وفيه مبالغة من حيث ان التسخير جعل الشئ منقاد اللآخر يتصرف يه كيف يشاء كتسخير البحر والفلك والدواب للانسان والواقع هنا تسخير الهواء للطير لتطير فيه كيف تشاء فكان مقتضى طبيعة الطير السقوط فسخرها اللّه للطيران.

وفيه تنبيه على ان الطيران ليس بمقتضى طبع الطير بل ذلك بتسخير اللّه تعالى وكذا احراق النار واهلاك البرد ليسا بذاتهما بل بتأثير اللّه تعالى وعلى هذا

{ فى جوّ السماء } فى الهواء غير متباعد نم الارض واضافته الى السماء لما انه فى جانبها من الناظر.

قال فى القاموس الجو الهواء

{ ما يمسكهن } فى الجو عن السقوط حين قبض اجنحتهن وبسطتها ووقوفهن

{ الا اللّه } بقدرته الواسعة وتدبيره لهن من الريوش الكبار والصغار فان ثقل جسدها ورقة قوام الهواء يقتضيان سقوطها ولا علاقة نم فوقها ولا دعامة من تحتها تمسكها والهواء للطائر كالماء للسابح فهو يقبض يديه ويبسطها ولا يغرق مع ثقل جسده ورقة الماء واعجب من ذلك وادل فيه على القدرة الباهرة تعشيش بعض الطير فى الهواء ومن اخبار الرشيد انه خرج يوما للصيد فارسل بازا اشهب فلم يزل يعلو حتى غاب فى الهواء ثم رجع بعد اليأس منه ومعه سمكة فاحضر الرشيد العلماء وسألهم عن ذلك فقال مقاتل با امير المؤمنين روينا عن جدك ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الهواء معمور بامم مختلفة الخلق فيه دواب بيض تفرخ فيه شيأ على هيئة السمك لها اجنحة ليست بذات ريش فاجاز مقاتلا على ذلك واكرمه . ومن ذلك الطير الابابيل التى رمت اصحاب الفيل بحجارة من سجيل وهى الطير السود على هيئة الخطاطيف . ومن ذلك ما يقال له بالفارسية [ هما ] فانه من سكان الهواء يبيض ويفرخ فيه وليس له رجل وهو فى جثة العقعق الا انه سكرى اللون ويوجد جسده بعد وفاته فى صحارى الهند . ومن عجائب الطيور الرخ بالضم وهو طير فى جزائر الصين يكون جناحة الواحد عشرة آلاف باع . قال فى القاموس هو طائر كبير يحمل الكركدان انتهى.

وكان وصل الى المغرب رجل من التجار ممن سافر فى بحر الصين والقتهم الريح الى جزيرة عظيمة فخرج اليها اهل السفينة ليأخذوا الماء والحطب فرأوا قبة عظيمة اعلى من مائة ذراع لها لمعان وبريق فعجبوا منها فلما دنوا منها اذا هى بيضة الرخ فجعلوا يضربونها بالخشب والفوؤس والحجارة حتى انشقت عن فرخ كأنه جبل فتعلوا بريش جناحه فجروه فنفض جناحة فبقيت هذه الريشة معهم خرج اصلها من جناحة ولم يكمل بعد خلقه فقتلوه وحملوا ما قدروا عيله من لحمه فلما طلعت الشمس اذا الرخ قد اقبل فى الهواء كالسحابة العظيمة فى رجله قطعة حجر كالبيت العظيم اكبر من السفينة فلما حاذى السفينة التى ذلك الحجر بسرعة فوقع الحجر فى البحر وسبقت السفينة ونجاهم اللّه تعالى بفضله ورحمته كذا فى حياة الحيوان

{ ان فى ذلك } الذى ذكر من تسخير الطير للطيران بان خلقها خلقة يمكن معها الطيران بان جعل لها اجنحة خفيفة واذنابا كذلك وخلق الجوّ بحث يمكن الطيران فيه وامساكها فى الهواء على خلاف طباعها

{ لآيات } [ نشانها ظاهرست ]

{ لقوم يؤمنون } اى من شأنهم ان يؤمنوا وانما خص ذلك بهم لانهم المنتفعون به حيث يطيرون فى الهواء المعرفة بجناح التفكر فيما ذكر ويصلون الى وكر الكرامة

فكر ازين خانه فرازت كشد ... سوى سرا برده رازت كشد

وفى المثنوى

كر بينى ميل خود سوى سبا ... بر دولت بركشا همجون هما

وربينى ميل خود سوى زمين ... نوحه ميكن هيج منشين ازحنين

وفى الحديث ( كونوا فى الدنيا اضيافا واتخذوا المساجد بيوتا وعودا قلوبكم الرقة واكثروا من التفكر والبكاء ولا يختلفن بكم الا هواء )

وعن محمد عبد اللّه انه قال الفكرة على خمسة اوجه فكرة فى آيات اللّه يتولد منها المعرفة . وفكرة فى آلاء اللّه ونعمائه يتولد منها المحبة . وفكرة فى وعد اللّه وثوابه يتولد منها الرغبة . وفكرة فى وعد اللّه وعقابه يتولد منها الرهبة . وفكرة فى جفاء النفوس بجنب احسان اللّه اليها يتولد منها الحياة والندم.

وفى الآية اشارة الى ان طير الارواح مسخرة فى جو سماء القلوب لا يمسكهن الا اللّه لان الارواح علويات وانما سكونها فى سفل الاجساد بتسخير اللّه اياها كقوله

{ ونفخت فيه من روحى } وقوله

{ ثم رددناه اسفل سافلين } وهذا كسلطان نزل فى خراب بحسب الاقتضاء والا فشأنه اعلى من ذلك وجاهه ارفع منه كما لا يخفى.

٨٠

{ واللّه جعل لكم من بيوتكم } المعهودة التى تبنونها من الحجر والمدر وهو تبيين لذلك المجعول المبهم فى الجملة

{ سكنا } فعل بمعنى مفعول اى موضعا تسكنون فيه وقت اقامتكم . وبالفارسية [ آرامكاهى ].

قال فى الكواشى كل ما يسكن اليه او فيه سكن بمعنى مسكن . وفى الواقعات المحمودية للسلوك شروط ثلاثة الزمان والمكان والاخوان . اما الاولان فلانه لا بد من خلو الزمان عن الفترة وكذا المكان .

واما الاخوان فلتدارك حوائج السالك لئلا يتقيد بها فلا بد من الشرائط المذكورة لدوام السلوك واستمراره من غير انقطاع انتهى.

والظاهر ان المكان اقدم للسلوك ثم الزمان ثم الاخوان ثم صفاء الخاضر . وفى الاسرار المحمدية الغرض فى المسكن دفع المطر والبرد واقل الحارة اما فى البلاد الباردة فى غلبة البرد ونفوذه من الجدران الضعيفة حتى كاد يهلك او يمرض فالبناء بالطين واحكامه لا يخرجه عن حد الزاهدين وكذا فى ايام الصيف عند اشتداد الحر واستضرار اولاده بالبيت الستوى السفلى عدم نفوذ الهواء البارد فيه ومن البراغي في الليل المزعجات عن النوم وانواع الحشرات فيه فلا جوز حملهم على الزهد بان يتركهم على هذه الحال بل عليه ان يبنى لهم صيفيا علويا لما روينا عن النبى عليه الصلاة والسلام ( من بنى بنيانا فى غير ظلم ولا اعتداء او غرس غراسا فى غير ظلم ولا اعتداء كان له اجرا جاريا ما انتفع به احد من خلق الرحمن ) انتهى.

وكتب بهلول على حائط م حيطان قصر عظيم ناه اخوه الخليفة هارون الرشيد يا هرون رفعت الطين ووضعت الدين رفت الجص ووضعت النص ان كان من مالك فقد اسرفت ان اللّه لا يحب المسرفين وان كان من مال غيرك ظلمت ان اللّه لا يحب الظالمين

{ وجعل لكم من جلود الانعام } [ از بوست جهار بايان ] جمع نعم بالتفح وهو مخصوص بالانواع الاربعة التى هى الابل والبقر والغنم والمعز

{ بيوتا } اخر مغايرة لبيوتكم المعهودة وهى الخيام والقباب والاخبية والفساطيط من الانطاع والادم

{ تستخفونها } تجدونها خفيفة يخف عليكم نقضها وحملها ونقلها

{ يوم ظعنكم } اى وقت ترحلكم وسفركم

{ ويوم اقامتكم } وقت نزولكم فى الضرب والبناء

{ ومن اصوافها واوبارها وشاعارها } جمع صوف ووبر وشعر والكنايات راجعة الا الانعام اى وجعل لكم من اصواف الضأن واوبار الابل واشعار المعز

{ اثاثا } اى متاع البيت مما يلبس ويفرش

{ ومتاعا } اى شيأ يمتع به بفنون التمتع

{ الى حين } الى مدة من الزمان فانها لصلابتها تبقى مدة مديدة . قال الجاحظ اتفقوا على ان الضأن افضل من المعز بدليل الضاحية ويفضل المعز على الضأن لغزارة اللبن وثخانة الجلد وما نقص من الية المعز يزيد فى شحمه ولذلك قالوا زيادة المعز فى بطنه ولما خلق اللّه جلد الضأن رقيقاً غزر صوفه ولما خلق اللّه جلد المعز ثخينا قل شعره كذا فى حياة الحيوان فاللّه تعالى خلق هذه الانعام للانتفاع بجلودها ولحومها واصوافها واوبارها واشعارها ويجوز الانتفاع بشحوم الميتة.

وعن جابر بن عبد اللّه انه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول عام الفتح وهو بمكة ( ان اللّه ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام ) فقيل يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال ( لا هو حرام ) والاستصباح [ جراغ فراكرفتن ] وكما ان هذه الحيوانات وما يتبعها ينتفع بها الانسان فى سفره وحضره فكذا القوى الحيوانية والحواس الخمس ينتفع بها السالك في السير الى اللّه فانها مطية وفى وقت الوقفة للاستراحة والتربية فانها مما لا بد منه لكونها من الاسبابا المعينة : قال الكمال الخجندى.

باكرم روى واقف اين راه جنين كفت ... آهسته كه اين ره بدويدن نتوان يافت

٨١

{ واللّه جعل لكم مما خلق } من غير صنع من قبلكم

{ ظلالا } جمع ظل وهو ما يستظل به اى اشياء تستظلون بها من الحر كالغمام والشجر والجبل وغيرها امتنّ سبحانه بذلك لما ان تلك الديار غالبة الحرارة

{ وجعل لكم من الجبال اكنانا } [ بوشئها ] جمع كن وهو ما يستكن فيه اى مواضع تسكنون فيها من الكهوف والغيران والسروب . قال عطاء انما انزل القرآن على قدر معرفتهم ألا ترى انه تعلى قال

{ وجعل لكم من الجبال اكنانا } وما جعل من السهةل اعظم منه ولكنهم كانوا اصحاب جبال

{ وجعل لكم سرابيل } جمع سربال وهو كل ما يلبس اى جعل لكم ثيابا من القطن والكتان والصوف وغيرها

{ تقيكم الحر } [ نكاه ميدارد شمارا ازضرر كرما ] ولم يذكر البرد لدلالته عليه لانه نقيضه اولان وقانيه هى الاهم عندهم لكون البرد يسيرا محتملا بخلاف الديار الرومية فانها غالبة البرودة ولذا قيل الحر يؤذى الرجل والبرد يقتله.

قال حضرة الشيخ الشهير بافاده افندى قدس سره برد الربيع غير مضر لكن هذا فى ديار العرب فان فى برد تلك الديار اعتدالا بخلاف ديارنا وفى الحديث ( اغتمنوا برد الربيع فانه يعمل بالبدانكم كما يعمل باشجاركم واجتنبوا برد الخريف فانه يعمل بابدانكم كما يعمل باشجاركم ) وفى المثنوى.

آن خزان نزد خدا نفس وهواست ... عقل وجان عين بهارست وبقاست

مر ترا عقلست جزؤى درنهان ... كامل العقلى بجو اندر جهان

جزؤ تو از كل اوكلى شود ... عقل كل بر نفس جون غلى شود

بس بتأويل اين بود كانفاس باك ... جون بهارست وحيات برك تاك

از حديث اوليا نرم ودرشت ... تن مبوشان زانكه دينت راست بشت

كرم كويد سرج كويد خوش بكير ... تاز كرم وسرد بجهى واز سعير

كرم وسردش نوبهار زند نكيست ... مايه صدق ويقين بند كيست

زانكه زان بستان جانها زنده است ... زين جواهر بحردل آكنده است

{ وسرابيل } ودروعا من الحديد

{ تقيكم بأسكم } اى البأس والالم الذى يصل الى بعضكم من بعض فى الحرب من الضرب والطعن . والبأس الشدة فى الحرب والقتل والجراحة كما فى ا لتبيان واول من عمل الدرع داود عليه السلام فان اللّه تعالى ألان له الحديد كالشمع كما قال

{ وألنا له الحديد } وصحب لقمان داود شهورا وكان يسرد الدرع فلم يسأله عنها فلما اتمها لبسها وقال نعم لبس الحرب انت

جو لقمان ديد كاندر دست داود ... مى ىهن بمعجز موم كردد

نه برسيدش جه ميسازى كه دانس ... كه بى برسيدنش معلوم كردد

{ كذلك } كاتمام هذه النعم التى تقدمت

{ يتم نعمته عليكم } يا معشر قريش

{ لعلكم تسلمون } الاسلام ههنا بمعنى الاستسلام والانقياد وضع موضع سببه وهو تنظرون وتتفكرون اى ارادة ان تنظروا فيما اسبغ عليكم من النعم الظاهرة والباطنة والانفسية والآفاقية فتعرفوا حق منعهما فتؤمنوا به وحده وتذروا ما كنتم به تشركون وتنقادون لامره.

٨٢

{ فان تولوا } فعل ماض اى فان اعرضوا عن الاسلام ولم يقبلوا منك ما القى اليهم من البينات والعبر والعظات وفى صيغة التفعل اشارة الى ان الفطرة الاولى داعية الى القبال على اللّه والاعراض لا يكون الا بنوع تكلف ومعالجة

{ فانما عليك البلاغ المبين } اى فلا قصور من جهتك لان وظيفتك هى البلاغ الموضح او الواضح وقد فعلته بما لا مزيد عليه فهو من باب وضع السبب موضع المسبب عكس لعلكم تسلمون : قال الشيخ سعدى قدس سره

ما نصيحت بجاى خود كرديم ... روزكارى درين بسر برديم

كر نيايد بكوش رغبت كس ... بر رسولان بيام باشد وبس

وقال

بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكرهيج كس را نيايد بسند

كه فردا بشيمان برآرد خروش ... كه اوخ جراحق نكردم بكوش

{ يعرفون } اى بعض المشركين

{ نعمة اللّه } المعدودة فى هذه السورة ويعترفون انها من اللّه

{ ثم ينكرونها } فافعالهم حيث يعبدون غير منعما او بقولهم انها بشفاعة آلهتنا او بسبب كذا ومعنى ثم استبعاد الانكار بعد حصول المعرفه

{ واكثرهم الكافرون } اى المنكرون بقلوبهم غير المعترفين بما ذكر.

وفى التأويلات النجمية.

٨٣

{ يعرفون نعمة اللّه } بتعريفك

{ واكثرهم الكافرون } بك وبنعمة اللّه اظهار للقهر فمن وصل اليه النعمة من يدا احد فلا بد من الشكر فانه الواسطة والا فقد تعرض لحرمان كثير من النعم الالهية

جو بيابى تو نعمتى درجند ... خرد باشد جو نقطه موهوم

شكر آن يافته فرو مكذار ... كه زنا يافته شوى محروم

قال السرى السقطى قدس سره الشكر على ثلاثة اوجه . شكر القلب . وشكر البدن . وشكر اللسان . فشكر القلب ان يعرف العبد ان النعم كلها من اللّه تعالى . وشكر البدن ان لا يستعمل جارحة من جوارحه الا فى طاعة اللّه . وشكر اللسان دوام حمد اللّه - روى - ان عيسى عليه السلام مرّ بغنى فاخذ بيده فذهب به الى فقير فقال هذا اخوك فى الاسلام وقد فضلك اللّه عليه بالسعة فاشكر لله على ذلك ثم اخذ بيد الفقير فذهب به الى مريض فاقل ان كنت فقيرا فلست بمريض ما كنت تصنع لو كنت فقيرا مريضا فاشكر لله ثم ذهب بالمريض الى كافر فقال ما كنت تصنع لو كنت فقيرا مريضا كافرا فاشكر لله فهداهم الى الشكر بطريقة المشاهدة ومقابلة حالهم بحال من سواهم ونبههم من الغفلة ليقبلوا على الشكر ويحترزوا عن الكفران.

واعلم ان الكفر باللّه اشد من الكفر بنعمة اللّه لان الاول لا يفارقه الثانى بخلاف العكس لا ن بعض الكفرة قد يكفر بنعمة اللّه ولا يكفر باللّه فيجمع بين الايمان باللّه والكفر بنعمته ولذا قال اللّه تعالى عبارة

{ وما يؤمن اكثرهم باللّه الا وهم مشركون } وكنى اشارة عن انه ما يؤمن اقلهم باللّه الاوهم موحدون وهم المؤمنون حقا وصدقا فاولئك هم المخلصون المفلحون.

٨٤

{ ويوم نبعث } اى اذكر يا افضل الرسل يوم نحشر وهو يوم القيامة

{ من كل امة } [ ازميان هر كروهى ]

{ شهيدا } نبينا يشهد لهم بالايمان والطاعة وعليهم بالكفر والعصيان

{ ثم لا يؤذن للذين كفروا } فى الاعتذار اذلا عذر لهم . والعذر فى الاصل تحرى الانسان ما يمحو به ذنوبه بان يقول لم افعل او فعلت لاجل كذا او فعلت ولا اعود وثم للدلالة على ان ابتلاءهم بالمنع عن الاعتذار المنبئ عن الاقناط الكلى وهو عند ما يقال لهم اخسأوا فيها ولا تكلمون اشد من ابتلائهم بشهادة الانبياء عليهم السلام فهى للتراخى الرتبى

{ ولا هم يستعتبون } يسترضون اى لا يقال لهم ارض ربك مولا يطلب منهم ما يوجب العبتى وهى الرضى وذلك لان الرضى انما يكون بالايمان والعمل الصالح والآخرة دار الجزاء لا دار العمل والتكليف والدنيا مزرعة الآخرة فكل بذر فسد فى الارض وبطل استعداده لقبول التربية ولم يثم امر نباته اذا حصلد وحصل فى البدر لا يفيده اسباب التربية لتغيير احواله فالارواح بذور فى ارض الاشباح ومربيها ومنتبها وثمرها اعمال الشريعة بشرط الايمان ومفسدها ومبطلها ومغيرها عن احوالها الكفر واعمال الطبيعة والموت حصادها والقيامة بيدرها : قال الحافظ

كارى كنيم ورنه خجالت بر آورد ... روزيكه رخت جان بجهان دكر كشيم

٨٥

{ واذا رأى الذين ظلموا } كفروا

{ العذاب } الذى يستوجبونه بظلمهم وهو عذاب جهنم صاحبوا وطلبوا من مالك تخفيف العذاب

{ فلا يخفف عنه } ذلك العذاب بعد الدخول

{ ولا هم ينظرون } اى لا يمهلون قبله ليستريحوا [ اى زمانى ايشانرا مهلت ندهند وبى عذاب نكذارند ] فكل من وضع الكفر واعمال الطبيعة موضع الايمان واعمال الشريعة فلا يخفف عنه اثقال الاخلاق الذميمة ولا يخؤ لتبديل مذمومها بمحمودها.

٨٦

{ واذا رأى الذين اشركوا شركاءهم } اوثانهم التى عبدوها

{ قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا } اى آلهتنا التى جعلناها شركاء

{ الذين كنا ندعو من دونك } اى نعبدهم متجاوزين عبادتك وهو اعتراف بانهم كانوا مخطئين فى ذلك والتماس بتوزيع العذاب بينهم

{ فالقوا } اى شركاؤهم

{ اليهم القول } يقال القيت الى فلان كذا اى قلت اى انطقهم اللّه تعالى فاجبوهم بالتكذيب وقالوا لهم

{ انكم } ايها المشركون

{ لكاذبون } فى ادعائكم اننا شركاء لله اذ ما امرناكم بعبادتنا وكنا مشغولين بتسبيح اللّه وطاعته فارغين عنكم وعن احوالكم كما قال تعالى { وان من شئ الا يسبح بحمده }

٨٧

{ والقوا } اى المشركون

{ الى اللّه يومئذ السلم } الاستسلام والانقياد لحكمه بعد الاستكبار عنه فى الدنيا.

جون كار زدست رفت فرياد جه سود ... { وضل عنهم } اى ضاع وبطل

{ ما كانوا يفترون } من ان لله شركاء وانهم ينصرونهم ويشفعون لهم وذلك حين كذبوهم وتبرأوا منهم.

٨٨

{ الذين كفروا } فى انفسهم

{ وصدوا } غيرهم

{ عن سبيل اللّه } بالمنع عن الاسلام والحمل على الكفر

{ زدناهم عذابا } لصدهم

{ فوق العذاب } اى كانوا يستحقونه بكفرهم . والمعنى بالفارسية

[ بيفرزاييم ايشانراعذابى برعذابى ] { بما كانوا يفسدون } اى زدنا عذابهم بسبب استمرارهم على الافساد وهو الصد المذكور.

قال ابن جبير فى زيادة عذابهم هى عقارب امثال البغال وحيات امثال البخت تلسع احداهن للسعة فيجد صاحبها حميتها اربعين خريفا فيظنون انها تمطر فجعلت السحابة تمطر عليهم بالحيات والعقارب فيشتد المهم لانه اذا جاء الشر من حيث يؤمل الخير كان اغم.

وقال ابن عباس ومقاتل خمسة انها رمن صفر مذاب كالنار تسيل من تحت العرش يذعبون بها ثلاثة على مقدار الليل واثنان على مقدار النهار : يعنى [ بنج جوى ازروى كداخته بطرف ايشان روان كردد وبسرجوى ازان معذب شوند در مقدار ساعات شبى ازشبهاى دنيا وبدو جوى ديكر درمدت اندازه روزى ازروزهاى اين جها ] . يقال الفقير لعل سر هذا العدد ان اركان الاسلام خمس لا سيما ان الصلوات الخمس فى تطيهر الباطن كالانهار الخمسة الجارية لتطهر الظاهر فلما اضاعوا هذه الاركان وما اقاموها بدل اللّه بها خمسة انهار من الصفر المذاب ليعذبوا بها ولكل عمل جزاء وفاق.

٨٩

{ ويوم نبعث } تكرير لما سبق تثنية للتهديد

{ فى كل امة } [ وياد كن اى محمد روزيرا كه برانكيزانيم درميان هر كروهى ]

{ شهيدا عليهم } اى نبيا

{ من انفسهم } من جنسهم قطعا لمعذرتهم لانه كان يبعث انبياء الامم فيهم منهم ولوط عليه السلام لما تأهل فيهم وسكن فيما بينهم كان منهم وفى قوله عليهم اشعار بان شهادة انبيائهم على الأمم تكون بمحضرة منهم

{ وجئنا بك } [ وبياريم ترا يا محمد ]

{ شهيدا على هؤلاء } الامم وشهدائهم كقوله تعالى

{ فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } { ونزلنا عليك الكتاب } الكامل فى الكتابية الحقيق بان يخص به اسم الجنس وهو القرآن العظيم

{ تبيانا } بيانا بليغا

{ لكل شئ } يتعلق بامور الدين ومن ذلك احوال الامم مع انبيائهم . فان قلت كيف هذا ومعلوم ان اكثر الاحكام غير مبنية فى القرآن ولذات اختلف العماء فيها الى قيام الساعة.

قلت كونه تبيانا لكل شئ من امور الدين باعتبار ان فيه نصا على بعضها واحالة لبعضها على السنة حيث امر باتباع النبى صلّى اللّه عليه وسلّم وطاعته

وقيل فيه

{ وما ينطق عن الهوى } وحثا على الجماع وقد رضى رسول اللّه لامته باتباع اصحابه يحث قال ( اصحابى كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم ) وقد اجتهدوا وقاسوا ووطأوا طرق الاجتهاد فكان السنة والاجماع والقياس مستندة الى تبيان الكتاب ولم يضر ما فى البعض من الخفاء فى كونه تبيانا فان المبالغة باعتبار دون الكيفية

{ وهدى } وكاملا فى الهداية من الضلالة

{ ورحمة } للعالمين فان حرمان الكفرة من مغانم آثاره من تفريطهم لا من جهة الكتاب

{ وبشرى } وبشارة بالجنة

{ للمسلمين } خاصة.

وفيه اشارة الى ان فى الكتاب بيان كل شئ يحتاج اليه السالك فى اثناء السلوك والسير الى اللّه الى ان يصل الى اقصى مقام الكمال المقدر للانسان وهذا الكتاب هاد يهدى اللّه عباده برحمته وبشارة لمن اسلم وجهه اللّه وتابع النبى صلّى اللّه عليه وسلّم بالوصول الى مقام الكمال وحضرة الجلال وكما ان المنزل عليه هو الرسول والبيان من لسانه يؤخذ لا من لسان غيره فكذا الملهم عليه هو وارث الرسول والارشاد من تربية غيره فمن اسلم اى استسلم وانقاد لتربية الوسائط ولم يتحرك بشئ من عند نفسه كالميت على يد الغسال فقد هدى الى طريق التطهر عن الادناس النفسانية ووصل الى درجات العارفين : قال الحافظ

من بسر منزل عنقا نه بخود بردم راهه ... قطع اين مرحله بامرغ سليمان كردم

واعلم ان القرآن كاف لاهل الشريعة والحقيقة فمن مشى على ما صرح به واشار فقد امن منالعثار ومن خرج عن العمل به واتبع نفسه وهواه فقد بعد عن اللّه واسخط مولاه.

قال سهل بن عبد اللّه اصول الدين على ركنين التمسك بكتاب اللّه والاقتداء بسنة رسول اللّه وعن ابى يزيد قدس سره ستة اشياء حصن الاعضاء السبعة استعمال العلم وحسن الادب ومحاسبة النفس وحفظ اللسان وكثرة العبادة ومتابعة اسلنة.

وقال جنيد البغدادى قدس سره مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة . وقال على رضى اللّه عنه الطرق كلها مسدودة على الخلق الا من اقتفى اثر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.

٩٠

{ ان اللّه يأمر } فى القرآن

{ بالعدل } بان لا تظلموا انفسكم وغيركم ولا تجوروا اى بالتسوية فى الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وايصال كل حق الى ذى حقه أو يأمر بمراعاة التوسط بين الامور اعتقادا كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك والقول بالكسب المتوسط بين الجبر والقدر وكذا القول بان اللّه لا يؤاخذ عدبه المؤمن بشئ من الذنوب مساهلة عظيمة والقول بانه يخلده فى النار بالمعاصى تشديد عظيم والعدل مذهب اهل السنة وعملا كالتعبد باداء الفرائض والواجبات المتوسطة بين البطالة والترهب وخلقا كالجود المتوسط بين البخل والتبذير والشجاعة المتوسطة بين التهور الجبن والواجب معرفة الوسط فى كل شئ فان القصد ممدوح والافراط والتفريط مذمومان وقال صلّى اللّه عليه وسلّم لمن سأله مستشيراً فى الترهيب وصيام الدهر وقيام الليل كله بعد زجره اياه ( ان لنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا فصم وافطر وقم ونم ) ولما رأى صلّى اللّه عليه وسلّم عمر رضى اللّه عنه يقرأ رافعا صوته فسأله فقال اوقظ السونان واطرد الشيطان قال عليه السلام ( اخفض من صوتك قليلا ) واتى ابا بكر رضى اللّه عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد اسمعت من ناجيت فقال عليه السلام له ( ارفع من صوتك قليلا ) ومثله الامام فانه لا يجهر فوق حاجة الناس ولا يخافت خافضا سوته بحيث يشتبه عليهم تلاوته فيراعى بين ذلك حدا وسطا والا فهو مسيئ.

وفى التأويلات النجمية العدل صرف ما اعطاك اللّه من الآلات الجسمانية والروحانية ومن الاموال الدنيوية ومن شرائع الدين واعماله فى طلب اللّه والسير منك به اليه لان صرفه فى طلب غيره ظل : قال الحافظ.

فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد

{ والاحسان } وان تحسنوا الاعمال مطلقا لقوله عليه السلام ( ان اللّه كتب الاحسان فى كل شئ )

وعن فضيل انه قال لو احسن الرجل الاحسان كله وكان له دجاجة فاساء اليها لم يكن من المحسنين - روى - ان امرأة عذبت فى هرة حبستها ولم تطعمها الى ان ماتت . وامرأة رحمها اللّه وغفر لها بسبب ان سقت كلبا عطشان بخفها - وحكى - ان حضرة الشيخ الشبلى رحمه اللّه مر فى بعض طرق بغداد بهرّه ترعد من برد الهواء فاخذها وجعلها فى كمه رحمة لها فكان ذلك سبب قبوله عند اللّه ووصلوه الى درجة الولاية ويدخل فيه العفو عن الجرائم والاحسان الى من اساء

هركه سنكت دهد ثمر بخشش ... والصبر على الاوامر والنواهى واداء النوافل فان الفرض لا بد من ان يقع فيه تفريظ فيجبره الندب وفى الحديث

( حسنوا نوافلكم فبها تكمل فرائضكم ) وفى المرفوع ( النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن احدكم هديته ولطيبها ) كما فى المقاصد الحسنة . وايضا الاحسان هو المشاهدة كما قال عليه السلام ( الاحسان ان تعبد اللّه كأنك تراه وان لم تكن تراه فانه يراك ) وليست المشاهدة رؤية الصناع بالبصر وهو ظاهر بل المراد بها حالة تحصل عند الرسوخ فى كما الاعراض عما سوى اللّه وتمام توجهه الى حضرته بحيث لا يكون فى لسانه وقلبه وهمه غير اللّه وسميت هذه الحالة المشاهدة لمشاهدة البصيرة اياه تعالى كما اشار اليها بعض العارفين بقوله

خيالك فى عينى وذكرك فى فمى ... وحبك فى قلبى فاين تغيب

كذا في الرسالة الرومية.

وفى التأويلات النجمية الاحسان ان تحسن الى الخق بما اعطاك اللّه واراك سبل الرشاد فترشدهم وتسلك بهم طريق الحق للوصول او الوصال يدل عليه قوله تعالى ( احسن كما احسن اللّه اليك ) انتهى.

وايضا العدل الاعراض عما سوى والاحسان الاقبال على اللّه

{ وايتائ ذى القربى } القربى بمعنى القرابة اى اعطاء الاقارب ما يحتاجون اليه من الماء والدعاء بالخير وهو داخل فى الاحسان وانما افرد بالذكر اظهارا لجلاله صلة الرحم وتنبيها على فضيلتها كقوله تعالى

{ تنزل الملائكة والروح } والرحم عام فى كل رحم محرما كان او غير محرم واراثا كان او غير وارث من اولاد الاعمام والعمات والاخوال والخالات وغير ذلك وقطع الرحم حرام موجب لسخط اللّه وانقطاع ملائكة الرحمة عن بيت القاطع والصلة واجبة باعثة على كثرة الرزق وزيادة العمر سريعة التأثر ومعناها التفقد بالزيارة والهداء والاعانة بالقول والفعيل وعدم النسيان واقله التسليم وارسال السلام او المكتوب ولا توقيت فيها فى الشرع بل العبرة بالعرف والعادة كما فى شرح الطريق . قال الكاشفى [ در فصول عبد الوهاب فرموده كه عدل توحيد است ومحبت خداى واحسان دوستى حشرت بيغمبر وفرستادن صلوات برو وايتاء ذى القربى محيت اهل بيت است ] ودعاء اصحابه رضى اللّه عنهم.

وفى التأويلات النجمية اقرب القربى اليك نفسك فصله رحمها ان تنجيها من المهالك وترجع بها الى مالك الممالك

{ وينهى عن الفحشاء } عن الذنوب المفرطة فى القبح قولا وفعلا كالكذب والبهتان والاستهانة بالشريعة والزنى واللواطة ونحوها

وفى التأويلات هى ما يحجبك عن اللّه ويقطعك عنه اياما كان من مال او ولد او نحوهما فانه لا اقبح من الانقطاع عن اللّه ومثله اسبابه فان ما يجر الى الاقبح اقبح والعياذ باللّه تعالى

{ والمنكر } وعما تنكره النفوس الزاكية السليمة ولا ترتضيه كما فى بحر العلوم او هو الشرك او مما لا يعرف فى شريعة ولا سنة او الاصرار على الذنب او ما اسخط اللّه تعالى.

وفى التأويلات ما ينكر به عليك من اضلال اهل الحق واغوائهم واحداث البدع واثارة الفتن كما فى اهالى هذا الزمان خصوصا متصوفهم

{ والبغى } والظلم والاستيلاء على الناس والتطاول عليهم بلا سبب وتجسس عيوبهم وغيبتهم والطعن عليهم والتجاوز من الحق الى الباطل ونحو ذلك.

وفى التأويلات هو ما ثار من سورة صفات نفسك فيصيب الخلق منك ما يضرهم ويؤذيهم [ وآثر بقوت رياضت ببايد شكست ناقواعد سلوك ردستى يابد زيرا بحكم اعدى عدوك بدترين دشمن نفس است ]

اين سك نفس شوم وبد ككاره ... كه دراغوش تست همواره

بدترين قاصديست جان ترا ... مى خورد مغز استخوان ترا

بيشتر كرترا ببندد جت ... محكمش بندكن كه دشمن تست

[ در لطائف التقرير در تفسير اين آيت أورده كه استقامت ملك بسه جيزبود واضطراب اين به جيز منهى عنه وهريك ازيناها ثمره بس ثمره عدل نصر تست ونتيجه احسان ثنا ومدحست وفائدة صله رحم انس والفت اما نتيجه فحشاء فساد دين وثمره منكر برانكيحتن اعداء وحاصل بغى محروم ما ندن ازمتمنى ]

{ يعظمكم } [ بند مبدهد خدى تعالى شمارا ] يعنى بامر هذا المستحسنات ونهى هذه المستقبحات

{ لعلكم تذكرون } طلبا لان تتعظوا تأتمروا بالامر وتنتهوا بالنهى.

وقد امر اللّه تعالى فى هذه الآية بثلاثة اشياء ونهى عن ثلاثة اشياء وجمع فى هذه الاشياء الستة علم الاولين والآخرين وجميع الخصال المحمودة والمذمومة ولذلك قال ابن مسعود رضى اللّه عنه هى اجمع آية فى القرآن للخير والشر ولذا يقرأها كل خطيب على المنبر فى آخر كل خطبة لتكون عظة جامعة لكل مأمور ومنهى كما فى المدارك وحين اسقطت من الخطب لعنة اللاعنين لعلى امير المؤمنين رضى اللّه عنه اقيمت هذه الآية مقامها كما فى بحر العلوم . وقال الامام السيوطى فى كتاب الوسائل الى معرفة الاوائل اول من قرأ فى آخر الخبطة ( ان اللّه يأمر بالعدل والاحسان ) الخ عمر بن عبد العزيز ولزمها الخطباء الى عصرنا هذا تولى عمر الخلافة سنة تسع وتسعين ومدة خلافته سنتان وخمسة اشهر وكان صاحب المائة الاولى بالاجماع . وكان صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ

{ ق } اى فى آخر الخطبة . وكان عمر ابن الخطاب رضى اللّه عنه يقرا اذا الشمس كورت الى قوله ما احضرت . وكان عثمان بن عفان رضى اللّه عنه يقرأ آخر سورة النساء يستفتونك الآية . وكان على بن ابى طالب رضى اللّه عنه يقرأ الكافرون والاخلاص ذكر ذلك ابن الصلاح . يقول الفقير انظر ان كلا منهم اختار ما يناسب الحال والمقام بحسب اختلاف الزمان والا لكفى لهم الاقتداء بالنبى عليه السلام فى تلاوة سورة ( ق ) ومنه يعرف استحباب الترضية والتصلية فانها كانت بحسب المصلحة المقتضية لها وهى رد الروافض ومن يتبعهم فى البغض ولا شك ان مثل ذلك من مهمات الدين فليس هذا بمنكر وانما المنكر ترجيعات المؤذنين ولحون الائمة والخطباء بحيث يحرفون الكلم عن مواضعه رعاية للنغمات والمقامات الموسيقية نعم قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره اذا كان الذكر بنغمة لذيذة فله فى النفس اثر للصورة الحسنة فى النظر.

واول من قرأ فى الخطبة ان اللّه وملائكته يصلون على النبى الآية المهدى العباسى وعليه العمل فى هذا الزمان اى فى الخطب المطولة

واما فى الخطب المختصرة لبعض العارفين فليس ذلك فيه لكن المؤذن يقرأه عند خروج الخيب.

والاحوط فى هذا الزمان ان يقرا عنده ما اختاره حضرة الشيخ وفا قدس سره وهو عن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( اذا قلت للصاحبك انصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت فاستمعوا وانصتوا رحمكم اللّه ) وذلك لان اكثر المؤذنين اعتادوا فى الآية المذكورة ما يخرجها عن القرآنية من اللحن الفاحش ولنبك على غربة الدين ووحشة اهل اليقين وظهور البدع بين المسلمين.

٩١

{ واوفوا } اى استمروا على الايفاء وهو بالفارسية [ وفا كردن ].

قال الكاشفى

[ نزول آيت درشان جمعيست كه باحضرت رسالت واضطراب درايشان بديد آمد شيطان خواست كه ابشانرا بفريبدتانقض عهد بيغمبر كنند حق سبحانه وتعالى بدين آيت ايشانرا ثابت قدم كردانيد وفرموده كه وفا كنيد ]

{ بعهد اللّه } وهو البيعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الاسلام فانها مبايعة لله تعالى لقوله تعالى

{ ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه } لان الرسول فان فى اللّه باق باللّه وفى الحديث ( الحجر الاسود يمين اللّه فى ارضه فمن لم يدرك بيعة رسول اللّه فمسح الحجر فقد بايع اللّه ورسوله ) والبايعة من جهة الرسول هو الوعد بالثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته وسميت المعاهدة مبايعة تشبيها بالمعاوضة المالية ثم هو عام لكلم عهد يلتزمه الانسان باختياره لان خصوص السبب لا ينفى عموم الحكم

{ اذا عاهدتم } اذا عاقدتم وواثقتم والعهد العقد والميثاق

{ ولا تنقضوا الايمان } التى تحلفون بها عند المعاهدة اى لا تحنثوا فى الحلف

{ بعد توكيدها } حسبما هو المعهود فى اثناء العهود اى توثيقها بذكر اللّه وتشديدها باسمه كما فى بحر العلوم . وقال سعدى المفتى الظاهر ان المراد بالايمان الاشياء المحلوف عليها كما فى قوله عليه السلام ( من حلف على يمين ) الخ لانه لو كان المراد باليمين ذكر اسم اللّه فهو غير التأكيد لا المؤكد فتأمل

{ وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا } شاهدا رقيبا فان الكفيل من يراعى لحال المكفول به محافظة عليه

{ ان اللّه يعلم ما تفعلون } من نقض الايمان والعهود فيجازيكم على ذلك . واعلم ان الوفاء تأدية ما اوجبت على نفسك اما بالقبول او بالنذر.

وعن بعض المتكلمين اذا رأيتم الرجل اعطى من الكرامات حتى يمشى على الماء ويطير فى الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه فى حفظ الحدود والوفاء بالعهود ومتابعة الشريعة؟ قيل لحكيم أى شئ اعمل حتى اموت مسلما قال لا تصحب مع اللّه الا بالموافقة ولا مع الخلق الا بالمناصحة ولا مع النفس الا بالمخالفة ولا مع الشيطان الا بالعداوة ولا مع الدين الا بالوفاء.

وفى التأويلات النجمية

{ وأوفوا بعهد اللّه } بائتمار اوامر اللّه وانتها نواهيه

{ اذا عاهدتم } مع اللّه يوم الميثاق

{ ولا تنقضا الايمان } مع اللّه

{ بعد توكيدها } وهو اشهادكم على انفسكم وقولكم بلى شهدنا

{ وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا } بجزاء وفائكم وهو تكفل منكم بالوفاء بما عهد معكم على الجزاء كما قال

{ وأوفوا بعهدى اوف بعهدكم } وتفصيل الوفاء من اللّه والعبد ما شرح النبى صلّى اللّه عليه وسلّم فى حديث معاذ رضى اللّه عنه فقال ( هل تدرى يا معاذ ما حق اللّه على الناس )

قال قلت اللّه اعلم ورسوله قال ( حقه عليهم ان يعبدوه ولا يشركوا به شيأ ) اى يطلبوه بالعبادة ولا يطلبوا معه غيره ثم قال ( أتدري يا معاذ ما حق الناس على اللّه اذا فعلوا ذلك ) قال قلت اللّه ورسوله اعلم قال ( فان حق الناس على اللّه ان لا يعذبهم ) بعنى بعذاب الفراق والقطيعة بل يشرفهم بالوجدان والوصال كما قال ( ألا من طلبنى وجدنى ) وفى المثنوى

مادرين دهليز قاضىّ قضا ... بهر دعوىّ ألستيم وبلى

جون بلى كفتيم آنرا ز امتحان ... فعل وقول ما شهوداست وبيان

اوجه در دهليز قاضى تن زديم ... نى كه ما بهر كواهى آمديم

تاكه ندهى آن كواهى اى شهيد ... توازين دهليزكى خواهى رهيد

فعل وقول آمد كواهان ضمير ... هر دو بيدايى كند سر ستير

جرعة برخاك وفا آنكس كه ريخت ... كى تواند صيد دولت زوكريخت

بس بيمبر كفت بهر اين طريق ... با وفاتر ازعمل نبود رفيق

كربود نيكى ابدا يارت شود ... وربود بد در لحد مارت شود

٩٢

{ ولا تكونوا } ايها المؤمنون فى نقض العهد

{ كالتى } كالمرأة التى

{ نقضت } النقض فى البناء والحبل وغيره ضد الابراهم كما فى القاموس . وبالفارسية [ شكستن بيمان وبشم باز كردن باريسمان ]

{ غزلها } الغزل [ ريسمان رستن ] وهو ههنا مصدر بمعنى المغزول اى ما غزلته من صوف وغيره

{ من بعد قوة } متعلق بنقضت اى من بعد ابراهم ذلك الغزل واحكامه فجعلته

{ انكاثا } حال من غزلها جمع نكث بمعنى المنكوث وهو كل ما ينكث فتله اى يحل عزالا كان او حبلا . والمعنى طاقات نكثت فتلها والمراد تقبيح حال النقض تبشيب حال الناقض بمثل هذه المرأة المعتوهة من غير تعيين اذلا يلزم فى التشبيه ان يكون للمشبه به وجود فى الخارج

وقال الكلبى ومقاتل هى ربطة بنت سعد بن تيم القرشية الملكية وكانت خرقاء موسوسة اتخذت مغزلا قد ذراع وسنارة مثل اصبع وهى بالكسر الحديدة فى رأس المغزل وفلكه عظيمة على قدرها فكانت تغزل هى وجواريها من الغداة الى نصف النهار تآمرهن بنقض جميع ما غزلن

قال الكاشفى [ حق سبحانه وتعالى تشبيه ميفرما يد يكستن عهد را به باره كردن وسن وميفر ما يدكه جنانجه آن زن حمقا وسن تاب داده خودرا ضايع ميكند مردم عاقل بايدكه هو رشته خود بسر انكشت نقض باره نكند تابحكم

{ واوفوا بعهدى اوف بعهدكم } جزاء وفا بيايد

كرت هو است كه دلدار نكسلد بيمان ... نكاه دار سر رشته تا نكهدارد

{ تتخذون ايمانكم دخلا بينكم } حال من الضمير فى لا تكونوا اى مشابهين بامرأة شأنها هذا حال كونكم متخذين ايمانكم مفسدة ودخلا بينكم واصل الدخل ما يدخل فى الشئ ولم يكن منه

{ ان تكون امة } اى بسب ان تكون جماعة قريش

{ هى اربى من امة } ازيد عدد واوفر مالا من جماعة المؤمنين وهذا نهى لمن يحالف قوما فان وجد ايسر منهم واكثر ترك من حالف وذهب اليه . ومحل هى اربى من امة نصب خبر كان.

وفى المدارك هى اربى مبتدأ وخبر فى موضع الرفع صفة لامة وامة فاعل يكون وهى تامة

{ انما يبلوكم اللّه به } اى بان تكون امة هى اربى من امة اى يعاملكم بذلك معاملة من يختبركم لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد اللّه وبيعة رسوله امت تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم بحسب ظاهر الحال والظبى وان كان واحدا فهو خير من قطيع الخنزير والسواد الاعظم هو الواحد على الحق ويقال سمى الدجال دجالا لانه يغطى الارض بكثرة جموعه ولا يلزم منه كونه على الحق وافضل من فى الارض يومئذ لان اللّه تعالى لا ينظر الى الصورة والاموال بل الى القلوب والاعمال فاذا كانت للناس قلوب واعمال صالحة يكونون مقبولين مطلقا سواء كانت لهم صورة حسنة واموال فاخرة ام لا والا فلا : قال الشيخ سعدى قدس سره

ره راست بايد نه بالاى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جوماست

{ ولبينن لكم يوم القيمة ما كنتم فيه تختلفون } فى الدنيا اذا جازاكم على اعمالكم بالثواب والعقاب وهو انذار وتخويف من مخالفة ملة الاسلام ودين الحق فانها مؤدية الى العذاب الابدى.

٩٣

{ ولو شاء اللّه } مشيئة قسر والجاء

{ لجعلكم امة واحدة } متفقة على الاسلام

{ ولكن } لا يشاء ذلك لكونه مزاحما لقضبة الحكمة بل

{ يضل من يشاء } اضلاله اى يخلق فيه الضلاة حسبما يصرف اختياره الجزئي اليه

{ ويهدى من يشاء } هدايته حسبما يصرف اختياره الى تحصيلها فالاضلال والهداية مبنيا على الاختبار . وفيه سر عظيم لا عرفه الا الاخيار

{ و } باللّه

{ لتسألن } جميعا يوم القيامة سؤال تبكيت ومجازاة لا سؤال تفهم

{ عما كنتم تعملون } فى الدنيا من الوفاء والنقض ونحوهما فتجزون به . واعلم ان العهود مواطنها لكثرة ومن العهود الحقة ما يجرى بين المريدين الصادقين والشيوخ الكاملين من البيعة وهى لازمة حتى يلقوا اللّه تعالى

وفى الآية اشارة الى المريد الذى تعلق بذيل ارادة صاحب ولاية من المشايخ وعاهده على صدق الطلب والثبات عليه عند مقاساة شدائد المجاهدات والتصبر على مخالفات النفس والهوى وملازمات الصحبة والانقياد للخدمة والتحمل على الاخوان وحفظ الادب معهم ففى اثناء تحمل هذه المشاقة تسأم نفسه وتضعف عن حمل هذه الاثقال فينقض عهده ويفسخ عزمه ويرجع قهقرى ثم يتخذ ما كان اسباب طلب اللّه من الارادة والمجاهدة ولبس الخرقة وملازمة الصحبة والخدمة والفتوحات التى فتح اللّه له فى اثناء الطلب والسير آلات طلب الدنيا وادوات تحصيل شهوات نفسه بالتصنع والمرآة والسمعة ابتلاء من اللّه اظهار للعزة اذا عظمت النفس وشهواتها فى نظر النفس واعرضت عن اللّه فى طلبها فمثل هذا حسبه جهنم البعد والقطعية.

قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره هنا رجل ابن ابن المولى جلال يقال له ديوانه جلى يأكل ويشرب وشتغل بالشهوات ويزعم ان له نظرا الى الحقيقة من المظاهر حفظنا اللّه تعالى من الالحاد ففى حالة الاحتضار استغفر وقال يا حسرتا لم أعرف الطريق ويرجى ان يعفى لسبق ندامته وكان له كشوف سفلية وقطع بخطوة واحدة سبعين خطوة واكثر ولكن الكشوف السفلية مثلها مما كان فى مرتبة الطبيعة غير مقبول بل هى من الشيطان وعوام الناس يعدون اصحاب امثال هذه الكشوف الشيطانية الاقطاب بل الغوث الاعظم لكونهم على الجهل الجمادى لا يميزون بين الخير والشر ولصعوبة هذا الامر قال المولى الجامى قدس سره فى بعض رباعياته

در مسجد وخانقه بسى كرديدم ... بس شيخ ومريدرا كه بابوسيدم

نه يكساعت از هستى خود رستم ... نه آنكه زخويش رسته باشد ديدم

اللهم اصمنا من الدعوى واجعلنا من اهل التقوى.

٩٤

{ ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم } مكرا وغدرا

{ فنزل } [ بلغزد ] نصب فى جواب النهى

{ قدم } اى اقدامكم ايها المؤمنون عن محجة الحق

{ بعد ثبوتها } عليها ورسوخها فيها بالايمان وافراد القدم وتنكيرها للايذان بان زلل قدم واحد اى قدم كانت عزت او هانت محذور عظيم فكيف باقدام كثيرة

{ وتذوقوا السوء } أى العذاب الدنيوى

{ بما صددتم } بصدودكم وخروجكم او بصدكم ومنعكم غيركم

{ عن سبيل اللّه } الذى ينتظم الوفاء بالعهود والايمان فان من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره

{ ولكم } فى الآخرة

{ عذاب عظيم } شديد.

٩٥

{ ولا تشتروا بعهد اللّه } اى لا تأخذوا بمقابلة عهده تعالى وبيعة رسوله

{ ثمنا قليلاً } اى لا تستبدلوا بها عوضا يسيرا وهو ما كانت قريش يعدون ضعفه المسلمين ويشترطون لهم على الارتداد من حطام الدنيا

{ ان ما عند اللّه } من النصر والتغنيم فى الدنيا والثواب فى الآخرة

{ هو خير لكم } مما يعدونكم

{ ان كنتم تعلمون } اى ان كنتم من اهل العلم والتمييز.

٩٦

{ ما عندكم } من اعراض الدنيا وان كثرت

{ ينفد } يفنى وينقضى

{ وما عند اللّه } من انواع رحمة المخزونة

{ باق } لانفاد وهو حجة على الجهمية لانهم يقولون بان نعيم الجنة يتناهى وينقطع

{ ولنجزين } اى واللّه لنعطين

{ الذين صبروا } على اذية المشركين ومشاق الاسلام التى من جملتها الوفاء بالعهود والفقر

{ اجرهم } الخاص بهم بمقابلة صبرهم على الامور المذكورة وهو مفعول ثان لنجزين

{ باحسن ما كاناو يعملون } اى لنجزينهم بما كانوا يعملونه من الصبر المذكور وانما اضيف اليه الاحسن للاشعار بكمال حسنه كما فى قوله تعالى

{ وحسن ثواب الآخرة } فقد علم من الآيات ان للوفاء بالعهد والثبات على الايمان والصبر على المشاق ثمرات دنيويه واخروية . فعلى العاقل ان لا ينقض المعاهدة التى بينه وبين اللّه وكذا بين العلماء العاملين والصلحاء الكاملين . وعن بعض اهل العلم كنت بالمصيصة فاذا برجلين يتكلمان فى الخلوة مع اللّه تعالى فلما اراد ان يصرفا قال احدها للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال له اعزم على ما شئت فقال ان لا آكل ما لمخلوق فيه صنع قال فتبعتهما وقلت انا معكما فقالا على الشرط قلت على أى شرط شرطتما فصعد جبل لكام ودلانى على كهب وقالا تعبد فيه فدخلت فيه وجعل كل واحد يأتينى بما قسم اللّه تعالى وبقيت مدة ثم قلت الى متى اقيم ههنا انا اسير الى طرطوس وآكل من الحلال واعلم الناس العلم واقرئ القرآن فخرجت ودخلت طرطوس واقمت بها سنة فاذا انا برجل منهما قد وقف علىّ وقال يا فلان خنت فى عهدك ونقضت اميثاق ألا انك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذي وهب لكما قال ثلاثة اشياء طى الارض من المشرق الى المغرب بقدم واحد والمشى على الماء والحجة اذا شئنا ثم احتجب عنى ففى هذه الحكاية ما يغنى العاقل عن التصريح فانظر الى ذلك العالم كيف اختار ما عند الناس فحرم مما عند اللّه من الكرامات والكمالت وذلك ان نقض العهد بسبب عرض دنيوى فى صورة امر دينى فان التعليم واقراء الناس وان كان من الامور الاخروية الا انه لا د لطالب الحق حين تخليه وانقطاعه من التجرد عن كل اسم ورسم وصورة : فان قيل

منصب تعليم نوع شهوتيست ... وما يعقل هذا المقام الا العالمون وفى المثنوى

كرنبودى امتحان هربدى ... هر مخنث دروغا رستم بدى

خود مخنث را زره بووشيده كير ... جون به بيند زحم كردد جون اسير

ونعم ما قيل وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان فمن زل عند الامتحان فقد افتضح وذاق وجع القطعية والفراق وماله من خلاق ومن ثبت وصبر وافتكر العاقبة ظفر بالمراد وجوزى جزاء لا يعلمه الا رب العباد فانه اعد لعباده الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

٩٧

{ من } [ هركه ]

{ عمل } [ بكند ]

{ صالحا } اى عملا صالحا اى عمل كان وهو ما كان لوجه اللّه تعالى ورضاه ليس فيه هوى ولا رياء والفرق بينهما ان الهوى بالنسبة الى النفس والرياء بالنسبة الى الخلق

{ من ذكر او انثى } اى حال كون ذلك العامل من رجل او امرأة بينه بالنوعين ليعمهما الوعد الآتى ولا يتوهم التخصيص بالذكور بناء على كثرة استعمال لفظ من فيهم وان الاناث لا يدخلن فى اكثر الاحكام والمحاورات الا بطريق التغليب او التبعية

{ وهو } اى والحال ان ذلك العامل

{ مؤمن } قيده به اذلا اعتداد باعمال الكرة فى استحقاق الثواب وانما المتوقع عليها تخفيف العذاب كما قال النبى صلّى اللّه عليه وسلّم ( ان اللّه تعالى يأمر بالكافر السخى الى جهنم فيقول لمالك خازن جهنم عذبه وخفف عنه العذاب على قدر سخائه الذى كان فى دار الدنيا ) كما فى تفسير السمرقدنى ويؤيده ما قيل انه لما عرج النبى صلّى اللّه عليه وسلّم اطلع على النار فرأى حظيرة فيها رجل لا تمسه النار فقال جبرائيل عليه السلام هذا حاتم طى صرف اللّه عنه عذاب جهنم بسخائه وجوده كما فى انيس الوحدة

{ فلنحيينه حيوة طيبة } فى الدنيا يعيش عيشا طيبا لانه ان كان موسرا فظاهر وان كان معسرا فيطيب عيشه بالقناعة والرضى بالقسمة وتوقع الاجر العظيم فى الآخرة كالصائم يطيب نهاره بملاحظة نعيم ليله بخلاف الفاجر فانه ان كان معسرا فظاهر وان كان موسرا فلا يدعه الحرص وخوف الفوت ان يتهنأ بعيشه

{ ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون } اى ولنعطينهم فى الآخرة اجرهم الخاص بهم بما كانوا يعملون من الصالحات وانما اضيف اليه الاحسن للاشعار بكمال حسنه كما سبق فى حق الصابرين.

وفى التأويلات النجمية يشير بالذكر الى القلب وبالانثى الى النفس فالعمل الصالح من النفس استعمال الشريعة بتقوى اللّه وصدقه على وفق الطريقة تزكية عن سفاتها الذميمة وافعالها الطبيعية والعمل الصالح من القلب حست توجهه الى اللّه بالكلية لطلب اللّه والاعراض عما سواه تصفية للتحلية بصفات اللّه والتخلق باخلاقه وبقوله

{ فلنحيينه حيوة طيبة } يشير الى احياء كل واحد منهما بالحياة الطيبة على قدر صلاحية عمله وحسن استعداد فى قبولها فاحياء النفس بالحياة الطيبة ان تصير مزكاة عن صفاتها متحلية باخلاق القلب الروحانى مطمئنة بذكر اللّه راجعة الى ربها راضية مرضية واحياء القلب بالحياة الطيبة ان يصير متخلقا باخلاق اللّه ويكون فانيا عن انانيته بهويته حيا بحياته طيبا عن دنس الاثنينية ولوث الحدوث فان اللّه طيب عن هذا الاوصاف فلا يقبل الاطيبا . ثم اعلم ان صلاحية اعمال العباد انما تكون على قدر صدقهم فى المعاملات وحسن استعدادهم فى قبول الفيض الالهى فيكون طيب حياتهم باحياء اللّه اياهم بحسب ذلك ولنجزينهم فى الآخرة اجر كل طائفة منهم باوفر مان كانوا يظنون ان يجازيهم اللّه على اعمالهم بيانه قوله

{ ان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما } وعن بعض اصحاب الامام احمد بن خبل رحمه اللّه قال لما مات احمد رأيته فى المنام وهو يمشى ويتبختر فى مشيه فقلت له يا اخى أى مشية هذه قال مشية الخدام فى دار السلام فقلت له ما فعل اللّه بك قال غفر لى والبسنى نعلين من ذهب وقال هذا جزاء قولك القرآن كلام اللّه المنزل غير مخلوق وقال يا احمد قم حيث شئت فدخلت الجنة فاذا سفيان الثورى رحمه اللّه له جناحان اخضران يطير بهما من نخلة الى نخلة وهو يقرأ هذه الآية

{ الحمد لله الذى صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشأ فنعم اجر العاملين } فقلت له أى شئ خبر عبد الواحد الوارق رحمه اللّه قال تركته فى بحر من النور يراد به الملك الغفور فقلت ما فعل بشر بن الحارث رحمه اللّه فقال بخ بخ ومن مثل بشر تركته بين يدى الجليل والجليل سبحانه مقبل عليه وهو يقول كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب وتنعم يا من لم ينعم.

وقال بعض الاخيار رأيت الشيخ ابا اسحاق ابراهيم بن على ابن يوسف الشيرازى رحمه اللّه فى المنام بعد وفاته وعليه ثياب بيض وعلى رأسه تاج فقلت له ما هذا البياض فقال شرف الطاعة قلت والتاج قال عز العلم فعلم من هذا المذكور ان من عمل صالحا لا بد ان يصل اليه جزاء عمله وان الجزاء من جنس العمل وانه يختلف بحسب اختلاف حلال العامل . فعلى العاقل المبادرة الى الاعمال الصالحة والصبر . على مشاق الطاعات الى ان يجيء وعد اللّه تعالى قال الحافظ.

صبركن حافظ بسختى روزوشب ... عاقبت روزى بيابى كام را

٩٨

{ فاذا قرأت القرآن } اى اردت قراءته عبر عن الارادة القراءة على طريقة اطلاق اسم المسبب على السبب ايذانا بان المراد هى الارادة المتصلة بالقراءة

{ فاستعد باللّه } اى فاسأله تعالى ان يعيذك ويحفظك

{ من الشيطان } البعيد عن الخير

{ الرجيم } المرجوم بالطرد واللعن اى من وساوسه وخطراته كيلا يوسوسك عند القرآن فان ناصية كل مخلوق بيده او قل اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم وهو المختار من الروايات الاربع عشرة الواردة فى الفاظ الاستعاذة كما فى تفسير خوارجه بارسا قدس سره.

٩٩

{ انه } اى الشيطان او الشان

{ ليس له سلطان } تسلط وولاية

{ على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } على اولياء اللّه المؤمنين به والمتوكلين عليه فان وسوسته لا توثر فيهم لما امر القارئ بان يسأل اللّه تعالى ان يعيذه من وساوسه وتوهم منه ان له تسلطا وولاية على اغواء بنى آدم كلهم بين اللّه تعالى ان لا تسلط له على المؤمنين المتوكلين فقوله انه الخ فى معرض التعليل للامر باللاستعاذة واشارة الى ان مجرد القول لا ينفع بل لا بد لمن اراد ان لا يكون للشيطان سبيل عليه ان يجمع بين الايمان والتوكل.

١٠٠

{ انما سلطانه } اى تسلطه وغلبته بدعوته المستتبعة للاستجابة لا سلطانه بالقسر والالجاء فانه منتف عن الفريقين لقوله تعالى حكاية عنه

{ وما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى } وقد افصح عنه قوله تعالى

{ على الذين يتولونه } اى يتخذونه وليا ويستجيبون دعوته ويطيعونه فان المقسور بمعزل عن ذلك كذا فى الارشاد وهو جواب عما قال السمرقندى فى تفسيره من ان فى بناء الكلام على الحصر والاختصاص ردا للشيطان فى قوله للكفرة فى جهنم

{ وما كان لى عليكم من سلطان } وتكذيبا له انتهى.

{ والذين هم به } سبحانه وتعالى

{ مشركون } مثبتون الشريك فى الالوهية او بسبب الشيطان اذ هو الذى حملهم على الاشراك بالله

قال فى التأويلات النجمية الخطاب فى هذه الآية مع الامة وان خص النبى صلّى اللّه عليه وسلّم لان الشيطان كان يفر من ظل مر رضى اللّه عنه وهو احد تابعيه فكيف يقدر على ان يدور اليه سيما اسلم شيطانه على يده صلّى اللّه عليه وسلّم يدل عليه قوله

{ انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } يعنى سلطان نور الايمان والتوكل غالب على سلطان وسوسة الشيطان فاذا كان هذا حال الامة مع الشيطان فكيف يكون حال النبوة معه فثبت ان المراد بالخطاب الامة وانما خص النبى صلّى اللّه عليه وسلّم به لتعتبر الامة وتتنبه ان مثل النبى صلّى اللّه عليه وسلّم مهما يكن مأمورا بالاستاذة باللّه من الشيطان الرجيم فتكون الامة بها اولى واحق .

قال بعضهم هل المراد كل شيطان او القرين فقط الظاهر انه فى حقنا القرين قال اللّه تعالى

{ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } وفى حق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ابليس اما نحن فلان الانسان لا يؤذيه من الشياطين الا ما قرن به وما بعد فلا يضره شيأ والعاقل لا يستعيذ ممن لا يؤذيه

واما الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فان قريته لما اسلم تعين ان يكون الاستعاذة من ابليس او اكابر جنوده وتخصيص الاستعاذة باللّه عند قراءة القرآن من الشيطان الرجيم لمعان وفوائد اولها كى يتذكر القارئ واقعة الشيطان وبتفكر فى امره انه انما صار شيطانا رجيما بعد ان كان ملكا كريما لانه فسق عن امر ربه وخافه وابى ان يسجد لآدم واستكبر وكان من الكافرين اى فصار من الكافرين فينتبه بذلك عند قراءة القرآن ويصفى نيته قبل القراءة على ان يأتمر بما امر اللّه فى القرآن وينتهى عما نهاه عنه احترازا عن المخالفة فان فيها الطرد واللعن والرجم والفسق والكفر وانها مظنة للخلود فى النار وثانيها لان العبد لا يخلو من حديث النفس وهواجسها وم القاء الشيطان ووساوسه وقلبه لا بد يتشوش بذلك فلا يجد حلاوة كلام اللّه فامر بالاستعاذة وتزكيته للنفس عن هواجسها وتصفيته للقلب عن وساوس الشيطان ليتجلى بنور القرآن فان التجلية تكون بعد التزكية والتصفية وثالثها لان فى كل كلمة من كلمات الرىن لله تعالى اشارات ومعانى وحقائق لا يفهمها الا قلب مطهر عن تلوثات الهواجس والوساوس معطر بطيب انفاس الحق وذلك مودع فى الاستعاذة باللّه فامر بها لحصول الفهم - وروى - جبير بن مطعم قال رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلى فقال

( اللّه اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان اللّه بكرة واصيلا اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه ) قال ابن مسعود رضى اللّه عنه نفخه الكبر ونفثه الشعر وهمزه الموتة يعنى الجنون.

وفى قوله

{ انه ليس له سلطان } الآية اشارة الى ان تصرف الشيطان وقدرته بالاغوآء والاضلال على الانسان انما ينقطع بقدر نوع الايمان وقوة التوكل فمهما يكمل الايمان والتوكل يكون المؤمن ازاهدا عن الدنيا راغبا فى الآخرة متبتلاً الى اللّه تعالى فلا يبقى للشيطان عليه سلطان فى اضلاله واغوائه ولكن يأول امره الى الوسوسة وفيها صلاح المؤمن فان ابريز اخلاص قلبه عن غش صفات نفسه لا يتخلص الا بنار وسوسة الشيطان لانه يطلع على بقايا صفات نفسه بما تكون الوسوسة من جنسه فيزيد فى الرياضة ومجاهدة النفس وملازمة الذكر فبها تنقض وتمنحى بقية صفات النفس ويزداد نور الايمان وقوة التوكل وقربة الحق وقبوله.

وفى بعض الاخبار ان النبى صلّى اللّه عليه وسلّم قال ( ان ابليس قال يا رب قلت فى كتابك ان عبادى ليس لك عيهم سلطان فمن هم فقال تعالى من كان نور وجهه من عرشى وطينه من طين ابراهيم ومحمد عليهما السلام وقلبه خزينتى قال ابليس فمن هم فقال تعالى من كان نادما على ذنبه وخائفا من خاتمته فنور وجهه من نور عرشى ومن كان يطعم الطعام ويرحم العباد فطينه من طينهما ومن كان راضيا بحكمى مسارعا الى ابتغاء مرضاتى فقلبه خزينتي )

وفى الخبر ( اذا لعن المؤمن شيطانا يقول لعنت لعينا واذا قال اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم يقول قصم ظهرى لانه يحيل الى القادر ) . وفى الخبر ( من استعاذ باللّه فى اليوم عشر مرات من الشيطان وكل اللّه به ملكا يرد عنه الشياطين ) : قال الحافظ

درراه عشق وسوسة اهر من بسيست ... هش دار وكوش دل بيام سروش كن

واعلم ان الاستعاذة واجبة على كل من شرع فى قراءة القرآن سواء بدأ من اوائل اسورة او من اجزائها مطلقا وان ارابد به افتتاح الكتب او الدرس كما يقرأ التلميذ على الاستاذ لا يتعوذ كذا فى انوار المشارقة.

والوجوب مذهب الجمهور كما فى الارشاد . وقال الفنارى فى تفسير الفاتحة والاستعاذة غير واجبة عند الجمهور والامر فى فاستعذ للندب انتهى.

وقال الكاشفى فى تفسيره [ وامر بساتعاذه قبل از قراءة بقول جمهور امر استحبابست وباختيار جمعى از كبرا برسبيل ايجاب . در تفسير قرطبى قولى هست كه استعاذه برحضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تنها فرض بوده بوقت قراءة واقتداء امت برو برسبيل سنت است ] انتهى.

والتعوذ فى الصلاة ينبغى ان يكون واجبا لظاهر الامر الا ان السلف اجمعوا على سنته كما فى الكافى . قال القرطبى ابو حنيفة والشافعى رحمهما اللّه يتعوذان فى الركعة الاولى فى الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها قراءة واحدة كما فى حواشى سعدى المفتى . والغرض نقى الوسوسة فى التلاوة فشرع لافتتاح القراءة . قال جعفر الصادق رضى اللّه عنه ان التعوذ تطهير الفم عن الكذب والغيبة والبهات تعظيما لقراءة القرآن

زبان آمد ازبهر شكر وسباس ... بغيبت نكرداندش حق شناس

١٠١

{ واذا بدلنا آية مكان آية } قال سلطال المفسرين ترجمان القرآن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان اذا نزلت عليه آية فيها شدة اخذ الناس بها وعملوا ما شاء اللّه ان يعملوا فيشق ذلك عليهم فينسخ اللّه هذه الشدة ويأتيهم بما هو ألين منها واهوان عليهم رحمة من اللّه فيقول لهم كفار قريش ان محمدا يسخر باصحابه يأمرهم اليوم بامر وينهاهم عنه غدا ويأتيهم بما هو اهون عليهم وما هو الا مفتر يقوله من تلقاء نفسه . والمعنى اذا انزلنا آية من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلا منها بان نسخناها

{ واللّه اعلم بما ينزل } جملة معترضة بين الشرط وجوابه وهو قالوا لتوبيخ الكفرة على قولهم والتنبيه على فساد سندهم اى اعلم بين ينزل اولا وآخرا من الاحكام والشرائع التى هى مصالح ورب شئ يكون مصلحة فى وقت يكون مفسدة فى وقت آخر فينسخه ويثبت مكانه ما يكون مصلحة لخلقه

{ قالوا } اى الكفرة

{ انما انت مفتر } على اللّه منقول من عند نفسك

{ بل اكثرهم لا يعلمون } ان اللّه امر باشياء نظرا لصلاح عباه واقلهم يعلم الحكمة فى النسخ ولكن ينكر عنادا.

١٠٢

{ قل } ردا عليهم

{ نزله } اى القرآن المدلول عليه بالآية

{ روح القدس } اى الروح المقدس المطهر من الادناس البشرية وهو جبريل عليه السلام واضافة الروح ال القدس وهو الطير كاضافة حاتم الى الجود حيث قيل حاتم الجود للمبالغة فى ذلك الوصف كأنه طبع منه فالمراد الروح المقدس وحاتم الجواد وفى صيغة التفعيل فى الموضعين اشعار بان التدريج فى الانزال مما يقتضيه الحكمة البالغة

{ من ربك } من سيدك ومتولى امرك

{ بالحق } فى موقع الحال اى نزله ملتبسا بالحق الثابت الموافق للحكمة المقتضية له بحيث لا يفارقها انشاء ونسخا وفيه دلالة على ان النسخ حق

{ ليثبت } اللّه تعالى أو جبريل مجازا

{ الذين آمنوا } على الايمان بانه كلامه فانهم اذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية المصالح اللائقة بالحال رسخت عقائدهم واطمأنت قلوبهم على ان اللّه حكيم فلا يفعل الا ما هو حكمة وصاب

{ وهدى } من الضلالة

{ وبشرى } بالجنة

{ للمسلمين } المنقادين لحكمه تعالى وهما معطوفان على محل ليثبت والتقدير تثبيتا لهم وهداية وبشارة . وفيه تعريض بحصول اضداد الامور المذكورة لمن سواهم من الكفار

قال فى التأويلات النجمية ان اللّه تعالى هو الطيب والقرآن هو الدواء يعالج به من مرض القلوب كقوله تعالى

{ وشفاء لما فى الصدور } كما ان الطيب يداوى المريض كل وقت بنوع من الادوية على حسب المزاج والعلة لازالتها ويبدل الا شربه والمعاجين بنوع آخر وهو اعلم بالمعالجة من غيره وكذلك اللّه عز وجل يعالج قلوب العباد بتبديل آية وانزال آية مكانها واللّه اعلم بما ينزل ويعالج به البعد فالذين لا يعلمون قوانين الامراض والمعالجات يحملون ذلك على الافتراء وفى التنزيل والتبديل تثبيت الايمان فى قلوب المؤمنين بازالة امراض الشكوك عن قلوبهم فان القرآن شفاء وهدى لصحة الدين وسلامة القلوب وباشرة للمسلمين الذي استسلموا للطبيب والمعالجة لصحة دينهم وكان الصحابة رضى اللّه عنهم يكتفون ببعض السور القرآنية ويشتغلون فى العمل بها فان المقصود من القرآن العمل به - روى - ان رجلا جاء الى النبى صلّى اللّه عليه وسلّم وقال علمنى مما علمك اللّه فدفعه الى رجل يعلمه القرآن فعلمه

{ اذا زلزلت الارض } حتى بلغ

{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } فقال الرجل حسبى فاخبر النبى صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك فقال ( دعوه فقد فقه الرجل ) قال اشليخ سعد قدس سره

علم جندانكه بيشتر خوانى ... جون عمل درتونيست نادانى

نه محقق بود نه دانشمدند ... جار بايى بروكتابى جند

آن نهى مغزراجه علم وخبر ... كه بروهيرم است ويا دفتر

وقال [ عالم ن برهيز كاركوريست شعله دار . بى فائده هركه عمر درياخت جيزى نخريدوزر بيند اخت ] اى اضاع المال ولم يكن على شئ نسأل اللّه التوفيق للتقوى والعمل بالقرآن فى كل مكان وزمان.

١٠٣

{ ولقد نعلم } ادخل قد توكيدا لعلمه بما يقولون ومرجع توكيد العلم الى توكيد الوعد والوعيد لهم.

ذكر ابن الحاجب انهم نقلوا قد اذا دخلت على المضارع من التقليل الى التحقيق كما ان رما فى المضارع نقلت من التقليل الى التحقيق

{ انهم } اى كفار مكة

{ يقولون انما يعلمه } اى القرآن { بشر }.

قال الامام الواحدى فى اسباب النزول عد عبيد بن مسلمة قال كان لنا غلامان نصرانيان من اهل عين التمر اسم احدهما يسار والآخر جبر وكان صيقلين [ يعنى شمشيرهارا صيقل زدندى ] فكانا يقرآن كتابا لهم بلسانهم وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمر بهما ويسمع قراتهما فكان المشركون يقولون يتعلم منهما فانزل اللّه تعالى هذه الآية واكذبهم فالمراد فكان المشركون يقولون يتعلم منها فانزل اللّه تعالى هذه الآية واكذبهم فالمراد بالبشر ذانك الغلمان

{ لسان الذى يلحدون اليه اعجمى } مبتدأ وخبر وكذا ما عبده لابطال طعنهم . والالحاد الامالة من ألحد القبر اذا مال حفره عن الاستقامة فحفر فى شق منه ثم استعير لكل امالة عن الاستقامة فقالوا ألحد فلان فى قوله وألحد فى دينه ومنه الملحد لانه امال مذهبه عن الاديان كلها ولم يمله عن دين الى دين والاعجمى هو الذى لا يفصح وان كان عربيا والعجمى المنسوب الى العجم وان كان فصحيا . والمعنى لغة الرجل الذى يميلون اليه القول عن الاستقامة ويشيرون اليه انه يعلم محمد اعجمية غير بينة

{ وهذا } القرآن الكريم

{ لسان عربى مبين } ذو بيان وفصاحة فكيف يصدر عن اعجم . يعنى ان القرآن معجز بنظمه كما انه معجز بمعناه لاشماله على الاخبار عن الغيب فان زعمتم ان بشرا يعلمه معناه فكيف يعلمه هذا النظم الذى اعجز جميع اهل الدنيا.

وفى التأويلات النجمية الاعجمى هو الذى لا يفهم من كلام اللّه تعالى ما اودع اللّه فيه من الاسرار والاشارات والمعانى والحقائق فانه لا يحصل ذلك الا لمن رزقه اللّه فهما يفهم به واللسان العربى هو الذى يسره اللّه تعالى على لسان نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين له

{ ثم ان علينا بيانه } فالعربي المبين هو الذى أعطاه اللّه قلبا فهيما ولسانا مبينا فافهم جدا.

١٠٤

{ ان الذين لا يؤمنون بآيات اللّه } اى لا يصدقون انها من عند اللّه بل يقولون فيها ما يقولون يسمونها تارة افتراء واخرى اساطير معلمة من البشر

{ لا يهديهم اللّه } الى سبيل النجاة هداية موصلة الى المطلوب لما علم انهم لا يستحقون ذلك لسوء حالهم

{ ولهم } فى الآخرة

{ عذاب اليم } [ عذابى دردناك بجهت كفر ايشان بقرآن ونسبت اتفتراء بحصرت بيغمبر صلّى اللّه عليه وسلّم وحال آنكه مفترى ايشانند ].

١٠٥

{ انما يفترى الكذب } التصريح بالكذب للمبالغة فى بيان قبحه والفرق بين الافتراء والكذب ان الافتراء هو افتعال الكذب من قول نفسه والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه وفاعل يفترى هو قوله

{ الذين لا يؤمنون بآيات اللّه } رد لقولهم انما انت مفتر يعنى انما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لانه لا يترقب عقابا عليه ليرتدع عنه

واما من يؤمن به ويخاف ما نطقت به من العقاب فلا يمكن ان يصدر عنه افتراء البتة.

قال فى التأويلات النجمية وجه الاستدلال ان الافتراء من صفات النفس الامارة بالسوء وهى نفس الكافر الذى لا يؤمن بآيات اللّه فان نفس المؤمن مأمورة لوامة ملهمة من عند اللّه مطمئنة بذكر اللّه ناظرة بنور اللّه مؤمنة بآيات اللّه لان الآيات لا ترى الا بنور اللّه كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم ( المؤمن ينظر بنور اللّه ) فاذا كان من شأن المؤمن ان لا يفترى الكذب اذ هو ينظر بنور اللّه فكيف يكون من شأن رسوله ان يفترى الكذب وهو نور من اللّه ينظر باللّه

{ واولئك } الموصوفون بما ذكر من عدم الايمان بآيات اللّه

{ هم الكاذبون } على الحقيقة لا على الزعم بخلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فان حاله على العكس او الكاملون فى الكذب اذ لا كذب اعظم من تكذيب آياته والطعن فيها بامثال هاتيك الاباطيل . فاللام للجنس والحقيقة ويدعى قصر الجنس فى المشار اليهم مبالغة فى كمالهم فى الكذب وعدم الاعتداء بكذب غيرهم.

قال فى الارشاد السر فى ذلك ان الكذب الساذج الذى هو عبارة عن الاخبار بعدم وقوع ما هو واقع فى نفس الامر . بخلق اللّه تعالى او بوقوع ما لم يقع كذلك مدافعة لله تعالى فى فعله فقط والتكذيب مدافعة له سبحانه فى فعله وقوله المنبئ عنه مما انتهى.

قيل للنبى صلّى اللّه عليه وسلّم المؤمن يزنى قال ( قد يكون ذلك ) قيل المؤمن يسرق قال ( قد يكون ذلك ) قيل المؤمن يكذب قال ( لا ) ويكفى فى قبح الكذب ان الشيطان استثنى العباد المخلصين من اهل الاغواء ولم يكذب فانه يعلم ان وسوسته لا تؤثر فيهم.

قال ارستطاليس فضل الناطق على الاخرس بالنطق وزين النطق الصدق والاخرس والصامت خير من الكاذب.

بهائم خموشند وكويا بشر ... برا كنده كوى از بهائم بتر

وقد قالوا النجاة فى الصدق كما ان الهلاك فى الكذب - خطب الحجاج - يوما فاطال فقام رجل وقال الصلاة الصلاة الوقت يمضى ولا ينتظرك يا امير الحبشة فقال قومه انه مجنون قال ان اقر بجنته فقيل له فقال معاذ اللّه ان اقول ابتلانى وقد عافانى فبلغه فعفا عنه لصدقه فصار الصدق سببا للنجاة للاهم اجعلنا من الصادقين.

١٠٦

{ من كفر باللّه } اى تلفظ بكلمة الكفر

{ من بعد ايمانه } به تعالى كابن حنطل وطمعة ومقيس وامثالهم ومن موصولة ومحلها الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة الخبر الآتى عليه وهو قوله

{ فعليهم غضب } وقدره الكاشفى بقوله [ در معرض غضب ربانى باشد ] لكنه جعل من شرطية كما يدل عليه تعبيره بقوله [ هركه كافر شود بخداى تعالى ازيس ايمان خويش ومرتد كردد ] ويجوز ان يكون الخبر الآتى خبرا لهما معا

{ الا من } [ مكر كسى كه ]

{ اكره } اجبر على ذلك التلفظ بامر يخاف على نفسه او على عضو من اعضائه وهو استثناء متصل من حكم الغضب والعذاب لان الكفر لغة يعم القول والعقد كالايمان اى لا من كفر باكراه

وقيل منقطع لان الكفر اعتقاد والاكراه على القول دون الاعتقاد . والمعنى لكن المكره على الكفر باللسان

{ وقلبه مطمئن بالايمان } [ ارميده باشد ] بالايمان حال من المستنثى اى والحال ان قلبه مطمئن بالايمان لم تتغير عقيدته وفيه دليل على ان الايمان المنجى المعتبر عند اللّه هو التصديق بالقلب

{ ولكن من } لم يكن كذلك بل

{ شرح بالكفر صدرا } اى اعتقده وطاب به نفسا . وبالفارسية [ وليكن هركس كه بكشايد بكفر سينه را ]

{ فعليهم غضب } عظيم

{ من اللّه } فى الحديث ( ان غضب اللّه هو النار )

{ ولهم عذاب عظيم } العذاب والعقاب الايجاع الشديد وتقديم الظرف فيهما للاختصاص والدلالة على انهم احقاء بغضب اللّه وعذابه العظيم لاختصاصهم بعظم الجرم وهو الارتداد.

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما نزلت الآية فى عمار رضى اللّه عنه وذلك ان كفار قريش اخذوه وابويه ياسر وسمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما فعذبوهم ليرتدوا فابى ابواه فربطوا سمية بين بعيرين ووجئ اى ضرب بحربة فى قبلها وقالوا انما اسلمت من أجل الرجال والتعشق بهم فقتلوها وقتلوا ياسرا وهما اول قتيلين فى الاسلام

واما عمار فكان ضعيف البدن فلم يطق لعذابهم فاعطاهم بلسانه ما اكرهوه عليه وهو سب النبى صلّى اللّه عليه وسلّم وذكر الأصنام بخير فقالوا يا رسول اللّه ان عمارا كفر فقال عليه الصلاة والسلام ( كلا ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه ) فأتى عمار رسول اللّه وهو يبكى فجعل رسول اللّه يسمح عينيه وقال ( مالك ان عادوا لك فعدلهم بما قلت ) وهو دليل عى جواز التكلم بكلمة الكفر عند الاكراه الملجئ وان كان الافضل اين جتنب عنه ويصبر على الاذى والقتل كا فعله ابواه كما روى ان مسيلمة الكذاب اخذ رجلين فقال لاحدهما ما تقول فى محمد قال رسول اللّه قال فما تقول فىّ قال فانت ايضا فخلاه وقال للآخر ما تقول فى محمد قال رسول اللّه قال فما تقول فى قال انا اصم فاعاد ثلاثا فاعاد جوابه فقتله فبلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال

اما الاول فقد اخذ برخصة اللّه

واما الثانى فقد صدع بالحق فهنيئا له وفى الحديث

( افضل الجهاد كلمة العدل عن سلطان جائر ) وانما كان افضل الجهاد لان من جاهد العدو وكان مترددا بين خوف ورجاء ولا يدرى هل يغلب او يغلب وصاحب السلطان مقهور فى يده فهو اذا قال الحق وامره بالمعروف فقد تعرض للتلف فصار ذلك افضل انواع الجهاد من اجل غلبة الخوف كذا فى ابكار الافكار فى مشكل الاخبار.

١٠٧

{ ذلك } الكفر بعد الايمان

{ بانهم } اى بسبب انهم

{ استحبوا } [ دوست داشتند وبركزيدند ] فتعدية الاستحباب بعلى لتضمنه معنى الايثار

{ الحيوة الدنيا } [ زندكانى دنيارا ]

{ على الآخرة } [ بر نعيم آخرت ]

{ وان اللّه } [ وديكر بجهت آنت كه خدى تعالى ]

{ لا يهدى } الى الايمان والى ما يوجب الثبات عليه هداية قسر والجاء

{ القوم الكافرين } فى علمه المحيط فلا يعصمهم من الزيغ وما يؤدى اليه من الغضب والعذاب العظيم ولولا احد الامرين اما ايثار الحياة الدنيا على الآخرة

واما عدم هداية اللّه سبحانه للكافرين هداية قسر بان آثروا الآخرة على الحياة الدنيا او بان هداهم اللّه تعالى هداية قسر لما كان ذلك لكن الثانى مخالف للحكمة والاولى مما لا يدخل تحت الوقوع واليه اشير بقوله تعالى

١٠٨

{ اولئك } الموصوفون بما ذكر من القبائح

{ الذين طبع اللّه } [ مهر نهاد خدى تعالى ]

{ على قلوبهم } [ بر دلها ايشان تا قول حق درنيا فتند ] { وسعهم } [ وبر كوشهاى ايشان تاسخن حق نشوند ]

{ وابصارهم } [ وبر ديدهاى ايشان تا آثار قدرت حق نديدند ]

{ واولئك هم الغافلون } اى الكاملون فى الغفلة اعظم من الغفلة عن تدبر العواقب.

١٠٩

{ لا جرم أنهم } [ حقا كه دران هيج شك نيست كه ايشان ]

{ فى الآخرة هم الخاسرون } اذا ضيعوا اعمارهم وصرفوها الى العذاب المخلد . وبالفارسية [ دران سراى ديكر ايشانند زيان زد كان جه سر مايه عمر ضايع كرده دربازار دنيى سودى بدست نياوردند ومفلس وار در شهر قيامت جزدست تهى ودل برحسرت وندامت نخواهد بود ] : قال الشيخ سعدى

قيامت كه بازار يمنو نهند ... منازل باعمال نيكو نهند

بضاعت بجندان آنكه آرى برى ... اكر مفلسى شر مسارى برى

كه بازار جند انكه آكندة تر ... نهى دست رادل برا كندة تر

كسى را كه حسن عمل بيشنر ... بدركاه حق منزلت بيشتر

قال فى التأويلات النجمية يعنى اهل الغفلة فى الدنيا هم اهل الخسارة فى الآخرة.

وفى اشارة اخرى وهى ان التغافل بالاعضاء عن العبودية تورث خسر ان القلوب عن مواهب الربوبية انتهى.

قال بعض الاكابر ولا حجاب الجهالة النفس بنفسها وغفلتها عنها فلو ارتفت جهالتها وغفلتها لشاهدت الامر وعاينته كما تشاهد الشمس فى وسط السماء وتعاينها . قال وهب بن منبه خلق ابن آدم ذا غفلة ولوا ذلك ما هنئ عيشه : وفى المثنوى

استن ابن عالم اى جان غفلتست ... هوشيارى ابن جهانرا آفنتست

هوشيارى زان جهانست وجو آن ... غالب آمد بست كردد اين جهان

هوشيارى آفتاب وحرص يخ ... هوشيارى آب واين عالم وسخ

اللهم اجعلنا من اهل اليقظة والانتباه ولا تجعلنا ممن اتخذ الهه هواه وشرفنا بمقامات المكاشفين العارفين واوصلنا الى حقيقة اليقين والتحقيق والتمكين انك انت النصير والمعين.

١١٠

{ ثم ان ربك } قال قتادة ذكر لنا انه لما انزل اللّه تعالى ان اهل مكة لا يقبل منهم الاسلام حتى يهاجروا كتب بها اهل المدينة الى اصحابهم من اهل مكة فلما جاءهم ذلك خرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزل

{ ألم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } فكتبوا بها اليهم فتبايعوا بينهم على ان يخرجوا فان لحقهم المشركون من اهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا أو يلحقوا باللّه فادركهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فانزل اللّه تعالى هذه الآية كذا فى اسباب النزول للواحدى . وثم للدلالة على تباعد رتبة حالهم عن رتبة حالهم التى يفيدها الاستثناء من مجرد الخروج عن حكم الغضب والعذاب بطريق الاشارة لا عن رتبة حال الكفرة كذا فى الارشاد

{ للذين هاجروا } الى دار الاسلام وهم عمار وصهيب وخباب وسالم وبلال ونحوهم . واللام متعلقة بالخبر وهو الفغور على نية التأخير وان الثانية تأكيد للاولى لطول الكلام

{ من بعد ما فتنوا } اى عذبوا على الارتداد واكرهوا على تلفظ كلمة الكفر فتلفظوا بما يرضيهم اى الكفرة مع اطمنائن قلوبهم

{ ثم جاهدوا } فى سبيل اللّه

{ وصبروا } على مشاق الجهاد

{ ان ربك من بعدها } من بعد المهاجرة والجهاد والصبر

{ لغفور } بما فعلوا ن نقبل اى لستور عليهم محاء لام صدر منهم

{ رحيم } منعم عليهم من بعد بالجنة جواء على تلك الافعال الحميدة والخصال المرضية.

واعلم ان المهاجرة مفاعلة من الهجرة وهى الانتقال من ارض الى ارض والمجاهد مفاعلة من الجهد وهو استفراغ الوسع وبذل المجهود وقال فى التعريفات المجاهدة فى اللغة المحاربة وفى الشرع محاربة النفس الامارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها مما هو مطلوب فى الشرع انتهى.

وكل من المهاجرة الصورية والمعنوية وكذا المجاهدة مقبولة مرضية اذ من كان فى ارض لا يقيم فيها شعائر دينه واهلها ظالمون فهاجر منها لدينه ولو شبر وجبت له الجنة ومن فارق موطن النفس والمألوفات وحارب الاعداء الباطنة وجبت له القربة ومرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهدا.

وعن عمر بن الفارض قدس سيره انه حضر جنازة رجل من اولياء اللّه تعالى قال فلما صلنا عليه امتلأ الجو بطيور خضر فجاء طير كبير فابتعله ثم طار فتعجبت فقال لى رجل كان قد نزل من السماء وحضر الصلاة لا تتعجب فان ارواح الشهداء فى حواصل الطيور خضر ترعى فى الجنة اولئك شهداء السيوف

واما شهداء المحبة فاجسادهم ارواح اذ آثار الارواح اللطيفة تسرى الى الاجساد فتحصل اللطافة لها ايضا ولذا لا تبلى اجساد الكمل ولا بد لمن اراد ان يصل الى هذه الرتبة ويحيى حياية ابدية من ان يميت نفسه الامارة ويزكيها عن سفساف الاخلاق ورذائل الاوصاف كالكبر والعجب والرياء والغضب والحسد وحب الماء وحب الجاءه يقال ان الدركات السبع للناس مقابلة هذه الصفات السبع للنفس فالخلاص من هذه الصفات سبب الخلاق من تلك الدركات : قال الشيخ سعدى قدس سره

ترا شهوت وكبر وحرص وحسد ... جوخون درركندو جوجان درجسد

كر اين دشمنان تقويت يا فتند ... سراز حكم ورأى تو بر تافتند

تو بر كره توسنى در كمر ... نكر تانييجد ز حكم توسر

اكر بالهنك از كفت در كسيخت ... تن خويشتن كشت وخون توريخت

ثم ان اللّه تعالى غفور من حيث الافعال يتجلى لاهل التزكية من مرتبة توحيد الافعال وغفور من حيث الصفات يتجلى لهم من مرتبة التوحيد الصفات وعفور من حيث الذات يتجلى لهم من مرتبة تويحد الذات فيستر افاعلهم وصفاتهم وذواتهم وينعم عليهم بآثار افعاله وانوار صفاته واسرار ذاته فيتخلصون من الفانى ويصلون الى الباقى ويجدون ثمرات المجاهدات وهى المشاهدات ونتائج المفارقات وهى المواصلات وعواقب المعاقبات وهى التنعم فى الجنات العاليات والاستراحة الدائمة ف مقامات القربات اللهم اعنا على سلوك سبيل الهجرة والصبر والجهاد واحفظنا من فتنة اهل البغى والفساد انك انت الاهل للاعانة والامداد.

١١١

{ يوم تأتى كل نفس } منصوب باذكر والمراد يوم القيامة

{ تجادل عن نفسها } اضاف النفس الى النفس لانه يقال لعين الشئ نفسه ولنقيضه غيره والنفس جملة الشئ ايضا فالنفس الاولى بمعنى الجملة والثانية بمعنى العين والذات . والمعنى اذكر يا محمد ويا كل من يصلح للخطاب يوم يأتى كل انسان يجادل ويخاصم عن ذاته يسعى فى خلاصه بالاعتذار كقولهم هؤلاء اضلونا وما كنا مشركين لا يهمه شان غيره فيقول نفسى نفسى وذلك حين زفرت جهنم زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل الا جثا على ركبتيه حتى خليل الرحمن عليه السلام وقال رب نفسى اى اريد نجاة نفسى.

قال احمد الدورقى مات رجل من جيراننا شاب فرأيته فى الليل وقد شاب فقلت ما قصتك قال دفن بشر المريسى فى مقبرتنا فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من فى المقبرة وبشر اخذ الفقه عن ابى يوسف القاضى الا انه اشتغل بالكلام وقال بخلق القرآن واضل خلقا كثيرا ببغداد فى زمن المأمون وقطعه عبد العزيز الكتانى وبالجملة كان بشر من جملة شياطين الانس حتى نصبه الشيطان خليفة لمن فى بغداد اذ فعل بالخلق ما فعله الشيطان من الالضلال : قال الحافظ

دام سختست مكر لطف خدايا شود ... ورنه آدم نبرد صرفه زشيطان رجيم

وقال

سزدم جوابر بهمن كه درين جمن بكريم ... طرب آشيان بلبل بنكر كه زاغ دارد

قال فى التأويلات النجمية

{ كل نفس } على قدر بقاء وجودها

{ تجادل عن نفسها } اما دفعا لمضارها او جذبا لمنافعها حتى الانبياء عليهمت السلام يقولون نفسى نفسى الا محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم فان فان عن نفسه باق بربه فانه يقول امتى امتى لانه المغفور من ذنب وجوده المتقدم فى الدنيا والمتأخر فى الآخرة بما فتح له ليلة المعراج اذ واجهه بخطاب السلام عليك ايها النبى ورحمة اللّه وبركاته فنى عن وجوده بالسلام وبقى بوجوده بالرحمة وكان رحمة مهداة ارسل ببركاته الى الناس كافة ولكنه رفع المنزلة من تلك الضيافة خاصة لخواص متابعيه كما قال السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين يعنى الذين صلحوا لبذل الوجود فى طلب المقصود ونيل الجود فما بقى لهم مجادلة عن نفوسهم مع الخلق والخالق كما

قال بعضهم كل الناس يقولون غدا نفسى وانا اقول ربى ربى

{ وتوفى كل نفس } برة او فاجرة اى تعطى وافيا كاملا وبالفارسية [ تمام داده شود هر نفس را ]

{ ما عملت } اى جزاء ما عملت بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب اشعارا بكمال الاتصال بين الاجزية والاعمال وايثار الاظهار على الاضمار للايذان باختلاف وقتى المجادلة والتوفية وان كانتا فى يوم واحد

{ وهم لا يظلمون } لا ينقصون اجورهم ولا يعاقبون بغير موجب ولا يزاد فى عقابهم على ذنوبهم.

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى يخاصم الروح الجسد يقول الروح يا رب لم يكن لى يدا ابطش بها ولا رجل امشى بها ولا عين ابصر بها ويقول الجسد خلقتنى كالخشب ليست لى يد ابطش بها ولا رجل امشى بها ولا عين ابصر بها فجاء هذا كشعاع النور فيه نطق لسانى وابصرت عينى ومشت رجلى قال فيضرب لهما مثلا مثل اعمى ومقعد دخلا حائطا وفيه ثمار فالاعمى لا يبصر الثمار والمقعد لا ينالها فحمل الاعمى المقعد فاصابا من الثمر فعليهما العذاب كذا فى تفسير السمرقندى وفيه اشارة الى ان كل نفس عملت سوأ توفى العذاب بنار الجحيم ونار القطعية وكل نفس عملت خيرا توفى الثواب من نعيم الجنان ولقء الرحمن فلا يعذب اهل النعيم ولا يثاب اهل الجحيم كذا فى التأويلات النجمية.

١١٢

{ وضرب اللّه مثلا قرية } اى قصة اهل قرية كانت فى قرى الاولين وهى ايلة كما فى الكواشى وهى بلد بين ينبع ومصر وضرب المثل صنعه واعماله ولذا قال الكاشفى فى تفسيره [ وبيدا كرد خدا مثلى ] ولا يتعدى الا الى مفعول واحد وانما عدى الى اثنين لتضمينه معنى الجعل وتأخير قرية مع كونها مفعولا اولا لئلا يحول المفعول الثانى بينهما وبين صفتها وما يترتب عليها اذا لتأخير عن الكل مخل بتجاذب اطراف النظم وتجاوبها . والمعنى جعل اهلها مثلا لاهل مكة خاصة او لكل قوم انعم اللّه عليهم فاطرتهم النعمة ففعلوا ما فعلوا فبدل اللّه بنعمتهم نقمة ودخل فيهم اهل مكة دخولا اولياء

{ كانت آمنة } ذات امن من كل مخوف.

قال الكاشفى [ ايمن ازنزول قياصره وقصه جبابره ]

{ مطمئنة } [ ارميده واهل آن آسوده ].

قال فى الكواشى لا ينتقلون عنها الى غيرها لحسنها

{ يأتيها لرزقها } اقوات اهلها صفة ثانية لقرية وتغير سبكها عن الصفة الاولى لما ان اتيان رزقها متجدد وكونها آمنة مطمئنة ثابت مستمر

{ رغدا } وسعا

{ من كل مكان } من نواحيها من البر والبحر

{ فكفرت } اى كفر اهلها

{ بانعم اللّه } اى بنعمه جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وادرع والمراد بهانعمة الرزق والامن المستمر وايثار جمع القلة للايذان بان كفران نعمة قليلة حيث اوجب هذا العذاب فما ظنك كبفران نعم كثيرة - روى - ان اهل ايلة كانوا يستنجون بالخبر كمافى الكواشى.

يقول الفقير الخبز هو الاصل بين النعم الالهية ولذا امر آدم عليه السلام الذى هو اصل البشر بالحراثة فمن كفر به فقد كفر بجميع انعم تعرض لزوالها وكذا الاعتقاد الصحيح الذى عليه اهل السنة والجماعة هو الاساس المبنى عليه قبول الاعمال الصالحة فمن افسد اعتقاده فقد افسد دينه وتعرض لسخط اللّه تعالى

بآب زمزم اكرشست خرقه زاهد شهر ... جه سود ازان جوندارد طهارت ازلى

والمقصود طهارة الوجود والقلب عن لوث الانية والتعلق بغير اللّه تعالى

{ فاذاقها اللّه } اى اذاق اهلها . وبالفارسية [ بس بجشانيد خداى تعالى اهل آنرا ] واصل الذوق بالفم ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختبار كما فى تفسير ابى الليث ( لباس الجوع ) حتى اكلوا ما تغوطوه لان الجزاء من جنس العمل.

قال فى الاسئلة المقحمة فى الجوبة المفحمة كيف سمى الجوع لباسا قيل لانه يظهر من الهزال وشحوب اللون وضيق الحال ما هو كاللباس { والخوف }.

قال فى الارشاد شبه اثر الجوع والخوف وضرهما المحيط بهم باللباس الغاشى للابس فاستعير له اسمه واوقع عليه الاذاقة المستعارة لمطلق الايصال المنبئة عن شدة الاصابة بما فيها من اجتماع ادراك الملامسة والذائقة على نهج التجريد فانها لشيوع استعمالها فى ذلك وكثرة جرياها على الالسنة جرت مجرى الحقيقة

{ بما كانوا يصنعون } فيما قبل من الكفران ثم بين ان ما فعلوه من كفران النعم لم يكن مزاحمة منهم لقضية العقل.

فقط بل كان ذلك معارضة لحجة اللّه على الخلق ايضا فقال

١١٣

{ لقد جاءهم } اى اهل تلك القرية

{ رسول منهم } اى من جنسهم يعرفونه باصله ونسبه فاخبرهم بوجوب الشكر على النعمة وانذرهم سوء عاقبة الكفران

{ فكذبوه } فى رسالته

{ فاخذهم العذاب } المستأصل غب ما ذاقوا نبذة من ذلك

{ وهم ظالمون } حال كونهم ظالمين بالكفران والتكذيب حيث جلعوا الاول موضع الشكر والثانى موضع التصديق وترتيب العذاب على التكذيب جرى على سنة اللّه تعالى كما قال

{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } قال ابن عباس رضى اللّه عنهما هذا المثل لاهل مكة فانهم كانوا فى حرم آمن ويتخطف الناس من حولهم وما يمر ببالهم طيف من الخوف وكانت تجيى اليه ثمرات كل شئ ولقد جاءهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله ( اللهم اعنى عليهم بسبع كسبع يوسف ) ما اصابهم من القحط والجدب حتى اكلوا الجيف والكلاب الميتة والجلود والعظام المحرقة والعلهز وهو الوبر والدم اى يخلط الدم باوبار الابل ويشوى على الناس وصار الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كالدخان من الجوع . قد ضاقت عليهم الارض بما رحبت من سرايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد الهجرة حيث كانوا يغيرون على مواشيهم وعيرهم وقوافلهم فوقعوا فى خوف عظيم من اهل الاسلام حتى تركوا سفر التام والتردد اليه ثم اخذهم يوم بدر ما اخذهم من العذاب.

وفى الآية اشارة الى ان النفس الامارة بالسوء اذا كفرت فى قرية شخص الانسان بنعم الطاعات والتوفيق واتبعت هواها وتمتعت بشهواتها ابتليت بانقطاع ميرة الحق واكل يفة الدنيا وميتة المستلذات وخوف العذاب بسوء صنيعها فلا بد للسالك ان يقتفى اثر رسول الخاطر الذميمة المستتبعة للآثار القبيحة وقد بعث النبى صلّى اللّه عليه وسلّم لاتمام الاخلاق الحميدة على وفق الشريعة كما قال ( بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) والمكارم جمع مكرمة كالمصالح جميع مصلحة واضافته الى الاخلاق من قبيل اضافة الصفة الى الموصوف اى بعثت لاتمام الاخلاق الكريمة والشيم الجنة وذلك ان الانبياء عليهم السلام كل واحد منهم مبعوث لسر وحكمة الهية راجعة الى تكميل البشر وتحسين اخلاقهم ونبينا عليه السلام مبعوث لتتميم تلك الاخلاق الكريمة وتكميلها على وجه التفصيل ولهذا جاء بشرع جامع لجميع جهات الحسن وهذا سر قوله ( لا نبى بعدى ) فمن ادعى نبيا بعده جهل بقدره وقدر علماء امته كما لا يخفى.

١١٤

{ فكلوا مما رزقكم اللّه } اى واذ قد استبان لكم يا اهل مكة حال من كفر بانعم اللّه وكذب رسوله وما حل بهم بسبب ذلك من اللتي التى اولا وآخرا فانتهوا عما انتم عليه من كفران النعم وتكذيب الرسول كيلا يحل بكم مثل ما احل بهم واعرفوا حق نعم اللّه واطيعوا رسوله فى امره ونهيه كلوا منرزق اللّه من الحرث والانعمام وغيرهما حال كونه

{ حلالا طيبا } اى لذيذا تستطيبه النفوس وذروا ما تفترون من تحريم البحائر ونحوها فحلالا حال من ما رزقكم اللّه ويجوز ان كيون مفعولا كلوا.

وفيه اشارة الى ان انوار الشريعة واسرار الحقيقة رزق معنوى للعاشق الصادق وما قبلته الشريعة والحقيقة فهو حلال طيب وما ردته فهو حرام خبيث ولذا قيل.

علم دين فقهست وتفسير وحديث ... هركه خواند غيرازين كردد خبيث

اى العلم المقبول النافع هذه العلوم وما شهدت هى له بالقبول من الظاهر والبواطن

{ واشكروا نعمة اللّه } واعرفوا حقها ولا تقابلوها بالكفران والفناء فى المعنى داخلة على الامر بالشرك وانما دخلت على الامر بالاكل لكون الاكل ذريعة الى الشكر فكأنه قيل فاشكروا نعمة اللّه غب اكلها حلالا طيبا.

١١٥

{ انما حرم عليكم الميتة } اى اكلها وهى ما تلحقه الذكاة . وبالفارسية [ مردار ] فاللحم القديد المجلوب الى الروم من افلاق حرام لانهم انما يضربون رأس البقر بالمقمعة ولا يذكون

{ والدم } المسفوح اى المصبوب من العروق

واما المختلفط باللحم فمعفوا والاولى غسله

{ ولحم الخنزير وما اهل لغير اللّه به } اى رفع الصوت للصنم به وذلك قول اهل الجاهلية باللات والعزى اى انما حرم هذه الاشياء دون ما تزعمون حرمته من البحائر والسوائب ونحوهما وتنحصر المحرمات فيها الا ما ضمه اليها دليل كالسباع والحمر الاهلية - روى - انه عليه السلام نهى عن اكل ذى مخلب من الطيور وكل ذى ناب من السباع - روى - خالد بن الوليد رضى اللّه عنه انه عليه السلام نهى عن لحوم الخيل والبغال والحمير.

وفيه حجة لابى حنيفة على صاحبيه فى تحليلهما اكل لحوم الخيل وما روياه عن جابر رضى اللّه عنه انه قال نهى النبى عليه السلام عن لحوم الحمر الاهلية واذن فى حلم الخيل معارض لحديث خالد والترجيح للمحرم كذا فى حواشى الفاضل سنان جلبى.

والاشارة ان الميتة جيفة الدنيا والحيوان هى الدار الآخرة ولو لم يكن للآخرة حباة لكانت جيفة [ جيفهرا برى مرد كيش جيفه كويند نى براى بوى زشت وصورت قبيحة ] فارعف : وفى المثنوى

آن جهان جون ذره ذره زنده اند ... نكته دانند وسخن كوينده اند

ر جهان مرده شان آرام نيست ... كين علف جز لائق انعام نيست

هر كرا كلشن بود بزم وطن ... كى خورد او باده اندر كولخن

جاى روح باك عليين بود ... كرم باشد كش وطن سركين بود

وان الدم شهوات الدنيا . ولحم الخنزير الغيبة والحسد والظلم . وما اهل لغير اللّه به مباشرة كل عمل مباح لاللّه وللتقرب اليه بل لهوى النفس وطلب حظوظها كما فى التأويلات النجمية

{ فمن اضطر } الاضطرار الاحتياج الى الشئ واضطراه اليه احوجه والجأه فاضطر بضم الطاء والضرورة الحاجة.

قال الكاشفى [ بس هركه بيجاره شود ومحتاج كردد بخوردن يكى از محرمات ] فتناول شيأ من ذلك حال كونه

{ غير باغ } اى على مضطر آخر بالاستئثار عليه فان هلاك الآخر ليس باولى من هلاكه فهو حال من فعل مقدر كما اشير اليه . والباغى من البغى يقال بغى عليه بغيا علا وظلم

{ ولا عاد } اى متجاوز قدر الضوررة وسد الجوع يقال عدا الامر وعنه جاوزه

{ فان اللّه غفور رحيم } اى لا يؤاخذه بذلك فاقيم سببه مقامه.

قال فى التأويلات النجمية

{ فمن اضطر } الى نوع منها مثل طلب القوت بالكسب الحلال او التأهل للتوالد والتناسل او الاختلاط مع الخلق للمناصحة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك من ابواب البرغير معرض عن طلب الحق ولا مجاوز عن حد الطريقة

{ فان اللّه غفور } لما اضطروا اليه

{ رحيم } على الطالبين بان يبلغهم مقاصدهم.

واعلم ان مواضع الضرورة مستثناة ولذا قال فى التهذيب يجوز للعليل شرب البول والدم للتداوى اذا اخبره طبيب مسلم ان شفاءه فيه ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه . واجاز بعضهم استشارة اهل الكفر فى الطب اذا كانوا من اهله كما فى انسان العيون . والاولى التجنب عنه لان المؤمن ولى اللّه والكافر عدو اللّه ولا خير لولى من عدو اللّه فلا بد للمريض من المراجعة الى المجانس واهل الوقوف والتجربة : قال الصائب :

بى دردان علاج دردخون جستن بآن ماند ... كه خار از بابرون آردكسى بانيش عقربها

وفى الاشباه يرخص للمريض التداوى بالنجاسات وبالخمر على احد القولين واخترا قاضيخان عدمه واسغة اللقمة بها اذا غص اتفاقا واباحة النظر للطبيب حتى للعورة والسوءتين انتهى.

قال الفقيه ابو الليث رحمه اللّه يستحب للرجل ان يعرف من الطب مقدار ما يمتنع به عما يضر ببدنه انتهى.

- روى - عن على كرم اللّه وجهه انه قال لحم البقر داء ولبنها شفاء وسمنها دواء وقد صح عن النبى عليه السلام انه ضحى عن نسائه بالبقر.

قال الحليمى هذا ليبس الحجاز ويبوسه لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاص ذلك به وهذا التأويل مستحسن والا فالنبى عليه السلام لا يتقرب الى اللّه تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر كما قال ( عليكم بألبان البقر وسمنانها واياكم ولحومها فان ألبانها وزمنائها دواء وشفاء ولحومها داء ) لتلك اليبوسة . وجوبا آخر انه ضحى بالبقر ليبان الجواز او لعدم تيسر غيره كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى.

١١٦

{ ولا تقولوا } يا اهل مكة

{ لما تصف ألسنتكم } ما موصولة واللام صلة لا تقولوا مثل ما فى قوله تعالى

{ ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل اللّه اموات } اى لا تقولوا فى شأن ما تصف ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة فى قولكم ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا من غير ترتيب ذلك الوصف على ملاحة وفكر فضلا عن استناده الى وحى او قياس مبنى عليه

{ الكذب } ينتصب بلا تقولوا على انه مفعول به وقوله تعالى

{ هذا حلال وهذا حرام } بدل منه فالمعنى لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لما تصفه ألسنتكم بالحل والحرمة فقدم عليه كونه كذبا وابدل منه هذا حلال وهذا حرام مبالغة والللام صلة مثل ما يقال لا تقل للنبيذ انه حرام اى فى شأنه وذلك لاختصاص القول بانه فى شأنه.

وفيه ايماء الى ان ذلك مجرد وصف باللسان الم عليه عقد كذا فى حوشى سعدى المفتى.

ويقال فى الآية تنبيه للقضاءة والمفتين كيلا يقولوا قولا بغير حجة وبيان كما فى تفسير ابى الليث

{ لتفتروا على اللّه الكذب } فان مدار الحل والحرمة ليس الا امر اللّه فالحكم بالحل والحرمة اسناد للتحليل والتحريم الى اللّه من غيران يكون ذلك منه . واللام لام العاقبة لا الغرض لان الافتراء لم يكن غرضا لهم.

وفى الآية اشارة الى ما تقولت النفوس بالحسبان والغرور الناقد بلغنا الى مقام يكون علينا بعض المحرمات الشرعية حلالا وبعض المحللات حراما فيفترون على اللّه الكذب انه اعطانا هذا المقام كما هو من عادة اهل الاباحة كذا فى التأويلات النجمية

{ ان الذين يفترون على اللّه الكذب } فى امر من الامور

{ لا يفلحون } لا يفوزون بمطالبهم التى ارتكبوا الافتراء للفوز بها

١١٧

{ متاع قليل } خبر مبتدأ محذوف اى منفعتهم فيما هم عليه من افعال الجاهلية منفعة قليلة تنقطع عن قريب

{ ولهم } فى الآخرة

{ عذاب اليم } لا يكثنه كنهم.

١١٨

{ وعلى الذين هادوا } يعنى على اليهود خاصة دون غيرهم من الاولين والآخرين

{ حرمنا ما قصصنا عليك } اى بقوله

{ حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحوا مهما } الآية

{ من قبل } اى من قبل نزول الآية فهو متعلق بقصصنا او من قبل التحريم على هذه الامة فهو متعلق بحرمنا وهو تحقيق لما سلف من حصر المحرمات فيما فصل بابطال ما يخالفه من فرية اليهود وتكذيبهم فى ذلك فانهم كانوا يقولون لسنا اول من حرمت عليه وانما كانت محرمة على نوح وابراهيم ومن بعدها حتى انتهى الامر الينا

{ وما ظلمناهم } بذلك التحريم

{ ولكن كانوا انفسهم يظلمون } حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه حسبنا نعى عليه فى قوله تعالى

{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم } الآية ولقد القمهم الحجر قوله تعالى

{ كل الطعام كان حلا لبنى اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة قل فائتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين } - روى - انه صلّى اللّه عليه وسلّم لما قال لهم ذلك بهتو او لم يجرأوا ان يخرجوا التوراة كيف وقد بين ان تحريم ما حرم عليهم من الطيبات لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديد اوضح وقد بين فيها ان تحريم ما حرم عليهم من الطيبات لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديدا اوضح بيان.

وفيه تنبيه على الفرق بينهم وبي غيرهم فى التحريم.

١١٩

{ ثم ان ربك للذين عملوا السوء بجهالة } [ بسبب غفلت ونادانى وعدم تفكر در عواقب امور ].

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما كل من يعمل سوأ فهو جاهل وان كان يعمل ان ركوبه سيئة . والسوء يحتمل الافتراء على اللّه وغيره . واللام متعلقة بالخير وهو لغفور وان الثانية تكرير على سبيل التأكيد لطول الكلام ووقوع الفصل كمامر فى قوله تعالى

{ ثم ان ربك للذين هاجروا } الآية

{ ثم تابوا من بعد ذلك } اى من بعدما عملوا السوء والتصريح به مع دلالة ثم عليه للتأكيد والمبالغة

{ وأصلحوا } اعمالهم او دخلوا فى الصلاح

{ ان ربك من بعدها } من بعد التوبة كقوله

{ اعدلوا هو اقرب للتقوى } فى ان الضمير عائد الى مصدر الفعل.

قال سعدى المفتى لم يذكر الاصلاح لانه تكميل التوبة فانها الندم على المعصية من حيث انها معصية مع عزم ان لا يعود فعدم العود والاصلاح تحقيق لذلك العزم

{ لغفور } لذلك السوء اى ستور له محاء

{ رحيم } يثبت على طاعته تركا وفعلا وتكرير قوله تعالى ان ربك لتأكيد الوعد واظهار كمال العناية بانجازه.

فعلى العاقل ان يرجع عن الاعراض عن اللّه ويقبل عليه بصدق الطلب واخلاص العمل والتوبة بمنلزة الصابون فكما ان الصابون يزيل الاوساخ الظاهرة فكذلك التوبة تزيل الاوساخ الباطنة اعنى الذنوب وفى المثنوى

كرسيه كردى تونامه عمر خويش ... توبه كن زانها كه كردستى توبيش

عمر اكر بكذشت بيخش اين دم است ... آب تو ب اش ده اكر اوبى نم است

بيخ عرمت را بده آب حيات ... تار درخت عمر كردد باثبات

جمله ماضيها ازين نيكو شوند ... زهر بارينه ازاين كردد جوقند

واعلم ان توبة العوام من السيآت وتوبة الخواص من الزلات والغفلان وتوبة الاكابر من رؤية الحسنات والالتفات الى الطاعات لا تركها والعبد اذا رجع عن السيئة واصلح عمله اصلح اللّه شأنه وافضل الاعمال خلاف هوى النفس والذكر بلا اله الا اللّه وفى الحديث ( ان لله عمودا من ياقوت احمر رأسه تحت العرض واسفله على ظهر الحوت فى الارض السفلى فاذا قال العبد لا اله اله اللّه محمد رسول اللّه عن نية صادقة اهتز العرش فتحرك الحوت والعمود فيقول اللّه تعالى أسكن يا عرشى فيقول العرش كيف اسكن وانت لا تغفر لقائلها فيقول اللّه تعالى اشهدوا يا سكان سمواتى انى قد غفرت لقائلها الذنوب صغيرها وكبيرها سرها وعلانيتها ) فبذكر اللّه تعالى يتخلص العبد من الذنوب وبه تحصل تزكية النفس وتصفية القلوب

١٢٠

{ ان ابراهيم كان امة } على حدة لحازته من الفضائل البشرية ما لا يكاد يوجد الا متفرقا فى امة جمة كما قيل

ليس على اللّه بمستنكر ... ان يجمع العالم فى واحد

جاناتو يكانه ولى ذات توهست ... مجموعة آثار كمالات همه

وفى الحديث ( حسين سبط من الاسباط ) كما فى المصابيح معنى انه من الامم يقوم وحده مقامها او بمعنى انه يتشعب منه الفروع الكثيرة اذا السادات من نسل زين العابدين بن الحسين رضى اللّه عنهما . فلا دلالة فى الحديث على نبوة الحسين كما ادعاه بعض المفترين فى زماننا هذا نعوذ باللّه ومن قال بعد نبينا نبى يكفر كما فى بحر الكلام . ويقال امة بمعنى مأموم اى يؤمه الناس ويقصودنه ليأخذوا منه الخير ومعلم الخير امام فى الدين وهو عليه السلام رئيس اهل التوحيد وقدوة اصحاب التحقيق جادل اهل الشرك وألقمهم الحجر بينات باهرة وابطل مذاهبهم بابراهيم القاطعة

{ قانتا لله } مطيعا له قائما بامره

{ حنيفا } مائلا عن كل دين باطل الى الدين الحق

{ ولم يك من المشركين } فى امر من امور دينهم اصلا وفرعا . وفيه رد على كفار قريش فى قولهم نحن على ملة ابراهيم.

١٢١

{ شاكرا لأنعمه } جمع نعمة صفة ثالثة لامة - روى - انه كان لا يأكل الا مع ضيف ولم يجد ذات يوم ضيفا فاخر غداءه فجاءه فوج من الملائكة فى زى البشر فقدم لهم الطعام فخيلوا اليه ان بهم جذا فما قال الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على ان عافانى وابتلاكم ويقال انه اراد الضيافة لامة محمد صم دعا اللّه لاجلها وقال انى عاجزت وانت قادر على كل شئ فجاء جبريل فاتى بكف من كافور الجنة فاخذ ابراهيم فصعد الى جبل ابى قبيس ونثره فاوصله اللّه الى جميع اقطار الدنيا فحيثما سقطت ذرة من ذراته كان معدن الملح فصار الملح ضيافة ابراهيم عليه السلام : قال الشيخ سعدى قدس سره

خور وبوش بخشاى وراحت رسان ... نكه مى جه دارى زبهر كسان

غم شادمانى نماند وليك ... جزاى عمل ما ند ونام نيك

{ اجتباه } اختاره للنبوة

{ وهديه الى صراط مستقيم } موصل اليه وهو ملة الاسلام المشتمل على التسليم وقد اوتى تسليما أى تسليم

١٢٢

}وآتيناه فى الدنيا حسنة{ حالة حسنة من الذكر الجميل والثناء فيما بين الناس قاطبة والاولاد الابرار والعمر الطويل فى السعة والطاعة وان حضرة الرسالة صلّى اللّه عليه وسلّم من نسله وان الصلاة عليه مقرونة بصلاة النبى عليه السلام كما يقول المصلى من هذه الامة كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم

{ وانه فى الآخرة لمن الصالحين } اصحاب الدرجات العالية فى الجنة وهم الانبياء عليهم السلام فالمراد الكاملون فى الصلاح والواصلون الى غاية الكامل.

١٢٣

{ ثم اوحينا اليك } مع علو طبقتك وسمو رتبتك وما فى ثم من التراخى فى الرتبة للتنبيه على ان اجل ما اوتى ابراهيم اتابع الرسول ملته

{ ان اتبع ملة ابراهيم } الملة اسم لما شرعه اللّه لعباده على لسان الانبياء من امللت الكتاب اذا مليته وهى الدين بعينه لكن باعتبار الطاعة له والمراد بملته الاسلام المعبر عنه بالصراط المستقيم

{ حنيفا } حال من المضاف اليه لما ان المضاف لشدة اصتاله به جرى منه مجرى البعض فعد بذلك من قبيل رأيت وجه هند قائمة

{ وما كان من المشركين } بل كان قدوة الموحدين وهو تكرير لما سبق لزيادة تأكيد وتقرير لنزاهته عما هم عليه من عقد وعمل.

قال العلماء المأمون به الاتباع فى الاصول دون الفروع والمتبدلة بتبدل الاعصار واتباه له بسبب كونه مبعوثاً بعده والا فهو اكرم الاولين والآخرين على اللّه.

تواصل وباقى طفيل تواند ... توشاهى ومجموع خيل تواند

وكان صلّى اللّه عليه وسلّم على دين قومه قبل النبوة اى على ما بقى فيهم من ارث ابراهيم واسماعيل عليهما السلام فى حجهم ومناسكهم وبيوعهم واساليبهم

واما التوحيد فانهم كانوا قد بدلوه والنبى عليه السلام لم يكن الا عليه.

قال فى التأويلات النجمية لما سلك النبى صلّى اللّه عليه وسلّم طريق متابعته واسلم وجهه لله ليذهب الى اللّه كام ذهب ابراهيم وقال انى ذاهب الى ربى نودى فى سره ان ابراهيم كان خليلنا وانت حبيبنا فالفرق بينكما ان الخليل لو كان ذاهبا يمشى بنفسه فالحبيب يكون راكبا اسرى به فلما بلغ سدرة المنتهى وجد مقام الخليل عندها فقيل له ان السدرة مقام الخليل لو رضيت بها لنزينها لك اذ يغشى السدرة ما يغشى ولعلو همته الحبيبة ما زاغ البصر بانظر اليها وما طغى باتخاذ المنزل عندها ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى وهو مقام الحبيب فبقى مع بلا هو فى خلوة لى مع اللّه وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب وهو جبريل ولا نبى مرسل وهو هويته عليه السلام لما جاوز حد لمتابعة صار متبوعا فان كان صلّى اللّه عليه وسلّم فى الدنيا محتاجا الى متابعة الخليل فالخليل يكون فى الآخرة محتاجا الى شفاعته كما قال ( الناس محتاجون الى شفاعتى يوم القيامة حتى ابراهيم ) انتهى.

ما فى التأويلات . ثم الآية تدل على شرف المتابعة فان الحبيب مع شرفه العظيم اذا كان مأمورا بالمتابعة فما ظنك بغيره من افراد الامة ففى المتابعة وصحبة الاخيار والصلحاء شرف وسعادة عظمى ألا يرى ان عشرة من الحيوانات من اهل الجنة بشرف القرين كناقة صالح وكبش اسماعيل ونملة سليمان وكلب اصحاب الكهف ولله در ما قال

سك اصحاب كهف روزى جند ... بى مردم كرفت ومردم شد

وعن النبى عليه السلام ( ان رجلا يبقى متحيرا من الافلاس فيقول اللّه يا عبدى أتعرف العبد الفلانى او العارف الفلانى فيقول نعم فيقول اللّه فاذهب فانى قد وهبتك له )

وعن الشيخ بهاء الدين ان خادم الشيخ ابى يزيد البسطامى قدس سره كان رجلا مغربيا فجرى الحديث عنده فى سؤال منكر ونكير فقال المغربى واللّه لا يسألانى لاقولن لهما فقالوا له ومن يعلم ذلك فقال اقعدوا على قبرى حتى سمعونى فلم انتقل المغربى جلسوا على قبره فسمعوا المسألة وسمعوه يقول أتسألوننى وقد حملت قروة ابى يزيد على عنقى فمضوا وتركوه.

١٢٤

{ انما جعل السبت } اى فرض تعظيم يوم السبت والتخلى فيه للعبادة وترك الصد فيه فتعدية جعل بعلى لتضمينه معنى فرض ايام الاسبوع وفيه فرغ اللّه من خلق السموات والارض او لان اليهود يستريحون فيه من الاشغال الدنيوية ويقال اسبتت اليهود اذا عظمت سبتها وكان اليهود يدعون ان السبت من شعائر الاسلام وان ابراهيم كان محافظا عليه اى ليس السبت من شعائر ابراهيم وشعائر ملته التى امرت يا محمد باتباعها حتى يكون بينه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين بعض المشركين علاقة فى الجملة وانما شرع ذلك لبنى اسرائيل بعد مدة طويلة.

قال الكاشفى [ در زاد المسير أورده كه آن روز حضرت موسى عليه السلام يكى را ديدكه متعاى را برداشته بجايى ميبرد بفرمود تاكردنش بزدند وتنش را در محلى بيفكندندكه مرغان مردار خوار جهل روز اجرا واحشاى اومى خوردند ] وذلك لهتك حرمة شريعته بمثل ذلك العمل

كرا شرع فتوى دهد برهلاك ... الا تاندارى زكشتنش باك

{ على الذين اختلفوا فيه } منشأ الاختلاف هو الطرف المخالف للحق وذلك ان موسى عليه السلام امر اليهود ان يجعلوا فى الاسبوع يوما واحدا للعبادة وان يكون ذلك يوم الجمعة فابوا عليه وقالوا نريد اليوم الذى فرغ اللّه فيه من خلق السموات والارض وهو السبت الا شر ذمة منهم قد رضوا بالجمعة فاذن اللّه لهم فى السبت وابتلاهم بتحريم الصيد فيه فاطاع امر اللّه تعالى الرضوان بالجمعة فكانوا لا يصيدون

واما غيرهم فلم يصبروا عن الصيد فمسخهم اللّه قردة دون اولئك المطيعين.

يقول الفقير اما الفرقة الموافقة فنجوا لانقيادهم لامر اللّه تعالى وفناء باطنهم عن الارادة التى لم تنبعث من اللّه تعالى

واما الفرقة المخالفة فهلكوا لمخالفتهم لامر اللّه تعالى وبقائهم بنفوسهم الامارة ولا شك ان من اجبر وفق ومن تحرك بارادته وكل الى نفسه

{ وان ربك ليحكم بينهم } اى بين الفريقين المختلفين فيه

{ يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } اى يفصل ما بينهما من الاختلاف فيجازى الموافق بالثواب والمخالف بالعقاب وفيه ايماء الى ان ما وقع فى الدنيا من مسخ احد الفريقين وانجاء الآخر بالنسبة الى ما سيقع فى الآخرة شئ لا يعتد به وفى الحديث ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة اوتينا من بعدهم ) يعنى يوم الجمعة فهذا يومهم الذى فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا اللّه له فلنا اليوم ولليهود غدا وللنصارى بعد غد.

وفى الآية اشارة الى ان الاختلاف فيما ارشد اللّه به الناس الى الصراط المستقيم من الاوامر والنواهى لاستحلال بعضها وتحريم بعضها ابتداعا منهم على وفق الطبع والهوى وان كان التشديد فيه على انفسهم يكون وبالا عليهم وضلالا وترك الابتداع كما قال صلى اللّه عليه وسلم

( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى وعضوا عليها بالنواجذ واياكم محدثات الأمور فان كل يدعه فضلالة )

وجاء رجل للشيخ ابى محمد عبد السلام بن يشيش قدس سره فقال يا سيدى وظف علىّ وظائف وورادا فغضب الشيخ وقال أرسول انا فاوجب الواجبات الفرائض معلومة والمعاصى مشهورة فكن للفرائض حافظا وللمعاصى رافضا واحفظ قلبك من ارادة الدنيا وقانع من ذلك كله بما قسم لك فاذا خرج لك مخرج الرضى فكن لله فيه شاكر واذا خرج لك مخرج السخط فكن عليه صابرا وفى قوله تعالى

{ وان ربك ليحكم } الآية اشارة الى الن اللّه تعالى يحكم بعد له بين اهل السنة واهل البدع فيقول هؤلاء فى الجنة بفضلى ولا ابالى وهؤلاء فى النار بعدى ولا ابالى واهل البدعة ثنثان وسبعون فرقة من اهل الظواهر وادى عشرة فرقة مناهل البواطن كلهم على خلاف الحق من حيث الاعتقاد وكلهم فى النار والفرقة الناجية من المتصوفة وغيرهم هم الموافقون للكتاب والسنة عقدا وعملا نسأل اللّه تعالى ان يحفظنا من الزيغ والضلال ولا بد من اخ ناصح فى الدين كامل فى طريق اليقين مرشد الى الحق المتين قال الحافظ قدس سره.

قطع اين مرحله بى همرهى خضر مكن ... ظلم تست بترس از خطر كمراهى

١٢٥

{ ادع } الناس يا افضل الرسل من سبيل الشيطان

{ الى سبيل ربك } وهو الاسلام الموصل الى الحنة والزلفى.

قال حضرة الشيخ العطار قدس سره

نورا او جون اصل موجودات بود ... ذات او جون معطى هرذات بود

واجب آمد دعوة هر دوجهانش ... دعوت ذرات بيدا ونهانش

واعلم ان كل عين من الاعيان الموجودة مستند الى اسم من الاسماء الالهية واصل من طريق ذلك الاسم الى اللّه الذى له احدية جميع الاسماء.

لا يقال فما فائدة الدعوة حينئذ.

لانا نقول الدعوة من المضل الى الهادى ومن الجائر الى العدل

{ بالحكمة } بالحجة القطعية المفيدة للعقائد الحقة المزيحة لشبهة من دعى اليها فهى لدعوة خواص الامة الطالبين للحائق

{ والموعظة الحسنة } اى الدلائل الاقناعية والحكايات النافعة فهى لدعوة عوامهم . يقال وعظه يعظه وعظا وعظة وموعظة ذكره ما يلين قلبه من الثواب والعقاب فاتعظ كما فى القاموس

{ وجادلهم بالتى هى احسن } اى ناظر معانديهم بالطريقة التى هى احسن طريق المناظرة والمجادلة من الرفق واللين واختيار الوجه الايسر واستعمال المقدمات المشهورة تسكينا لشغبهم واطفاء للهبهم كما فعله الخليل عليه السام . والآية دليل على ان المناظرة والمجادلة فى العلم جائزة اذا قصد بها اظهار الحق.

قال الشيخ السمرقندى فى تفسيره فى هذه الآية تنبيه على المدعو الى الحق فرق ثلاث . فان المدعو الى اللّه بالحكمة قوم وهم الخواص . وبالموعظة قوم وهم العوام . وبالمجادلة قوم وهم اهل الجدال وهم طائفة ذووا كياسة تميزوا بها عن العوام ولكنها ناقصة مدنسة بصفات رديئة من خبث وعناد وتعصب ولجاج وتقليد ضال تمنعهم عن ادراك الحق وتهلكهم فان الكياسة الناقصة شر من البلاهة بكثير الم تسمع ان اكثر اهل الجنة البله فليستعمل كل منها مع يناسبها فانه لو استعمل الحكمة للعوام لم يفد شيأ حيث لم يفهموها لسوء بلادتهم وعدم فطنتهم

نكته كفتن بيش كزفهمان زحكمت بى كمان ... جوهرى جنداز جواهر ريختن بيش خراست

وفى المثنوى

كى توان باشيعه كفتن از عمر ... كى توان بربط زدن دربيش كر

وان استعمل الجدال مع اهل الحكمة تنفرو منه تنفر الرجل من الارضاع بلبن الطفل.

وفى التأويلات النجمية قوله

{ ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } اشارة الى ان دعاء العوام الى سبيل ربك وهو الجنة بالحكمة وهو الخوف والرجاء لانهم يدعون ربهم خوفا من النار وطمعا فى الجنة والموعظة الحسنة هى الرفق والمداراة ولين الكلام والتعريض دون التصريح وفى الخلا دون الملا فان النصح على الملا تقريع

كر نصيحت كنى بخلوت كن ... كه جزا اين شيوه نصيحت نيست

هر نصيحت كه بر ملا باشد ... آن نصيحت بجز فضيحت نيست

ودعاء الخواص الى اللّه بالحكمة والموعظزة الحصنة وهى ان تحبب اللّه اليهم وتوفر دواعيهم فى الطلب وترشدهم وتهديهم الى صراط اللّه وتسلكهم فيه وتكون لهم دليلا وسراجا منيرا الى ان يصلوا فى متابعتك وتزكيتك ايهاهم الى مراتب المقربيت

{ وجادلهم بالتى هى احسن } لكل طائفة منها فجادل اهل النفاق واغلظ عليهم جادل اهل الوفاق باللطف والرحمة واخفض جناحك للمؤمنين واعف عنهم واستغفر لهم.

وقال حضرة شيخى وسندى روح اللّه روحه فى كتابه المسمى باللائحات البرقيات بالحكمة اى بالبصيرة على رعاية المناسبة فى مقتضيات الاحوال والمقامات بالبين والتخفيف والتعريض فى مقاماتها والتغليظ والتشديد والتصريح فى مقاماتها ونحو ذلك من المناسبات الحكمية الجالبة للمصالح والسالبة للمفاسد والموعظة الحسنة اى المتضمنة للحسنات والمشتملة على التغريبات والمتناولة للترهيبات والجالبة للقلوب الى المحبوبات والسالبة للنفوس عن المقبوحات وغير ذلك مما يختص ويليق بالموعظة الحسنة التى هى الموعظة بالحق والعلم الكامل والعقل والتام لا الموعظة بالنفس والجهل والحمق فان تلك الموعظة انما هى بالبصيرة الشاملة الصحيحة وهذه الموعظة انما هى بالغفلة العامة الفاسدة وفى الحقيقة الموعظة الحسنة هى الموعظة الجامعة لجزامع الكلم وجادلهم بالتى اى بالمجادلة التى هى احسن وهى المجادلة الحقانية التى تكون بالرفق واللين والصفح والعفو والسمح والكلام بقدر العقول والنظر الى عواقب الامور والصبر والتأنى والتحمل والحلم وغير ذلك من خواص المجادلة التى هى احسن مثل كون المراد منها اظهار الحق وبيان الصدق لمن خالف الحق والصدق بكمال الاعراض عن جميع الاغراض والاعراض وتمام الترحم للمخالفين المعاندين الضالين عن سبيل الحق والصدق والجاهلين الغافلين السائرين الى سبيل الباطل والكذب وما سوى ذلك من الخواص واللوازم

{ ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله } [ بآنكس كه كمراه شد ازراه حق كه اسلامست ] واعرض عن قبول الحق بعدما عاين من الحكم والمواعظ والعبر

{ وهو اعلم بالمهتدين } بذلك اى ما عليك الا ما ذكر من الدعوة والتبليغ والمجادلة بالاحسن

واما حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فلا عليك بل اللّه اعلم بالضالين والمهتدين فيجازى كلا منهم بما يستحقه فكأنه قيل ان ربك اعلم بهم فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل وكأنك تضرب منه فى حديد بارد : قال الشيخ سعدى قدس سره

توان باك كردن ززنك آينه ... وليكن نيايد زسنك آينه

وقال الحافظ

كوهر باك ببايدكه شود قابل فيض ... ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود

واعلم ان الناس ثلاثة اصناف . صنف مقطوع بحسن خاتمتهم مطلقا كالانبياء عليهم السلام والعشر المبشرة . وصنف مقطوع بسوء عاقبتهم كأبى جهل وقارون وهامان وفرعون وغيرهم ممن قطع بسوء خاتمتهم مطلقا . وصنف مشكوك فى حسن خاتمتهم مطلقا كعامة المؤمنين الابرار وكافة الكافرين الفجار فان الابرار كانوا ممدوحين فى ظاهر الشريعة من تلك الجهة فى الحال لكن امرهم فى المآل مفوض الى اللّه تعالى واللّه يعلم المفسد من المصلح ومميز بينهما فى الآخرة والعاقبة فكم من ولى فى الظاهر يعود عدو اللّه ووليا للشيطان نعوذ باللّه لكون ضلاله ذاتيا قد تداخله الاهتداء العارضى فاستترت ظلمته بصورة نور الاهتداء كاستتار ظلمة الليل بنور النهار عند ابلاج الليل فى النهار وكم من عدو وفى الظاهر يعود وليا لله وعدو اللشياطن لكون اهتدائه اصليا قد تداخله الضلال العارضى فاستتر نوره بظلمة الضلال كاسستار نور النهار بظلمة الليل عند ايلاج النهار فى الليل فكما لا ينفع الاول الاهتداء العارضى ويكون غايته الى الهالك كذلك لا يضر هذا الثانى الضلال العارضى ويكون خاتمته الى النجاة

وعن ابى اسحاق رحمه اللّه تعالى قال كان رجل يكثر الجلوس الينا ونصف وجهه مغطى فقلت له انك تكثر الجلوس الينا ونصف وجهك مغطى اطلعنى على هذا قال وتعطينى الامان قلت نعم كنت نباشا فدفنت امرأة فاتيت قبرها فنبشت حتى وصلت الى اللبن فرفعت اللبن ثم ضربت بيدى الى الرداء ثم ضربت بيدى الى اللفافة فمددتها فجعلت تمدها هى فقلت أتراها تغلبنى فجئيت على ركبتى فجردت اللفافة فرفعت يدها فلطمتنى وكشفت وجهه فاذا أثر خمس اصابع فى وجهه فقلت له ثم مه قال ثم رددت عليها لفافتها وازارها ثم رددت التراب وجعلت على نفسى ان لا انبش ما عشت قال فكتبت بذلك الى الاوزاعى فكتب الىّ الاوزاعى ويحك اسأله عمن مات من اهل التوحيد ووجهه الى القبلة فسأتله عن ذلك فقال اكثرهم حول وجهه عن القبلة فكتبت بذلك الى الاوزاعى فكتب الىّ انا اللّه وانا اليه راجعون ثلاث مرات اما من حول وجهه عن القبلة فانه مات على غير السنة اى على غير ملة الاسلام وذلك لان ترك العمل بالكتاب والسنة والاصرار على المعاصى يجر كثير من العصاة الى الموت على الكفر والعياذ باللّه : قال الشيخ سعدى قدس سره

عروسى بود توبت ما تمت ... كرت نيك روزى بودى خاتمت

نسأل اللّه سبحانه ان يحفظ نور ايماننا وشمع اعتقادنا من صرصر الزوال ويثبت اقدامنا بالقول الثابت فى جميع الاوقات وعلى كل حال.

١٢٦

{ وان عاقبتم } اى اردتم المعاقبة على طريقة قول الطبيب للمحمى ان اكلت فكل قليلا

{ فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } اى بمثل ما فعل بكم وقد عبر عنه بالعقاب على طريقة اطلاق اسم المسبب على السبب نحو كما تدين تدان اى كما تفعل تجازى سمى الفعل المجازى عليه باسم الجزاء على الطريقة المذكورة او على نهج المشاكلة والمزاوجة يعنى تسمية الاذى الابتدائى معابة من باب المشاكلة والا فانها فى وضعها الاصل تستدعى ان تكون عقيب فعل نعم العرف جار على اطلاقها على ما يعذب به احد وان لم يكن جزاء فعل كما فى حواشى سعدى المفتى.

قال القرطبى اطبق جمهور اهل التفسير ان هذا الآية مدنية نزلت فى شأن سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذلك ان المشركين مثلوا بالمسلمين يوم احد بقروا بطونهم وجدعوا انوفهم واذانهم وقطعوا مذاكيرهم ما بقى احد غير ممثول به الا حنظلة بن الراهب لان اباه عامر الراهب كان مع ابى سفيان فتركوه لذلك ولما انصرف المشركون عن قتلى احد انصرف رسول اللّه عليه الصلاة والسلام فرأى منظرا ساءه رأى حمزة قد شق بطنه واصطلم انفه وجدعت اذناه ولم ير شيأ كان اوجع لقلبه منه فقال ( رحمة اللّه عليك كنت وصولا للرحم فعالا للخير لولا ان تحزن النساء او يكون سنة بعدى لتركتك حتى يبعثك اللّه من بطون السباع والطير اما واللّه لئن اظفرنى اللّه بهم لامثلن بسبعين مكانك ) وقال المؤمنين ان اظهرنا اللّه عليهم لنزيدن على صنعهم ولنمثلن مثلة لم يمثلها احد من العرب باحد قط ولنفعلن ثم دعا عليه السلام ببردته فغطى بها وجه حمزة فخرجت رجلاه فجعل على رجليه شيأ من الاذخر قم قدمه فكبر عليه عشرا ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة وكان القتلى سبعين.

وفى التبيان صلى النبى عليه السلام على عمه حمزة سبعين تكبيرة او صلاة انتهى - روى - ان ابا بكر رضى اللّه عنه صلى على فاطمة رضى اللّه عنها وكبر اربعا وهذا احد ما استدل به فقهاء الحنفية على تكبيرات الجنازة اربع كما فى انوار المشارق.

قال فى اسبابا النزول ما حاصله ان حمزة رضى اللّه عنه قتله وحشى الحبشى وكان غلاما لجبير بن مطعم بن عدى بن نوفل وكان عمه طعيمة بن عدى قد اصيب يوم بدر فلما سارت قريش الى احد قال له جبير ان قتلت حمزة عم محمد علمى طعيمة فانت عتيق فأخذ الوحشى حربته فقذفه بها وكانت لا تخطئ حربة الحبشة حين قذفوا فكان ما كان ثم اسلم الوحشى وقال له صلى اللّه عليه وسلم

( هل تستطيع ان تغيب عنى وجهك ) وذلك انه عليه السلام كرهه لقتله حمزة فخرج فلما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وخرج الناس الى مسيلمة الكذاب قال الوحشى لاخرجن الى مسيلمة لعلى اقتله فاكافئ به حمزة فخرجت مع الناس فوفقه اللّه لقتله . ثم ان القتلى لما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية فكفر عليه السلام عن يمينه وكفه عما اراده والامر وان دل على اباحة المماثلة فى المثلة من غير تجاوز لكن فى تقييده بقوله

{ وان عاقبتم } حث على العفو تعريضا.

قال فى البحر العلوم لا خلاف فى تحرير المثلة وقد وردت الاخبار بالنهى عنها حتى الكلب العقور

{ ولئن صبرتم } اى عن المعاقبة بالمثل وعفوتم وهو تصريح بما علم تعريضا

{ لهو } اى لصبركم هذا

{ خير } لكم من الانتصار بالمعاقبة اى العفو خير للعافين من الانتقام وانما قيل

{ للصابرين } مدحا لهم وثناء عليهم بالصبر وعند ذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم ( بل نصبر يا رب )

قال فى الخلاصة رجل قال لآخر يا خبث هل يقول له بلى أنت الاحسن ان يكف عنه ولا يجيب ولو رفع الامر الى القاضى ليؤديه يجوز ومع هذا لو اجاب لا بأس به . وفى مجمع التفاوى لو قال لغيره يا خبيث فجازاه بمثله جاز لانه انتصار بعد الظلم وذلك مأذون فيه قال اللّه تعالى

{ ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل } والعفو افضل قال اللّه تعالى

{ فمن عفا واصلح فاجره على اللّه } وان كانت تلك الكلمة موجبة للحد لا ينبغى ان يجيبه بمثله تحرزا عن ايجاب الحد على نفسه . وفى تنوير الابصار للامام التمر تاشى ضرب غيره بغير حق وضرب المضروب يعزران ويبدأ باقامة التعزير بالبادى انتهى.

ثم امر به صلّى اللّه عليه وسلّم صريحا لانه اولى الناس بعزائم الامور لزيادة علمه بشؤونه تعالى ووفود وثوقه به فقيل

١٢٧

{ واصبر } على ما اصابك من جهتهم من فنون الآلام والذية وعاينت من اعراضهم عن الحق بالكلية وصبره عليه السلام مستتبع لاقتداء الامة كقول من قال لابن عباس رضى اللّه عنهما عند التعزية اصبر نكن بك صابرين فانما صبر الرعية عند صبر الرأس

{ وما صبرك الا باللّه } بتوفيق اللّه واعانته لك على الصبر لان الصبر من صفات اللّه ولا يقدر احد ان يتصف بصفاته اى الا به بان يتحلى بتلك الصفة.

قال جعفر الصادق رضى اللّه عنه امر اللّه انبياءه بالصبر وجعل الحظ الاعلى منه للنبى صلّى اللّه عليه وسلّم حيث جعل صبره باللّه لا بنفسه وقال

{ وما صبرك الا باللّه } { ولا تحزن عليهم } اى على الكافرين بوقوع اليأس من ايمانهم بك ومتابعتهم لك نحو

{ فلا تأس على القوم الكافرين } { ولا تك } اصله لا تكن حذفت النون تخفيفا لكثرة استعماله بخلاف لم يصن ولم يخن ونحوهما ومعنى كثرة الاستعمال انهم يعبرون بكان ويكون عن كل الافعال فيقولون كان زيد يقول وكان زيد يجلس فان وصلت بساكن رددت النون وتحركت نحو

{ ومن يكن الشيطان ولم يكن الذين } الآية

{ فى ضيق } اى لا تكن فى ضيق صدر من مكرهم فهو من الكلام المقلوب الذى يسجع عليه عند امن الالتباس لان الضيق وصف فهو يكون فى الانسان ولا يكون الانسان فيه . وفيه لطيفة اخرى وهى ان الضيق اذا عظم وقوى صار كالشئ المحيط به من جميع الجوانب

{ مما يمكرون } اى من مكرهم بك فيما يستقبل فاول نهى عن التأثم بمطلوب من قبلهم فات والثانى عن التأثم بمحذور من جهتهم آت.

١٢٨

{ ان اللّه مع الذين اتقوا } اجتنبوا المعاصى ومعنى المعية الولاية والفضل

{ والذين هم محسنون } فى اعمالهم ويقال مع الذين اقتوا مكافاة المسيئ والذين هم محسنون الى من يعادى اليهم فالاحسان على الوجه الاول بمعنى جعل الشئ جميلا حسنا وعلى الاثنى ضد الاساءة وفى الحديث ( ان للمحسن ثلاث علامات يبادر فى طاعة اللّه ويجتنب بمحارم اللّه ويحسن الى ما اساء اليه )

ز احسان خاطر مردم شود شاد ... بتقوى خانه دين كردد آباد

بسوى اين سفتها كر شتابى ... رضاى خلق وخالق هر دويابى

قال مشاد الدينورى رأيت ملكا من الملائكة يقول لى كل من كان مع اللّه فهو هالك الا رجل واحد قلت من هو قال من كان اللّه معه وهو قوله

{ ان اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } وذلك لان المقصود كينونة المحبوب مع المحب اذ هو يشعر بالرضى والاقبال

واما كينونة المحب مع المحبوب فقد تحصل مع سخط المحبوب وادباره.

وعن هرم بن حيان انه قيل له حين احتضر اوص فقال انما الوصية من المال ولا مال لى اوصيكم بخواتيم سورة النحل اى من

{ ادع الى سبيل ربك } الى آخرها.

يقول الفقير سامحه اللّه القدير جمع شيخى وسندى روح اللّه روحه اصحابه قبل وفاته بيوم فقال اعملوا ايها الاصحاب انه لا مال لى حتى اوصى به ولكنى على مذهب اهل السنة والجماعة شريعة وطريقة ومعرفة وحقيقة فاعرفونى هكذا واشهدوا لى بهذا فى الدنيا والآخرة فهذا وصيتى واشار حضرة الشيخ بهذا الى انه لا زيغ ولا الحاد فى اعتقاده وفى طريقه اصلا فانهم قالوا ان اهل التصوف تفرقت على اثنتى عشرة فرقة فواحدة منهم سنيون وهم الذين اثنى عليهم العلماء والبواقى بدعيون . ويعلم السنى بشاهدين . احدهما ظاهر والآخر باطن فالظاهر استحكام الشريعة والباطن السلوك على البصيرة واليقظة والعلم لا على العمى والغفلة ولجهل فمن ع مل بخواتيم هذه السورة واتصف بحقيقة العفو والصبر والحلم والانشراح فى المنشط والمركه وترك الحزن والغم على الفائت والآتى . وبالتقوى على مراتبها وبالاحسان بانواعه فقد جعل لنفسه علامة الولاية والمغيبة والايمان الكامل وحسن الخاتمةوخير العاقبة وخير العاقبة اللهم احفظنا من الميل الى السوى والغير واختم عواقبنا بالخير يا رب

تمت سورة النحل بما تحتويه من شواهد العقل والنقل فى يوم السبت التاسع عشر من شعبان المبارك المنتظم فى سلك شهور سنة اربع ومائة والف.

﴿ ٠