٨ { والخيل } عطف على الانعام اى خلق اللّه الخيل وهو اسم جنس للفرس لا واحد له من لفظه كالابل . والخيل نوعان عتيق وهجين والفرق بينهما ان عظم البرذون اعظم من عظم الفرس وعظم الفرس اصلب ونقل والبرذون اجمل من الفرس والفرس اسرع منه والعتيق بمنزلة الغزال والبرذون بمنزلة الشاة فالعتيق ما ابواه عربيان سمى بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه بالامور المنقصة . وسميت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرق لانه لم يملكها مالك قط . والهجين الذى ابوه عربى وامه عجمية . وخلق اللّه الخيل من ريح الجنوب وكان بعد العصر والذكر من الخيل خلق قبل الانثى لشرفه كآدم وحواء . واول من ركب الخيل اسماعيل عليه السلام وكانت وحوشا ولذلك قيل لها العراب وفى الحديث ( اركبوا الخيل فانها ميراث ابيكم اسماعيل ) وقد سبق قصة انقيادها لاسماعيل فى سورة البقرة عند قوله تعالى ( واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ) الآية وعن انس رضى اللّه عنه ان النبى صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن شئ أحب اليه بعد النساء من الخيل وفى الحديث ( لما أراد ذو القرنين ان يسلك فى الظلمة الى عين الحياة سأل أى الدواب فى الليل ابصر فقالوا الخيل فقال أى الخيل ابصر فقالوا الاناث قال فأى الاناث ابصر فقالوا البكارة فجمع من عسكره ستة آلاف فرس كذلك ) وكان له صلّى اللّه عليه وسلّم سبعة افراس . الاول الكسب شبه بكسب الماء وانصبابه لشدة جريه . والثانى المرتجز سمى به لحسن صهيله مأخوذ من الرجز الذى هو ضرب من الشعر والثالث اللحيف كاميرا او زبير كأنه يلحف الارض بذنبه لطوله اى يغطيها وقيل هو بالخاء المعجمة كامير وزبير . والرابع اللزاز مأخوذ من لاززته اى لاصقته فكأنه يلحق بالمطلوب لسرعته . والخامس الورود وهو ما بين الكميت والاشقر الكميت كزبير الذى خالط حمرته قنو وقنأ قنوأ اشدت حمرته والاشقر من الدواب الاحمر فى مغرة حمرة يحمر منها العرف والذنب ومن الناس من تعلو بياضه حمرة . والسادس الطرف بكسر الطاء المهملة واسكان الراء وبالفاء الكريم الجيد من الخيل . والسابع السبحة بفتح السين المهملة واسكان الموحدة وفتح الحاء المهملة اى سريع الجرى وفي الحديث ( ما من ليلة الا والفرس يدعو فيها ويقول رب انك سخرتنى لابن آدم وجعلت رزقى يده اللهم فاجعلنى احب اليه من اهله وولده ) وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الفرس يقول اذا التقت الفئتان سبوح قدوس رب الملائكة والروح ولذلك قيل رب بهيمة خير من راكبها وكان له فى الغنيمة سهمان وعن النبى عليه السلام ( لا يعطى الا لفرس واحد ) عربيا كان او غيره لان اللّه تعالى قال { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } ولم يفرق بين العربى وغيره ويقال ان الفرس لا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال للبعير لامرارة له اى لا جسارة له والفرس يرى المنامات كبنى آدم زبله اذا دخن به اخرج الولد من البطن قال الحافظ شرف الدين الدمياطى فى كتاب الخيل اذا ربط الفرس العتيق فى بيت لم يدخله الشيطان واما الفرس الذى فيه شؤم فهو الذى لا يغزى عليه ولا يستعمل فى مصلحة حميدة ولا يركبه صالح وفى الحديث ( من نقى شعيرا لفرسه ثم جاء به حتى يعلق عليه كتب اللّه له بكل شعيرة حسنة ) قال موسى للخضر أى الدواب احب اليك قال الفرس والحمار والبعير لان الفرس مركب اولى العزم من الرسل والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام والحمار مركب عيسى والعزير عليهما السلام فكيف لا احب شيأ احياه اللّه بعد موته قبل الحشر { والبغال } جمع بغل وهو مركب من الفرس والحمار ويقال اول من استنتجها قارون وله صبر الحمار وقوة الفرس وهو مركب الملوك فى اسفارهم ومعبرة الصعاليك فى قضاء اوطارهم . وعن على بن ابى طالب رضى اللّه عنه ان البغال كانت تتناسل وكانت اسرع الدواب في نقل الحطب لنار ابراهيم خليل الرحمن فدعا عليهم فقطع اللّه نسلها وهذه الرواية تستدعى ان يكون استنتاجها قبل قارون لان ابراهيم مقدم على موسى بازمنة كثيرة واذا بخر البيت بحافر البغل الذكر هرب منه الفأر وسائر الهوام كما فى حياة الحيوان . وكان له صلّى اللّه عليه وسلّم بغال ست . منها بغلة شهباء يقال لها دلدل اهداها اليه المقوقس والى مصر من قبل هرقل والدلدل فى الاصل القنفذ وقيل ذكر القنافذ وقيل عظيمها وكان عليه الصلاة والسلام يركبها فى المدينة وفى الاسفار وعاشت حتى ذهبت اسنانها فكان يدق لها الشعير وعميت وقاتل على رضى اللّه عنه عليها مع الخوارج بعد ان ركبها عثمان رضى اللّه عنه وركبها بعد على رضى اللّه عنه ابنه الحسن ثم الحسين ثم محمد بن الحنيفة رضى اللّه عنهم . يقول الفقير انما ركبوها وقد كانت مركبه عليه الصلاة والسلام طلبا للنصرة والظفر فالظاهر انهم لم يركبوها فى غير الوقايع لان من آذاب التابع ان لا يلبس ثياب متبوعه ولا يركب دابته ولا يقعد فى مكانه ولا ينكح امرأته . ومنها بغلة يقال لها فضة . ومنها الايلية . وبغلة اهداها اليه كسرى . واخرى من دومة الجندل . واخرى من عند النجاشى { والحمير } جمع حمار وكان له صلّى اللّه عليه وسلّم من الحمر اثنان يعفور وعفير والعفرة الغبرة . وفى كتاب التعريف والاعلام ان اسم حمارة عليه الصلاة والسلام عفير ويقال له يعفور - روى - ان يعفور وجده صلّى اللّه عليه وسلّم بخيبر وانه تكلم فقال اسمى زياد بن شهاب وكان في آبائى ستون حمارا كلهم ركبهم بنى وانت بنى اللّه فلا يركبنى احد بعدك فلما توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم القى الحمار نفسه في بئر جزعا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فمات وذكر ان النى عليه الصلاة والسلام كان يرسله اذا كانت له حاجة الى اخذ من اصحابه فيأتى الحمار حتى يضرب برأسه باب الصحابة فيخرج اليه فيعلم ان النبى عليه الصلاة والسلام يريده فينطلق مع الحمار اليه والحمار من اذل خلق اللّه تعالى كما قال الشاعر يقيم على ضيم يراد به ... الا الاذلان عير الحىّ والوتد هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشبح فلا يرثى له احد اى لا يصبر على ظلم يراد به فى حقه الا الاذلان اللذان هما فى غاية الذل ولفظ البيت خبر والمعنى نهى عن الصبر على الظم وتحذير وتنفير للسامعين عنه وفى الحديث ( من لبس الصوف وحلب الشاة وركب الاتن فليس فى جوفه شئ من الكبر ) والاتن جمع اتان وهى الحمارة { لتربكوها } تعليل بمعظم منافعها والا فالانتفاع بها بالحمل ايضا مما لا ريب فى تحققه { وزينة } انتصابها على المفعلو له عطفا على محل لتركبوها وتجريده عن اللام لكونه فعلا لفاعل الفعل المعلل به دون الاول فان الركوب فعل الراكب وهو المخلوق والزينة فعل الزائن وهو الخالق او مصر لفعل محذوف اى وتتزينوا بها زينة وقد احتج به ابو حنيفة رحمه اللّه تعالى على حرمة اكل لحم الخليل لانه علل خلقها للركوب والزينة ولم يذكر الاكل بعدما ذكره فى الانعام ومنفعة الا كل اقوى والآية سيقت لبيان النعمة ولا يليق بالحكيم ان يذكر فى موضع المنة ادنى لانعمتين ويترك اعلاهما كذا فى المدارك . وفى الحمر الاهلية خلاف مالك . وفى الخيل خلاف ابى يوسف ومحمد والشافعى كما فى بحر العلوم والتفصيل فى كتاب الذبائح من الكتب الفقهية { ويخلق مالا تعلمون } من انواع المخلوقات من الحشرات والهوام والطيور وحيوانات البحر ومخلوقات ما وراء جبل قاف وفى الحديث ( ان اللّه تعالى خلق الف امة ستمائة منها فى البحر واربعمائة فى البر ومن انواع السمك ما لا يدرك الطرف اولها وآخرها ومالا يدركها الطرف لصغرها ) وفى الحديث ( ان اللّه خلق ارضا بيضاء مثل الدنيا ثلاثين مرة محشوة خلقا من خلق اللّه لا يعلمون ان اللّه تعالى يعصى طرفة عين ) قالوا يا رسول اللّه أمن ولد آدم هم قال ( لا يعلمون ان اللّه خلق آدم ) قالوا فأين ابليس منهم قال ( لا يعلمون ان اللّه خلق ابليس ) ثم قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم { ويخلق مالا تعلمون } كما فى البستان وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان عن يمين العرش نهرا من نور مثل السموات السبع والارضين السبع والبحار السبعة يدخل فيه جبريل كل سحر فيغتسل فيزداد نورا الى نور وجمالا الى جمال وعظما الى عظم ثم ينتفض فيخلق اللّه من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا الف ملك فيدخل منهم كل يوم سبعون الف ملك البيت المعمور وسبعون ألف ملك الكعبة لا يعودون اليه الى يوم القيامة كما فى الارشاد وفى الحديث ( اذا ملئت جهنم تقول الجنة ملأت جهنم بالجبابرة والملوك والفراعنة ولم تملأنى الامن ضعفاء خلقك فينشئ اللّه خلقا عند ذلك فيدخلهم الجنة فطوبى لهم من خلق لم يذوقوا موتا ولم يروا سوأ باعينهم ) كما فى بحر العلوم واعلم ان اللّه تعالى قال { وما اوتيتم من العلم الا قليلا } وكيف يحصر من كان قليل العلم مخلوقات اللّه الغير المحصورة التى هى مظاهر كلماته التامة واسمائه العامة فالاولى السكوت وقد اظهر الانبياء عليهم السلام العجز مع سعة علومهم واحاطة قلوبهم فما ظنك فى حق افراد الامة. در محفلى كه خورشيد اندر شمار ذره است ... خودرا بزرك ديدن شرط ادب نباشد وفى التأويلات النجمية { ويخلق } فيكم بعد رجوعكم بالجذبة الى مستقركم { مالا تعلمون } قبل الرجوع اليه وهو قبول فيض نور اللّه تعالى بلا واسطة انتهى. قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر سكت النبى عليه السلام عن الاستخلاف اذ فى امته من يأخذ الامر عن ربه فيكون بباطنه خليفة اللّه وبظاهر خليفة رسول اللّه فهو تابع ومتبوع وسامع ومسموع ومع ذلك فهو يأخذ من المعدن الذى يأخذ منه الملك الموجى الى رسول اللّه والمعدن الذى يأخذ منه الرسول وقد نبه سبحانه على ذلك لقوله { ادعوا الى اللّه على بصيرة انا ومن اتبعنى } بي انّ الرسول قابل للزيادة فى ظاهر الاحكام والخليفة الولى ليس كذلك ناقص عن رتبة النبوة انتهى فانظر الى استعداد كاملى هذه الامة كيف اخذوا الفيض من اللّه بلا واسطة نسأل اللّه تعالى ان يملأ قلوبنا بمحبتهم واعتقادهم ويوفقنا لاعمالهم ورشادهم ويحشرنا معهم وتحت لوائهم ويدخلنا الجنة ونحن من رفقائهم. |
﴿ ٨ ﴾