٩

{ وعلى اللّه قصد السبيل } القصد مصدر بمعنى الفاعل يقال سبيل قصد وقاصد اى مستقيم على نهج اسناد حال سالكه اليه كأنه ييقصد الوجه الذى يؤمه السالك لا يعدل عنه والمراد بالسبيل الطريق بدليل اضافة القصد اليه اى حق عليه سبحانه بموجب رحمته ووعده المحتوم لا واجب اذ لا يجب عليه شئ من بيان الطريق المستقيم الموصل لمن يسلكه الى الحق الذى هو التوحيد بنصب الادلة وارسال الرسل وانزال الكتب لدعوة الناس اليه

{ ومنها } فى محل الرفع على الابتداء اما باعتبار مضمونه

واما بتقدير الموصوف اى بعض السبيل او بعض من السبيل فانها تذكر وتؤنث . قال ابن الكمال الفرق بين الطريق والصراط والسبيل انها مستاوية فى التذكير والتأنيث اما فى المعنى فبينهما فرق لطيف وهو ان الطريق كل ما يطرقه طارق معتادا كان او غير معتاد والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك والصراط من السبيل مالا التواء فيه اى لا اعوجاج بل يكون على سبيل القصد فهو اخص

{ جائر } اى مائل عن الحق منحرف عنه لا يوصل سالكه إليه وهو طريق الضلال التى لا يكاد يحصى عددها المندرج كلها تحت الجائر كاليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر ملل الكفر واهل الهواء والبدع ومن هذا علم ان قصد السبيل هو دين الاسلام والسنة والجماعة جعلنا اللّه واياكم على قصد السبيل وحسن الاعتقاد والعمل وحفظنا واياكم من الجائر والزيغ والزلل.

قال مرجدع طريقة الجلوتية بالجيم اعنى حضرة الشيخ محمود هداى الاسكدارى قدس سره رأيت صور اعلام اهل الاديان فى مبشرتى ليلة الاثنين والعشرين من جماد الآخرة لسنة اثنتي عشرة والف وهى هذه- هذا علم اهل الايمان وصورة استمدادهم من الحق تعالى بالتوجه الى العلو اقتداء بمن قال فى حقه المولى الاعلى ما زاغ البصر وما طغى- هذا علم النصارى وصورة انحرافهم عن الحق- هذا علم اليهود وصورة انحرافهم عن الحق اكتفاء بالقلب انتهى

{ ولو شاء لهديكم اجمعين } اى ولو شاء اللّه ان يهديكم الى ما ذكر من التوحيد هداية موصلة اليه البتة مستلزمة لاهتدائكم اجميعن لفعل ذلك ولكن لم يشأ لان مشيئته تابعة للحكمة الداعية اليها ولا حكمة فى تلك المشيئة لما ان مدار التكليف والثواب والعقاب انما هو الاختيار الجزئى الذى يترتب عليه الاعمال التى بها نيط الجزاء.

وقال ابو الليث فى تفسيره لو علم اللّه ان الخلق كلهم اهل للتوحيد لهداهم انتهى.

يقول الفقير هو معنى لطيف مبنى على ان العلم تابع للمعلوم فلا يظهر من الاحوال الا ما اعطته الاعيان الى العلم الالهى كالايمان والكفر والطاعة والعصيان والنقصان والكمال فمن كان مقتضى ذاته الايمان والطاعة والكمال وكان اهلالها فى عالم عينه الثابتة اعطاها للعلم فشاء اللّه هدايته فى هذه النشأة بحكمته ومن كان مقتضى استعداده خلاف لم يشأ اللّه هدايته حين النزول الى مرتبة وجوده العنصرى والالزم التغير فى علم اللّه تعالى وهو محال وفى الحديث

( انما انا رسول وليس الى شئ من الهداية ولو كانت الهداية الىّ لآ من كل من الارض وانما ابليس مزين وليس له من الضلالة شيء ولو كانت الضلالة اليه لا ضل كل من فى الارض ولكن اللّه يضل من يشاء ) كذا فى تقليح الاذهان قال الحافظ

مكن بجشم حقارت ملامت من مشت ... كه نيست معصيت وزهد بى مشيت او

وقال

درين جمن نكم سرزتش بخود رويى ... جنانكه برورشم مى دهند ومى رويم

وقال

رضا بداده بده وزجبين كره بكشاى ... كه برمن وتو در اختيار نكشادست

فعليك بترك القيل والقال ورفض الاعتزال والجدال فان الضى والتسليم بسبب القبول وخلافه يؤدى الى غصب الحبيب المقبول - يحكى - عن حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر انه قال اقمت بمدينة قرطبة بمشهد فارانى اللّه اعيان رسله عليهم السلام من لدن آدم الى نبينا عله الصلاة والسلام فخاطبنى منهم هود عليه السلام واخبرنى فى سبب جمعيتهم وهو انهم اجتمعوا شفعاء للحلاج الى نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك انه كان قد اساء الادب بان قال فى حياته الدنيوية ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم همته دون منصبه قيل له ولم ذلك قال لان اللّه تعالى قال

{ ولسوف يعطيك ربك فترضى } وكان من حقه لا يرضى الا ان يقبل اللّه تعالى شفاعته فى كل كافر ومؤمن لكنه ما قال الا ( شفاعتى لاهل الكبائر من امتى ) فلما صدر منه هذا القول جاءه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى واقعة وقال له يا منصور انت الذى انكرت على الشفاعة فقال يا رسول اللّه قد كان ذلك فقال ألم تسمع اننى حكيت عن ربى عز وجل ( اذا احببت عبدا كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ) فقال بلى يا رسول اللّه فقال ( أو لم تعلم انى حبيب اللّه ) قال بلى يا رسول اللّه قال فاذا كنت حبيب اللّه كان هو لسانى القائل فاذا هو الشافع والمشفوع اليه وانا عدم فى وجود فأى عتاب على يا منصور فقال رسول اللّه ( انا تائب من قولى هذا فما كفارة ذنبى ) قال قرب نفسك لله قربانا فاقتل نفسك بسيف شريعتى فكان من امره ما كان ثم قال هود عليه السلام وهو من حيث فارق الدنيا محجوب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والآن هذه الجمعة لاجل الشفاعة له الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انتهى.

بقول الفقير سامحه اللّه القدير فى هذه القصة امران احدهما عظم شأن الحلاج قدس سره بدلالة عظم شأن الشفعاء والثانى انه قتل فى بغداد فى آخر سنة ثلاثمائة وتسع ومات حشرة الشيخ الاكبر بالشام سنة ثمان وثلاثين وستمائة فبينهما من المدة ثلاثمائة وتسع وعشرون سنة والظاهر واللّه اعلم ان روح الحلاج كان محجوبا عن روح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اكثر من ثلاثمائة سنة تقريبا وذلك سبب كلمة صدرت منه على خلاف الادب فان من كان على بساط القرب والحضور ينبغى ان يراعى الادب فى كل امر من الامور فما ظنك بمن جاوز حد الشريعة ورخص نظم القرآن ومعانيه اللطيفة وعمل بالخيلات والاوهام فليس اولئك الا كالانعام نسأل اللّه العافية والعفو والانعام

﴿ ٩