سُورَةُ الْكَهْفِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَعَشْرُ آياَتٍ ١ { الحمد لله } اللام للاستحقاق اى هو المستحق للمدح والثناء والشكر كله لان كل وجود شئ نعمة من نعمه فلا منعم الا هو. قال القيصرى رحمه اللّه الحمد قولى وفعلى وحالى اما القولى فحد اللسان وثناؤه عليه بما اثنى به الحق على نفسه على لسان انبيائه عليهم السلام واما الفعلى فهو الاتيان بالاعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء لوجه اللّه تعالى وتوجها الى جنابه الكريم لان الحد كان يجب على الانسان باللسان كذلك يجب عليه بحسب مقابلة كل عضو بل على كل عضو كالشكر وعند كل حال من الاحوال كما قال النبى عليه السلام ( الحمد لله على كل حال ) وذلك لا يمكن الا باستعمال كل عضو فيما خلق لاجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقيادا لامره لا طلبا لحظوظ النفس ومرضاته واما الحالى فهو الذى يكون بحسب الروح والقلب كالاتصاف بالكمالا العلمية والعملية والتخلق بالاخلاق الالهية لان الناس مأمورون بالتخلق بلسان الانبياء صلوات اللّه عليهم لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم وفى الحقيقة هذا حمد الحق نفسه فى مقامه التفصيلى المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له واما حمده ذاته فى مقامه الجمعى الالهى قولا فهو ما نطق به فى كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية وفعلا فهو اظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه الى شهادته ومن ابطنه الى ظاهره ومن علمه الى عينه فى مجالى صفاته ومحال آيات اسمائه وحالا فهو تجلياته فى ذات بالفيض الاقدس الاولى وظهور النور الازلى فهو الحامد والمحمود جمعا وتفصيلا : قال المولى الجامى آنجا كه كمال كبرياى تو بود ... عالم نمى ازبحر عطاى توبود ما راجه حد حمد وثناى توبود ... هم حمد وثناى تو سزاى توبود { الذى انزل على عبده } محمد الذى يستأهل ان يكون عبدا مطلقا حقيقيا حران جميع ما سوى اللّه ولذا يقول ( امتى امتى ) يوم يقول كل نبى نفسى نفسى وفيه اشعار بان شأن الرسول ان يكون عبدا للمرسل لا كما زعمت النصارى فى حق عيسى عليه السلام { الكتاب } اى القرآن الحقيق باسم الكتاب وهو فى اللغة جمع الحروف ورتب استحقاق الحمد على انزاله تنبيها على انه من اعظم نعمائه اذ فيه سعادة الدارين { ولم يجعل له } اى القرآن { عوجا } [ جيزى از كجى ] اى شيأ من العوج بنوع اختلال فى النظم وتناف فى المعنى او عدول عن الحق الى الباطل واختار حفص عن عاصم السكت على عوجا وهو وقفة لطيفة من غير تنفس لئلا يتوهم ان ما بعده صفة له واختار السكت ايضا على مرقدنا اذ لا يحسن القطع بالكلية بين مقوليهم ولا الوصل لئلا يتوهم ان هذا اشارة الى مرقدنا فافهم. ٢ { قيما } انتصابه بمضمر تقديره جعله قيما اى مستقيما معتدلا لا افراط فيه ولا تفريط او قيما بالمصالح الدينية والدنيوية للعباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال والقيم والقيوم والقيام بناء مبالغة للقائم. قال الكاشفى [ درتأويلات آورده كه ضمير له راجع بعبداست ومعنى آنكه نداد بنده خودرا ميل بغير خود وكردانيد اورا مستقيم درجميع احوال ] { لينذر } اى انزل لينذر الكتاب او محمد بما فيه الذين كفروا { بأسا } عذابا { شديدا } صادرا { من لدنه } من عنده تعالى نازلا من قبله بمقابلة كفرهم وتكذيبهم وهو اما عذاب الاستئصال فى الدنيا اةو عذاب النار فى العقبى او كلاهما وانما قال من لدنه لانه هو المعذب دون الغير { ويبشر } [ مزده دهد ] { المؤمنين } المصدقين { الذين يعملون الصالحات } اى الاعمال الصالحة وهى ما كانت لوجه اللّه تعالى { ان لهم } اى بان لهم فى مقابلة ايمانهم واعمالهم المذكورة { اجرا حسنا } هو الجنة وما فيها من النعيم. ٣ { ما كثين } حال من ضمير لهم { فيه } اى فى ذلك الاجر { ابدا } من غير انقطاع وانتها وتغير حال نصب على الظرفية لماكثين وتقديم الانذار على التبشير لتقدم التخلية على التحلية. ٤ { وينذر } ايضا خاصة { الذين قالوا اتخذ اللّه ولدا } كاليهود والنصارى وبنى مدلج من كفار العرب. ٥ { ما لهم به } اى باتخاذه تعالى ولدا { من علم ولا لآبائهم } الذين قلدوهم فى ذلك يعنى لا يقتضى العلم ان يتخذ اللّه ولدا لاستحالته فى نفسه وانما قالوا بالجهل من غير فكر ونظر فيما يجوز على اللّه ويمتنع ومن علم مرفوع على الابتداء ومن مزيدة لتأكيد النفى { كبرت } عظمت اى نبت { كلمة } تمييز وتفسير للضمير المبهم الذهنى فى كبرت مثل ربه رجلا { تخرج من افواههم } صفة للكملة تفيد استعظام اسجترائهم على التفوه بها والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها يعنى اسناد الخروج اليها مع ان الخارج هو الهواء المتكيف بكيفية الصوت لملابسته بها. قال القاضى عظمت مقالتهم هذه فى الكفر لما فيها من التشبيه والتشريك وايهام احتياجه الى ولد بعينه ويخلفه الى غير ذلك من الزيغ. وفى التأويلات كبرت كلمة كفر وكذب قالوها عند اللّه تعالى وهى اكبر الكبائر اذ نسبوها الى اللّه وكذبوا عليه وكذبوه { ان يقولوا } اى ما يقولون فى هذا الشأن { الا كذبا } الا قولا كذبا لا يكاد يدخل تحت امكان الصدق. ٦ { فلعلك } [ بس تو مكر ] { باخع } مهلك { نفسك } قال فى التأويلات النجمية معناه نهى اى لا تنجع نفسك كما يقال لعلك تريد ان تفعل كذا اى لا تفعل كذا او فكأنك كما قال تعالى فى شأن عاد { وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون }. قال فى القاموس بخع نفسه كمنع قتلها غما وبخع بالشاة بالغ فى ذبحها حتى بلغ البخاع هذا اصله ثم استعمل فى كل مبالغة فلعلك باخع نفسك اى مهلكها مبالغا فيها حرصا على اسلامهم والبخاع ككتاب عرق فى الصدر ويجرى فى عظم الرقبة وهو غير النخاع بالنون فيما زعم الزمخشرى انتهى { على آثارهم } غما ووجدا على فراقهم. قال الكاشفى [ بعد از بر كشتن ايشان از تو يابس از انكار ايشان ترا يعنى كار برخود آسان كير وغم بردل بى غل منه ] { ان لم يؤمنوا بهذا الحديث } اى القرآن. ان قلت تسمية القرآن حديثا دليل على حدوثه. قلت سماه حديثا لانه يحدث عند سماعهم له معناه ولانه عائد الى الحروف التى وقعت بها العبارة عن القرآن كا فى الاسئلة المقحة. قال فى الصحاح الحديث ضد القديم ويستعمل فى قليل الكلام وكثيره { اسفا } مفعلول له لباخع والاسف اشد الحزن كما فى القاموس اذ لفرط الحزن والغضب والحسرة مثل حاله صلّى اللّه عليه وسلّم فى شدة الوةجد على اعراض القوم عن الايمان بالقرآن وكمال التحسر عليهم بحال من يتوقع منه اهلاك نفسه عند مفارقة احبته تأسفا على مفارقتهم وهذه غاية الرحمة والشفقة على الامة وكمال القيام باداء حقوق الرسالة والاقدام على العبودية فوق الطاقة وكان من دأبه صلّى اللّه عليه وسلّم ان يبالغ فى القيام بما امر الى حد ان ينهى عنه كما انه صلّى اللّه عليه وسلّم حين امر بالانفاق بالغ فيه الى ان اعطى فميصه وقعد فى البيتع عريانا فنهى عن ذلك بقوله { ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } فتكلم بعض الكبار فى الحزن فقال الحزن حلية الادباء طوبى لمنكان شعاره الحزن ودثاره الحزن وبيته الحزن وطعامه الحزن وشرابه الحزن به يلتذ الصديقون والنبيون اذا احب اللّه تعالى عبدا القى له نائحة فى قلبه ومن لم يذق طعام الحزن لم يذق لذة العبادة على انواعها ولا يغرنك ما تسمع من قول صديق متمكن ان الحزن مقام نازل فان مراده ان الحزن تابع للمحزون مثل العلم مع المعلوم فيتضع باتضاعه ويرتفع بارتفاعه. قال ابراهيم بن بشار صحبت ابراهيم بن ادهم فرأيته طويل الحزن دائم الفكر واضعايده على رأسه كأنما افرغت عليه الهموم افراغا . وكان سفيان عند رابعة فقال واحزناه فقالت قل واقلة حزناه فانك لو كنت حزينا ما هنأك العيش. وعن داود عليه السلام قال الهى امرتنى ان اطهر قلبى فبماذا اطهر قال يا داود بالهموم والغموم . قال الحافظ روى زردست وآه درد آلود ... عاشقانرا دواى رنجورى اللهم منّ على قلبى بهمك. ٧ { انا جعلنا ما على الارض } من الحيوان والنبات والمعدن { زينة لها } ولاهلها. قال فى التأويلات النجمية اى زينا الدنيا وشهواتها للخلق ملاءمة لطباعهم وجعلناها محل ابتلاء { لنبلوهم } لنعاملهم معاملة من يختبر حتى يظهر { ايهم احسن عملا } فى ترك الدنيا ومخالفة هوى نفسه طلبا لله ومرضاته وايهم اقبح عملا فى الاعراض عن اللّه وما عنده من الباقيات الصالحات والاقبال على الدنيا وما فيها من الفانيات الفاسدات. قال فى الارشاد اى استفهامية مرفوعة بالابتداء واحسن خبرها وعملا تمييز والجملة فى محلة النصب معلقة لفعل البلوى لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته. قال الكاشفى [ محققان برانندكى ما اى فى ما على الارض بمعنى من است ومراد انبياء يا علما يا حفظه قرآن كه زينت زمين ايشانند وجمعى كويند آرايش زمين برجال اللّه است ازان روى كه قيام عالم بوجود شريف ايشان بازبسته است ]. روى زيمن بطلعت ايشان منور است ... جون آسمان بزهره وخورشيدومشترى ٨ { وانا لجاعلون } فيما سيأتى عند تناهى عمر الدنيا { ما عليها صعيدا } ترابا { جرزا } لانبات فيه وسنة جرز لامطر فيها. قال الكاشفى [ صعيدا جرزا هامون وبى كياه يعنى بآخر اين عمارتها را اخراب خواهيم ساخت بس دل برآن منهيد وبزينت نابايدار فريفته مشويد ] جهان ازرنك وبوسازد اسيرت ... ولى نزديك ارباب بصيرت ته رنك دلكشش را اعتباريست ... نه بوى دلفريبش را مداريست قال بعض الكبار صعيدا جرزا لا حاصل له الا الندامة والغرامة فالناسك السالك والطالب الصادق والمحب المحق من يحرم على نفسه الدنيا وزينتها حرامها وحلالها وهى ما زين للناس كما قال { زين للناس حب الشهوات } الى قوله { ذلك متاع الحياة الدنيا } لان مع حب اللّه لا يسوغ حب الدنيا وشهواتها بل حب الآخرة ودرجاتها - حكى - ان كان لهارون الرشيد ولد فى سن ست عرشة سنة فزهد فى الدنيا واختار العباء على القباء فمر يوما على الرشيد وحوله وزراؤه فقالوا لقد فضح هذا الولد امير المؤمنين بين الملوك بهذه الهيئة فدعاه هارون الرشيد وقال يا بنى لقد فضحتنى بحالك فلم يجبه الولد ثم التفت فرأى طيرا على حائط فقال ايها الطائر بحق خالفك ألا جئت على يدى فقعد الطائر على يده ثم قال ارجع الى مكانك فرجع ثم دعاه الى يد امير المؤمنين فلم يأت فقال لابيه بل انت فضحتنى بين الاولياء بحبك للدنيا وقد عزمت على مفارقتك ثم انه خرج من بلده ولم يأخذ الا خاتما ومصحفا ودخل البصرة وكان يعمل يوم السبت فى الطين ولا يأخذ الا درهما ودانقا للقوت قال ابو عامر البصرى استأجرته يوما فعمل عمل عشرة وكان يأخذ كفا من الطين ويضعه على الحائط ويركب الحجارة بعضها على بعض فقلت هذا فعال الاولياء فانهم معانون ثم طلبته يوما فوجدته مريضا فى خربة فقال يا صاحبى لا تغترر بتنعم ... فالعمر ينفد والنعيم يزول واذا حملت الى القبور جنازة ... افعلم بانك بعدها محمول ثم وصانى بالغسل والتكفين فى جبته فقلت يا حبيبى ولم الا اكفنك فى الجديد فقال الحى احوج الى الجديد من الميت يا ابا عامر الثياب تبلى والاعمال تبقى ثم ادفع هذا المصحف والخاتم الى الرشيد وقل له يقول لك ولدك الغريب لا تدومن على غفلتك قال ابو عامر فقضيت شانه ودفعت المصحف والخاتم الى الرشيد وحكيت ما جرى فبكى وقال فيم استعملت قرة عينى وقطعة كبدى قلت فى الطين والحجارة قال استعملته فى ذلك وله اتصال برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت ما عرفته قال ثم انت غسلته قلت نعم فقبل يدى وجعلها على صدره ثم زار قبره ثم رأيته فى المنام على سرير عظيم فى قبة عظيمة فسألته عن حاله فقال صرت الى رب راض اعطانى ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وآلى علمى ذاته ونفسه الشريفة اى قال باللّه الذى خلقنى لا يخرج عبد من الدنيا كخروجى الا اكرمه مثل كرامتى نكه دار فرصت كه عالم دميست ... دمى ييش دانا به از عالميست برفتندوهركس درود آنجه كشت ... نماند بجز نام نيكوا وزشت دل اندر دلارام دنيا مبند ... كه ننشت باكس كه دل برنكند اللهم اجعلنا من المنقطعين اليك. ٩ { ام حسبت } الخطاب للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم والمراد انكار حسبان امته وام منقطعة مقدرة ببل التى هى للانتقال من حديث الى حديث لا للابطال وبهمزة الاستفهام عند الجمهور وببل وحدها عن دغيرهم اى بل احسبت وظننت بمعنى ما كان ينبغى ان يحتسب ولم حسبت. قال الكاشفى [ آورده اندكه جون يهود قريش راسه سؤال در آموخاتندكه ازحضرت رسالت صلى اللّه عليه سولم برسيدند بانكديكر ميكفتندكه قصه جوانان بس عجبست عجب ازوى كه جواب آن داند حق سبحانه وتعالى آيت فرستاد كه { ام حسبت } نه جنانست كه ميكويند آيا مى بندارى تو ] { ان اصحاب الكهف } الكهف الغار الواسع فى الجبل فان لم ييكن واسعا فغار { والرقيم } هو كلبهم بلغة الروم - روى - عن الصاحب بن عباد انه كان يتردد فى معنى الرقيم وتبارك والمتاع ويدور على قبائل العرب فسمع امرأة تسأل اين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم واخذ المتاع وتبارك الجبل فاستفسر عنها وعرف ان الرقيم هو الكلب وان المناع هو ما يبل بالماء فيمسح به وان تبارك بمعنى صعد. قال فى القاموس الرقيم كاميرا قرية اصحاب الكهف او جبلهم او كلبهم او لاوادى او الصحراء او لوح رصاصى او حجرى نقش ورقم فيه نسبهم واسماؤهم ودينهم ومم هربوا وجعلعلى باب الكهف فالرقيم عربى فعيل بمعنى مفعول. قال الطبرى كان فى بيت الملك رجلان مؤمنان اسم احدهما يندوروس والآخر روناس كتبا اسماهم وقصتهم وانسابهم فى لوحين من رصاص ووضعاهما فى تابوت من نحاس ثم جعلاه على فم الغار فى البنيان وقالا لعل اللّه ان يظهر عليهم قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فتعلم اخبارهم { كانوا } فى بقائهم على لاحياة مدة طويلة من الدهر [ يعنى درخواب ماندن سيصدونه سال ] { من آياتنا } من بين آياتنا ودلائل قدرتنا { عجبا } اى آية ذات عجب وضعا له موضع المضاف او ووصفا لذلك بالمصدر مبالغة والعجيب ما خرج عن حد اشكا له ونظائره وهو خبر لكانوا ومن آياتنا حال منه . والمعنى ان قصتهم وان كانت خارقة للعادات ليست بعجيبة بالنسبة الى سائر الآيات فان لله تعالى آأيات عجيبة قصتهم عندها كالنزر الحقير. قال الكاشفى [ يعنى قصه ايشان بنسبت قدرت ما كه در آفرينش ارض وسما ظاهراست جندان عجيب وغريب نيست مراد ازكهف غاريست جيرم نام واقع دركوه تباخلوس ازحوالى شهر افسوس كه دار الملك دقيانوس بود آورده اندكه دقيانوس درزمان تسخير ممالك روم بشهر افسوس رسيد وآنجا مذبحى براى بتان كه معبودان او بودند ساخته اهل شهررا تكليف برستش ايشان كرد هركه سخن او شيند خلاص يافت وهركه تمرد نمود بقتل رسيد شش جوان نورسيده خدا برست از بزركان زاد كان شهر كوشه كرفته بدعا ونياز مشغول كشتند واز حق سبحانه وتعالى درخواست نمودندكه ايشانرا ازفتنه آن جبار ايمن سازد القصه مهم ايشان بعرض دقيانوس رسيده وباحاضر ايشان امر كرده تهديد بسيارنمود ايشان بر طريق توحيد رسوخ ورزيده مطلقا فرمان او قبول نكرديند دقيانوس بفرمودتا حلى وحلل كه دبربر داشتند ازايشان انتزاع ردند وكفت شما جوانيد وخرد سال وشمالرا دوسه روزى مهلت دادم تادركار خود تأمل كنيد وبينيد كه مصلحت شمادر قبول قول منست يا دررد آن بس ازان شهر متوجه موضعى ديكر شد وجوانان رفتن اورا غنيمت دانسته بايكديكر درباب مهم خود مشاورت نمودندورأى همه بر فرار قرار يافت هريك ازخانه بدر قدرى مال بجهت زاد ونفقه بر داشته روى بكوهى كه نزديك شهر بود آوردند ودرراه شبانى بديشان رسيدو بدين ايشان در آمد ودرمر افقت موافقت نمود سك شبان نيزبر عقب ايشان دويدن آغاز كرد جندان كه منع كردند ممتنع نشدوخداى اورا بسخن آوردنا بزبان فصيح كفت ازمن مترسيد كه من دوستان خدايرا دوست ميدارم شمادر خواب رويد تامن شمارا باسبانى كنم اما جون نزديك كوه شدند شبان كفت من درين كوه غارى ميدانم كه بدان بناه مى توان كرفت بس اتفاق روى بغار نهادند وحق سبحانه وتعالى ازرفتن ايشان بغار برين وجه خبر ميدهد ]. ١٠ { اذ اوى } ظرف لعجبا او مفعول لا ذكر اى اذكر حين صار واتى وانضم والتجأ { الفتية } يعنى فتية من اشراف الروم اكرههم دقيانوس على الشرك فابوا وهربوا { الى الكهف } هو جيروم فى جبلهم بنجلوس واتخذوه مأوى . والفتية جمع الفتى وهو الشاب القوى الحدث ويستعار للمملوك وان كان شيخا كالغلام وعن النبى صلّى اللّه عليه وسلّم ( لا يقل احدكم عبدى وامتى ولكن ليقل فتى وفتاتى ) وعن ابى يوسف من قال انا فتى فلان كان اقرارا منه بالرق { فقالوا ربنا آتنا من لدنك } من خزائن رحمتك الخاصةالمكنونة عن عيون اهل العادات فمن ابتدائية متعلقة بآتنا { رحمة } خاصة تستوجب المغفرة والزرق والا من من الاعداء { وهيئ لنا من امرنا } كلا الجارين متعلق بهيئ لاختلافهما فى المعنى واصل التهيئة اظهار هيئة الشئ وفى الصحاح هيأت الشئ اصلحته والاصلاح نقيض الافساد وهو جعل الشئ على الحالة المستقيمة النافعة والافساد هو الاخراج عن حد الاعتدال . والمعنى اصلح ورتب . واتمم لنا من امرنا الذى هو مهاجرة الكفار والمثابرة على الطاعة { رشدا } اصابة للطريق الموصل الى المطلوب واهتداء اليه. ١١ { فضربنا على آذانهم } اى حجابا يمنع سماعها اى انمناهم على طريقة التمثيل المبنى على تشبيه الانامة الثقيلة المانعة عن وصول الاصوات الى الآذان بضرب الحجاب عليها وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها فى الحجب عن الشعور عند النوم لما انها المحتاجة الى الحجب عادة اذ هى الطريقة للتيقظ غالبا لا سيما عند انفراد النائم واعتزاله عن الخلق والفاء فى ضر بنا كما فى قوله فاستجيبنا له بعد قوله اذ نادى فان الضرب المذكور وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذا ت الشمال وغير ذلك ايتاء رحمة لدنيه خافية عن ابصار المتمسكين بالاسباب الادية استجابة لدعواتهم { فى الكهف } ظرف مكان لضربنا { سنين } ظرف زمان له { عددا } اى ذوات عدد هى ثلاثمائة وتس سنين كما سيأتى ووصف السنين بذلك اما للتكثير وهو الانسب باظهار كمال القدرة او للتقليل وهو الاليق بمقا انكار كون القصة عجبا من بين سائر الآيات العجيبة فان مدة لبثهم كبعض يوم عنده تعالى. ١٢ { ثم بعثناهم } اى ايقظناهم من تلك النومة الثقيلة الشبيهة بالموت وفيه دليل على ان النوم اخو الموت فى اللوازم من البعث وتعطيل الحياة والالتحاق بالجمادات { لنعلم } العلم هنا مجاز عن الاختبار بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به قطعا بل قد يكون لاظهار عجزه عنه على سنن التكاليف التعجيزية كقوله تعالى { فائت بها من المغرب } وهو المراد هنا فالمعنى بعثناهم لنعاملهم من يختبرهم { أى الحزيبين } اى الفريقين المختلفين فى مدة لبثهم بالتقدير والتفويض كما سيأتى - روى - عن ابن عباس رضى الل عنهما ان احد الحزبين الفتية والآخر الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك وذلك لان اللام للعهد ولا عهد لغيرهم واى مبتدأ خبره قوله { احصى } فعل ماض اى ضبط { لما لبثوا } اى للبثهم فما مصدرية { امدا } يقال ما امدك اى منتهى عمرك اى غايته فيظر لهم عجزهم ويفوضوا ذلك الى العليم الخبير ويتعرفوا حالهم وما صنع اللّه بهم من حفظ ابدانهم واديانهم فيزدادوا يقينا بكمال قدرته وعلمه ويستبصروا به امر البعث ويكون ذلك لطفا لمؤمنى زمانهم وآية بينة فكارهم . والامد بمعنى المد كالغاية فى قولهم ابتداء الغاية على طريق التجوز بغاية الشئ عنه فالمراد بالمدى المدة كما ان المراد بالغاية المسافة وهو مفعول لا حصى والجار والمجرور حال منه قدمت عليه لكونه نكرة فاحصى فعل ماض هنا وهو الصحيح لا افعل تفضيل لان المقصود بالاختيار اظهار عجز الكل عن الاحصاء رأسا لا اظهار افضل الحزبين وتمييزه عن الادنى مع تحقق اصل الاحصاء فيما. قال فى التأويلات النجمية { ام حسبت } اشار الى النبى صلّى اللّه عليه وسلّم اى انك ان حسبت { ان } احوال { اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا } اى من آيات احساننا مع الحبد { عجبا } فان فى امتك من هو اعجب حالا منهم وذلك ان فيهم اصحاب الخلوات الذين كهفهم الذى يأوون اليه بيت الخلوة ورقيمهم قلوبهم المرقومة برقم المحبة فهم محبى ومحبوبى والوح قلوبهم مرقومة بالعلوم اللدنية : قال الحافظ خاطرت كى رقم فيض بذيرد هيهات ... مك رازتقش برا كنده ورق ساده كنى وان كان اصحاب الكهف آووا الى الكهف خوفا من لقاء دقيانوس وفرارا فانهم آووا الى كهف الخلوة شوقا الى لقائى وفرارا الى : قال الحافظ شكر كمال حلاوت بس از رياضت يافت ... نخست درشكن تنك ازان مكان كيرد وان كان مرادهم من قولهم { ربنا آتنا } الآية النجاة من شر دقيانوس والخروج من الغار بالسلام فمراد هؤلاء القوم النجاة من شر نفوسهم والخروج من ظلمات غار الوجود للوصول الى انوار مالى وجلالى : قال الحافظ مددى كر بجراغى نكند آتش طور ... جاره تيره شب وادى ايمن جه كنم وبقوله { فضربنا } الآية يشير الى سد آذان ظاهر اصحاب الخلوة وآذان باطنهم لئلا يقرع مسامعهم كلام الخلق فتنقش الواح قلوبه مبه وكذلك ينعزل جميع حواسهم عن نقش قلوبهم ثم انهم يمحون النقوش السابقة عن القلوب بملازمة استعمال كلمة الطلاسة وهى كلمة لا اله الا اللّه حتى تصفو قلوبهم بنفى لا اله عما سوى اللّه وباثبات الا اللّه تتنور قلوبهم بنور اللّه وتنقش بنور العلوم اللدنية الى ان يتجلى تبارك وتعالى لقلوبهم بذاته وجميع صفاته ليفنيهم اللّه عنهم ويبقيهم به وهو سر قوله { ثم بعثناهم } اى احييناهم بنا { لنعلم أى الحزبين } اى حزب اصحاب الكهف وحزب اصحاب الخلوة احصى اى اخطأ وصاب لما لبثوا فى كهفهم وبيت خلوتهم امدا غاي لبثهم. ١٣ { نحن نقص عليك } اى نخبرك ونبين لك وقد مر اشتقاقه فى مطلع سورة يوسف { نبأهم } اى خبر اصحاب الكهف والرقيم { بالحق } صفة لمصدر محذوف اى نقص قصا ملتبسا بالحق والصدق. وفيه اشارة الى ان القصاص كثير يقصون بالباطل ويزيدون وينقصون ويغيرون القصة كل واحد يعمل برأيه موفقا لطبعه وهواه وما يقص بالحق الا اللّه تعالى { انهم فتية } [ شبان ] { آمنوا بربهم }. قال فى التكملة سبب ايمانهم ان حواريا من حواريى عيسى عليه السلام اراد ان يدخل مدنيتهم فقيل له ان على بابها صنما لا يدخلها احد الا سجد له فامتنع من دخولها واتى حماما كان قريبا من تلك المدينة فآجر نفسه فيه فكان يعمل فبه فتعلق به فتية من اهل المدينة فجعل يخبرهم خبر السماء وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه ثم هرب الحورى بسبب ابن الملك اراد دخول الحمام بامرأة فنهاه الحوارى فانتهره فلما دخل مع المرأة ماتا فى الحمام فطلبه الملك لما قيل له انه قتل ابنك فهرب ثم قال الملك من كان يصحبه فسموا الفتية فهربوا الى الكهف. يقول الفقير الظاهر ان ايمانهم كان بالالهام الملكوتى والانجذاب اللاهوتى من غير دليل يدلهم على ذلك كما يشير اليه كلام التأويلات وسيأتى . واختل فيهم متى كانوا فروى بعض الناس انهم كانوا قبل عيسى ابن مريم وان عيسى اخبر قومه خبرهم وان بعثهم من نومهم كان بعد رفع عيسى فى الفترة بينه وبين محمد عليهما السلام. وروى بعضهم ان امرهم كان بعد عيسى وانهم كانوا على دين عيسى. قال الطبرى وعليه اكثر العلماء { وزدناهم } [ وبيفزوديم ايشانرا ] { هدى } بان ثبتانهم على الدين الحق واظهرنا لهم مكنونات محاسنه. وفى التأويلات النجمية سماهم باسم الفتوة لانهم آمنوا بالتحقيق لا بالتقليد وطلبوا الهداية من اللّه الى اللّه باللّه ولكنه طلبوا الهداية فى البداية بحسب نظرهم وقدر همتهم فاللّه تعالى على قضية ( من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه رذاعا ) زاد فى هداهم فضلا منه وكرما كما قال { وزدناهم هدى } اى زدنا على متمناهم فى الهداية فانهم كانوا يتمنون ان يهديهم اللّه الى الايمان باللّه وبما جاء به الانبياء وبالبعث والنشور وايمانا بالغيب فزاد اللّه على متمناهم فى الهداية حين بعثهم من رقدتهم بعد ثلاثمائة وتسع سنين وما تغيرت احوالهم وما بليت ثيابهم فصار الايمان ياقانا والغيب عينا وعينا. ميوه باشد آخر ازهار تو ... كعبه باشد آخر اسفار تو ١٤ { وربطنا على قلوبهم } اى قويناهم حتى اقتحموا مضايق الصبر على هجر الاهل والاوطان والنعيم والاخوان واجترأوا على الصدع بالحق من غير خوف وحذار والرد على دقيانوس الجبار وفى الحديث ( افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) وذلك لان المجاهد متردد بين رجاء وخوف واما صاحب السلطان فمتعرض للتلف فصار الخوف اغلب. قال فى الاساس ربطت الدابة شددتها برباط والمربط الخيل ومن المجاز ربط اللّه على قلبه اى صبره ولما كان الخوف والقلق يزعج القلوب عن مقارها قال اللّه تعالى { بلغت القلوب الحناجر } قيل فى مقابلته ربط قلبه اذا تمكن وثبت وهو تمثيل شبه تثبيت القلوب بالصبر بشد الدواب بالرباط { اذ قاموا } منصوب بربطنا والمراد بقيامهم انتصابهم لاظهار شعار الدين وقيل المراد قيامهم بين يدى دقيانوس الجبار من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الاصنام فحينئذ يكون ما سيأتى من قوله تعالى { هؤلاء } منقطعا عما قبله صادرا عنهم بعد خروجهم من عنده. وفى التأويلات النجمية { وربطنا على قلوبهم اذ قاموا } يعنى لئلا يلتفتوا الى الدنيا وزخارفها وينقطعوا الى اللّه بالكلية ولذلك ما اختاروا بعد البعث الحياة فى الدنيا ورغبوا فى ان يرجعوا الى جوار الحق تعالى { فقالوا ربنا رب السموات والارض } رب العالم ومالكه وخالقه والصنم جزؤ من العالم فهو مخلوق لا يصلح للعبادة { لن ندعو } لن نعبد ابدا وبالفارسية [ نخواهيم برستيد ] { من دونه آلها } معبودا آخر لا استقلالا ولا اشتراكا والعدول عن ان يقال ربا لتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون اصنامهم آلهة { لقد قلنا اذا } [ آن هنكام كه ديكرى را برستيم ] { شططا } قولا ذا شطط اى تجاوز عن الحد فهو نعت لمصدر محذوف بتقدير المضاف او قولا هو عين الشطط على انه وصف بالمصدر مبالغة. قال فى القاموس شط فى سلعته شططا محركة جاوز القدر والحد وتباعد عن الحق انتهى . وحيث كانت العبادة مستلزمة للقول لما انها لا تعرى عن الاعتراف بالوهية المعبود والتضرع اليهقيل لقد قلنا واذا جواب وجزاء اى لو دعونا من دونه آلها واللّه لقد قلنا قولا خارجا عن حد العقول مفرطا فى الظلم ١٥ { هؤلاء } مبتدأ وفى التعبير باسم اشارة تحقير لهم { قومنا } عطف بيان له . يعنى [ اين كروه كه كسان ما اند درنسب يعنى جمعى از اهل افسوس ]. وقال فى التأويلات النجمية انما قالوا { قومنا } اى كنا من جملتهم وبالضالة فى زمرتهم فانعم اللّه علينا بالهداية والمعرفة وفرق بيننا وبينهم بالرعاية والعناية وخلصنا من عبادة الهوى والدنيا وشهواتها { اتخذوا من دونه آلهة } خبره وهو ابخار فى معنى الانكار اى عبدوا الاصنام وجعلوها آلهة جهلا منهم. قال ابو حيان اتخذوا هنا يحتمل ان يكون بمعنى عملوا لانها اصنام هم نحتوها وان يكون بمعنى صيروا. وفى المثنوى بيش جوب وبيش سنك نقشى كنند ... اى بسا كولان كه سر هامى نهند ديو الحاح غوايت ميكند ... شيه الحاح هدايت ميكند { لولا يأتون } هلا يأتون . وبالفارسية [ جرانمى آرندكه كافران ] { عليهم } على الوهيتهم { بسلطان بين } بحجة ظاهرة الدلالة على مدعاهم يعنى يعبدون الهة لم يتمسكوا فى صحة عبادتها ببرهان سماوى من جهة الوحى والسمع ولا لهم فيها علم ضرورى ولا دليل عقلى. وفيه دليل على ان ما لا دليل عليه من الديانات مردود والآية انكار وتعجيز وتبكيت لان الاتيان بالسطان على عبادة الاوثان محال { فمن اظلم } [ بس كيست سمتكارتر ] { ممن افترى على اللّه كذاب } بنسبة الشريك اليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا. والمعنى انه اظلم من كل ظالم وعذابه اعظم من كل عذاب لان الظلم موجب للعذاب فيكون الاعظم للاظلم. ١٦ { واذ اعتزلتموهم } الاعتزال بالفارسية [ جداشدن ] اى فارقتموهم فى الاعتقاد واردتم الاعتزال الجسمانى وهو خطاب بعضهم لبعض حين صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم. قال الكاشفى [ قبل ازين كذشت كه دقيانوس بعد از معارضه ايشان مهلت داد وايشان فرار كردند يمليخا كه مهتر ايشان بود در اثناى طريق بايشان كفت { واذ اعتزلتموهم } وجون يكسو شديد ازاهل شرك ودورى جستيد ازا يشان ] { وما يعبدون الا اللّه } عطف على الضمير المنصوب وما مصدرية او موصولة اى اذا اعتزلتموهم ومعبوديهم الا اللّه اى وعبادتهم الا عبادة اللّه وعلى التقديرين فالاستثناء متصل على تقدير كونهم مشركين كاهل مكة ومنقطع على تقدير تمحضهم فى عباد الاوثان { فأووا } التجئوا { الى الكهف } قال الفراء هو جواب اذ كما تقول اذ فعلت فافعل كذا وقيل هو دليل على جوابه اى اذا اعتزلتموهم اعتزالا اعتقاديا فاعتزلوهم اعتزالا جسمانيا او اذ اردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء الى الكهف. وفيه اشارة الى ان الاعتزال الاعتقادى يوجب الاعتزال الجسمانى. ومن ثم قال فى مجمع الفتاوى سئل الرستغفنى عن المناحكة بين اهل السنة وبين اهل الاعتزال فقال لا يجوز { ينشر لكم } يبسط لكم ويوسف عليكم { ربكم } مالك امركم { من رحمته } من تفضله وانعامه فى الدارين { ويهيئ لكم } يسهل لكم { من امركم } الذى انتم بصدده من الفرار بالدين { مرفقا } ما ترفقون وتنتفعون به وجزمهم بذلك لخلوص يقينهم عن شوب الشك وقوة وثوقهم. وفى الحديث ( ادعوا اللّه وانتم موقنون بالاجابة ) وفى الآية اشارة الى ان التائب الصادق والطالب المحق من اعتزل عن قومه وترك اهل صحبته وقطع عن اخوان سوئه واعتقد ان لا يعبد الا اللّه يعرض عما سوى اللّه مستعينا باللّه متوكلا على اللّه فارّا الى اللّه من غير اللّه : قال الحجندى وصل ميسر نشود جز بقطع ... قطع نخست از همه ببريدنست ثم يأوى الى كهف الخلوة : قال الجامى زابناى دهر وقت كسى خوش نميشود ... خوش وقت آنكه معتكف كنج عزلتست متمسكا بذيل ارادة شيخ كامل مكمل واصل موصل ليربيه ويزيد فى هدايته ويربط على قلبه بنور الولاية وقوة الرعاية كما كان حال اصحاب الكهف : وفى المثنوى كرجه شيرى جون روى ره بى دليل ... خويش بينى در ضلالى وذليل هين مبر الا كه بابرهاى شيخ ... تابينى عون لشكرهاى شيخ ولكنهم كانوا مجذوبين من اللّه مربوبين بربهم وذلك من النوادر ولا حكم للنادر واليه يشير قوله عليه السلام ( ان اللّه ادبنى فاحسن تأديبى ) وهذا من قدرة اللّه ان يهدى جماعة الى الايمان بلا واسطة رسول او نبى بجذبات العناية الى مقامات القرب ومحل الاولياء بلا شيخ مرشد وهاد مرب ومن سنة اللّه ان يهدى عباده بالانبياء والرسل وبخلافتهم ونيابتهم بالعلماء الراسخين والمشايخ المقتدين ففى قوله { فأووا الى الكهف } اشارة الى الالتجاء بالخلوة والتمسك بالمشايخ المسلكين يعنى لهذه الطريقة { ينشر لكم ربكم من رحمته } اى يخصصكم برحمة الخاصة المضافة الى نفسه وهو ان يجذبهم بجذبان العناية ويدخلهم فى عالم الصفات ليتخلقوا باخلاقه ويتصفوا بصفاته كقوله تعالى { يدخل من يشاء فى رحمته } وله رحمة عامة مشتركة بين المؤمن والكافر والجن والانس والحيوان { ويهيئ لكم من امركم مرفقا } اى ينشر لكم طريق الوصول والوصال كما فى التأويلات النجمية. ١٧ { وترى الشمس } يا محمد او يا من يصلح للخطاب ويتأتى منه الرؤية وليس المراد به الاخبار بوقوع الرؤية تحقيقا بل الانباء بكون الكهف بحيث لو رأيته ترى الشمس. قال الكاشفى [ آورده اندكه جوانان اتفاق نموده بكوه در آمدند وشبان ايشانرا بغار در آورد وجون درو قرار كرفتند حق سبحانه وتعالى خواب برايشان كما شت هما نجا بخفتند دقيانوس بعد ازدوسه روزى بافسوس باز آمده احوال جوانان برسيد وجون ازفرار ايشان خبر يافت آباء ايشانرا براحضار ايشان تكليف نمود كفتند اى ملك مبلغى اموال ما برده بدين كو متحصن شدند دقيانوس باجمعى ازعقب ايشان برفت وايشانرا درون غار تكيه كرده يافت بنداشت كه بيدارندكفت درغاررابسنك بر آريد تاهم آنجا بميرند بس درغاررا استوار كردند ودومؤمن ازمقربان دقيانوس اسامى واحاوال جوانرا برلوحى ازسنك نقش كرد ودرديوار غار وضع كردند باميد آنكه شايد كسى روزى آنجارسد وازحوال ايشان خبر دار كردد ]. يقول الفقير فيكون ما ذكر فى الآية من تزاور الشمس وقرضها طالعة وغاربة قبل ان سد دقيانوس باب الكهف اذ لا يتصور دخول شعاع الشمس من الباب المسدود حتى يحتاج الى التزاور والقرض كما لا يخفى { اذا طلعت تزاور } اى تتزاور وتتنحى وتميل بحذف احدى التاءين من الزور بفتح الواو وهو الميل { عن كهفهم } الى آووا اليه فالاضافة لادنى ملابسة { ذات اليمين } اى جهة ذات يمين الكهف عند توجه الداخل على قعره اى جانبه الذى يلى المغرب فلا يقع عليهم شعاعها فيؤذيهم لان الكهف كان جنوبيا اى كانت سحاته داخلة فى جانب الجنوب اوزوّرها اللّه عنهم وصرفها على منهاج خرق العادة كرامة لهم وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين اى الجهة المسماة باسم اليمين { واذا غرب } اى تراها عند غروبها { تقرضهم } القرض القطع ومنه المقراض اى تقطعهم ولا تقربهم { ذات الشمال } اى جهة ذات شمال الكهف اى جانبه الذى يلى المشرق. وفى القاموس تقرضهم ذات الشمال اى تخلفهم شمالا وتجاوزهم وتقطعهم وتتركهم على شمالها { وهم فى فجوة منه } الفجوة الفرجة وما اتسع من الارض وساحة الدار وهى جملة حالية مبنية لكون ذلك امرا بديعا اى تراها تميل عنهم يمينا وشمالا ولا تحوم حولهم فى نهارهم كله مع انهم فى متسع من الارض اى فى وسط معرض لاصباتها لولا ان صرفتها فى نهارهم كله مع انهم فى متسع من الارض اى فى وسط معرض لاصابتها لولا ان صرفتها عنهم يد التقدير { ذلك } اى ما صنع اللّه بهم من تزاور الشمس وقرضها حالتى الطلوع والغروب مع كونهم فى موقع شعاعها { من آيات اللّه } العجيبة الدالة على كمال علمه وقدرته وحقية التوحيد وكرامة اهله عنده { من } [ هركه ] { يهد اللّه } الى الحق بالتوفيق له { فهو المهتد } الذى اصاب الفلاح واهتدى الى السعادة كلها فلن يقدر على اضلاله احد والمراد اما الثناء عليهم بانهم المهتدون او التنبيه على ان امثال هذه الآية كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه اللّه للاستبصار بها { ومن يضلل } اى يخلق فيه الضلالة لصرف اختياره اليها { فلن تجد له } ابدا وان بالغت فى التتبع والاستقصاء { وليا } ناصرا { مرشدا } يهديه الى الفلاح لاستحالة وجوده فى نفسه لا انك لا تجده مع وجوده او امكانهم. ١٨ { وتحسبهم } تظنهم والخطاب فيه كما فى ترى { ايقاظا } متنبهين جمع يقظ يفتح القاف وكسرها وهو اليقظان ومجار الحسبان انفتاح عيونهم على هيئة الناظر { وهم رقود } نيام جمع راقد مثل بكيا وجثيا فى سورة مريم جمع باك وجاث والاصل بكوى وجثوى على وزن رقود { در كشف الاسرار آورده كه اين حال نمو دار كار جوانمردان طريقتست جون بظواهر ايشان درنكرى بينى كه جلوه كراند در ميدان اعمال وجون سرائر ايشان دريابى بينى كه ازهمه فارغند در بوستان لطف ذو الجلال بباطن مست وبظاهر هشيار بمعنى بيكار وبصورت دركار } ظاهرى باين وآن درساخته باطنى از جمله وابرد اخته { ونقلبهم } فى رقدتهم بايدى الملائكة { ذات اليمين } نصب على الظرفية اى جهة تلى ايمانهم { وذات الشمال } اى جهة تلى شمائلهم كيلا تأكل الارض ما يليها من ابدانهم على طول الزمان قال ابو هريرة رضى اللّه عنه كانت لهم تقلبتان فى السنة. وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما تقلبة واحدة من جانب الى جانب لئلا تأكل الارض لحومهم وذلك فى يوم عاشوراء وتعجب منه الامام وقال ان اللّه قادر على حفظهم من غير تقليب واجاب عنه سعدى المفتى بقوله لا ريب فى قدرة اللّه ولكن تعالى جعل لكل شئ سببا فى اغلب الاحوال انتهى. قال بعض الكبار الميل الى اليمن عند النفى حين التلفظ بكلمة الشهادة والى اليسار عند الاثبات مأخوذ من هذه الآية الشريفة. قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة لطبقة وهى ان المريد الذى يربيه اللّه بلا وساطة المشايخ يحتاج الى ان يكون كالميت بين يدى الغسال مسلما نفسه بالكلية اليه مدة ثلاثمائة سنة وتسع سنين حتى تبلغ مبلغ الرجال والمريد الذى يربيه اللّه بواسطة المشايخ لعله يبلغ مبالغ لارجال البالغين بخلوة اربعين يوما او خلوتين او خلوات معدودة وذلك ان هؤلاء خلفاء اللّه بواسطة المشايخ وصورة لطفه كما ان الاشجار فى الجبال ترى بلا واسطة فلا تثمر كما تثمر الاشجار فى البساتين بواسطة الدهاقين وتربيتهم زمن اى دوست اين يك بندبيذير ... برو فتراك صاحب دولتى كير كه قطره تا صدف را درنيايد ... نكردد كوهر وروشن نتابد { وكلبهم } هو كلب راع قد تبعهم على دينهم واسمه قطمير { باسط ذراعيه } حكاية حال ماضية ولذلك اعمل اسم الفاعل وعند الكسائى وهشام وابى جعفر من البصريين يجوم اعماله مطلقا والذراع من المرفق الى رأس الاصبع الوسطى { بالوصيد } اى بموضع الباب من الكهف. قال فى القاموس الوصيد الفناء والعتبة انتهى. قال السدى الكهف لا يكون له عتبة ولا باب وانما اراد ان الكلب منه موضع العتبة من البيت - روى - انه يدخل الجنة مع المؤمنين على ما قال مقاتل عشرة من الحيونات تدخل الجنة نقاة صالح وعجل ابراهيم وكبش اسماعيل وبقرة موسى وحوت يونس وحمار عزير ونملة سليمان وهدهد بلقيس وكلب اصحاب الكهف وناقة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فكلهم يصييرون على صورة كبش ويدخلون الجنة ذكره فى مشكاة الانوار : قال الشيخ سعدى قدس سره. سك اصحاب كهف روزى جند ... بى نيكان كرفت ومردم شد يعنى [ بامردمان داخل جنت شد درصورت كبش . ودر تفسير امام ثعلبى مذكوراست كه هركه درشبانروز برحضرت نوح عليه السلام درود فرستد از كزدم ضررى بوى نرسد وهركه اين كلمات { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } نوشته باخود دارد از سك متضرر نكردد ]. قال فى حياة الحيوان اكثر اهل التفسير على ان كلب اهل الكهف كان من جنس الكلاب - روى - عن ابن جريرج انه قال كان اسدا ويسمى الاسد كلبا لان النبى عليه الرسلام دعا على عتبه بن ابى لهب ان يسلط اللّه عليه كلبا من كلابه فاكله الاسد والكلب نوعان اهلى وسلوقى نسبة الى سلوق وهى مدينة باليمن ينسب اليها الكلاب السلوقية فانه يكون فيها كلاب طوال يصيدون بها. ومن بلاغات الزمخشرى السوقية والكلاب السلوقية سواء يعنى ان السوقية لما فيهم من سوء الخلق ورداءة المعاملة والكلاب السلوقية متساويتان وكلا النوعين فى الطبع سواء وفى طبعه الاحتلام وتحيض اناثه. قال ابن عباس رضى اللّه عنهما كلب امين خير من صاحب خوان. وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم فخرج فى بعض منزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فأكلا وشربا ثم اضطجعا فوثب الكلب عليهما فقتلهما فلما رجع الحارث الى منزله فوجدهما قتيلين عرف الامر فانشد يقول وما زال يرعى ذمتى ويحوطنى ... ويحفظ عرسى والخليل يخون فيا عجبا للخل تحليل حرمتى ... ويا عجبا للكلب كيف يصون وفى عجائب المخلوقات ان شخصا قتل شخصا باصفهان والقاء فى بئر وللمتقول كلب برئ ذلك فكان يأتى كل يوم الى رأس البئر وينحى التراب عنها ويشير واذا رأى القاتل شح عليه فلما تكرر منه ذلك حفروا الموضع فوجدوا القتيل ثم اخذوا الرجل فاقر فقتل به قال المولى الجامى فى ذم ابناء الزمان در لباس دجوستى سازند كار دشمنى ... حسب الامكان واجبست ازكيد ايشان اجتناب شكل ايشان شكل انسان فعل شان فعل سباع ... هم ذئاب فى ثياب او ثياب فى ذئاب وعن الحسن البصرى رحمه اللّه قال فى الكلب عشر خصال ينبغى لكل مؤمن ان تكون فيه الاولى ان يكون جائعا فانه من دأب الصالحين . والثانية ان لا يكون له مكان معروف وذلك من علامات المتوكلين . والثالثة ان لا ينام من الليل الا قليلا وذلك من علامات المحبين. والرابعة اذا مات لا يكون له ميراث وذلك من صفات المنزهدين . والخامسة انه لا يترك صاحبه وان ضربه وجفاه وذلك من علامات المريدين الصادقين . والسادسة انه يرضى من الارض بادنى الاماكن وذلك من علامات المتواضعين . والسابعة اذا تغلب على مكانه تركه وانصرف الى غيره وهذه من علامات الراضين . والثامينة اذا ضرب وطرد وجفى عليه وطرح له كسرة اجاب ولم يحقد على ما مضى وذلك من علامات الخاشعين . والتاسعة اذا حضر الاكل جلس بعيدا ينظر وهذه من خصال المساكين . والعاشرة انه اذا رحل من مكان لا يلتفت اليه وهذه من علامات المخزونين كذا فى روض الرياحين للامام اليافعى رحمه اللّه { لو اطلعت عليهم } اى لو عاينتهم وشاهدتهم واصل الاطلاع الاشراف على الشئ بالمعاينة والمشاهدة { لوليت منهم } اى هربت { فرارا } نصب على المصدرية من معنى ما قبله اذا التولية والفرار من واحد اى وليت تولية او فررت فرارا { ولملئت } [ وهر آينه بر كرده سوى ] { منهم رعبا } خوفا يملأ الصدر ويرعبه وهوا ما مفعول ثان او تمييز وذلكلما البسهم اللّه من الهيبة والهيئة كانت اعينهم مفتحة كالمستيقظ الذى يريد ان يتكلم . قال الكاشفى [ مراد آنست كه كسى را طاقت ديدن ايشان نيست بجهت آنكه جشماهاى ايشان كشاده است ومويها وناخونهاى ايشان دراز شده وايشان درمكان مظلم وموحش اند ] وعن معاوية رضى اللّه عنه انه غزا الروم فمر بالكهف فقال لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا اليهم فقال له ابن عباس رضى اللّه عنهما ليس لك دلك وقد منع اللّه من هو خير منك فقال { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا } فقال معاوية لا انتهى حتى اعلم علمهم فبعث ناسا وقال لهم اذهبوا فانظروا ففعلوا فلما دخلوا الكهف جاءت ريح فاحرقتهم وقيل فاخرجتهم. فان قيل من اين يفهم المنع من الآية . قلنا من حيث دلالتها على انهم لما البسهم اللّه تعالى من الهيبة لا يستطيع احد ان ينظر اليهم نظرا الاستقصاء وهذا الذى طلبه معاوية ولم يسمع لانه ظن ان هذا المعنى وهو امتناع الاطلاع عليه ممختص بذلك الزمان الذى قبل بعثهم ولاعثار عليهم وبناء المسجد فوقهم . واما ابن عباس رضى اللّه عنهما فقد علم ان ذلك عام فى جميع الازمان كذا فى حواشى سعدى المفتى. يقول الفقير لا شك ان عبارة الخطاب فى لو اطلعت وما يليه لحضرة الرسالة واشارته لكل من يصلح له من امته فمعاوية داخل تحت اشارة هذا الخطاب فيكون التفتيش عنهم اذا ضائعا لا طائل تحته وذلك لان مطالعة ما خرج عن حد اشكاله من الامور العجيبة الخارقة لا تتيسر لكل نظر ألا ترى انه عليه السلام مع غلبة الملكية عليه لما رأى جبرائيل على صورته العجيبة وقد سد باجنحته ما بين المشرق والمغرب خر مغشيا عليه مع ان فى النظر اليهم ابتذالا لهم بالنسبة الى من ليس من اهله وقد جرت عادة اللّه تعالى على ستر المعانى فى الدنيا والصور فى البرزخ الذى هو مقدمة عالم الآخرة فكما لا يشاهد الروح وهو فى البرزخ لكون حسن الرائى حجابا مانعا كذلك الجسد الطاهر المقدس لكونه متصلا بمقام الروح ولذا لا تأكله الارض فافهم - حكى - ان صوفيا رأى وليا من اولياء اللّه تعالى راكبا لاسد وبيده حية بدل السوط فلما شاهده هلك من هيبة المقام طاقة بروانه بر سوخته نيست ... ١٩ { وكذلك } قال الكاشفى [ جون دقيانوس در غار برايشان استوار كرده باز كشت وبدار الملك باز آمدند كه زمانى را راداجل بناى حاتش درهم فكند وآن همه ملك ومال وجلال متلاشى كشت ] دمى جند بشمرد وناجيز شد ... زمانه بخنديد كونيز شد [ وبعد ازو جند مالك ديكر برآن ممالك نظر كرد تانوبت ملك صالح تندروس وكويند تندروسى رسيد واومردى مؤمن وخدى ترس بود واكثر اهل زمان اوراد درحشر جسد شبه افتاد ومنكران شدند هرجند ملك ايشانرا بند داد سود نكرد حق سبحانه وتعالى خواست كه دليل برحشر جسد برايشان نمايد اصحاب كهف را ازخواب بيدار كردجنانجه كفت ] { وكذلك } اى كما انمناهم تلك الانامة الطويلة وحفظنا اجسادهم وثيابهم من البلى والتحلل آية دالة على كمال قدرتنا { بعثناهم } اى ايقظناهم من النوم { ليتسائلوا بينهم } اى ليسأل بعضهم بعضا فيترتب عليه ما فصل من الحكم البالغة { قال } استئناف لبيان تسألهم { قائل منهم } هو رئيسهم مكشليينا. وفى بحر العلوم مكسلمينا { كم } [ جندوقت ] { لبثتم } فى منامكم لعله قال لما رأى من مخافة حالهم لما هو المعتاد فى الجملة { قالوا } اى بعضهم { لبثنا يوما او بعض يوم } قيل انما قالوه لما انهم دخلوا الكهف عدوة وكان انتباههم آخر النهار فقالوا لبثنا يوما فلما فأوا ان الشمس لم تغرب بعد قالوا او بعض يوم وكان ذلك بناء على الظن الغالب فلم ينسبوا الى الكذب. قول الكاشفى [ ايشان بامداد بغار بر آمده بودند جون درنكريستند آفتاب بوقت جاشت رسيده ديند قالوا لبثنا كفتند درنك كرديم اينجا يوما روزى اكردى روز درخواب شده باشيم او بعض يوم يا باره از روز اكردرين روز خفته باشيم ]. يقول الفقير هذا اولى مما قبله لان قوله فابعثوا احدكم بورقكم يدل على بقاء ما يسع فيه الذهاب والاياب من النهار بخلاف ما لو كان الوقت قبيل الغروب اذ يبعد البعث المذكور فيه لعدم امكان العود عادة لمكان المسافة بين الكهف والمدينة { قالوا } اى بعض آخر منهم بما سنح لهم من الادلة او بالهام من اللّه. وقال الكاشفى [ بس جون ناخنان خودرا باليده وموبهاى سررا دراز يافتند كفتند بعضى ازايشان بعض ديكريرا ] { ربكم اعلم بما لبثتم } اى انتم لا تعلمون مدة لبثكم لانها متطاولة ومقدارها مبهم وانما يعلمها اللّه تعالى وبه يتحقق التحزب الى الحزبين المعهودين فيما سبق { فابعثوا احدكم } يمليخا { بورقكم هذه الى المدينة } قالوه اعراضا عن التعمق فى البحث لانه مللتبس لا سبيل لهم الى علمه واقبالا على ما يهمهم بحسب الحال كما يبنئ عنه الفاء والورق الفضة مضروبة او غير مضروبة ووصفها باسم الاشارة يشعر بان القائل ناولها بعض اصحابه ليشترى بها قوت يومهم ذلك وحملهم لها دليل على ان الاتزود اى اخذ الزاد لا ينافى التوكل على اللّه بل هو فعل الصالحين ودأب المنقطعين الى اللّه دون المتوكلين على الانفاقات والتوكل يكون بعد مباشرة الاسباب : وفى المثنوى كرتوكل ميكنى دركار كن ... كشت كن بس تكيه بر جبار كن رمز الكاسب حبيب اللّه شنو ... ازتوكل درسبب كاهل مشو وكونهم متوكلين علم من قولهم { ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من امركم مرفقا } والمدينة طرسوس وكان اسمها فى الجاهلية افسوس. قال فى القاموس طرسوس كحلزون بلد مخصب كان للارمن ثم اعيد الى الاسلام فى عصرنا { فلينظر ايها } اى اهلها على حذف المضاف كقوله { واسأل القرية } { ازكى طعاما } احل واطيب واكثر وارخص طعاما { فليأتكم } [ بس بيارد بشما ] { برزق } بقوت وهو ما يقوم به بدن الانسان { منه } اى من ذلك الازكى طعاما. قال الكاشفى [ در زمان ايشان در آن شهر كسان بودندكه ايمان خود مخفى مى داشتند غرض آن بودكه ذبيحه ايشان بيدا كند ] { وليتلطف } وليتكلف اللطف فى المعاملة كيلا يغبن او فى الاستخفاء لئلا يعرف قال بعض المتقدمين حسبت القرآن بالحروف فوجدت النصف عند قوله فى سورة الكهف. { وليتلطف } اللام الثانى فى النصف الاول والطاء والفاء فى النصف الثانى كما فى البستان { ولا يشعرن بكم احدا } من اهل المدينة فانه يستدعى شيوع اخباركم اى لا يفعلن ما يؤجى الى الشعور بنا من غير قصد فسمى ذلك اشعارا منه بهم لانه سبب فيه فالنهى على الاول تأسيس وعلى الثانى تأكيد للامر بالتلطف. ٢٠ { انهم } اى ليبالغ فى التلطف وعدم الاشعار لانهم { ان يظهروا عليكم } اى يطلعون عليكم ويظفروا بكم والضمير للاهل المقدر فى ايها { يرجموكم } يقتلوكم بالرحم وهو الرمى بالحجارة ان ثبتم على ما أنتم عليه وهو اخبث القتلة وكان من عادتهم { او يعيدوكم فى ملتهم } اى يصيروكم الى ملة الكفر او يدخلوكم فيها كرها من العود بمعنى الصيرورة كقوله تعالى { او لتعودن فى ملتنا } وقيل كانوا اولا على دينهم قآمنوا. يقول الفقير هذا هو الصواب لقوله تعالى { انهم فتية آمنوا بربهم } وذلك لانه لو لم يكن ايمانهم حادثا لقيل انهم فتية مؤمنون وايثار كلمة فى على كلمة الى للدلالة على الاستقرار الذى هو اشد شئ عندهم كراهة { ولن تفلحوا اذا } اى ان دخلتم فيها ولو بالكره والالجاء لن تفوزوا بخير { ابدا } لا فى الدنيا ولا فى الآخرة لانكم وان اكرهتم ربما استدرجكم الشيطان بذلك الى الاجابة حقيقة والاستمرار عليها. وفى التأويلات النجمية العجب كل العجب انهم لما كانوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين فى مقام عندية الحق خارجين عن عنديتهم ما احتاجوا الى طعام الدنيا وقد استغنوا عن الغذاء الجسمانى بما نالوا من الغذاء الروحانى كما كان حال النبى صلّى اللّه عليه وسلّم يواصل الايام ويقول ( ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى ) فلما رجعوا من عندية الحق الى عندية نفوسهم قالوا { فابعثوا } الخ ففى طلبهم ازكى طعاما اشارة الى ان ارباب الوصول واصحاب المشاهدة لما شاهدوا ذلك الجمال والبهاء وذاقوا طعم الوصال وجدوا حلاوة الانس وملاطفات الحبيب فاذا رجعوا الى عالم النفوس تطالبهم الارواح والقلوب باغذيتهم الروحانية فيتعللون بمشاهدة كل جميل لان كل جمال من جمال اللّه وكل بهاء من بهاء اللّه يوتوصلون بلطافة الاطعمة الى تلك الملاطفات كما قالوا { فليأتكم برزق منه ويتلطف } اى فى الطعام { ولا يشعرن بكم احدا } وفيه اشارة الى الاحتراز عن شعور اهل الغفلة باحوال ارباب المحبة فان لهم فى النهاية احوالا كأنها كفر عند اهل البداية كما قال ابو عثمان المغربى قدس سره ارفاق العارفين باللطف وارفاق المريدين بالعنف { انهم ان يظهروا عليكم } يعنى اهل الغفلة { يرجموكم } بالملامة فيما يشاهدون منك يا اهل المعرفة من وسعة الولاية وقوتها واستحقاق التصرف فى الكونين وانعدام تصرفهما فيكم فانهم بمعزل عن بصيرة يشاهدون بها احوالكم فمن قصر نظرهم يطعنون فيكم. عشق درهر دل كه سازد بهر دردت خانه ... اول از سنك ملامت افكند بنيادوا دون ان { يعيدوكم فى ملتهم } وهى عبادة اصنام الهوى وطواغيت شهوات الدنيا وزينتها فان رجعتم اليها فلن تفلحوا اذا ابدا. يقول الفقير اعلم انه لا يخلو الاعصار من مثل دقيانوس الجبار صورة ومعنى فمن اراد السلامة فى بدنه ودينه وعمله واعتقاده وعرضه فليجدها فى الوحدة والاعتزال عن الناس والايواء الى كهف البيت والذهول عن احوال الناس صغيرهم وكبيرهم رفيعهم ووضيعهم كالنائم فانه مسلوب الحس لا يدرى ما الدنيا وما فيها لغموض العينين لا يفرق بين سواد وبياض وان ادعى اند انه بحر لا يتغير فذلك غرور محض لان عدم التغير لا يحصل الا للمنتهى ففى الاختلاط ضرر كثير وهو كالرضاع يغير الطباع وغايته موافقة اهل الهوى طوعا او كرها نعوذ باللّه من ذلك ونسأله الحفظ من الوقوع فى المهالك ونرجو منه الفلاح الابدى والخلاص السرمدى. ٢١ { وكذلك } . قال الكاشفى [ يمليخاكه بعقل كامل موصوف بود وصيتها قبول نموده روى بشهر نهاد وبدروازه رسيد اوضاع آنرا متغير ديد وجون بشهر دراآمد بازار ومحلات واشكال والوان مردم بر نمطى ديكر يافت حيرت بروى غلبه كرد آخر الامر بدكان خباز آمد ودرمى از آنجه همراه داشت بوى داد تادر عوض نان بستاند نان واى زرى ديد منقش بنام دقيانوس خيال بست كه اين مرد كنجى يافته آن زررا ببازارى ديكر بديكرى نمود بيك لحظه اين خبر دربازار منتشر شده بشحنه رسيد ويمليخارا طلبيده تهديدى عظيم نمود وطلب باقى زرها كرد يمليخا كفت من كنجى نيافته ام دى روزا اين زررا ازخانه بدر برداشته ام وامر وزببازار آورده ام نام بدرش بر سيدند وجون كفت كسى ازاهل شهر ندانست ويراتكذيب نمودند واوازغايت دهشت كفت مرابيش دقيانوس بريدكه او ازمهم من آكاهى دارد مردمان آغاز استهزاء كردندكه دقيانوس قريب سيصد ساله شد كه مردهاست تو مارا افسوس ميكرى يمليخا كفت شما بامن سخريه ميكنيد ديروز ما جماعتى ازوى كريخته بكوه رفتيم وامروز مرابشهر بطلب طعام فرستلدند من بجزاين جيزى ندانم القصة اورانزديك ملك آوردند وصورت حال تقرير كرد ملك باجماعتى از مقربان واشراف بلد روى بغار آورددند ويمليخا بغار درآمد ويارانرا ازصورت حال خبر داد وعلى الفور ملك برسيد وآن لوح كه بردر غار بود برخواندند واسامى واحوال ايشان معلوم كرد وباقوم بغار در آمده ايشانرا ديد بارويهاى تازه وجامهاى نو متحير شده برايشان سلام كرد جواب دادند حق سبحانه وتعالى ازين حال اخبار فرمود ] { وكذلك } اى كما انمناهم وبعثناهم من تلك النومة لما فى ذلك من اظهار اقدرة الباهرة والحكمة البالغة وازدياد بصيرتهم ويقينهم { اعثرنا } اى اطلعنا الناس { عليهم } اى على اصحاب الكهف واصله ان الغافل عن شئ ينظر اليه اذا عثر به فيعرفه فكان العثار سبب العلم به فاطلق اسم السبب على المسبب. قال فى تهذيب المصادر الاعثار [ بررسانيدن كسى را بر جيزى ] قال اللّه تعالى { وكذلك اعثرنا } والاطلاع [ بر رسانيدن كسى برنهانى ] العرب تقول اطلع فلان على القوم ظهر لهم حتى رأوه واطلع عنهم غاب عنهم حتى لا يروه { ليعلموا } اى الذين اطلعناهم على حالهم وهم قوم تندروس الذين انكروا البعث { ان وعد اللّه } اى وعده بالبث للروح والجسد معا { حق } صدق لا خلف فيه لان نومهم ونتباههم بعده كحال من يموت ثم يبعث اذا لنوم اخو الموت { وان الساعة } ان القيامة التى هى عبارة عن وقت بعث الخلائق جميعا للحساب والجزاء { لا ريب فيها } لا شك فى قيامها ولا شبهة فى وقوعها فان من شاهد انه تعالى توفى نفوسهم وامسكها ثلاثمائة سنة واكثر حافظا ابدانهم من التحلل والتفتت ثم ارسالها اليها علم يقينا انه تعالى يتوفى نفوس جميع الناس ويمسكها الى ان يحشر ابدانها فيردها اليها للحساب والجزاء بيش قدرت كارها دشوار نيست ... عجزها باقوت حق كارنيست يقول الفقير هذا من لطف اللّه بالقوم وارشاده اياهم بصورة النوم حيث اظهر هذه القدرة وبين الحق بوجه يقوم مقام بعث الرسول لمن هو من اهل اليقظة. وفى التأويلات النجمية قوله { وكذلك اعثرنا عليهم } اشارة الى انا كما اطلعنا بعض منكرى البعث والنشورة بالاجساد على احوال اصحاب الكهف ليعلموا ويتحقق لهم ان وعد اللّه بالبعث واحياء الموتى حق وان قيام الساعة لا ريب فيه انا قادرون على احياء بعض القلوب الميتة وان وعد اللّه به بقوله { فلنحيينه حياة طيبة } وبقوله { أو من كان ميتا فاحييناه } حق وان قيام قلوب الصديقين المحبين لا ريب فيه انتهى [ درتفسير امام ثعلبى مذكور است كه حضرت رسالت صلّى اللّه عليه وسلّم را آرزوى آن شدكه اصحاب كهف را به بيند جبريل آمدكه يا رسول اللّه توايشانرا درين دنيا نخواهى ديد اما ازاخيار اصحاب خود جهاركس را بفرست تا ايشانرا بدين تودعوت كنثد آن حضرت فرمودكه جكونه فرستم وكه را برفتن بفر ما يم جبريل فرمود وداى مبارك خود بكستران وصديق وفاروق ومرتضى وابودرداء رضى اللّه عنهم بكوتا هريك بكوشه نشيند وادرا كه مسخر سليمان بود بطلب كه دى تعالى اورا مطيع توكردانيد بفرماى ن ايشانرا برداشته بدان غار برد حضرت آنجنان كردو صحابه بدر غارسيدنه سنكى بود برداشتند سك ايشان روشنى بانك دركرفت وحمله آورد واما جون جشم وى ايشانرا ديدرم جنبانيد آغار نهاد وبسر اشارة كردكه در آييد ايشان در آمده كفتند السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته حق سبحانه ارواح باسجاد ايشاز باز آورد تابر خاستند وجواب سلام بازدادند صحابه كفتند نبى اللّه محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شما سلام رسانيده ايشان كفتندو السلام على محمد رسول اللّه بس دعوت كردند ايشانرا بدين اسلام وايشان قبول نمودند وحضرت بغمبررا سلام رسانيدند باز درمضاجع خود تكيه كردند وبارديكر نزد خرود مهدى از اهل محمد عليه السلام زنده شوند ومهدى برايشان سلام كند وجواب دهند بس بميرند ودرقيامت مبعوث كردند ] { اذ يتنازعون } قال بعض اصحاب التفسير هو متعلق باذكر المقدر. يقول الفقير هو الاظهر والانسب لترتيب الفاء الآيتة عليه فيكون كلاما منفصلا عما قبله والمتنازعون هم قوم تندروس { بينهم امرهم } اى تدبير امر اصحاب الكهف حين توفاهم اللّه ثانيا بالموت كيف يخفون مكانهم وكيف يستر الطريق اليهم { فقالوا } اى بعض اهل المدينة { ابنوا عليهم } اى على باب كهفهم { بنيانا } [ ديوارى كه ازجشم مردم بوشيده شوند ] يعنى لا يعلم احد تربتهم وتكون محفوظة من تطرق الناس كما حفظت تربة رسول اللّه بالحظيرة { ربهم اعلم بهم } بحالهم وشأنهم لا حاجة الى علم الغير بمكانهم { قال الذين غلبوا على امرهم } من المسلمين وملكهم { لتتخذن عليهم مسجدا } اى لنبنين على باب كهفهم مسجدا يصلى فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم - روى - انه لم اختلف قوم تندروس فى البعث مقترحين وجاحدين دخل املك بيته واغلق بابه ولبس مسحا جلس على رماد وسأل ربه ان يظهر الحق فالقى اللّه تعالى فى نفس رجل من رعيانهم فهدم ما سد به دقيانوس باب الكهف ليتخذه حظيرة لغنمه فعند ذلك بعثهم اللّه فلما انتشر خبرهم واطلع عليهم الملك واهل المدينة مسلمهم وكافرهم كلموهم وحمدوا اللّه على الآية الدالة على البعث ثم قالت الفتية للملك نستودعك اللّه ونعيذك به من شر الجن والانس ثم رجعوا الى مضاجعهم فناموا وماتوا فالقى الملك عليهم ثيابه وامر فجعل لكل واحد نابوتا من ذهب فرآهم فى المنام كارهين للذهب فجعلها من الساج وبنى على باب الكهف مسجدا. يقول الفقير هذه حال اهل الفناء ولذا لم يقبل حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدسر سره البناء على مرقده فعملوا من الالواح ثم اخذتها الصاعقة كأنها لم يقبل الغطاء وسببه ما سمعته من حضرة شيخى وسندى روح اللّه روحه وهو انه قال ان الشيخ صدر الدين كان من اولاد الملوك كحضرة مولانا صاحب المثنوى وكان مولانا تاركا للدنيا مطلقا وصدر الدين متجملا صورة حتى كان له خدام متزينون وله ابريق وطشت من فضة وتغير عليه شخص فى ذلك فاشار حضرة الشيخ الى الابريق فاتى الى حضرة الشيخ وقربه فتحير الحاضرون وتاب الشخص وقال يوما لحضرة مولانا نعيش كالمولك ونضطجع كالصعلوك فقال مولانا نعيش كالصعلوك ونضطجع كالملوك ولذا ترى تربة مولانا على الاحتشام العظيم دون مرقد صدر الدين رزقنا اللّه شفاعتهما : قال المولى الجامى وصلش مجودر اطلس شاهى كه دوخت عشق ... اين جامه برتنى كه نهان زير زنده بود ٢٢ { سيقولون } الضمائر فى الافعال الثلاثة للخائضين فى قصتهم فى عهد النبى صلّى اللّه عليه وسلّم من اهل الكتاب والمسلمين لكن لا على وجه اسناد كل فيها الى كلهم الى بعضهم سألوا رسول اللّه فاخر الجواب الى ان يوحى اليه فيهم فنزلت اخبارا بما سيجرى بينهم من اختلافهم فى عددهم وان المصيب منهم من يقول سبعة وثامنهم كلبهم اى سيقول اليهود هم اى اصحاب الكهف { ثلاثة } اى ثلاثة اشخاص { رابعهم كلبهم } اى جاعلهم اربعة بانضمامه اليهم كلبهم { ويقولون } اى النصارى وانما لم يجئ بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه { خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب } رميا بالخبر الخفى عليهم واتيانا به كقوله { ويقذفون بالغيب } اى يأتون او ظنا بالغيب من قولهم رجما بالظن اذا ظن وانصابه على الحالية من الضمير فى الفعلين معا اى راحمين او على المصدر منهما فان الرجم والقول واحد اى يرجمون رجما بالغيب { ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم } القائلون المسلمون بطريق التلقن من هذا الوحى وما فيه مما يرشدهم الى ذلك من عدم نظم فى سلك الرجم بالغيب وتغيير سبكه بزيادة الواو المفيدة لزيادة وكادة النسبة فيما بين طرفيها وذلك لان الوحى مقدم على المقالة المذكورة على ما يدل عليه السنن { قل } تحقيقا للحق وردا على الاولين { ربى اعلم }. قال سعدى المفتى اى اقوى علما وازيد فى الكيفية فان مراتب اليقين متفاوتة فى القوة ولا يجوز ان يكون التفضيل بالاضافة الى الطافئتين الاوليين اذ لا شركة لهما فى العلم { بعدتهم } بعددهم { ما يعلمهم الا قليل } ما يعلمهم عدتهم الا قليل من الناس قد وفقهم اللّه للاستشهاد بتلك الشواهد. قال ابن عباس رضى اللّه عنهما حين وقعت الواو وانقطعت العدة اى لم يبق بعدها عدة عاد يعتد بها وثبت انهم سبعة وثامنهم كلبهم قطعا وجزما وعليه مدار قوله انا من ذلك القليل. وعن على رضى اللّه عونه انهم سبعة نفر اسماؤهم يمليخا ومكشليينا ومشليينا هؤلاء اصحاب يمين الملك وكان عن يساره مرنوش ودبرنوش وشازنوش وكان يستشير هؤلاء الستة فى امره والسابع الراعى الذى وافقهم حين هبربوا من ملكهم دقيانوس واسمه كفشطعليوش او كفيشيططيوش. قال الكاشفى الاصح انه مرطوش . قال النيسابورى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان اسماء اصحاب الكهف تصلح للطلب والهرب واطفاء الحريق تكتب فى حرقة ويرمى بها فى وسط النار ولبكاء الطفل تكتب وتوضع تحت رأسه فى المهد وللحرث تكتب فى حرقة ويرمى بها فى وسط النار خشب منصوب فى وسط الزرع وللضربان والحمى المثلثة والصداع والغنى والجاه والدخول على السلاطين تشد على الفخذ اليمنينى ولعسر الولادة تشد على فخذها اليسرى ولحفظ المال والركوب فى البحر والنجاة من القتل { فلا تمار } والمماراة [ ستيزه كردن ] الفاء لتفريع النهى على ما قبله اى اذ قد عرفت جهل اصحاب القولين الاولين فلا تحاد لهم { فيهم } اى فى شأن اصحاب الكهف { الا مراء ظاهرا } الا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه وهوان تقص عليهم ما فى القرآن من غير تصريح بجهلهم وتفضيح لهم فانه مما يخل بمكارم الاخلاق { ولا تستفت } [ وفتوى مجوى يعنى مبرس ] { فيهم } اى فى شأنهم { منهم } اى من الخائضين { احدا } فان فيما قص عليك لمندوحة عن ذلك مع انه لا اعلم لهم بذلك. قال الكاشفى اهل تأويل را درباب اصحاب كهف سخن بسياراست بعض كويند اين قصه نمود از احوال بدلاء سبعة اسنت كه هفت اقليم عالم بوجود ايشان قائمست وكهف خلو تخانه ايشان بود وكلب نفس حيوانيه ]. وعن الخضر عليه السلام انه قال ثلاثمائة هم الاولياء وسبعون هم النجباء واربعون هم اوتاد الارض وعشرة هم النقباء وسبعة هم العرفاء وثلاثة هم المختارون وواحد هو الغوث لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر والرحمة لجميع المسلمين اصطفاهم اللّه بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم لا يسبون شيأ ولا يلعنونه ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدون من فوقهم اطيب الناس خبرا والينهم عريكة واسخاهم نفسا كذا فىروض الرياحين للامام اليافى رحمه اللّه [ ونزدجمعى اشارتست بروح وقلب وعثقل فطرى ومعيش وقوت قدسيه وسر وخفى كه تعلق بكهف بدن دارد ودقيانوس نفس اماره است ] كند مردار نفس اماره خوار ... اكر هو شمندى عزيزش مدار مبرطاعت نفس شهوت برست ... كه هرساعتش قبلهُ ديكرست ٢٣ { ولا تقولن } نهى تأديب { لشيئ } اى لاجل شئ تعزم عليه { انى فاعل ذلك } الشئ { غدا } اى فيما يستقبل من الزمان مطلقا فيدخل فيه العد دخولا اوليا فانه نزل حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن اصحاب الكهف وعن ذى القرنين فسألوه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ( ائتونى غدا اخبركم ) ولم يستثن اى لم يقل ان شاء اللّه وتسميته استثناء لانه يشبه الاستثناء فى التخصص فابطأ عليه الوحى ايام حتى شق عليهم . يعنى [ غبار ملال برمرآت دل بى غل آن حضرت نشست ] وكذبته قريش وقالوا ودعه ربه وابغضه. ٢٤ { الا ان يشاء اللّه } استثناء مفرغ من النهى اى لا تقولن ذلك فى حال من الاحوال الاحال ملابسته بمشيئته تعالى على الوجه المعتاد وهو ان يقال ان شاء اللّه وفيه اشارة الى ان الاختيار والمشيئة لله وافعال العباد كلها مبنية على مشيئته كما قال { وما تشاؤون الا ان يشاء اللّه } { واذكر ربك } اى قل ان شاء اللّه { اذا نسيت } ثم تذكرته كما روى انه عليه السلام لما نزل قال { ان شاء اللّه } { قل عسى } [ شايدكه ] { ان يهدين ربى } اى يوفقنى { لاقرب من هذا } اى لشئ اقرب واظهر من نبأ اصحاب الكهف من الآيات والدلائل الدالة على نبوتى { رشدا } اى ارشادا للناس ودلالة على ذلك وقد فعل حيث اراه من البينات ما هو اعظم من ذلك وابين كقصص الانبياء المتبعادة ايامهم والحوادث النازلة فى الاعصار المستقبلة الى قيام الساعة. قال سعدى المفتى لما جعل اليهود الحكاية عن اصحاب الكهف دالة على نبوته هون اللّه امرها وقال { قل عسى } الآية كما هون المحكى فى مفتتح الكلام بقوله { ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم } الآية انتهى. وقال السمرقندى فى بحر العلوم والظاهر ان يكون المعنى اذا نسيت شيأ فاذكر ربك وذكر ربك عند نسيانه ان تقول عيسى ربى ان يهدينى لشئ آخر بدل هذا المنسى اقرب منه رشد وادنى خيرا ومنفعة انتهى . قال الامام فى تفسيره والسبب فى انه لا بد من ذكر هذا القول هو ان الانسان اذا قال سافعل الفعل الفلانى غدا لم يبعد ان يموت قبل ان يجيئ الغد ولم يبعد ايضا لو بقى حيا ان يعوقه من ذلك الفعل عائق فاذا لم يقل ان شاء اللّه صار كاذبا فى ذلك الوعد والكذب منفر وذلك لا يليق بالانبياء عليهم السلام فلهذا السبب وجب عليه ان يقول ان شاء اللّه حتى انه بتقدير ان يتعذر عليه الوفاء بذلك الموعود لم يصر كاذبا فلم يحصل التنفير انتهى. قال ابو الليث رحمه اللّه روى ابو هريرة رضى اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انه قال قال سليمان بن داود عليهما السلام ( لاطوفن الليلة على مائة امرأة كل امرأة تأتى بغلام يقاتل فى سبيل اللّه ونسى ان يقول ان شاء اللّه فلم تأت واحدة منهن بشئ الا امرأة بشق غلام ) فقال النبى عليه السلام ( والذى نفسى بيده لو قال ان شاء اللّه لولد له ذلك ) وذلك ان من لم يعلق فعله بمشيئته تعالى فان من سنته ان يجرى الامر على خلاف مشيئته ليعلم ان لا مشيئية فى الحقيقة الا اللّه تعالى وفى الحديث ( ان من تمام ايمان العبد ان يستثنى فى كل حديثه ) اى سواء كان ذلك باللسان والقلب معا او بالقلب فقط فان مجرد الاستثناء باللسان غير مفيد : وفى المثنوى ترك استثناء مرادم قسوتيست ... نى همين كفتن كه عارض حالتيست اى بسا ن ورده استثناء بكفت ... جان او باجان استثناست جفت ومن لطائف روضة الخطيب انه سئل رجل الى اين فقال الى الكناسة لاشترى حمارا فقيل قل ان شاء اللّه فقال لست احتاج الى الاستثناء فالدراهم فى كمى والحمير فى الكناسة فلم يبلغ الكناسة حتى سرقت دراهمه من كمه فرجع فقال رجل من اين قال من الكناسة ان شاء اللّه سرقت دراهمى ان شاء اللّه. واعلم ان ابن عباس رضى اللّه عنهما جوز الاسثتناء المنفصل بالآية المذكورة وعامة الفقهاء على خلافه اذ لو صح ذلك لما تقرر اقرار ولا طلاق ولا عتقا ولم يعلم صدق ولا كذب فى الاخبار عن الامور المستقبلة. قال القرطبى فى تأويل الآية هذا فى تدارك التبرّى والتخلص من الاثم واما الاستثناء المغير للحكم فلا يكون الا متصلا انتهى. قال فى مناقب الامام الاعظم روى ان محمد بن اسحاق صاحب المغازى كان يحسد ابا حنيفة لما روى من تفضيل المنصور ابى جعفر ابا حنيفة على سائر العلماء فقال محمد بن اسحاق عند امير المؤمنين ابى جعفر المنصور لابى حنيفة ما تقول فى رجل حلف وسكت ثم قال ان شاء اللّه بعد ما فرغ من يمينه وسكت فقال ابو حنيفة لا يعمل الاستثناء لانه مقطوع وانما ينفعه اذا كان متصلا فقال محمد بن اسحاق كيف لا ينفعه وقد قال جد امير المؤمنين وهو عبد اللّه بن عباس رضى اللّه عنهما انه يعمل الاستثناء وان كان بعد سنة لقوله تعالى { واذكر ربك اذا نسيت } فقال امير المؤمنين اهكذا قول جدى فقال نعم فقال المنصور على وجه الغضب لابى حنيفة أتخالف جدى يا ابا حنيفة فقال ابو حنيفة لقول ابن عباس تأويل يخرج على الصحة ثم قال لامير المؤمنين ان هذا واصحابه لا يرونك اهلا للخلافة لانهم يبايعونك ثم يخرجون فيقولون ان شاء اللّه ويخرجون من بيعتك ولا يكون فى عنقهم حنث فقال امير المؤمنين لاعوانه خذوا هذا يعنى محمد بن اسحاق فاخذوه وجعلوا رداءه فى عنقه وحبسوه ملزم آمد محمد اسحاق ... مبتلا شد بنقيض اطلاق وفيه تعظيم امام الملة قائل الحق بغير العله. ٢٥ { ولبثوا } اى الفتية وهو بيان لاجمال قوله { وضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا } { فى كهفهم } احياء نياما { ثلاث مائة سنين } عطف بيان لثلاثمائة لا تمييز والا لكان اقل مدة لبثهم عند اخليل ستمائة سنة لان اقل الجمع عنده اثنان وعند غيره تسعمائة لان اقلة ثلاثة عندهم هذا على قراءة مائة بالتنوين واما على قراءة الاضافة فاقيم الجمع مقام المفرد لان حق المائة ان يضاف الى المفرد وجه ذلك ان المفرد فى ثلاثمائة درهم فى المعنى جمع فحسن اضافته الى لفظ الجحمع كما فى الاخسرين اعمالا فانه ميز بالجمع وحقه المفرد نظرا الى مميزه { وازدادوا تسعا } اى تسع سنين وهو اشارة الى ان ذلك الحساب على اعتقاد اهل الكتاب شمسى واما عند العرب فهو قمرى والقمرى يزيد على الشمسى تسعا لان التفاوت بينهما فى كل مائة سنة ثلاث سنين ولذلك قال وازدادوا تسعا هو مفعول ازدادوا والسنة المشسة مدة وصول الشمس الى النقطة التى فارقتها من ذلك البرج وذلك ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم والسنة القمرية اثنا عشر شهرا قمريا ومدتها ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما وثلث يوم. قال الكاشفى [ وبتحقيق سيصدسال شمسى سيصدونه سال قمرى ودوماه نوازده روز باشد ] ٢٦ { قل اللّه اعلم بما لبثوا } قال البغوى ان الامر فى مدة لبثهم كما ذكرنا فان نازعوك فيها فاجبهم و { قل اللّه اعلم بما لبثوا } اى بالزمان الذى لبثوا فيه لان علم الخفيات مختص به ولذلك قال { له } خاصة { غيب السموات والارض } اى ما غاب عن اهل الارض { ابصر به } [ جه بيناست خداى تعالى بهر موجودى ] { واسمع } [ وجه سنواست بهر مسموعى ]. قال الشيخ فى تفسيره الضمير فى به لله محله رفع لكونه فاعلا لفعل التعجب والباء زائدة والهمزة فى الفعلين للصيرورة اصله بصر اللّه وسمع ثم غير الى لفظ الامر وليس بامر اذلا معنى للامر هنا ومعناه ما ابصر اللّه بكل موجود وما اسمعه لكل مسموع وصيغة التعجب ليست على حقيقتها لاستحالته على اللّه بل للدلالة على ان شأن علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه ادراك المدركين لا يحجبه شئ ولا يحول دونه حائل ولا يتفاوت بالنسبة اليه اللطيف والكثيف والصغير والكبير والخفى والجلى ولعل تقديم امر ابصاره تعالى لما ان الذى نحن بصدده من قبيل المبصرات. قال فى التأويلات النجمية { ابصر به واسمع } اى هو البصير بكل موجود وهو السميع بكل مسموع فبه ابصر وبه اسمع انتهى. قال القيصرى رحمه اللّه سمعه تعالى عباره عن تجليله بعلمه المتعلق بحقيقة الكلام الذاتى فى مقام جمع الجمع والاعيانى فى مقام الجمع والتفصيل ظاهرا وباطنا لا بطريق الشهود وبصره عبارة عن تجليه وتعلق علمه بالحقائق على طريق الشهود وكلامه عبارة عن التجلى الحاصل من تعلق الارادة والقدرة لاظهار ما فى الغيب وايجاده قال تعالى ( انما امره اذا اراد شيأ ) الآية { ما لهم } اى لاهل السموات والارض { من دونه } تعالى { من ولى } يتولى امرهم وينصرهم استقلالا ومن الاولى متعلقة بولى على الحال والثانية للاستغراق كأنه قيل مالهم من دونه ولى ما { ولا يشرك فى حكمه احدا } اى لا يجعل اللّه تعالى احدا من الموجودات العلوية والسفلية شريكا لذاته العالية فى قضائه الازلى الا الابد لعزته وغناه. قال الامام المعنى انه تعالى لما حكى ان لبثهم هو هذا المقدار فليس لاحد ان يقول بخلافه انتهى. قال بعض الكبار هذه الامور المدبرة المنزلة بين السموات والارض الجارية الحادئة فى الواقع الظاهرة على ايدى مظاهرها واسبابها فى الخارج فى الليل والنهار هى الامور المحكمة المحفوظة من تبديل غير الحق تعالى وتغييره لانها المقادير التى قدرها ودبرها واحكم صنعها ولا قدرة لاحد غيره على محو ما اثبته واثبات ما محاه { يمحو اللّه ما يشاء ويثبت } وليس لغيره كائنا من كان غير التسليم والرضى اذ ليس بشريك له تعالى فى حكمه وفى الحديث القدسى ( قدرت المقادير ودبرت التدبير واحكمت الصنع فمن رضى فله الرضى منى حتى يلقانى ومن سخط فله السخط منى حتى يلقانى ) قال الحافظ رضا بداده بده وزجبين كره بكشاى ... كه برمن وتو در اختيار نكشادست وقال در دائره قسمت ما نطقه تسليميم ... لطف آنجه توانديشى حكم انجه توفرمايى يعنى ليس للعبد اعتراض على المولى فى حكمه وامره وانما له التسليم والرضى وترك التدبير كما قال بعض الكبار عن لسان الحق تعالى يا مهموما بنفسه كنت من كنت لو القيتها الينا واسقطت تدبيرها وتركت تدبيرك لها واكتفيت بتدبيرنا لها من غير منازعة فى تدبيرنا لها لاسترحت جعلنا اللّه واياكم هكذا بفضله وهذا مقال عال لم يصل اليه الا افراد الرجال الذين رفعوا منازعة النفس من البين ومشوا بالتسليم والرضى فى كل اين يا رجل اين هم فى هذا الزمان وكيف تبين حالهم للانسان فاجتهد لعلك تظفر بواحد منهم حتى تكون ممن رضى اللّه عنهم ٢٧ { واتل ما اوحى اليك من كتاب ربك } اى القرآن للتقرب الى اللّه تعالى بتلاوته والعمل بموجبه والاطلاع على اسراره ولا تسمع لقولهم ائت بقرآن غير هذا او بدله والفرق بين التلاوة والقراءة ان التلاوة قراءة القرآن متابعة كالدراسة والاوراد الموظفة والقراءة اعم لانها جمع الحروف باللفظ لا اتباعها { لا مبدل لكلماته } لا قادر على تبديله وتغييره غيره وان بالغلت فى الطلب { من دونه } تعالى { ملتحدا } ملتجأ تعدل اليه عند نزول بلية فرضا انتهى. واعلم ان القرآن لا يتبدر ابدا ولا يتغير بالزيادة والنقصان سرمدا وكذلك احكامه لانه محفوظ فى الصدور بنظمه ومعانيه وانما يتبدل اهله بتبدل الاعصار فيعود العلم والعمل الى الجهل والترك نعوذ باللّه تعالى. قال ابراهيم بن ادهم رحمه اللّه مررت بحجر متكتوب عليه قلبنى انفعك فقلبته فاذا مكتوب عليه انت بما تعلم لا تعمل فكيف تطلب ما لم تعلم كر همه علم عالمت باشد ... بى عمل ومدعى وكذابى ومن فرق المتصوفة المبتدعة قوم يسمون بالالهامية يتركون طلب العلم والدرس ويقولون القرآن حجاب والاشعار قرآن الطريقة فيتركون القرآن ويتعلمون الاشعار فهلكوا بذلك قال الكمال الخجندى دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت ... جو باطلان ز كلام حقت ملولى جيست قال ابراهيم الخواص جلاء القلب وواؤه خمسة قراءة القرآن بالتدبر واخلاء البطن وقيام الليل والتضرع الى اللّه عند السحر ونجالسة الصالحين فمن اشتغل بشهوته وهواه عن هذه الامور الشاقة يقى على مرضه الروحانى ولم يجد لنفسه ملتحدا سوى العذاب والهلاك فانظر يا مسيئ الادب ان لا مرجع الا الى اللّه تعالى فكيف ترجع اليه بالاشعار التى اخترعتها انت وامثالك من اهل النفس والهوى بدل القرآن الذى ارسله اللّه اليك وامر بالعمل به فما جوابك يوم يجثوا المقربون على ركبهم من الهول كما قال الشيخ سعدى دران روز كز فعل برسند وقول ... اولو العزم را تن بلرزد زهول بجايى كه دهشت خورد انبيا ... توعذر كنه را جه دارى بيا فالواجب ان تجثو فى هذا اليوم بين يديى عالم لتعلم القرآن وكيفية العمل به ومعرفة طريق الوصول الى حقائقه فانه نسخة الهية فيها علوم جميع الانبياء والاولياء فمن اراد دخول الدار من شيخ وشاب فليأت من طرف الباب. وعن على رضى اللّه عنه من قرأ القرآن وهو قائم فى الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأ وهو جالس فى الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة ومن قرأ وهو فى غير الصلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة ومن قرأ على غير متربع ولا متكئ ولا جالس جلسة متكبر ولكن نحو ما يجلس بين يدى من يهابه ويحتشم منه. وفى الاشباه استماع القرآن اثوب من تلاوته انتهى. فما يفعل البعض فى هذا الزمان من اخفاء آية الكرسى فى بعض الجوامع والمجامع ليس على ما ينبغى وذلك لان فى القوم من هو امى لا يحسن قراءة الآية المذكورة فاللائق ان يجهر بها المؤذن لينال المستمعون ثواب التلاوة بل ازيد وهو ظاهر على ارباب الانصاف ولا يخرج عن هذا الحد الا اصحاب الاعتساف. ٢٨ { واصبر نفسك } احبسها وثبتها مصاحبة { مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى } فى اول النهار وآخره والمراد الدوام اى مداومين على الدعاء فى جميع الاوقات او بالغداة لطلب التوفيق والتيسير والعشى لطلب عفو التقصير. نزلت حين طلب رؤساء الكفار طرد فقراء المسلمين من مجالسه عليه السلام كصهيب وعمار وخباب وغيرهم وقالوا اطرد هؤلاء الذين ريحهم ربح الصنان يعنى [ اين بشمينه بوشان بى قدررا كه بوى خرقها ايشان مارا متأذى دارد از مجلس خود دورساز ] حتى نجالسك فان اسلمنا اسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك الا هؤلاء لانهم قوم ارذلون كما قال قوم نوح { أنؤمن لك واتبعك الارذلون } فلم يأذن اللّه فى طرد الفقراء لاجل ان يؤمن جمع من الكفار. فان قيل يرجح الاهم على المهم وطرد الفقراء يسقط حرمتهم وهو ضرر قليل وعدم طردهم يوجب بقاء الكفار على كفرهم وهو ضرر عظيم. قلنا من ترك الايمان حذرا من مجالسة الفقراء لم يكن ايمان ايمانا بل يكون نفاقا قبيحا يجب ان لا يتلفت اليه كذا فى تفسير الامام. يقول الفقير شان النبوة عظيم فلو طردهم لاجل امر غير مقطوع كان ذنبا عظيما بالنسبة الى منصبه الجليل مع ان الطرد المذكور من ديدن الملوك والاكابر من اهل الظواهر وعظماء الدين يتحاشون عن مثل ذلك الوضع نظرا الى البواطن والسرائر { يريدون } بدعائهم ذلك { وجهه } تعالى حال من الضمير المستكن فى يدعون اى مريدين رضاه لا شئ آخر من اعراض الدنيا فالوجه مجاز عن الرضى والمناسبة بينهما ان الرضى معلوم فى الوجه وكذا السخط كما فى الحواشى الحسينية على التلويح { ولا تعد عيناك عنهم } اى لا يجاوزهم نظرك الى غيرهم. قال الكاشفى [ بايدكه نكذرد جشمهاى توازايشان ] من عدا الامر وعنه جاوزه كما فى القاموس فعيناك فاعل لا تعد وهذا نهى للعينين والمراد صاحبهما يعنى نهيه عليه السلام عن الازدراء بفقراء المسلمين لرثاية زيهم طموحا الى زى الاغنياء. وقال ذو النون رحمه اللّه خاطب اللّه نبيه عليه السلام وعاتبه وقال له اصبر على من صبر علينا بنفسه وقلبه وروحه وهم الذين لا يفارقون محل الاختصاص من الحضرة بكرة وعشيا فمن لم يفارق حضرتنا فحق ان تصبر عليه فلا تفارقه وحق لمن لا تعد وعينهم عنى طرفة عين ان لا ترفع نظرك عنهم وهذا جزاؤهم فى العاجل { تريد } يا محمد { زينة الحياة الدنيا } اى تطلب مجالسة الاغنياء والاشراف واهل الدنيا وهى حال من الكاف وفى اضافة الزنية الى الحياة الدنيا تحقير لشأنها وتنفير عنها. قال الكاشفى [ ببايد دانست كه آن حضرت را هركزبدنيا وزينت آن ميل نبوده بلكه معنى آيت اينست كه مكن عمل كسى مائل بزينت دنياجه مائل بدنيا ازفقر معرض وبراغنيا مقبل باشد ]. وفى زبدة التفاسير تريد حال صرف للاستقبال لا انه حكم على النبى عليه السلام بارادته زينة الدنيا وهو قد حذر عن الدنيا وزينتها ونهى عن صحبة الاغنياء كما قال ( لا تجالسوا الموتى ) يعنى الاغنياء { ولا تطع } فى تنحية الفقراء عن مجلسك { من اغفلنا قلبه عن ذكرنا } الغفلة معنى يمنع الانسان من الوقوف على حقيقة الامور اى جعلت قلبه فى فطرته الاولى غافلا عن الذكر ومحتوما عن التوحيد كرؤساء قريش { واتبع هواه } الهوى بالفارسية [ آرزوى نفس ] مصدر هويه اذا احبه واشتهاه ثم سمى به المهوى المشتهى محمودا كان او مذموما ثم غلب على غير المحمود وقيل فلان اتبع هواه اذا اريد ذمه ومنه فلان من اهل الهوى اذا زاغ عن السنة متعمدا وحاصله ميلان النفس الى ما تشتهيه وتستلذه من غير داعية الشرع قالوا يجوز نسبة فعل العبد على نفسه من جهة كونه مقرونا بقدرته ومنه واتبع هواه والى اللّه من حيث كوننه موجدا له ومنه اغفلنا { وكان امره فرطا }. قال فى القاموس الفرط بضمتين الظلم والاعتداء والامر المجاوز فيه عن الحد انتهى اى متقدما للحق والصواب نابذا له وراء ظهره من قوله فرس فرط اى متقدم للخيل. وفى التأويلات { وكان امره } فى متابعة الهوى هلاكا وخسرانا وفى الآية تنبيه على ان الباعث لهم الى هذا الاستعداد اغفال قلوبهم عن ذكر اللّه واشغالها بالباطل الفانى عن الحق الباقى وعلى ان العبرة ولاشرف بحلية النفسص وصفاء القلب وطهارة السرائر لا بزينة الجسد وحسن الصورة والظواهر : قال الحافظ قلندران حقيقت به نيم جو نخرند ... قبى اطلس آنكس كه ازهنر عاريست وق ل الجامى قدس سره جه غم منقصت صورت اهل معنى را ... جوجان زروم بود كوتن از حبش مى باش وفى الحديث ( ان اللّه لا ينظر الى صوركم واموالكم بل الى قلوبكم واعمالكم ) يعنى اذا كانت لكم قلوب واعمال صالحة تكونون مقبولين مطلقا سواء كانت لكم صور حسنة واموال فاخرة ام لا والا فلا مطلقا وكذا الحكم فى الظاهر والباطن فافهم - روى - ان اللّه تعالى لما اتخذ ابراهيم خليلا قالت الملائكة يا رب انه كيف يصلح للخلة وله شواغل من النفس والولد والمال والمرأة فقال تعالى انا لا انظر الى صورة عبدى وماله بل الى قلبه واعماله وليس لخليلى محبة لغيرى فان شئتم جربوه فجاءه جبريل وكان لابراهيم عليه السلام اثناء عشر كالبا للصيد ولحفظ الغنم وطوق كل كلب من الذهب ايذانا بخساسة الدنيا وحقارتها فسلم عليه جبريل فقال لمن هذه فقال لله ولكن فى يديى فقال تبيع واحدا منها قال اذكر اللّه وخذ ثلثها فقال سبوح قدوس رب الملائكة والورح فاعطى الثلث ثم قال اذكره ثانيا وخذ ثلثها واذكر ثالثا وخذ كلها برعاتها وكلابها ثم اذكره رابعا وانا اقر لك بالرق فقال اللّه تعالى كيف رأيت خليلى يا جبريل قال نعم العبد خليلك يا رب فقال ابراهيم لرعاةالغنم سوقوا الاغنام خلف صاحبى هذا فقال جبريل لا حاجة لى الى ذلك واظهر نفسه فقال انا خليل اللّه لا استرد هبتى فاوحى اللّه الى ابراهيم ان يبيعها ويشترى بثمنها الضياع والعقار ويجعلها وقفا فاوقاف الخليل وما يؤكل على مرقده الشريق من ثمنها. واعلم ان قدر الاذكار لا يعرفه الا الكبار ألا يرى ان الخليل كيف فدى نفسه بعد اعطاء الكل بشرف ذكر اللّه وتعظيمه فليسارع العشاق الى ذكر القادر الخلاق فان صيقل القلوب ذكر علام الغيوب : قال الشيخ المغربى قدس سره اكرجه آينه دارى ازبراى رخش ... جه سودا كرجه كه دارى هميشه آينه تار بيا بصيقل توحيد زآينه بزدا ... غبار شرك كه ناباك كردد اززنكار قال اهل التحقيق ان كلمة التوحيد لا اله الا اللّه اذا قالها الكافر تنفى عنه ظلمة الكفر وتثبت فى قلبه نور التوحيد واذا قالها المؤمن تنفى عنه ظلمة النفس وتثبت فى قلبه نور الوحدانية وان قالها فى كل يوم الف مرة فبكل مرة تنفى عنه شيأ لم تنفعه فى المرة الاولى فان مقام العلم باللّه لا ينتهى الى الابد وفى الحديث ( جلوسك ساعة عند حلقة يذكرون اللّه خير من عبادة الف سنة ) كما فى مجالس حضرة الهدايى قدس سره والذكر يوصل الى حضور المذكور وشهوده فى مقام النور قال جلا الدين الرومى قدس سره آدمى ديدست وباقى بوستست ... ديد آن ديديكه ديدى دوستست ٢٩ { وقل } لاولئك الغافلين المتبعين هواهم { الحق } ما يكون { من ربكم } من جهة اللّه لا ما يقتضيه الهوى فانه باطل او هذا الذى اوحى الى هو الحق كائنا من ربكم فقد جاء الحق وانزاحت العلل فلم يبق الا اختياركم لانفسكم ما شئتم مما فيه النجاة والهلاك. وفى التأويلات النجمية { وقل الحق من ربكم } فى التبشير والانذار وبيان السلوك لمسالك ارباب السعادة والاحتراز عن مهالك اصحاب الشقاوة { فمن شاء فليؤمن } من نفوس اهل السعاة { ومن شاء فليكفر } من قلوب اهل الشقاوة. قال فى الارشاد { فمن شاء فليؤمن } كسائر المؤمنين ولا يتعلل بما لا يكاد للتعليل { ومن شاء فليكفر } لا بالى بالايمان من آمن وكفر من كفر فلا اطرد المؤمنين المخصلين لهواكم لرجاء ايمانكم بعد ما تبين الحق ووضح الامر وهو تهديد ووعيد لا تخيير اراد ان اللّه تعالى لا ينفعه ايمانكم ولا يضره كفركم فان شئتم فآمنوا وان شئتم فاكفروا فان كفرتم فاعلموا ان اللّه يعذبكم وان آمنتم فاعلموا انه يثيبكم كما فى الاسئلة المقحمة قال تعالى { ان تكفروا فان اللّه غنى عنكم } اى عن ايمانكم { ولا يرضى لعباده الكفر } وان تعلق به ارادته من بعضهم ولكن لا يرضى رحمة عليهم لاستضرارهم به { وان تشكروا } اللّه فتؤمنوا { يرضه لكم } الى الشكر. قال فى بحر العلوم فمن شاء الايمان فليصرف قدرته وارادته الى كسب الايمان وهو ان يصدق بقلبه يجميع ما جاء من عند اللّه ومن شاء عدمه فليختره فانى لا ابالى بكليهما. وفيه دلالة بينة على ان للعبد فى ايمانه وكفره مشيئة واختيارا فهما فعلان يتحققان بخلق اللّه وفعل العبد معا وكذا سائر افاله الاختياره كالصلاة والصوم مثلا فان كل واحد منهما لا يحصل الا بمجموع ايجاد اللّه وكسب العبد وهو الحق الواسط بين الجبر والقدرة ولوا ذلك لما ترتب استحقاق العباد على ذلك بقوله { انا اعتدنا } هيأنا { للظالمين } اى لكل ظالم على نفسه بارادة الكفر واختياره على الايمان { نارا } عظيمة عجيبة { احاط بهم } يحيط بهم وايثار صيغة الماضى للدلالة على التحقق { سرادقها } اى فسطاطها وهو الخيمة شبه به ما يحيط بهم من النار. وفى بحر العلوم السرادق ما يدار حول الخيمة من شقق بلا سقف. وعن ابى سعيد قال عليه السلام ( سرادق النار اربعة جدر كثف كل جدار مسيرة اربعين سنة ) { وان يستغيثوا } [ واكر فرياد خواهى كنند ازتشنكى ] { يغاثوا } [ فرياد رس شوند ] [ ماء كالمهل ] كالحديد المذاب وقيل غير ذلك والتفصيل فى القاموس وعلى اسلوب قوله يعنى فى التهكم فاعتبروا بالصليم اى يجعل المهل لهم مكان الماء الذى طلبوه كما ان الشاعر جعل الصليم لهم اى الداهية مكان العتاب الذى يجرى بين الاحبة { يشوى } [ بريان كند وبسوزد ] { الوجوه } اذا قدم ليشرب من فرط حرارته وعن النبى عليه السلام ( هو كعكر الزيت ) اى درديه فى الغلظة والسواد فاذا قرب اليه سقطت فروة وجهه { بئس الشراب } ذلك الماء الموصوف لان المقصود تسكين الحرارة وهذا يبلغ فى الاحراق مبلغا عظيما { وساءت } النار { مرتفقا } تمييز اى متكأ ومنزلا واصل الارتفاق نصب المرفق تحتالخد وأنى ذلك فى النار وانما هو لمقابلة قوله { وحسنت مترفقا } وقال سعدى المفتى الاتكاء على المرفق كما يكون للاستراحة يكون للتحيرو التحزن وانتفاء الاول هنا مسلم دون الثانى فلا تثبت المشاكلة انتهى. يقول الفقير المتكأ بمعنى [ تكيه كاه ] بالفارسية والاعماد لا يراد حقيقته وانما يراد المنزل فيجرد عن الاستراحة لكونه جهنم نعوذ باللّه منها . فعلى المؤمن الاجتناب عن الظلم والمعاصى والاصرار عليهما على تقدير الذلة فالتدارك بالاستغفار والندامة ولاشتغال بالتوحيد والاذكار والا فالسفر بعيد وحر الناس شديد وماؤها مهل وصديد وقيدها حديد وفى الحديث ( ان ادنى اهل النار عذابا ينعل بنعلين من نار يغلى دماغه من حرارة نعله ) - روى - عن مالك بن دينار انه قال مررت على صبى وهو يلعب بالتراب يضحك تارة ويبكى اخرى قاردت ان اسلم عليه فمنعتنى نفسى فقلت يا نفس كان النبى صلّى اللّه عليه وسلّم على الصغار والكبار فسلمت فقال وعليك السلام ورحمة اللّه يا مالك فقلت ومن اين عرفتنى قال الفت روحى بروحك فى عالم الملكوت فعرفنى الحى الذى لا يموت فقلت ما الفرق بين النفس والعقل فقال نفسك التى منعتك عن السلام وعقلك الذى حرضك عليه فقلت لم تلعب بالتراب فقال لانا خلقنا منه ونعود اليه فقلت ولم الضحك والبكاء قال اذا ذكرت عذاب ربى ابكى واذا ذكرت رحمته اضحك فقلت يا ولدى أى ذنب لك حتى تبكى اى لانك لست بمكلف قال لا نقل هذا فانى رأيت امى لم توقد الحطب الكبار الا بالصغار فعليك بالاعتبار : وفى المثنوى. نى ترا از روى ظاهر طاعتى ... نى ترا درسر باطن نيتى نى ترا شبها مناجات وقيام ... نى ترا در روز برهيز وصيام نى ترا حفظ زبان ز آزار كس ... نى نظر كردن بعبرت بيش وبس بيش جه بود ياد مرك ونزع خويش بس جه باشد مردن ياران زبيش نى ترا برظلم توبه بر خروش ... اى دغا كندم نماى جو فروش جون ترازوى تو كج بود ودغا ... راست جون جويى ترازوى جزا جونكه باى جب بدى درغد روكاست ... نامة جون آيد ترا دردست راست جون جزا سايه است اى قد توخم ... سايه تو كج فتد در بيش هم وعن يزيد الرقاشى انه قال جاء جبريل الى النبى صلّى اللّه عليه وسلّم متغير اللون قال النبى عليه السلام ( يا جبريل مالى اراك متغير اللون ) فقال يا محمد جئتك الساعة التى امر اللّه فيها بمنافخ النار فقال صلّى اللّه عليه وسلّم ( صف لى جهنم ) قال يا محمد ان اللّه لما خلق جهنم جعلها سبع طبقات ان اهون طبقة منها فيها سبعون الف الف جبر من نار وفى كل جبل سبعون الف الف واد من نار وفى كل واد سبعون الف الف بيت من نار وفى كل بيت سبعون الف الف صندوق من نار وفى كل صندوق سبعون الف الف نوع من العذاب نعوذ باللّه تعالى منه كذا فى مشكاة الانوار وهذا غير محمول على المبالغة بل هو على حقيقته لانه مقابل بنعيم ا لجنان فكل من العذاب والنعيم خارج عن دائرة العقل وليس للعاقل الا التسليم والاحتراز عن موجبات الذاب الاليم ٣٠ { ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات } جمعوا بين عمل القلب وعمل الاركان . والصالحات جمع صالحة وهى فى الاصل صفة ثم غلب استعمالها فيما حسنه التسرع من الاعمال فلم تحتج الى موصوف ومثلها الحسنة فيما يتقرب به الى اللّه تعالى { انا لا نضيع } [ الاضاعة كم كردن ] { اجر من احسن عملا } الاجر الجزاء على العمل وعملا مفعول احسن والتنوين للتقليل ووضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ان الاجر انام يستحق بالعمل دون العلم اذ به يستحق ارتفاع الدرجات والشرف والرتب كما فى الحديث القدسى ( ادخلوا الجنة بفضلى واقتسموها باعمالكم ) وعن البراء ابن عازب رضى اللّه عنه قال قام اعرابى الى النبى صلّى اللّه عليه وسلّم فى حجة الوداع والنبى واقف بعرفات على ناقته العضباء فقال انى رجل متعلم فخبرنى عن قول اللّه تعالى { ان الذين آمنوا } الآية فقال عليه السلام ( يا اعرابى ما انت منهم ببعيد وما هم عنك ببعيد هم هؤلاء الاربعة الذين هم وقوف معى أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى اللّه عنهم فاعلم قومك ان هذه الآية نزلت فى هؤلاء الاربعة ) ذكره الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام. ٣١ { اولئك } المنعوتون بالنعت الجليل { لهم جنات عدن }. قال الامام العدن فى اللغة الاقامة فيجوز ان يكون المعنى اولئك لهم جنات اقامة كما يقال هذه دار اقامة ويجوز ان يكون العدن اسما لموضع معين من الجنة وهو وسطها واشرف مكان وقوله جنات لفظ جمع فيمكن ان يكون المراد ما قاله تعالى { ولمن خاف مقام ربه جنتان } ثم قال { ومن دونهما جنتان } ويمكن ان يكون نصيب كل واحد من المكلفين جنة على حدة { تجرى من تحتهم الانهار } الاربعة من الخمر واللبن والعسل والماء العذب وذلك لان افضل ابساتين فى الدنيا البساتين التى تجرى فيها الانهار { يحلون فيها } اى فى تلك الجنات من حليت المرأة اذا لبست الحلى وهى ما تتحلى به من ذهب وفضة وغير ذلك من الجوهر والتحلية [ بيرايه بركردن ]. قال الكاشفى [ بيرايه بسته شوند دران بوستانها ] { من اساور } من ابتدائيه واساور جمع اسورة وهى جمع سوار بالفارسية [ دستوان ] { من ذهب } من بيانه صفة لاساور وتنكيرها لتعظيم حسنها وتبعيده من الاحالة به. قال فى بحر العلوم وتنكير اساور للتكثير والتعظيم. عن سعيد بن جبير يحلى كل واحد منهم ثلاثة اساور واحد من ذهب وواحد من فضة وواحد من لؤلؤ وياقوت فهم يسورون بالاجناس الثلاثة على المعاقبة او على الجمع كما تفعله نساء الدنيا ويجمعن بني انواع الحلى. قال بعض الكبار اى يتزينون بانواع الحلى من حقائق التوحيد الذاتى ومعانى التجليات العينية الاحدية فالذهبيات هى الذاتيات والفضيات هى الصفات النوريات كما قال { وحلوا اساور من فضة } { ويلبسون ثيابا خضرا } [ جامهاى سبز ] وذلك لان الخضرة احسن الالوان واكثرها طراوة وأحبها الى اللّه تعالى { من سندس واسبرق } ما رق من الديباج وما غلظ منه والديباج الثوب الذى سداه ولحمته ابريسم واستبرق ليس باستفعل من البرق كما زعمه بعض الناس بل معرب استبره جمع بين النوعين للدلالة على ان لبسهما مما تشتهى الانفس وتلذ الاعين. اعلم ان لباس اهل الدنيا اما لباس التحلى واما لباس الستر فاما لباس التحلى فقال تعالى فى صفته { يحلون } الآية واما لباس الستر فقال تعالى فى صفته { ويلبسون } الآية. فان قيل ما السبب فى انه تعالى قال فى الحلى يحلون على فعل اليهم. فقلنا يحتمل ان يكون اللبس اشارة الى ما استوجبوه بعلمهم بمقتضى الوعد الالهى وان يكون الحلى اشارة الى ما تفضل اللّه به عليهم تفضلا زائدا على مقدار الوعد وايضا فيه ايذان بكرامتهم وبيان ان غيرهم يفعل بهم ذلك ويزينهم به بخلاف اللبس فانه يتعاطاه بنفسه شريفا وحقيرا يقول الفقير لا شك ان لباس الستر يلبسه المرء بنفسه ولو كان سلطانا فلذا اسند اليه واما لباس الزينة فغيره بزينه به عادة كما يشاهد فى السلاطين والعرائس ولذا اسند الى غيره على سبيل التعظيم والكرامة { متكئين فيها على الارائك } جمع اريكه وهى السرير فى الحجار ولا يسمى لاسرير وحده اريكة. والحجار جمع حجلة وهى بيت يرين بالثياب للعروس وخص الاتكاء لانه هيئة المتنعمين والملوك على اسرتهم. قال ابن عطاء متكئين على ارائك الانس فى رياض القدس وميادين الرحمة فهم على بساتين الوصلة شاهدون عليكم فى كل حال { نعم الثواب } ذلك اشارة الى جنات عدن ونعيمها والثواب جزاء الطاعة { وحسنت } اى الارائك { مرتفقا } اى متكأ ومنزلا للاستراحة. اعلم انه لا كلام فى حسن الجنة وفسة نعيمها وانما الكلام فى الاستعداد لها فالصالحات من الاعمال من الاسباب المعدة لها وهى ما كانت لوجه اللّه تعالى من الصوم والصلاة وسائر وجوه الخيرات : قال الشيخ سعدى قدس سره قيامت كه بازار مينو نهند ... منازل باعمال نيكو نهند كسى را كه حسن عمل بيشتر ... بدركاه حق منزلت بيشتر بضاعت بجند انكه آرى برى ... اكر مفلسى شر مسار برى كه بازار جندانكه آكنده تر ... تهى دست را دل براكنده ثر قال فى التأويلات النجمية ان لاهل الايمان والاعمال جزاء يناسب صلاحية اعمالهم وحسنها فمنها اعمال تصلح للسير بها الى الجنات وغرفها وهى الطاعات والعبادات البدنية بالنية الصالحة على وفق الشرع والمتابعة ومنها اعمال تصلح للسير الى اللّه تعالى وهى الطاعات القلبية من الصدق فى طلب الحق والاخلاص فى التوحيد وترك الدنيا والاعراض عما سوى اللّه والاقبال على اللّه بالكلية والتمسك بذيل ارادة الشيخ الكامل الواصل المكمل الصالح ان يزرع حنطة فزرع شعير فرآه وقت حصاده وسأله قل زرعت شعيرا على ظن ان ينبت حنطة فقال يا احمق هل رأيت احدا زرع شعيرا فحصد حنطة فقال العبد فكيف تعصى اللّه انت وترجو رحمته هركسى آن درود عاقبت كار كه كشت ... أما علمت ان الدنيا مزرعة الآخرة : قال حضرة جلال الدين الرومى قدس سره جمله دانند اين اكرتو نكروى ... هرجه مى كاريش روزى بدروى فتاب الرجل واعتق غلامه فمن ايقظه اللّه عن سنة الغفلة عرف اللّه وكان فى تحصيل مرضاته ومرتبة العارف فوق مرتبة العابد والكرامات الكونية لا قدر لها. قود ثبت فضل ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه على سائر الصحابة رضى اللّه عنهم حتى قيل فى شأنه ان اللّه يتجلى لاهل الجنة عامة ولابى بكر خاصة مع انه لم ينقل عنه شئ من الخوارق وذلك التجلى انما هو بكرامته العلمية التى اعطاها اللّه اياه واحسن التحقيق بحقائقها ولاهلها جنة عاجلة قلبية فى الدنيا. ٣٢ { واضرب لهم مثلا رجلين } مفعولان لاضرب اولهما ثانيهما لانه المحتاج الى التفصيل والبيان اى اضرب يا محمد وبين للكافرين المتقلبين فى نعم اللّه والمؤمنين المكابدين لمشاق الفقر مثلا حال من رجلين مقدرين او اخوين من بنى اسرائيل. قال فى الجلالين يريد ابنى ملك كان فى بنى اسرائيل . قال ابو حيان ويظهر فى قوله { فقال لصاحبه } انه ليس اخاه انتهى. يقول الفقير هذا ذهور عن عنوان الكلام اذ التعبير عنهما برجلين يصحح اطلاق مما ينادى على صحة ما ادعيناه اذ لا تنافى هذه الصحبة الاخوة وكل منهما من اخص الاوصاف قالوا كان احد الاخوين مؤمنا واسمه يهودا والاخر كافرا وسامه قطروس بضمالقاف ورثا من ابيهما ثمانية آلاف دينار فتقاسماها بينهما فاشترى الكافر ارضا بالف دينار وبنى دارا بالف دينار وتزوج امرأةبالف واشترى خدما وتاعا بالف فقال المؤمن اللهم ان اخى اشترى ارضا بالف دينار وانا اشترى منك ارضا فى الجنة فتصدق به وان اخى بنى دارا بالف دينار وانا اشترى منك دارا فى الجنة فتصدق به وان اخى تزوج امرأة بالف وانا اجعل الفاء صداقا للحور فتصدق به وان اخى اشترى خدما ومتاعا بالف وانا اشترى منك الولدان المخلدين بالف فتصدق به ثم اصابته حاجة فجلس لاخيه على طريقة فمر به فى حشمه فقام اليه فنظر اليه وقال ما شأنك قال اصابتنى حاجة فاتيت لتصيبنى بخير فقال وما فعلت بمالك وقد اقتسمنا مالا واخذت شطره فقص عليه القصص قال انك اذا لمن المتصدقين بهذا اذهب فلا عطينك شيأ فطرده ووبخه على التصدق بماله { جعلنا لاحدهما } وهو الكافر { جنتين } بستانين { من اعناب } من كروم متنوعة فاطلاق الاعناب عليها مجازا ويجوز ان يكون بتقدير المضاف اى اشجار اعناب { وحففناهما بنخل } اى جعلنا النخل محيطة بالجنتين ملفوفا بها كرومهما وبالفارسية [ يعنى درختان خرما كردا كرد در آورديم ] يقال حفه القوم اذا طافوا به اى استداروا وحففته بهم اى جعلتهم جافين حوله وهو متعد الى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولا ثانيا مثل غشيته وغشيته به { وجعلنا بينهما } وسطهما يعنى [ بيدا كرديم ميان آن دوباغ ] { زرعا } ليكون كل منهما جامعا للاقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الانيق. ٣٣ { كلتا الجنتين آتت اكلها } بثمرها وبلغ مبلغا صالحا للاكل وافراد الضمير فى آتت للحمل على لفظ المفرد. قال الحريرى ولا يثنى خبر كلا الا بالحمل على المعنى او لضرورة الشعر { ولم تظلم منه } لم تنقض من اكلها { شيأ } كما يعهد فى سائر البساتين فان الثمار تتم فى عام واحد وتنقص فى عام غالبا وكذا بعض الاشجار تأتى بالثمر فى بعض الاعوام دون بعض { وفجرنا خلالهما } وشققنا فيما بين كل من الجنتين واخرجنا واجرينا { نهرا } على حدة ليدوم شربهما وتزيد بهاؤهما ولعل تأخير ذكر تفجير النهر عن ذكر ايتاء الاكل مع ان الترتيب الخارجى على العكس للايذان باستقلال كل من ايتاء الاكل وتفجير النهر فى تكميل محاسن الجنتين ولو عكس لانفهم ان المجموع خصلة واحدة بعضها مرتب على بعض فان ايتاء الاكل متفرع عل السقى عادة وفيه ايماء الى ان ايتاء الاكل لا يتوقف على السقى كقوله تعالى { يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار } ٣٤ { وكان له } اى لصاحب الجنتين { ثمر } انواع من المال غير الجنتين من ثمر ماله الذى ذكر. وقال الشيخ فى تفسيره بفتحتين جمع ثمرة وهى المجنى من الفاكهة وذكر ها وان كانت الجنة لا تخلو عنها ايذان بكثرة الحاصل له فى الجنتين من الثمار وغيرها. وقال الكاشفى { وكان له ثمر } [ همه ميوه يعنى ازانكورخرما وميوهاى ديكر داشت واختصاص آنها بذكر غالييت بوده ] { فقال لصاحبه } اخيه المؤمن { وهو } اى والحال ان القائل { يحاوره } يكلمه ويراجعه الكلام من حار اذا رجع. قال الكاشفى [ واو مجادله مى كرد باو وسخن باز مى كردانيد انتهى ] ولهذه المحاورة والمعية اطلق عليه الصاحب { انا اكثر منك مالا } عن محمد بن الحسن رحمه اللّه المال كله ما يتملكه الناس من دراهم او دنانير او ذهب او فضة او حنطة او خبزا او حيوان او ثياب او سلاح او غير ذلك والمال العين هو المضروب { واعز نفرا } حشما واعوانا واولادا ذكورا لانهم الذين ينفرون معه دون الاناث والنفر بفتحتين من الثلاثة الى العشرة من الرجال ولا يقال فيما فوق العشرة يقول الفقير لاح لى ههنا اشكال وهو انه ان حمل افعل على حقيقته فى التفضيل يلزم ان يكون الرجلان المذكوران مقدرين لا محققين اخوين لانه على تقدير التحقيق يقتضى ان لا يكون لاحدهما مال اصلا كما يفصح عنه البيان السابق وقد انبت ههنا الاكثرية للكافر والاقلية للمؤمن وجوابه يستنبط من السؤال واللّه اعلم بحقيقة الحال. ٣٥ { ودخل } صاحب الجنتين وهو قطروس { جنته } بصاحبه يطوف به فيها ويعجبه منها ويفاخره بها وتوحيدها يعنى بعد التثنية لاتصال احداهما بالاخرى واما لان الدخول يكون فى واحدة فواحدة. وقال الشيخ افردها ارادة للروضة { وهو } اى والحال انه { ظالم لنفسه } ضار لها يعجب بماله وكفره بالمبدأ والمعاد وهو اقبح الظلم كأنه قيل فماذا قال اذ ذاك { قال ما اظن } كثيرا ما يستعار الظن للعلم لان الظن الغالب يدانى العلم ويقوم مقامه فى العادات والاحكام ومنه المظنة للعلم { ان تبيد } تفنى وتهلك وتنعدم من باد اذا ذهب وانقطع { هذه } الجنة { ابدا } الابد الدهر وانتصابه على الظرف والمراد هنا المكث الطويل وهو مدة حياتهه لا الدوام المؤبد اذ لا يظنه عاقل لدلالة الحس والحدس على ان احوال الدنيا ذاهبة باطلة فلطول امله وتمادى غفلته واغتراره بمهلته قال بمقابلة موعظة صاحبه وتذكيره بفناء جنته والاغترار بها وامره بتحصيل الباقيات الصالحات. ٣٦ { وما اظن الساعة } اى القيامة التى هى عبارة عن وقت البعث { قائمة } كائنة فيما سيأتى { ولئن رددت } واللّه لئن رجعت { الى ربى } بالبعث على الفرض والتقدير كما زعمت فليس فنيه دلالة على انه كان عارفا بربه مع ان العرفان لا ينافى الاشراك وكان كافرا مشكرا. قال فى البرهان قال تعالى { ولئن رددت الى ربى } وفى حم { ولئن رجعت الى ربى } لان الرد عن الشئ يتضمن كراهة المردود ولما كان فى الكهف تقديره ولئن رددت عن جنتى هذه التى اظن ان لا تبيد ابدا الى ربى كان لفظ الرد الذى يتضمن الكراهة اولى وليس فى حم ما يدل على كراهته فذكر بلفظ الرجع ليقع فى كل سورة ما يليق بها { لاجدن } يومئذ { خيرا منها } من هذه الجنة { منقلبا } تمييز اى مرجعا وعاقبة ومدار هذا الطمع واليمين الفاجرة اعتقاده انه تعالى انما اولاه فى الدنيا لاستحقاقه الذاتى وكرامته عليه سبحانه وهو معه اينما توجه ولم يدر ان استدراج . يعنى [ مقتضاى استحقاق من آنست كه فردا بهشت بمن دهد جنانجه امروز اين باغ بمن داده ] فقول من قال انه كريم رحيم يعطينى فى الآخرة خيرا مما اعطانى فى الدنيا وهو مخالف لاوامره ونواهيه غاية الغرور باللّه كما قال { ايها الانسان ما غرك بربك الكريم } الى قوله { وان الفجار لفى جحيم } آتشى خوش برفروزيم ازكرم ... تانماندجرم وزلت بيش وكم ٣٧ { قال له صاحبه } اى اخوه المؤمن وهو استئناف كما سبق { وهو يحاوره } اى والحال ان القائل يخاطبه ويجادله : قال فى الاررشاد وفائدة هذه الجملة الحالية التنبيه من الامر الاول على ان ما يتلو كلام معنى بشأنه مسوق للمحاروة { أكفرت } حيث قلت ما اظن الساعة قائمة فانه شك فى صفات اللّه وقدرته { بالذى خلقك } اى فى ضمن خلق اصلك آدم عليه السلام { من تراب } فانه متضمن بخلقه منه اذ هو انموذج مشتمل اجمالا على جميع افراد الجنس وهمزة الاستفهام للتقريير والامكان بمعنى ما كان ينبغى ان تكفر ولم كفرت بمن اوجدك من تراب اولا { ثم من نطفة } اى من منى فى رحم امك ثانيا وهى مادتك القريبة { ثم سواك } جعلك معتدل الخلق والقامة حال كونك { رجلا } انسانا ذك ابالغا مبلغ الرجال. قال فى القاموس الرجل بضم الجيم وسكونها معروف او انما هو اذا احتلم وشب. ٣٨ { لكنا هو اللّه ربى } اصله لكن انا فحذفت الهمزة بنقل حركتها الى نون لكن او بدون نقل على خلاف القياس فتلاقت النونان فكان الادغام اثبت جميع القراء الفها فى الوقف وحذفوها فى الوصل غير ابن عامر فانه اثبتها فى الوصل ايضا لتويضها من الهمزة اولا جراء الوصل مجرى الوقف وهو ضمير الشأن مبتدأ خبره اللّه ربى وتلك الجملة خبرانا والعائد منها اليه ياء الضمير فى ربى والاستدراك من قوله أكفرت كأنه قال لاخيه انت كافر باللّه لكنى مؤمن موحد فوقع لكن بين جملتين مختلفتين فى النفى والثابت { ولا اشرك بربى احدا } فيه ايذان بان كفره كان بطريق الاشراك. ٣٩ { ولولا اذ دخلت جنتك قلت } وهلا قلت عند دخول جنتك { ما شاء اللّه } ما موصولة خبر مبتدأ محذوف اى الامر ما شاء اللّه واللام فى الامر للاستغراق والمراد تحضيضه على الاعتراف بانها وما فيها بمشيئة اللّه تعالى ان شاء ابقاها على حالها عامرة وان شاء افناها وجعلها خربة { لا قوة الا باللّه } اى هلا قلت ذلك اعترافا بعجزك وبان ما تيسر لك من عمارتها وتدبيرها انما هو بمعونته تعالى واقداره وفى الحديث ( من رأى شيأ فاعجبه فقال ما شاء اللّه لا قوة الا باللّه ) لم تضره العين وفى الحديث ( من رأى احدا اعطى خيرا من اهل او مال فقال عنده ما شاء اللّه لا قوة الا باللّه لم ير فيه مكروها ) وفسر النبى عليه السلام معنى لا حول ولا قوة الا باللّه فقال ( لا حول تحول عن معاصى اللّه الا بعصمه اللّه ولا قوة على طاعة اللّه الا باللّه ) وروى ( انها دواء من تسعة وتسعين داء ايسرها الهمّ ) { ان ترن انا اقل منك مالا وولدا } اصله ان ترنى والرؤية اما بصرية فاقل حال واما علمية فهو مفعول ثان والاول ياء المتكلم المحذوفة وانا على التقديرين تأكيد للياء. ٤٠ { فعسى } لعل { ربى ان يؤتين } اصله يؤتيننى { خيرا من جنتك } هذه فى الآخرة بسبب ايمانى لان الجنة الدنيوية فانية والاخروية باقية والجملة جواب الشرط { ويرسل عليها } على جنتك فى الدنيا { حسبانا من السماء } عذابا يرميها به من برد او صاعقة او نار. قال فى القاموس الحسبان بالضم جمع حساب والعذاب والبلاء والشر والصاعقة. يقول النقير انما توقعه فى حقه لعلمه بان الكفران مؤد الى الخسران وان الاعجاب سلب للخراب كما قال تعالى { ان اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم } فكلامه هذا جواب عن قول صاحبه المنكر ما اظن ان تبيد هذه ابدا { فتصبح } الاصباح هنا بمعنى الصيرورة اى تصير جنتك { صعيدا زلقا } مصدر اريد به المفعول مبالغة اى ارضا ملساه يزلق عليها بملاصقتها باستئصال نباتها واشجارها وجوز القرطبى ان تكون زلقا من زلق رأسه اى حلقه والمراد انه لا يبقى فيها نبات كالرأس المحلوق فزلقا بمعنى مزلوق ايضا. ٤١ { او يصبح ماؤها غورا } اى غائرا فى الارض ذاهبا لا تناله الايدى ولا الدلاء فاطلق هذا المصدر مبالغة { فلن تستطيع } تقدر ابداله { له } اى للماء الغائر { طلبا } فضلا عن وجدانه ورده. قال فى الجلالين لا يبقى له اثر تطلبه به. ٤٢ { واحيط بثمره } عطف على مقدر كانه قيل فوقع بعض توقعه من المحذور واهلك امواله المعهودة التى هى جنتاه وما حوتاه مأخوذ من احاط به العدو لانه اذا احاط به فقد غلبه واستولى عليه فيهلكه { فاصبح } صار { يقلب كفيه } ظهر البطن تأسفا وتحسرا كما هو عادة النادمين فان النادم يضرب يديه واحدة على الاخرى. قال فى بحر العلوم تقليب الكفين وعض الكف والانامل واليدين واكل البنان وحرق الاسنان ونحوها كنايات عن الندم والحسرة لانها من رواد فها تطلق الردافة على المردوف فيرتقى الكلام به الى الذروة العليا ويزيد الحسن بقبول السامع ولانه فى معنى الندم عدى تعديته بعلى كأنه قيل فاصبح يندم { على ما انفق } [ برآن جيزى خرج نموده بود اول ] { فيها } فى عمالتها من المال : وفى المثنوى بر كذشته حسرت أوردن خطاست ... باز نايد رفته ياد آن هباست ولعل تخصيص الندم به دون ما هلك الآن من الجنة لما انه انما يكون على الافعال الاختيارية. يقول الفقير الظاهر ان الانفاق انما هو لتملكها فالتحسر على ماله مغن عن التحسر على الجنة لانها بدله وهذا شائع فى العرف كما يقول بعض النادمين قد صرفت لهذا كذا وكذا مالا وقد آل عمره الى الهلاك متحسرا على المال المصروف { وهى } اى الجنة من الاعناب المحفوفة بنخل { خاوية } خالية ساقطة يقال خوت الدار خويا تهدمت وخلت من اهلها { على عروشها } دعائمها المصنوعة للكروم سقطت عروشها على الارض وسقط فوقها الكروم وتخصيص حالها بالذكر دون النخل والزرع لكونها العمدة قيل ارسل اللّه عليها نارا فارحتقها وغار ماؤها { ويقول } عطف على يقلب { يا ليتنى } [ كاشكى من ] { لم اشرك بربى احدا } كأنه تذكر موعظة اخيه وعلم انه انما اتى من جهة الشرك فتمنى انه كان موحدا غير مشرك حين لم ينفعه التمنى ولما كان رغبته فى الايمان لطلب الدنيا لم يكن قوله هذا توبة وتوحيدا لخلوه عن الاخلاص. قال ابن الشيخ فى سورة الانعام الرغبة فى الايمان والطاعة لا تنفع الا اذا كانت تلك الرغبة رغبة لكونه ايمانا وطاعة اما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيدة انتهى : وفى المثنوى آن ندامت از نتيجه رنج بود ... نى زعقل روشن جون كنج بود جونكه شدرنج آن ندامت شد عدم ... مى نيرزد خاك آن توبه ندم ميكند او تو به وبرخرد ... بانك لو ردوا لعادوا ميزند ٤٣ { ولم تكن له فئة } جماعة { ينصرونه } يقدرون على نصره بدفع الهلاك او على رد الملهك والاتيان بمثله { من دون اللّه } فانه القادر وحده على نصره بذلك لا غير لكنه لا ينصره لاستحقاقه الخذلان بكفره معاصيه { وما كان منتصرا } ممتنعا بقوته عن انتقامه سبحانه. ٤٤ { هنالك } اى فى ذلك المقام وتلك الحال [ دروقت زوال نعمت ] { الولاية لله الحق } اى النصرة له تعالى وحده لا يقدر عليها احد وهو تقرير لقوله تعالى { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون اللّه } او ينصر فيها اولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم كما نصر بما فعل بالكافر اخاه المؤمن وحقق ظنه وترك عدوه مخذولا مقهورا ويؤيده قوله تعالى { هو } اى اللّه تعالى { خير ثوابا وخير عقبا } بمعنى العاقبة اى لاوليائه. قال سعدى المفتى وعقبى يشمل العاقبة الدنيوية ايضا كما لا يخفى. قال فى الجلالين افضل ثوابا ممن يرجى ثوابه وعاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره. واعلم ان هذه القصة مشتملة على فوائد كثيرة واعظمها ان التوحيد وترك الدنيا سبب للنجاة فى الدارين والشرك وحب الدنيا سبب للهلاك فيهما. وعن وهب بن منبه انه قال جمع عالم من علماء بنى اسرائيل سبعين صندوقا من كتب العلم كل صندوق سبعون ذراعا فاوحى اللّه تعالى الى نبى ذلك الزمان ان قل لهذا العالم لا تنفك هذه العلوم وان جمعت اضعافا مضاعفة ما دام معك ثلاث خصال حب الدنيا ومرافقة الشيطان وايذاء مسلم وذلك ان فعرون علم نبوة موسى عليه السلام ولكن منعه حب الدنيا والرياسة عن المتابعة فلم ينفعه علمه المجرد وكذا علم ابليس حال آدم عليه السلام واليهود حال نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم وما سعدوا بمجرد علمهم وما وجدوا خير عاقبة ولو عملوا بما وعظوا لنجوا وفى المثنوى كرجه ناصح را بود صد داعيه ... بند را اذ نى ببايد واعيه تو بصد تلطيف بندش مى دهى ... او ز بندت ميكند بهلوا تهى بك كس ن مستمع زاستيز ورد ... صد كس كوينده را عاجز كند انبيا ن صح تروخوش لهجة تر كى بود كه رفت دمشان درحجر آنجنان دلها كه بدشان وما ومن ... نعتشان شد بل اشد قسوة ألا يرى لم ينجع فيه وعظ اخيه المسلم لزيادة قسوة قلبه فآلت عاقبته الى الندامة. ٤٥ { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا } اى اذكر لقوم وبين ما يشبهها فى زهرتها ونضارتها وسرعة زوالها لئلا يطمئنوا ولا يعكفوا عليها ولا يعرضوا عن الآخرة بالكلية كما استئناف لبيان المثل اى هى كماء { انزلناه من السماء } [ ازسحاب يازجانب سما ] ليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء وحده بل بمجموع ما فى حيز الاداة { فاختلط به نبات الارض } التف وتكاثف بسببه حتى خالط بعضه بعضا : يعنى [ قوت كرفت ونشو نماى خود بكمال رسانيد وزمين بدو تازه وخرم شد ] { فاصبح } فصار ذلك النبات الملتف اثر بهجته { هشيما } مهشوما مكسورا ليبسه من الهشم وهو كسر الشئ الرخو { تذروه الرياح } تحمله وتفرقه يقال ذرت الريح الشئ واذرته وذرته اطارته واذهبته وذرا هو بنفسه والحمنطة نقاها فى الريح كما فى القاموس. وهذه الآية مختصرة من قوله { انما مثل الحياة الدنيا كماء } الآية. قال الكاشفى [ همجنين آدمى بزندكى وتازكى كه دارد خوش برآيد همجنين كه نامه عمر ازعنفوان ببايان رسد مقتضى اجل درآمده نهال نهاداورا بصر صرفنا خشك سازد وخرمنهاى از وآرزورا بباد نيستى بردهد ] بهار عمر بسى دلفريب ورنكينست ... ولى جه سود كه دارد خزان مرك از بى { وكان اللّه على كل شئ } من الانشاء والابقاء والافناء وغير ذلك { مقتدرا } قادرا على الكمال لا يعجزه شئ. فعلى العاقل ان لا يغتر بالحاية الدنيا فانها فانية ولو طالت مدتها وزائلة ولو اعجبت زينتها : قال الشيخ سعدى قدس سره جو شيبت درآمد روى شباب ... شبت روزشد ديده بركن زخواب دريغاكه بكذشت عمر عزيز ... بخواهد كنشت اين دمى جند نيز فرو رفت جم را يكى نازنين ... كفن كردجون كرمش ابريشمين بدخنه درآمد بس از جند روز ... كه بروى بكريد بزارى وسوز جو بوشيده ديدش حرير كفن بفكرت جنين كفت باخويشتن ... من از كرم بركنده بودم بزور بكندند ازو باز كرمان كور ... در يغاكه بى ما بسى روز كار برو يد كل وبشكفد نو بهار ... واعلم ان الذى ادركته العنايةالازلية بعد تعلق الروح بالجسد كتعلق الماء بالارض فيبعث اللّه اليه دهقانا من دهاقين الاولياء والانبياء ومعه بذر الايمان والتوحيد ليلقيه بيد الدعوة وتبليغ الرسالة فى ارض نفسه فيقع منها فى تربة طيبة وهى القلب كما ضرب اللّه تعالى مثلا { كلمة طيبة كشجرة طيبة } وكقوله { والبلد الطيبة يخرج نباته باذن ربه } فينبت عن بذر التوحيد وهى كلمة لا اله الا اللّه شجرة الايمان بماء الشريعة فيعلوا به الروح من اسفل سافلين الانسانية الى اعلى درجات الروحانية واقرب منازل قربات الربانية كقوله تعالى { اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } واللّه تعالى قادر على ان يخذله وينفيه فى اسفل سافلين الجسمانية الحيوانية ليصير الروح العلوى كالانعام بل هو اضل وعلى ان يجذبه بجذبات العنية على اعلى عليين مراتب القرب ليكون مسجودا للملائكة المقربين : قال المولى الجامى سالكان بى كشش دوست بجايى ترسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند نسأل اللّه تعالى ان يجذبنا بسلاسل محبته ويجعلنا من اهل طاعته وقربته. قال وهب رأيت فى بعض الكتب الدنيا غنيمة الاكياس وغفلة الجهال فالانبياء والاولياء صلوات اللّه عليهم كانوا فى الدنيا ولم يلتفتوا اليها ولم يرغبوا فيها قالوا ليس كل من دخل المحبس يكون محبوسا فيه بل ربما دخله لاخراج المحبوس واستنقاذ المأسور فالنفوس النبوية ومن يتبعها انما وردت على عالم الكون والفساد لاستنقاذ انفوس المحبوسة المأسورة فكما ان المحبوس اذا اتبع ذلك الداخل خرج ونجا فكلك من اتبع الانبياء فى سننهم ومناهجهم خرج ونجا. ٤٦ { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } الزينة مصدر فى الاصل اطلق على المفعول مبالغة كأنهما نفس الزينة والمعنى ان ما يفتخر به الناس لا سيما رؤساء العرب من الماء والبنين شئ يتزينون به فى الحياة الدنيا ويفنى عنهم عن قريب . وبالفارسية [ مال وبسران آرايش زندكانئ دنيا آمدندتوشه راه معاد جه باندك زمانى تلف وهدف زوال خواهد شد ] وفى المثنوى همجنين دنيا اكرجه خوش شكفت ... بانك هم زد بيوفايئ خويش كفت كون مى كويد بيامن خوش بى ام ... وان فسادش كفت رو من لا شى ام اى زخوبى بهاران لب كزان ... بنكر آن سردى وزردئ خزان كودكى ازحسن شد مولاى خلق ... بعد فردا شد خرف رسواى خلق { والباقيات الصالحات } الباقيات اسم لاعمال الخير لا وصف ولذا لم يذكر الموصوف اى اعمال الخير التى تبقى ثمارتها ابدا لآباد من الصلاة والصوم واعمال الحج وسبحان اللّه والحمد لله ولا اله الا اللّه واللّه اكبر ونحو ذلك من الكلم الطيب - روى - انه عليه السالم خرج على قومه فقال { خذوا جنتكم } قالوا يا رسول اللّه آمن عدو حضر قال ( لا بل من النار ) قالوا وما جنتنا من النار قال ( سبحان اللّه ) الى آخر الكلمات. قال الكاشفى [ بعض علما برانندكه باقيات صالحات بنات است كه بحكم هن ستر من النار سبب خلاص والدين باشند ] وفى الحديث ( من ابتلى ) الابتلاء هو الامتحان لكن اكثر استعمال الابتلاء فى المحن والبنات مما تعد منها لان غالب هوى الخلق فى الذكور ( من هذه البنات بشئ ) من بيانية مع مجرورها حال من شئ ( فاحسن اليهن ) فسصر الشارح هنا لاحسان بالتزويج بالاكفاء لكن الاوجه ان يعمم الاحسان ( كن له سترا من النار ) لان احتياجهن اليه كان اكثر حال الصغر والكبر فمن يسترهن بالاحسان يجازى بالستر من النيران كما فى شرح المشارق لابن الملك { خير } من الفانيات الفاسدات من المال ولبنين { عند ربك } اى فى الآخرة { ثوابا } عائدة تعود الى صاحبها { وخير املا } رجاء حيث ينال بها صاحبها فى الآخرة كل ما كان يؤمله فى الدنيا واما ما مر من المال والبنين فليس لصاحبه امل يناله. والآية تزهيد للمؤمنين فى زينة الحياة الدنيا الفانية وتوبيخ للمفتخرين بها. قال بعضهم لا ينجو من زينة الحياة الدنيا الا من كان باطنه مزينا بانوا رالمعرفة وضياء المحبة ولمعان الشوق وظاهره مزينا بآداب الخدمة وشرف الهمة وعلو النفس وتغلب زينة باطنه زينة حب الدنيا شوقا منه الى ربه وتغلب زينة ظاهره زينة الدنيا لان زينتها ازين. وعن الضحاك عن النبى عليه السلام انه قيل يا رسول اللّه من ازهد الناس قال ( من لم ينس القبر والبلى وترك فضول زينة الدنيا وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد من ايامه غدا وعد نفسه من الموتى ) وفى الحديث ( قال اللّه تعالى يفرح عبدى المؤمن اذا بسطت له شيأ من الدنيا وذلك ابعد له منى ويحزن اذا قترت عليه الدنيا وذلك اقرب له منى ) ثم تلا عليه السلام هذه الآية { يحسبون انما نمدهم به من مال وبنين لسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون } ان ذلك فتنة لهم : قال الشيخ سعدى كى بارسا سيرت وحق برست ... فتادش يكى خشت زرين بدست همه شب در انديشه كين كنج ومال ... درو تازيم ره نيابد زوال دكر قامت عجزم ازبهر خواست ... نيايد بركس دوتا كرد وراست سرابى كنم باى بستش رخام درختان سقفش همه عود خام ... بكى حجره خاص ازبى دوستان درحجره اندر سرا بوستان ... بفرسودم ازرقعه بررقعه دوخت تف ديكران جشم ومغزم بسوخت ... ديكر زير دستان برندم خورش براخت دهم روح را برورش ... بسختى بكشت اين نمد بسترم روم زين سبس عبقرى كسترم ... خيالش حزف كرد وكاليوه رنك بمغزش فرو برده خرجنك جنك ... فراغ مناجات وزارش نماند خور وخواب وذكر ونمازش نماند ... بصحرا در آمد سراز عشوه مست كه جايى نبودش قرار نشست ... بكى بر سر كور كل ميسرشت كه حاصل كند زان كل كور خشت ... بانديشه لختى فرو رفت بير كه اى نفس كوته نظر بندكير ... جه بندى درين خشت زرين دلت كه يك روز خشتى كنند از كلت ... توغافل در انديشه سود ومال كه سرمايه عمر شد بايمال ... بكن سرمه غفلت از جشم باك كه فردا شوى سهامه در جشنم خاك ... ٤٧ { ويوم نسير الجبال } اى اذكر حين نقلعها من اماكنها وتسير فى الجو على هيآتها او تسير اجزاؤها بعد ان نجعلها هباء منبثا والمراد بتذكيره تحذير المشركين مما فيه من الدواهى { وترى } يا محمد او يا كل من يصلح للرؤية { الارض } جميع جوانبها { بارزة } ظاهرة ليس عليها ما يسترها من بجل ولا شجر ولا نبات { وحشرناهم } جمعنا اهل الايمان والكفر الى الموقف من جانب { فلم نغادر } لم نترك { منهم احدا } تحت الارض يقال غادره واغدره اذا تركه ومنه الغدر الذى هو ترك الوفاء والغدير ما غاره السيل وتركه فى الارض الغائرة. ٤٨ { وعرضوا } اى الخلائق يوم القيامة يعنى المحشورين { على ربك } على حكمه وحسابه { صفا } مفرد منزل منزلة الجمع كقوله تعالى { ثم يخرجكم طفلا } اى اطفالا والمعنى صفوفا يقف بعضهم وراء بعض غير متفريقين ولا مختلطين شبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان ليحكم فيهم بما اراد لا ليعرفهم { لقد جئتمونا } اى فيقال لهم ثمة لقد جئتمونا كائنين { كما خلقناكم اول مرة } حفاة عراة لا شئ من المال والولد. وعن عائشة رضى اللّه عنها قلت يا رسول اللّه كيف يحشر الناس يوم القيامة قال ( عراة حفاة ) قلت والنساء قال ( نعم ) قلت يا رسول اللّه نستحيى قال ( يا عائشة الامر اشد من ذلك لن يهمهم ان ينظر بعضهم الى بعض ) وفى التأويلات { وعرضوا على ربك صفا } اى صفا صفا من الانبياء والاولياء والمؤمنين والكافرين والمنافقين ويقال لهم { لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة } فى خمسة صفوف صف من الانبياء وصف من الاولياء وصف من المؤمنين وصف من الكافرين وصف من المنافقين { بل زعمتم } ايها الكافرون المنكرون المنكرون للبعث والزعم الادعاء الكذب { ان } مخففة من الثقيلة { لن نجعل لكم موعدا } بل للخروج والانتقال من قصة الى اخرى كلاهما للتوبيخ والتقريع اى زعمتم فى الدنيا انه لن نجعل لكم ابدا وقتا ننجز فيه ما وعدناه على ألسنة الانبياء من البعث وما يتبعه. والآية تشير الى عزته تعالى وعظمته واظهار شظية من صفة جلاله وقهره وآثار عد له لينتبه النائمون من نوم غفلتهم ويتأهب الغافلون باسباب النجاة لذلك اليوم ويصلحوا امر سريرتهم وعلانيتهم لخطاب الحق تعالى وجوابه اذ اليه المرجع والمآب والعرض على اللّه هو العرض الاكبر ليس كعرض على الملوك. قال عتبة الخواص بات عندى عتبة الغلام فبكى حتى غشى عليه فقلت ما يبكيك دل ذكر العرض على اللّه قطع او صل المحبين - حكى - ان سليمان بن عبد الملك وهو سابع خلفاء المروانية قال لابى حازم ما لنا نكره الآخرة قال لانكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة فتكرهون الانتقال من العمران الى الخراب فقال صدقت يا ابا حازم فياليت شعرى مالنا عند اللّه تعالى غدا قال ان شئت تعلم ذلك ففى كتاب اللّه فقال اين اجده فقال فى قوله { ان الابرار لفى نعيم وان الفجار لفى جحيم } قال فكيف يكون العرض على اللّه تعالى فقال اما المحسن فكالغائب يقدم على اهله مسرورا واما المسيئ فكالآبق يقدم على مولاه محسورا فبكى سليمان بكاء شديدا : قال الشيخ سعدى قدس سره تريزد خدا آب روى كسى ... كه ريزد كناه آب جشمش بسى كر آيينه ازآه كردد سياه ... شود روشن آينيه دل زآه بترس ازكناهان خويش اين نفس ... كه روز قيامت نترسى زكس بليدى كند كربه در جاى باك ... جو زشتش نمايد بيوشد بخاك تو آزادى ازنا بسنديدها ... نترسى كه بروى فتد ديدها بر انديش ازبنده بر كناه ... كه ازخواجه غائب شود جندكاه اكرباز كردد بصدق ونياز ... بزنجير وبندش نيار ندباز - روى - عن الفضيل بن عياض رحمه اللّه انه قال انى لا اغبط ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا عبدا صالحاأليس هؤلا ء يعاينون القيامة واهوالها وانما اغبط من لم يخلق لانه لا يرى احوال القيامة وشدائدها وذلك لان من عاين الامر على ما هو عليه اشتد خوفه ولم ير لنفسه حالا ولا مقاما مع ان المرأ لا يخلو عن اسباب منجية ومهلكة فأى الرجال المهذب - روى - ان عمر رضى اللّه عنه رؤى بعد موته بثنتى عشرة سنة وهو يمسح جبينه ويقول كنت فى الحساب الى الآن وقد نوقشت فى حدى سقط من جسر مكسور فانكسرت رجله على انى لم اجرم له ولم اصلح الجسر حتى سقط . الجدى ولكن غفر اللّه لى وعفا عنى بسبب عصفور اشترتيه من صبى فارسله. ٤٩ { ووضع الكتاب } عطف على عرضوا داخل تحت الامور الهائلة التى اريد تذكيرها بتذكير وقتها وضع صحف الاعمال فى ايمان اصحابها وشمائلها او فى الميزان { فترى المجرمين } قاطبة { مشفقين } خائفين { مما فيه } من الذنوب ومن ظهورها لاهل الموقف شد سيه جون نامهاى تعزيه ... بر معاصى متن نامة حاشيه جمله فسق ومعصيت يد يكسرى ... همجو دار الحرب بر از كافرى آنجنان نامه بليد وبر وبال ... در يمين نايد در آمد در شمال خود همينجا نامه خودرا ببين ... دست جب را شايد آن در يمين جون نباشى راست مى دان كه جبى ... هست بيدا نعره شير وكى كرجى باحضرت اوراست باش ... تا ببينى دست برد لطفها ش { ويقولوان } عند وقوفهم على تضاعفيه نقيرا وقطميرا تعجبا من شأنه { يا ويلتنا } منادين لهلكتهم التى هلكوا بها من بين الهلكات مستدعين لها ليهلكوا ولا يروا هول مالاقوه فان الويل والويلة الهلكة اى يا هلكتنا احضرى وتعالى فهذا اوانك { مال هذا الكتاب }. قال البقاعى رسم لام الجر وحده اشارة الى انهم صاروا من قوة الرعب وشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة اى أيّ شئ له حال كونه { لا يغادر } لا يترك { صغيرة ولا كبيرة } من الزلل تصدر عن جانيها { الا احصيها } حواها وضبطها. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة. وعن سعيد بن جبير الصغيرة المسيس والكبيرة الزنا. وفى التأويلات النجمية الصغيرة كل تصرف فى شئ بالشهوة النفسانية وان كان من المناجاة والكبيرة التصرف فى الدنيا على حبها وان كان من حالالها لان حب الدنيا رأس كل خطيئة انتهى. وفى الحديث ( اياكم ومحقرات الذنوب فان محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى طبخوا اخبزتهم ) وفى الحديث ( اياكم ومحقرات الذنوب فانها تجيئ يوم القيامة كامثال الجبال وكفارتها الصدقة ) { ووجدوا ما عملوا } فى الدنيا من السيآت او جزاء ما عملوا { حاضرا } مثبتا فى كتابهم. وفى التأويلات لانهم كتبوا صالح اعمالهم بقلم افعالهم فى صحائف قلوبهم وسوء اعلمالهم فى صحائف نفوسهم وقد يوجد عكس ما فى هذه الصحائف على صفحان الارواح نورانيا او ظلمانيا { ولا يظلم ربك احدا } فيكتب ما لم يعمل من السيآت او يزيد فى عقابه الملائك لعمله فيكون اظهارا لمعدلة القلم الازلى. وفى التأويلات فان كان النور غالبا على صفحة روحه فهو من اهل الجنة وان كانت الظلمة غالبا عليها فهو هالك من لا يشوب نوره بالظلمة فهو من اهل الدرجات والقربات ومن ادركته الجذبات وبدلت سيآته بالحسنات واخرج الى النور الحقيقى من الظلمات فهو فى مقعد صدق عند مليك مقتدر انتهى. فعليك بالحسنات والكف عن السيآت فان كل احد يجد ثمرة شجرة اعماله. عن عائشة رضى اللّه عنها انها كانت جالسة ذات يوم اذا جاءت امرأة قد سترت يدها فى كمها فقالت عائشة مالك لا تخرجين يدك من كمك قالت لا تسألينى يا ام المؤمنين انه كان لى ابوان وكان ابى يحب الصدقة واما امى فكانت تبغض الصدقة فلم ارها تصدقت بشئ الا قطعة شحم وثوبا خلقا فلما ماتا رأيت فى المنام قد قامت القيامة ورأيت امى قائمة بين الخلق واضعة الخلقان على عورتها ورأيت الشحم بيدها وهى تلحسه وتنادى واعطشاه ورأيت ابى على شفير الحوض وهو يسقى الماء ولم يكن عند ابى صدقة احب اليه من سقى الماء فأخذت قدحا من ماء فسقيت امى فنوديت من فوق ألا من سقاها شلت يده فاستيقظت وقد شلت يدى : قال الحافظ قدس سره دهقان سال خورده جه خوش كفت بايسر ... اى نور جشم من بجز از كشته ندروى قال الشيخ سعدى قدس سره كمنون وقت تخمست اكر برورى ... كراميدوارى كه خرمن برى بشهر قيامت مرو تنكدست ... كه وجهى ندارد بغفلت نشست مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف ٥٠ { واذ قلنا للملائكة } اى اذ كر وقت قولنا لهم { اسجدوا لآدم } سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة وكان ذلك مشروعا فى الامم السالفة ثم نسخ بالسلام { فسجدوا } جميعا غير الارواح العالية امتثالا للامر وانما لم يسجد الملائكة العالون لأنهم لم يؤمروا بالسجود وقد سبق فى سورة الحجر { الا ابليس } فانه لم يسجد بل ابى واستكبر وكأنه قيل ما باله لم يسجد فقيل { كان من الجن } اى كان اصله جنيا خلق من نار السموم ولم يكن من الملائكة وانما صح الاستثناء المتصل لانه امر بالسجود معهم فغلبوا عليه فى قوله { فسجدوا } ثم استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلا كقولك خرجوا الا فلانة لا مرأة بين الرجال. قال فى كتاب التكملة قيل ان المراد بقوله { كان من الجن } اى كان اول الجن لان الجن منه كما ان آدم من الانس لانه اول الانس . وقيل انه كان بقايا قوم يقال لهم الجن كان اللّه تعالى قد خلقهم فى الارض قبل آدم فسفكوا الدماء وقاتلتهم الملائكة. وقيل انه كان من قوم خلقهم اللّه وقال لهم اسجدوا لآدم فابوا فبعث اللّه عليهم نارا احرقتهم ثم خلق هؤلاء بعد ذلك فقال لهم اسجدوا لآدم ففعلوا وابى ابليس لانه كان من بقية اولئك الخلق. قال البغوى كان اسمه عزازيل بالسريانية وابالعربية الحارث فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل ابليس لانه ابلس من الرحمة اى يئس والعياذ باللّه تعالى { ففسق عن امر ربه } اى خرج عن طاعته فالامر على حقيقته جعل عدم امتثاله للامر خروجا عنه ويجوز ان يكون المراد المأمور به وهو السجود والفاء للسببية لا للعطف اى كونه من الجن سبب فسقه ولو كان ملكا لم يفسق عن امر ربه لان الملك معصوم دون الجن والانس. قال فى التأويلات النجمية { ففسق عن امر ربه } وخلع قلادة التقليد عن عنقه ليعلم ان الاصيل لا يخطئ وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان كام ان البعرة تشابه المسك وتعارضه فى الصورة فلما امتحانا بالنار تبين المقبول من المردود والمبغوض من المودود : وقال الحافظ قدس سره خوش بود اكرمحك تجر به آمد يميان ... تاسيه روى شود هركه دروغش باشد { أفتتخذونه } الهمزة للانكار والتعجب والفاء اى عقيب علمكم يا بنى آدم بصدور الفسق عن ابليس تتخذونه { وذريته } اى اولاده واتباعه جعلوا ذريته مجازا. قال الكاشفى [ كويند بمعنى اتباع وتسميه ايشان بذريت ازقبيل مجاز بود واكثر برانتد كه او زذريت نيست ] قيل فى القاموس ذرأكم كجعل خلق ولاشئ كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين انتهى وسيأتى الكلام على هذا { اولياء من دونى } فتستبدلونهم بى فتطيعونهم بدل طاعتى اى ذلك الاتخاذ منكر غاية الانكار حقيق بان يتعجب منه ومعنى الاستبدال منهم من قوله من دونه فان معناه مجاوزين عنى اليهم وهو عين الاستبدال { وهم } اى والحال ان ابليس وذريته { لكم عدو } اى اعداء حقهم ان تعادوهم لا ان توالوهم شبه بالمصادر للموازنة كالقبول { بئس للظالمين بدلا } من اللّه ابليس وذريته تمييز. ٥١ { ما اشهدتم } اشارة الى غناه تعالى عن خلقه ونفى مشاركتهم فى الالوهية اى ما احضرت ابليس وذريته { خلق السموات والارض } لاعتضد بهم فى خلقهما واشاورهم فى تدبير امرهما حيث خلقتهما قبل خلقهم. وفيه رد لمن يدعى ان الجن يعلمون الغيب لانهم لم يحضروا خلق السموات والارض حتى يطلعوا على مغيباتهما { ولا خلق انفسهم ولا اشهدت بعضهم خلق بعضهم } كقوله تعالى { ولا تقتلوا انفسكم } { وما كنت متخذ المضلين } اى الشياطين الذين يضلون الناس عن الدين والاصل متخذهم فوضع المظهر موضع المضمر ذما لهم وتسجيلا عليهم بالاضلال { عضدا } اعوانا فى شأن الخلق وفى شأن من شؤونى حتى يتوهم شركتهم فى التولى بناء على الشركة فى بعض احكام الربوبية. قال فى القاموس العضد الناصر والمعين وهم عضدى واعضادى انتهى. اعلم ان اللّه تعالى منفرد فى الالوهية والكل مخلوق له وقد خلق الملائكة والجن والانس فباين بينهم فى الصورة والاشكال والاحوال. قال سعيد بن المسيب الملائكة ليسوا بذكور ولا اناث ولا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون والجن يتوالدون وفيهم ذكور واناث ويموتون والشياطين ذكور واناث يتوالدون ولا يموتون بل يخلدون فى الدنيا كما خلد فيها ابليس وابليس هو ابو الجن وقيل انه يدخل ذنبه فى دبره فيبيض بيضة فتفلق البيضة عن جماعة من الشياطين قال الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام سمى من ولد ابليس فى الحديث الاقبص دهامه بن الاقبص وسمى منهم بلزون وهو الموكل بالاسواق وامهم طرطية ويقال بل هى حاضنتهم ذكره النقاش باضت ثلاثين بيضة عشرا فى المشرق وعشرا فى المغرب وعشرا فى وسط الارض وانه خرج من كل بيضة جنس من الشياطين كالعفاريت والغيلان والقطاربة والجان واسماؤهم مختلفة وكلهم عدو لبنى آدم بنص هذه الآية الا من آمن منهم انتهى. قال الكاشفى [ درتبيان آورده كه جون حق سبحانه وتعالى ابليس را برانداز بهلوى جب او زوجه اوراكه آودنم دارد بيافريد واورا بثمار ريكهاى ببايان فرزندانند وازولاد او بكى مرء است كنيث بدو يافته است وديكر لاقيس موسوس صلوات و ( ولهان ) بالترحيم الوضوء ( وامام احمد غزالى رحمه اللّه دار اربعين آورده كه شيطان را جند فرزنداست وبانفاق زلنبور ازاولاد او صاحب اسواقست كه بدروغ وكم قروشى وخيانت وسوسه ميكند وابعوال صاحب ابواب زنانست يعنى ) صاحب الزنى الذى يأمر به ويزينه ( وثبر صاحب مصائب كه بثبور ونوحه وشق جيوب ولطم خدود ودعوى الجاهليةميفرمايد ومبسوط صاحب اراجيفست يعنى ) صاحب الكذب الذى يسمع فيلقى الرجل فيخبر بالخبر فيذهب الرجل الى القوم فيقول لهم قد رأيت رجلا اعرف وجهه ما ادرى ما اسمه حدثنى بكذا وكذا [ وداسم باخورنده طعام كه بسم اللّه نكفته باشد شركت ميكند ]. وفى آكام المرجان داسم هو الذي يدخل مع الرجل واهله يريه العيب فيهم ويغضبه عليهم [ ومدهيش موكل علما است كه ايشانرا براهواء مختلفه ميدارد ]. ثم فى الآيتين اشارات . منها ما يتعلق باللّه تعالى اراد ان يظهر صفة لطفه وصفة قهره وكمال قدرته وحكمته فاظهر صفة لطفه بآدم اذ خلقه من صلصال من حمأ مسنون وامر ملائكته الذين خلقوا من النور بسجوده من كمال لطفه وجوده واظهر صفة قهره بابليس اذ امره بسجوده لآدم بعد ان كان رئيس الملائكة ومقدمهم ومعلمهم واشدهم اجتهادا فى العبادة حتى لم يبق فى سبع السموات ولا فى سبع الارضين موضع شبر الا وقد سجد ببه تعالى عليه سجدة حتى امتلأ من العجب بنفسه حتى لم يرا احدا فابى ان يسجد لآدم استكبارا وقال انا خير منه فلعنه اللّه وطرده اظهارا للقهر كمال قدرته وحكمته بان بلغ من غاية القدرة والحكمة من خلق من قبضة تراب ظلمانى كثيف سفلى الى مرتبة يسجد له جميع الملائكة المقربين الذين خلقوا من نور علوى لطيف روحانى. ومنها ما يتعلق بآدم عليه السلام وهو انه تعالى لما اراد ان يجعله خليفة فى الارض اودع فى طينته عند تخميرها بيده اربعين صباحا سر الخلافة وهو استعداد قبول الفيض الالهى بلا واسطة وقد اختصه اللّه وذريته بهذه الكرامة بقوله { ولقد كرمنا بنى آدم } من بين سائر المخلوفات كما اخبر عليه السلام عن كشف قناع هذا السر بقوله { ان اللّه خلق آدم فتجلى فيه } ولهذه الكرامة صار مسجودا للملائكة المقربين : قال الحافظ قدس سره فرشته عشق نداندكه جيست قصه مخوان ... بخواه جام وكلابى بخاك آدم ريز ومنها ما يتعلق بالملائكة وهو انهم لما خلقوا من النور الروحانى العلوى كان من طبعهم الانقياد لاوامر اللّه تعالى والطاعة والعبودية فلما امروا بسجود آدم وامتحنوا به وذلك غاية الامتحان لان السجود اعلى مراتب العبودية والتواضع لله فاذا امتحن احد ان يسجد لغير اللّه وذلك غاية الامتحان للامتثال فلم يتعلثموا فى ذلك وسجدوا لآدم بالطوع والرغبة من غير كره واباء امتثالا وانقيادا لاوامر اللّه كما قال { لا يعصون اللّه ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون } ومنها ما يتعلق بابليس وهو انه لما خلق للضلالة والغواية والاضلال والغواء خلق من النار وطبعها الاستعلاء والاستكبار وان نظمه اللّه فى سلك الملائكة منذ خلقه وكساه كسوة الملائكة وهو قد تشبه بافعالهم تقليد لا تحقيقا حتى عد من جملتهم وذكر فى زمرتهم بل زاد عليهم فى الاجتهاد والاعتياد بالاعتقاد فاتخذوه رئيسا ومعلما لما رأوا منه اشتداده فى الاجتهاد بالاراءة دون الارادة فلما امتحن بسجود آدم فى جملة الملائكة هبت نكباء النكبة وانخلع عنه كسوة اهل الرغبة والرهبة لتمييز اللّه الخبيث من الطيب فطاشت عنه تلك المخادعات وتلاشت منه تلك المبادرات وعاد الميشوم الى طبعه وقد تبين الرشد من غيه فسجد الملائكة وابى ابليس واستكبر من غيه وظهر انه كان من الجن وانه طبع كافرا : قال الحافظ قدس سره زاهد ايمن مشو از بازئ غيرت زنهار ... كه ره ازصومه تادير مغان اين همه نيست ومنها ان فى اولاد آدم من هو فى صورة آدم لكنه فى صفة ابليس وانهم شياطين الانس واماراتهم انهم يتخذون ابليس وذريته اولياء من دون اللّه فيطيعون الشيطان ولا يطيعون الرحمن ويتبعون ذرية الشيطان ولا يتبعون ذرية آدم من الانبياء والاولياء ولا يفرقون بين الاولياء والاعداد فبجهلهم يظلمون على انفسهم ويبدلون اللّه وهو وليهم بالشياطين وهم لهم عدو واولياء اللّه تعالى هم الذين لا يبدلون اللّه تعالى بما سواه ويتخذون ما سواه عدوا كما قال ابراهيم خليل اللّه { فانهم عدو لى الا رب العالمين } لانه رأى صحة الخلة مع اللّه فى صحة العداوة مع ما سواه. ومنها ان اخباره تعالى بانه ما اشهد الشياطين خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم دليل على انه يشهد بعض اوليائه على ما لم يشهد اعداءه فيبصر بنوره الازلى ابتداء تعلق قدرته ببعض الاشياء المعدومة وكيفية اخراجها من العدم الى الوجود واما قول اهل النظر لا يبحث عن كيفية وجود البارئ تعالى وكيفية تعلق القدرة بالمعدومات وكيفية العذاب بعد الموت ونحو ذلك فلا ينافيه اذا المستبعد عند العقل الجزئى مستقرب عند الكشف الكلى وكلامنا مع اهل الكشف لا مع غيره : قال الصائب سخن عشق باخرد كفتن ... بررك مرده نيشتر زدنست وفى المثنوى اى كه برد عقلى هديه باله ... عقل اينجا كترست ازخاك راه ٥٢ { ويوم يقول } اى يوم يقول اللّه للكفار توبيخا وتعجيزا وهو يوم القيامة وقال بعضهم يقول على ألسنة الملائكة . يقول الفقير الاظهر هو الاول لانه قد ثبت ان اللّه تعالى يتجلى يوم القيامة للخلق مسلمهم وكافرهم بصور شتى حتى يرونه بحسب ما اعتقدوه فى هذه الدار فلا يبعد كلامه معهم ايضا لانه كلام بالعيب والتوبيخ لا بالرضى والتشريف كما كلم ابليس بعد اللعن والطرد على ما سبق فى سورة الحجر ونحوها { نادوا شركائى } اضافهم اليه على زعمهم تهكما بهم وتقريعا لهم { الذين زعمتم } ادعيتم انهم شفعاؤكم ليشفعوا لكم والمراد بهم كل من عبد من دونه تعالى { فدعوهم } اى نادوهم للاعانة ذكر كيفية دعوتهم فى آية اخرى { قالوا انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا } { فلم يسجيبوا لهم } فلم يغيثوهم اى لم يدفعوا عنهم ضرا ولا اوصلوا اليهم نفعا اذا لا امكان لذلك فهو لا ينافى اجابتهم صورة ولفظا كما قال حكاية عن الاصنام انها تقول { ما كانوا ابانا يعبدون } وفيه اشارة الى ان امتثال او امره ونواهيه ينفع العبد اذا كان فى الدنيا قبل موته وبثمره فى الآخرة فاما اذا كان فى الآخرة فلا ينفعه الايمان والاعمال فان قوله { نادروا شركائى } امر من اللّه تعالى وقد امتثلوا امره بقوله { فدعوهم } فلم ينفعهم الامتثال لان الشركاء { فلم يستجيبوا لهم } { وجعلنا بينهم } بين الداعين والمدعوين { موبقا } اسم مكان او مصدر من وبق وبوقا كوثب وثوبا او وبق وبقا كفرح فرحا اذا هلك مهلكا يشتركون فيه وهو النار او عداوة هى فى الشدة نفس الهلاك. وقال الفرآء { وجعلنا } تواصلكم فى الدنيا هلاكا فى الآخرة فالبين على هذا القول التواصل كقوله تعالى { لقد تقطع بينكم } على قراءة من قرأ بالرفع ومفعول اول لجعلنا وعلى الوجه الاول مفعول ثان. قال فى القاموس الموبق كمجلس المهلك وواد فى جهنم وكل شئ حال بين الشيئين انتهى فالمعنى على الثانى بالفارسية [ وادى ازوادهاى دوزخ بيدا كنم ميان ايشان كه مهلكه عظيم باشد وهمه ايشانرا دران معذب سازيم ]. يقول الفقير الظاهر ان المعنى على الثالث اى جعلنا بينهم برزخا يفصل احدهما عن الآخر فلا يشفع مثل الملائكة وعيسى وعزير وتبرأ غيرهم وهو لا ينفى الاجتماع والاشتراك فى النار بمن قضى له الدخول كما لا يخفى. ٥٣ { ورأى المجرمون النار } حين امروا بالسوق اليها. قال الكاشفى [ وبه بيند مشركان آتش دوزخ را ازجهل ساله را ] { فظنوا } فايقنوا { انهم مواقعوها } مخالطوها واقعون فيها فان المخالطة اذا قويت سميت مواقعة. قال الامام والاقرب انهم يرون النار من بعيد فيظنون انهم مواقعوها مع الرؤية من غير مهلة لشدة ما يسمعون من تغيظها وزفيرها كقوله تعالى { واذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا } والمكان البعيد مسير خمسمائة سنة { ولم يجدوا عنها مصرفا } انصرافا او مكانا ينصرفون اليه. قال الكاشفى [ مصرفا مكانى باز كردند بدآن يا كريز كاهى ] لانها احاطت بهم من كل جانب. ٥٤ { ولقد صرفنا } اى اقسم قسما لقد كررنا وادرنا على وجوه كثيرة من النظم { فى هذا القرآن للناس } لمصلحتهم ومنفعتهم { من كل مثل } كمثل الرجلين المذكورين ومثل الحياة الدنيا ليتذكروا ويتعظوا او من كل معنى داع الى الايمان هو كالمثل فى غرابته وحسنه. قال الكاشفى [ ازهر مثل بران محتاجند ازقصص كذشته كه سبب عبرت كردد ودلائل قدرت كامله كه موجب ازدياد بصيرت شود ] حق تعالى بمحض فضل عميم دركتاب كريم وحكم قديم آنجه مر جمله را بكار آيد ... كفته است آنجنانكه مى آيد { وكان الانسان } جنس الانسان بحسب جبلته { اكثر شئ جدلا } جدلا تزييز اى اكثر الاشياء التى يتأتى منها الجدل كالجن والملك اى جدله اكثر من جدل كل مجادل وهو ههنا شدة الخصومة بالباطل لاقتضاء خصوصية المقام والا فالجدل لا يلزم ان يكون بالباطل قال تعالى { وجادلهم بالتى هى احسن } وهو من الجدل الذى هو الفتل والمجادلة الملاواة لان كلا من المجادلين يلتوى على صاحبه وفى الحديث ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا اولوا الجدل ) رواه ابو امامة كما فى تفسير ابى الليث. قال فى التأويلات النجمية من طبيعة الانسان المجادلة والمخاصمة وبها يقطعون الطريق على انفسهم . فتارلة مع الانبياء يجادلون لا يقبلون بالنبوة والرسالة حتى قاتلونهم وتارة يجادلون فى الكتب المنزلة ويقولون ما انزل اللّه على بشر من شئ . وتارة يجادلون فى محاكماتها وتارة يجادلون فى متشابهاتها . وتارة يجادلون فى ناسخها ومنسوخها . وتارة يجادلون فى تفسيرها وتأويلها . وتارة يجادلون فى اسباب نزولها . وتارة يجادلون فى قراءتها . وتارة يجادلون فى قدمها وحدوثها على هذا حتى لم يفرغوا من المجادلة الى المجاهدة ومن المخاصمة الى المعاملة ومن المنازعة الى المطاوعة ومن المناظرة الى المواصلة فلهذا قال تعالى { وكان الانسان اكثر شئ جدلا } ومن هذا عالجهم يقول { قل اللّه ثم ذرهم } الآية ومن كلمات مولانا قدس سره ما راجه ازين قصه كه كاو آمد وخر رفت ... اين وقت عزيزست ازين عربده بازآمى فعلى العاقل ان يشتغل بنفسه وبترك المراء والجدل فان مرجعه هو النقيض والتمزيق للغير وهو من مقتضى السبعية وفى الحديث ( لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء وان كان محقا ) فاذا لزم ترك الجدال وهو محق فكيف وهو مبطل اعاذنا اللّه تعالى واياكم منه بفضله وجعلنا من المتكلمين بالخير والمعرضين عن لغو الغير قال تعالى { واذا مروا باللغو مروا كراما } الآية وقال { واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . } ٥٥ { وما منع الناس } اى لم يمنع اهل مكة من { ان يؤمنوا } باللّه تعالى ويترك الشرك الذى هم عليه { اذ جاءهم الهدى } وهو الرسول الكريم الداعى والقرآن العظيم الهادى { و } من ان { يستغفروا ربهم } من انواع الذنوب { الا } انتظار { ان يأتيهم سنة الاولين } اى سنة اللّه وعادته فى الامم الماضية وهو الاستئصال لما كان تعنتهم مفضيا اليه جعلوا كأنهم منتظرون له { او } انتظار ان { يأتيهم العذاب } عذاب الآخرة حال كونه { قبلا } انواعا جمع قبيل اوعيانا لهم اى معاينا . وبالفارسية [ روى باروى ]. قال فى الجلالين يعنى القتل يوم بدر. وقال فى الاسئلة المقحمة كيف وعدهم فى هذه الآية باحدى العقوبتين ان لم يؤمنوا ولم يفعل ذلك بمن لم يؤمنوا منهم الجواب انما وعدهم بذلك ان تركوا الايمان كلهم فقد آمن اكثرهم يوم فتح مكة. ٥٦ { وما نرسل المرسلين } الى الامم ملتبسين بحال من الاحوال { الا مبشرين } للمؤمنين والمطيعين بالثواب والدرجات { ومنذرين } للكافرين والعاصين بالعقاب والدركات فان طريق الوصول الى الاول والحذر عن الثانى مما لا يستقل به العقل فكان من لطف اللّه ورحمته ان ارسل الرسل لبيان ذلك. يقول الفقير اشارة الى ان العلماء الذين هم بمنزلة الانبياء بنى اسرائيل رحمة اللّه من اللّه تعالى ايضا اذ بيناهم يضحمل ظلم الشبه وينحل عقد الشكوك وبارشادهم يحصل كمال الاهتداء ويتم امر السلوك { ويجادل الذين كفروا } اى يجادلون الرسل المبشرين والمنذرين { بالباطل } [ به بيهوده ] حيث يقولون ما انتم الا بشر مثلنا ولو شاء اللّه لانزل ملائكة ويقترحون آيات بعد ظهور المعجزات تعنتا { ليدحضوا } ليزيلوا { به } بالجدال { الحق } الذى مع الرسل من مقره ومركزه ويبطلوه من ادحاض القدم وهو ازلاقها عن موطنها والدحض الزلق. ومن بلاغات الزمخشرى حجج الموحدين لا تدحض بشبه المشبه كيف يضع ما رفع ابراهم ابرهه : وفى المثنوى هركه برشمع خدا آرد بفو ... شمع كى ميرد بسوزد بوزاو { واتخذوا آياتى } الدالة على الوحدة والقدرة ونحوها { وما انذروا } خوفوا به من العذاب { هزوا } سخرية يعنى موضع استهزاء فيكون من باب الوصف بالمصدر مبالغة. ٥٧ { ومن اظلم } استفهام على سبيل التوبيخ اى من اشد ظلما { ممن ذكر بآيات ربه } اى وعظ بالقرآن الكريم { فاعرض عنها } لم يتدبرها ولم يتفكرها { ونسى ما قدمت يداه } ولما كان الانسان يباشر اكثر اعماله بيديه غلب الاعمال باليدين على الاعمال التى تباشر بغيرهما حتى قيل فى عمل القلب هو مما عملت يداك وحتى قيل لمن لا يدين له يداك. قال بعضهم احق الناس تسمية بالظلم من يرى الآيات فلا يعبر بها ويرى طريق الخير فيعرض عنها ويرى مواقع الشر فيتبعها ولا يجتنب عنها { انا جعلنا } اعمالهم كما فى تفسير الشيخ { على قلوبهم اكنة } اغطية جمع كنان وهو تعليل لاعراضهم ونسيانهم بانهم مطبوع على قلوبهم { ان يفقهوه } كراهة ان يقفوا على كنه الآيات وتوحيد الضمير باعتبار القرآن { و } جعلنا { فى آذانهم وقرا } ثقلا وصمما يمنعهم عن استماعه. وفيه اشارة الى ان اهل اللغو والهذيان لا يصيخون الى القرآن : قال الكمال الخجندى قدس سره دل ازشنيدن قرآن بكير درهمه وقت ... جوباطلان زكلام حقت ملولى جيست { وان تدعهم الى الهدى } اى الى طريق الفلاح وهو دين الاسلام { فلن يهتدوا اذا أبدا } اى فلن يكون منهم اهتداء البتة مدة التكليف كلها لانه محال منهم. قال الكاشفى [ مراد جمع اند از كفار مكة كه علم حق بعدم ايمان ايشان متعلق بود ] وان جواب عن سئوال النبى صلّى اللّه عليه وسلّم وجزاء للشرط اما كونه جوابا فلان قوله { انا جعلنا على قلوبهم اكنة } فى معنى لا تدعهم الى الهدى ثم نزل حرصه عليه السلام على اسلامهم منزلة قوله مالى لا ادعوهم فاجيب بقوله { وان تدعهم } الآية واما كونه جزاء فلانه على انتفاء الاهتداء لدعوة السول على معنى انهم جعلوا ما هو سبب لوجود الاهتدآء سببا لانتفائه بالاعراض عن دعوته. ٥٨ { وربك } متبدأ خبره قوله { الغفور } البليغ فى المغفرة وهى صيانة العبد عما استحقه من العقاب للتجاوز عن ذنوبه من الغفر وهو الباس الشئ ما يصونه من الدنس { ذو الرحمة } الموصوف بالرحمة وهى الانعام على الخلق خبر بعد خبر وايراد المغفرة على صيغة المبالغة دون الرحمة للتنبيه على كثرة الذنوب وان المغفرة ترك المضار وهو سبحانه قادر على ترك ما لا يتناهى من العذاب واما الرحمة فهى فعل وايجاد ولا يدخل تحت الوجود الا ما يتناهى وتقديم الوصف الاول لان التخلية قبل التحلية { لو يؤاخذهم } لو يريد مؤاخذتهم { بما كسبوا } من الذنوب { لعجل لهم العذاب } فى الدنيا من غير امهال لاستيجاب اعمالهم لذلك ولكنه لم يعجل ولم يؤاخذ بغتة { بل لهم موعد } بالفارسية [ زمان وعد ] فهو اسم زمان والمراد يوم بدر او يوم القيامة فيعذبون فيه و { لن يجدوا } البتة حين مجيئ الموعد { من دونه } من غيره تعالى { موئلا } منجى وملجأ يقال وأل اى نجا ووأل اليه اى لجأ اليه وقيل من دون العذاب. قال سعدى المفتى هو اولى وفيه دلالة على ابلغ وجه على ان لا ملجأ لهم ولا منجى فان من يكون ملجأه العذاب كيف يرى وجه الخلاص والنجاة انتهى. ويجوز ان يكون المعنى لن يجدوا عند حلول الموعد موئلا بالفارسية [ يناهى وكريز كاهى ] وهو اللائح واللّه اعلم. ٥٩ { وتلك القرى } اى قرى عاد وثمود واضرابهما وهى مبتدأ على تقدير المضاف اى واهل تلك القرى خبره قوله تعالى { اهلكناهم لما ظلموا } اى وقت ظلمهم مثل ظلم اهل مكة بالتكذيب والجدال وانواع المعاصى ولما اما حرف كما قال ابن عصفور واما ظرف اسعمل للتعليل وليس المراد به الوقت المعين الذى عملوا فيه الظلم بل زمان من ابتداء الظلم الى آخرء { وجعلنا لمهلكهم } اى عينا لهلاكهم لان المهلك بفتح اللام وكسرها الهلاك { موعدا } ممتدا لا يتأخرون عنه [ بس جرا قريش عبرت نكيرند وازشرك ونافر مانى دست باز نمى دارند ( السعيد من وعظ بغيره ). نيكبخت آن كسى بودكه دلش ... آنجه نيكو تراست ببذيرد ديكرانرا جوبنده داده شود ... او ازان بند بهره بر كيرد وفى الآيات اشارات . منها ان اسباب الهداية وان اجتمعت بالكلية لا يهتدى بها الناس ولا يؤمنون الا بجذبات العناية كما قال عليه السلام ( لولا اللّه ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ) قال المولى الجامى سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند فالاهتداء بهداية اللّه تعالى وبالسيف كما قال عليه السلام ( امر ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا اللّه ) وكما قال ( انا نبى السيف ونبى الملحمة ) ومنها ان اهل الباطل يرون الحق باطل والباطل حقا وذلك من عمى قلوبهم وسخافة عقولهم فيجادلون الانبياء والاولياء جهلا منهم وضلالة ويسعون فى ابطال الحق واما اهل الحق فينقادون للانبياء والاولياء ويستسلمون لهم من غير عناد وجدال وذلك لانهم ينظرون بنور اللّه فيرون الحق حقا ويتبعونه ويرون الباطل باطلا ويجتنبونه لا جرم انهم يتخذون آيات اللّه جدا لا هزؤا فيأتمرون بما امروا به وينتهون عما نهوا عنه. ومنها ان رحمة اللّه تعالى ف الدنيا تعم المؤمن والكافر لانه لا يؤاخذم بما كسبوا فى الدنيا بقطع الرزق ونحوه وتخص يوم القيامة بالمؤمن والعذاب يخص الكافر فقوله تعالى { وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا } اى انما اهلكنا اهل تلك القرى بعد ان كان من سنتنا ان نعم رحمتنا المؤمن والكافر فى الدنيا لانهم ضموا مع كفرهم الظلم ومن سنتنا ان لا نمهل الظالم ولا نهمله كما قال عليه السلام ( الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم ) وقال تعالى { وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا } وذلك لان همم المظلومين المظطرين مؤثرة ودعاؤهم مستجاب قال عليه السلام ( اتقوا دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين اللّه حجاب ) ومن هذا المقام يعرف سر قوله عليه السلام ( ولدت فى زمن الملك العادل ) فان اطلاق العادل على انوشروان بالنسبة الى انتفاء الظلم الآفاقى عنه وقد كان فى نفسه مجوسيا والشرك ظلم عظيم : قال الشيخ سعدى مهازورمندى مكن بركهان ... كه بريك نمط مى نماند جهان بريشانئ خاطر داد خواه ... بر اندازد ازمملكت يادشاه خنك روز محشرتن داد كر ... كه در سايه عرش دارد مقر ٦٠ { واذ قال موسى } - روى - ان موسى عليه السلام لما ظهر على مصر مع بنى اسرائيل بعد هلاك القبط امره اللّه ان يذكر قومه انعام اللّه عليهم فخطب خطبة بليغة رقت بها القلوب وذرفت العيون فقال واحد من علماء بنى اسرائيل يا موسى من اعلم قال انا فعتب اللّه عليه اذ لم يرد العلم اليه تعالى فاوحى اليه بل اعلم منك عبد لى عند مجمع البحرين وهو الخضر وكان فى اليم افريدون الملك العادل العاقل قبل موسى وكان على مقدمة ذى القرنين الاكبر وبقى الى ايام موسى وهو قد بعث فى ايام كشتاسف بن لهراسب كما قاله ابن الاثير فى تاريخه فقال يا رب اين اطلبه وكيف يتيسر لى الظفر به والاجتماع معه قال اطلبه على ساحل البحر عند الصخرة وخذ حوتا مملوحا فى مكتل يكون زادا لك فحيث فقدته اى غاب عنك فهو هناك فاخذ حوتا فجعله فى مكتل فقال لفتاءه اذا فقدت الحوت فاخبرنى. والمعنى اذكر وقت قول موسى بن عمران لما فيه من العبرة وزعم اهل التوراة ان موسى هذا هو موسى بن ميشا بن يوسف النبى عليه السلام وانه كان نبيا قبل موسى بن عمران لاستبعادهم ان يكون كليم اللّه المختص بالمعجزات الباهرة مبعوثا للتعلم والاستفادة ممن هو دونه فلهذا لا يبعد عن العامل الكامل ان يجهل بعض الاشياء فالفاضل قد يكون مفضولا من وجه بل المراد منه صاحب التوراة واطلاق هذا الاسم يدل عليه لانه لو اراد غيره لقيده كما يقال قال ابو حنيفة الدينورى تمييزا عن ابى حنيفة الامام { لفتاه } وهو يوشف بن نون بن افراييم بن يوسف وهو ابن اخت موسى وكان من اكبر اصحابه ولم يزل معه الى ان مات وخلفه فى شريعته وكان من اعظم بنى اسرائيل بعد موسى سمى فتاه اذ كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه ويسمى الخادم والتلميذ فتى وان كان شيخا واليه يشير القول المشهور ( تعلم يا فتى فالجهل عار ) وهو عبد الحكمى كما قال شعبة من كتبت عنه اربعة احاديث فانا عبده الى ان اموت وقيل لعبده وانما قال لفتاه تعليما للادب قال عليه السلام ( ليقل احدكم فتاى وفتاتى ولا يقل عبدى وامتى ) قال ابو يوسف من قال انا فتى فلان كان تقرارا منه بالرق. يقول الفقير المشهور وهو الوجه الاول وتأبى جلالة هذا السفر الا ان يكون الصاحب من اولى الخطر ونظيره ان نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم لما اراد الهجرة لم يرض برفاقته فى سفره الا الصديق رضى اللّه عنه لكونه اعز اصحابه وخليفته بعده كما ان يوضع صار خليفة موسى بعده { لا ابرح } من برح الناقص كزال يزال اى لا ازال اسير فحذف الخبر اعمادا على قرينة الحال. كان ذلك عند التوجه الى السفر ويدل عليه ايضا ذكر السفر فى قوله { لقد لقينا من سفرنا } فقول سعدى المفتى لا دلالة فى نظم القرآن على هذا ولعله علم من الاثر اومن اخبار المؤرخين ذهول عما بعد الآية { حتى ابلغ مجمع البحرين } هو ملتقى بحر فارس والروم مما يلى المشرق وهو المكان الذى وعد اللّه موسى بلقاء الخضر فيه. قال سعدى المفتى بحرا فارس والروم انما يلتقيان فى المحيط على ما سيجئ فى سورة الرحمن اعنى المحيط الغربى فان الالتقاء هناك كما لا يخفى على من يعرف وضع البحار فالمراد بملتقاهما هنا موضع يقرب التقاؤهما فيه مما يلى المشرق ويعطى لما يقرب من الشئ حكم ذلك الشئ ويعبر به عنه انتهى. وفيه اشارة الى ان موسى والخضر عليهما السلام بحران لكثرة علمهما احدهما وهو موسى بحر الظاهر والباطن والغالب عليه الظاهر اى الشريعة والآخر وهو الخصر بحرهما والغالب عليه الباطن اى الحقيقة اذ تتفاوت الانبياء عليهم السلام بحسب غلبة الجمال والجلال على نشأتهم وسيأتى التحقيق ان شاء اللّه تعالى فملتقاهما اذا المكان الذى يتفق اجتماعهما فيه لا موضع معين { او امضى } من مضى فى الامر بمعنى نفذ وامضاه انفذه { حقبا } هو بضم القاف وسكونه ثمانون سنة . والمعنى اسير زمانا طويلا اتيقن معه فوات المطلب يعنى حتى يقع اما بلوغ المجمع او مضى الحقب. وفى بعض التفاسير اسير دهرا طويلا حتى اجد هذا العالم. قال الكاشفى [ موسى فرمود كه مدام ميروم تابرسم بمنزل او ياميروم زمان درازكه هشتاد سال باشد يعنى بهيج وجهى روى ازسفر نمى تابم تا اورا بيابم دست از طلب ندارم تاكام من بر آيد ... وفى المثنوى كر كران وكر شتابنده بود ... آنكه جو ينده است يا بنده بود درطلب زن دائما توهردو دست ... كه طلب در راه نيكو رهبرست قال الامام فى تفسيره هذا اخبار من موسى بانه وطن نفسه على تحمل التعب الشديد والعناء العظيم فى السف لاجل طلب العلم وذلك تنبيه على ان المتعلم لو سار من المشرق الى المغرب لطلب مسألة واحدة لحق له ذلك انتهى. قال فى روضة الخطيب رجل جاء من المدينة الى مصر لحديث واحد ولذا لم يعد احد كاملا الا بعد رحلته ولا وصل مقصده الا بعد هجرته. وقالوا كل من لم يكن له استاذ يصله بسلسلة الاتباع ويكشف عن قلبه القناع فهو فى هذا الشأن لقيط لا اب له دعى لا نسب له انتهى. ومن كلام ابى يزيد البسطامى قدس سره من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان : وفى المثنوى بير را بكزين كه بى بير اين سفر ... هست بس بر آفت وخوف وخطر جون كرفتى ببرهين تسليم شو ... همجو موسى زير حكم خضر رو قال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارات. منها ان شرط المسافر ان يطلب الرفيق ثم يأخذ الطريق . ومنها ان من شرط الرفيقين ان يكون احدهما اميرا والثانى مأمورا له ومتابعا . ومنها ان يعلم الرفيق عزيمته ومقصده ويخبر عن مدة مكثه فى سفره ليكون الرفيق واقفا على احواله فان كان موافقا له يرافقه فى ذلك . ومنها ان من شرط الطالب الصادق ان يكون نيته فى طلب شيخ يقتدى به ان لا يبرح حتى يبلغ مقصوده ويظفر به فان طلب الشيخ طلب الحق تعالى على الحقيقة انتهى كلامه قدس سره. ٦١ { فلما بلغا } قال الكاشفى [ موسى عليه السلام فرمودكه اى يوشع توبامن موافقت نماى درطلب اين بنده صالح يوشع فرمود آرى من بتو موافقم ورفاقت تومغتنم مى شمارم خوشست آوراكى آنراكه همراهى جنين باشد ... بس يوشع عليه السلام تهى جندان وما هى برداشته باتفاق موسى روانه شد ] والفاء فصيحة اى فذهب موسى ويوشع يمشيان فلما بلغا { مجمع بينهما } بينهما ظرف اضيف له اتساعا فالمعنى مكانا يكاد يلتقى وسط ما امتد من البحرين طولا. قال الكاشفى [ بمجمع كه ميان دو درياست آنجا بر صحره بركنار جشمه حيات بود نشستند موسى عليه السلام درخواب رفته بود ويوشع دران جشمه وضو ساخت وقطره برآن ماهى بريان جكيد فى الحال زنده شد روى بدريا نهاد ويوشع متحيرشد وموسى ازخواب در آمده تفقد حال يوشفع وما هى تنموده روى براه نهاد وازغايت تعجيل سفر ] { نسيا حوتهم } الذى جعل فقدانه امارة وجدان المطلوب اى نسى موسى تذكر الحوت لصاحبه وصاحبه نسى الاخبار بامره فلا يخالفه ما فى حديث الصحيحين من اسناد النسيان الى صاحبه وفى الاسئلة المقحمة كانا جميعا قد زوداه لسفرهما فجاز اضافة ذلك اليهما وان كان الناسى احدهما وهو يوشع يقال خرج القوم وحملوا معهم الزاد وانما جمله بعضهم { فاتخذ } الحوت. ان قلت كيف اتى بالفاء وذهاب الحوت مقدم على النسيان. قلت الفاء فصيحة ولا يلزم ان يكون المعطوف عليه الذى يفصح عنه الفاء معطوفا على نسيا بالفاء بل بالواو والتقدير وحيى الحوت فسقط فى البحر فاتخذ { سبيله } اى طريق الحوت { فى البحر سربا } مفعول ثان لاتخذ وفى البحر حال منه اى مسلكا كالسرب وهو بيت فى الارض وثقب تحتها وهو خلاف النفق لانه اذا لم يكن له منفذ يقال له سرب واذا كان له منفذ يقال له نفق وذلك ان اللّه تعالى امسك جرية الماء علىلحوت فصار كالطاق عليه وهو ما عقد من اعلى البناء وبقى ما تحته خاليا يعنى انه انجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوة لم تلتئم هكذا فسر النبى صلّى اللّه عليه وسلّم هذا المقام كما فى حديث الصحيحين . وبالفارسية [ سربا مثل سردابه كه درانتوان رفت هرجا كه ما هى بريان المفسرين كالقاضى ومن يتبعه سربا اى مسلكا يسلك فيه ويذهب من قوله { وسارب بالنهار } وهو الذاهب على وجهه فى الارض. ٦٢ { فلما جاوزا } اى مجمع البحرين الذى جعل موعدا للملاقاة اى انطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى اذا كان الغد القى على موسى الجوع ليتذكر الحوت ويرجع الى مطلبه فعند ذلك { قال لفتاه آتنا غدائنا } ما نتغدى به وهو الحوت كما ينبئ عنه الجوا بوالغداء بالفتح هو ما يعد للاكل اول النهار والعشاء ما يعد له آخره { لقد لقينا من سفرنا هذا } اى باللّه لقد لقينا من هذا السفر الذى سرناه بعد مجاوزة مجمع البحرين { نصبا } تعبا واعياء. قال النووى انما لحقه النصب والجوع ليطلب موسى الغداء فيتذكر به يوشع الحوت وفى الحديث ( لم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذى امره به ) وفى الاسئلة المقحمة كيف جاع موسى ونصب فى سفرته هذه وحين خرج الى الميقات ثلاثين يوما لم يجع ولم ينصب قيل لان هذا السفر كان سفر تأديب وطلب علم واحتمال مشقة وذلك السفر كان الى اللّه تعالى انتهى والجملة فى محل التعليل للامر بايتاء الغداء اما باعتبار النصب انما يعترى بسبب الضعف الناشئ عن الجوع واما باعتبار ما فى الثناء التغدى من اتراحة ما كما قال الكاشفى [ بيار طعام جشت مارا تا بخوريم كه كرسنه شديم ودمى بر آساييم جون يوشفع سفره بيش آورد وقصه ما هى بيادش آمد ]. ٦٣ { قال } فتاه { أرأيت } [ خبردارى ] قال ابن ملك هو يجيئ بمعنى اخبرنى وهنا بمعنى العجب ومفعوله محذوف وذلك المحذوف عامل فى قوله { اذ اوينا الى الصخرة } يعنى عجبت ما اصابنى حين وصلنا الى الصخرة ونزلنا عندها { فانى نسيت الحوت } ان اذكر لك امره وما شاهدت منه من الامور العجيبة ثم اعتذر بانساء الشيطان اياه لانه لو ذكر ذلك لموسى ما جاوز ذلك المكان وما ناله النصب فقال { وما انسانيه الا الشيطان } بوسوسته الشاغلة عن ذلك { ان اذكره } بدل اشتمال من الضمير اى وما انسانى ان اذكره لك { واتخذ سبيله فى البحر } سبيلا { عجبا } وهو كون مسلكه كالطاق والسرب فعجبا ثانى مفعولى اتخذ والظرف حال من اولهما او ثانيهما وهو بيان لطرف من امر الحوت منبئ عن طرف آخر وما بينهما اعتراض قدم عليه للاعتناء بالاعتذار كأنه قيل حيى واضطرب ووقع فى البحر واتخذ سبيله فيه سبيلا عجبا يعنى ان قوله وما انسانيه اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه سببه ما يجرى مجرى العذر والعلة لوقوع ذلك النسيان. قال الامام فان قيل انقلاب السمكة المالحة حية حالة عجيبة جعل اللّه تعالى حصول هذه الحالة العجيبة دليلا على الوصول الى المطلوب فكيف يعقل حصول النسيان فى هذا المعنى اجاب العلماء عنه بان يوشع كان قد شاهد المعجزات الباهرة من موسى كثيرة فلم يبق لهذه المعجزة عنده وقع عظيم فجاز حصول النسيان وعندى فيه جواب آخر وهو ان موسى لم استعظم علم نفسه ازال اللّه تعالى عن قلب صاحبه هذا العلم الضرورى تنبيها لموسى على ان العلم لا يحصل الا بتعليم اللّه تعالى وحفظه على القلب الخاطر انتهى. وقال بعضهم لعله نسى ذلك لاستغراقه فى الاستبصار وانجذاب شراشره الى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة وهى حياة السمكة المملوحة المأكول بعضها وقيام الماء وانتصابه مثل الطاق ونفوذها فى مثل السرب منه وانما نسبه الى الشيطان هضما لنفسه اى لمقتضى نفسه من الاغترار والافتخار بامثاله. وفى الآيات اشرارات . منها ان الطالب الصادق اذا قصد خدمة شيخ كامل يسلكه طريق الحق يلزمه مرافقة رفيق التوفيق ومعه حوت قلبه الميت بالشهوات النفسانية المملح بملح حب الدنيا وزينتها ومجمع البحرين هو الولاية بين الطالب وبين الشيخ ولم يظفر المريد بصحبة لاشيخ ما لم يصل الى مجمع ولايته فانهم جدا وعند مجمع الولاية عين الحياة الحقيقية فباول قطرة من تلك العين تقع على حوت قلب المريد يجيى ويتخذ سبيله فى البحر عن الولاية سربا. ومنها ان اللّه يحول بين المرء وقلبه فينسى المريد قلبه حين فقده وينسى القلب المريد اذا وجد الشيخ : وفى المثنوى اى خنك آن مرده كزخودرسته شد ... دروجود زنده بيوشته شد واى آن زندهكه بامرده نشست ... مرده كشت وزنده كى ازوى برست ومنها ان المريد لو تطرق اليه الملالة فى اثناء السلوك واصابت قلبه الكلالة وسولت له نفسه التجاوز عن خدمة الشيخ وترك صحبته حتى يظن ان لو سافر عن خدمته واشتغل بطاعة ربه وجاهد نفسه فى طلب الحق تعالى لعله يصل مقصده ويحصل مقصوده بلا واسطة الشيخ والاقتداء به هيهات فانه ظن فاسد ومتاع كاسد وانه يضيع عمره ويتعب نفس ويضل عن سبيل الرشاد ويبعد عن طريق السداد الا ان ادركته العناية الازلية التى هىلكفاية الابدية وردت اليه صدق الارادة : وفى المثنوى آن رهى كه بارها تورفته ... بى فلاوز اندرآن آشفته بس رهى راكه نرفتستى توهيج ... هين مروتنها زرهب سرميج هين مبرالاكه بايرهاى شيخ ... تابينى عون ولشكرهاى شيخ ومنها ان صحبة الشيخ المرشد غداء للمريد لاشتمالها على ما يجرى مجرى الغداء للروح من الاقوال الطيبة والافعال الحسنة ومتى جاوز صحبته اتعب نفسه بلا فائدة الوصول ونيل المقصود ولا يحمل على هذا الاشيطان الخذلان فيلزم الرجوع والعود الى ملازمة الخدمة فى مرافقة رفيق التوفيق كما رجع موسى ويوشع عليهما السلام قال اللّه تعالى { يا ايها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين } اى فى صحبتهم ولا تكونوا مع الكاذبين : وفى المثنوى هرطرف غولى همى خواند ترا ... كابى بردرراه خواهى هين بيا رهنمايم هم رهت باشم رفيق ... من قولاوزم درين راه دقيق نى قلاوزست ونى ره دانداو ... يوسفاكم روسوى آن كرك خو نسال اللّه العصمة والتوفيق. ٦٤ { قال } موسى عليه السلام { ذلك } الذى ذكرت من امر الحوت { ما } اى الذى { كنا نبغ } اصله نبغى والضمير العائد الى الموصول محذوف اى نبغيه ونطلبه لكونه امارة للفوز بالمرام من لقاء الخضر عليه السلام { فارتدا } رجعا من ذلك الموضع وهو طرف نهر ينصب الى البحر { على آثارهما } طريقهما الذى جا آمنه والآثار الاعلام جمع اثر واثر وخرج فى اثره واثره اى بعده وعقبه . وبالفارسية [ برنشانهاى قدم خود ] { قصصا } مصدر فعل محذوف اى يقصان قصا اى يتبعان آثارهما اتباعها ويتفحصا تفحصا حتى اتيا الصخرة التى حيى الحوت عندها وسقط فى البحر واتخذ سبيله سربا ٦٥ { فوجدا عبدا } التنكير للتخفيم { من عبادنا } الاضافة للتشريف وكان مسجى بثوب فسلم عليه موسى وعرفه نفسه وافاد انه جاء لاجل التعلم والاستفادة . والجمهور على انه الخضر بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد وهو لقبه وسبب تلقيبه بذلك ما جاء فى الصحيح انه عليه السلام قال ( انما سمى الخضر لانه جلس على فروة بيضاء فاذا هى نهتز من خلفه خضراء ) الفروة وجه الارض اليابسة وقيل النبات اليابس المجتمع والبيضاء الارض الفارغة لا غرس فيها لانها تكون بيضاء واهتزاز النبات تحركه وكنيته ابو العباس واسمه بلياء بباء موحدة مفتوحة ثم لام ساكنة ثم مثناة تحت ابن ملكان بفتح الميم واسكان اللام ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح. قال ابو الليث انه عليه السلام ذكر قصة الخضر فقال ( كان ابن ملك من الملوك فاراد ابوه ان يستخلفه من بعده فلم يقبل وهرب منه ولحق بجزائر البحر فلم يقدر عليه ) وتفصيله على ما فى كتاب التعريف والاعلام للامام السهيلى وهو ان اباه كان ملكا وان امه كانت بنت فارس واسمها الها وانها ولدته فى مغارة وانه ترك هنالك وشاة ترضعه فى كل يوم من غنم رجل من القرية فاخذه الرجل فرباه فلما شب وطلب الملك ابوه كاتبا وجمع اهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التى نزلت على ابراهيم وشيث كان فيمن قدم عليه من الكتاب ابنه الخضر وهو لا يعرفه فلما استحسن خطه ومعرفته ونجابته سأله عن جلية امره فعرف انه ابنه فضمه لنفسه وولاه امر الناس ثمان الخضر فر من الملك وزهد فى الدنيا وسار الى ان وجد عين الحياة فشرب منها. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما الخضر ابن آدم لصله ونسئ له فى اجله حتى يكذب الدجال وفيه اشارة الى ان لكل دجال فى كل عصر مكذبا ومبطلا لامره : قال الحافظ كجاست صوفى دجال فعل ملحد شكل ... بكوبسوزكه مهدئ دين بناه رسيد واخرج عن ابن عساكر ان آدم لما حضره الموت اوصى بنيه ان يكون جسده الشريف معهم فى غار فكان جسده فى المغارة معهم فلما بعث اللّه نوحا ضم ذلك الجسد فى السفينة بوصية آدم فلما خرج منها قال لبنيه ان آدم دعا بطول العمر لمن يدفنه من اولاده الى يوم القيامة فذهب اولاده الى الغار ليدفنوه وكان فيهم الخضر فكان هو الذى تولى دفن آدم فانجز اللّه ما وعده فهو يجيئ ما شاء اللّه له ان يحيى. قال فى فتح القريب ومن اغرب ما قيل انه ابن آدم لصلبه وقيل انه من الملائكة وهذا باطل ومن اعجب ما قيل انه ابن فرعون صاحب موسى كما فى تواريخ مصر وقيل انه ابن خالة ذى القرنين كان فى سفره معه وشرب من ماء الحياة مد اللّه عمره الى الوقت المعلوم ولا بعد فانه كان من بنى آدم من يعيش ثلاثة آلاف سنة او اكثر وقيل انه ابن عاميل بن شمالخين بن ارما بن علقما بن عيصو بن اسحاق النبى وكان عاميل ملكا. والجمهور على انه نبى غير مرسل وعند الصوفية المحققين ولى غير نبى واختلفوا فى حياته والاكثر على انه موجود بين اظهرنا وهذا متفق عليه عند الصوفية لان حكاياتهم انهم رأوه فى المواضع الشريفة وكالموه اكثر من ان يحصى نقله الشيخ الاكبر فى الفتوحات الملكية وابو طالب المكى فى كتبه والحكيم الترمذى فى نوادره وغير ذلك من المحققين من سادات الامة الذين لا يتصور اجتماعهم على الكذب والافتراء بمجرد الاخبار النقلية حاشاهم عن ذلك وقد ثبت وجوده فلا يكون عدمه الا بدليل ولا دلي على موته ولا نص فيه من كتاب ولا سنة ولا اجماع ولا نقل انه مات بارض كذا فى وقت كذا فى زمن ملك من الملوك. وفى تفسير البغوى اربعة من الانبياء احياء الى يوم ا لبعث اثنان من الارض وهما الخضر والياس اى والياس فى البر والخضر فى البحر يجتمعان كل ليلة على ردم ذى القرنين يحرسانه واكلهما الكرفس والكمأة واثنان فى السماء ادريس وعيسى عليهما السلام. وفى كتاب التمهدي لابى عمر امام الحديث فى وقته ان رسول اللّه صلى اللّه علهي وسلم حين غسر وكفن سمعوا قائلا يقول السلام عليكم يا اهل البيت ان فى اللّه خلفا من كل هالك وعوضا من كل تالف وعزاء من كل مصيبته فعليكم بالصبر فاصبروا واحتسبوا ثم دعا لهم ولا يرون شخصه فكانوا اى الاصحاب واهل البيت يرونه انه الخضر. وفى كتاب الهواتف ان على بن ابى طالب رضى اللّه عنه لقى الخضر وعلمه هذا الدعاء وذكر فيه ثوابا عظيما ومغفرة ورحمة لمن قاله فى اثر كل صلاة وهو ( يا من لا يشغله سمع عن سمع ويا من لا تغلطه السمائل ويا من لا يتبرم من الحاح الملحين اذ قنى برد عفوك وحلاوة مغفرتك ). قال الهروى ان الحضر قد جاء النبى عليه السلام مرارا واما قوله عليه السلام ( لوكان حيا لزارنى ) فلا يمنع وقوع الزيارة بعده. قال فى فصل الخطاب ان الخضر قد صحب النبى عليه السلام وروى عن احاديث وفى الخصائص الصغرى ان فى غزوة تبوك اجتمع عليه السلام بالياس فعن انس رضى اللّه عنه فغزونا مع النبى عليه السلام حتى اذا كنا بفج الناقة عند الحجر سمعنا صوتا يقول اللهم اجعلنى من امة محمد المرحومة المغفور لها المستجاب لها فقال عليه السلام ( يا انس انظر ماهذا الصوت ) فدخلت الجبل فاذا رجل عليه ثياب بياض ابيض الرأس واللحية طوله اكثر من ثلاثمائة ذراع فلما رآنى قال انت رسول النبى عليه السلام قلت نعم قال ارجع اليه واقرئه السلام وقل له هذا اخوك الياس يريد ان يلقاك فرجعت الى النبى عليه السلام فاخبرته فجاء عليه السلام يمشى وانا معه حتى اذا كنا قريبا منه تقدم النبى وتأخرت انا فتحدثا طويلا فنزل عليهما من السماء شئ يشبه السفرة ودعوانى فاكلت معهما قليلا فاذا فيها كمأة ورمان وحوت وتمر وكرفس فلما اكلت قمت فتنحيت ثم جاءت سحابة فاحتملته فانا انظر الى بياض ثيابه فيها تهوى به قبل الشام فقلت للنبى عليه السلام بابى انت وامى هذا الطعام الذى اكلنا من السماء نزل عليه قال عليه السلام ( سألته عنه فقال يأتينى به جبرائيل فى كل اربعين يوما اكلة وفى كل حول شربة من ماء زمزم وربما رأيته على الجب يملأ بالدلو فيشرب وربما سقانى ) والاكثر من المحدثين على وفاة الخضر سئل البخارى عن الخضر والياس هل هما فى الاحياء قال كيف يكون ذلك وقد قال رسول اللّه عليه السلام ( لا يبقى على رأس المائة ممن هو اليوم على وجه الارض احد ) وقد قال اللّه تعالى { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } والجواب ان هذا الحكم جار على الاكثر ولا حكم لتنادر الذى يعيش فوق المائة فقد عاش سلمان ومعدى كرب وابو طفيل فوق المائة وكانوا موجودين فى ذلك الزمان عند اخباره عليه السلام والمراد بالخلود هو التأبيد ولا شك ان حياة الخضرة وغيره منقطعة عند الصعقة قبل القيامة فيمتنع الخلود . واما من قال من العلماء لا يجوز ان يكون الخضر باقيا لانه لا نبى بعد نبينا فلا عبرة لكلامه لانه لم يتنبأ بعده بل قبله كعيسى ابقاه اللّه لمعنى وحكمة الى ان يرتفع القرآن من وجه الارض. وذكر الشيخ الاكبر قدس سره فى بعض كتبه انه يظهر مع اصحاب الكهف فى آخر الزمان عند ظهور المهدى ويستشهد ويكون من افضل شهداء عساكر المهدى. وفى آخر صحيح مسلم فى احاديث الدجال انه يقتل رجلا ثم يحيى قال ابراهيم بن سفيان صاحب مسلم يقال ان هذا الرجل هو الخضر وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما يلتقى الخضر والياس فى كل عام فى الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان على هذه الكلمات بسم اللّه ما شاء اللّه لا يسوق الخير الا اللّه ما شاء اللّه لا يصرف السوء الا اللّه حين يصبح ويمسى آمنه اللّه من الحرق والغرق والسرق ومن الشيطان والحية والعقرب. وزاد احمد فى الزهد انهما يصومان رمضان فى بيت المقدس. وعن على رضى اللّه عنه مسكن الخضر بيت المقدس فيما بين باب الرحمة الى باب الاسباط. قال الشاقانى الخضر كناية على البسط والياس عن القبض واما كون الخضر شخصا انسانا باقيا من زمان موسى الى هذا العهد او روحانيا يتمثل بصورته لمن يرشده فغير متحقق عندى بل قد يتمثل ويتخيل معناه له بالصفة الغالبة عليه ثم يضمحل وهو روح ذلك الشخص او روح القدس انتهى. يقول الفقير تمثل الروح بالصفة الغالبة قد وقع لكثير من اهل السلوك ولكن ليس كل مرئى فى اليقظة تمثلا كما فى المنام فقد يظهر المثال وقد يظهر حقيقته ولله فى كل شئ حكمة بالغة { آتيناه رحمة من عندنا } هى الوحى والنبوة كما يشعر به تنكيرا الرحمة واختصاصه بجناب الكبرياء. قال الامام مسلم ان النبوة رحمة كما قوله تعالى { أهم يقسمون رحمة ربك } ونحوه ولكن لا يلزم ان تكون الرحمة نبوة فالرحمة هنا هى طول العمر على قول من مذهب الى عدم نبوته { وعلمناه من لدنا علما } خاصا هو علم الغيوب والاخبار عنها باذنه تعالى على ما ذهب اليه ابن عباس رضى اللّه عنهما اوعلم الباطل. قال فى بحر العلوم انما قال من لدنا مع ان العلوم كلها من لدنه لان بعضها بواسطة تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علما لدنيا بل العلم اللدنى هو الذى ينزله فى القلب من غير واسطة احد ولا سبب مألوف من خارج كما كان لعمر وعلى ولكثير من اولياء اللّه تعالى المرتاضين الذين فاقوا بالشوق والزهد على كل من سواهم كما قال سيد الاولين والآخرين عليه السلام ) نفس من انفاس المشتاقين خير من عبادة الثقلين ( وقال عليه السلام ) ركعتان من رجل زاهد قلبه خير واحب الى اللّه من عبادة المتعبدين الى آخر الدهر ( وقد صدق لكنه قليل كما قال { وقليل من عبادى الشكور } وقال { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } ومن هنا يتبين لك معرفة رفعة الصحابة رضى اللّه عنهم وعظمهم رتبة ومكانا من اللّه فانهم ائمة المشتاقين والزاهدين الشاكرين ونجوم لهم يهتدون بهم انتهى. وفى التأويلات النجمية { فوجدا عبدا من عبادنا } اى حرا من رق عبودية غيرنا من احرارانا اى ممن احررناهم من رق عبودية الاغيار واصطفيناهم من الاخيار { آتيناه رحمة من عندنا } يعنى جعلناه قابلا ليفيض نور من انوار صفاتنا بلا واسطة { وعلمناه من لدنا علما } وهو علم معرفة ذاته وصفاته الذى لا يعلمه احد الا بتعليمه اياه. واعلم ان كل علم يعلمه اللّه تعالى عباده ويمكن للعباد ان يتعلموا ذلك العلم من غير اللّه تعالى فانه ليس من جملة العلم اللدنى لانه يمكن ان يتعلم من لدن غيره يدل عليه قوله { وعلمناه صنعة لبوس لكم } فان علم صنعة اللبوس مما علمه اللّه داود عليه السلام فلا يقال انه العلم اللدنى لانه يحتمل ان يتعلم من غير اللّه تعالى فيكون من لدن ذلك الغير وايضا ان العلم اللدنى ما يتعلق بلدن اللّه تعالى وهو علم معرفة ذاته وصفاته تعالى انتهى. قال الجنيد قدس سره العلم اللدنى ما كان تحكما على الاسرار بغير ظن فيه ولا خلاف لكنه مكاشفات الانوار عن مكنونات المغيبات وذلك يقع للعبد اذا زم جوارحه عن جميع المخلوقات وافنى حركاته عن كل الارادات وكان شبحا بين يدى الحق بلا تمن ولا مراد. قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الا طهر باب الملكوت والمعارف من المحال ان ينفتح وفى القلب شهوة هذا الملكوت واما باب العلم باللّه تعالى من حيث المشاهدة فلا ينفتح فى القلب لمحة للعالم باسره الملك والملكوت [ درفتوحات ازسلطان العارفين قدسر سيره نقل ميكندكه باجمعى دانشمندان مى كفته ] اخذتم علمكم ميتا عن ميت واخذنا علمنا عن الحى الذى لا يموت كلشنى كز نقل وريد يكدمست ... كلشنى كز عشق رويد خرمست كلشنى كز كل دمد كردد تباه ... كلشنى كز دل دمد وافرحتاه علم جون بر دل زند يارى شود ... علم جون بر كل زند بارى شود واعلم ان الصوفية سموا العلوم الحاصلة بسبب المكاشفات العلوم اللدنية وتفصيل الكلام انا اذا ادركنا امرا من الامور وتصورنا حقيقة من الحقائق فاما ان نحكم عليه بحكم وهو التصديق اولا نحكم وهو التصور وكل واحد من هذين القسمين فاما ان يكون ضروريا حاصلا من غر كسب وطلب واما ان يكون كسبيا اما العلوم الضرورية فهى تحصل فى النفس والعقل من غير كسب وكلب مثل تصورنا الالم واللذة والوجود والعدم ومثل تصديقنا بان النفى والاثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان وان الواحد نصف الاثنين واما العلوم الكسبية فهى التى لا تكون حاصلة فى جوهر النفس ابتداء بل لا بد من طريق يتوصل به الى الكتساب تلك التى لا تكون حاصلة فى جوهر النفس ابتداء بل لا بد من طريق يتوصل به الى اكتساب تلك العلوم فان كان التوصل الى استعلام المجهولات بتركيب العلوم البديهية فهو طريق النظر وان كان بتهيئة المحل وتصفيته عن الميل الى ما سوى اللّه تعالى فهو طريق الكشف والكشف انواع اعلاها اسرار ذاته تعالى وانوار صفاته وآثار افعاله وهو العلم الالهى الشرعى المسمى فى مشرب اهل اللّه علم الحقائق اى العلم بالحق سبحانه وتعالى من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية اذ منه ما ليس فى الطاقة البشرية وهو ما وقع فيه الكمل فى ورطة الحيرة واقروا بالعجز عن حق المعرفة وهذا العلم الجليل بالنسبة الى سائر العلوم كالشمس بالنسبة الى الذرات وكالبحر بالنسبة الى القطرات فعلوم اهل اللّه مبنية على الكشف والعيان وعلوم غيرهم من الخواطر الفكرية والاذهان وبداية طريقهم التقوى والعمل الصالح وبداية طريق غيرهم تحصيل الوظائف والمناصب وجمع الحطام الذى لا يدوم وقال المولى الجامى جان زاهد ساحل وهم وخيال ... جان عارف غرقه بحر شهود قال حضرة شيخى وسندى روح اللّه روحه الطيب وقدس سره الزكى فى كتاب اللائكات البرقيات المراد بالرحمة علم العبادة والدراسة والظاهر والشريعة ولذلك عبر عنه بالرحمة بناء على عمومه مثلها حيث قال { وسعت رحمتى كل شئ } ولكون مقام هذا العلم الظاهرى مقام القرب الصفاتى عبر عن مقامه بما يعبر به عن مقام هذا القرب الصفاتى من قوله تعالى { من عندنا } اى من مقام واحدية صفاتنا ومرتبة قربها والمراد بالعلم علم الاشارة والواراثة والباطن والحقيقة ولذلك عبر عنه بلفظ العلم بناء على التعبير بالمطلق على الفرد الكامل اذ العلم الباطنى من العلم الظاهرى بمنزلة الروح واللب من الجسد والقشر وبمنزلة المعنى من الصورة فلا جرم ان العلم الباطنى بمنزلة الفرد الناقص من الفرد الكامل من الفرد الكامل والنقصان الموهوم المعتبر فى العلم الظاهرى بحسب الاضافة والنسبة الى العلم الباطنى باعتبار المقام الذى يوجب الامتياز بينهما من جهة الصورة لا يقدح فى كماله الذاتى الحقيقى فى عينه ونفسه كما ان الكمال المعتبر فى العلم جهة التعين لا يزيدفى كماله الذاتى الحقيقى فى نفسه وذاته بل كل منهما من حيث هو بالنظر الى ذاته مع قطع النظر الى الاضافة والنسبة المعتبرة بينهما بحسب المقامات والتعلقات وغير ذلك كمال محض لا يتصور فى واحد منهما نقصان اصلا فكما ان الجهل والغفلة فى انفسهما محض نقصان حقيقى فكذلك العلم والمعرفة فى انفسهما محض كمال حقيقى وانما الاعتبارات لئلا تبطل حقائق الاحكام ولذا قيل لولا الاعتبارات اى الاضافات والنسب المعتبرة بين الاشياء لبطلت الحقائق ولما كان مقام هذا الباطنى مقام القرب الذاتى عبر عن مقام ما يعبر به عن مقام القرب الذاتى من قوله { من لدنا } اى من مقام احدية ذاتنا ومرتبتها ولذا خص كبار الصوفية فى اصطلاحاتهم لفظ العلم اللدنى بهذا العلم الباطنى الحاصل بمحض تعليم اللّه تعالى من لدنه بغير واسطة عبارة ولذلك قال بعضهم تعلمنا بلا حرف وصوت ... قرآناه بلا سهوت وفوت يعنى بطريق الفيض الالهى والالهام الربانى لا بطريق التعليم اللفظى والتدريس القولى ولكون مقام العلم الظاهرى من مقام العلم الباطنى بمنزلة الظاهر من الباطن حيث يتعلق العلم الظاهرى بظواهر الشريعة وصورها والعلم الباطنى بمنزلة الباب من البيت ومن اراد دخول البيت فليأت من باب وبيت العلم ومدينته هو النبى عليه السلام وباب هذا البيت والمدينة هو على رضى اللّه عنه كمال قال عليه السلام ( انا مدينة العلم وعلىّ بابها ) كرتشنه فيض حق بصدقى حافظ ... سرجشمه آن زساقى كوثر برس واعلم ان التحقيق الحقيق فى هذا العلم المأمور موسى عليه السلام بتعلمه من الخضر هو العلم الباطنى المتعلم بطريق الاشارة لا العلم الباطنى المتعلم بطريقة المكاشفة ولا العلم الظاهرى المتعلم بطريقة العبارة والدليل عليه ارسال الحق سبحانه موسى الى عبده الخضر وعدم تعليمه بواسطة امين الوحى جبرائيل وتعليم الخضر بطريق الاشارة بالامور الثلاثة لكن لما كان الظاهر بالنظر الى غلبة جانب علم الظاهر فى وجود موسى ان يطلب تعلمه بطريق العبارة لا بطريق الاشارة وطريقه طريق الاشارة لا طريق العبارة قال انك لن تستطيع معى صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا من طريق التعلم بالاشارة لا بالعبارة والغالب عليك انما هو طريق العبارة لا طريق الاشارة كما ان الغالب على طريق الاشارة لا طريق العبارة ولكل وجهة وهوموليها قل كل يعمل على شاكلته. ثم ان الامام الاعظم من الحسن البصرى رحمهما اللّه تعالى بمنزلة موسى من الخضر علينما السلام كما ان العكس بالعكس من جهة ما هو الغالب فى نشأة كل منهما ولذلك افاد الامام الهمام العلم الظاهرى غالبا وتقيد بترتيب انوار الشريعة واحكامها عبارة وصراحة وافاد العلم الباطنى نادرا وتعرض لاسرار الحقيقة ودقائقها اشارة وكناية بخلاف الحسن البصرى فالامام شمسى المشرب والحسن قمرى المشرب ولذلك كان فلك الامام اعظم واوسع من فلك الحسن البصرى وكان الامام رحمة لاهل العموم عامة وكان الحسن البصرى رحمة لاهل الخصوص خاصة والامام مظهر اسم الرحمن والحسن مظهر اسم الرحيم ويدل على هذا كله انتشار مذهبه شرقا وغربا وهو من جميع المذاهب بمنزلة النبوة المحمدية والولاية العيسوية من جميع النبوات والولايات من جهة الخاتمية وحيث يختم به جميع المذاهب الحقة كما ختم بالنبوة المحمدية جميع النبوات ويختم بالولاية العيسوية جميع الولايات ولكون مشربه ومذهبه شمسيا سمى سراج الامة وكاشف الغمة ورافع الظلمة ودافع البدعة ومحيى الدين وحافظ الشريعة بالكتاب والسنة ولكون مشرب الحسن ومذهبه قمريا انار القلوب والنفوس والطبائع المظلمة بظلمة الغفلة والهوى بانوار المعرفة واسرار الحقيقة والهدى تبارك الذى جعل فى السماء بروحا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وفى تقديم السراح على القمر المنير اشارة الى تقديم رتبة الامام على رتبة الحسن اذ هو مظهرا اسم الاول والظاهر والحسن مظهر اسم الآخر والباطن والاولان مقدمان على الثانيين بتقديم الهى فى قوله تعالى { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } وهذا التفاوت انما هو باعتبار ترتيب المراتب واما فى اصل الكمال وحقيقة الفضل فهم كالحلقة المفرغة لا يدرى اين طرفاها لسر يعرفه من يعرف ويغفل عنه من يغفل ورئيس اهل الذكر الصوفية الحنفية هو الامام الاعظم الا كمل ورئيس اهل الذكر الصوفية هو الامام الشافعى الافضل ورئيس اهل الذكرالصوفية وهؤلاء الائمة العظماء كالخلفاء الاربعة الفخام كالنجوم بل كالاقمار بل كالشموس بايهم اقتدى السالك اهتدى الحق المبين وهم لدين الحق كالاركان الاربعة للبيت وهم ايضا من سائر الاقطاب والاولياء كالعرش والشمس من الافلاك النجوم وليس لغيرهم ممن بعدهم الى يوم القيامة بدون الاقتداء بهم اهتداء الى طريق الجنة والرؤية ومن اقتدى بهم فى الشريعة والطريقة والحقيقة وعلم علومهم وعمل اعمالهم وتأدب بآدابهم على مذهب أيهم كان بحسب وسعة فلا شك انه اقتفى اثر رسول اللّه عليه السلام ومن لم يقتد بهم فى ذلك فلا شك انه ضل عن اثر الرسول وخرج عن دائرة القبول هذا كله كلام حضرة شيخى وسندى مع اختصار. واما ما يلوح من كلمات بعض المشايخ من الن المجتهدين لم ينالوا العشق فله محامل ذكرنا بعضا منها فى كتابنا الموسوم بتمام الفيض والذى يظهر انها كلمات صدرت حالة السكر والغلبات فلا اعتبار بها والادب التام ان يمسك عنهم الا بخير الكلام. ٦٦ { قال له موسى } استئناف مبنى على سؤال نشأ من السياق كأنه قيل فماذا جرى بينهما من الكلام فقيل قال له موسى اى للخضر عليهما السلام { هل اتبعك } اصحبك { على ان تعلمن } على شرط ان تعلمن وهو فى موضع الحال من الكاف وهو استئذان منه فى اتباعه له على وجه التعليم ويكفيك دليلا فى شرف الاتباع { مما علمت رشدا } اى علما ذا رشد ارشد به فى دينى والرشد اصابة الخير. قال الكاشفى [ علمى كه مبنى بررشد باشد ] يعنى اصابة خير ولقد راعى فى سوق الكلام غاية التواضع معه فينبغى للمرء ان يتواضع لمن هو اعلم منه. قال الامام والآية تدل على ان موسى راعى انواع الادب جعل نفسه تبعا له فقال { هل اتبعك } واستأذن فى اثبات هذه التبعية واقر على نفسه باجهل وعلى استاذه باعلم فى قوله { على ان تعلمن } من فى قوله { مما علمت } للتبعيض اى لا اطلب مساواتك فى العلوم وانما اريد بعضا من علومك كالفقير يطلب من الغنى جزأ من ماله وقوله { مما علمت } اعتراف بانه اخعذ من اللّه وقوله { رشدا } طلب للراشاد اى مالولاه لضل وهذا يدل على انه طلب ان يعامله بمثل ما عامله اللّه به اى ينعم بالتعليم كما انعم اللّه عليه فان البذل من لاشكر : قال الحافظ اى صاحب كرامت شكرانه سلامت ... روزى تفقدى كن درويش بى نوارا قال قتادة لو كان احد مكتفيا من العلم لا كتفى نجى اللّه موسى ولكنه قال { هل اتبعك } الآية وقال الزجاج وفيما فعل موسى وهو من اجله الانبياء من طلب العلم والرحلة فى ذلك ما يدل على انه لا ينبغى لاحد ان يترك طلب العلم وان كان قد بلغ نهايته ولذا ورد ( اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ) : وفى المثنوى خام ملك سليمانست علم ... جمله عالم صورت وجانست علم قال العلماء ولا ينافى نبوة موسى وكونه صاحب شريعة ان يتعلم من نبى آخر مالا يتعلق له باحكام شريعته من اسرار العلوم الخفية وقد امر اللّه باخذ العلم منه فلا دلالة له. قال شيخى وسندى روح اللّه روحه تعليم موسى وتربيته بالخضر انما هو من قبيل تعليم الا كمل وتربيته بالكامل لانه تعالى قد يطلع الكامل على اسرار يخفيها عن الاكمل واذا اراد ان يطلع الا كمل عليه ايضا فقد يطلعه بالذات وقد يطلعه بواسطة الكامل ولا يلزم من توسط الكامل ان يكون اكمل من الا كمل او مثله والكامل كامل مطلقا والا كمل اكمل مطلقا والرجحان للاكمل جدا ولا تسمع الى غير ذلك مما يقول الضالون وقول الخضر لموسى عليه السلام يا موسى انت على علم علمك اللّه وانا على علم علمنى اللّه انما هو بناه على الامتياز المعتبر بينهما بحسب الغالب فى نشأة كل منهما والا فالعلم الظاهر والباطن حاصلان فى نشأة كل منهما انتهى وفهم منه جواب ما سبق من قوله ان لى عبدا بمجمع البحرين هو اعلم منك فان المراد اثبات اعلميته فى علم من العلوم الخاصة دون سائرها وقد انعقد الاجماع على ان نبينا عليه السلام اعلم الخلق وافضلهم على الاطلاق وقد قال ( انتم اعلم بامور دنياكم ) وفى قصص الانبياء بينما هما على ساحل البحر اذا قبل طائر وغمس منقاره فى البحر ثم اخرجه ومسحه على جناحه ثم طار نحو المشرق ثم اطار نحو المغرب ثم رجع وصاح فقال الخضر يا موسى أتروى ما قال هذا الطائر قال لا قال انه يقول ما اوتى بنوا آدم من العلم الا بمقدار ما اخذت من هذا البحر بمنقارى ازعلم توتنكته ايست عالم ... زان دائره نقطه ايست آدم وفى التأويلات النجمية من آداب المريد الصادق بعد طلب الشيخ ووجدانه ان يستجيز منه فى اتباعه وملازمة صحبته تواضعا لنفسه وتعظيما لشيخه بعد مفارقة اهاليه واوطانه وترك مناصبه واتباعه واخوانه واخذدانه كما كان حال موسى اذ قال للخضر { هل اتبعك على ان تعلمن مما علمن رشدا } بارشاد اللّه لك اى تعلمنى طريق الاسترشاد من اللّه بلا واسطة جبريل والكتاب المنزل ومكالمة الحق تعالى فان جميع ذلك كان حاصلا له. فان قيل فهل مرتبة فوق هذه المراتب وانزال الكتاب يدل على البعد والمكالمة تنبئ عن الاثنينية والرشد الحقيقى من اللّه للعبد هو ان يجعله قابلا لفيض نور اللّه بلا وساطة وذلك بتجلى جماله وجلاله الذى كان مطلوب موسى بقوله { ارنى انظر اليك } فان فيه رفع الاثنينية واثبات الوحدة التى لا يسع العبد فيها ملك مقرب ولا نبى مرسل. ومنها ان اريد اذا استسعد بخدمة شيخ واصل ينبغى ان يخرج عما معه من الحسب والنسب والجاه والمنصب والفضائل والعلوم ويرى نفسه كأنه اعجمى لا يعرف الهر من البر اى ما يهره ما يبره او القط من الفار او العقوق من اللطف او الكراهية من الاكرام كما فى القاموس : قال الحافظ خاطرت كى رقم فيض بذيرد هيهات ... مكر از نقش براكنده ورق ساده كنى وينقاد لاوامره ونواهيه كما كان فان كليم اللّه لم يمنعه النبوة والرسالة ومجيئ جبريل والنزال التوراة ومكالمة اللّه واقتداء بنى اسرائيل به ان يتبع الخضر ويتواضع له وترك اهاليه واتباعه واشياعه وكل ما كان له من المناصب والمناقب وتمسك بذيل ارادته مقاد لاوامره ونواهيه. ٦٧ { قال } الخضر { انك لن تستطيع معى صبرا } نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد كأنه مما لا يصح ولا يستقيم والمراد نفى الصبر على ما يدل عليه قوله وكيف تصبر ويلزم من نفيها نفيه. وفيه دليل على ان الاستطاعة مع الفعل [ موسى كفت جرا صبر نتوانم كرد كفت بجهت آنكة تو بيغمبرى وحكم تو برظاهر است شايدكه ازمن عملى صادر شود درظاهر آن منكر وناشايسته نمايد وجه حكمت آنراندانى وبرآن صبركردن نتوانى ] ٦٨ { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } تمييز من خبر يخبر كنصر وعلم بمعنى عرف اى لم يحط به خبرك اى علمك وهو ايذان بانه يتولى امورا خفية منكرة الظواهر والرجل الصالح لا سيما صاحب الشريعة لا يصبر اذا رأى ذلك ويأخذ فى الانكار. قال الامام المتعلم قسمان منه من مارس العلوم ومنه من لم يمارسها والاول اذا وصل الى من هوا كمل منه عسر عليه التعلم جدا لانه اذا رأى شيأ او سمع كلاما فربما انكره وكان صوابا فهو لا لفته بالقيل والقال يغتر بظاهره ولا يقف على سره وحقيقته فيقدم على النزاع ويثقل ذلك على الاستاذ واذا تكرر منه الجدل حصلت النفرة واليه اشار الخضر بقوله { انك لن تستطيع معى صبرا } لانك الفت الكلام والاثبات والابطال والاعتراض والاستدلال { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } اى لست تعلم حقائق الاشياء كما هى. قال حضرة شيخى وسندى روح اللّه روحه فى كتاب اللائحات البرقيات كل واحد من العلمين اى الظاهر والباطن موجود فى وجود كل من موسى والخضر { هل اتبعك على ان تعلمن مماعلمت رشدا } لان المتعلم من المخلوق انما هو العلم الظاهرى المتعلم بالحرف والصوت لا العلم الباطنى المتعلم من اللّه بلا حرف وصوت بل بدوق وكشف الهى والقاء والهام سبحانى لان جميع علوم الباطن انما تحصل بالذوق والوجدان والشهود والعيان لا بالدليل والبرهان وهى ذوقيات لا نظريات فانها ليست بطريق التأمل السابق ولا بسبيل التعمل اللاحق بترتيب المبادى والمقدمات وعلى اعتبار حصولها بطريق الانتقال بالواسطة لا بطريق الذوق بغير الواسطة ولغالب فى نشأة الخضر هو العلم الباطنى كما يدل عليه ولايته ولو قيل بنبوته وقوله لموسى عليه السلام { انك لن تستطيع معى صبرى وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } يعنى بحسب غلبة جانب علم الظاهر وعلم الرسالة على جانب علم الباطن وعلم الولاية اذا لحكم للاغلب القاهر انتهى . وفى التأويلات النجمية ومن الآداب ان يكون المريد ثابتا فى الارادة بحيث لو يرده الشيخ كرات بعد مرات ولا يقبله امتحانا له فى صدق الارادة يلازم عتبة بابه ويكون اقل من ذباب فانه كلما ذب آب كما كان حال كليم اللّه فانه كان الخضر يرده ويقول له { انك لن تستطيع معى صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } اى كيف تصبر على فعل يخالف مذهبك ظاهرا ولم يطلعك اللّه على الحكمة فى اتيانه باطنا ومذهبك انك تحكم بالظاهر على ما انزل اللّه عليك من علم الكتاب ومذهبى ان احكم بالباطن على ما امرنى اللّه من العلم اللدنى وقد كوشفت بحقائق الاشياء ودقائق الامور فى حكمة اجرائها وذلك انه تعالى افنانى عنى بهويته وابقانى به بالوهيته فبه ابصر وبه اسمع وبه انطق وبه آخذ وبه اعطى وبه افعل وبه اعلم فانى لا اعلم ما لم ليعلم وانه يقول ستجدنى الآية. ٦٩ { قال } موسى عليه السلام { ستجدنى } [ زود باشدكه يابى مرا ] { ان شاء اللّه صابرا } معك غير معترض عليك والصبر الحبس يقال صبرت نفسى على كذا اى حبستها وتعليق الوعد بالمشيئة اما كلبا لتوفيقه فى الصبر ومعونته واو تيمنا به او علما منه بشدة الامر وصعوبته فان الصبر من مثله عند مشاهدة الفساد شديد جدا لا يكون الا بتأييد اللّه تعالى. وقيل انما استثنى لانه لم يكن على ثقة فيما التزم من الصبر وهذه عادة الصالحين. ويقال ان امزجة جميع الانبياء البلغم الا موسى فان مزاجه كان المرة . فان قلت ما معنى قول موسى للخضر { ستجدنى } الآية ولم يصبر وقول اسماعيل عليه السلام { ستجدنى ان شاء اللّه من الصابرين } فصبر. قال بعض العلماء لان موسى جاء صحبة الخضر بصورة التعلم والمتعلم لا يصر اذا رأى شيأ حتى يفهمه بل يعرتض على استاذه كما هو دأب المتعلمين واسماعيل لم يكن كذلك بل كان فى معرض التسليم والتفويض الى اللّه تعالى وكلاهما فى مقامهما واقفان. وقيل كان فى مقام الغيرة والحدة والذبييح فى مقام الحكم والصبر. قال بعض العارفين قال الذبيح من الصابرين ادخل نفسه فى عداد الصابرين فدخل وموسى عليه السلام تفرد بنفسه وقال صابرا فخرج والتفويض من التفرد اسلم واوفق لتحصيل المقام ووصول المرام { ولا اعصى لك امرا } عطف على صابرا اى ستجدنى صابرا وغير عاص اى لا اخالفك فى شئ ولا اترك امرك فيما امرتنى به وفى عدم هذا الوجدان من المبالغة ما ليس فى الوعد بنفس الصبر وترك العصيان. وفى التأويلات النجمية معتقدا له فى جميع حالاته وان شاهد منه معاملة غير مرضية بنظر عقله وشرعه فلا ينكره بها ولا يسيئ الظن فيه بل يحسن فيه الظن ويعتقد انه مصيب فى معاملاته مجتهد فى آرائه وانما الخطأ من قصور نظرى وسخافة عقلى وقلة علمى. ٧٠ { قال فان اتبعتنى } صحبتنى لاخذ العلم وهو اذن له فى الاتباع بعد اللتيا والتى والفاء لتفريع الشرطية على ما مر من التزامه للصبر والطاعة { فلا تسألنى عن شئ } تشاهده من افعالى وتنكره منى فى نفسك اى لا تفاتحنى بالسؤال عن حكمته فضلا عن المناقشة والاعتراض { حتى احدث لك منه ذكرا } حتى ابتدئ ببيانه. وفي ايذان بان كل ما صدر عنه فله حكمة وغاية حميدة التبة وهذا من آداب المتعلم مع الالم والتابع مع المتبوع. قال فى التاويلات النجمية ومن الآداب ان يسد على نفسه باب السؤال فلا يسأل الشيخ عن شئ حتى يحدث له منه ذكرا اما بالقال واما بالحال انتهى - روى - ان لقمان دخل على داود عليه السلام وهو يسرد دروعا ولم يكن رآها قل ذلك فتعجب منه فاراد ان يسأله ذلك فمنعته الحكمة فامسك نفسه ولم يسأله فلما فرغ قام داود ولبسها ثم قال نعم الدرع للحرب . وقيل كان يتردد اليه سنة وهو يريد ان يسأل ذلك فلم يسأل. قالت الحكماء ان كان الكلام من فضة فالصمت من هذب . وعن بعض الكبار الصمت على قسمين صمت باللسان عن الحديث بغير اللّه مع غير اللّه جملة وصمت بالقلب عن خاطر كونى البتة فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه خف وزره ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان الحكمة ومن صمت لسانه قلبه ظهر له سره وتجلى له ربه ومن لم يصمت لسانه وقلبه كان مسخرة للشيطان. فعلى العاقل ان يجتهد حتى يسلم قلبه من الانقباض ولسانه من الاعتراض وينسى ما سوى اللّه تعالى ولا تلعب به الافكار ويصبر عن مظان الصبر ويستسلم لامر اللّه الملك الغفار فان اللّه تعالى فى كل شئ حكمة وفى كل تلف عوضا : وفى المثوى لا نسلم واعتراض ازما برفت ... جون عوض مى آيداز مفقودزفت جونكه بى آتش مر اكرمى رسد ... راضيم كر آتش مارا كشد بى جراغى جون دهد اوروشنى ... كر جراغت شدجه افغان ميكنى دانه بر مغز باخاك دزم ... خلوتى وصحبتى كرد ازكرم خويشتن درخاك كلى محو كرد ... تانماندش رنك وبوى سرخ وزرد از بس آن محو قبض اونماند ... بركشاد وبست شدمركرب براند نسأل اللّه تعالى ان يجعلنا من اهل الخلوة به والصحبة بالاهل والتسلم للامر. ٧١ { فانطلقا } اى ذهب موسى والخضر عليهما السلام على الساحل يطلبان السفينة واما يوشع فقد صرفه موسى الى بنى اسرائيل. وقال الكاشفى [ ويوشع برعقب ايشان ميرفت ]. يقول الفقير وهو الظاهر فان تثنية الفعل انما هى لاجل الانتقال من قصة موسى مع يوشع الى قصته مع الخضر فكان يوشع تبعا لهما فلم يذكر ويدل على هذا قوله عليه السلام ( مررت بهم سفينة فكلموهم ان يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوا بغير نول ) على ما فى المشارق ولا مقتضى لرده الى بنى اسرائيل فان هارون عليه السلام كان معهم واللّه اعلم { حتى اذا ركبا } دخلا { فى السفينة }. وقال فى الارشاد فى سورة هود معنى الركوب العلو على شئ له حركة اما ارادية كالحيوان او قسرية كالسفينة والعجلة ونحوهما فاذا استعمل فى الاول يوفر له حظ الاصل فيقال ركبت الفرس وان استعمل فى الثانى يلوح بمحلية المفعول بكلمة فى فيقال ركبت فى السفينة . وفى الجلالين { حتى اذا ركبا } البحر { فى السفينة } - روى- انهما مرا بالسفينة فاستحملا ملاحيها فعرفوا الخضر فحملوها بغير نول بفتح النون اى بغير اجرة { خرقها } ثقبها الخضر وشقها لما بلغوا اللج اى معظم الماء حيث اخذ فاسا فقلع بغتة اى على غفلة من القوم من الواحها لوحين مما يلى الماء فجعل موسى يسد الخرق بثيابه واخذ الخضر قدحا من زجاج ورقع به خرق السفينة اوسده بخرقة - روى - انه لما خرق السفينة لم يدخلها الماء. وقال الامام فى تفسيره والظاهر انه خرق جدارها لتكون ظاهرة العيب ولا يتسارع الى اهلها الغرق فعند ذلك { قال } موسى منكرا عليه { أخرقتها } يا خضر { لتغرق اهلها } فان خرقها سبب لدخول الماء فيها المضى الى غرق اهلها وهم قد احسنوا بنا حيث حملونا بغير اجرة وليس هذا جزاءهم فاللام للعاقبة. وقال سعدى المفتى ويجوز ان يحمل على التعليل بل هو الانسب لمقام الانكار { لقد جئت } اى اتيت وفعلت { شيأ امرا } [ جيزى شكفت وشنيع وبر دل كران ]. قال فى القاموس امرا امر منكر عجب. ومن بلاغات الزمخشرى كم احدث بك الزمان امرا امرا كما لم يزل يضرب زيد عمرا اى كما ثبت دوام هذه القصة. قال فى الاسئلة المقحمة كان من حق العلم الواجب عليه الانكار بحكم الظاهر الا انه كان يلزم مع ذلك التوقف وقت قلب العادة : قال الحافظ مزن زجون جرادم كه بنده مقبل ... قبول كردبجان هرسخن كه جانان كفت ٧٢ { قال } الخضر لموسى { ألم أقل } اى قد قلت { انك لن تستطيع معى صبرا } ام تقدر ان تصبر معى البتة وهو تذكير لما قاله من قبل متضمن للانكار على عدم الوفاء بوعد. ٧٣ { قال } [ كفت موسى كه آن سخن ازخاطرم رفته بود ] { لا تؤاخذنى بما نسيت } بنسيانى وصيتك بعدم السؤال عن حكمة الافعال قبل البيان فانه لا مؤاخذة على الناس كما ورد فى صحيح البخارى ( من ان الاول كان من موسى نسيانا والثانى فرطا والثالث عمدا ) { ولا ترهقنى } يقال رهقه كفرح غشيه وارهقه اياه والارهاق ان يحمل الانسان على ما لا يطيقه وارهقه عشرا كلفه كلفه اياه فى القاموس اى ولا تغشنى ولا تكلفنى ولا تحملنى. قال الكاشفى [ ودر مرسان مرا ] { من امرى } وهو اتباع اياه { عسرا } [ دشوارى ] مفعول ثانى للارهاق اى لا تعسر على متابعتك ويسرها علىّ فانى اريد صحبتك ولا سبيل لى اليها الا بالاغضاء والعفو وترك المناقشة بيوش دامن عفوى بروى جرم مرا ... مريزآب رخ بنده بدين جون وجرا وفى التأويلات النجمية وفى آدب الشيخ وشرائطه فى الشيخوخة ان لا يحرص على قبول المريد بل يمتحنه بان يخبره عن دقة صراط الطلب وعزة المطلوب وعسرته وفى ذلك يكون له مبشرا ولا يكون منفرا فان وجده صادقا فى دعواه وراغبا فيما يهواه معرضا عما سواء يتقلبه بقبول حسن ويكرم مثواه ويقبل عليه اقبال مولاه ويربيه تربية الاولاد ويؤدبه بآداب العباد. ومنها ان تيغافل عن كثير من الزلات المريد رحمة عليه ولا يؤاخذه بكل سهو او خطأ او نسيان عهد لضعف حاله الا بما يؤدى الى مخالفة امر من اوامره او مواولة نهى من نواهيه او يؤدى الى انكار واعتراض على بعض افعاله واقواله فانه يؤاخذه به وينبهه عن ذلك فان رجع عن ذلك واستغفر منه واعترف بذنبه وندم شرط معه ان لا يعود الى امثاله ويعتذر عما جرى عليه كما كان حال الكليم حيث قال { لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من امرى عسرا } اى لا تضيق على امرى فانى لا اطيق ذلك انتهى. وفى الآية تصريح بان النسيان يعترى الانبياء عليهم السلام للاشعار بان غيره تعالى معيوب غير معصوم ولكن العصيان يعفى غالبا فكيف بنسيان قارنه الاعتذار وقد قيل اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ... ان برّ عندك فيما قال او فجرا ثم ان امتحان اللّه وامتحان اوليائه شديد فلا بد من الصبر والتسليم والرضى قف زفتست وكشاينده خدا ... دست در تسليم زن اندر رضا قال الخجندى بجفا دوشدن ازتو نباشد محمود ... هركجا باى ايازست سر محمود دست وعن الشيخ ابى عبد اللّه بن خفيف قدس سره قال دخلت بغداد قاصدا الحج وفى رأسى نخوة الصوفية يعنى حدة الارادة وشدة المجاهدة واطراح ما سوى اللّه قال ولم آكل اربعين يوما ولم ادخل على الجنيد وخرجت ولم اشرب وكنت على طهارتى فرأيت ظبيا فى البرية على رأس بئر وهو يشرب وكنت عطشانا فلما دنوت من البئر ولى الظبى واذ الماء فى اسفل البئر فمشيت وقلت يا سديى امالى عندك محل هذا الظبى فسمعت من خلفى يقال جربناك فلم تصبر ارجع فخذ الماء ان الظبى جاء بلا ركوة ولا حبل وانت جئت ومعك الركوة والحبل فرجعت فاذا البئر ملآن فملأت ركوتى وكنت اشرب منها واتطهر الى المدينة ولم ينفذ الماء فملا رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد قدس سره علىّ لو صبرت لنبع الماء من تحت قدمك لو صبرت صبر ساعة اللهم اجعلنا من اهل العناية. ٧٤ { فانطلقا } الفاء فصيحة والانطلاق الذهاب اى فقبل الخضر عذر موسى عليه السلام فخرجا من السفينة فانطلقا { حتى اذا } [ تاجون ] { لقيا } فى خارج قرية مرا بها { غلاما } [ بسرى را زيباروى وبلند قامت خضرا اورا دربس ديوارى ببرد ] { فقتله } عطف على الشرط بالفاء اى فقتله عقيب القاء واسمه جيسور بالجيم او حيسور بالحاء او حينون قاله السهيلى ومعنى قتله اشار باصابعه الثاث الابهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( ثم خرجا من الفسينة فبينما هما يمشيان على الساحل اذا ابصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فاخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله ) كذا فى الصحيحين برواية ابى بن كعب رضى اللّه عنه { قال } موسى والجملة جزآء الشرط { أقتلت نفسا زكية } طاهرة من الذنوب لانها صغيرة لم تبلغ الحنث اى الاثم والذنب وهو قول الاكثرين . قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو زاكية والباقون زكية فعيلة للمبالغة فى زكاتها وطهارتها وفرق بينهما ابو عمرو بان الزاكية هى التى لم تذنب قط والزكية التى اذنبت ثم تابت { بغير نفس } بغير قتل نفس محرمة يعنى لم تقتل نفسا فيقتص منها. قيل الصغير لا يقاد فالظاهر من الآية كبر الغلام وفيه ان الشرائع مختلفة فلعل الصغير يقاد فى شريعته ويؤيد هذا الكلام ما نقل البيهقى فى كتاب المعرفة ان الاحكام انما صارت متعلقة بالبلوغ بعد الهجرة. قوال الشيخ تقى الدين السبكى اننها انما صارت متعلقة بالبلوغ بعد احد. وقال فى انسان العيون انما صح اسلام على رضى اللّه عنه مع انهم اجمعوا على انه لم يكن بلغ الحلم ومن ثم نقل عنه رضى اللّه عنه انه قال سبقتكموا الى الاسلام طرا ... صغيرا ما بلغت اوان حلمى اى كان عمره ثمانى سنين لان الصبيان كانوا اذ ذاك مكلفين لان القلم انما رفع عن الصبى عام خيبر. قال فى الارشاد وتخصيص نفى هذا المبيح بالذكر من بين سائر المبيحات من الكفر بعد الايمان والزنى بعد الاحصان لانه اقرب الى الوقوع نظرا الى حال الغلام وفى الحديث ( ان الغلام الذى قتله الخضر طبع كافرا ). فان قلت ما معنى هذا وقد قال عليه السلام ( كل مولود يولد على الفطرة ) قلت المراد بالفطرة استعداده لقبول الاسلام وذلك لا ينافى كونه شقيا فى جبليته او يراد بالفطرة قولهم بلى حين قال اللّه { ألست بربكم } قال النووى لما كان ابواه مؤمنين كان هو مؤمنا ايضا فيجب تأويله بان معناه واللّه اعلم ان ذلك الغلام لوبلغ لكان كافرا { لقد جئت } فعلت { شيأ نكرا } منكرا انكر من الاول لان ذلك كان خرقا يمكن تداركه بالسدو هذا لا سبيل الى تداركه . وقيل الامر اعظم من النكر لان قتل نفس واحدة اهون من اغراق اهل السفينة. قال جماعة من القراء نصف القرآن عند قوله تعالى { لقد جئت شيأ نكرا }. ٧٥ { قال } الخضر { ألم اقل لك انك لن تستطيع معى صبرا } توبيخ لموسى على ترك الوصية وزيادة لك هنا لزيادة العتاب على تركها لانه قد نقض العهد مرتين. ٧٦ { قال } موسى { ان سألتك عن شئ } [ اى جيزى كه صادر شود مثل ابن افعال منكره ] { بعدها } اى بعد هذه المرة { فلا تصاحبنى } اى لا تكن صاحبى ومقارنى بل ابعدنى عنك وان سألت صحبتك { قد بلغت من لدنى } [ بدرستى كه رسيدى ازنزديك من ] { عذرا } اى قد وجدت عذرا من قبلى لما خالفتك ثلاث مرات . وبالفارسية [ جون سه بار مخالفت كنم هرآينه درترك صحبت من معذور باشى ] العذر بضمتين والسكون فى الاصل تحرى الانسان ما يمحو به ذنوبه بان يقول لم افعل او فعلت لاجل كذا او فعلت فلا اعود وهذا الثالث التوبة فكل توبة عذر بلا عكس . والاعتذار عبارة عن محو اثر الذنب واصله القطع يقال اعتذرت اليه اى قطعت ما فى قلبه من الموجدة وفى الحديث ( رحم اللّه اخى موسى استحى فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لابصر اعجب الاعاجيب ) وفى الخصائص الصغرى ومن خصائص صلّى اللّه عليه وسلّم انه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للانبياء الا احدهما بدليل قصة موسى مع الخضر عليهما السلام والمراد بالريعة الحكم بالظاهر وبالحقيقة الحكم بالباطن وقد نص العلماء على ان غالب الانبياء انما بعثوا ليحكموا بالظاهر دون ما اطلعوا عيله من بواطن الامور وحقائقها وبعث الخضر ليحكم عليه من بواطن الامور وحقائقها ومن ثمة انكر موسىعلى الخضر فى قتله للغلام بقوله { لقد جئت شيأ نكرا } فقال له الخضر وما فعلته عن امرى ومن ثمة قال الخضر لموسى انى على علم من عند اللّه لا ينبغى لك ان تعمل به لانك لست مأمورا بالعمل به وانت على علم من عند اللّه لا ينبغى لى ان اعمل به لانى لست مأمورا بالعمل به. وفى تفسير ابن حبان والجمهور على ان الخضر نبى وكان علمه معرفة بواطن امور اوحيت اليه اى ليعمل بها وعلم موسى الحكم بالظاهر اى دون الحكم بالباطن ونبينا صلّى اللّه عليه وسلّم وللمصلى لما اطلع على باطن امرهما وعلم منهما ما يوجب القتل. وقد ذكر بعض السلف ان الخضر الى الآن ينفذ الحكم بالحقيقة وان الذين يموتون فجأة هو الذين يقتلهم فان صح ذلك فهو فى هذه الامة بطريقة النيابة عن النبى صلّى اللّه عليه وسلّم فانه صار من اتباعه . وفيه ان عيسى اجتمع به صلّى اللّه عليه وسلّم اجتماعا متعارفا بيت المقدس فهو صحابى كذا فى انسان العيون. يقول الفقير لا وجه لتخصيص عيسى فانه عليه السلام كما اجتمع متعارفا كما سبق فهما صاحبيان ايضا . وفيه بيان شرف نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم حيث ان هؤلاء الانبياء الكرام استمهلوا من اللّه تعالى ليكونوا من امته سر خيل انبيا وسهدار اتقيا ... سلطان باركاه دنى قائد امم ٧٧ { فانطلقا } اى ذهبا بعد ما شرطا ذلك { حتى اذا اتيا اهل قرية } هى انطاكية بالفتح والكسر وسكون النون وكسر الكاف وفتح الياء المخففة قاعدة العواصم وهى ذات اعين وسور عظيم من صخر داخله خمسة اجبل دورها اثنا عشر ميلا كما فى القاموس. قال الكاشفى [ واهل ديه جون شب شدى دروازه دربستندى وبراى هيجكس نكتسادندى نماز شام موسى وخضر بدان ديه رسيدند وخواستندكه بديه در آيند كسى دروازه نكشود واهل ديه را كفتند اينجا غريب رسيده ايم كرسنه نيز هستيم جون مارا درديه جاى نداديد بارى طعام جهت ما بفرستيد ] وذلك قوله تعالى { استطعما اهلها } اى طلبا منهم الطعام ضيافة. قيل لم يسألاهم ولكن نزولهما عندهم كالسؤال منهم. قال فى الاسئلة المقحمة استطعم موسى ههنا فلم يطعم وحين سقى لبنات شعيب ما استطعتم وقد اطعم حيث قال { ان ابى يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا } والجواب ههنا ان الحرمان كان بسبب المعارضة بحيث لم يكتنف بعلم اللّه بحاله بل جنح الى الاعتماد على مخلوق فاراد السكون بحادث مسبوق وهناك جرى على توكله ولم يدخل وساطه بين المخلوقين وبين ربه بل حط الرحل ببابه فقال { رب انى لما انزلت الى من خير فقير } قال الحافظ فقير وخسته بدركاهت آمدم رحمى ... كه جزدعاى نوام نيست هيج دست آويز وقال ما آبروى فقر وقناعت نمى بريم ... با بادشه بكوى كه وزى مقدرست قوله { استطعما اهلها } فى محل الجر على انه صفة لقرية وجه العدول عن استطعماهم على ان يكون صفة للاهل لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم فان الاباء من الضيافة وهم اهلها قاطنون بها اقبح واشنع { فابوا } امتنعوا { ان يضيفوهما } اى من تضييفهما وهو بالفارسية [ مهمان كردن ] يقال ضافه اذا نزل به ضيفا واضافه وضيفه انزله وجعله ضيفا له هذا حقيقة الكلام ثم شاع كناية عن الاطعام وحقيقة ضاف مال اليه من ضاف السهم عن الغرض اذا مال وعن النبى عليه السلام ( كانوا اهل قرية لئاما ) قال الشيخ سعدى قدس سره بزر كان ماسفر بجان برورند ... كه نام نكويى بعالم برند غريب آشناباش وسياح دوست ... كه سياح جلاب نام نكوست تبه كرددان مملكت عن قريب ... كزوخاطر آزرده كردد غريب نكودار ضيف ومسافر عزيز ... وز آسيب شان برحذرباش نيز وفى الحكاية ان اهلها لما سمعوا الآية جاؤوا الى النبى عليه السلام يحمل من الذهب وقالوا انشترى بهذا ان تجعل الباء تاي عينى فأتوا ان يضيفوهما اى لان يضيفوهما وقالوا غرضنا دفع اللؤم فيمتنع وقال تغييرها يوجب دخول الكذب فى كلام اللّه والقدح فى الالهة كذا فى التفسير الكبير { فوجدا فيها } قال الكاشفى [ ايشان كرسنه بيرون ديه بودند بامداد روى براه نهادند بس يافتند در نواحى ديه ] { جدارا } [ ديوارى مائل شده بيك طرف ] { يريد ان ينقض } الارادة نزوع النفس الى شئ من حكمه فيه بالفعل او عدمه والارادة من اللّه هى الحكم وهذا من مجاز كلام العرب لان الجدار لا ارادة له وانما معناه قرب ودنا من السقوط كما يقول العرب دارى تنظر الى دار فلان اذا كانت تقابلها. قال فى الارشاد اى يدانى ان يسقط فاستعيرت الارادة للمشاركة للدلالة على المبالغة فى ذلك . والانقضاض الاسراع فى السقوط وهو انفعال من القض يقال قضضته فانقض ومنه انقضاض الطير والكواكب لسقوطها بسرعة. وقيل هو افعلال من النقض كاحمر من الحمرة { فاقامه } فسواه الخضر بالاشارة بيده كما هو المروى عن النبى عليه السلام وكان طول الجدار فى السماء مائة ذراع { قال } له موسى لضرورة الحاجاة الى الطعام. قال الكاشفى [ كفت موسى اين اهل ديه مارا جاى ندادند وطعام نيز نفر ستادند بس جرا ديوار ابشانرا عمارت كردى ] والجملة جزاء الشرط { لو شئت لاتخذت } افتعل من اتخذ بمعنى اخذ كاتبع وليس من الاخذ عند البصريين { عليه } على عملك { اجرا } اجرة حتى نشترى بها طعاما. قال بعضهم لما قال له { لتغرق اهلها } قال الخضر أليس كنت فى البحر ولم تغرق من غير سفينة ولما قال { أقتلت نفسا زكية بغير نفس } قال أليس قتلت القبطى بغير ذنب ولما قال { لو شئت لاتخذت عليه اجرا } قال أنسيت سقياك لبنات تعيب من غير اجرة وهذا من باب لطائف المحاورات. قال القاسم لما قال موسى هذا القول وقف ظبى بينهما وهما جائعان من جانب موسى غير مشوى من جانب الخضر مشوى لان الخضر اقام الجدار بغير طمع وموسى رده الى الطمع. قال ابن عباس رضى اللّه عنهما رؤية العمل وطلب الثواب به يبطل العمل ألا ترى الكليم لما قال للخضر { لو شئت } الآية كيف فارقه. وقال الجنيد قدس سره اذا وردت ظلمة الاطماع على القلوب حجبت النفوس عن نظرها فى بواطن الحكم. يقول الفقير ان قلت كيف جوز موسى طلب الاجرة بمقالة العمل الذى حصل بمجرد الاشارة وهو من طريق خرق العادة الى لا مؤونة فيه. قلت لم ينظر الى جانب الاسباب وانما نظر الى النفع العائدة الى جانب اصحاب الجدار ألا ترى انه جور اخذ الاجر بمقالة الرقية بسورة الفاتحة ونحوها وهو ليس من قبيل طلب الاجرة على الدعوة فانه لا يجوز للنبى ان يطلب اجرا من قومه على عوته وارشاده كما اشير اليه فى مواضع كثيرة من القرآن. ٧٨ { قال } الخضر { هذا فراق بينى وبينك } اى هذا الوقت وقت الفراق بيننا وهذا الاعتراض الثالث سبب الفراق الموعود بقوله فلا تصاحبنى واضافة الفراق الى البين اضافة المصدر الى لاظرف اتساعا { سانبئك } ساخبرك السين للتأكيد لعدم تراخى التنبئة { بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا } التأويل رجع الشئ الى مآله والمراد به ههنا الملآل والعاقبة اذ هو المنبأ به دون التأويل وهو خلاص السفينة من اليد العادية وخلاص ابوى الغلام من شره مع الفوز بالبدل الاحسن واستخراج اليتيمين للكنز قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( وددنا ان موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما ) اى يبين اللّه لنا بالوحى. وفى التأويلات النجمية ومن آداب الشيخ انه لو ابتلى المريد بنوع من الاعتراض او ما يوجب الفرقة يعفو عنه مرة او مرتين ويصفح ولا يفارقه فان عاد الى الثالثة فلا يصاحبه لانه قد بلغ من لدنه عذرا ويقول كما قال الخضر هذا فراق بينى وبينك . ومنها انه لو آل امر الصحبة الى المفارقة بالاختيار او بالاضطرار فلا يفارقه الا على النصحية فينبئه عن سر ما كان عليه الاعتراض ويخبره عن حكمته التى لم يحط بها خبرا ويبين له تأويل ما لم يستطع عليه صبرا لئلا يبقى معه انكار فلا يفلح اذا ابدا انتهى. يقول الفقير وهو المراد بقول بعض الكبار من قال لاستاذه لم لم يفلح. قال ابو يزيد البسطامى قدس سره فى حق تلميذه لما خالفه دعوا من سقط من عين اللّه فرؤى بعد ذلك من المحنثين وسرق فقطعت يده هذا لما نكث العهد فاين هو ممن وفى بيعته مثل تلميذ ابى سليمان الدارانى قدس سره قيل له الق نفسك فى التنور فالقى نفسه فيه فعاد عليه بردا وسلاما وهذه نتيجة الوفاء : وفى المثنوى جرعه بر خاك وفا آنكس كه ريخنت ... كى تواند صيد دولت زو كربخت جعلنا اللّه واياكم من المتحققين بحاقئق المواثيق والعهود. ٧٩ { اما السفينة } التى خرقتها { فكانت لمساكين } لضعفاء لا يقدرون على مدافعة الظلمة وكانوا عشرة اخوة خمسة منهم زمنى { يعملون فى البحر } بها مؤاجرة طلبا للكسب فاسناد العلم الى الكل بطريق التغليب او لان عمل الوكلاء بمنزلة عمل الموكلين. اعلم ان الفقير فى الشرية من له مال لا يبلغ نصابا قدر مائتى درهم او قيمتها فاضلا عن حاجته الاصلية سواء كان ناميا او لا والمسكين من لا شئ له من المال هذا هو الصحيح عند الحنفية والشافعية يعكسون. قال القاضى فى الآية دليل ان المسكين يطلق على من يملك شيأ لم يكفه وحمل اللام على التمليك. وقال مولانا سعدى انما يكون دليلا اذا ثبت ان السفينة كانت ملكا لهم لكن للخصم ان يقول اللام للدلالة على اختصاصهم بهم لكونها فى يدهم عارية او كونهم اجراء كما ورد فى الاثر انتهى. وقد نص على هذين الوجهين صاحب الكفاية فى شرح الهداية وسلمنا ان السفينةكانت ملكا لهم فانما سماهم اللّه مساكين دون فقراء لعجزهم عن دفع الملك الظالم ولزمانتهم والمسكين يقع على من اذله شئ وهو غير المسكين المشهور فى مصرف الصدقة هذا هو تحقيق المقام { فاردت } بحكم اللّه وارادته { ان اعيبها } اى اجعلها ذات عيب { وكان } [ وحال آنكه هست ] { وراءهم } امامهم كقوله ومن ورائهم برزخ هوراء من الاضداد مثل قوله فما فوقها اى دونها اريد به ههنا الامام دون الخلق على ما يأتى من القصص { ملك } كافر اسمه جلندى بن كركرد كان بجزيرة الاندلس ببلدة قرطبة واول فساد ظهر فى البحر كان ظلمة على ما ذكره ابو الليث واول فساد ظهر فى البر قتل قابيل هابيل على ما ذكره ايضا عند تفسير قوله تعالى { ظهر الفساد } الآية { يأخذ كل سفينة } صحيحة جيدة وهو من قبيل ايجاز الحذف { غصبا } من اصحابها وانتصابه على انه مصدر مبين لنوع الاخذ او على الحالية بمعنى غاصبا والغصب اخذ الشئ ظلما وقهرا ويسمى المغصوب غصبا وخوف الغصب سبب لارادته عيبها لكنه اخر عنها لقصد العناية بذكرها مقدما وجه العناية ان موسى لما انكر خرقها وقال اخرقتها لتغرق اهلها اقتضى المقام الاهتمام لدفع مبنى انكاره بان الخرق لقصد التعييب لا لقصد الاغراق - روى - ان الخضر اعتذر الى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ولم يكونوا يعلمون بخبره. وفى قصص الانبياء فبينما هم كذلك استقلتهم سفينة فيها جنود الملك وقالوا ان الملك يريد ان يأخذ سفينتكم ان لم يكن فيها عيب ثم صعدوا اليها وكشفوها فوجدوا موضع اللوح مفتوحا فانصرفوا فلما بعدوا عنهم اخذ الخضر ذلك اللوح ورده الى مكانه : وفى المثنوى كر خضر در بحر كشتى را شكست ... صد درشتى درشكست خضر هست فظاهر فعله تخريب وباطنه تعمير : وفى المثنوى آن يكى آمد زمين را مى شكافت ... ابلهى فرياد كرد وبرنتافت كين زمين را ازجه ويران ميكنى ... مى شكافىّ وبريشان ميكنى كى شود كلزار وكندم زار اين ... تانكردد زشت وويران اين زمين كى شود بستان وكشت وبرك بر ... تار نكردد نظم او زير وزبر تا نشكافى بنشتر ريش جغز ... كى شود نيكو وكى كرديد نغز تا نشوزد خلطهايت از دوا ... كى رود شورش كجا آيد شفا باره باره كرد درزى جامه را ... كس زند آن درزى علامه را كه جرا اين اطلس بكزيده را ... بر دريدى جه كنم بدر يده را هر بناى كهنه كآبادان كنند ... نى كه اول كهنه را ويران كنند همجنين نجار وحداد وقصاب ... هستشان بيش از عمارتها خراب آن هليله وان بليله كوفتن ... زان تلف كردند معمورئ تن تا نكوبى كندم اندر آسيا ... كى شود آراسته زان خوان ما وفى افناء الوود المجازى تحصيل للوجود الحقيقى فما دامت البشرية واوصافها باقية على حالها لا يظهر آثار الاخلاق الالهية البتة. وفى التأويلات النجمية فى الآية اشاراتن . منها ان خرق السفينة واعابتها لئلا تؤخذغصبا ليس من احكام الشرع ظاهرا ولكنه لما كان فيه مصلحة لصاحبها فى باطن الشرع جوز ذلك ليعلم انه يجوز للمجتهد ان يحكم فيما يرى ان صلاحه اكثر من فساده فى بطان الشرع بما لا يجوز فى ظاهر الشرع اذا كان موافقا للحقيقة كمل قال { وكان وراءهم } الآية. ومنها ان يعلم عناية اللّه فى حق عباده المساكين الذين يعلمون فى البحر غافلين عما رواءهم من الآفات كيف ادركتهم العناية بنبى من انبيائه ويكف دفع عنه البلاء ودرأ عنهم الآفة. ومنها ان يعلم ان اللّه تعالى فى بعض الاوقات يرجح مصلحة بعض السالكين على مصلحة نبى من انبيائه فى الظاهر وان كان لا يخلو فى باطن الامر من مصلحة النبى فى اهمال جانبه فى الظاهر كما ان اللّه تعالى رجح رعاية مصلحة المساكين فى خرق السفينة على رعاية مصلحة موسى لانه كان من اسباب مفارقته عن صحبة الخضر ومصلحته ظاهر كانت فى ملازمة صحبة الخضر وقد كان فراقه عن صحبته متضمنا لمصالح النبوة والرسالة ودعوة بنى اسرائيل وتربيتهم فى حق موسى باطنا انتهى. يقول الفقير ومنها ان اهل السفينة لما لم يأخذوا النول من موسى والخضر عوضهم اللّه تعالى خيرا من ذلك حيث نجى سفينتهم من اليد العادية وفيه فضيلة الفضل. ٨٠ { واما الغلام } الذى قتلته وهو جيسور { فكان ابواه } اسم ابيه كازبرا واسم امه سهوى كما فى التعريف { مؤمنين } مقرين بتوحيد اللّه تعالى { فخشينا } خفنا من { أن يرهقهما } رهقه غشيه ولحقه وارهقه طغيانا اغشاه اياه وألحق ذلك به كما فى القاموس. قال الشيخ ان يكلفهما { طغيانا } ضلالة { وكفرا } وتبعهان له لمحبتهما اياه فيكفران بعد الايمان ويضلان بعد الهداية وانما خشى الخضر من ذلك لان اللّه اعلمه بحال الولد انه طبع اى خلق كافرا. ٨١ { فاردنا } [ بس خواستيم ما ] { ان يبدلهما ربهما } يعوضهما ويرزقهما ولدا { خيرا منه زكاة } طهارة من الذنوب والاخلاق الرديئة { واقرب } منه { رحما } رحمة وبرا بوالديه. قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ابدلهما اللّه جارية تزوجها نبى من الانبياء فولدت سبعين نبيا. قال مطرف فرح به ابواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقى لكان فيه هلاكهما فليرض المرء بقضاء اللّه فان قضاء اللّه للمؤمن خير له من قضائه فيما يحب آن بسررا كش خضر ببريد حلق ... سر آنرا در نيابد عام خلق آنكه جان بخشد اكربكشدرواست ... نائب است ودست او دست خداست بس عداوتها كه آن يارى بود ... بس خرابيها كه معمارى بود فرب عداوة هى فى الحقيقة محبة ورب عدو هو فى الباطن محب وكذا عكسه وانتفاع الانسان بعد ومشاجر يذكر عيوبة اكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفى عليه عيوبة : وفى المثنوى در حقيقت دوستانت دشمنند ... كه زحضرت دور ومشغولت كنند در حقيقت هر عدو داروى تست ... كيميا ونافع ودلجوى تست كه ازو لدر كر يزى در خلا ... استعانت جو يى از لطف خدا - وكان - واعظ كلما وعظ ودعا اشرك فى دعائه قطاع الطريق ودعا لهم فسئل عن ذلك فقال انهم كانوا سببا لسلوكى هذا الطريق اى طريق الفقراء واختيارى الفقر على الغنى فانى كنت تاجرا فاخذونى وآذونى وكلما خطر ببالى امر التجارة ذكرت اذا هم وجفاهم فتركت التجارة واقلبت على العبادة. وفى الآية اشارة . منها ان قتل النفس الزكية بلا جرم منها محظور فى ظاهر الشرع وان ان فيه مصلحة لغيره ولكنه فى باطن الشرع جائز عند من يكاشف بخواتيم الامور ويتحقق له ان حياته سبب فساد دين غيره وسبب كمال شقاوة نفسه كما كان حال الخضر مع قتل الغلام لقوله تعالى { واما الغلام } الآية فلو عاش الغلام لكان حياته سبب فساد دين ابويه وسبب كمال شقاوته فانه وان طبع كافرا شقيا لم يكن يبلغ كمال شقاوته الا بطول الحياة ومباشرة اعمال الكفر. ومنها تحقيق قوله تعالى { عسى ان تكرهوا شيأ وهو خير لكم } الآية فان ابوى الغلام كانا يكرهان قتل ابنهما بغير قتل نفس ولا جرم وكان قتله خيرا لهما وكانا يحبان حياة ابنهما وهو اجمل الناس وكان حياته شرا لهما وكان الغلام ايضا يكره قتل نفسه وهو خير له ويحب حياة نفسه وهو شر له لانه بطول حياته يبلغ الى كمال شقاوته. ومنها ان من عواطف احسان اللّه تعالى انه اذا اخذ من العبد المؤمن شيأ من محبوباته وهو مضر له والعبد غافل عن مضرته فان صبر وشكر اللّه تعالى يبد له خيرا منه مما ينفعه ولا يضره كما قال تعالى { فاردنا ان يبدلهما ربهما } الآية كما فى التأويلات النجمية نسأل اللّه تعالى ان يجعلنا من الصابرين الشاكرين فى الشريعة والطريقة ويوصلنا الى ما هو خير وكمال فى الحقيقة. ٨٢ { واما الجدار } المعهود { فكان لغلامين يتيمين } اسمهما اصرم وصريم ابنا كاشح وكان سياحا تقيا واسم امهما دنيا فيما ذكره النقاش { فى المدينة } فى القرية المذكورة فيما سبق وهى انطاكية { وكان تحته } اى تحت الجدار { كنز لهما } [ كنجى براى ايشان ] هو فى الاصل مال دفنه انسان فى ارض وكنزه يكنزه اى دفنه اى مال مدفون لهما من ذهب وفضة روى ذلك مرفوعا وهو الظاهر لاطلاق الذم على كنزهما فى قوله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة } لا يؤدى زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق. وقيل كان لوحا من ذهب او من رخام مكتوب فيه ( بسم اللّه الرحمن الرحيم عجبت لمن يؤمن بالقدر ) اى ان الامور كائنة بقضاء اللّه تعالى وتقديره ( كيف يحزن ) اى على فوات نعمة واتيان شدة ( وعجبت لمن يؤمن بالرزق ) اى ان الرزق مقسوم واللّه تعالى رازق كل احد ( كيف ينصب ) اى يتعب فى تحصيله ( وعجبت لمن يؤمن بالموت ) اى انه سيموت وهو حق ( كيف يفرح ) اى بحياته القليلة القصيرة ( وعجبت لمن يؤمن بالحساب ) اى ان اللّه تعالى يحاسب على كل قليل وكثير ( كيف يغفل ) اى عن ذلك ويشغل بتكثير متاع الدنيا ( وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقبلها باهلها كيف يطمئن اليها لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه وعجبت لمن يؤمن بالنار كيف يضحك ) وفىلجانب الآخر مكتوب ( انا اللّه لا اله الا انا وحدى لا شريك لى خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير واجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر واجريته على يديه ) وهو قول الجمهور كما فى بحر العلوم { وكان ابوهما صالحا } كان الناس يضعون الودائع عند ذلك الصالح فيردها اليهم سالمة فحفظنا بصلاح ابيهما فى مالهما وانفسهما. قال جعفر بن محمد كان بينهما وبين الاب الصالح سبعة آباء فيكون الذى دفن ذلك الكنز جدهما السابع { فاراد ربك } بالامر بتسوية الجدار { ان يبلغا اشدهما } اى حلمهما وكمال رأيهما. قال فى بحر العلوم الاشد فى معنى القوة جمع شدة كانعم فى نعمة على تقدير حذف الهاء وقيل لا واحد له وبلوغ الاشد بالادراك وقيل ان يونس منه الرشد مع ان يكون بالغاء وىخره ثلاث وثلاثون سنة او ثمانى عشرة وانما قال الخضر فى تأويل خرق السفينة { فاردت ان اعيبها } بالاسناد الى نفسه لظاهر القبح وفى تأويل قتل الغلام { خشينا } بلفظ الخشية والاسناد الى ن لان الكفر مما يجب ان يخشاه كل احد وقال فى تأويل الجدار { فاراد ربك ان يبلغا اشدهما } بالاسناد الى اللّه تعالى وحده لان بلوغ الاشد وتكامل السن ليس الا بمحض ارادة اللّه تعالى من غير مدخل واثر لارادة العبد فالاول فى نفسه شر قبيح والثالث خير محض والثانى ممتزج. وقال بعضهم لما قال الخضر { فاردت } اللهم من انت حتى يكون لك ارادة فجمع فى الثانية حيث قال { فاردنا } فالهم من انت وموسى حتى يكون لكما اراد فخض فى الثالثة الارادة باللّه اى دون اضافة الارادة الى نفسه وادعاء الشركة فيهما ايضا { ويستخرجا كنزهما } من تحت الجدار ولوا انى اقمته لا نقض وخرج الكنز من تحته قبل اقتدارهما على حفظ المال وتنميته وضاع بالكلية . فان قيل انعرف واحد من اليتيمين والقيم عليهما الكنز امتنع ان يترك سقوط الجدار وان لم عرفوا فكيف يسهل عليهم استخراجه. قلنا لعلهما لم يعلماه وعلم القيم الا انه كان غائبا كذا فى تفسر الامام. يقول الفقير قوله وان لم يعرفوا الخ غير مسلم لان اللّه تعالى قادر على ان يعلقهما مكان ذلك الكنز بطريق من الطرق ويسهل عليهما استخراجه على ان واجد الكنز فى كل زمان من غير سبق معرفة بالمكان ليس بنادر واللام فى كنز لهما لاختصاص الوجدان بهما ومن البعيد ان يعيش الجد السابع الى ان يولد للبطن السادس من اولاده ويدفن له مالا او يعين له { رحمة من ربك } لهما مصدر فى موقع الحال اى مرحومين من قبله تعالى او علة لاراد فان ارادة الخير رحمة او مصر لمحذوف اى رحمهما اللّه بذلك رحمة { وما فعلته } اى ما فعلت ما رأيته يا موسى من خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار { عن امرى } عن رأيى واجتهادى وانما فعلته بامر اللّه ووحيه وهذا ايضاح لما اشكل على موسى وتمهيد عنه شفقة له { ذلك } المذكور منا لعواقب { تأويل ما لم تسطع عليه صبرا } اى لم تستطع فحذف التاء للتخفيف وهو انجاز للتنبئة الموعودة - روى - ان موسى لما اراد ان يفارقه قال ان الخضر لوصبرت لاتيت على الف عجب كل عجب اعجب مما رأيت فبكى موسى على فراقه وقال له اوصنى يا نبى اللّه . قال لا تطلب العلم لتحدث به الناس واطلبه لتعمل به وذلك لان من لم يعمل بعلمه فلا فائدة فى تحديثه بل نفعه يعود الى غيره : وفى المثنوى @_جوع يوسف بود آن يعقوب را ... بوى نانش مى رسيد ازدورجا آنكه بستد بيرهن رامى شتافت ... بوى بيراهان يوسف مى نيافت وانكه صدفر سنك زآن سوبوى او ... جونكه بد يعقوب مى بوييد بو اى بسا عالم زدانش بى نصيب ... حافظ علمست آنكست نى حبيب زانكه ببراهان بدستش عاريه است ... جون بدست آر نخاسى جاريه است جاريه بيش نخاسى سرسريست ... در كف او از براى مشتريست ومن وصايا الخضر. كن نفاعا ولا تكن ضرارا . وكن بشاشا ولا تكن عبوسا غضابا . واياك واللجاجة . ولا تمش فى غير حاجة . ولا تضحك من غير عجب . ولا تعير المذنبين خطاياهم بعد الندم . وابك على خطيئتك ما دمت حيا . ولا تؤخر عمل اليوم الى الغد . واجعل همك فى معادك ولا تخض فيما لا يعنيك . ولا تأمن لخوف من امنك . ولا تيأس من الا من من خوفك . وتدبر الامور فى علانيتك . ولا تذر الاحسان فى قدرتك فقال له موسى قد ابلغت الوصية فاتم اللّه عليك نعمته وغمرك فى رحمته وكلأك من عدوه. فقال له الخضر اوصنى انت يا موسى فقال له موسى اياك والغضب الا فى اللّه . ولا تحب الدنيا فانها تخرجك من الايمان وتدخلك فى الكفر فقال له الخضر قد ابلغت فى الوصية فاعانك اللّه على طاعته واراك السرور فى امرك وحببك الى خلقه واوسع عليك من فضله قال له آمين كما فى التعريف والاعلام للامام السهيلى رحمه اللّه. وفى بعث موسى الى الخضر اشارة الى ان الكمال فى الانتقال من علوم الشريعة المبنية على الظواهر الى علوم الباطن المبنية على التطلع الى حقائق الامور كا فى تفسير الامام. قال بعض العارفين من لم يكن له نصيب من هذا العلم اى العلم الوهبى الكشفى اخاف عليه سوء الخاتمة وادنى النصيب التصديق به وتسليمه لاهله واقل عقوبة من ينكره ان لا يرزق منه شيأ وهو علم الصديقين والمقربين كذا فى احياء العلوم. وفى الآية اشارات منها انه تعالى من كمال حكمته وغاية رأفته ورحمته فى حق عباده يستعمل نبين مثل موسى والخضر عليهما السلام فى مصلحة الطفلين. ومنها ان مثل الانبياء يجوز ان يسعى فى امر دنيوى اذا كان فيه صلاح امر اخروى لا سيما فائدة راجعة الى غيره فى اللّه . ومنها ان يعلم ان اللّه تعالى يحفظ بصالح قوما وقبيلة ويوصل بركاته الى البطن السابع منه كما قال { وكان ابوهما صالحا }. قال محمد بن المنكدر ان اللّه يحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وعشيرته والدويرات اى اهلها حوله فلا يزالون فى حفظ اللّه وستره. قال سعيد بن المسيب انى اصلى واذكر ولدى فازيد فى صلاتى . وصح عن ابن عباس رضى اللّه عنهما فى قوله تعالى { وكان ابوهما صالحا } انه قال حفظا بصلاح ابيهما وما ذكر منهما صلاحا فاذا ارتفع الطاهرة الطيبة المطهرة. قود قيل ان حمام الحرم انما اكرم لانه من ذرية حمامتين عششت على غار ثور الذى اختفى فيه النبى عليه السلام عند خروجه من مكة للهجرة كما فى الصواعق لابن حجر . وذكر ان بعض العلوية هم هارون الرشيد بقتله فلما دخل عليه اكرمه وخلى سبيله فقيل بم دعوت حتى انجاك اللّه منه فقال قلت يا من حفظ الكنز على الصبيين لصلاح ابيهما احفظنى لصلاح آبائى كما فى العرائس. ومنها ليتأدب المريد فيما استعمله الشيخ وينقاد له ولا يعمل الا لوجه اللّه ولا يشوب عمله بطمع دنيوى وغرض نفسانى ليحبط عمله ويقطع حبل الصحبة ويوجب الفرقة. ومنها ان اللّه تعالى يحفظ المال الصالح للعبد الصالح اذا الصالح اذا كان فيه صلاح . ومنها ليتحقق ان كل ما يجرى على ارباب النبوة واصحاب الولاية انما يكون بامر من اوامر اللّه ظاهرا وباطنا . اما الظاهر فكحلال الخضر كما قال { وما فعلته عن امرى } اى فعلته بامر ربى . واما الباطن فحكال موسى واعتراضه على وفق شريعته. ومنها ان الصبر على افاعيل المشايخ امر شديد فان زل قدم مريد صادق فى امر من اوامر الشيخ او تطرق اليه انكار على بعض افعال المشايخ او اعتراه اعتراض على بعض معاملاته او اعوزه الصبر على ذلك فليعذره ويعف عنه ويتجاوز الى ثلاث مرات فان قال بعد الثالثة هذا فراق بينى وبينك يكون معذورا ومشكورا ثم ينبئه عن افاعيله ويقول ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا . قال فى العوارف ويحذر المريد الاعتراض على الشيخ ويزيل اتهام الشيخ عن باطنه فى جميع تصاريفه فانه السم القاتل للمريدين وقل ان يكو مريد يعترض على الشيخ بباطنه فيفلح ويذكر المريد فى كل ما اشكل عليه من كل تصرف اشكل عليه صحته من الشيخ عند الشيه فيه بيان وبرهان للصحة انتهى : قال الحافظ نصيحتى كنمت بشنو وبهانه مكير ... هر آنكه ناصح مشفق بكويدت ببذير وينبغى ان يكون المرشد محققا ومشفقا لا مقلدا غير مشفق كيلا يضيع سعى من اقتدى به فانه قيل اذا كان الغراب دليل قوم ... سيهديهم الى ارض الجياف قال الحافظ دردم نهفته به زطبيبان مدعى ... باشدكه ازخزانه غيبش دواكنند قال الصائب ربى درد ان علاج دردخود جستن بآن ماند ... كه خاراز بابرون آرد كسى بانيش عقربها ومنها انه اذا تعارض ضرر ان يجب تحمل اهونهما لدفع اعظمهما وهو اصل ممهد غير ان الشرائع فى تفاصيله مختلفة مثاله . رجل عليه جرح لو سجد له سال جرحه وان لم يسجد لم سل فانه يصلى قاعدا يومى بالركوع والسجود لان ترك الركوع والسجود اهون من الصلاة مع الحدث . وشيخ لا يقدر على القراءة ان صلى قائما ويقدر عليها ان صلى قاعهدا يصلى قاعدا مع القراءة ولو صلى فى الفصلين قائما مع الحدث وترك القراءة لم يجز . ورجل لو خرج الى الجماعة لا يقدر على القيام ولو صلى فى بيته صلى قاعدا صححه فى الخلاصة وفى شرح المنية يصلى فى بيته قائما قال ابن نجيم وهو الاظهر ومن اضطر . وعنده ميتة ومال الغير اكلها دونه . ورجل قيل له لتلقين نفسك فى النار او من البجل او لاقتلنك وكان الالقاء بحيث لا ينجو يختار ما هو الاهون فى زعمه عند الامام يصبر حتى يقتل كذا فى الاشباه. ٨٣ { ويسألونك عن ذى القرنين } هم اليهود سألوه على وجه الامتحان عن رجل طواف بلغ شرق الارض وغربها او سأل قريش بتلقينهم وصيغة الاستقبال للدلالة على استمرارهم على ذلك الى ورود الجواب وهو ذو القرنين الاكبر واسمه اسكندر بن فيلقوس اليونانى ملك الدنيا باسرها كما قال مجاهد ملك الارض اربعة مؤمنان وكافران فالمؤمنان سليمان وذو القرنين والكافران نمرود وبخت نصر وفى مشكاة الانوار شداد بن عاد بدل بخت نصر وكان ذو القرنين بعد نمرود فى عهد ابراهيم عليه السلام على ما يأتى ولكنه عاش طويلا الفا وستمائة سنة على ما قالوا. وفى تفسير الشيخ وكان بعد ثمود وكان الخضر على مقدمة جيشه بمنزلة المستشار الذى هو من الملك بمنزلة الوزير. قال ابن كثير والصحيح انه ما كان نبيا ولا ملكا وانما كان ملكا صالحا عادلا ملك الاقاليم وقهر اهلها من الملوك وغيرهم وانقادت له البلاد مات بمدينة شهر زور بعدما خرج من الظلمة ودفن فيها وفى التبيان مدة دوران ذى القرنين فى الدنيا خمسمائة ولما فرغ من بناء السد رجع الى بيت المقدس ومات به وانما سمى بذى القرنين لانه بلغ قرنى الشمس اى دانبيها مشرقها ومغربها كما لقب اردشير واضع النرد بطويل اليدين لنفوذ امره حيث اراد. وفى القاموس لما دعاهم الى اللّه ضربوه على قرنه الايمن فمات فاحياه اللّه ثم دعاهم فضربوه على قرنه الايسر فمات ثم احياه اللّه كما سمى على بن ابى طالب رضى اللّه عنه بذى القرنين لما كان شجتان فى قرنى رأسه احداهما من عمرو بن ود والثانية من ابن ملجم لعنه اللّه . وفى قصص الانبياء وكان قد رأى فى منامه انه دنا من الشمس حتى اخذ بقرنيها فى شرقها وغربها فلما قص رؤياه على قومه سموه به. وقال السيوطى رحمه اللّه فى الاوائل اول من لبس العمامة ذو القرنين وذلك انه طلع له فى رأسه قرنان كالظلفين يتحركان فلبسهما من اجل ذلك ثم انه دخل الحمام ومعه كاتبه فوضع العمامة وقال لكاتبه هذا امر لم يطلع عليه غيرك فان سمعت به من احد قتلتك فخرج الكاتب من الحمام فاخذه كهيئة الموت فاتى الصحراء فوضع فمه بالارض ثم نادى ألا ان للملك قرنين فانبت اللّه من كلمته قصبتين فمر بهما راع فقطعهما واتخذهما مزمارا فكان اذا زمر خرج من القصبتين ألا ان للملك قرنين فانتشر ذلك فى المدنية فقال ذو القر نين هذا امرا اراد اللّه ان يبديه. واما ذو القرنين الثانى وهو اسكندر الرومى الذى يؤرخ بايامه الروم فكان متأخرا عن الاول بدهر طويل اكثر من الفى سنة كان هذا قبل المسيح عليه السلام بنحو من ثلاثمائة سنة وكان وزيره ارسطاطا ليس الفيلسوف وهو الذى حارب دارا واذل الفرس ووطئ ارضهم وكان كافرا عاش ستا وثلاثين سنة فالمراد بذى القرنين فى القرآن هو الاول دون الثانى وقد غلط كثير من العلماء ف الفرق بينهما فظنوا ان المذكور فى الآية هو الرومى سامحهم اللّه تعالى { قل } لهم فى الجواب { ساتلو عليكم } ساذكر لكم ايها السائلون { منه } اى من خبر ذو القرنين وحاله فحذف المضاف { ذكرا } نبأ مذكورا وبيانا او ساتلوا فى شأنه من جهته تعالى ذكر اى قرآنا والسين للتأكيد والدلالة على التحقق اى لا اترك التلاوة البتة. ٨٤ { انا مكنا له فى الارض } شروع فى تلاوة الذكر المعهود حسبما هو الموعود والتمكين ههنا الاقدار وتمهيد الاسباب فلا يحتاج الى المفعول يقال مكنه ومكن له ومعنى الاول جعله قادرا قويا ومعنى الثانى جعل له قدرة وقوة ولتلازمهما فى الوجود وتقاربهما فى المعنى يستعمل كل منهما فى محل الآخر كما فى قوله { مكناهم فى الارض ما لم نمكن لكم } اى جعلناهم قادرين من حيث القوى والاسباب والآلات على انواع التصرفات فيها ما لم نجعله لكم من القوة والسعة فى المال والاستظهار بالعدد والاسباب فكأنه قيل ما لم نمكن لكم فيها اى ما لم نجعلكم قادرين على ذلك فيها او مكنا لهم فى الارض ما لم نمكن لكم وهذا اذا كان التمكين مأخوذا من المكان بناء على توهم ان ميمه اصلية او المعنى انا جعلنا له مكنة وقدرة على التصرف من حيث التدبير والرأى والسباب حيث سخر له السحاب ومد له فى الاسباب وبسط له النور وكان الليل والنهار عليه سواء وسهل عليه السير فى الارض وذللت له طرقها. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما كان ابراهيم عليه السلام بمكة فاقبل عليها ذو القرنين فلما كان بالابطح قيل له فى هذه البلدة ابراهيم خليل الرحمن فقال ذو القرنين ما ينبغى لى ان اركب فى بلدة فيها ابراهيم خليل الرحمن فنزل ذو القرنين ومشى الى ابراهيم فسلم عليه ابراهيم واعتنقه فكان هو اول من عانق عند السلام كما فى انسان العيون ودرر الغرر فعند ذلك سخر له السحاب لان من تواضع رفعه اللّه فكانت السحاب تحمله وعساكره وجميع آلاتهم اذا ارادوا غزوة قوم وسخر له النور والظلمة فاذا سرى يهديه النور من امامه وتحوطه الظلمة من ورائه جون نهد در تو صفات جبرئيل ... همجو فرخى برهوا جويى سبيل جون نهند در تو صفتهاى خرى ... صد برت كر مست در آخور برى جونكه جشم دل شده محرم بنور ... ظلمت كون ومكان شد ازتو دور هركه ن بينا شود اندر جهان ... روز او باشب برابر بى كمان { وآتيناه من كل شئ } اراد من مهمات ملكه ومقاصده المتعلقة بسلطانه { سببا } اى طريقا يوصل اليه وهو كل ما يتوصل به الى المقصود من علم او قدرة او آلة . وبالفارسية [ دست آويزى كه بدان سبب اوران آن جيز ميسر ميشد ]. ٨٥ { فاتبع } بالقطع اى فاراد بلوغ المغرب فاتبع { سببا } يوصله اليه اى لحقه وتبعه وسلكه وسار. قال فى القاموس واتبعتهم تبعتهم وذلك اذا كانوا سبقوك فلحقتهم واتبعتهم ايضا غيرى وقوله تعالى { فأتبعهم فرعون } اى لحقهم ففى الاتباع معنى الادراك والاسراع . قال ابن الكمال يقال تبعه اتباعا اذا طلب الثانى اللحوق بالاول وتبعه تبعا اذا مر به ومضى معه . قال فى الارشاد ولعل قصد بلوغ المغرب ابتداء لمراعاة الحركة الشمسية انتهى. وقال فى التبيان قصد الى ناحية المغرب يطلب عين الحياة عند بحر الظلمات لانه قيل له ثمة عين الحياة من شرب منها لم يمت ابدا الى يوم القيامة فمشى نحو الظلمات لعله يقع بالعين. وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { ويسألونك } الآية الى ان السائل لا يرد وان فى القصص للقلوب عبرة وتقوية وتثبتا وبقوله { انا مكنا له فى الارض } يشير الى تمكن الخلافة اى مكناه بخلافتنا فى الارض وآتيناه بالخلافة ما كان سبب وجود كل مقدور من مقدوراتنا بالاصالة حتى صار قادر على صار قادرا على قلب الاعيان وكانت الدنيا مسخرة له فلو اراد طويت له الارض واذا شاء مشى على الماء واذا احب طار فى الهواء ويدخل النار فاتبع سببا كل مقدور فصار مقدورا له بالخلافة فى الارض ما كان مقدور لنا بالاصالة فى السماء والارض انتهى. يقول الفقير انما بدأ بالسير ال المغرب اشارة الى كون ترتيب السلوك عروجا فان المغرب اشارة الى الاجسام والمشرق الى الارواح فما دام لم يتم سير الاجسام من الاكوان لا يحصل الترقى الى عالم الارواح ثم الى عالم الحقيقة. ٨٦ { حتى اذا بلغ } [ تاجون رسيد ] { مغرب الشمس } اى منتهى الارض من جهة المغرب بحيث لا يتمكن احد من مجاوزته ووقف على حافة البحر المحيط. قال الشيخ اى بلغ قوما فى جهة ليس وراءهم احد لانه لا يمكنه ان يبلغ موضع غروب الشمس . قال فى التبيان ولما وصل ذو القرنين الى مغرب الشمس يطلب عين الحياة قال له شيخ هى خلف ارض الظلمة ولما اراد ان يسلك فى الظلمة سأل أى الدواب فى الليل ابصر قالوا الخيل فقال أى الخيل ابصر قالوا الاناث فقال أيى الاناث ابصر قالوا البكارة فجمع من عسكره ستة آلاف فرس كذلك فركبوا الرماك وترك بقية عسكره فدخلوا الظلمات فساروا يوما وليلة فاصاب الخضر العين لانه كان على مقدمة جيشه صاحب لوائه الاكبر فشرب منها واغتسل واخطأ ذو القرنين : قال الحافظ فيض ازل بزور زر ار آمدى بدست ... آب خضر نصيبه اسكندر آمدى فساروا على حصحاص من حجارة لا يدرون ما هى فسألوه عنها فقال الاسكندر خذوا من هذه الحجار ما استطعتم فانه من اقل منها ندم ومن اكثر منها ندم فاخذوا وملأ وامخالى دوابهم من تلك الحجارة فلما خرجوا نظروا الى ما فى مخاليهم فوجدوه زمردا اخضر فندموا كلهم لكونهم لم يكثروا من ذلك { وجدها } اى رأى الشمس { تغرب فى عين حمئة } اى ذات حمأة وهى الطين الاسود . بالفارسية [ آب مكدر لاى آميز ] من حمئت البئر اذا كثرت حمأتها ولعله لما بلغ ساحل البحر رآها كذلك اذ ليس فى مطمح نظره غير الماء كراكب البحر ولذلك قال { وجدها تغرب } ولم يقل كانت تغرب. وقال بعض لما بلغ موضعا لم يبق عبده عمارة فى جانب المغرب وجد الشمس كأنها تغرب فى وهذه مظلمة كما ان راكب البحر يراها كأنها تغرب فى البحر اذا لم ير الشط وهى فى الحقيقة تغيب وراء البحر والا فقد علم ان الارض كرة والسماء محيطة به والشمس فى الفلك وجلوس قوم فى قرب الشمس غير موجود والشمس اكثر من الارض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها فى عين من عيون الارض. قال السمرقندى رحمه اللّه فى بحر العلوم فان قيل قد ورد فى الحديث ان الشمس تشرق من السماء الرابعة ظهرها الى الدنيا ووجهها يشرق لاهل السموات وعظمها مثل الدنيا ثلاثمائة مرة او ما شاء اللّه فكيف يمكن دخولها فى عين من عيون الارض قلنا ان قدرة اللّه تعالى باهرة وحكمته بالغة فاللّه تعالى قادران يدخل السموات السبع والارضين السبع فى اصغر شئ واحقر فما ظنك بما فيها من الشمس وغيرها انتهى. وفى التأويلات فان قال قائل انا قد علمنا ان الشمس فى السماء الرابعة ولها فلك خاص يدور بها فى السماء فكيف يكون غروبها فى عين حمئة قلنا ان اللّه تعالى لم يخبر عن حقيقة غروبها فى عين حمئة وانماخبر عن وجدان ذى القرنين غروبها فيها فقال { وجدها تغرب فى عين حمئة } وذلك ان ذا القرنين ركب بحر الغرب واجرى مركب الى ان بلغ فى البحر موضعا لم يتمكن جريان المراكب فيه فنظر الى الشمس عند غروبها وجدها تغرب بنظره فى عين حمئة انتهى. قال بعضهم اذا كان ذو القرنين نبيا فنظر النبى ثاقب يرى الاشياء على ما هى عليها كما رأى النبى عليه السلام النجاشى من المدينة وصلى عليه وان لم يكن نبيا فذلك الوجدان بحسب حسبانه { ووجد عنها } عند تلك العين يعنى عند نهاية العمارة . وبالفارسية [ يافت نزديك آن جشمه برساحل درياى محيط غربى ] { قوما } [ كروهى را در ناسك مذكوراست كه ايشان قومى بودند بت برست سبز جشم سرخ موى لباس ايشان بوست حيوانات وطعام ايشان كوشت حيوان آبى ] قال بعضهم قوما فى مدينة لها اثنا عشر الف باب لولا اصوات اهلها لسمع الناس وجوب الشمس حين تجب وقال الامام السهيلى هم اهل جابلص بالفتح وهى مدينة يقال لها بالسريانية جرجيسا لها عشرة آلاف باب بين كل بابين فرسخ يسكنها قوم من نسل ثمود بقيتهم الذين آمنوا بصالح عليه السلام واهل جابلس آمنوا بالنبى عليه السلام لما مر بهم ليلة الاسراء. وقال فى الاسئلة الحكم اما حديث جابلصا وجابلقا وايمان اهاليهما ليلة المعراج وانهما من الانسان الاول فمشهور { قلنا } بطريق الالهام ويدل على نبوته كونه مأمور بالقتال معهم كما قال عليه السلام ( مرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا اللّه ) كما فى التأويلات. قال الحدادى لا يمكن اثبات نبوة الا بدليل قطعى { يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيه حسنا } امرا ذاحسن فحذف المضاف اى انت مخير فى امرهم بعد الدعوة الى الاسلام اما تعذيبك بالقتل او ابوا واما احسانك بالعفو والاسر وسماهما احسانا فى مقابلة القتل ويجوز ان يكون اما وا ما للتوزيع والتقسيم دون التخيير اى ليكن شأنك معهم اما التعذيب واما الاحسان فالاول لمن بقى على حاله والثانى لمن تاب. ٨٧ { قال } ذو القرنين { اما من } [ اما كسى كه ] { ظلم } نفسه بالاصرار على الكفر ولم يقبل الايمان منى { فسوف نعذبه } انا ومن معى فى الدنيا بالقتل. وعن قتادة كان يطبخ من كف فى القدور ومن آمن اعطاه وكساه { ثم يرد الى ربه } فى الآخرة { فيعذبه } فيها { عذابا نكرا } منكرا لم يعهد مثله وهو عذاب النار. ٨٨ { واما من آمن } بموجب دعوتى { وعمل } عملا { صالحا } حسبما يقتضيه الايما { فله } فى الدارين { جزاء الحسنى } اى فله المثوبة الحسنى حال كونه مجزيا بها فجزاء حال او فله فى الدار الآخرة الجنة { وسنقول له من امرنا } اى مما نأمر به { يسرا } اى سهلا متيسرا غير شاق . وبالفارسية [ كارى آسان فراخورطاقت او ] وتقديره ذا يسر واطلق عليه المصدر مبالغة يعنى لا نأمره بما يصعب عليه بل يما يسهل. قال الكاشفى [ آورده اندكه لشكر ظلمت مرا برقوم ناسك كاشت تابكوش ودهن درآمد وزنها خواستند وبوى ايمان آوردند ]. قال فى قصص الانبياء سار ذو القرنين نحو المغرب فلا يمر بأمة الا دعاها الى اللّه تعالى فان اجابوه قبل منهم وان لم يجيبوه غشيتهم الظلمة فالبست مدينتهم وقراهم وحصونهم وبيوتهم وابصارهم ودخلت افواههم وانوفهم وآذانهم واجوافهم فلا يزالون منها متحيرين حتى يستجيبوا له حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها القوم الذين ذكرهم اللّه فى كتابه ففعل بهم كما فعل بغيرهم ثم مشى على ما فى الظلمة ثمانية ايام كملا وثمانى ليال واصحابه ينتظرون حتى انتهى الى الجبل الذى هو محيط بالارض كلها واذا يملك قابض على الجبل وهو يقول سبحانه ربى من الازل الى منتهى الدهر وسبحان ربى من اول الدنيا الى آخرها وسبحان ربى من موضع كفى الى عرش ربى وسبحان ربى من منتهى الظلمة الى النور بصوت رفيع شديد لا يفتر فلما رأى ذلك ذو القرنين خر ساجدا لله فلم يرفع رأسه حتى قواه اللّه واعانه على النظر الى ذلك الجبل والملك القابض عليه فقال له الملك كيف قويت على ان تبلغ هذا الموضع ولم يبلغه احد من ولد آدم قبلك قال قوانى اللّه الذى قواك على قبض هذا الجبل فاخبرنى عن قبضك على هذا الجبل فقال انى موكل به وهو جبل قاف المحيط بالارض ولولا هذا الجبل انكفأت الارض باهلها قال الملك يا ذا القرنين لا يهمنك رزق غدا ولا تؤخر عمل اليوم لغد ولا تحزن على ما فاتك وعليك بالرفق ولا تكن جبارا متكبرا تكبر كند مرد حشمت برست ... نداندكه حشمت بحلم اندرست وجود تو شهريست برنيك وبد ... تو سلطان ودستور دانا خرد همانا كه دونان كردن فراز ... درين شهر كبرست وسود او آز جو سلطان عنايت كند بابدان ... كجا ماند آسايش بخردان تو خودراجو كودك ادب كن بجوب بكرز كران مغز مردم مكوب ... ٨٩ { ثم اتبع سببا } اى تبع وسلك طريقا راجعا من مغرب الشمس موصلا الى مشرقها. قال الكاشفى [ قوم تماسك را باخودبرده لشكر نوررا زبيش روان كرد وعسكر ظلمت را ازبس بداشت وبجانب جنوب متوجه شده قوم هاويل را كه قطر ايمن بود مسخر كرد بهمان طريق كه درناسك مذكور شد بس روى بمشرق نهاد ]. ٩٠ { حتى اذا بلغ } [ تاجون رسيد ] { مطلع الشمس } يعنى الموضع الذى تطلع عليه الشمس اولا من معمورة الارض . وبالفارسية [ موضعى كه مبدأ عماراتست ازجانب شرق ] اذ لا يمكنه ان يبلغ موضع طلوع الشمس قيل بلغه فى اثنتى عشرة سنة وقيل فى اقل من ذلك بناء على ما ذكر من انه سخر له السحاب وطولى له الاسباب { وجدها تطلع على قوم } عراة { لم تجعل لهم من دونها } من امام الشمس { سترا } من اللباس والبناء يعنى ليس لهم لباس يتسترون به من حر الشمس ولا بناء يستظلون فيه لان ارضهم لا تمسك الابنية لغاية رخاوتها وبها اسراب فاذا طلعت الشمس دخلوا الاسراب او البحر من شدة الحر واذا ارتفعت عنهم خرجوا يعنى [ وقتى كه آفتاب ارتفاع بذيرفتى وازسمت رأس ايشان دوركشتى اززير زمين بيرون آمده ما هى كرفتندى وبا آفتاب بريان كرده خورددى ]. قال الحدادى ليس فى رؤسهم ولا على اجسادهم شعر وليس لهم حواجب وكأنما سلخت وجوهم وذلك من شدة حر بلادهم - وحكى - عن بعضهم خرجت حتى جاوزت الصين فسألت عن هؤلاء فقالوا بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة فبلغتهم فاذا احدهم يفرش اذنه ويلتحف بالاخرى ومعنى صاحب يعرف لسانهم فقالوا له جئنا ننظر كيف تطلع الشمس قال فبينما نحن كذلك اذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشى علىّ ثم افقت وهم يمسحوننى بالدهن فلما طلعت الشمس على الماء اذ هو فوق الماء كهيئة الزيت فادخلونا سربا لهم فلما ارتفع النهار خرجوا الى ا لبحر يصطادون السمك ويطرحونه فى الشمس فينضج لهم. عن مجاهد من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس اكثر من جميع اهل الارض وهم الزنج. وقال الكاشفى [ ايشان قوم منسل بودند ]. قال السهيلى رحمه اللّه هم اهل جابلق بالفتح وهى مدينة لها عشرة آلاف باب بين كل بابين فرسخ يقال له بالسريانية مرقيشا وهم نسل مؤمنى قوم عاد الذين آمنوا بهود ليه السلام واهل جابلق آمنوا بالنبى عليه السلام ليلة اسرى به ووراء جابلق امم وهم من نسل وثاقيل وفارس وهم لم يؤمنوا بالنبى عليه السلام. قال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى ان هذا العالم عالم الاسباب لم يبلغ احد الى شئ من الاشياء ولا الى مقصد من المقاصد الا ان مكنه اللّه تعالى وآتاه سبب بلاغ ذلك الشئ والمقصد ووفقه لاتباع ذلك السبب فباتباع السبب بلغ ذو القرنين مغرب الشمس ومطلعها. ٩١ { كذلك } اى امر ذى القرنين كما وصفناه لك فى رفعة المحل وبسطة الملك اوامره فيهم كامره فى اهل الغرب من التخيير والاختيار . قال الكاشفى [ همجنان كرد اسكندر با ايشان كه با اهل مغرب كرد وبجانب قطر ايسر روان قد وبقومى رسيدكه ايشان راتأويل خوانند وبايشان همان سلوك نمود ] { وقد احطنا بما لديه } من الاسباب والعدد . وبالفارسية [ وبدرستى كه ما احاطه داشتيم بآنجه نزديك اوبود ] { خبرا } تمييز اى علما تعلق بظواهره وخفاياه . وبالفارسية [ ازروى آكاهى ] يعنى ان ذلك من الكثرة بحيث لا يحيط به الا علم اللطيف الخبير فانظر الى سعة لطف اللّه تعالى وامداده بمن شاء من عباده فانه ذكر وهب بن منبه ان ذالقرنين كان رجلا من الاسكندرية ابن امرأة عجوز ن عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان خارجا عن قومه ولم يكن بافضلهم حسبا ولا نسبا ولكنه نشأ فى ذات حسن وجمال وحلم ومروءة وعفة من لدن كان غلاما الى ان بلع رجلا ولم يزل منذ نشأ يتخلق بمكارم الاخلاق ويسمو الى معالى الامور الى ان علا صيته وعز فى قومه والقى اللّه تعالى عليه الهيبة ثم انه زاد به الامر الى ان حدث نفسه بالاشياء فكان اول ما اجمع عليه رأيه الاسلام فاسلم ثم دعا قومه الى الاسلام فاسلموا عنوة منه عن آخرهم ثم كان من امره ما كان [ اسكندررا برسيدند مشرق ومغرب بجه كرفتى كه ملوك بيشين را خزائن ولشكر بيش ازتو بود جنين فتح ميسر نشد كفت بعون خدى عز وجل كه هر مملكت راكه كرفتم رعيتش را نيازردم ونام بادشاهانرا جزبنيكويى نبردم بزركش نحوانند اهل خرد ... كه نام بزر كان بزشتى برد وقال بعضهم فلم ار مثل العدل للمرء رافعا ... ولم ار مثل الجور للمرء واضعا كنت الصحيح وكنامنك فى سقم ... فان سقمت فانا السالمون غدا دعت عليك اكفت طالما ظلمت ... ولن ترّد يد مظلومة أبدا وفى تفسير التبيان كان اى ذو القرنين ملكا جبارا فلما هلك ابوه ولى مكانه فعظم تجبره وتكبره فقيض اللّه له قرينا صالحا فقال له ايها الملك دع عنك التجبر وتب الى اللّه تعالى قبل ان تموت فغضب عليه الاسكندر وحبسه فمكث فى المحبس ثلاثة ايام فبعث اللّه اليه ملكا كشف سقف المجبس واخرجه منه واتى به منزله فلما اصبح اخبر لاسكندر بذلك فجاء الى لاسجن فرأى سقف السجن قد ذهب فاقشعر جلد الاسكندر وعلم ان ملكه ضعيف عند قدرة اللّه تعالى فانصرف متعجبا وطلب الرجل المحبوس فوجده قائما يصلى على جبل طالس فاقل الرجل لذى القرنين تب الى اللّه فهمّ بأخذه وامر جنوده به فارسل اللّه عليهم نارا فاحرقتهم وخر الاسكندر مغشيا عليه فلما افاق تاب الى اللّه تعالى وتضرع الى الرجل الصالصح واطاع اللّه واصلح سيرته وقصد الملوك الجبابرة وقهرهم ودعا الناس الى طاعة اللّه وتوحيده وكان من اول امر ان بنى مسجدا واسعا طوله اربعمائة ذراع وعرض الحائط اثنان وعشرون ذراعا وارتفاعه فى الهواء مائة ذراع. وفيه اشارة الى انه ينبغى للغنى عند اول امره انيصرف شطرا من ماله الى وجه من وجوه الخير لا الى ما يشتهيه طبعه ويميل اليه نفسه كما ان المفتى اذا تصدر يبدأ فى فتواه بما يتعلق بالتوحيد ونحوه وكذا لابس جديد او مغسول يبأ بالمسجد والصلاة والذكر ونحوها لا بالخروج الى السوق وبيت الخلا ونحوهما . ثم ان الفتح الصورى انما يبتنى على الاسباب الصورية اذ لا يحصل التسخير غالبا الا بكثرة العدد والعدد واما الفتح المعنى فحصوله مبنى على النفاء وترك الاسباب والتوجه الى مسبب الاسباب كما قال الصائب هركس كشيد سربكريبان نيستى ... تسخير كرد مملكت بى زوال را فالاسكندر الحقيقى الذى لا يزول ملكه ولا يحيط بما لديه الا اللّه تعالى هو من ايد ظاهره باحكام الطاعات ومعاملات العبودية وباطنه بانوار المشاهدات وتجليات الربوبية فانه حينئذ تموت النفس الامارة وتزول يدها العادية القاهرة عن قلعة القلب ويظهر جنود اللّه التى لا يعلمها الا هو لكثرتها اللهم اجعلنا المؤيدين بالانوار الملكوتية والامداد اللاهوتية انك على ما تشاء قدير. ٩٢ { ثم اتبع سببا } اى اخذ طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب آخذ من الجنوب الى الشمال. ٩٣ { حتى اذا بلغ } [ تاجون رسيد ] { بين السدين } بين الجبلين اللذين سد ما بينهما وهما جبلان عاليان فى منقطع ارض الترك مما يلى المشرق من ورائهما يأجوج ومأجوج والسد بالفتح والضم واحد بمعنى الجبل والحاجز او بالفتح ما كان من عمل الخلق وبالضم ما كان من خلق اللّه لان فعل بمعنى مفعول اى هو مما فعله اللّه وخلقه وانتصاب بين على المفعولية لانه مبلوغ وهو من الظروف التى تستعمل اسماء وظروفا كما ارتفع فى قوله تعالى { لقد تقطع بينكم } ونجرّ فى قوله { هذا فراق بينى وبينك } { وجد من دونهما } اما مالسدين ومن ورائهما مجاوزا عنهما. وقال الكاشفى [ يافت دربيش آن دوكوه ] وفسره فى تفسير الجلالين ايضا بقوله عندهما { قوما } امة من الناس { لا يكادون يفقهون قولا } اى لا يفهمون كلام احد ولا يفهم الناس كلامهم لغرابة لغتهم. وقال الزمخشرى { لا يكادون يفقهون } الا بجهد ومشقة من اشارة ونحوه كما يفهم البكم وهو الترك . التاريخ اولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام او بالعرب والعجم والرم وحام ابو الحبش والزنج والنوبة ويافث ابو الترك والخزر والصقالبة ويأجوج ومأجوج. وقال فى انوار المشارق اصل الترك بنوا قنطورا وقنطورا امة كانت لابراهيم عليه السلام فولدت له اولادا فانتشر منهم الترك. ٩٤ { قالوا } على لسان ترجمانهم بطريق الشكاية والظاهر ان ذى القرنين كان قد اوتى اللغات ففهم كلامهم. وفى التأويلات النجمية كيف اخبر عنهم انهم { لا يكادون يفقهون قولا } ثم قال { قالوا } الآية قلنا كلمة كاد ليست لوقوع الفعل كقوله تعالى { تكاد السموات يتفطرن } اى قاربت الانفطار فلن تنفطر واذا دخل فيها لا الجحود دوما النفى تكون لوقوع الفعل كقوله تعالى { فذبحوها وما كادوا يفعلون } اى قرب ان لا يذبحوها فذبحوها وكذلك قوله { لا يكادون يفقهون قولا } اى لا يفقهون قولا يلين به قلب ذى القرنين ليجعل لهم السد ففقهوا بالهام الحق تعالى حتى { قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج } اسمان اعجميان بدليل منع الصرف او عربيان ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث لانهما علمان لقلبيلتين من اولاد يافث بن نوح كما سبق او من احتلام آدم عليه السلام كما ذكر فى عين المعانى وغيره ان آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فهم منها يتصلون بنا من جهة الاب دون الام. وقال فى انوار المشارق هذا منكر جدا لا اصل له وكذا قال فى بحر العلوم واعلم ان هذا مخالفة لقوله عليه السلام ( ما احتلم نبى قط ) انتهى. يقول الفقير سمعت من فم حضرة شيخى وسندى روح اللّه روحه انه قال ان اول من ابتلى بالاحتلام ابونا آدم عليه السلام لحكمة خفية كما ابتلى نبينا عليه السلام ببعض السهو لحكمة عليه والحديث المذكور مخصوص بمن عداه والمنع عن الكلام فيه انما هو لرعاية الادب فافهم جدا { مفسدون فى الارض } اى فى ارضنا بالقتل والتخريب واتلاف الزروع وكانوا يخرجون ايام الربيع فلا يتركون اخضر الا اكلوه ولا يابسا الا احتملوه وربما اكلوا الناس اذا لم يجدوا شيأ من الانعام ونحوها وكان لا يموت احد منهم حتى ينظر الف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلام ولذا قال ابن عباس رضى اللّه عنهما بنوا آدم عشرهم جو بوزينكان آمده در وجود ... مزه زرد ورخ سرخ وديده كبود ندارند جزخواب وخور هيج كار ... نميرد يكى تا نزايد هزار وهم اصناف صنف منهم طول الرجل منهم مائة وعشرون ذراعا وصنف منهم قد هم على شبر واحد طولهم وعرضهم سواء وصنف منهم كبار الآذان يفترش احدهم احد اذنيه ويلتحف بالاخرى ولهم من الشعر فى اجسادهم ما يواريهم وما يقيهم من الحر والبرد فلا يغزلون ولا ينسجون يعوون عوى الذئاب ويتسافدون كتسافد البهائم يقال سفد الذكر على انثى نزالهم مخالب فى ايديهم واضراس كاضراس السباع وانياب يسمع لها حركة كحركة الجرس فى حلوق الابل لا يمرون بفيل ولا جمل ولا وحش ولا خنزير الا اكلوه ومن مات منهم اكله ويأكلون الحشرات والحيات والعقارب. قال فى حياة الحيوان التنين ضرب من الحيات كما كبر ما يكون فيها وفى فمه انياب مثل اسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق احمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف براق العينين يبتلع كثيرا من الحيوان يخافه حيوان البر والبحر اذا تحرك يموج البحر لشدة قوته واول امره يكون حية متمردة تأكل من دواب البر ما ترى فاذا كثر فسادها احتملها ملك والقاها فى البحر فتفعل بدواب البحر ما كانت تفعل بدواب البر فيعظم بدنها حتى يكون رأسها كالتل العظيم فيبعث اللّه تعالى ملكا يحملها ويلقيها الى يأجوج ومأجوج. قال فى قصص الانبياء اذا قذفوا بها خصبوا والا قحطوا { فهل } [ بس آيا ] { نجعل لك خرجا } جعلا من اموالنا اى اجرا نخرجه لك والخرج والخراج واحد كالنول والنوال او الخراج ما على الاراض والزمة والخرج المصدر او الخرج ما كان على كل رأس والخراج ما كان على البلد او الخراج ما تبرعت به والخراج ما لزمك اداؤه { على ان تجعل } [ بشرط آنكه بكنى ] { بيننا وبينهم سدا } حاجزا يمنعهم من الخروج والوصول الينا. ٩٥ { قال } ذو القرنين { ما مكنى } بالادغام وقرئ بالفك اى الذى مكننى وبالفارسية [ آنجه دست رس داده مرات ] { فيه ربى } وجعلنى فيه مكينا قادرا من الملك والمال وسائر الاسباب { خير } مما تريدون ان تبذلوه الىّ من الخراج فلا حاجة لى الي ونحوه قول سليمان عليه السلام { فما آتانى اللّه خير مما آتاكم } { فاعينونى بقوة } بفعله وصناع يحسنون بالبناء والعمل وبآلات لا بد منها فى البناء { اجعل } جواب الامر { بينكم وبينهم ردما } حاجزا حصينا وحجابا عظيما . وبالفارسية [ حجابى سخت كه بعضى ازان بربعضى مركب باشد ] وهو اكبر من السد واوثق يقال ثوب مردم اى فيه رقاع فوق رقاع وهذا اسعاف بمرامهم فوق ما يرجونه. ٩٦ وفى التأويلات النجمية قوله تعالى { آتونى زبر الحديد } تفسير للقوة فيكون المراد بها ترتيب الآلات . وزبر جمع زبرة كغرف جمع غرفة وهى القطعة الكبيرة وهذا لا ينافى رد خراجهم لان المأمور به الايتاء بالثمن والمناولة ولان ايتاء الآلة من قبيل الاعانة بالقوة دون الخراج على العمل. قال فى القصص قالوا من اين لنا من الحديد ما يسع هذا العمل فدلهم على معدن الحديد والنحاس ولعل تخصيص الامر بالايتاء دون سائر الآلات من الصخور ونحوها لما ان الحاجة اليها امس اذ هى الركن فى السد . قال الكاشفى [ منقولست كه فرمود تاخشتها ازآهن بساختند بفارغ دلى جابجا تن زدند همه روزشب خشت آهن زدند وحكم كرد تاميان آن كوه را جهار هزار قدم بود درشصت وبنج كز عرض بكنند تا بآب رسيد ]. وفى القصص قاس ما بين الصدفين فوجده ثلاثة اميال. وقال بعضهم حفر ما بين السدين وهو مائة فرسخ حتى بلغ الماء وجعل الاساس من الصخر والنحاس المذاب بدل الطين لها والبنيان من زبر الحديد بين كل زبرتين الحطب والفحم { حتى اذا } [ تاجون ] { ساوى بين الصدفين } الصدف منقطع الجبل او ناحيته وبين مفعول كبين السدين اى آتوه اياها فجعل يبنى شيأ فشيأ حتى اذا جعل ما بين ناحيتى الجبلين مساويا لهما فى السمك يعنى ملأ ما بينهما الى اعلاهما وكان ارتفاعه مائتى ذراع وعرضه خمسين ذراعا ثم وضع المنافخ حوله { قال } للعملة { انفخوا } على زبر الحديد بالكير والنار { حتى اذا جعله } اى المنفوخ فيه وهو زبر الحديد { نارا } كالنار فى الحرارة والهيئة واسناد الجعل المذكور الى ذى القرنين مع انه فعل الفعلة للتنبيه على انه العمدة فى ذلك وهم بمنزلة الآلة { قال } للذين يتولون امر النحاس من الاذابة ونحوها { آتونى } قطرا اى نحاسا مذابا { افرغ عليه قطرا } الافراغ الصب اى اصبب على الحديد المحسن قطر افحذف الاول لدلالة الثانى عليه واسناد الافراغ الى نفسه للسر الذى وقفت عليه آنفا بهر روى فرشى برانكيختند ... برو روى حل كرده مى ريختند ٩٧ { فما اسطاعوا } بحذف تاء الافتعال تخفيفا وحذرا من تلاقى المتقاربين. وقال فى برهان القرآن اختار التخفيف فى الاول لان مفعوله حرف وفعل وفاعل ومفعول فاختير فيه الحذف والثانى مفعوله اسم واحد وهو قوله نقبا انتهى . والفاء فصيحة اى فعلوا ما امروا به من ايتاء القطر فافرغ عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض فصار جبلا صلدا اى صلبا املس فجاء يأجوج ومأجوج فقصدوا ان يعلوه وينقبوه فما قدروا { ان يظهروه } ان علوه بالصعود لرتفاعه وملاسته { وما استطاعوا له نقبا } اى وما قدروا ان ينقبوه ويخرقوه من اسفله لصلابته وثخانته وهذه معجزة عظيمة لان تلك الزبر الكثيرة اذا اثرت فيها حرارة النار لا يقدر الحيوان على ان يحوم حولها فضلا عن النفخ فيها الى ان تكون كالنار او عن افراغ القطر عليها فكأنه سبحانه صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن ابدان اولئك المباشرين للاعمال فكان ما كان واللّه على كل شيء قدير كذا فى الارشاد اخذا عن تفسير الامام. يقول الفقير ليس ببعيد ان يكون المباشر بالنفخ والصب من بعيد بطريق من طرق الحيل ألا ترى ان نار نمرود لما كانت بحيث لا يقرب منها احد عملوا المنجنيق فالقوا به ابراهيم عليه السلام فيها وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ان رجلا اخبره به اى بالسد فقال ( كيف رأيته ) قال ( قد رأيته ) وذلك لان الطريقة الحمراء من النحاس والسوداء من الحديد. ٩٨ { قال } ذو القرنين { هذا } السد { رحمة } عظيمة ونعمة جسيمة { من ربى } على كافةالعباد لا سيما على مجاهديه. وفيه ايذان بانه ليس من قبيل الآثار الحاصلة بمباشرة الخلق عادة بل هو احسان الهى محض وان ظهر بمباشرتى { فاذا جاء } [ بس جون بيايد ] { وعد ربى } مصدر بمعنى المفعول وهو يوم القيامة والمراد بمجيئه ما ينتظم مجيئه ومجيئ مباديه من خروجهم وخروج الدجال ونزول عيسى ونحو ذلك { جعله } اى السد الشار اليه مع متانته { دكاء } ارضا مستوية وقرئ دكا اى مدكوكا مستويا بالارض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك وفيه بيان لعظم قدرته تعالى بعد بيان سعة رحمته { وكان وعد ربى } اى وعده العهود وكل ما وعد به { حقا } ثابتا لا محالة واقعا البتة. وفى التأويلات المجمية وفى قوله { هذا } الى آخر الآية دلالة على نبوته فانه اخبر عن وعد الحق وتحقيق وعده وهذا من شان الانبياء واعجازهم انتهى. وهذا آخر حكاية ذى القرنين . قيل ان يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم حتى اذا كادوا يرون الشعاع قال الذى عليهم ارجعوا فستحفرون غدا ولم يستثن فيعيده اللّه كما كان فيأتون غدا فيجدونه كالاول فاذا اراد اللّه خروجه خلق فيهم رجلا مؤمنا فيحفرون السد حتى يبقى منه اليسير فقول لهم ارجعوا فستحفرون غدا ان شاء اللّه تعالى فاذا عاداو من الغد الى الحفر قال لهم قولوا بسم اللّه فيحفرونه ويخرجون على الناس فكل من لحقوه قتلوه واكلوه ولا يمرون على شئ الا اكلوه ولا بماء الا شربوه فيشربون ماء دجلة والفرات ويأكلون ما فيه من السمك والسرطان والسلحفاة وسائر الدواب حتى يأتوا بحيرة طبرية بالشام وهى مملوءة ماء فيشربون فيأتى آخرهم فلا يجدون فيها قطرة ماء فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء وطافوا الارض الا انهم لا يستطيعون أن يأتوا المساجد الاربعة مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد طور سينا ثم يسيرون حتى ينتهوا الى جبل الخمر وهو بجل بيت المقدس وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قلتنا من فى الارض هلم فنقتل من فى السماء فيرمون بنشابهم الى السماء فيرد اللّه عليهم نشابهم مخضوبة دما ويحصر نبى اللّه عيسى واصحابه فى جبل الطور حتى يكون رأس الثور لاحدهم خيرا من مائة دينار لاحدكم اليوم فيدعو عليهم عيسى عليه السلام فيرسل اللّه عليهم دودا تسمى النغف فتأخذهم فى رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط عيسى واصحابه من الطور فلا يجدون فى الارض موضع شبر الا ملأه زهمهم ونتنهم فيدعو اللّه فيرسل اللّه طيرا كاعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء اللّه ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين منتخب من المصابيح وتفسير التبيان وغيرها. وعن زينت ام المؤمنين رضى اللّه عنها ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل عليها فزعا يقول ( لا اله الا اللّه ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق باصبعيه الابهام والتى تليها ) قالت زينت فقلت يا رسول اللّه فأنهلك وفينا الصالحون قال ( عم اذا كثر الخبث ) اى الزنى والمراد بهذا الحديث انه لم يكن فى ذلك الردم ثقية الى هذا اليوم وقد انفتحت فيه ثقبة وانفتاح الثقبة فيه من علامات قرب القيامة واذا توسعت خرجوا منها وخروجهم بعد خروج الدجال . قال فى فتح القريب المراد بالويل الحزن وقد وقع ما اخبر به عليه السلام بما استأثر به عليهم من الملك والدولة والاموال والامارة وصار ذلك فى غيرهم نم الترك والعجم وتشتتوا فى البوادى بعد ان كان العز والملك والدنيا لهم ببركته عليه السلام وما جاء من الاسلام والدين فلما لم يشكروا النعمة وكفروها بقتل بعضهم بعضا وسلب بعضهم اموال بعض سلبها اللّه منهم ونقلها الى غيرهم كما قال تعالى { وان تتولوا يستبدل قوما غيركم } فعلى العقال ان يحترز من فتنة يأجوج النفس والطبيعة والشيطان ويبنى عليها سد الشريعة الحصينة والطريقة المتينة ويكون اسكندر اقليم الباطن والملكوت واللاهوت. ٩٩ { وتركنا } فى القاموس الترك الجعل كأنه ضد اى وجعلنا { بعضهم } بعض الخلائق { يومئذ } يوم اذ جاء الوعد بمجيئ بعض مباديه { يموج فى بعض } آخر والموج الاضطراب اى يضطربون اضطراب امواج البحر ويختلط انسهم ونهم حيارى من شدة الهول . وبالفارسية [ روز قيامت انس وجن ازروى تحير واضطراب درهم آميزند ]. قال فى الارشاد لعل ذلك قبل انفخة الاولى { ونفخ فى الصور } هى النفخة الثانية التى عندها يكون الحشر بمقتضى الفاء التى بعدها ولعل عدم التعرض لذكر النفخة الاولى لئلا يقع الفصل بين ما يقع فى النشأة الاولى من الاحوال والاهوال وبين ما يقع منها فى النشأة الآخرة. والمعنى نفخ اسرافيل فى الصور ارواح الخلائق عند استعداد صور الاجساد لقبول الارواح كاستعداد الحشيش لقبول الاشتعال بارواحها فاذا هم قيام ينظرون وكل يتخيل ان ذلك الذى كان فيه منام كما يتخيله المستيقظ وقد كان حين مات وانتقل الى البرزخ كالمستيقظ هناك وان الحياة الدنيا كانت له كالمنام وفى الآخر يعتقد فى امر الدنيا والبرزخ انه منام فى منام وان اليقظة الصحيحة هى التى هو عليها فى الدار الآخرة حيث لا نوم فيها . وسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الصور فقال ( هو قرن من نور القمه اسرافيل ) واعلم ان لا شئ من الاكوان اوسع منه واذا قبض اللّه الارواح من هذه الاجساد الطبيعية حيث كانت اودعها صورا جسدية فى مجموع هذا القرن النور فجمع ما يدركه الانسان بعد الموت فى البرزخ من الامور انما يدركه بعين الصورة التى هو فيها فى القرن وبنورها وهو ادراك حقيقى فمن الصور ما هى مقيدة عن التصرف . ومنها مطلقة كارواح الانبياء كلهم وارواح الشهداء . ومنها ما يكون لها مقيدة عن التصرف . ومنها مطلقة كارواح الانبياء كلهم وارواح الشهداء . ومنها ما يكون لها نظر الى عالم الدنيا فى هذه الدار . ومنها ما يتجلى للنائم فى حضرة الخيال التى هى فيه وهو الذى يصدق رؤياه ابدا وكل رؤيا صادقة ولا تخطى ولكن العابر الذى يعبرها هو المخطى حيث لم يعرف ما المراد بها وكذلك قوم فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا فى تلك الصور ولا يدخلونها فانهم محبوسون فى ذلك القرن ويوم القيامة يدخلون اشد العذاب وهو العذاب المحسوس لا المنخيل كما فى تفسير الفاتحة للفنارى { فجمعناهم } اى جمعنا الخلائق بعدما تمزقت اجسادهم فى صعيد واحد للحساب والجزاء { جمعا } عجيب لم نترك من الملك والانس والجن والحيوانات احدا وفى الحديث ( السعيد فى ذلك اليوم فى ذلك الجمع من يجد مكان مكانا يضع عليه اصابع رجليه ) كما فى ربيع الابرار. وقال فى التأويلات النجمية يشير الى ان اللّه تعالى من كمال قدرته يحيى الخلق بسبب يميتيهم به وهو النفخة وبالنفخة الاولى كما اماتهم كقوله تعالى { ونفخ فى الصور فصعف من فى السموات ومن فى الارض } كذلك بالنخفة الاخيرة احياهم كقوله { نفخ فى الصور فجمعناهم جمعا } وفيه اشارة الى ان الخلق محتاجون الى اتباع سبب كل شئ ليبلغوا اليه وهم لا يقدرون على ان يجعلوا سببا لشئ آخر على ضده والخالق سبحانه هو المسبب فهو قادر على ان يجعل الشئ الواحد سببا لوجود الشيئين المتضادين كما جعل النفخة فى الصور سببا للممات والحياة : وفى المثنوى سازد اسرافيل روزى ناله را ... جان دهد بوسيده صد ساله را انبيارا در درون هم نغمهاست ... طابلبانرا زان حيات بى بهاست نشنود آن نغمهارا كوش حس ... كز ستمها كوش حس باشد نجس نشنود نغمه برى را آدمى ... كوبرود زاسرار بريان اعجمى كرجه هم نغمه برى زين ... عالمست نغمه دل بر تر از هر دودمست كر برى وآدمى زندانيند ... هر دو در زندان اين نادانيند نغمهاى اندرون او ليا ... اولا كويدكه اى اجزاى لا هين زلاى نفى سرها بر زنميد ... اين خيال و وهم يكسو افكنيد اى همه بوشيده دركون وفساد ... جان باقيتان نروييد ونزاد هين كه اسرافيل وقتند اولياء ... مرده را زيشان حياتست ونما جان هريك مرده ازكورتن ... بر جهد ز آواز شان اندر كفن كويد اين آوازها جداست ... زنده كردن كار آواز خداست ما بمرديم وبكلى كاستيم ... بانك حق آمد همه بر خاستيم مطلق آن آواز خود ازشه بود ... كرجه از حلقوم عبداللّه بود ١٠٠ { وعرضا } يقال عرض الشئ له اظهره اى اظهرنا { جهنم } معرب والاصل [ جه نم ] كذا قال البعض { يومئذ } يوم اذ جمعنا الخلائق كافة { للكافرين } منهم حيث جعلناها بحيث يورنها ويسمعون لها تغيظا زفيرا { عرضا } هائلا لا يعرف كنهه وفى الحديث ( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها ) اى يؤتى بها ( يوم القيامة من المكان الذى خلقها اللّه فيه فتوضع بارض حتى لا يبقى طريق للجنة الا الصراط ) وهذه الازّمة تمنعها عن الخروج على اهل المحشر الا من شاء اللّه كذا فى شرح المشارق لابن ملك وتخصيص العرض بالكافرين مع انها بمرأى من اهل الجمع قاطبة لان ذلك لاجلهم خاصة وهذا العرض يجرى مجرى العقاب لهم من اول الامر لما يتداخلهم من الغم العظيم. وفى التأويلات النجمية يشير الى ان جهنم لو كانت معروضة على ارواح الكافرين قبل يوم القيامة كما كانت معروضة على ارواح المؤمنين لآمنوا بها كما آمن المؤمنون بها اذ لم تكن اعينهم فى غطاء عن ذكر اللّه وكانوا يستطيعون سمعا لكلام اللّه تعالى لان آذان قلوبهم مفتوحة. ١٠١ { الذين } الموصول مع صلته نعت للكافرين او بدل ولذا لا وقف على عرضا كما فى الكواشى { كانت اعينهم } وهم فى الدنيا { فى غطاء } غلاف غليظ محاطة بلك من جميع الجوانب . والغطاء ما يغطى الشئ ويستره . بالفارسية [ برده وبوششي ] { عن ذكرى } عن ذكرى عن الآيات المؤدية لاولى الابصار المتدبرين فيها الى ذكرى بالتوحيد والتمجيد كما قيل ففى كل شئ له آية ... تدل على انه واحد برك درختان سبز درنظر هوشيار ... هرورقى دفتريست معرفت كرد كار { وكانوا } مع ذلك { لا يستطيعون } لفرط تصاممهم عن الحق وكمال عداوتهم للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم { سمعا } استماعا لذكرى وكلامى يعنى ان حالهم اعظم من الصمم فان الاصم قد يستطيع السمع اذا صيح به وهؤلاء زالت عنهم تلك ا لاستطاعة جون توقرآن خوانى اى صدر امم ... كوش شانرا برده سازم ازصمم جشماشنرا نيز سازم جشم بند ... تابينند وكلامت نشنوند قال فى الارشاد وهذا تمثيل لاعراضهم عن الادلة السمعية كما ان الاول تصوير لتعاميهم عن الآيت المشاهدة بالابصار. قال بعض الكابر كانت اعين نفوسهم فى غطاء الغفلة عن نظر العبرة واعين قلوبهم فى غطاء حب الدنيا وشهواتها عن رؤية درجات الآخرة ودركاتها واعين اسرارهم فى غطاء الالتفات الى التكونين عن شواهد المكون واعين ارواحهم فى غطاء تذكار ما سوى اللّه تعالى عن ذكر اللّه تعالى فاذا فتحت العين الباطنة بالمشاهدة فتحت العين الظاهرة بنظر الاعتبار وكذا السمع بظاهر السمع تابع لسمع الباطن ويدخل فى سماع كلام الحق سماع سنن المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم وسير الصالحين. ١٠٢ { أفحسب الذين كفروا } الهمزة للانكار والتوبيخ على معنى انكار الواقع واستقباحه كما فى قولك أضربت اباك لانكار الوقوع كما فى أتضرب اباك والفاء للعطف على مقدر تفصح عنه الصلة على توجيه الانكار والتوبيخ الى المعطوفين جميعا اى أكفروا بى مع جلالة شأنى فحسبوا وظنوا { ان يتخذوا عبادى } من الملائكة وعيسى وعزير وهم تحت سلطانى وملكوتى { من دونى } مجاوزين اياى اى تاركين عبادتى { اولياء } معبودين ينصرونهم من بأسى على معنى ان ذلك ليس من الاتخاذ فى شئ لما انه انما يكون من الجانبين وهم عليهم السلام منزهون عن ولايتهم بالمرة لقولهم سبحانك أنت ولينا من دونهم وقيل مفعول له الثانى محذوف اى أفحسبوا اتخاذهم نافعا لهم والوجه هو الاول لان فى هذا تسليما لنفس الاتخاذ واعتدادا به فى الجملة كذا فى الارشاد { انا اعتدنا جهنم } هيأناها { للكافرين } المعهودين { نزلا } وهو ما يدل للنزيل والضيف اى احضرنا جهنم للكافرين كالنزل المعد للضيف وفيه تهكم بهم كقوله { فبشرهم بعذاب اليم } وايماء الى ان لهم وراء جهنم من العذاب ما هى انموذج له وهو كونهم محجوبين عن رؤية اللّه تعالى كما قال تعالى { كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم انهم لصالوا الجحيم } جعل الصلىّ اى الدخول تاليا فى المرتبة للمحجوبية فهو دونها فى الرتبة وفسره ابن عباس رضى اللّه عنهما بموضع النزول والمثوى . فالمعنى بالفارسية [ منزل ومأوايى كه براى مهمان آرند ودرين معنى تهكم است برآنكه ايشانرا عذابها خواهد بود كه دوزخ دربيش آن جيزى محقر باشد ]. وفى الآية اشارة الى ان من ادعى محبة اللّه وولاءه لا يتخذ من دون اللّه اولياء اذ لا يجتمع ولاية الحق وولاية الخلق ومن كفر بنعمة الولاء واتخذ من دون اللّه اولياء فله جهنم البعد والقطيعة ابدا. وقد قال بعض المحققين ابت المحبة تستعمل محبا لغير محبوبه وحب اللّه تعالى قطب تدور عليه الخيرات واصل جامع لانواع الكرامات وعلامته الجريان على موجب الامر والنهى كما قال بعضهم نزه ربك وعظمه من ان يراك حيث نهاك او فقدك حيث امرك فالذين كفروا اضاعوا ايامهم بالكفر والآثام وعبدوا المعدوم وهو ما سوى اللّه الملك العلام واكلوا وشربوا فى الدنيا كالانعام فلا جرم جعل اللّه لهم جهنم نزلا وشر مقام واما المؤمنين فقد جاهدوا فى اللّه بالطاعات واشتغلوا بالرياضيات والمجاهدات وما عبدوا غير الموجود الحقيقى فى وقت من الاوقات فلا جرم الحسن اللّه اليهم بالدرجات العاليات فالخلاص والنجاة فى التوجه الى اللّه رفيع الدرجات - حكى - انه كان ملك مشرك جبار فأخذه المسلمون فجعلوه فى قمقمة ووضعوها فى نار شديدة فاسلم وتضرع الى اللّه تعالى فامطرت السماء فخرجت ريح شديدة والقتها فى مملكة فرآها اهل تلك المملكة وسألوه فقال انا الملك الفلانى فلما اسلمت وتضرعت الى اللّه خلصنى من الشدة فاسلم اهل تلك المملكة لما رأوا عظم قدرة اللّه تعالى وشاهدوا شواهد توحيده والحمد لله تعالى. ١٠٣ { قل هل ننبئكم } نخبركم انا ومن تبعنى من المؤمنين ايها الكفرة { بالاخسرين اعمالا } نصب على التمييز والجمع للايذان بتنوعها اى بالقوم الذين هم اشد الخلق واعظمهم خسرانا فيما علموا . وبالفارسية [ برزيانكار ترين مردمان ازروى كردارها ]. قال فى الارشاد هذا بيان حال الكفرة باعتبار ما صدر عنهم من الاعمال الحسنة فى انفسها من صلة الرحم واطعام الفقراء وعتق الرقاب ونحوها وفى حسبانهم ايضا حيث كانوا معجبين بها واثقين بنيل ثوابها ومشاهدة آثارها غب بيان حاله باعتبار اعمالهم السيئة فى انفسها مع كونها حسنة فى حسبانهم. ١٠٤ { الذين } كأنه قيل منهم فقيل هم الذين { ضل سعيهم } فى اقامة الاعمال الحسنة فى انفسها اى ضاع وبطل بالكلية . وبالفارسية [ كم شد وضائع كشت شتافتن ايشان بعملهاى نيكونماى ] { فى الحياة الدنيا } متعلق بالسعى لا بالضلال لان بطلان سعيهم غير مختص بالدنيا { وهم } اى ضل والحال انهم { حسبون } يظنون { انهم يحسنون صنعا } يعنى علمون عملا ينفعهم فى الآخرة . وبالفارسية [ وايشان مى بندارند آنكه ايشان نيكويى ميكنند كاررا ] والاحسان الاتيان بالاعمال على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفى المستلزم لحسنها لاذاتى اى يحسبون انهم يعملون ذلك على الوجه اللائق وذلك لا عجابهم باعمالهم التى سعوا فى اقامتها وكايدوا فى تحصيلها. وفى الآية اشارة الى اهل الاهواء والبدع واهل الرياء والسمعة فان اليسير من الرياء شرك وان الشرك محبط الاعمال كقوله تعالى { لئن اشركت ليحبطن عملك } وان هؤلاء القوم يبتدعون فى العقائد ويراؤون بالاعمال فلا يعود وبال البدعة والرياء الا اليهم والحاصلة ان العمل المقارن بالكفر باطل وان كان طاعة وكذا العمل المقارن بالشرك الخفى واذا كان ما هو طاعة مردود لمجاورته المنافى فما ظنك بما هو معصية فى نفسه وهو يظنه طاعة فيأتى به فمثل اهل الرياء والسمعة والبدعة وطالب المنة والشكر من الخلق على معرفة وكذا الرهبان الذين حبسوا انفسهم فى الصوامع وحملوها على الرياضيات الشاقة ليسوا على شئ كرت بيخ اخلاص در بوم نيست ... ازين دركسى جون تومحروم نيست كرا جامه يا كست وسيرت بليد ... در دوخش را بنايد كليد وعن على رضى اللّه عنه هم اهل حروراء قرية بالكوفة وهم الخوارج الذين قاتلهم على ابن ابى طالب رضى اللّه عنه كما فى التكملة . والخوارج قوم من زهاد الكوفة خرجوا عن طاقة على رضى اللّه عنه عند رضاه بالتحكيم بينه وبين معاوية قالوا كفر بالتحكيم ان الحكم الا لله وكانوا اثنى عشر الف رجل اجتمعوا نصبوا راية الخلافة وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل فخرج اليهم على رضى اللّه عنه ورام رجوعهم فابوا الا القتال فقاتلهم بالنهر وان فقتلهم واستأصلهم ولم ينج منهم الا القليل وهم الذين قال فيهم صلّى اللّه عليه وسلّم ( يخرج قوم فى امتى يحقر احدكم صلاته فى جنب صلاتهم وصومه فى جنب صومهم ولكن لا يجاوز ايمانهم تراقيهم ) وقال عليه السلام ( الخوارج كلاب النار ) كذا فى ضرح الطريق. ١٠٥ { اولئك } المنعوتون بما ذكر من ضلال السعى مع الحسبان المزبور { الذين كفروا بآيات ربهم } بدلائله الداعية الى التوحيد عقلا ونقلا { ولقائه } بالبعث وما يتبعه من امور الآخرة على ما هى عليه { فحبطت } بطلت بذلك { اعمالهم } المعهودة حبوطا كليا فلا يثابون عليها { فلا نقيم لهم يوم القيامة } اى لاولئك الموصوفين بما مر من حبوط الاعمال { وزنا } اى فنزدرى بهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا [ بلكه خوار ومبتذل خواهند بود ] لان مداره الاعمال الصالحة وقد حبطت بالمرة وحيث كان هذا الازدراء من عواقب حبوط الاعمال عطف عليه بطريق التفريع واما ما هو من اجزية الكفر فسيجيئ بعد ذلك وفى الحديث ( يؤتى بالرجل الطويل الاكول الشروب فلا يزن جناحه بعوضة ) اى يوضع له قدر لخساسته وكفره وعجبه ( اقرأوا ان شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) اى لا نضع اجل الطاعات والمعاصى ليترتب عليه التفكير او عدمه لان ذلك فى الموحدين بطريق الكمية واما الكفر فاحباط للحسنات بحسب الكيفية دون الكمية فلا يوضع لهم الميزان قطعا. وفى التأويلات النجمية لان وزن الاشخاص والاعمال فى ميزان القيامة انما يكون بحسب الصدق والاخلاص فمن زاد اخلاصه زاد ثقل وزنه ومن لم يكن فيه وفى اعماله اخلاص لم يكن له ولا لعمله وزن ومقدار كما قال تعالى { وقدمنا الى ما عملوا من عمل } اى بلا اخلاص { فجعلناه هباء منثورا } فلا يكون للهباء المنثور وزن ولا قيمة. ١٠٦ { ذلك } اى الامر ذلك وقوله تعالى { جزاؤهم جهنم } جملة مبينة له { بما كفرا واتخذوا آياتى ورسلى هزوا } يعنى بسبب كفرهم وانكاهم لما يجب ايمانهم واقرارهم به واتخاذهم القرآن وغير من الكتب الالهية ورسل اللّه وانبياءه سخرية واستهزاء من قبيل الوصف بالمصدر للمبالغة يعنى انهم بالغوا فى الاستهزاء بآيات اللّه ورسوله فكأنهم جعلوها واياهم عين الاستهزاء او المعنى مهزوا بهما او مكان هزء. واعلم ان العلماء ورثة الانبياء وعلومهم مستنبطة من علومهم فكما ان العلماء العاملين ورثة الانبياء والمرسلين فى علومهم واعمالهم كذلك المستهزؤون بهم ورثة ابى جهل وعقبة ونحوهما فى استهزاؤهم وضلالهم . ومن استهزاء ابى جهل بالنبى صلّى اللّه عليه وسلّم انه كان يخلج بانفه وفمه خلف رسول اللّه يسخر به فاطلع عليه عليه السلام يوما فقال ( كن كذلك ) فكان كذلك الى ان مات . ومن استهزاء عقبة به عليه السلام انه بصق يوما فى وجه النبى صلّى اللّه عليه وسلّم فعاد بصاقه على وجهه وصار برصا وفى حقه نزل { ويوم يعض الظالم على يديه } اى فى النار يأكل احدى يديه الى المرفق ثم يأكل الاخرى فتنبت الاولى فيأكلها وهكذا كذا فى انسان العيون وفى الحديث ( ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم باب من الجنة فيقال هلم هلم فيجيئ بكر به وغمه فاذا جاء اغلق دونه فما يزال كذلك حتى ان الرجل ليفتح له الباب فيقال هلم هلم فما يأتي ) كما فى الطريقة اللهم اجعلنا من اهل الجد لا من اهل الهزل ووفقنا للعمل بما فى القرآن الجزل. ١٠٧ { ان الذين آمنوا } فى الدنيا { وعملوا الصالحات } من الاعمال وهى ما كانت خالصة لوجه اللّه تعالى { كانت لهم } فى علم اللّه تعالى { جنات الفردوس } [ بهشتهاى فردوس يعنى بوستانهاى مشتمل براشجاركه اكثر آن تاك بود ]. قال فى القاموس الفردوس البستان يجمع كل ما يكون فى البساتين يكون فيه الكروم وقد يؤنث عربية او رومية نقلت او سريانية انتهى { نزلا } خبر كانت والجار والمجرور متعلق بمحذوف على انه حال من نزلا والنزل المنزل وما هيئ للضيف النازل اى كانت جنات الفردوس منازل مهيأة لهم او ثمار جنات الفردوس نزلا او جعلت نفس الجنات نزلا مبالغة فى اكرام. وفيه ايذان بانها عند ما اعدها اللّه لهم على ما جرى على السان النبوة من قوله ( اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) بمنزلة النزل بالنسبة الى الضيافة. قال الكاشفى هى دولة اللقاء : قال الحافظ نعت فردوس زاهد روماراروى دوست ... قيمت هركس بقدر همت والاى اوست وفى المثنوى هشت جنت فت دوزخ بيش من ... هست بيدا همجوبت بيش شمن ومن هنا قال ابو يزيد البشطامى قدس سره لو عذبنى اللّه يوم القيامة لشغلنى بالجنة ونعيمها فلا جنة اعلى من جنة اللقاء والوصال ولا نار اشد من نار الهجران والفراق روزشب غصه وخون ميخورم وجون نخورم ... جون زديدار تو دورم بجه باشم دلشاد ١٠٨ { خالدين فيها } حال مقدرة اى مقدرين الخلود فى تلك الجنات { لا يبغون عنها حولا } مصدر كالصغر والجملة حال من صاحب خالدين اى لا يطلبون تحولا وانتقالا عنها الى غيرها كما ينتقل الرجل من دار اذا لم توافقه الى دار اذ لا مزيد عليها وفيها كل المطالب. قال الامام وهذا الوصف يدل على غايه الكمال لان الانسان فى الدنيا اذا وصل الى أى درجة كانت فى السعادة فهو طامح الطرف الى ما هو اعلى منها ويجوز ان يراد نفى التحول وتأكيد الخلود كما فى تفسير الشيخ وهذا كناية عن التخليد وقال المراد بالفردوس ربوه خضراء فى الجنة اعلاها واحسنها يقال لها سرة الجنة وفى الحديث ( الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض الفردوس اعلاها فيها تتفجر الانهار الاربعة وفوقها عرش الرحمن فاذا سألتم اللّه فاسألوا الفردوس ) وفى الحديث ( جنات الفردوس اربع جنات من فضة آنيتهما وما فيهما فضة وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ذهب ) [ ودرتبيان آورده كه خدى تعالى فردوس را بيدقدرت خود آفريده وبمقدار هر روز از روزهاى دنيا بنجاه كرت بدو نظر كرده وميفر ما يدكه ( ازدادى طيبا وحسنالاوليائى ) فزون ساز حسن جمال وتازه كى وباكى خودرا براى دوستان من ] وفى بعض الروايات ( يفتحها كل يوم خمس مرات ) يقول الفقير التوفيق بين الروايتين ان الاولى من مقام التفصيل والثانية من مقام الاجمال اذا المقصود ازدياد حسنها وطيبها كلما ادى الصلوات الخمس وهى فى الاصل خمسون صلاة كما سبق فى بحث المعراج وفى الحديث ( ان اللّه غرس الفردوس بيده ثم قال وعزتى وجلالى لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث ) قيل ما الديوث يا رسول اللّه قال ( الذى يرضى الفواحش لاهله ) كما فى تفسير الحدادى. وقال فى بحر العلوم قال عليه السلام ( ان اللّه كبس عرصة جنة الفردوس بيده ثم بناها لبنة من ذهب مصفى ولبنة من مسك مذرى وغرس فيها من طيب الفاكهة وطيب الريحان وفجر فيها انهارها ثم اوفى ربنا على العرش فنظر اليها فقال وعزتى لا يدخلك مدمن خمر ولا مصر على زنى ) يقول الفقير . ان قلت فعلى ما ذكر من اوصاف الفردوس يكون مقام المقربين فكيف يترتب جزاء الخاصة على العامة. قلت يؤول العنوان بمن جمع بين الايمان والعمل على وجه لكمال وهو بان آمن ايمانا عيانيا بعدما آمن برهانيا وعمل باخلاص الباطن وشرائط الظاهر على وفق الشريعة وقانون الطريقة فيدخل فيه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر على ما فسر كعب فان الدلالة على الخير والمنع من الشر من فواضل الاعمال وخواص الرجال. ويدل على ما ذكرنا ما قبل الآية من قوله تعالى فى حق الكفار { اولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه } فان المراد بيان المؤمنين المتصفين باضداد ما اتصفوا به والايمان باللقاء اى الرؤية والمشهود بعد الايمان بالآيات والشاهد وهو بالترقى من العلم والغيب والآثار الى العين والشهادة والانواع ويدل عليه ما بعد الآية ايضا من قوله تعالى { فمن كان يرجو } الى آخره فافهم وهكذا لاح بالبال واللّه بحقيقة الحال نسأل اللّه الفردوس بل وتجلى جماله والاحتظاظ بكاسات وصاله : قال الحافظ كداى كوى تو ازهشت خلد مستغنيست ... اسير عشق تو ازهردو كون آزادست ١٠٩ { قل لوكان البحر } [ بكوا كرباشد درياى محيط كه شامل ارضست ] كذا فى تفسير الكاشفى . وقال غيره يريد الجنس يعنى لو كان ماء جنس البحر { مدادا } نقسا وحبرا والثلاثة بمعنى ما يكتب به نزلت حين قال حييى بن اخطب فى كتابكم { ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا } ثم تقرأون { وما اوتيتم من العلم الا قليلا } كأنه يشير الى ان التوراة خير كثير فكيف يخاطب اهلها بهذا الخطاب يعنى ان ذلك خير كثير بالنسبة الينا ولكنه قطرة من بحر كلمات الله علمها از بحر علمش قطره ... اين جوخورشيدست وآنها ذره كر كسى درعلم صد لقمان بود ... بيش علم كاملش نادان بود لانه لو كان ماء البحر مدادا { لكلمات ربى } لكلمات علمه وحكمته يعنى لمعلوماته وحكمه فتكتب من ماء البحر كما تكتب من المداد والحبر. قال فى تفسير الجلالين { لكلمات ربى } اى لكتابتها وهى حكمه وعجائبه والكلمات هى العبارات عنها انتهى { لنفذ البحر } يعنى ماء جنس البحر باسره مع كثرته ولم يبق فيه شئ لان كل جسم متناه { قبل ان تنفد كلمات ربى } اى من غير ان تفنى معلوماته وحكمه فانها غير متناهية لا تنفد كعلمه فلا دلالة للكلام على نفادها بعد نفاد البحر وانما اختار جمع القلة على الكنزة وهى الكلم تنبيها على ان ذلك لا يقابل بالقليل فكيف بالكثر كما فى بحر العلوم. وقال ابو القاسم الفزارى فى الاسئلة المقحمة ما معنى قوله كلمات ربى فذكر بلفظ الجمع وكلمته واحدة صفة له واجواب قيل معانى كلمات ربى فلا نهاية لها لان متعلقات الصفات القديمة غير متناهية والفلاسفة يحملون كل كلمة جاءت فى القرآن على الروح ويقولون بان الروح الانسانية قديمة منه بدت واليه تعود . ورأيت فى كلمات بعض المعاصرين الذين يدعون التحقيق فى الكلام ويحومون حول هذا الحمى اظهارا من نفوسهم التفطن فى الشطح ولكن تارة يعرض بها وتارة بصرح بذلك واياكم ثم اياكم والاغترار بها فانها من اوائل حكم الفلسفة واوائل . العلوم مسوقة ولكنها عند البحث فلما تعود بطائل يتروج وهو مطرى ويهجر وهو منشور انتهى { ولو جئنا بمثله } بمثل البحرالموجود يعنى بمائة . وقال الكاشفى [ واكرنيز بياريم مثل درياى محيط ] { مدادا } تمييزا اى زيادة ومعونة اى لنفد ايضا والكلمات غير نافدة لعدم تناهيها فحذف جزاء الثانى لدلالة الاول عليه ويجوز ان يكون التقدير ولو جئنا بمثله مددا والبحر يمده من بعده سبعة ابحر { ما نفدت كلمات اللّه } ولانه يدل به على تحقق نفاد البحر وعدم تحقق نفاد الكلمات صريحا فيكفى مؤنة كثيرة من الكلام كما فى بحر العلوم. قال فى الارشاد قوله { ولو جئنا } كلام من جهته تعالى غير داخل فى الكلام الملقن يجئ به لتحقيق مضمونه وتصديق مدلوله والواو لعطف الجملة على نظيرتها اى لنفد البحر من غير نفاد كلماته تعالى لو لم يجئ بمثله مددا ولو جئنا بقدرتنا القاهرة بمثله عونا وزيادة لان مجموع المتناهين متناه بل مجموع ما يدخل تحت الوجود من الاجسام لا يكون الا متناهيا لقيام الادلة القاطعة على تناهى الابعاد. قال الامام قولنا اللّه تعالى قادرا على مقدورات غير متناهية مع قولنا ان حدوث ما لا نهاية له محال معناه ان قادرية اللّه تعالى لا تنتهى الى حد الا ويصح منه الايجاد بعد ذلك انتهى اى فلا يلزم منه عدم تناهى الممكنات. قال شيخى وسندى قدس اللّه سره فى بعض تحريراته قوله كلما علمه وحكمته الظاهر ان المراد الكلمات التى يعبر بها عن معلومات اللّه تعالى وما يتعلق به حكمته فكلمة قبل على المجاز عن نفاد البحر دون ان يكون لها تحقق النفاد اى ينفد البحر ولا يتحقق لكلمات الرب نفاد . فان قلت انما يتم ما ذكرتم اذا كانت الكلمات هى المعلومات المحكومة والمقدورة كالممكنات والممتنعات فكيف يتم ما ذكرتم اذ كل منهما مما ينفد ويتناهى فههنا اشكال لانه ان قيل انهما ليسا من المعلومات فيلزم انهما من غير المعلومات فيلزم على البارى تعالى ما هو المحال والمفقود فى حقه الاعلى من الجهل والغفلة فهو غير متصور فى شأنه العلى. قلنا ان البحر اذا كان مدادا وكانت كل قطرة منه قد عينت لان يكتب بها نفسها باعتبار كونها من الكلمات والملعومات ينفد بكتابة نفسه وقطراته ولا يبقى منه شئ يكتب به ما عداه من الكلمات ولو جيئ بمثله مددا لان جميع المتناهى مثناه فضلا عن نفاد الكلمات وتناهى المعلومات فانها غير متناهية لا تنفد او قلنا او المراد مطلق الملعومات العام الشامل لكل ما يتعلق به علمه سواء كان ذات البارى تعالى وصفاته العليا واسماءه الحسنى او غيره من الموجودات الممكنة والمعدومات الممتنعة فحينئذ يتم ما ذكرنا وان كان يرى فى صورة ما لا يتم ولا يصح باعتبار ان يكون من المعلومات ماله تناه ونفاد من الممكنات والممتنعات ثم ان فى اطلاق الكلمات على بعض ما يتعلق به علمه تعالى ما ليس فى اطلاق المعلومات عليه من الاشكال والخفاء كذات البارى تعالى وصفاته مع انهما من المعلومات المعبر عنها بالكلمات بالمحكومات او بالمقدورات اولى منه بالمعلومات اذ فى اضافة الكلمات الى الرب اشعار به واشارة اليه وتسمية الممكنات بالكلمات من تسمية المسبب باسم السبب لانها انما تكونت بكلمة كن كما قال تعالى { انما امره اذا اراد } الآية ومحصل الكلام ان نفاد البحر وقوعا او فرضا امر ذاتى غير معلل مطلقا كان مدادا ام لا فان كل جسم متناه ونافد قطعا وعدم نفاد كلمات الرب لا وقوعا ولا فرضا امر ذاتى غير معلل مطلقا كان مدادا ام لا فان كل جسم متناه ونافذد قطعا وعدم نفاد كلمات الرب لا وقوعا ولا فرضا امرا صلى غير معلل ازلا فانها غير متناهية ابدا ولا نافذة سرمدا انتهى كلام حضرة الشيخ روح اللّه روحه. ١١٠ { قل ن بشر مثلكم } قل يا محمد ما انا الا آدمى مثلكم فى الصورة ومساويكم فى بعض الصفات البشرية { يوحى الى } من ربى { انما الهكم اله واحد } ما هو الا متفرد فى الالوهية لا نظير له فى ذاته ولا شريك له فى صفاته يعنى انا معترف ببشرينى ولكن اللّه منّ علىّ من بينكم بالنبوة والرصالة. وفى التأويلات النجمية يثير الى ان بنى آدم فى البشرية واستعداد الانسانية سواء النبى والولى والمؤمن والكافر والفرق بينهم بفضيلة الايمان والولاية والنبوة والوحى والمعرفة بان اله العالمين اله واحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد انتهى كما قال الشيخ سعدى ره راست بايد نه بالاى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جوماست { فمن كان يرجو } شرط جزاؤه فليعمل . والمعنى بالفارسية [ بس هركه اميد ميدارد ] { لقاء ربه }. قال فى الارشاد كان للاستمرار ولرجاء توقع وصول الخبر فى المستقبل والمرد بلقائه كرامته اى فمن استمره على رجاء كرامته تعالى. وقال المام اصحابنا حملوا لقاء الرب على رؤيته والمعتزلة على لقاء ثوابه يقال لقيه كرضيه رآء كما فى القاموس { فليعمل } لتحصل ذلك المطلوب العزيز { عملا صالحا } [ كارى شايسته يعنى بسنديده خدى ]. قال الانطاكى من خلف المقام بين ايديى اللّه فليعمل عمل يصلح للعرض عليه والرجاء يكون بمعنى الخوف والامل كما فى البغوى. وقال ذو النون العمل الصالح هو الخالص من الرياء . وقال ابو عبد اللّه القرشى العمل الصالح الذى ليس للنفس اليه التفات ولا به طلب ثواب وجزاء. وقال فى التأويلات النجمية العمل الصالح متابعة النبى عليه السلام وانتأسى بسنته ظاهرا وباطنه فاما سنة باطنه فالتبتل الى اللّه وقطع النظر عما سواه [ يعنى ديده همت ازماسوى بربستن وجز بشهود حضرت مولى ناكشودن ] كما قال اللّه تعالى { ما زاع البصر وما طغى } روى ازهمه برتافتم وسوى توكردم جشم ازهمه بربستم وديدار توديدم { ولا يشرك بعبادة ربه احدا } [ شريط نيارد وانباز نسازد بيستش بروردكار خود يكى را ]. قال ابو البقاء اى فى عباده ربه ويجوز ان يكون على بابه اى بسبب عبادة ربه انتهى. وفى الارشاد اشراكا جليا كما فعله الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه ولا اشراكا خفيا كما يفعله اهل الرياء ومن يطلب به اجرا انتهى. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما لم يقل ولا شرك به لانه اراد العمل الذى يعمله ويحب ان يحمد عليه. وعن الحسن هذا فيمن اشرك بعمل ييد اللّه به والناس على ما روى ان جندب بن زهير رضى اللّه عنه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انى لاعمل العمل لله فاذا اطلع عليه احد سترنى فقال ( ان اللّه لا يقبل ما شورك فيه ) فنزلت تصديقا له عليه السلام وروى انه قال له ( لك اجرانه اجرا السر واجر العلانية ) وهذا على حسب النية فاذا سره ظهوره ليقتدى به كما هو شأن الكاملين المخلصين المعرضين عما سوى اللّه او تنتفى عنه التهمة اذ كان ذلك من الواجبات فله اجران فاما اذا اراد به مجرد مدح الناس وانتشار الصيت ولاذكر فهو محض الرياء والشرك فيخفى المقتدى احترازا عن افساد العمل. وعن عبد اللّه بن غالب انه كان اذا اصبح يقول رزقنى اللّه البارحة خيرا قرأت كذا وصليت كذا فاذا قيل له يا ابا فراس أمثلك يقول مثل هذا يقول قال اللّه تعالى { واما بنعمة ربك فحده } وانتم تقولون لا تحدث بنعمة اللّه وانما يجوز مثله اذا قصد به اللطف وان يقتدى به غيره وامن على نفسه الفتنة والستر اولى ولو لم يكن فيه الا التشبه باهل الرياء والسمعة لكفى كذا فى الكشاف فى سورة الضحى . والآية جامعة لخلاصتى العلم والعمل وهما لتوحيد والاخلاص فى العمل : قال الشيخ سعدى قدس سره عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغز بوست جه زنار مع درميانت جه دلق ... كه دربوشى ازبهر بندار خلق بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش باخدا درتوانى فروخت قال فى بحر العلوم ان قلت ما معنى الرياء قلت العمل لغير اللّه بدليل قوله عليه السلام ( ان اخوف ما اخاف على امتى الاشراك باللّه اما انى لا اقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا شجرا ولا وثنا ولكن اعمالا لغير اللّه تعالى ) قال فى الاشباه ولا يدخل الرياء فى الصوم انتهى هذا اذا لم يجوّع نفسه اظهارا لاثره فى وجه او لم يقل ولم يعرض به كما لا يخفى على ما روى عن عبادة بن الصامت رضى اللّه عنه قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول ( من صلى صلاة يرائى بها فقد اشرك ومن صام صوما يرائى به فقد اشرك ) وقرأ { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية كما فى الحدادى وقس عليه التصدق والحج وسائر وجوه البر مرايى هركس معبود سازد ... مرايى را ازان كفتند مشرك وفى الحديث ( انما حرم اللّه الجنة لى كل مرائى ) ليس البر فى حسن اللباس والزى ولكن البر المسكنة والوقار كراجامه باكست وسيرت بليد ... در دوزخش را نبايد كليد بنزديك من شب رو راهزن ... به ازفاسق بارسا بيرهن وفى الحديث ( اذا جمع اللّه الاولين والآخرين ليوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان اشرك فى عمل عمله اللّه احدا فليطلب ثواب عمله من عند غير اللّه فان اللّه اغنى الشركاء عن الشرك ) زعمرو اى بسرجشم اجرت مدار ... جو درخانه زيد باشى بكار وفى الحديث ( ان فى جهنم واديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادى فى كل يوم مائة مرة اعد ذلك للمرائين ) وفى الحديث ( اتقوا الشرك الاصغر ) قيل وما الشرك الاصغر قال ( الريا ) وفى الحديث ( ان اخوف ما اخاف على امتى الشرك الخفى فاياكم وشرك السرائر فان الشرك اخفى من دبيب النمل على الصفا فى الليلة الظلماء ) فشق على الناس فقال عليه السلام ( أفلا ادلكم على ما يذهب صغير الشرك وكبير قولوا اللهم انى اعوذ بك من ان اشرك بك شيأ وانا اعلم واستغفرك لما لا اعلم ) كذا فى عين المعنى - حكى - ان بعض الخلفاء اراد ان يتطهر فعدا غلمانه ليصبوا عليه الماء فصدهم عن ذلك وتلا هذه الآية واظنه المرتضى على ابن ابى طالب رضى اللّه عنه كذا فى الاسئلة المقحمة لابى القاسم الفزارى. يقول الفقير كان المرتضى رضى اللّه عنه عمم الاشراك الى الرياء والاستعانة فى الوضوء ونحه نظرا الى ظاهر النظم وذلك زيادة فى التقوى ونظيره ان الشاعى اوجب الوضوء من لمس المرأة باليد ونحوها نظرا الى اطلاق قوله تعالى { او لامستم النساء } وهو عمل بالعزيمة كما لا يخفى. وعن ابى الدرداء رضى اللّه عنه قال قال عليه السلام ( من حفظ عشرا آيات من اول سورة الكهف عصم من الدجال ) رواه مسلم قال ابن ملك اللام فيه للعهد ويجوز ان تكون للجنس لان الدجال من يكثر منه الكذب والتلبيس وقد جاء فى الحديث ( يكون فى آخر الزمان دجالون ) فاهل الاهواء والبدع دجاجلة زمانهم والسر فى العصمة منه ان هذه الآيات الشعر مشتملة على قصة اصحاب الكهف وهم لما التجأوا الى اللّه تعالى من شر دقيانوس الكافر انجاهم اللّه منه فالمرجو منه تعالى ان يحفظ قارئها من الدجال وثبته على الدين القويم . وفى رواية للنسائى ( من قرأ العشر الاواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ) وعن ابى سعيد الخدرى رضى اللّه عنه قال قال عليه السلام ( من قرأ الكهف كما انزلت كانت له نورا يوم القيامة من مقامه الى مكة ومن قرأ عش آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه ) رواه الحاكم. وعن ابن عمر رضى اللّه عنهما قال قال عليه السلام ( من قرأ سورة الكهف فى يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدميه الى عنان السماء يضيئ له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين ) وعن ابى سعيد ( قال من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة اضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق ) رواه الدارمى فى مسند موقوفا على ابى سعيد كذا فى الترغيب والترهيب للامام المنذرى. وفى تفسير التبيان روى عبد اللّه بن فردة رضى اللّه عنه قال قال عليه السلام ( ألا ادلكم على سورة شيعها سبعون الف ملك حين نزلت ملأ عظمها ما بين السماء والارض لتاليها مثل ذلك ) قالوا بلى يا رسول اللّه قال ( سورة الكهف من قرأها يوم الجمعة غفر له الى يوم الجمعة الاخرى وزيادة ثلاثة ايام واعطى نورا يبلغ السماء وفى فتنة الدجال ) وفى تفسير الحدادى عن ابى بن كعب رضى اللّه عنه قال قال عليه السلام ( من قرأ سورة الكهف فهو معصوم على ثمانية ايام من كل فتنة تكون فيها من قرأ الآية التى فى آخرها حين يأخذ مضجعه كان له نورا يتلألأ الى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم من مضجعه وان كان مضجعه بمكة ) فتلاها كان له نورا يتلألأ من مضجعه الى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه ويستغفرون له حتى يستيقظ. وفى تفسير البيضاوى عن النبى عليه السلام ( من قرأ عند مضجعه قل انما انا بشر مثلكم كان له نور فى مضجعه يتلألأ الى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستقيط ). وفى فتح القريب من قرأ عند اراد النوم { ان الذين آمنوا وعلموا الصالحات } الخ ثم قال اللهم ايقظنى فى احب الاوقات اليك واستعملنى باحب الاعمال اليك فانه سبحانه يوقظه ويكتبه من قوام الليل. وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما اذا اردت ان تقوم ايه ساعة شئت من الليل فاقرأ اذا اخذت مضجعك { قل لو كان البحر مدادا } الآية فان اللّه يوقظك متى شئت من الليل . وتكلموا فى القراءة فى الفراش مضطجعا. قال فى الفتاوى الحمدية لا بأس للمضطجع بقراءة القرآن انتهى . والاولى ان لا يقرأ وهو اقرب الى التعظيم كما فى شرح الشرعة ليحيى الفقيه. وعن ظهير الدين المرغنانى لا بأس للمضطجع بالقراءة مضطجعا اذا اخرج رأسه من اللحاف لانه يكون كاللبس والا فلا نقله قاضى خان. وفى المحيط لا بأس بالقراءة اذا وضع جنبيه على الارض لكن يضم رجليه الى نفسه انتهى. نسأل اللّه تعالى ان يوقظنا من الغفلة قبل انقضاء الاعمار ويؤنسنا بالقرآن آناء الليل واطراف النهار تمت سورة الكهف والحمد لله تعالى يوم الاثنين الثالث والشعرين. من شهر رمضان من نسة خمس ومائة والف. |
﴿ ٠ ﴾