سُورَةُ مَرْيَمَ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانٍ وَتِسْعُونَ آيَةً

١

{ كهيعص } اسم للسورة ومحله ارفع على انه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هذا كهيعص الى مسمى به وانما صحت الاشارة اليه مع عدم جريان ذكره لانه باعتبار كونه على جناح الذكر صار فى حكم الحاضر المشاهد كما يقال هذا ما اشترى فلان كما فى الارشاد.

وقال فى تفسر الشيخ قسم اقسم باللّه تعالى او هى اسم من اسمائه الحسنى ويدل عليه ما قرأوا فى بعض الادعية من قولهم يا كهيعص يا حمعق اوانه مركب من حروف يشير كل منها الى صفة من صفاته العظمى . فالكاف من كريم وكبير . والهاء من هاد . والياء من رحيم . والعين من عليم وعظيم . والصاد من الصادق او معناه هو تعالى كاف لخلقه هاد لعباده يده فوق ايديهم عالم ببريته صادق فى وعده.

قال الكاشفى [ درمواهب صوفيان از مواهب الهى كه برحضرت شيخ ركن الدين علاء الدوله سمنانى قدس سره فرود آمده مذكوراست كه حضرت رسالت را صلّى اللّه عليه وسلّم سه صورتست يكى بشرى كقوله تعالى

{ انما انا بشر مثلكم } دوم ملكى نانكه فرموده است ( لست كاحد ابيت عند ربى ) سيوم حقى كما قال ( لى مع اللّه وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل ) وازين روشنتر ( من رآنى فقد رأى الحق ) وحق سبحانه را يا او درهر صورتى سخن بعبارتى ديكر واقع شده است درصورت بشرى كلمات مركبه جون

{ قل هو اللّه احد } ودرصورت ملكى حروف مفرده مانند

{ كهيعص } واخواته ودرصورت حقى كلامى مبهم كه

{ فاوحى الى عبده ما اوحى } درتنكناى حرف نكنجد بيان ذوق زان سوى حرف ونقطعه حكايات ديكرست

وفى التأويلات النجمية فى سورة البقرة يحتمل ان يكون

{ الم } وسائر الحروف المقطعة من قبيل المواضعات والمعميات بالحروف بين المحبين لا يطلع عليها غيرهم وقد واضعها اللّه تعالى مع نبيه عليه السلام فى وقت لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل ليتكلم بها معه على لسان جبريل باسرار وحقائق لا يطلع عليها جبريل ولا غيره . يدل على هذا ما روى فى الاخبار ان جبريل عليه السلام نزل بقوله تعالى

{ كهيعص } فلما قال كاف قال النبى عليه السلام ( علمت ) فقال ها فقال ( علمت ) فقال يا فقال ( علمت فقال عين فقال ) علمت ( فقال صاد فقال ) علمت فقال جبريل كيف علمت ما لم اعلم.

وفى اسئلة الحكم علوم القرآن ثلاثة

علم لم يطلع اللّه عله احدا من خلقه وهو ما استتأثر به من علوم اسرار كتابه من معرفة كنه ذاته ومعرفة حقائق اسمائه وصفاته وتفصاسيل علوم غيوبه التى لا يعلمها الا هو وهذا لا يجوز لاحد الكلام فيه بوجه من الوجوه اجماعا .

العلم الثانى ما اطلع عليه نبيه من اسرار الكتاب واختصه به وهذا لا يجوز الكلام فيه الاله عليه السلام او لمن اذن له واوآئل السور من هذا القسم

وقيل من القسم الاول .

العلم الثالث علوم علمها اللّه نبيه مم اودع كتابه من المعانى الجليلة والخفية وامره بتعليمها.

٢

{ ذكر } اى هذا المتلو ذكر

{ رحمة ربك } ذكر مضاف الى مفعوله

{ عبده } مفعول رحمة

{ زكريا } بدل منه وهو زكريا يمد ويقصر ابن آزر.

قال الكاشفى [ واو ازاولاد رجعيم بن سليمان بن داود عليهم السلام بوده بيغمبر عاليشان ومهتر احبار بيت المقدس وصاحب قربان ].

قال الامام زكريا من ولد هارون اخى موسى وهما من ولد لاوى بن يعقوب بن اسحاق.

٣

{ اذ نادى ربه نداء خفيا } ظرف لرحمة ربك . والمعنى بالفارسية [ جون ندا كرد وبخواند بروردكار خودرا درمحراب بيت المقدس بعد ازتقريب قربان وخواندن بنهان ] ولقد راعى عليه السلام حسن الادب فى دعائه فانه مع كونه بالنسبة اليه تعالى كالجهر ادخل فى الاخلاص وابعد من الرياء واقرب الى الخلاص من غائلة مواليه الذين كان يخافهم فانه اذا اخفى لم يطلعوا عليه ومن لوم الناس على طلب الولد لتوقفه على مبادى لا يليق به تعاطيها وقت الكبر والشيخوخة وكان سنه وقتئذ تسعا وتسعين على ما اختاره الكاشفى.

فان قلت شرط النداء الجهر فيكف يكون خفيا . قلت دعا فى الصلاة فاخفاه.

يقول الفقير النداء وان كان بمعنى الصوت لكن الصوت قد يتصف بالضعف ويقال صوت خفى وهو الهمس فكذا النداء وقد صح عن الفقهاء ان بعض المخافتة يعد من ادنى مراتب الجهر وتفصيله فى تفسير الفاتحة للفنارى.

ولى فيه وجه خفى لاح عند المطالعة وهو ان النداء الخفى عند الخواص كالذكر الخفى هو ما خفى عن الحفظة فضلا عن الناس لا يخفض به الصوت الانبياء ومن له بهم اسوة حسنة من كمل الاولياء.

٤

{ قال } استئناف وقع بيانا للنداء

{ رب } [ اى بروردكار من ]

{ انى وهن العظم منى } الوهن الضعف وانما اسنده الى العظم وهو بالفارسية [ استخوان ] لانه عماد بيت البدن فاذا اصابه الضعف مع صلابته وقلة تأثره من العلل اصاب سائر الاجزاء.

قال قتادة اشتكى سقوط الاضراس كما فى البغوى وافراده للقصد الى جنس المنبئ عن شمول الوهن لكل فرد من افراده ولو جمع لخرج بعض العظام عن الوهن . و منى متعلق بمحذوف وهو حال من العظم وهو تفصيل بعد الاجمال لزيادة التقرير لان العظم من حيث انه يصدق على عظمه يفيد نسبته اليه اجمالا.

{ واشتغل الرأس } منى حذف اكتفاه بما سبق

{ شيبا } شبه الشيب فى بياضه وانارته بشواظ النار وانتشاره فى الشعر ومنبته مبالغة واشعارا لشمول الشيب جملة الرأس حتى لم يبق من السواد شئ وجعل الشيب تمييز ايضاحا للمقصود والاصل اشتعل شيب رأسى فوزانه بالنسبة الى الاصل وزان اشتعل بيته نارا بالنسبة الى اشتعل النار فى بيته : قال الشيخ سعدى

جوشيبت درآمد بروى شباب ... شبت روزشد ديده بركن زخواب

من آن روز ازخود بربدم اميد ... كه افتادم اندر سياهى سفيد

جودوران عمر از جهل دركذشت ... مزن دست وباكآب ازسر كذشت

دريغاكه بكذشت عمر عزيز ... بخواهد كذشت اين دمى جندنيز

{ ولم اكن بدعائك رب شقيا } ولم اكن بدعائى اياك خائبا فى وقت من اوقات هذا العمر الطويل بل كما دعوتك استجبت لى وهذا توسل منه بما سلف من الاستجابة عند كل دعوة انر تمهيد ما يستدعى الرحمة ويستجلب الرأفة من كبر السن وضعف الحال فانه تعالى بعدما عوّد عبده بالاجابة دهرا طويلا لا يخيبه ابدا لا سيما عند اضطرار وشدة افتقار - روى - ان محتاجا قال لبعضهم انا الذى احسنت الى وقت كذا قال مرحبا بمن توسل بنا الينا وقضى حاجته ووجهه ان الرد بعد القبول يحبط الانعام الاول والمنعم لا يسعى فيه وكأنه يقول مارددتنى حين ما كنت قوى القلب والبدن غير متعود بلطفك فلو رددتنى الآن بعدما عوتنى القبول مع نهاية ضعفى لتضاعف الم قلبى وهلكته يقال سعد يحاجته اذا ظفر بها وشقى بها اذا خاب كذا فى تفسير الامام ثم بين ان ما يريده منتفع به فى الدين فقال

٥

{ وانى خفت الموالى من ورائى } اى بعد موتى فلا بدلى من الخلف وهو متعلق بمحذوف ينساق اليه الذهن اى جور الموالى لا بخفت لفساد المعنى والجملة عطف على قوله انى وهن مترتب مضمونه على مضمونها فان ضعف القوى وكبر السن من مبادى خوفه من يلى امره بعد موته ومواليه بنوا عمه وكانوا شرار بنى اسرائيل فحاف ان لا يحسنوا خلافته فى امته ويبدلوا عليهم دينهم.

قال فى القاموس المولى المالك والعبد والمعتق والمعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والابن والعم والنزيل والشريك وابن الاخت والولى والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر انتهى

{ وكانت امرأتى } هى ايشاع بنت فاقوذ بن فيل وهى اخت حنة بنت فاقوذ.

قال الطبرى وحنة هى ام مريم . وقال القتيبى امرأة زكريا هى ايشاع بنت عمران فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى على الحقيقة وعلى لاقول الآخر يكون ابن خالة امه وفى حديث الاسراء ( فلقيت ابنى الخالة يحيى وعيسى ) وهذا شاهد للقول الاول قاله المام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام

{ عاقرا } اى لا تلد من حين شبابها فان الاقر من الرجال والنساء من لا يولد له ولد وكان سنها حينئذ ثمانى وتسعين على ما اختاره الكاشفى

{ فهب } [ بس بيخش ]

{ لى من لدنك } كلا الجارين متعلق بهب لاختلاف معنييهما فاللام صلة له ومن لابتداء الغاية مجاز ولدن فى الاصل ظرف بمعنى اول غاية زمان او مكان او غيرهما من الذوات اى اعطنى من محض فضلك الواسع وقدرتك بطريق الاختراع لا بواسطة الاسباب العادية فانى وامرآتى لا نصلح للولادة

{ وليا } ولدا من صلبى يلى امر الدين بعدى كما قال

٦

{ يرثنى } صفة لوليا اى يرثنى من حيث العلم والدين والنبوة فان الانبياء لا يورثون المال كما قال عليه السلام ( نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة )

فان قلت وقد وصف اولى بالوراثة ولم يستجب له فى ذلك فان يحيى خرج من الدنيا قبل زكريا على ما هوالمشهور . قلت الانبياء وان كانوا مستجابى الدعوة لكنهم ليسوا كذلك فى جميع الدعوات حسبما تقتضيه المشيئة الالهية المبنية على الحكم البالغة ألا يرى الى دعوة ابراهيم عليه السلام فى حق ابيه والى دعوة النبى عليه السلام حيث قال ( وسألته ان لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعتها ) وقد كان من قضائه تعالى ان يهبه يحيى نبيا مرضا ولا يرثه فاستجيب دعاؤه فى الاول دون الثانى

{ ويرث من آل يعقوب } ابن اسحاق ابن ابراهيم الملك يقال ورثه وورث منه لغتان . وآل الرجل خاصة الذين يؤول اليه امرهم للقرابة او الصحبة او الموافقة فى الدين.

وقال الكلبى ومقاتل هو يعقوب بن ماثان اخو عمرن ابن ماثان من نسل سليمان عليه السلام ابو مريم وكان آل يعقوب اخوال يحيى بن زكريا.

قال الكلبى كان بوا ماثان رؤس بنى اسرائيل وملوكهم وكان زكريا رئيس الاحبار يومئذ فاراد ان يرث ولده حبورته ويرث من بنى ماثان ملكهم

{ وجعله } اى الولد الموهوب

{ رب رضيا } مرضيا عندك قولا وفعلا وتوسيط رب بين مفعولى الجعل كتوسيطه بين كان وخبرها فيما سبق لتحريك سلسلة الاجابة بالمبالغة فى التضرع ولذلك قيل اذا اراد العبد ان يستجاب له دعاؤه فليدع اللّه بما يناسبه من اسمائه وصفاته.

واعلم ان اللّه تعالى لا يمكن العبد من الدعاء الا لاجابته كلا او بعضا كما وقع لزكريا.

هم زاول تو دهى ميل دعا ... تو دهى آخر دعاهارا جزا

ترس وعشق توكمند لطف ماست ... زير هر يا رب تو لبيكهاست

وفى الحديث ( من فتح له باب الدعاء فتحت له ابواب الرحمة ) وذلك لان فى الدعاء اظهار الذلة والافتقار وليس شئ احب الى اللّه من هذا الاظهار ولذا قال ابو يزيد البسطامى قدس سره كابدت العبادة ثلاثين سنة فرأيت قائلا يقول لى يا ابا يزيد خزائنه مملوءة من العبادات ان اردت الوصول اليه فعليك بالذلة والافتقار ولذا قال عند دخوله عالم الحقيقة

جارجيز آورده ام شاها كه در كنج تونيسث ... نيستى واجت وعجز ونياز آورده ام

وعن بعض اهل المعرفة نعم السلاح الدعاء ونعم المطية الوفاء ونعم الشفيع البكاء كما فى خالصة الحقائق.

ثم ان الدعاء اما للدين او للدنيا والاول مطمح نظر الكمل ألا ترى ان زكريا طلب من اللّه ان يكون من ذريته من يرث العلم الذى هو خير من ميراث المال لان نظام العالم فى العلم والعمل والصلاح والتقوى والعدل والانصاف وفيه اشارة الى انه لا بد للكامل من مرآة يظهر فيها كمالاته ألا ترى ان لله تعالى خلق اعوالم وبث فيها اسماء الحسنى وجعل الانسان الكامل فى كل عصر مجلى انواره ومظهر اسراره فمن اراد الوصول الى اللّه تعالى فليصل الى الانسان الكامل فعليك بطلب خير الاول ليحيى به ذكرك الى يوم التناد ومن اللّه رب العابد الفيض والامداد والتوفيق لا سباب الوصول الى المراد.

٧

{ يا زكريا } على ارادة القول اى قال تعالى على لسان الملك يا زكريا كما قال فى سورة آل عمران

{ فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب ان اللّه بسرك بيحيى } { انا نبشرك } [ ما بشارت ميدهيم ترا ] والبشارة بكسر الباء الاخبار بما يظهر سرورا فى المخبر

{ بلغم اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا } [ همنام ] اى شريكا له فى الاسم حيث لم يسم احد قبله بيحيى وهو شاهد بانالتسمية بالاسامى الغريبة تنويه للمسمى واياها كانت العرب تعنى لكونها انبه وانوه وانزه عن النبز [ در زاد المسير فرموده كه وجه فضيلت نه ازان رويست كه بيش ازو كسى مسمى بدين اسم نبوده جه بسيار آدمى بدين وجه يافت شودكه بيش ازو مسمىنبوده باشد بس فضيلت آنستكه حق سبحانه وتعالى بخود تولى تسميه او نموده به يدر ومادر حواله نكرد ] كما ان زينت ام المؤمنين رضى اللّه عنهما زوجها اللّه بالذات حبيبه عليه السلام حيث قال

{ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } ولذا كانت تفتخر بهذا على سائر الازواج المطهر [ وامام ثعلبى آورده كه ذكر قبل ازان فرمودكه بعد ازوا كسى ظهور خواهد كردكه اورا بجندبن اسم خاص اختصاص دهد واسم سامئ اورا ازنام همايون فرجام خود مشتق سازد ] كما قال حسان رضى اللّه عنه

وشق له مناسمه ليجله ... فذو الغرش محمود وهذا محمد

اى خواجه كه اقبت كارامتست ... محمود ازان شدست كه نامت محداست

والاظهر ان يحيى اسم اعجمى وان كان عربيا فهو منقول عن الفعل كيعمر ويعيش.

قيل سمى به لانه حييى به رحم امه اوحى دين اللّه بدعوته اوي بالعلم والحكمة التى اوتيها . وفيه اشارة الى ان من لم يحيه اللّه بنوره وعلمه فهو ميت اوحى به ذكر زكرياكما ان آدم حيى ذكره بشيث ونوحا حيى ذكره بسام وكذا الانبياء الباقون ولكن ما جمع اللّه لاحد من الانبياء فى ولده قبل ولادة يحيى بين الاسم العلم الواقع منه تعالى وبين الصفة الحاصلة فى ذلك النبى الا لزكريا عناية منه اليه وهذه العناية انما تعلقت به اذ قال

{ فهب لى من لدنك وليا } فقدم الحق تعالى حيث كنى عنه فكاف الخطاب على ذكر ولده حين عبر عنه بالولى فاكرمه اللّه بان وهبه ولياطلبه وسماه بما يدل على صفة زكريا وهو حياة ذكره كذا قال الشيخ الاكبر قدس سره.

قال الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام كان اسمه فى الكتاب الاول حيا وكان اسم سارة زوجة ابراهيم يسارة وتفسيرها بالعربية لا تلد فلما بشرت باسحاق قيل لها سارة سماها بذلك جبريل فقال يا ابراهيم لم نقص من اسمى حرف فقال ذلك ابراهيم لجبرائيل عليه السلام فقال ان ذلك الحرف قد زيد فى اسم ابن لها من الفضل الانبياء واسمه حيا وسمى يحيى ذكر النقش.

٨

{ قال } استئناف مبنى على السؤال كأنه فماذا قال زكريا حينئذ فقيل قال

{ رب } ناداه تعالى بالذات مع وصول خطابه تعالى اليه بتوسط الملك للمبالغة فى لاتضرع والمناجاة والجد فى التبتل اليه تعالى والاحتراز عما عسى يوهم خطابه للملك من توهم ان علمه بما صدر عنه متوقف على توسطه كما ان علم البشر بما يصدر عنه سبحانه متوقف على ذلك فى عامة الاوقات

{ انى } [ جكونه ]

{ يكون لى غلام } اى كيف او من اين يحدث لى غلام

{ و } الحال انه قد

{ كانت امرأتى عاقرا } لم تلد فى شبابها وشبابى فكيف وهى عجوز الآن

{ وقد بلغت } انا

{ من الكبر } من اجل كبر السن

{ عتيا } يبوسة وجفافا كالعود اليابس من قولهم عتا العود اذا يبس وعتا الشيخ اذا كبر وهرم وولى ويقال لكل شئ انتهى قد عتا وانما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافا بان المؤثر فيه كمال قدرته وان الوسائط عند التحقيق ملغاة فانى استعجاب واستبعاد من حيث العبادة لا من حيث القدره.

قال الامام فان قيل لم تعجب زكريا بقوله

{ انى يكون لى غلام } مع انه طلبه قلنا تعجب من ان يجعلهما شابين ثم يرزقها الولد او يتركهما شيخين ويلدان مع الشيخوخة يدل عليه قوله تعالى

{ رب لا تذرنى فردا وانت خيرا الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى واصلحنا له زوجه } اى اعدنا له قوة الولادة انتهى.

وفى الاسئلة المقحمة اراد من التى يكون منه هذا الولد أمن هذه المرة وهى عاقر ام من امرأة اخرى اتزوج بها او مملوكة.

٩

{ قال } الملك المبلغ للبشارة

{ كذلك } اى الامر كما قلت . وبالفارسية [ همجنين است كه تو كفتى ازبيرى وضعف اما ]

{ ال ربك هو } [ اين كاركه آفريدن فرزنداست درين سن ازين دو شخص ] مع بعده فى نفسه

{ علىّ } [ برقدت من خاصة ]

{ هين } [ آسانست ] ارد عليك قوتك حتى تقوى على الجماع وافتق رحم امرأتك بالولد كما فى تفسير الجلالين الكاشفى.

وقال فى الارشاد الكاف فى كذلك مقحمة كما فى مثلك لا يبخل فمحلها النصب على انه مصدر تشبيهى لقال الثانى وذلك اشارة الى مصدره الذى هو عبارة عن الوعد السابق لا الى قول آخر شبه هذا به وقوله

{ هو عليّ هين } جملة مقررة للوعد المذكور دالة على انجازه داخلة فى حيز قال الاول كأنه قيل قال اللّه مثل ذلك القول البديع قلت اى مثل ذلك الوعد الخارق للعادة وعدت هو علىّ خاصة هين وان كان فى العادة مستحيلا ويجوز ان يكون محل الكاف فى كذلك الفعل على انه خبر مبتدأ محذوف وذلك اشارة الى ما تقدم من وعده تعالى اى قال عز وعلا امركما وعدت وهو واقع لا محالة وقوله

{ قال ربك } استئناف مقرر لمضمونه

{ وقد خلقتك من قبل } من قبل يحيى فى تضاعيف خلق آدم

{ ولم تك } اذ ذاك

{ شيأ } اصلا بل عدما صرفا فخلق يحيى من البشرين اهون من خلقك مفردا والمراد خلق آدم لانه نموذج مشتمل على جميع الذرية.

قال الامام وجه الاستدلال بقوله تعالى

{ وقد خلقتك } الخ ان خلقه من العدم الصرف خلق للذات والصفات وخلق الولد من شيخين لا يحتاج الا الى تبديل الصفات والقادر على خلق الذات والصفات اولى ان يقدر على تبديل الصفقات انتهى.

قال فى بحر العلوم ولفظ الشئ عندنا يختص بالموجود وبالعكس ونفى كون الشئ تقرير لعدمه فالآية دليل على ان المعدوم ليس بشئ.

١٠

{ قال رب اجعل لى آية } الجعل ابداعى

وقيل بمعنى التصيير اى علامة على وقوع الحبل لا تلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حين حدوثها وهذا السؤال ينبغى ان يكون بعدما مضى بعد البشارة برهة من الزمان لما روى ان يحيى كان اكبر من عيسى بستة اشهر او بثلاث سنين ولا ريب فى ان دعا زكرياء كان فى صغر مريم لقوله تعالى

{ هنالك دعا زكريا ربه } وهى انما ولدت عيسى وهى بنت عشر سنين او ثلاث عشرة سنة كذا فى الارشاد والاسئلة المقحمة

{ قال } اللّه تعالى

{ آيتك ان لا تكلم الناس } اى ان لا تقدر على ان تكلمهم بكلام الناس مع القدرة على الذكر والتسبيح كما هو المفهوم من تخصيص الناس

{ ثلاث ليال } مع ايامهم للتصريح بها فى سورة آل عمران

{ سويا } حال من فاعل تكلم مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الاضطرار دون الاختيار اى تمنع الكلام فلا تطيع به حال كونك سوى الخلق سليم الجوارح ما بك شائبة بكم ولا خرس قالوا رجع تلك الليلة الى امرأته فقربها ووقع الولد فى رحمها فلما اصبح امتنع عليه الكلام الناس.

١١

{ فخرج } صبيحة حمل امرأته

{ على قوم من المحراب } من المصلى او من الغرفة وكانوا من وراء المحراب ينتظرون ان يفتح لهم الباب فيدخلوه ويصلوا اذ خرج عليهم متغيرا لونه فانكروه صامتا وقالوا مالك يا زكريا

{ فاوحى اليهم } اى اومأ اليهم لقوله تعالى

{ الا رمزا } { ان سبحوا } ان اما مفسرة الوحى او مصدرية والمعنى اى صلوا او بان صلوا

{ بكرة } هى من طلوع الفجر الى وقت الضحى

{ وعشيا } هو من وقت زوال الشمس الى ان تغرب وهما ظرفا زمان للتسبيح.

عن ابى العالية ان المراد بهما صلاة الفجر وصلاة العجر او نزهوا ربكم طرفى النهار وقولوا سبحان اللّه ولعله كان مأمورا بان يسبح شكرا ويأمر قومه بذلك كما فى الارشاد.

يقول الفقير هو الظاهر لان معنى التسبيح فى هذه الموضع تنزيه اللّه تعالى عن العجز عن خلق ولد يستبعد وقوعه من الشيخين لان اللّه على كل شئ قدير وقد ورد فى الاذكار ( لكل اعجوبة سبحان اللّه ).

وفى التأويلات النجمية فى قوله

{ يا زكريا } الى

{ بكرة وعشيا } اشارة الى بشارات.

منها انه تعالى ناداه باسمه زكريا وهذه كرامة منه . ومنها انه سماه يحيى ولم يعل له من قبل سميا بالصورة والمعنى اما بالصورة فظاهر

واما بالمعنى فانه ما كان محتاج الى شهوة من غير علة ولم يهمّ الى معصية قط وما خطر بباله همهما كما اخبر عن حاله النبى عليه السلام وفى قوله

{ لم نجعل له من قبل سميا } اشارة الى انه تعالى يتولى تسمية كل انسان قبل خلقه وما سمى احد الا بالهام اللّه كما ان اللّه تعالى الهم عيسى عليه السلام حين قال

{ ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه احمد } وفى قوله

{ قال رب أنى يكون لى غلام } الآية اشارة الى ان اساب حصول الولد منفية من الوالدين بالعقر والكبر وهى من السنة الالهية فان من السنة ان يخلق اللّه الشئ من الشئ كقوله

{ وما خلق اللّه من شئ } ومن القدرة انه تعالى يخلق الشئ من لا شئ فقال

{ أنى يكون لى غلاما } اى أمن السنة ام من القدرة فاجابه اللّه تعالى بقوله

{ قال كذلك } اى الامر لا يخلو من السنة او القدرة وفى قوله

{ قال ربك هو على هين } اشارة الى ان كلا الامرين على هين ان شئت ارد عليكما اسباب حصول الولد من القوة على الجماع وفتق الرحم بالولد كما جرت به السنة وان شئت اخلق لك ولدا من لا شئ بالقدرة كما خلقتك من قبل ولم تك شيأ اى خلقت روحك من قبل جسدك من لا شئ بامركن ولهذا قال تعالى

{ قل الروح من امر ربى } وهو اول مقدور تعلقت القدرة به : وفى المثنوى

آب از جوشش همى كردد هوا ... وان هوا كردد ز سردى آبها

بلكه بى اسباب بيرون زين حكم ... آب رويانيد تكوين از عدم

تو زطفلى جون سببها ديده ... در سبب از جهل بر جفسيده

١٢

{ يا يحيى } على ارادة القول اى ووهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى.

قال الكاشفى [ القصة سه روز بدين منوال كذشت بس بحال خود آمد ويحيى عليه السلام بعد از مضى مدت حمل متولد شد ودر كودكى بلاس يوشيده باحبار در عبادت بطريق رياضت موافقت مى نمود تا وقتى كه وحى بدو فرود آمد وازحق سبحانه وتعالى خطاب رسيد كه يا يحيى ]

{ خذ الكتاب } اى التوراة

{ بقوة } بجد واستظهار التوفيق والتأييد.

قال فى الجلالين اى اعطيتكها وقويتك على حفظها والعمل بما فيها . قال المولى الجامى فى شرح الفصول لولا امداد الحق زكريا وزجته بقوة غيبية ربانية خارجة عن الاسباب المعتادة ما صلحت زوجته ولا تيسر لها الحمل ثم انه كما سرت تلك القوة من الحق فى زكريا وزوجته تعدت منهما الى يحيى ولذلك قال له الحق { يا يحيى خذ الكتاب بقوة }.

قال فى الاسئلة المقحمة أى دليل فيها على المعتزلة الجواب انه دليل على ان الاسم والمسمى واد لانه تعالى قال

{ اسمه يحيى } ثم نادى الشخص فقال

{ يا يحى } { وآتيناه الحكم } حال كونه

{ صبيا } . قال ابن عباس الحكم النبوة استنبأه اللّه تعالى وهو ابن ثلاث سنين او سبع وانما سميت النبوة حكما لان اللّه تعالى احكم عقله فى صباه واوحى اليه.

وقيل الحكم الحكمة وفهم التوراة والفقه فى الدين فهو بمعنى المنع ومنه الحاكم لانه يمنع الظالم من الظلم والحكمة ما يمنع الشخص من السفه - روى - انه دعاه الصبيان الى اللعب فقال ما للعب خلقنا.

قال الكاشفى

[درين سخن بندى عظيم است بيخبران بازيجه كاه غفلت را كه عمر عزيز ببازى ميكندرانند وبدام فريب { انما الحياة الدنيا لعب ولهو } مقيد شد اند ]

عمر ببازيجه بسر ميبرى ... بابى باندازه بدر ميبرى

به كه زبازئ جهان باكشنى ... طفل نه جند ببازى خوشى

يقول الفقير مثل يحيى عليه السلام فى هذه الامة المرحومة الشيخ العارف المحقق سهل بن عبد اللّه التسترى قدس سره فانه تم له امر السلوك من ثلاث سنين الى سبع سنين كما سمعت من شيخى وسندى روح اللّه روحه يعنى وقع له الانكشاف والالهام وظهر له الحال التام وهو ابن ثلاث سنين فكان ما كان الى سبعة فسبحان اقادر وهذا من لطافة الحجاب

واما من كان كشيف الحجاب فيحتاج فى ازالته الى مجاهدات شاقة فى مدة طويلة.

واعلم ان روح الكامل سريع التعلق ببدنه يعنى ان مادة النطفة تصل سريعا الى الابوين فيحصل العلوق والولادة على احسن وصف وفى اعدل زمان فيجيئ الولد غالبا عليه احكام الوجوب اللهم اعنا على ازالة الحجب الظلمانية والنورانية واجعلنا مكاشفين للانوار الربانية.

١٣

{ وحنانا من لدنا } عطف على الحكم وتنوينه للتفخيم وهو التحنن والاشتياق يقال حنّ اى ارتاح اواشتاق ثم استعمل فى العطف والرأفة اى وآتيناه رحمه عظيمة عليه كائنة من جنابنا او رحمة فى قلبه وشفقة على ابويه وغيرهما

{ وزكاة } اى طهار من الذنوب.

قال الامام لم تدعه شفقته الى الاخلال بواجب لان الرأفة بما اورثت ترك الواجب ألا ترى الى قوله تعالى

{ ولا تأخذكم بها رأفة فى دين اللّه } فالمعنى جمعنا له التعطف عليهم مع الطهار عن الاخلال بالواجبات انتهى . او صدقة اى تصدق اللّه به على ابويه او وفقناه للتصدق على الناس

{ وكان تقيا } مطيعا متجنبا عن المعاصى لم يعمل خطبته ولم يهم بها قط.

١٤

{ وبرّا بوالديه } عطف على تقيا اى بارّا بهما لطيفا بهما محسنا اليهما

{ ولم يكن جبارا عصيا } متكبرا عاقلهما او عاصيا لربه.

قال فى بحر العلوم الجبار المتكبر

وقيل هو الذى يضرب ويقتل على الغضب لا ينظر فى العواقب

وقيل هو المتعظم الذى لا يتواضع لامر اللّه.

١٥

{ وسلام } سلامة من اللّه تعالى وامان

{ عليه } على يحيى اصله وسلمنا عليه فى هذه الاحوال وهى اوحش المواطن لكن نقل الى الجملة الاسمية للدلالة على ثبات السلام واستقراره فان وحشتها لا تكاد تزول الا بثبات الاسلام فيها ودوامه

{ يوم ولد } من رحم امه من طعن الشيطان كما يطعن سائر بنى آدم

{ ويوم يموت } بالموت الطبيعى من هو الموت وما بعده من عذاب القبر

{ ويوم يبعث } حال كونه

{ حيا } من هول القيامة وعذاب النار.

وفيه اشارة الى الولادة من ام الطبيعة والموت بالفناء عن مقتضيات الطبيعة فى اللّه والبعث بالبقاء بعد الفناء.

وقال ابن ابى عيينة اوحش ما يكون الانسان فى هذه الاحوال يوم ولد فيخرج مما كان ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ويوم يبعث فيرى نفسه فى محشر لم ير مثله فخص يحيى بالسلام فى هذه المواطن.

واعلم ان زكريا اشارة الى الروح الانسانى وامرأته الى الجثة الجسدانية التى هى زوج الروح ويحيى الى القلب وقد استبعد الروح بسب طول زمان التعلق بالقالب ان يتولد له قلب قابل لفيض الالوهية بلا واسطة كما قال ( لا يسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن ) وهو الفيض الازلى لم يؤت لواحد من الحيوانات والملائكة كام قال المولى الجامى

ملائكة را جه سود از حسن طاعت ... جو فيض عشق بر آدم فرو ريخت

ما بشر بولادة القلب المصوف بما ذكر طلب آية يهتدى بها الى كيفية حمل القالب العاقر بالقلب الحيى الذى حيى بنور اللّه تعالى قال

{ آيتك ان لا تكلم الناس } اى لا تخاطب غير اللّه ولا تلتفت الى ما سوى اللّه ثلث ليال وبها يشير الى مراتب ما سوى اللّه وهى ثلاث الجمادات والحيوانات والروحانيات فاذا تقرب الى اللّه تعالى بعدم الالتفات الى ما سواه يتقرب اليه بموهبة الغلام الذى هو القلب الحى بنوره فخرج زكريا الروح من محراب هواه وتبعه على قوم صفات نفسه وقلبه وانانيته فقال كونوا متوجهين الى اللّه معرضين عما سواه آناء الليل واطراف النهار بل بكرة الازل وعشىّ الابد فلام ولد له يحيى القلب قيل له يا يحيى خذ كتاب الفيض الالهى بقوّة ربانية لا بقوّة انسانية لانه خلق الانسان ضعيفا وهو عن القوة بمعزل وان اللّه هو الرزاق ذو القوّة المتين فجاء صاحب علم وحكمة ورحمة وطهاره من الميل الى ما سوى اللّه واتقاء

{ وبرّا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا } كالنفس الامارة بالسوء اما بره بوالد الورح فتنويره بنور الفيض الالهى اذ هو محل قبول الفيض لان الفيض الالهى وان كان نصيب الروح اولا ولكن لا يمسكه للطافة الروح بل يعبر عنه الفيض وقبله القلب وسكه لان فيه صفاء وكثافة فبالصفاء يقبل الفيض فتقبل فيضها بصفائها وتمسكه لكثافتها وهذا أحد اسرار حمل الامانة التى حملها الانسان ولم تحملها الملائكة

واما برّه بوالدة القالب فباستعمالها على وفق اوامر الشرع ونواهيه لنجبيها من عذاب القبر ويدخلها الجنة كذا فى التأويلات النجمية باختصار.

قال بعض الاولياء كنت فى تيه بنى اسرائيل فاذا رجل بماشينى فتعجبت منه والهمت انه الخضر فقلت له بحق الحق من انت قال انا اخوك الخضر فقلت له اريد ان اسألك قال سل قلت بأى وسيله رأيتك قال ببرك امك كما فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى.

فعلى العاقل ان يكون بارا بوالديه مطلقا انفسيين او افاقيين فان البر يهدى الى الجنة ودار الكرامه ويبشر فى شدائد الاحوال بالامن والامان وانواع السلامة.

١٦

{ واذكر } يا محمد للناس

{ فى الكتاب } اى القرآن او السورة الكريمة فالها بعض من الكتاب فصح اطلاقه عليها

{ مريم } على حذف المضاف اى خبر بنت عمران وقصتها فان الذكر لا يتعلق بالاعيان ومريم بمعنى العابدة قال بعض العلماء فى حكمة ذكر مريم باسمها دون غيرها من النساء ان الملوك والاشراف لا يذكرون حرارهم فى ملأ ولا يبتذلون اسماءهن بل يكنون عن الزوجة بالعرس والعيال والاهل ونحو ذلك فاذا ذكروا الاماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا اسماءهن عن الذكر والتصريح بها فلما قالت النصارى فى حق مريم ما قالت وفى انبها صرح اللّه تعالى باسمها ولم يكنّ عنها تأكيد للاموّة والعبودية التى هى صفة لها واجراء للكلام على عادة العرب فى ذكر امائها ومع هذا فان عيسى عليه السلام لا اب له واعتقاد هذا واجب فاذا تكرر ذكره منسوبا الى الام استشعرت القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفى الاب عنه وتنزيه الام الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم اللّه تعالى كذا فى التعريف والاعلام للامام السهيلى.

وقال فى اسئلة الحكم سميت مريم فى القرآن باسمها لانها اقامت نفسها فى الطاعة كالرجل الكامل فذكرت باسمها كما يذكر الرجال من موسى وعيسى ونحوهما عليهم السلام وخوطبت كما خوطبا الانبياء كما قال تعالى

{ يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين } ولذا قيل بنبوتها

{ اذا انتبذت } ظرف لذلك المضاف من النبذ وهو الطرح والانتباذ افتعال منه

{ من اهلها } من قومها متعلق بانتبذت

{ مكانا شرقيا } مفعول له باعتبار ما فى ضمنه من معنى الاتيان.

قال الحسن ومن ثمة اتخذ النصارى المشرق قبلة كما اتخذ اليهود المغرب قبلة لان الميقات وايتاء التوراة واقعا فى جانب الجبل الغربى كما قال تعالى

{ وما كنت بجانب الغربى اذ قضينا الى موسى الامر } والمعنى حين اعتزلت وانفردت وتبادعت من قومها وأتت مكانا شرقيا من دار خالتها ايشاع زوجة زكريا فان موشعها كان المسجد فاذا حاضت تحولت الى بيت خالتها واذا طهرت عادت الى المسجد فاحتاجت يوما الى الاغتسال وكان الوقت وقت الشتاء فجاءت الى ناحية شرقية من الدار وموضع مقابل للشمس.

١٧

{ فاتخذ من دونهم } اى ارخت من ادنى مكان اهلها.

قال الكاشفى [ از بيش ايشان يعنى ازسوى ايشان ]

{ حجابا } سترا تتستر به . قال الكاشفى [ برده كه مانع باشد ازديدن ] فبينما هى فى مغتسلها وقد تطهرت ولبست ثوبها اناها الملك فى صورة آدمى شاب امرد وضيئ الوجه جعد الشعر وذلك قوله تعالى

{ فارسلنا اليها روحنا } اى جبريل فانه كان روحانيا فاطلق عليه الروح للطافته مثله ولان الدين يحيى به.

وقال بعض الكبار جبرائيل هو الروح حقيقة باعتبار حقيقته المجردة مجازا باعتبار صورته المثالية من خصائص الارواح المجردة التى من صفاتها الذاتية الحياة ومن شأنها التمثل بالصور المثالية لانها لا تمس شيأ فى حال تمثلها الا حى ذلك الشئ وسرت منه الحياة فيه ولذا قبض السامرى قبضة تراب من اثر براق جبرائيل فنبذها فى صورة العجل المتخذة من حلى القوم فخار العجل بسراية الحياة فيه

وقيل سماه روحا مجازا محبة له وتقريبا كقولك انت روحى لمن تحب

{ فتمثل لها } [ بس متمثل شد جبريل براى مريم ] يعنى فتشبه لاجلها فانتصاب قوله

{ بشرا } على انه مفعول به

{ سويا } تام الخلق كامل البينة لم يفقد من حسان نعوت الآدمية شيأ وذلك لتستأنس بكلامه وتتلقى اليها من كلماته تعالى اذ لو بدا لها على الصورة الملكية لنفرت منه ولم تستطع استماع كلامه ولانه جاء للنفخ المنتج للبشر فتمثل بشرا ولو جاء على صورة الملك لجاء عيسى على صورة الروحانيين كما لا يخفى.

وفيه اشارة الى ان القربان بعد الطهر التام اطهر والولد اذن انجب فافهم.

وفى التأويلات الروح هو نور كلمة اللّه التى يعبر عنها بقوله كن وانم سمى نور كلمته روحا لانه به يحيى القلوب الميتة كما قال

{ أومن كان ميتا فاحييناه } الآية فتارة يعبر عن الروح بالنور وتارة يعبر عن النور بالروح كقوله

{ وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا } الآية فارسل اللّه الى مريم نور كلمة كن فتمثل لها بشرا سويا كما تمثل نور التوحيد بحروف لا اله الا اللّه والذى يدل على ان عيسى من نور الكلمة قوله تعالى

{ وكلمته القاها الى مريم وروح منه } اى نور من لقائه فلما تمثلت الكلمة بالبشر انكرتها مريم ولم تعرفها فاستعاذت باللّه منه.

١٨

{ قالت انى اعوذ بالرحمن منك } يا شاب ذكره تعالى بعنوان الرحمانية للمبالغة فى العياذ به تعالى واستجلاب آثار الرحمة الخاصة التى هى العصمة مما دهمها.

قال فى الكشاف دل على عفافها وورعها انها تعوذت باللّه من تلك الصورة الجميلة

{ ان كنت تقيا } تتقى اللّه وبتالى بالاستعاذة به وجواب الشرك محذوف ثقة بدلالة السياق عليه اى فانى عائدة به.

وقال الكاشفى [ يعنى تومتقى ومتورعى من ازتوبرهيز ميكنم وبناه بحق ميبرم فكيف كه جنين نباشى ].

قال الشيخ قى تفسيره وانما قالت ذلك لان التقى يتعظ باللّه ويخاف والفاسق يخوف بالسلطان والمنافق يخوف بالناس كما قال فى التأويلات النجمية يعنى انك ان كنت تقيا من اهل الدين تعرف الحرمن فلا تقربنى بعوذى به وان كنت شقيا لا تعرف الرحمن فاتعوذ منك بالخلق فاجابها

١٩

{ قال انما انا رسول ربك } يريد انى لست ممن يتوقع منه ما توهمت من الشر وانما انا رسول ربك الذى استعذت به

{ لاهب لك غلاما } اى لا كون سببا فى هبته بالنفخ فى الدرع

{ زكيا } طاهرا من الذنوب ولوث الظلمة النفسانية الانسانية.

٢٠

{ قالت } استبعادا ظاهرا اى متعجبة من حيث العادة لا مستبعدة من حيث القدرة

{ أنى يكون لى } [ جكونه بودمرا ]

{ غلام } كما وصف

{ ولم يمسسنى بشر } اى والحال انه لم يباشرنى بالنكاح رجل فان المس كناية عن الوطئ الحلال اما الزنى فانما يقال خبث بها او فجر او زنى وانما قيل بشر مبالغة فى بيان تنزهها عن مبادى الولادة

{ و } الحال انه

{ لم أك بغيا } فعول بمعنى الفاعل اصله بغويا.

قال الشيخ فى تفسيره ولم يقل بغية لانه وصف غالب على المؤنث كحائض اى فاجرة تبغى الرجال . وبالفارسية [ زنا كار وجوينده فجور ] يريد نفى الوطئ مطلقا وان الولد اما من النكاح الحلال او الحرام اما الحلال فلانها لم يمسها بشر

واما الحرام فلانها لم تك بغيا فاذا انتفى السببان جميعا انتفى الولد.

وفى التأويلات النجمية

{ ولم يمسسنى بشر } قبل هذا

{ ولم اك بغيا } ليمسسنى بشر بعد هذا بالزنى او بانكاح لانى محررة محرم على الزوج

٢١

{ قال كذلك } اى الامر كما قلت . وبالفارسية [ يعنى جين است كه توميكوبى هيج كس بنكاح وسفاح ترامس نكرده است ] فاما

{ قال ربك } الى ارسلنى اليك

{ هو } اى ما ذكرت من هبة الغلام من غير ان يمسك بشر اصلا

{ على } خاصة

{ هين } يسير وان كان مستحيلا عادة لما انى لا احتاج الى الاسباب والوسائط.

وفى التأويلات النجمية

{ قال كذلك } الذى تقولين ولكن

{ قال ربك هو على هين } ان اخلق ولدا من غير ماء منىّ والد فانى اخلقه من نور كلمة كن كما قال تعالى

{ ان مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } { ولنجعله } اى ونفعل ذلك لنجعل وهب الغلام

{ آية للناس } وبرهانا يستدلون بها على كمال قدرتنا قالوا واعتراضية او لنبين به عظم قدرتنا ولنجعله الخ.

وفى التأويلات النجمية

{ آية } اى دلالة على قدرتى بانى قادر على ان اخلق ولدا من غير اب كما انى خلقت آدم من غير اب وام وخلقت حواء من غير ام

{ ورحمة } عظيمة كائنة

{ منا } عليهم يهتدون بهدايته ويسترشدون بارشاده وبين قوله

{ ورحمة منا } وقوله

{ يدخل من يشاء فى رحمته } فرق عظيم وهو انه تعالى اذا ادخل عبدا فى رحمته يرحمه ويدخله عليه السلام

{ وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } ابدا اما فى الدنيا فبان لا ينسهخ دينه

واما فى الآخرة فإن يكون الخلق محتاجين الى شفاعته حتى ابراهيم عليه السلام فافهم جدا كذا فى التأويلات النجمية

{ وكان } خلقه بلا فحل

{ امر مقضيا } قضيت به فى سابق علمى وحكمت بوقوعه لا محالة فيمتنع خلافه فلا فائدة فى الحزن وهو معنى قوله ( من عرف سر اللّه فى القدر هانت عليه المصائب ) يقول الفقير وذلك ان العلم تابع للمعلوم فكل ما يقتضيه من الاحوال فاللّه تعالى يظهره بحكمته وخلق عيسى عليه السلم على الصفة المذكورة كان فى الازل بمقضتى الحكمة القديمة مقدرا فجميع الاعيان وما يتبعها من الاحوال المختلقة داخلة تحت الحكمة فمن كوشف عن سر هذا المقام هانت عيله المصائب والآلام اذ كل ما نبت فى مزرعة الوجود الخارجى فهو من بذر الحكم الازلى على حسب تفاوت الاستعدادات كتفاوت المزارع فمن وجد خيرا فليحمد اللّه ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه : قال الحافظ

نمى كنم كله ليكن ابر رحمت دوست ... بكشت زار جكر تشنكان ندادنمى

اى لا اشتكتى من هذا المعنى فانه من مقتضى ذاتى : وقال

درين جمين مكنم سرزنش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميدهند وميرويم

اى لا تثريب علىّ فى هذا المعنى فانه من قضاء اللّه تعالى.

قال الامام الو القاسم القشيرى قدس سره سمعت استاذ ابا على الدقاق يقول فى آخر عمره وقد اشتدت به العلة من امارات التأبيد حفظ التوحيد فى اوقات الحكم ثم قال كالمفسر لفعله مفسرا لما كان فيه من حاله هو ان يقرضك بمقاريض القدرة فى امضاء الاحكام قطعة قطعة وانت شاكر حامد انتهى.

فقصة مريم من جملة احكام اللّه تعالى ولذا عرفت الحال لانها كانت صديقة وصبرت على اذى القوم وشماتتهم وفى الحديث ( اذا احب اللّه عبدا ابتلاه فان صبر اجتباه وان رضى اصطفاه ) فالواجب على العبد الحمد على البلية لما تضمنته من النعمة فان فقد فالصبر وكلاهما من طريق العبودية واذا وقف مع الجزعة المستفادة من وجود الشفقة على نفسه فهو من غلبة الهوى.

قال احمد بن حضرويه قدس سره الطريق واضح والدليل لائح والداعى قد اسمع فما التحير بعد هذا الام من العمى وفى الحديث خطابا لابن عباس رضى اللّه عنهما ( ان استطعت ان تعمل لله بالرضى فى اليقين فافعل والا ففى الصبر على ما تكره خير كثير ).

قال فى شرح الحكم العطائية ثم اذا تأملت ظهر لك ان التحقق بالمعرفة منطو فى وجود البلايا اذ ليست المعرفة الا بتحقيق اوصافه تعالى حتى يفنى فى اوصافه كل شئ من وجودك فلا يبقى لك عز زع عزه ولا غنى مع غناه ولا قدرة مع قدرته ولا قوة مع قوته وهذا يتحقق لك بوجود البلية اذ هى مشعرة بقهر الربوبية فافهم هذا وفقنا اللّه واياكم للتحقق بحقيقة الحال والتمكن فى مقام الصبر والحمد على جميع الاحوال : وفى المثنوى

صدهزاران كيما حق آفريد ... كميايى همجو صبر آدم نديد

وذلك لان بالبلاء تحترق الاوصاف الرديئة الخلقية وبالصبر يحصل الاخلاق الالهية والصفات الحقية.

٢٢

{ فحملته } قال ابن عباس رضى اللّه عنهما فاطمأنت مريم الى قول جبريل فدنا منها فنفخ فى جيب درعها فوصلت النفخة الى بطنها فحملت عيسى عقيب النفخ.

يقول الفقير وصول النفخ الى الجوف لا يحتاج الى منفذ من المنافد كالفهم ونحوه ألا ترى ان الروح حين دخل جسد آدم دخل من اليافوخ وهو سط الرأس اذا اشتد وقبل اشتداده كما فى رأس الطفل يقال له الفادية بالفاء ثم نزل الى العينين ثم الى الفم ثم الى سائر الاعضاء.

واعلم ان لعيسى عليه السلام جهة جسمانية وجهة روحانية واحدية جمع للجهتين فاذا نظر الى جهة الجسمانية يظن انه تكون من ماء مريم واذا نظر الى جهة الروحانةية وآثرها من احيا ءالموتى وخلق الطير من الطين يحكم انه من نفخ جبريل واذا نظر الى احدية جمعها يقال انه تكون منها فالتحقيق ان الملك لما تمثل لها بشرا سيوا نزل الماء منها الى الرحم لشدة اللذة بالنظر اليه فتكون عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة منها فهو من ماء امه فقط خلافا للطبيعيين فانهم ينكرون وجود الولد من ماء احد الزوجين دون الآخر.

فان قلت قد ثبت ان ماء الرجل يكون من العظم والعصب وماء المرأة يكون من اللحم والدم فكيف جاء عيسى مركبا من هذه الاجزاء.

قلت خروجه على الصورة البشرية كامل الاجزاء انما هو من اجل امه لان ماءها محقق ومن اجل تمثل جبريل فى صورة البشر فانه انما مثل فى صورة البشر حتى لا يقع التكوين فى هذا النوع الانسانى الا على الحكم المعتاد الذى جرت به العادة غالبا وهو تولده من شخصين انسانين وقد توهمت فى النفخ الماء فحصل الماء الموهم ايضا وجود بعض الاشياء قد يترتب على توهمه كترتب السقوط عن الجذ على توهمه ولاجل تكونه من نفخ جبريل طالبت اقامته فى صورة البشر لان للارواح صفة البقاء - روى - ان مولد عيسى عليه السلام كان قبل مولد نبينا عليه السلام بخمسمائة وخمس وخمسين سنة وقد بقى بعد وسينزل ويدعو الناس الى دين نبينا عليه السلام.

قال بعض الكبال لو لم يتمثل جبريل عند النفخ بالصورة البشرية لظهر عيسى على صورة الروحانيين ولو نفخ فيها وقت الاستعاذة على الحالة التى كانت عليها من تحرجّ صدرها وضجرها لتخيلها انه بشر يريد مواقعتها على وجه لا يجوز فى الشرائع لخرج عيسى بحيث لا يطيقه احد لشكاسة خلقه اى رداءه لسراية حال امه فيه لان الولد انما يتكوّن بحسب ما غلب على الوالدين من المعانى النفسانية والصورة الجسمانية.

نقل فى الاخبار ان امرأة ولدت ولدا صورته صورة البشر وجسمه جسم الحية فلما سئلت عنها اخبرت انها رأت حية عند المواقعة.

وان امرأة ولدت ولدا له اعين اربع ورجلاء كرجل الدب وكانت قبطية جامعها زوجها وهى ناظرة الى دبين كانا عند زوجها فلما قال لها جبريل

{ انما انا رسول ربك } جئت من عنده

{ لاهب لك غلاما زكيا } ابنسطت عن ذلك القبض لما عرفت انه مرسل اليها من عند ربها وانشرح صدرها لما تذكرت بشارة ربها اياها بعيسى

{ اذ قالت الملائكة يا مريم ان اللّه يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين } فنفخ فيها فى حين الانبساط والانشراح فخرج عيسى منبسطا منشرح الصدر لسراية حال امه فيه . ولذا قالوا يتفكر عند الجماع الاقوياء ويمثل بين عينيه صورة رجل على احسن خلقة واقوم جثة وافضل خلق واكمل حال قالوا حملته وسنها وقتئذ ثلاث عشرة سنة وقد حاضت حيضتين قبل ان تحمل . واختلف فى مدة حملها كما اختلف فى مدة حمل آمنة والدة النبى عليه السلام . ففى رواية عن ابن عباس كانت مدة الحمل والولادة ساعة واحدة وجعله بعضهم اصلح لان عيسى كان مبدعا ولم يكن من نطفة يدور فى ادوار الخلقة ويؤيده عطف قوله

{ فانتبذت به } بالفاء التعقيبية.

يقول الفقير القول بان مثل هذه الفاء قد يدل على ترتيب الحكم وعدم تكونه من نطفة ظاهر الطبلان لانه من ماء محقق وماء متوهم كما سبق وكونه من المبدعات بلا سبب ظاهر لا يستلزم ان يكون جميع احواله بطريق خرق العادة.

وفى رواية اخرى عنه كانت تسعة اشهر كحمل اكثر النساء اذ لو كان اقل لذكرههنا فى جملة مدائحا

وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية الا عيسى وكان ذلك آية اخرى.

قال الحكماء فى بيان سبب ذلك ان الولد عند استكماله سبعة اشهر يتحرك للخروج حركة عنيفة اقوى من حركته فى الشهر السادس فان خرج عاش وان لم يخرج استراح فى البطن عقيب تلك الحركة المضعفة فلا يتحرك فى الشهر الثامن ولذلك تقل حركته فى البطن فى ذلك الشهر فاذا تحرك للخروج وخرج فقد ضعف غاية الضعف فلا يعيش لاستيلاء حركتين مضعفتين له مع ضعفه.

وفى كلام الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره لم ار للثمانية صورة فى نجوم المنازل ولهذا كان المولود اذا ولد فى الشهر الثامن يموت ولا يعيش وعلى فرض ان يعيش يكون معلولا لا ينتفع بنفسه وذلك لان الشهر الثامن يغلب فيه على الجنين البرد واليبس وهو طبع الموت

{ فانتبذت به } الباء للملابسة والجار والمجرور فى حيز النصل على الحالية اى فاعتزلت ملتبسة به اى وهو فى بطنها كقوله تنبت بالدهن اى تنبت ودهنها فيها

{ مكان قصيا } مفعول انتبذت على تضمين معنى الاتيان كما سبق اى اتت مكانا بعيدا من اهلها.

قال الكاشفى

[ مكانى دورزشهرايليا كويند بكوهى رفت درجانب شرقى ازشهر يابوادى بيت لحم كه شش ميل دور بود از ايليا ] وعن انس رضى اللّه عنه انه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى حديث الاسراء ( فقال لى جبريل انزل فصلى فصليت فقال أتدرى اين صليت صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم ) وهو حديث صحيح او حسن رواه النسأى والبيهقى فى دلائل النبوة او اقصى الدار وهو الانسب لقصر مدة الحمل كما فى الارشاد.

وقال فى قصص الانبياء لما دنت ولادة مريم خرجت فى جوف الليل من منزل زكريا الى خارج بيت المقدس واحبت ان لا يعلم بها زكريا ولا غيره.

٢٣

{ فاجاءها } تعدية جاء بالهمزة اى جاء بها واضطرها

{ المخاض } وجع الولادة . وبالفارسية [ درد زادن ] يقال مخضت المرأة اذا تحرك الود فى بطنها للخروج

{ الى جذع النخلة } لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة اذ لم يتكن لها قابلة تعينها.

وقال فى القصص رأت نخلة يابسة فى جوف الليل فجلست عند اصلها.

وفى التأويلات النجمية

{ فاجاءها المخاض الى جذع النخلة } لاظهار المعجزة فى الجذع النتهى.

والجذع ما بين العرق والغصن اى اسفلها ما دون الرأس الذى عليه الثمر وكانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة وكان الوقت شتاء ولعله تعالى الهمها ذلك ليريها من آياته ما يسكن روعتها فان النخلة باليابسة التى لا رأس لانه قد اثمرت فى الشتاء وهى اقل شئ صبرا على البرد وثمرها انما هو من جمارها بعد اللقاح والجمار رأس النخلة وهو شئ ابيض لين وليطعمها الرطب الذى هو خرست النفساء الموافقة لها والخرسة بالتاء طعام النفساء وبدونها طعام الولادة

{ قالت يا ليتنى مت } [ كفت كاشكى من مردمى ] وهو بكسر الميم من مات يمات كخفت وقرئ بصمها من مات يموت

{ قبل هذا } اليوم او هذا الامر كما فى الجلالين وانما قالته مع انها كانت تعلم ما جرى بينهما وبين جبريل من الوعد الكريم استحياء من الناس على حكم العادة البشرية لا كراهة لحكم اللّه وخوفا من ملامتهم وحذرا من وقوع الناس فى المعصية بما تكلموا فيها او جريا على سنن الصالحين عند اشتداد الامر عليهم كما روى عن عمر رضى اللّه عنه انه اخذ نبتة من الارض فقال يا ليتنى هذه النبتة ولم اكن شيأ وعن بلال انه قال ليست بلالا لم تلده امه

فقولى تارة يا رب زدنى ... واخرى ليت امى لم تلدنى

وفى التأويلات النجمية

{ قبل هذا } اى قبل هذا الحمل فانه بسبب حملى وولدى يدخل اللّه النار خلقا عظيما لان بعضهم يتهمنى بالزنى وبضعهم يتهم ولدى بابن اللّه

{ وكنت } [ وبودمى ]

{ نسيا } شيأ حقيرا شانه ان ينسى ولا يغتد به اصلا

{ منسيا } لا يخطر ببال احد من الناس وهو نعت للمبالغة.

وفى التأويلات

{ نسيا منسيا } فى العدم لا يذكرنى اللّه بالايجاد.

وقال الكاشفى [ يعنى هيجكس مراند انستى وازن حساب نداشتى وجال آنكه همه اخبار بيت المقدس مرا مى شناسندكه دختر امام ايشانم در كفالت زكريا بوده ام وهنوز بكارت من زائل نشده وشوهرى نكرده ام واكنون فرزند مى زايم وازخجالت آن حال نمى دانم جه كنم ]

هرجند بروى كار درمبتكرم ... محنت زده جوخود نمى بينم من

٢٤

{ فناداها } اى جبرائيل حين مسع جزعها لان عيسى لم يتكلم حتى اتت به قومها

{ من تحتها } من مكان اسفل منها تحت الا كمة.

وقال فى القصص من تحت النخلة . وفى الاسئلة المقحمة قرئ بفتح الميم يعنى به عيسى لما خرج من البطن نادها

{ ان لا تحزنى } ان مفسرة بمعنى اى لا تحزنى بولادة عيسى وبمكان القحط [ وتمناى مرك مكن ] او مصدرية على حذف الباء تقديره بان لا تحزنى . والحزن غم يلحق لوقوعه من فوات نافع او حصول ضار

{ قد جعل ربك تحتك } اى فى مكان اسفل منك

{ سريا } نهرا صغيرا على ما فسره النبى عليه السلام.

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان جبريل ضرب برجله الارض فظهرت عين ماء عذب فجرى جدولا.

وقال بعض ارباب الحقيقة انبأ عيسى عن نبوته فى المهد بقوله

{ آتانى الكتاب وجعلنى نبيا } وفى بطن امه بقوله

{ لا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا } اى سيدا على القوم بالنبوة انتهى.

فيكون من السرو وهو السؤدد.

٢٥

{ وهزى } هز الشئ تحريكه الى الجهات المتقابلة تحريكا عنيفا متداركا والمراد ههنا ما كان منه بطريق الجذب والدفع لقوله

{ اليك } اى الى جهتك

{ بجذع النخلة } الباء صلة للتأكيد كما فى قوله تعالى

{ ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة } قال الفراء قتول العرب هزه وهز به

{ تساقط } اى تسقط النخلة

{ عليك } اسقاطا متواترا حسب تواتر الهز

{ رطبا } [ خرماى تازه ]

{ جنيا } وهو ما قطع قبل يبسه فعيل بمعنى مفعول اى رطبا مجنيا اى صالحا للاجتناء قد بلغ الغاية.

قال فى الاسئلة المقحمة كيف امرها بهز النخلة ههنا وقبل ذلك كان زكريا يجد رزقها فى المحراب فالجواب انها فى حالة الطفولية كانت بلا علاقة اوجبت العناء والمشقة.

وقال فى اسئلة الحكم ما الحكمة فى امرها بالهز قيل لانها تعجبت من ولد بغير اب فاراها الرطب من نخل يا بس آية منه تعالى كيلا تتعجب منه .

واما سر كون الآية فى النخلة فلانها خلقت من طينة آدم وفيها نسبة معنوية لحقيقة الانسانية دجون غيرها لعدم حصولها بغير زوج ذكر يسمى بالتأبير وقال لم اجرى اللّه النهر بغير سعى مريم ولم يعطها الطرب الا بسعيها قيل لان الرطب غذاء وشهوة ولماء سبب للطهارة والهدمة

وقيل ثمرة الرطب صورة العمل الكسبى والماء صورة سر الفيض الالهى فاجرى كل شئ فى منزله ومقامه لان كل كرامة صورة عمل السالك اذا تحقق وتخلق به

وقيل جرت عادة اللّه تعالى فى الطرب باسباب التعمل كالغرس والسقى والتأبير والماء ليس له سبب ارضى بل هو وهبى سماوى ولذا اجرى النهر لمريم بغير سببز

٢٦

{ فكلى } من ذلك الرطب

{ واشربى } من ماء السرى وكان ذلك ارهاصا لعيسى او كرامة لامه وليس بمعجزة لفقد شرطها وهو التحدى كما فى بحر العلوم.

قال الامام فى تفسيره قدم الاكل لان حاجتها اليه اشد من حاجتها الى الماء لكثرة ما سال منها من الدماء . فان قيل مضرة الخوف اشد لانه الم الروح والجوع والعطش الم البدن ونقل انه اجيع شاة ثم قدم اليها العلف وربط عندها ذئب فلم تأكل ثم ابعد الذئب وكسر رجلها فتناولت فدل على ان الم الخوف اشد فلم اخر اللّه سبحانه دفع ضرره . قلنا كان الخوف قليلا لبشارة جبريل فلم يحتج الى التكذير مرة اخرى انتهى.

قالوا التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وكذلك التحنيك وهو بالفارسية [ كام كودك بماليدن ] يقال حنك الصبى مضغ تمرا او غيره فدلكه بحنكه وقالوا كان من العجوة وهى بالحجاز ام التمر كما فى القاموس وفى الحديث ( اذا ولدت امرأة فليكن اول ما تأكل الرطب فان لم يكن رطب فتمر فانه لو كان شئ افضل منه لاطعمه اللّه تعالى مريم بنت عمران حين ولدت عيسى )

قال الربيع بن خيثم ما للنفساء عندى خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل

{ وقرى عينا } وطيبى نفسا وارفضى عنها ما احزنك واهمك فان لله تعالى قد نزه ساحتك بالخوارق من جرى النهر واخضرار النخلة اليابسة واثمارها قبل وقتها لانهم اذا رأوا ذلك لم يستبعدوا ولادة ولد بلا فحل واشتقاقه من القرار فان العين اذا رأت ما يسر النفس سكنت اليه من النظر الى غيره يقال اقر اللّه عينيك اى صادف فؤادك ما يرضيك فيقر عينك من النظر الى غيره.

قال فى القاموس قرت عينه تقر بالكسر والفتح قرة ويضم وقرورا بردت وانقطع بكاؤها اورأت ما كانت متشوفة اليه انتهى.

او من القر بالضم وهو البرد فان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين وسخنة العين للمحبوب والمكروه.

وقال الكاشفى [ وقرى عينا وروشن ساز جشم را بفرزندياخود بسبز شدن درخت وبر دادن او كه مناسبت باحال تو دارد جه آنكه قادراست براظهار خرما از درخت يابس قدرت دارد برايجاد ولد ازمادر بى بدر وحق سبحانه ملائكة فرستاد تابكرد مريم در آمدند وجون عيسى عليه السلام متولد شد اورا فرا كرفته بشستند ودرحرير بهشت بيجيده دركنار مريم نهادند ] قالوا ما من مولود يستهل غيره [ وندا رسيدا ]

{ فاما ترين من البشر احدا } اى فان ترى آدميا كائنا من كان وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط وهى بمنزلة لام القسم فى انها اذا دخلت على الفعل دخلت معها النون المؤكدة

{ فقولى } له ان استنطقك اى سألك على ولدك [ يعنى برسند اين فرزند از كجاست ] ولامك عليه

{ انى نذرت } اوجبت على نفسى

{ للرحمن صوما } اى صمتا او صياما وكان صيام المجتهدين من بنى اسرائيل بالامساك عن الطعام والكلام حتى يمسى وقد نسخ فى هذه الامة لانه عليه السلام نهى عن صوم الصمت.

قال فى ابكار الاذكار السكوت فى وقته صفة الرجال كما ان النطق فى موضعه شرف الخصال

اكرجه بيش خرمند خامشى ادبست ... بوقت مصلحت آن به كه درسخن كوشى

دوجيز طيره عقلست دم فرو بستن ... بوقت كفتن وكفتن بوقت خاموشى

واما ايثار اصحاب المجاهدة السكوت فلعلمهم بما فى الكلام من حظ النفس واظهار صافت المدح والميل الى حسن النطق.

فاما صمت الجاهلية فمنهى عنه كما ورد لا يتم بعد الاحتلام ولا صمات يوم الى الليل فكان اهل الجاهلية من نسكهم اعتكاف يوم وليلة بالصمات فنهوا فى الاسلام عن ذلك وامروا بالحديث بالخير والذكر.

يقول الفقيران المنهى عنه هو السكوت مطلقا .

واما السكوت عن كلام الناس مع ملازمة الذكر فمقبول بل مأمور به ولذا جعل دوام السكوت احد الشرائط الثمان فصحة الانقطاع وفائدة السلوك انما تحصل به وباخواته

{ فلن اكلم اليوم انسيا } [ بس سخن نخواهم كفت امروز باهيج آدمى بلكه باملائكه وباحق سخن يكويم ومناجات ميكنم ] امرت بان تخبر بنذرها بالاشارة فالمعنى قولى ذلك بالاشارة لا باللفظ.

قال الفراء العرب تسمى كل وصل الى الانسان كلاما بأى طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فاذا اكد لم يكن الا حقيقة الكلام وانما امرت بذلك لكراهة مجادلة السفهاء ومناقلتهم والاكتفاء بكلام عيسى انه قاطع لطعن الطاعن والرائب فى براءة ساحتها وذلك ان اللّه تعالى اراد ان يظهر براءتها من جهة عيسى فتكلم ببراءة امه وهو فى المهد وفيه ان السكون عن السفيه واجب ومن اذل الناس سفيه لم يجد مسافها : قال الصائب

درجنك ميكند لب خاموش كار تيغ ... داد جواب مردم نادان جه لازمست

وقال باكران جانان مكوحرف كران تانشنوى ... كوه در رد صدا بى اختيار افتاده است

ومن بلاغات الزمخشرى ما قدع السفيه بمثل الاعراض وما اطلق عنانه بمثل العراض سورة السفيه تكسرها الحلماء والنار المضطرمة يطفئها الماء يعنى ان سورة السفيه كالنار المضطرمة ولا يطفأها الا الحلم كما لا يطفئ النار الا الماء والنار تأكل نفسها ان لم تجد ما تأكله.

وفى الآية اشارة الى الصوم عن الالتفات لغير اللّه تعالى كما قال بعض الكبار الدنيا يوم ولنا فيه صوم ولا يكون افطاره الا على مشاهدة الجمال.

فعلى السالك ان ينقطع عن عالم الناسوت ويقطع لسانه عن غير ذكر اللاهوت حتى يحصل قطع الطريق والوصول الى منزلة التحقيق وكما ان مريم هزت النخلة فاسقطت عليها رطبا جنيا فكذا مريم القلب اذا هزت بنخلة الذكر وهى كلمة ( لا اله الا اللّه ) تسقط عليها من المشاهدات الربانية والمكاشفات الآلهية ما به يحصل التمتعات التى هى مشارب الرجال البالغين كما كان حال النبى صلّى اللّه عليه وسلّم يقول

{ ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى } اللهم اجعلنا من الذين كوشفوا عن وجه حقيقة الحال ووصلوا الى تجليات الجمال والجلال.

٢٧

{ فأتت به قومها } والباء بمعنى مع اى جاءتهم مع ولدها راجعة اليهم عند ما طهرت من نفساها وجعلها الكاشفى للتعدية حيث قال [ بس أورد مريم عيسى را ]

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما انها خرجت من عدهم حين شرقت الشمس وجاءتهم عند الظهر ومعها سبى

{ تحمله } فى موقع الحال اى حاملة له - روى - ان زكريا افتقد مريم فلم يجدها فى محرابها فاغتم غما شديدا وقال لابن خالها يوسف اخرج فى طلبها فخرج يقص اثرها حتى لقيها تحت النخلة فلما رجعت الى قومها وهم اهل بيت صالحون وزكريا جالس معهم بكوا وحزنوا ثم

{ قالوا } موبخين لها

{ يا مريم قد جئت شيأ } على ذحف الباء من شيأ ومآله فعلت شيأ

{ فريا } اى عظيما بديعا منكرا مقطوعا بكذبه من فرى الجلد اذا قطعه والفرية بالكسر الكذب والفرى الامر المختلق المصنوع او العظيم وهو يفرى القرى يأتى بالعجب فى عمله وفى الاخترى انه من الاضداد يجئ بمعنى الامر الصالح والسيئ.

قال الكاشفى [ جيزى شكفت يا زشت كه در ميان اهل بيت مثل اين واقع نبوده ].

٢٨

{ يا اخت هارون } روى عن النبى عليه السلام انهم انما عنوا به هارون النبى السلام وكانت من اعقاب من كان معه فى مرتبة الاخوة وذلك بان تكون من اخت هارون او اخيه وكان بينها وبينه الف وثمانمائة سنة

وقيل كان هارون اخاها من ابيها وكان رجلا صالحا وقبل هو اخو موسى نسبت اليه بالاخوة لانها من ولده كما يقال يا اخا العرب اى يا واحدا منهم

{ ما كان ابوك } عمران

{ امرأ سوء } المرء مع الف الوصل الانسان او الرجل ولا يجمع من لفظه كما فى القاموس . وسوء يفتح السين وباضافة امرأ اليه وهى اكثر اسعمالا من الصفة والمعنى ما كان عمران زانيا قاله ابن عباس رضى اللّه عنهما.

قال الكاشفى [ نبوديدتو عمران مردى بد بلكه مردى كه مسجد اقصارا اشرف احبار بود ]

{ وما كانت امك } حنة بنت فاقوذ

{ بغيا } زانية فمن اين لك هذا الولد من غير زوج وهو تقرير لكون ما جاءت به فريا منكرا وتنبيه على ان ارتكاب الفواحش من اولاد الصالحين افحش.

واعلم ان المعتاد من اهل الزمان اذا اظهر اللّه فى كل زمان نبيا او وليا يخصه بمعجزة او كرامة ان ينكر عليه اكثرهم وينسبوه الى الجنون والضلالة والافتراء اولكذب والسحر وامثالها

واما الاقلون فيعرفون ان من سافر عن منزل الجمهور فانه يرجع عن سفره ومعه من العلوم الغريبة والاحوال العجيبة ما لم يألف بها العقول ولم يشاهدها الانظار فلا يرجعون بالرد عيله بل بالاعتقاد . وفى المثنوى

مغزرا خالى كن از انكار يار ... تاكه ريحان يابد ازكلزار يار

تابيابى بوى خلد ازيار من ... جون محمد بوى رحمان ازيمن

٢٩

{ فاشارت اليه } ابى الى عيسى ان كلموه ليجيبكم ويكون كلامه حجة لى والظاهر انها حينئذ بينت نذرها وانها بمعزل عن محاورة الانس

{ قالوا } منكرين لجوابها

{ كيف نكلم } نحدث

{ من كان فى المهد } [ در كهواره يعنى درخور كهواره ]

{ صبيا } ولم نعهد فيما سلف صبيا رضيعا فى الحجر يكلمه عاقل لانه لا قدرة له على فهم الخطاب ورد الجواب وكان لا يقاع مضمون الجملة فى زمان ماض مبهم صالح لقريبه وبعيده وهو ههنا لقريبة خاصة بدليل انه مسوق للتعجب او زائدة والظرف صلة من وصبيا حال من المستكن فيه او تامة او دائمة كما فى قوله تعالى

{ كان اللّه عليما حكيما } يقول الفقير الظاهران كان لتحقيق صباوته فان الماضى دال على التحقيق.

٣٠

{ قال } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا كان بعد ذلك فقيل قال عيسى بلسان فصيح

{ أنى عبد اللّه } اقر على نفسه بالعبودية اول ما تكلم ردا على من يزعم ربوبيته من النصارى وازالة للتهمهة عن اللّه مع افادة ازالة تهمة الزنى عن امه لانه تعالى لا يخص الفاجر بولد مثله.

قال الجنيد ليست بعبد سوء ولا عبد طمع ولا عبد شهوة وفيه اشارة الى ان افضل اسماء البشرية العبودية.

يقول الفقير سمعت من فم حضرة شيخى وسندى روح اللّه روحه انه قال عبد اللّه فوق عبد الرحمن وهو فوق عبد الرحيم وهو فوق عبد الكريم ولذا جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه وكذا عبد الحى وعبد الحق اعلى الاسماء وامثلها لان بعض الاسماء الالهية يدل على الذات وبعضها على الصفات وبعضها على الافعال والاولى ارفع من الثانية وهى من الثالثة . قيل كان المستنطق لعيسى زكريا وقد اكرم اللّه تعالى اربعة من الصبيان باربعة اشياء يوسف بالوحى فى الجب وعيسى بالنطق فى المهد وسليمان بالفهم ويحيى بالحكمة فى الصباوة.

واما الفضيلة العظمى والآية الكبرى ان اللّه تعالى اكرم سيد المرسلين عليه وعليهم السلام فى الصباوة بالسجدة عند الولادة بانه رسول اللّه وشرح الصدر وختم النبوة وخدمة الملائكة والحور عند ولادته واكرم بالنبوة فى عالم الارواح قبل الولادة والباوة وكفى بذلك اختصاصا وتفضيلا

شمسه نه مسند وهفت اختران ختم رسل خواجه بيغمبران

{ آتانى الكتاب } الانجيل

{ وجعلنى نبيا وجعلنى } مع ذلك

{ مباركا } نفاعا معلما للخير اخبر عما يكون لا محالة بصيغة الماضى والجمهور على ان عيسى آتاه اللّه الانجيل والنبوة فى الطفولية وكان يعقل عقل الرجال كما فى بحر العلوم.

يقول الفقير المشهور انه اوحى اللّه اليه بعد الثلاثين فتكون رسالته متأخرة عن نبوته

{ اينما كنت } حيثما كنت فانه لا يتقيد باين دون اين

{ واوصانى بالصلاة } اى امرنى بها امرا مؤكدا

{ والزكاة } اى زكاة المال ملكية.

يقول الفقير الظاهر ان يصاءه بها لا يستلزم غناه بل هى بالنسبة الى اغنياء امته وعموم الخطابات الالهية منسوب الى الانبياء تهييجا للامة على الائتمار والانتهاء

{ ما دمت حيا } فى الدنيا.

قال فى بحر العلوم فيه دلالة بينة على ان العبد ما دام حيا لا يسقط عنه التكاليف والعبادات الظاهرة فالقول بسقوطها كما نقل عن بعض الاباحيين كفر وضلال.

وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى انه ما دام العبد حيا لا بد من مراقبة السر واقامة العبودية وتزكية النفس.

يقول الفقير اقامة التكاليف عبودية وهى اما للتزكية كالمبتدئين

واما للشكر كالمنتهين وكلا الامرين لا يسقط ما دام العبد حيا بالغا فاذا تغير حاله بالجنون ونحوه فقد عذر.

٣٢

{ وبرا } [ مهربان ]

{ بوالدتى } عطف على مباركا اى جعلنى بارا بها محسنا لطيفا وهو اشارة الى انه بلا فحل

{ ولم يجعلنى جبارا } متكبرا . وبالفارسية [ كردنكشى متعظم كه خلق راتكبر كنم وانسانرا برنجانم ]

{ شقيا } عاصيا لربه.

٣٣

{ والسلام علىّ } [ سلام خداى برمنست ]

{ يوم ولدت } بلا والد طبيعى اى من طعن الشيطان

{ ويوم اموت } من شدائد الموت وما بعده

{ ويوم ابعث حيا } حال اى من هول القيامة وعذاب النار . كماهو على يحيى يعنى السلامة من اللّه وجهت الىّ كما وجهت الى يحيى فى هذه الاحوال الثلاثة العظام على ان التعريف للعهد والاظهر على انه للجنس والتعريض باللعن على اعدائه فان اثبات جنس السلام لنفسه تعريض لاثبات ضده لاضداده كما فى قوله تعالى

{ والسلام على من اتبع الهدى } فانه تعريض بان العذاب على من كذب وتولى فلما كلمهم عيسى بهذا الكلام ايقنوا ببراءة امه وانها من اهل العصمة والبعد من اللاريبة ولم يتكلم بعد حتى بلغ سن الكلام.

قال فى الاسئلة المقحمة قوله

{ يوم ابعث حيا } يدل على ان لا حياة فى القبر لانه ذكر حياة واحدة والجواب انه اراد بها الدائمة الباقية بخلاف حياة القبر انتهى.

يقول الفقير لا شك ان حياة البرزخ على النصف من حياة يوم البعث فان الاولى حياة الروح فقط والثانية حياة الروح والجسد معا وهى المراد ههنا ولا انقطاع لحياة الارواح مذ خلقت من الابديات فافهم.

ثم انه نكر فى سلام يحيى وعرف فى سلام عيسى لان الاول من اللّه والقليل منه كثير

قال بعضهم قليلك لا يقال له قليل ولهذا قرأ الحسن اهدنا صراط مستقيما اى نحن راضون بالقيل كذا فى برهان القرآن.

قال شيخى وسندى فى كتاب البرقيات له قدس سره انما اتى بطريق الغيبة فى حق يحيى عليه السلام وطريق الحكاية فى حق عيسى عليه السلام لان كلام منهما اهل الحقيقة والفناء والكمال الجامع بين الجلال والجمال واهل الشريعة والبقاء والجلال والجمال مندرجون تحت حيطة الكمال الا ان الميل الاستعدادى الازلى الى جانب الحقيقة والفناء وكمال الجلال غالب فى جمعية يحيى عليه السلام بحسب الفطرة الالهية الازلية وهذه الغلبة ليست اختيارية بل اضطرارية ازلية حاصلة باستيلاء سلطنة الحقيقة والفناء وكمال الحلال على قلبه وهذا الميل الى جانب الشريعة والبقاء جمال غالب فى جمعية عيسى عليه السلام بحسب الفطرة الالهية الازلية وهذه الغلبة ايضا ليست اختيارية بل اضطرارية حاصلة باستيلاء جولة الشريعة والبقاء وجمال الكمال على قلبه ومقتضى الغلبة اليحياوية السكوت وترك النطق ولذا كان المتكلم فى بيان احواله هو اللّه تعالى واتى بطريق الغيبة لنفسه وهو من قبيل من عرف كل لسانه لغبة الفناء على البقاء وكل من كل لسانه فى معرفة اللّه فهو على مشرب يحيى ومقتضى الغلبة العيسوية النطق وترك السكوت ولذا كان المتكلم فى بيان احاول نفسه واتى بطريق الحكاية دون اللّه تعالى وهو من قبيل من عرف اللّه طال لسانه لغلبة البقاء على الفناء وكل من طال لسانه فى معرفة اللّه فهو على مشرب عيسى عليه السلام وحال كل منهما بقضاء اللّه ورضاه وهما مشتركان فى الجمعية الكبرى مجتمعان فى ميل الاهلية العظمى ومنفردان فى غلبة العليا بان تكون غلبة ميل يحيى عليه السلام الى الفناء وغلبة ميل عيسى عليه السلام الى البقاء ولو اجتمعا فى تلك الغلبة ايضا لما امتاز حال احدهما عن الآخرة بل يكون عبثا نوعا تعالى اللّه عن العبث ولذا لم يتجل لاحد بعين ما يتجلى به لغيره بل انما يتجلى لكل متجل له بوجه آخر ولهذه الحكمة كان الجلال غلابا فى قلب يحيى والجمال غالبا فى قلب عيسى عليه السلام حتى يكون التجلى لكلم منهما بوجه آخر من احدية اصله ويوجد بينهما فرق بعد الجمع وكل من ورث هذا المقام بعدهما الى يوم القيامة من اولياء اللّه الكرام يقول اللّه له لطريق الفيض والالهام السلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا الا ان اولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهو من قبيل مبشراتهم الدنيوية التى اشير اليها بقوله تعالى

{ لهم البشرى فى الحياة الدنيا } الا انهم يكتمون امثاله لكونهم مأمورين بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفى لهم ولا حاجة لهم بعلم غيرهم

واما الانبياء عليهم السلام حتى يؤمن ويقبل دعوتهم واللّه يقول الحق وهو يهدى السبيل انتهى.

قال فى اسئلة الحكم اخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن مقامها حيث قال ( ان عيسى ويحيى القتاي فقال يحيى لعيسى كأنك قد امنت مكراللّه وقال عيسى ليحيى كأنك قد ايست من فضل اللّه ورحمته فاوحى اللّه تعالى اليهما ان احبكما الىّ احسنكما ظنا بى ) وكان عاقبة امره فى مقام الجلال ان قتل فلم يزل فائرا دمه حتى قتل من اجله سبعون الفا قصاصا منه فسكن فورانه وكان عاقبة امر عيسى فى مقام البسط والجمال ان رفع الى السماء اى الى الملأ الاعلى من مظاهر الجمال فكلاهما فى مقامهما فائزان كاملان انتهى

وفى التأويلات النجمية قوله

{ ويوم اموت } فيه اشارة الى ان عيسى المعنى المتولد من نفخ الحق فى القلب قابل الموت بسم غلبات صفات النفس والمعاملات المنتجة منها لئلا يغتر الواصل بانه اذا حى بحياة لا يموت المعنى الذى فى قلبه.

يقول الفقير

اى بسازنده بمرده مغرور ... شده از دائره زندكى دور

كشت بروى متغير حالش ... زهر شد جمله فيض بالش

ماند دوعين قفا صورت او ... كرجه درصورت ظاهر شده رو

دربى نفس بدش هركه دويد ... تانبنداركه سر منزل ديد

قال فى التكملة ولد عيسى عليه السلام فى ايام ملوك الطوائف لمضى خمس وستين سنة من غلبة الاسكندر على ارض بابل

وقيل لاكثر من ذلك وكان حمل مريم به وهى ابنة ثلاث عشرة سنة ونبئ عيسى وهو ابن ثلاثين سنة ورفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وعاشت مريم بعده ست سنين وخرجت به امه من الشام الى مصر وهو صغير خوفا عليه من هيردوس الملك وذلك ان ملك فارس علم بمولده لطلوع نجمه فوجه له هدايا من الذهب والمر واللبان فاتت رسله بالهدايا حتى دخلت على هيردوس فسألوه عنه فلم يعلم به فاخبروه بخبره وبانه يكون نبيا واخبروه بالهدايا فقال لهلم لم اهديتم الذهب قالوا لانه سيد المتاع وهو سيد اهل زمانه قال لهم ولم اهديتم المر قالوا لانه يجبر الجرح والكسر وهو يشفى السقام والعلل قال ولم اهديتم لهم اذا عرفتم مكانه فعرفونى به فانى راغب فيما رغبتم فيه فلما وجدوه دفعوا الهدايا لمريم وارادوا الرجوع الى هيردوس فبعث اللّه لهم ملكا وقال لهم انه يريد قتله فرجعوا ولم يلقوا هيردوس وامر اللّه مريم ان ينتقل به الى مصر ومعها يوسف بن يعقوب النجار فسكنت به فى مصر حتى كان ابن اثنتى عشرة سنة ومات هيردوس فرجعت الى الشام انتهى - روى - ان مريم سلمت عيسى الى معلمه فعلمه ابجد فقال عيسى أتدرى ما ( ابجد ) قال لا فقال اما الالف فآلاء اللّه والباء بهاء اللّه والجيم جلال اللّه والدال دلين اللّه فقال الملعلم احسنت فما ( هوز ) فقال الهاء هو اللّه الذى لا اله الا هو والواو ويل للمكذبين والزاي زبانية جهنم اعدت للكافرين فقال الملعم احسنت فما ( حطى ) قال الحاء حطة الخطايا عن المذنبين والطاء شجرة طوبى والياء يد اللّه على خلقه فقا لاحسنت فما ( كلمن ) قال الكاف كلام اللّه واللم لقاء اهل الجنة بعضهم بعضا والميم ملك اللّه والنون نور اللّه فقال احسنت فما ( سعفص ) قال السين سناء اللّه والعين علم اللّه والفاء فعله فى خلقه والصاد صدقه فى اقواله فقال احسنت فما ( قرشت ) قال القاف قدرة اللّه والراء ربوبيته والشين مشيئته والتاء تعالى اللّه عما يشركون فقال له المعلم احسنت ثم قال لمريم خذى ولدك وانصرفى فانه علمنى ما لم اكن اعرفه كذا فى قصص الانبياء قيل هذه الكلمات وهى ابجد وهوز وحطى وكلمن وسعفص وقرشت وثتخذ وضظغ اسماء ثمانية ملوك فيما تقدم.

وقيل هى اسماء ثمانية من الفلاسفة .

وقيل هذه الكلمات وضعها اليونانيون لضبظ الاعداد وتمييز مراتبها كذا فى شرح التقويم.

وقال محمد بن طلحة فى العقد الفريد اول من وضع الخط العربى واقامه وضنع حرفه واقسامه ستة اشخاص من طسم كانوا نزولا عند عدنان بن داود وكانت اسماؤهم ابجد وهز وحطى وكلمن وسعفص وقرشت ووضعوا الكتابة والخط على اسمائهم فلما وجدوا فى الالفاظ حروفا ليست فى اسمائهم الحقوها بها وسموها الورادف وهى الثاء والخاء والذال والضاد والظاء ولغين على حسب ما يلحق حروف الجمل هذا تلخيص ما قيل فى ذلك

وقيل غيره انتهى.

٣٤

{ ذلك } الذى فصلت نعوته الجليلة

{ عيسى ابن مريم } لا ما يصفه النصارى وهو تكذيب لهم فيما يصفونه علىلوجه الا بلغ والطريق البرهانى حيث جعله موصوفا باضداد ما يصفونه ثم عكس على الحكم

{ قول الحق } قول الثابت والصدق وهو بالنصب على انه مصدر مؤكد لقال انى عبد اللّه الخ وقوله ذلك عيسى ابن مريم اعتراض

{ الذى فيه يمترون } اى يشكون فان المرية الشك فيقولون هو ابن اللّه.

٣٥

{ ما كان لله } ما صح وما استقام له تعالى

{ ان يتخذ من ولد } اى ولدا وجاء بمن لتأكيد النفى العام.

وفى التاويلات النجمية اى جزأ فان الولد جزؤ الوالد كما قال عليه السلام ( فاطمة بضعة منى )

{ سبحانه } اى تنزه وتعالى تنزيها عن بهتان النصارى لانه ليس للقديم جنس اذ لا جنس له ولذلك قالوا لا فضل له

{ اذا قضى امرا } اى اراد كونه

{ فانما يقول له كن فيكون } قال لعيسى كن فكان من غير اب والقول ههنا مجاز عن سرعة الايجاد . والمعنى انه تعالى اذا اراد تكوين الاشياء لم تمتنع عليه ووجدت كما ارادها على الفور من غير تأخير فى ذلك كالمأمور المطيع الذى اذا ورد عله امر الآمر المطاع كان المأمور به مفعولا لاحبس ولا ابطاء وهو المجاز الذى يسمى التمثيل.

٣٦

{ وان اللّه ربى وربكم فاعبدوه } من تمام كلام عيسى عطف على قوله

{ انى عبد اللّه } داخل تحت القول

{ هذا } الذى ذكرته من التوحيد

{ صراط مستقيم } لا يضل سالكه.

٣٧

{ فاختلف الاحزاب } جمع حزب بمعنى الجماعة

{ من بينهم } اى من بين الناس لمخاطبين بقوله

{ ربكم فاعبدوه } وهم القوت المبعوث اليهم فقالت النسطورية هو ابن اللّه واليعقوبية هو اللّه هبط الى الارض ثم صعد الى السماء وقالت الملكانية هو عبد اللّه وبنيه.

وفى التأويلات النجمية اى تحزبا ثلاث فرق فرقة يعبدون اللّه بالسير على قدمى الشريعة والطريقة بالعبور على المقامات والوصولو الى القربات وهم الاولياء والصديقون وهم اهل اللّه خاصة وفرقة يعبدون اللّه على صورة الشريعة واعمالها وهم المؤمنون المسلمون وهم اهل الجنة وفرقة يعبدون الهوى على وفق الطبيعة ويزعمون انهم يعبدون اللّه كما ان الكفار يعبدون الاصنام ويقولون ما نعبدهم الا ليقربوننا الى اللّه زلفى فهؤلاء ينكرون على اهل الحق وهم اهل البدع والاهواء والسمعة والنفاق وهم اهل النار

{ فويل للذين كفروا } وهم المختلفون . والويل الهلاك وهو نكرة وقعت مبتدأ وخبره ما بعده ونظيره سلام عليك فان اصله منصوب نائب مناب فعله لكنه عدل به الى الرفع على الابتداء للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه

{ من مشهد يوم عظيم } اى من شهود يوم عظيم الهول والحساب والجزاء وهو يوم القيامة.

٣٨

{ اسمع بهم وابصر } [ جه شنو باشد كافران وجه بينا ] وهو تعجب من حدة سمعهم وابصارهم يومئذ ومعناه ان استماعهم وابصارهم للهدى

{ يوم يأتوننا } للحساب والجزاء يوم القيامة جدير بان يتعجب منه بعد ان كانوا فى الدنيا صما وعميا والتعجب استعظام الشئ مع الجهل بسببه ثم استعمل لمجرد الاستعظام

{ لكن الظالمون اليوم } اى فى الدنيا

{ فى ضلال مبين } فى خطأ ظاهر لا يدرك غايته اغفلوا الاستماع والنظر بالكلية حين ينفهم

عمر مكن ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف

كه فردابشيمان برآرى خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش

٣٩

{ وانذرهم } خوفهم يا محمد يعنى الظالمين

{ يوم الحسرة } اى من يوم يتحسر فيه ويتحزن الناس ويندمون قاطبة اما المسيئ فعلى اساءته

واما المحسن فعلى قلة احسانه

{ اذ قضى الامر } بدل من يوم الحسرة اى فرغ من الحساب وتصادر الفريقان على الجنة والنار - روى - ان النبى عليه السلام سئل عن ذلك فقال ( حين يجاء بالموت على الصورة الكبش الاملح فيذبح والفريقان ينظرون فينادى المنادى يا اهل الجنة خلود بلا موت ويا اهل النار خلود بلا موت فيزداد اهل الجنة فرحا الى فرح واهل النار غما الى غم )

{ وهم فى غفلة } اى عما يفعل بهم فى الآخرة

{ وهم لا يؤمنون } وهما جملتان حاليتان من الضمير المستتر فى قوله تعالى

{ فى ضلال مبين} اى مستقرون فى ذلك وهم فى تينك الحالتين وما بينهما اعتراض.

٤٠

{ انا نحن } تأكيد لانا

{ نرث } نملك

{ الارض ومن عليها } ذكر من تغليبا للعقلاء اى لا يبقى لاحد غيرنا عليهم ملك ولا ملك وقد سبق فى سورة الحجر ما يتعلق بهذه الآية

{ والينا يرجعون } اى يردون للجزاء الا الى غيرنا استقلالا او اشتراكا.

اعلم ان الرجوع على نوعين رجوع بالقهر وهو رجوع العوام لان نفوسهم باقية مطمئنة بالدنيا فلا يخرجون مما هم عليه بالا بالكراهة ورجوع باللطف وهو رجوع الخواص لان نفوسهم فانية غير مطمئنة بالدنيا والعقبى بل بالمولى الاعلى فيخرجون من الدنيا والموت ولقاء اللّه تعالى احب اليهم من كل شئ . فعلى السالك ان يجتهد فى تحصيل الفناء والبقاء وتكميل الشوق الى اللقاء ويرجع الى اللّه تعالى قبل ان يرجع فان سرذ لمن الملك اليوم دائر على هذا

صرصر فهروى از ممكن وحدت بوزيد ... حس وخاشاك تعين همهبرباد ببرد

هرجه در عرصه امكان بوجود آمده بود ... سيل عزت همه را تا عدم آباد ببرد

ولله عباد خوطبوا فصار كلهم اذنا وشهدوا فضار كلهم عينا وجدوا فى الرحيل حتى حكوا الرحل عند الملك الجليل

نظرت فى الراحة الكبرى فلم ارها ... تنال الاعلى جنس من التعب

والجد منها بعيد فى تطلبها ... فكيف تدرك بالتقصير واللعب

قال الشيخ ابو الحسن المزين رحمه اللّه دخلت البادية على اتلجريد حافيا حاسرا فخطر ببلالى انه ما دخل بهذه البادية فى هذه السنة احد اشد تجريدا منى فجذبنى انسان من ورائى وقال يا حجا كم تحدث نفسك بالاباطيل فظهر ان الترك والتجرد والرجوع فى الحق على مراتب ولكل سالك خطوة فلا يغتر احد بحاله ولا يخطر العجب بباله.

وعن ابراهيم الخواص قدس سره قال دخلت البادية فاصابتنى شدة فكابدتها وصابرتها فلما دخلت مكة داخلنى شئ من الاعجاب فنادتنى عجوز من الطواف يا ابراهيم كنت معك فى البادية فلم اكلمك لانى لم ارد ان اشتغل سرك عنه اخرج هذا الوسواس عنك فظهر انالتوفيق للرجوع الى اللّه انما هو من اللّه وكل كمال فبحوله وقوته ونصرته ومعونته

٤١

{ واذكر فى الكتاب ابراهيم } اى اتل يا محمد على قومك فى السورة او القرآن قصة ابراهيم وبلغها اياهم كقوله تعالى

{ واتل عليهم نبأ ابراهيم } وذلك ان اهل الملل كانوا يعترفون بفضله ومشركوا العرب يفتخرون بكونهم من ابنائه فامر اللّه تعالى حبيبه عليه السلام ان يخبرهم بتوحيده ليقلعوا عن الشرك

{ انه كان صديقا } ملازما للصدق فى كل ما يأتى وما يذر مبالغا فيه قائما فى جميع الاوقات

{ نبيا } خبر آخر لكان مقيد للاول مخصص له اى كان جامعا بيه الصديقية والنبوة وذلك الن الصديقية تلو النبوة ومن شرطها ان لا يكون نبيا الا وهو صديق وليس من شرط الصديق ان يكون نبيا . ولا رباب الصدق مراتب صادق وصدوق وصديق فالصادق من صدق فى قيامه مع اللّه باللّه وفى اللّه وهو الفانى عن نفسه والباقى بربه . والفرق بين الرسول والنبى ان الرسول من بعث لتبليغ الاحكام ملكا كان او انسانا بخلاف النبى فانه مختص بالانسان.

٤٢

{ اذ قال } بدل من باراهيم بدل الاشتمال لان الاحيان مشتملة على ما فيها اى اذكر وقت قوله

{ لابيه } آزر متطلفا فى الدعوة مسهلاله

{ يا ابت } اى يا ابى فان التاء عوض عن ياء الاضفة ولذلك لا يجتمعان اى لا يقال يا ابتى ولا يقال يا باتا لكون الالف بدلا م الياء

{ لم تعبد ما لا يسمع } ثناءك وتضرعك له به عند عبادتك له وما عبارة عن الصورة والتماثيل ولام الاضافة التى جخلت على ما الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر فى قولك بم وعلام وفيم والام ومم وعم حذفت الالف لان ما والحرف كشئ واحد وقل استعمال الاصل

{ ولا يبصر } خضوعك وخشوعك بين يديه

{ ولا يغنى عنك } اى لا يقدر على ان ينفعك

{ شيأ } لا فى الدنيا ولا فى الآخرة وهو مصدر اى شيأ من الاغناء وهو القليل منه او مفعول به اى ولا يدفع عنك شيأ من عذاب اللّه تعالى.

٤٣

{ يا ابت انى قد جاءنى } بطريق الوحى

{ من العلم ما لم يأتك فاتبعنى } ولا تستنكف عن التعلم منى

{ اهدك } [ ما بنماييم ترا ]

{ صراطا سويا } اى مستقيما موصلا الى اعلى المراتب منجيا من الضلال لم يشافهه بالجهل المفرط وان كان فى اقصاه ولميصف نفسه بالعلم الفائق وان كان كذلك بل جعل نفسه فى صورة رفيق له فى مسير يكون اعرف وذلك من باب الرفق واللطف.

٤٤

{ يا ابت لا تعبد الشيطان } فان عبادتك للاصنام عبادة له اذ هو الذى يزينها لك ويغريك عليها

{ ان الشيطان كان للرحمن عصيا } ومن جملة عصيانه اباؤه عن السجدة ومعلوم ان طاعة العاصى تورث النقم وزال النعم والتعرض لعنوان الرحمانية لاظهار كمال شناعة عصيانه.

٤٥

{ يا ابت انى اخاف } ان مت على ما انت عليه من متابعة الشطيان وعصيان الرحمن

{ ان } اى من ان

{ يمسك } يصيبك . وبالفارسية [ برسيدبتو ]

{ عذاب } كائن

{ من الرحمن } وذلك الخوف للمجاملة

{ فتكون } [ بس باشى ]

{ للشيطان وليا } اى قرينا له فى اللعن المخلد او قريبا تليه ويليك من الولى وهو القرب.

٤٦

{ قال } استنائف بيانى كأنه قيل فماذا قال ابوه عند ما سمع منه هذه النصائح الواجبة القبول فقيل قال مصرا على غاده

{ أراغب انت عن آلهتى يا ابرهيم } اى أمعرض ومنصرف انت عنها بتوجيه الانكار الى نفس الرغبة مع ضرب من التعجب كأنه الرغبة عنها مما لا يصدر عن العاقل فضلا عن ترغيب الغير عنها قدم الخبر على المبتدأ للاهتمام والاولى كونه مبتدأ وانت فاعله سد مسد الخبر لئلا يلزم الفصل بين الصفة وما يتلعق بها وهو عن كذا فى تفسر الشيخ

{ لئن لم تنته } واللّه لئن لم ترجع عما كنت عليه من النهى عن عبادتها

{ لارجمنك } بالحجارة حتى تموت او تبعد عنى

وقيل باللسان يعنى اشتم والذم ومنه الرجيم المرمى باللعن واصل الرجم الرمى بالرجام بالكسر وهى الحجارة

{ واهجرنى } عطف على ما دل عليه لارجمنك اى فاحذرنى واتركنى

{ مليا } اى زمانا طويلا سالما منى ولا تكلمنى من الملاوة وهو الدهر.

٤٧

{ قال } ابراهيم وهواسئناف بيانى

{ سلام عليك } [ سلام برتو يعنى ميروم ووداع ميكنم ] فهو سلام مفارقة لاسلام لطف واحسان لانه ليس بدعاء له كقوله

{ سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين } على طريقة مقابلة السيئة بالحسنة ودل على جواز متاركة المنصوح اذا اظهر اللجاج . والمعنى سلمت منى لا اصيبك بمكروه بعد ولا اشافهك بما يؤذيك ولكن

{ سأستغفر لك ربى } السين للاستقبال او لمجرد التأكيد اى استدعيه ان يغفر لك بان يوفقك والاستغفار بهذا المعنى للكافر قل تبيين انه يموتعلى الكفر مما لا ريب فى جوازه وانما المحظور استدعاؤه له مع بقائه على الكفر فانه مما لا مساغ له عقلا ولا نقلا

واما الاستغفار له بعد موته على الكفر فلا يأباه قضية العقل وانما الذى يمنعه السمع ألا يرى الى انه عليه السلام قال لعمه ابى طالب ( لا ازال استغفر لك ما لم أنه عنه ) فنزل قوله تعالى

{ ما كان للنبى والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين } الآية ولا اشتباه فى ان هذا الوعد من ابراهيم وكذا قوله

{ لاستغفرن لك } وما ترتب عليهما من قوله

{ واغفر لابى } انما كان قبل انقطاع رجائه عن ايمانه لعدم تبين امره

{ فلما تبين انه عدو لله تبرأ منه } { انه كان بى حفيا } اى بليغا فى البر والالطاف يقال حفيت به بالغت وتحفيت فى اكرامه بالغت.

٤٨

{ واعتزلكم } اى اتباعد عنك وعن قومك بالمهاجرة بدينى حيث لم يؤثر فيكم نصائحى

{ وما تدعون من دون اللّه } اى تعبدون

{ وادعو ربى } اى اعبده وحده

{ عسى أن لا اكون بدعاء ربى شقيا } اى بدعائى اياه خائبا ضائع السعى وفيه تعريض لشقائهم فى عبادتهم آلهتهم

حاجت زكى خواه كه محتاجانرا ... بى بهره نكرداند از انعام عميم

وفى تصدير الكلام بعسى اظهار التواضع ومراعاة حسن الادب.

٤٩

{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه } بالمهاجرة الى الشام.

قال فى تفسير الشيخ فارتحل من كونى الى الارض المقدس

{ ووهبنا له اسحاق ويعقوب } ابن اسحاق بدل من فارقه من اقربائه الكفرة لا عقيب المجاوزة والمهاجرة فان المشهور ان الموهوب حينئذ اسماعيل لقوله

{ فبشرناه بغلام عليم } اثر دعائه بقوله

{ رب هب لى من الصالحين } ولعل تخصيصها بالذكر لانهما شجرة الانبياء او لانه اراد ان يذكر اسماعيل بفضل على انفراد

{ كلا جعلنا نبيا } اى كل واحد منهم جعلناه نبيا لا بعضهم دون بعض فكلا مفعول اول لجعلنا قدم عليه للتخصيص لكن لا بالنسة الى من عداهم بل بالنسبة الى بعضهم.

٥٠

{ ووهبنا لهم من رحمتنا } كل خير دينى ودنيوى مما لا يوهب من العالمين

{ وجعلنا لهم لسان صدق عليا } ثناء حسنا رفيعا فان لسان لاصدق هو الثناء الحسن على ان يكون المراد باللسان ما يوجد به من الكلام ولسان العرب واضافته من اضافة الموصوف الى الصفة اى يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته بقوله

{ واجعل لى لسان صدق فى الآخرين } اعلم ان فى الآيات اشارات . منها الرفق وحسن الخلق فان الهادى الى الحق يجب ان يكون رفيقا فان العنف يوجب اعراض المستمع وفى الحديث ( اوحى اللّه الى ابراهيم ان خليل حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الابرار فان كلمتى سبقت لمن حسن خلقه بان اظله تحت عرشى واسكنه حظيرة القدس وادينه من جوارى ) قال الصائب

كذشت عمر ونكردى كلام خودرا نرم ... ترا جه حاصل ازين آسياى دندانس

ومنها المتابعة قال ابو القاسم الطريق الى الحق المتابعة من علت مرتبته ابتع الكتاب ومن نزل عنهم اتبع الرسول عليه السلام ومن نزل عنهم اتبع الصحابة رضى اللّه عنهم ومن نزل قال اشد ما على النفس الاقتداء فانه ليس للنفس فيه نفس ولا راحة.

ومنها العزلة قال ابو القاسم من اراد السلامة فى الدنيا والآخرة ظاهرا وباطنا فليعتزل قرناء السوء واخدان السوء ولا يمكنه ذلك الا بالالتجاء والتضرع الى ربه فى ذلك ليوفقه لمفارقتهم فان المرأ مع من احب.

قال بعض الكبار العزلة سبب لصمت اللسان فمن اعتزل عن الناس لم يجد من يحادثه فاداه ذلك الى صمت اللسان وهى على قسمين عزلة المريدين بالاجسام عن الاغيار وعزلة المحققين بالقلوب عن الاكوان فليست قلوبهم محالا لغير علم اللّه اذى هو شاهده الحصال فيها من المشاهدة ونية اهل العزلة اما اتقاء شر الناس

واما اتقاء شره المتعدى اليهم وهو ارفع من الاول اذ سوء الظن بالنفس اولى من سوء الظن بالغير

واما ايثار صحبة المولى على صحبة السوى فاعلى المعتزلين من اعتزل عن نفسه ايثار الصحبة ربه فمن آثر العزلة على المخالطة فقد آثر ربه على غيره ولم يعرف احد ما يعطيه اللّه من المواهب والاسرار والعزلة تعطى صمت اللسان لا صمت القلب اذ قد يتحدث المرؤ فى نفسه بغير اللّه ومع غير اللّه فلهذا جعل الصمت ركنا برأسه من اركان الطريق وحال اعزلة التنزيه عن الاوصاف سالكا كاد المعتزل يكون صاحب يقين مع اللّه تعالى حتى لا يكون له خاطر متعلق بخارج بيت عزلته والهجرة سبب للعزلة عن الاشرار من هاجر فى طلب رضى اللّه اكرمه اللّه فىلدنيا والآخرة . فعلى العاقل ان يجتهد فى تحصيل الرضى بالهجرة والخلوة والعزلة ونحوها : قال الصائب

درمشرب من خلوت اكر خلوت كوراست ... بسيار به از صحبت ابناى زمانست

ومنها ان من فارق محبوبه ابتغاء لمرضاة اللّه تعالى فان اللّه تعالى يجعل له بدلا خيرا من ذلك واحب فيأنس به ويتوحش عما الف به فيما مضى فيحصل الحل والعقد على مراد اللّه اللهم اجعلنا من المنقطعين اليك والمستوحشين عما سواك والسالكين الى سبيل الفناء والطالبين لرضاك.

٥١

{ واذكر فى الكتاب موسى } قدم ذكره على اسماعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب

{ انه كان مخلصا } اخلصه اللّه من الادناس والنقائص ومما سواه وهو معنى الفتح الموافق للصديق فان اهل الاشارة قالوا ان الصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو التخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقا والصديق والمخلص بالفتح من باب واحد وهو التخلص ايضا من شوائب الغيرية.

قال فى التأويلات النجمية اعلم ان الاخلاص فى العبودية مقام الاولياء فلا يكون ولى الا وهو مخلص ولا يكون كل مخلص نبيا ولا يكون رسولا الا وهو نبى ولا يكون كل نبى رسولا والمخلص بكسر اللام من اخلص نفسه فى العبودية بالتزكية عن الاوصاف النفسانية الحيوانية والمخلص بكسر الام من اخلصه اللّه بعد التزكية بالتحلية بالصفات الروحانية الربانية كما قال النبى عليه السلام ( من اخلص لله اربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ) وقال تعالى ( الاخلاص سرّ بينى وبين عبدى لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل انا الذى اتولى تحلية قلوب المخلصين بتجلى صفات جمالى وجلالى لهم ) وفى الحقيقة لا تكون العبودية مقبولة الامن المخلصين لقوله تعالى

{ وما امروا الا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدين } ولا خلاص المخلصين مراتب ادناها ان تكون العبودية لله خالصة لا يكون لغير اللّه فيها شركة واوسطها ان يكون العبد مخلصا فى بذل الوجود لله الى اللّه واعلى درجة المخلصين ان يخلصهم من حبس وجودهم بان يفنيهم عنهم ويبقيهم بوجود

{ وكان رسولا نبيا } ارسله اللّه الى الخلق فانبأهم عنه ولذلك قدم رسولا مع كونه اخص واعلى.

يقول الفقير تأخير نبيا لاجل الفواصل.

٥٢

{ وناديناه من جانب الطور الايمن } الطور جبل بين مصر ومدين والايمن فىلاصل خلاف الايسر اى جانب اليمن وهو صفة للجانب اى ناديناه من ناحيته اليمنى وهى التى تلى يمين موسى ازلا يمين للجبل ولا شمال او من جانبه الميمون من اليمن ومعنى ندائه منه انه تمثل له الكلام من تلك الجهة.

وقال فى الجلالين اقبل من مدين يريد مصر فنودى من الشجرة وكانت فى جانب الجبل على يمين موسى

{ وقريناه نجيا } تقريب تشريف مثل حاله بحال من قربه الملك لمناجاته وصطفاه لمصابته حيث كلمة بغير واسطة ملك ونجيا اى مناجيا حال من احد الضميرين فى ناديناه والمناجاة [ راز كفتن ] كما فى التهذيب يقال ناجاه مناجاة ساره كما فى القاموس.

٥٣

{ ووهبنا له من رحمتنا } اى من اجل رحمتنا ورأفتنا به

{ اخاه هارون } اخاه مفعول وهنا وهارون عطف بيان لاخاه

{ نبيا } حال منه ليكون معه وزيرا معينا كما سأل ذلك ربه فقال

{ واجعل لى وزيرا من اهلى } فالهبة على ظاهرها كما فى قوله

{ ووهبنا له اسحق ويعقوب } فان هارون كان اسن من موسى فوجب الحمل على المعاضدة والموازرة [ صاحب كشف الاسرار كويد حضرت موسى عليه السلام را هم روش بود وهم كشش اشارت بروش او

{ ولما جاء موسى } عبارة از كشش او

{ وقر بناه نجا } سالك تار در روش است خطب دارد وجون كشش در رسد خطر را باوكار نيست يعنى درسلوك شوب تفرقه هست وجذبه محض جمعيت است

با خود روى بيحاصلى جون او كشيدت واصلى ... رفتن كجا بردن كجا اين سر ربانيست اين ... قال المولى الجامى

سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند

وفى التأويلات النجمية قوله

{ ووهبنا له من حرمتنا اخاه هارون نبيا } يشير الى ان النبوة ليست بكسبية بل هى من مواهب الحق تعالى يهب لمن يشاء النبوة ويهب لمن يشاء الرسالة من رحمته وفضله لا من كسبهم وجتهادهم على ان توفيق الكسب والاجتهاد ايضا من مواهب الحق تعالى وفيه اشارة الى ان موسى عليه السلام اشد اختصاصا بالقربة والقبول عند اللّه تعالى حتى يهب اخاه هرون النبوة والرسالة بشفاعته والعجب ان اللّه تعالى يهب النبوة والرسالة بشفاعته موسى عليه السلام وانه يهب الانبياء والرسل محمد صلّى اللّه عليه وسلّم لقوله ( الناس يحتاجون الى شفاعتى حتى ابراهيم عليه السلام ) اللهم اجعلنا من المستسعدين بشفاعته واحشرنا تحت لوائه ورايته.

٥٤

{ واذكر فى الكتاب اسماعيل } فصل ذكره عن ذكر ابيه واخيه لابراز كمال الاعتناء بامره بايراده مستقلا اى واتل على قومك يا محمد فى القرآن قصة جدك اسماعيل وبلغها اليهم

{ انه كان صادقا الوعد } فيما بينه وبين اللّه وكذا بين الناس . قال فى التأويلات النجمية فما وعد اللّه باداء العبودية انتهى.

والوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها وايراده بهذا الوصف لكمال شهرته به واتصاله باشياء فى هذا الباب لم تعهد من غيره.

عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان اسماعيل عليه السلام وعد صاحبا له ان ينتظره فى مكان فانتظره سنة

نيست بر مردم صاحب نظر ... صورتى از صدق ووفا خوبتر

وناهيك انه وعد الصبر على الذبح فوفى حيث قال

{ ستجدنى ان شاء اللّه من الصابرين } وفيه حيث على صدق الوعد والوفاء به والاصل فيه نيته لقوله عليه السلام ( اذا وعد الرجل اخاه ومن نيته ان يفى لم يفى ولم يجيئ للميعاد فلا اثم عليه )

واعلم ان اللّه تعالى اثنى على اسماعيل بكونه صادق الوعد اشارة الى ان الثناء انما يتحقق بصدق الوعد واتيان الوعد بالموعود لا بصدق الوعيد واتيان المتوعد بما توعد به اذ لا يثنى عقلا وعرا على من يصدر منه الآفات والضمرات بل على من يصدر منه الخيرات والمبرات ومن هذا ذهب بعض العلماء الى ان الخلف فى الوعيد جائز على اللّه تعالى دون الوعد صرحه الامام الواحدى فى الوسيط فى قوله تعالى فى سورة النساء ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) الآية وفى الحديث ( من وعد لاحد على عمله ثوابا فهو منجز له ومن اوعده على عمله عقابا فهو بالخيار ) والعرب لا تعد عيبا ولا خلفا ان يعد احد شرائم لا يفعله بل ترى ذلك كرما وفضلا كما قيل

وانى اذا اوعدته او وعدته ... لمخلف ايعادى ومنجز موعدى

وقيل

اذا عد السرّاء نجر وعده ... وان اوعد الضرّاء فالعقل مانعه

واحسن يحيى بن معاذ فى هذا المعنى حيث قال لالوعد والوعيد حق فالوعد حق العاد على ما ضمن لهم اذا فعلوا ذلك ان يعطيهم كذا ومن اولى بالوفاء من اللّه والوعيد حقه على العباد قال لا تفعلوا كذا فاعذبكم ففعلوا فان شاء عفا وان شاء ىخل لانه حقه واولاهما العفو الكرم لانه غفور رحيم كذا فى شرح العضد للجلال الدوانى

{ وكان رسولا } ارسله اللّه تعالى الى جزهم والى العماليق والى قبائل اليمن فى زمن ابيه ابراهيم عليهما السلام.

قال فى القاموس جرهم كقنفذ حى من اليمن تزوج فيهم اسماعيل

{ نبيا } يخبر عن اللّه وكان على سريعة ابيه ابراهيم ولم يكن له كتاب انلز اليه باجماع العلماء وكذا لوط واسحاق ويعقوب.

٥٥

{ وكان يأمر اهله } الخاص وهو من اتصل به بجهة الزوجية والولاد والعام وهو من اتصل به بجهة الدعوة وهم قومه ويجوز ان يرجح الاول لان الاهم ان يقبل الرجل بالتكميل على نفسه ومن هو اقرب الناس اليه قال تعالى

{ وانذر عشيرتك الاقربين } { وأمر اهلك بالصلاة } { قو انفسكم واهليكم نارا } فانهم اذا صلحوا صلح الكل وتزيى بزيهم فى الخير والصلاة

{ بالصلاة } التى هى اشرف العبادات البدنية

{ والزكاة } التى هى افضل العبادات المالية.

وفيه اشارة الى ان من حق الصالح ان يصح للاقارب والاجانب ويحظيهم بالفوائد الدينية

اى صاحب كرامت شكرانه سلامت ... روزى تفقدى كن درويش بى نوارا

{ وكان عند ربه مرضيا } فى الاقوال والافعال والاحوال . وفى الجلالين مرضيا لانه قد قام بطاعته انتهى

اى مرد اكرت رضاء دلبر بايد ... آن بايد كرد هرجه اوفرمايد

كركويد خون كرى مكو ازجه سبب ... وركويد جان بده مكوكه نايد

وعن بعض الصالحين انه قال نزل عندى اضياف وعلمت انهم من ابدال فقلت لهم اوصونى بوصية بالغة حتى اخاف اللّه قالوا نوصيك بستة اشياء . اولها من كثر نومه فلا يطمع فى ورقة قلبه . ومن كثرا كله فلا يطمع فى قيام الليل . ومن اختار صحبة ظالم فلا يطمع فى استقامة دينه ومن كان الكذب والغيبة عادته فلا يطمع فى ان يخرج من الدنيا مع الايمان . ومن كنز اختلاطه بالناس فلا يطمع فى حلاوة العبادة . ومن طلب رضى الناس فلا طمع فى رضى اللّه تعالى.

واعلم ان المرضى المطلق هو الانسان الكامل الجامع لجميع الكمالات المحيط بحقائق جميع الاشياء والصفات

واما من دونه فمرضى بوجه دون وجه وعلى خال دون حال نسأل اللّه سبحانه ان يجعلنا من اهل الرضى واليقين والسكون والتمكين آمين.

٥٦

{ واذكر فى الكتاب ادريس } هو جد ابى نوح فان نوحا بن لمك بن متوشلخ بن اخنوخ وهو ادريس النبى عليه السلام ابن يرد بن مهلاييل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم ولد وآدم حى قبل ان يموت مبائة سنة كذا فى روضة الخطيب.

وقال الكاشفى [ درجامع الاصول آورده كه ادريس بصد سال بعد ازوفات آدم متولد شده ] هو اول من وضع الميزان والمكيال واول من اتخذ السلاح وجاهد فى سبيل اللّه وسى واسترق بنى قابيل واول من خط بالقلم ونظر فى علم الحساب والنجوم واول منى خاط الثياب وكانوا يلبسون الجلود واول من لبس ثوب القطن واشقاقه من الدرس يمنه صرفه نعم لا يبعهد ان يكون فى تلك اللغة قريبا من ذلك فلقب به لكثرة دراسته اذ روى انه تعالى انزل عليه ثلاثين صحيفة

{ انه كان صديقا } ملازما للصدق فى جميع احواله

{ نبيا } خبر آخر لكان مخصص للاول اذ ليس كل صديق نبيا.

قال عباس ان عطاء ادنى منازل المرسلين اعلى مراتب النبيين وادنى مراتب النبيين اعلى مرتب الصديقين وأدنى مراتب الصديقين اعلى مراتب المؤمنين.

٥٧

{ ورفعناه مكانا عليا } وهو السماء الرابعة فان النبى عليه السلام رأى آدم ليلة المعراج فى السماء الدنيا ويحيى وعيسى فى الثانية ويوسف فى الثالثة وادريس فى الرابعة وهارون فى الخامسة وموسى فى السادسة وابراهيم فى السابعة.

واختلف القائلون بانه فى السماء أهو حى فيها ام ميت فالجمهور على انه حى وهو الصحيح وقالوا اربعة من الانبياء فى الاحياء اثنان فى الارض وهم الخضر والياس واثنان فى السماء ادريس وعيسى كما فى بحر العلوم.

قال الكاشفى [ در رفع ادريس اخبار متنوعه هست ابن عباس فرمودكه روزى ادريس را حرارت آفتاب غلبه كرد مناجات كردكه آلهى باوجود اين مقدار بعد كه ميان من وآفتاب هست ازحرارت او باحتراق نزديك شدم آيا آن فرشته كه حامل اوست جه حال داشتنه باشد خدايا بار آفتاب وشدت بروسبك كردان واورا ازتاب حرارت آفتاب درسايه عنايت خود محفوظ دار

ازتاب آفتاب حوادث جه غم خورد ... آنراكه سائبان عنايت بناه اوست

حق سبحانه وتعالى دعاى او متسحاب فرمود روزديكر آن فرشته كه حامل آفتابست خودرا سبكبار يافت وتأثيرى ازحرارت او فهم نكرد سبب آنرا از حضرت عزت استعانمود خطاب رسيدكه بنده من ادريس درحق تو دعا كرده ومن اجابت كردم آن فرشته اجازت خواست كه بزيارت ادريس آيداجازت يافت وبرزمين آمد وبالتماس ادريس اورا به بر بافر خود نشانيده بآسمان برد ونزديك مطلع آفتاب رسانيده وباستعدعاى ادريس كميت عمر وكيفيت اجل وى ازملك الموت برسيد وعزرائيل درديوان اعمار نكاه كرده فرمود كه حكم آ لهى درباره اين كس كه توميكويى آنست كه حالى نزديك مطلع آفتاب متوفى شود وجود آن فرشته بازآمد ادريس را يافت نقدجان بخازن اجل سبرده طوطى روحش بشكرستان قدس برواز كرده . وروايتى ديكر آنست كه ملك الموت ازكثرت طاعت ادريس مشتاق ديدارش شد وباذن حق تعالى برزمين آمده ويرادريافت وبامر آلهى وبالتماس ادريس جانش برداشت وباز حق سبحانه جانش داد وعزرائيل اورا بآسمان برد ودوزخ بدو نمود واز آنجا ببهشت رفت وديكر بيرون نيامد ] فالآية دلت على رفعته وعلى علومكانه وهو ذلك الشمس اما رفعته فبتبعية مكانه

واما علو مكانه فبوجهين احدهما باعتبار ما تحته من الكرات الفلكية والعنصرية وثانيهما باعتبار المرتبة بالنسبة الى جميع الافلاك وذلك ان فلك الشمس تحته سبعة افلاك فلك الزهرة وفلك عطارد وفلك القمر وكرة الاثير اى النار وكرة الهواء وكرة الماء وكرة التراب وفوقه سبعة افلاك ايضا فلك المريخ وفلك المشترى وفلك زحل وفلك الثوابت والفلك الاطلس وفلك الكرسى وفلك العرش فاعلى الامكنة بالمكانة والمرتبة فلك الشمس الى هو قطب الافلاك اذ الفيض انما يصل من روحانيته الى سائر الافلاك كما ان من كوكبه يتنور الافلاك جميعا وذلك كما يقال على القلب يدور البدن اى منه يصل الفيض الى سائر البدن وفى فلك الشمس مقام روحانية ادريس كما يشعر به حديث المعراج.

وفى التأويلات النجمية المكان العلى فوق المكونات عند المكون فى مقعد صدق عند مليك مقتدر انتهى.

وقد اعطى اللّه تعالى للمحمديين علو المكانة لكن العبد لا يتصور ان يكون عليا مطلقا اذ لا ينال درجة الا ويكون فى الوجود ما هو فوقها وهى درجات الانبياء والملائكة نعم تتصور انينال درجة لا يكون فى جنس الانس من يفوقه وهى درجة نبينا عليه السلام ولكنه قاصر بالاضافة الى العلو المطلق لانه علو بالاضافة الى بعض الموجودات والآخر علو بالاضافة الى الوجود لا بطريق الوجوب بل يقارنه امكان وجود انسان فوقه فالعلى المطلق هو الذى له الفوقية لا بالاضافة وبحسب الوجوب لا بحسب الوجود الذى يقارنه امكان نقيضه : وفى المثنوى

دست بربالاى دست اين تاكجا ... تا بيزدان كه اليه المنتهى

كان يكى درياسات بى غور وكران ... جمله درياها جوسيلى بيش آن

حيلها وجارها كر ازدهاست ... بيش الا اللّه انها جمله لاست

فعلى العامة ان لا يلتفتوا الى العلو الاضافى الحاصل من بعض الرياسات كالقضاء والتدريس والامامة والامارة ونحوها وعلى الخاصة ان لا ينظروا الى العلو الاعتبارى الحاصل من بعض المقامات كالافعال والصفات فان الكمال الحقيقى هو الترقى من كل اضافة فانية وعلاقة زائلة والتجرد من ملابس كل كون حادث صورة ومعنى ألا ترى الى حال اصحاب الصفة رضى اللّه عنهم نسأل اللّه تعالى ان لا يجعلنا من المفتخرين بغيره.

٥٨

{ اولئك } اشارة الى المذكورين فى هذه السورة من زكريا الى ادريس وهو مبتدأ خبره قوله

{ الذين انعم اللّه عليهم } بانواع النعم الدينية والدنيوية واصناف المواهب الصورية والمعنوية وقد اشير الى بعض ما يخص كلا منهم

{ من النبيين } بيان للموصول ونظيره فى سورة الفتح

{ وعد اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة } { من ذرية آدم } بدل منه باعادة الجار يقال ذرأ الشئ كثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين كما فى القاموس

{ وممن حملنا مع نوح } اى ومن ذرية من حملنا معه فى سفينته خصوصا وهم من عدا ادريس فان ابراهيم كان من ذرية سام بن نوح

{ ومن ذرية ابراهيم } وهم الباقون

{ واسرائيل } عطف على ابراهيم اى ومن ذرية اسرائيل اى يعقوب وكان منهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى.

وفيه دليل عى ان اولاد البنات من الذرية لان عيسى من مريم وهى من نسل يعقوب

{ وممن هدينا واجتبينا } اى ومن جملة من هديناهم الى الحق واصطفيناهم للنبوة والكرامة قالوا من فيه للتبيين ان عطف على من النبيين وللتبعيض ان عطف على ومن ذرية آدم

{ اذا تتلى } تقرأ

{ عليهم } على هؤلاء الانبياء

{ آيات الرحمن } اى آيات الترغيب والترهيب فى كتبهم المنزلة

{ خروا } سقطوا على الارض حال كونهم

{ سجدا } ساجدين جمع ساجد

{ وبكيا } باكين جمع باك واصله بكويا والمعنى ان الانبياء قبلكم مع مالهم من علو الرتبة فى شرف النسب وكمال النفس والزلفى من اللّه تعالى كانوا يسجدون ويبكون لسماع آيات اللّه فكونوا مثلهم وفى الحديث ( اتلوا القرآن وابكوا فان لم تبكوا فتباكوا ) يقالوا تباكى فلان اذا تكلف البكاء اى ان لم تبك اعينكم فلتبك قلوبكم يعنى تحزنوا عند سما القرآن فان القرآن نزل بحزن على المحزونين.

قال الكاشفى [ كلام دوست مهيج شوقست جون آتش شوق بركانون دل بر افزوخته كردد ازديده خون ريختن كيرد

اى دريغا اشك من دريايدى ... تانثار دلبر زيبا بدى

اشك كان ازبهر آن بارند خلق ... كوهرست واشك بندارندخلق

قال فى التأويلات النجمية

{ خروا } بقلوبهم على عتبة العبودية

{ سجدا } بالتسليم للاحكام الازلية

{ وبكيا } بكاء السمع بذوبان الوجود على نار الشوق والمحبة انتهى.

قالوا ينبغى ان يدعو الساجد فى سجدته بما يليق بآياتها فههنا يقول ( اللهم اجعلنى من عبادك المنعم عليهم المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك ) وفى آية الاسراء ( اللهم اجعلنى من الباكين اليك الخاشعين لك ) وفى آية تنزيل السجدة يقول ( اللهم اجعلنى من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك واعوذ بك ان اكون من المستكبرين عن امرك ).

٥٩

{ فَخَلَفَ من بعدهم خَلْفٌ } يقال لعقب الخير خلق بفتح اللام ولعقب الشر خلق بالسكون اى فعقب الانبياء المذكورين وجاء بعدهم عقب سوء من اولادهم.

وفى الجلالين بقى من بعد هؤلاء قوم سوء يعنىليهود والنصارى والمجوس انتهى.

وفى الحديث ( ما من نبى بعثه اللّه فى امه الا كان له من امته حواريون واصحابه يأخذون بسنته ويعتقدون بامره ثم انها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفلعون يوفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسنة فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليست وراء ذلك من الايمان حبة خردل ) ذكره مسلم

{ اضاعوا الصلاة } تركوها او اخروها عن وقتها او ضيعوا ثوابها بعد الاداء بالنميمة والغيبة والكذب والنحوها او شرعوا فيها بلا نية وقاموا لها بلا خضوع وخشوع

{ واتبعوا الشهوات } من شرب الخمر واستحلال نكاح الاخت من الاب والانهماك فى فنون المعاصى.

وعن على رضى اللّه عنهم هم من بنى المشيد وركب المنظور ولبس الشمهور وفى الحديث ( اوحى اللّه الى داود مثل الدنيا كمثل جيفة اجتمعت عليها الكلاب يجرونها أفتحب ان تكون كلبا مثلهم فتجر معهم يا داود طيب الطعام ولين اللباس والصبت فى الناس والجنة فى الآخرة لا يجتمعان ابدا )

واعلم ان تيسير اسباب الشهوات ليس من امارة الخير وعلامة النجاة فى الآخرة ومن ثمة امتنع عمر رضى اللّه عنه من شرب ماء بارد بعسل وقال اعزلوا عنى حسابها.

وقال وهب بن منبه التقى ملكان فى السماء الرابعة فقال احدهما للآخر من اين فقال امرت بسوق حوت من البحر اشتهاه فلان اليهودى وقال الآخر امرت باهراق زيت اشتهاه فلان العابد والشهوة فى الاصل التتمنى ومعناها بالفارسية [ آرزو خواستن ] والمراد بها فى الآية المشتهيات المذمومة . والفرق بين الهوى والشهوة ان الهوى هو المذموم من جملة الشهوات والشهوة قد تكون محمودة وهى من فعل اللّه تعالى وهو ما يدعو الانسان الى الصلاح وقد تكون مذمومة وهى من فعل النفس الامارة بالسوء وهى استجابتها لما فيه لذاتها البدنية ولا عبادة لله اعظم واشرف من مخالفة الهوى والشهوات وترك اللذات : قال الشيخ سعدى

مبر طاعت نفس شهوت يرست ... كه هر ساعتش قبله ديكرست

مر دترى هرجه دل خواهدت ... كه تمكين تن نورجان كاهدت

كند مردزا نفس اماره خوار ... اكر هو شمندى عزيزرش مدار

{ فسوف يلقون غيا } اى شرا فان كل شر عند العرب غى فكل خير رشاد.

وعن الضحاك جزاء غى كقوله تعالى

{ يلق اثاما } اى جزاء اثام.

وقيل غى واد من جهنم يستعيذ من حره اوديتها اعد للزانى وشارب الخمر وآكل الربا وشاهد الزور ولاهل العقوق وتارك الصلاة.

٦٠

{ الا من تاب } رجع من الشرك والمعاصى

{ وآمن } اختيار الايمان مكان الكفر

{ وعمل صالحا } بعد التوبة والندم

{ فاولئك } المنعوتين بالتوبة والايمان والعمل الصالح

{ يدخلون الجنة } بموجب الوعد المحتوم

{ ولا يظلمون } لا ينقصون من جزاء اعمالهم

{ شيأ } ولا يمنعونه فالظلم بمعنى النقص والمنع وشيأ مفعوله ويجوز ان يكون شيأ فى موضع المصدر اى ولا يظلمون البتة شيأ من الظلم.

٦١

{ جنات عدن } بدل من الجنة بدل البعض لان الجنة تشتمل على جنات عدن وما بينهما اعتراض وجنات عدن علم الجنة مخصوصة كشهر رمضان وقد يحذف المضاف حيث يقال جاء رمضان

وقيل جنات عدن علم لدار الثواب جميعها والعدن الاقامة وهو الانسب بمثل هذا المقام فان جنة عدن المخصوصة وجنة الفردوس لا يدخلهما العوام بالاصالة لانهما مقام المقربين

{ التى وعد الرحمن عباده } اى وعدها اياهم ملتبسة

{ بالغيب } اى وهى غائبة عنهم غير حاضرة او غائبين عنها لا يرونها وانما آمنوا بها بمجرد الاخبار والتعرض لعنوان الرحمة للايذان بان وعدها وانجازه لكمال سعة رحمة تعالى.

وفى الاضافة اشارة الى ان المراد من يعبده مخلصا له فى العبودية لا يعبد الدنيا والنفس والهوى اذ كمال التشريف بالاضافة انما يحصل بهذا المعنى فله جنة عدن المخصوصة

{ انه } اى اللّه تعالى

{ كان وعده } اى موعوده الذى هو الجنة

{ مأتيا } اى يأتيه من وعد له لا محالة بغير خلف فالمأتى بمعنى المفعول من الاتيان او بمعنى الفاعل اى جائيا البتة.

٦٢

{ لا يسمعون فيها } فى تلك الجنات

{ لغوا } اى فضول كلام لا طائل تحته وهو كناية عن عدم صدور اللغو عن اهلها.

وفيه تنبيه على ان اللغو مما ينبغى ان يجتنب عنه فى هذه الدار ما امكن

{ الا سلاما } استثناء منقطع اى لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم او تسليم بعضهم على بعض

{ ولهم رزقهم فيها بكرة } [ امداد ]

{ وعشيا } [ شبانكاه ] والمراد دوام الرزق كما يقال انا عند فلان صباحا ومساء يراد الدوام منه

وقيل يؤتى طعامهم على مقدار البكرة والعشى اذ لا نهار ثمة ولا ليل بل هم فى نور ابدا وانما وصف اللّه الجنة بذلك لان العرب لا تعرف من العيش افضل من الرزق بالبكرة والعشى.

قال الامام فى تفسيره فان قيل المقصود من الآيات وصف الجنة بأمور مستعظمة وليس وصول الرزق بكرة وعشيا منها قلنا قال الحسن اراد ان يرغب كل قوت بما احبوه فى الدنيا فلذلك ذكر اساور الذهب والفضة ولبس الحرير الذى كان عادة العجم والارائك التى كانت عادة اشراف اليمن ولا شئ احب الى العرب من الغداء والعشاء.

قال فى التأويلات النجمية

{ ولهم رزقهم فيها } من رؤية اللّه تعالى

{ بكرة وعشيا } كما جاء فى الخبر ( واكرمهم على اللّه من ينظر الى وجهه غداة وعشيا ) انتهى.

٦٣

{ تلك } اشارة الى الجنة المذكورة المتقدمة يريد تلك التى بلغك وصفها وسمعت بذكرها

{ الجنة } قال فى الارشاد مبتدأ وخبر جيى به لتعظيم شأن الجنة وتعيين اهلها ويجوز ان يكون الجنة صفة للمبتدأ الذى هو اسم الاشارة وخبره قوله

{ التى نورث } اى نورثها ونعطيها بغير اختيار الوارث

{ من عبادنا من كان تقيا } مجتنبا عن الشرك والمعاصى مطيعا لله اى نبقيها عليهم بتقواهم ونمتعهم بها كما نبقى على الوارث مال مورثه ونمتعه به.

قال فى الاسئلة المقحمة كيف قال نورث والميراث ما انتقل من شخص الى شخص والجواب ان هذا على وجه التشبيه اراد ان الاعمال سبب لها كالنسب ملك بلا كسب ولا تكلف وكذا الجنة عطاء من اللّه ورحمة منه خلافا للقدرية انتهى.

والوراثة اقوى ما يستعمل فى التملك والاستحقاق من حيث انها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ولا ابطال والا اسقاط . قال فى الاشباه لو قال الوارث تركت حقى بطل حقه انتهى.

وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التى كانت لاهل النار لو آمنوا واطاعوا زيادة فى كرامتهم.

قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة اعلم ان الجنات ثلاث.

الاولى جنة اختصاص الهى وهى أتلى يدخلها الاطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحدهم من اول ما يولد الى ان يستهل صارخا الى انقضاء ستة اعوام ويعطى اللّه من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء ومن اهلها المجانين الذين ما عقلوا ومن اهلها اهل التوحيد العلمى من اهلها اهل الفترات ومن لم تصل اليهم دعوة رسول.

والجنة الثانية جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا من المؤمنين وهى الاماكن التى كان معينة لاهل النار لو دخلوها . والجنة الثالثة جنة الاعمال وهى التى ينزل الناس فيها باعمالهم فمن كان افضل من غيره فى وجوه التفاضل كان له من الجنة اكثر سواء كان الفاضل بهذه الحال دون المفضول او لم يكن فما من عمل الا وله جنة يقع التفاضل فيها بين اصحابها ورد فى الحديث الصحيح عن النبى عليه السلام انه قال لبلال ( يا بلال بما سبقتنى الى الجنة فما وطئت منها موضعا الا سمعت خشخشتك امامى ) فقال يا رسول اللّه ما احدثت قط الا توضأت وما توضأت الا صليت ركعتين فقال رسول اللّه عليه السلام ( بهما ) فعلمنا انها كانت جنة مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه الا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد اعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما ينبغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فضل وترك فيؤجر فى الزمن الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس له ذلك نسأل اللّه تعالى ان يجعلنا من اهل الطاعة.

٦٤

{ وما نتنزل الا بامر ربك } قال مجاهد ابطأ الملك على رسول اللّه عليه السلام ثم اتاه فقال له عليه السلام ( ما حبسك يا حبرائيل ) قال وكيف آتيكم وانتم لا تقصون اظفاركم ولا تأخذون شواربكم ولا تنقون براجمكم ولا تستاكون ثم قرأ

{ وما نتنزل الا بامر ربك } كما فى اسباب النزول وسفية الابرار وفى الحديث ( نقوا براجمكم ) وهى مفاصل الاصابع والعقد التى على ظهرها يجتمع فيهالوسخ واحدها برجمة وما بين العقدتين يسمى راجبة والجمع رواجب وذلك مما يلى ظهرها وهو قصبة الاصبح فلكل اصبع برجمتاه وثلاث رواجب الا الابهام فان له برجمة وراجبتين فامر بتنقيته لئلا يدرن فيبقى فيه الجنابة ويحول الدرن بين الماء والبشرة ذكره القرطبى.

وقال بعض المفسرين وهو حكاية لقول جبريل حين استبطأه رسول اللّه لما سئل عن اصحاب الكهف وذى القرنين والروح فلم يدر كيف يجيب ورجا ان يوحىليه فى فابطأ عليه اربعين يوما او خمسة عشر فشق عليه ذلك مشقة شديدة وقال المشركون ودعه ربه وقلاه فلما نزل بيان ذلك قال له ( بطأت علىّ حتى ساء ظنى واشتقت اليك ) قال جبريل انى كنت اشوق ولكنى عبد مأمور اذا بعثت نزلت واذا حبست احتبست فانزل اللّه هذه الآية وسورة والضحى . والتنزل النزول على مهل لانه مطاوع للتنزيل والمعنى قال اللّه لجبريل قل لمحمد وما نتنزل وقتا غب وقت الا بامر اللّه على ما تقتضيه حكمته

{ له } اى لله بالاختصاص

{ ما بين ايدينا } من الامور الاخروية الآتية

{ وما خلفنا } من الامور الدنيوية الماضية

{ وما بين ذلك } ما بين ما كان وما سيكون اى من هذا الوقت الى قيام الساعة.

وفى التأويلات النجمية

{ له ما بين ايدينا } من التقدير الازلى

{ وما خلقنا } من التدبير الابدى

{ وما بين ذلك } من ازل الى الابد انتهى.

ونظيره قوله تعالى

{ يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم } { وما كان ربك نسيا } [ فراموشكار يعنى ازحال توآكاهست نهركاه كه خواهد مارا بتوفرستد ].

قال اهل التفسير فعيل بمعنى فاعل من النسيان بمعنى الترك اى تاركا لك كما زعمت الكفرة وان تأخر عنك الوحى لمصلحة او بمعنى نقيض الذكر الذى هو الغفلة اى غافلا عنك.

٦٥

{ رب السموات والارض } خبر مبتدأ محذوف اى هو مالكهما

{ وما بينهما } من الخلق فكيف يجوز النسيان على الرب

{ فاعبده } اى اذا كان هو الرب فاثبت على عبادته يا محمد والعبادة قيام العبد بما تعبد به وتكلف من امتثال الاوامر والنواهى.

وفى التأويلات النجمية

{ فاعبده } بجسدك ونفسك وقلبك وسرك وروحيك فعبادة جسدك اياه باركان الشريعة وهى الائتمار بما امرك اللّه به والانتهاء عما نهاك اللّه عنه وعبادة نفسك بآداب الطريقة وهى ترك موافقة هواها ولزوم مخالفة هواها وعبادة القلب الاعراض عن الدنيا وما فيها والاقبال على الآخرة ومكارمها وعبادة السر خلوه عن تعلقات الكونين اتصالا باللّه تعالى ومحبة وعبادة الروح ببذل الوجود لنيل الشهود

{ واصطبر لعبادته } اى اصبر لمشاقها ولا تحزن بابطاء الوحى واستهزاء الكفرة وشماتتهم بك فانه يراقبك ويراعيك ويلطف بك فى الدنيا والآخرة . وتعدية الاصطبار باللام لا بحرف الاستعلاء كما فى قوله

{ واصطبر عليها } لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما تورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمبارز اصطبر لقرنك اى اثبت له فيما يورد عليك من شدائده وحملاته

{ هل تعلم له سميا } السمى الشريك فى الاسم والثمل والشبيه اى مثلا ان يستحق ان يسمى الها وانما قيل للمثل سمى لان كل متشاكلين يسمى كل واحد منهما باسم المثل والشبيه والنظير وكل واحد منهما سمى لصاحبه او احدا يسمى اللّه غيره فان المشركين مع غلوهم فى المكابرة لم يسموا الصنم بالجلالة اصلا والمراد بانكار العلم ونفيه انكار المعلوم ونفيه اى لا يكون ولم يكن ذلك.

قال الكاشفى [ يكى از آثار سطوت آلهى آن بودكه هيج كس ازاهل شرك معبود خودرا اللّه نكفتنه اند عزت احديت وغيرت الوهيت اين اسم سامى را ازتصرف كفار وتسميه ايشان درحصن حصين امان محفوظ داشت وزبان اهل ايمانرا درنعمت ومحنت وسرا وضرا بتكرر آن نام نامى جارى ساخت ]

اللّه اللّه جه طرفه امست اين ... حرزدل وردجان تمامست اين

بس بود نزد صاحب معنى ... حسبى اللّه كواه اين دعوى

روى ان بعض الجبابرة سمى نفسه بلفظ الجلالة فصهر ما فى بطنه من دبره وهلك من ساعته وقال فرعون مصر للقبط انا ربكم الا على ولم يقدر ان يقول انا اللّه.

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما لا يسمى احد الرحمن وغيره.

قال المولى الفنارى فى ترتيب اسماء البسملة ان لاسم الجلالة اختصاصا وضعيا واستعماليا وللرحمن اختصاصا استعماليا وقولهم رحمن اليمامة لمسيلمة نعنت فى كفرهم كما لو سموه اللّه مثلا ولا اختصاص للرحيم قالت قريش لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلغنا انك انما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن وانا واللّه لن نؤمن بالرحمن ابدا وقد عنوا بالرحمن مسيلمة الكذاب

وقيل عنوا كاهنا كان لليهود باليمامة وقد رد اللّه عليهم بان الرحمن المعلم له هو اللّه تعالى بقوله

{ قل هو ربى لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب } اى توبتى ورجوعى كما فى انسان العيون وتكره التسمية بالاسماء التى لا تليق الا باللّه كالرحمن والرحيم والاله والخالق والقدوس ونحوها قال اللّه تعالى

{ وجعلوا لله شركاء قل سموهم } قال بعض المفسرين قل سموهم باسمائى ثم انظروا هل تليق بهم الاى لا تليق بهم وغير رسول اللّه صلى اللّه عليه السلام اسم العزيز لان العزة لله وشعار العبد الذلة والاستكانة كما فى ابكار الافكار.

٦٦

{ ويقول الانسان } بطريق الانكار والاستبعاد للبعث وهو ابى بن خلف حين فت عظما بالياء فقال يزعم محمد انا نبعث بعد ما نموت ونصير الى هذه الحال

{ ائذا ما مت } وكنت رميما

{ لسوف اخرج } من القبر حال كونى

{ حيا } وبالفارسية [ آياجون بميرم من هرآينه زود بيرون شوم ازخاك زنده يعنى جكونه تواندبودكه مرده زنده شود وازخاك بيرون آيد ] تقديم الظرف وايلاؤه حرف الانكار لما ان المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة وانتصابه بفعل دل عليه اخرج وهو البعث لا به فان ما بعد اللام لا يعمل يما قبلها لصدارتها وهى فى الاصل للحال وههنا للتأكيد المجرد اى لتأكيد معنى همزة الانكار فى ائذا ولذا جاز اقترانها بسوف الذى هو حرف الاستقبال.

وفى التكملة اللام فى قوله تعالى

{ لسوف } ليست للتأكيد فانه منكر فكيف يحقق ما ينكر وانما كلامه حكاية لكلام النبى عليه السلام كأنه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ان الانسان اذا مات لسوف يخرج حيا فانكر الكافر ذلك وحكى قوله فنزلت الآية على ذلك حكاه الجرجانى فى كتاب نظم القرآن.

قال فى بحر العلوم لما كانت هذه اللام لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ولام الابتداء لا تدخل الا على الجملة من المبتدأ والخبر وجب تقدير مبتدأ وخبر وان يكون اصله لانا سوف اخرج حيا وما فى أئذا ما للتوكيد ايضا وتكرير التوكيد انكار على انكار.

٦٧

{ أولا يذكر الانسان } الهمزة للانكار التوبيخى والواو لعطف الجملة المنفية على مقدر يدل عليه يقول . والذكر فى الاصل هو العلم بما قد علم من قبل ثم تخلله سهو وهم ما كانوا عالمين فالمراد به هنا التذكر والتفكر والمعنى أيقول ذلك ولا يتكفر

{ انا خلقناه من قبل } اى من قبل الحالة التى هو فيها وهى حالة بقائه

{ ولم يك } اصله لم يكن حذفت النون تخفيفا لكثرة الاستعمال او تشبيها بحروف العلة فى امتداد الصوت.

وقال الرضى النون مشابه للواو فى الغنة

{ شيأ } بل كان عدما صرفا فيعلم ان من قدر على الابتداء من غير مادة قدر على الاعادة بجميع المواد بعد تفريقها وفى هذا دليل على صحة القياس حيث انكر عليه وجهلة فى ترك قياس النشأة الاخرى على الولى فيستدل به على البعث والاعادة قيل لو اجتمع الخلق على ايراد حجة فى البعث على هذا الاختصار ما قدروا.

٦٨

{ فوربك } الواو للقسم . والمعنى بالفارسية [ بس بحق بروردكار توكه بوقت قيامت ]

{ لنحشرنهم } لنجمعن القائلين بالسوق الى المحشر بعد ما اخرجناهم من الارض احياء

{ والشياطين } معهم وهم الذين اغووهم اذ كل كافر سيحشر مع شيطانه فى سلسلة

{ ثم لنحضرنهم حول جهنم } حال كونهم

{ جثيا } جمع جاث من جثا يجثو ويجثى وجثيا فيهما جلس على ركبتيه كما فى القاموس اى جالسين على الركب لما يعرضهم من شدة الامر التى لا يطيقون معها القيام على ارجلهم.

وعن ابن عباس رضى اللّه عنها جثيا جماعات جمع جثوة وهى الجماعة واختاره فى تفسير الجلالين.

٦٩

{ ثم لننزعن } لنخرجن قاله البغوى والنزع الجذب

{ من كل شيعة } امة وفرقة شاعت اى نبعث غاويا من الغواة

{ ايهم } موصول حذف صدر صلته منصوب بنزعن الذين هم او استفهام مبتدأ خبره اشد فرفعه على الحكاية اى لننزعن الذين يقال لهم ا يهم

{ اشد } [ سختتر وبسيارتر ]

{ على الرحمن } [ برخداى تعالى ]

{ عتيا } [ از جهت سركشى وجرأت يعنى اول ازهر امتى آنرا كه نافرمان تربوده جدا كنيم ] يقال عتا على فلان اذا تجاوز الحد فى الظلم والمقصود انه يميز من كل طائفة منهم الا عصى فالاعصى فاذا اجتمعوا يطرح فى النار على الترتيب.

قال فى الكبير يحضرهم او لاثم يخص اشدهم تمردا بعذاب اعظم اذ عذاب الضال المضل يجب ن يكون فوق عذاب من يضل تبعا وليس عذاب من يورد الشبهة كعذاب من يقتدى به غافلا قال اللّه تعالى

{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } انتهى.

يقول الفقير فى الآية تهديد عظيم لابى المذكور وانه اول منزوع من مشركى العرب لكونه اشد على الرحمن عتيا من جهة مقالته المذكورة.

واعلم ان اول الامر البعث ثم الحشر ثم الاحضار ثم النزع ثم الادخال فى النار وهو قوله تعالى

٧٠

{ ثم لنحن اعلم بالذين هم اولى } [ سزاوار ترند ]

{ بها } [ بآتش دوزخ ]

{ صليا } دخولا يعنى [ ميدانيم كه كيست سزاى انكه اورا نخست در آتش افكنند ] وهم المنتزعون يقال صلى يصلى كلقى يلقى ومضى يمضى اذا دخل النار.

٧١

{ وان منكم } اى وما منكم ايها لاناس

{ الا واردها } اى واصل جهنم وداخلها

{ كان } اى ورودهم اياها

{ على ربك حتما } مصدر حتم الامر اذا اوجبه فسمى به الموجب كقولهم خلق اللّه وضرب الامير اى امرا محتوما اوجبه اللّه على ذاته

{ مقضيا } حتى انه لا بد من وقوعه البتة.

٧٢

{ ثم ننجى الذين اتقوا } [ بس نجات دهيم آنانرا كه برهيز كردند ازشرك يعنى بيرون آريم ازدوزخ ] احال الورود الى الوارد واحال النجاة الى نفسه تعالى.

ففيه اشارة الى ان كل وارد يرد بقدم الطبيعة فى هاوية الهوى ان شاء وان ابى ولو خلى الى طبيعته لا ينجو منها ابدا ولكن ما نجا من نجا الا بانجاء اللّه تعالى اياه

{ ونذر } نترك

{ الظالمين } لانفسهم بالكفر والمعاصى

{ فيها } فى جهنم

{ جثيا } [ بزانو در آمد كان ] وهو اشارة الى هوانهم وتقاعدهم عن الحركة الى الجنة مع الناجين.

وفى تفسير الجلالين جثيا اى جميعا انتهى.

اعلم ان الوعيدية وهم المعتزلة قالوا ان من دخلها لا يخرج منها وقالت المرجئة لا يدخلها مؤمن قط وقالوا ان الورود ههنا هو الحضور لا الدخول فاما اهل السنة فقالوا يجوز ان يعاقب اللّه العصاة من المؤمنين بالنار ثم يخرجهم منها.

وقالوا معنى الورود الدخول كقوله تعالى

{ فاوردهم النار } وقال تعالى

{ حصب جهنم انتم لهم واردون } وبدليل قوله تعالى

{ ثم ننجى الذين اتقوا } والنجاة انما تكون بعد الدخول فيها كقوله تعالى

{ فنجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين } فان قلت كيف يدخلونها واللّه تعالى يقول

{ اولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها } قلت المراد به الابعاد عن عذابها . قال فى الاسئلة المقحمة يجوز ان يدخلوها ولا يسمعوا حسيسها لان اللّه تعالى يجعلها عليهم بردا وسلاما كما جعلها على ابراهيم عليه السلام فالمؤمنون يمرون بجهنم وهى برد وسلام والكافرون وهى نار كما ان الكوز الواحد كان يشربه القبطى فيصير دما والاسرائيلى فيكون ماء عذبا

مؤمن فسون جه داند برآتشش بخواند ... سوزش درو نماند كردد جونور روشن

وفى الحديث ( جز يا مؤمن فان نورك قد اطفأ لهبى ) وفى المثنوى

كويدش بكذر سبك اى محتشم ... ورنه آتشهاى تومرد آتشم

فان قلت اذا لم يكن فى دخول المؤمنين عذاب فما الفائدة فيه . قلت وجوه . الاول ان يزيدهم سرور اذا علموا الخلاص منه . والثانى يزيد غم اهل النار لظهور فضيحتهم عند المؤمنين والاولياء الذين كانوا يخوفونهم بالنار.

والثالث يرون اعداءهم المؤمنين قد تخلصوا منها وهم يبقون فيها . والرابع ان المؤمنين اذا كانوا معهم فيها بكتوهم فيزداد غمهم . والخامس ان مشاهدة عذابهم توجب مزيد التذاذهم بنعيم الجنة . يقول الفقير لا شك عند اهل المعرفة ان جهنم صورة النفس الامارة ففى الدنيا يرد كل من الانبياء والاولياء والمؤمنين والكافرين هاوية الهوى بقدم الطبيعة لكن الانبياء لكون نفوسهم من المطمئنة يجدونها حامدة

واما الاولياء فيردون عليها وهى ملتهبه ثم يجهدون الى ان يطفئوها بنور الهدى ويلتحق بهم بعض المؤمنين وهم المعفو عنهم ولا يمر هؤلاء الطوائف الجليلة بالنار فى الآخرة فلا يحترقون بها اصلا

واما الكفار فلما كان كفرهم كبرت الهوى فى الدنيا فلا جرم يدخلون النار فى الآخرة وهى ملتهبة فيبقون هناك محترقين مخلدين ويلتحق بهم بعض العصاة وهم المعذبون لكنهم يخرجون منها بسبب نور تقواهم عن الشرك.

وقال ابن مسعود والحسن وقتادة ورودها الجواز على الصراط الممدود عليها وذلك لانه لا طريق الى الجنة سوى الصراط فالمرور فى حكم الورود وفى الحديث ( لا يموت لمسلم ثلاث من الولد فيلج النار الا تحلة القسم ) وهى قوله تعالى

{ وان منكم الا واردها } والنحلة مصدر حللت اليميين اى ابررتها ونحلة القسم ما يفعله الحالف مما اقسم عليه مقدار ما يكون بارا فى قسمه فهو مثل فى القليل المفرط القلة . وقال مجاهد ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده فى الدنيا لقوله عليه السلام ( الحمى من فيح جهنم فابردوها ) بالماء وفى الحديث ( الحمى حظ كل مؤمن من النار ) وقد جاء ( ان حمى ليلة كفارة سنة ومن حم يوما كان له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته امه ) وعن جابر رضى اللّه عنه استأذنت الحمى على رسول اللّه عليه السلام فقال ( من هذه ) قالت ام ملدم فامر بها عليه السلام الى اهل قبا فلقوا منها ما لا يعلمه الا اللّه فشكوا اليه عليه السلام فقال ( ان شئتم دعوت اللّه ليكشفها عنكم وان شئتم تكون لكم طهورا ) قالوا أو يفعل ذلك قال ( نعم ) قالوا فدعها قالت عائشة رضى اللّه عنها قدمنا المدينة وهى اوبى ارض اللّه ولما حصلت لها الحمى قال لها عليه السلام ( مالى اراك هكذا ) قالت بابى انت وامى يا رسول اللّه هذه الحمى وسبتها فقال ( لا تسبيها فانها مأمورة ولكن ان شئت علمتك كلمات اذا قلتهن اذهب اللّه عنك ) قال فعلمنى قال ( قولى اللهم ارحمن جلدى الرقيق وعظمى الدقيق من شدة الحريق يا ام ملدم ان كنت آمنت باللّه العظيم فلا تصدعى الرأس ولا تنتنى الفم ولا تأكلى اللحم ولا تشربى الدم وتحولى عنى الى من اتخذ مع اللّه الها آخر ) فقالت فذهبت عنها كذا فى انسان العيون.

٧٣

{ واذا تتلى } [ وجون خوانده شود ]

{ عليهم } الى على المشركين

{ آياتنا } القرآنية

{ بينات } واضحات الاعجاز والمعانى وهى حال مؤكدة فان آيات اللّه لا ينفك عنها الوضوح

{ قال } [ كويند ]

{ الذين كفروا } كنضر بن الحارث واصحابه

{ للذين آمنوا } اى لفقراء المؤمنين واللام للتبليغ كما فى مثل قوله تعالى

{ وقال لهم نبيه } او لام الاجل اى لاجلهم فى حقهم

{ أيّ الفريقين } اى المؤمنين والكافرين كأنهم قالوا اينا

{ خير } نحن او انتم

{ مقاما } مكانا ومسكنا يعنى [ مارا منازل نزه است وهمه اسباب معيشت ]

{ واحسن نديا } اى مجلسا ومجتمعا.

قال بعض المفسرين الندى المجلس الجامع لوجوه قومهم واعوانهم وانصارهم يعنى [ در مجمع ما همه صناديد قريش واشراف عرب اند ودر مجلس او همه موالى وضعفا ] - روى - انهم كانوا يرجلون شعورهم ويدهنونها ويتطيبون ويتزينون بالزين الفاخرة فاذا مسعوا الآيات الواضحات وعجزوا عن معارضتها والدخل عليها قالوا مفتخرين بالحظوظ الدنيوية على فقراء المؤمنين لو كنتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم فى الدنيا احسن لان الحكيم لا يليق به ان يوقع اولياءه فى لاعذاب والذل واعداءه فى العز والراحة لكن الامر بالعكس وقصدهم بهذا الكلام صرفهم عن دينهم فرد اللّه عليهم بقوله

{ وكم اهلكنا قبلهم من قرن } كم مفعول اهلكنا ومن قرن بيان لابهامها واهل عصر قرن لمن بعدهم لانهم يتقدمونهم مأخوذ من قرن الدابة وهو مقدمها.

وقال الكاشفى [ من قرن : كروهى را مجتمع بودند در زمان واحد ] انتهى كأنه اخذه من الاقتران

{ هم احسن } فى محل النصب على انه صفة لكم

{ اثاثا } تمييز عن النسبة وهو متابع البيت يعنى [ نيكوتر ازجهت امتعه بيت كه آرايش منازل بدان باشد ]

{ ورئيا } هو المنظر والهيئة فعل من الرؤية لما يرى كالطحن لما يطحن والمعنى كثير من القرون التى كانوا افضل منهم فيما يفتخرون به من الحظوظ الدنيوية كعاد وثمود واضرابهم من الامم العاتية قبل هؤلاء اى كفار قريش اهلكناهم بفنون العذاب لو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا لما فعلنا بهم ما فعلنا.

وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى كأنه قيل فلينظر هؤلاء ايضا مثل ذلك.

قال الكاشفى [ نه آن مال هلاك از ايشان دفع كرد ونه آن جمال عذاب از ايشان باز داشت ].

برمال وجمال خوبشتن تكيه مكن ... كانرا بشى برند وآنرا بتبى

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان اهل الانكار واهل العزة باللّه

{ واذا تتلى عليهم آيتنا بينات } من الحقائق والاسرار

{ قال الذين كفروا } ستروا الحق بالانكرا والاستهزاء

{ للذين آمنوا } من اهل التحقيق اذا رأوهم مرتاضين مجاهدين مع انفسهم متحملين متواضعين متذللين متخاشعين وهم متنعمون متمولون متكبرون متبعوا شهوات انفسهم ضاحكون مستبشرون

{ أى الفريقين } منا ومنكم

{ خير مقاما } منزلة ومرتبة فى الدنيا ووجاهة عند الناس وتوسعا فى المعيشة

{ واحسن نديا } مجلسا ومنصبا وحكما فقال تعالى فى جوابهم

{ وكم اهلكنا قبلهم من قرن } اى اهلكناهم بحب الدنيا ونعيمها اذا غرقناهم فى بحر شهواتها واستيفاء لذاتها والتعزز بمناصبها

{ هم احسن اثاثا ورئيا } استعدادا واستحقاقا فى الكمالات الدينية منكم كما قال عليه السلام ( خياركم فى الاسلام خياركم فى الجاهلية اذا فقهوا )

٧٥

{ قل } للمفتخرين بالمال والمنال

{ من } شطرية والمعنى بالفارسية [ هركه ]

{ كان } مستقرا

{ فى الضلالة } [ دركمر اهى ودر دورى ازراه حق ] مغمورا بالجهل والغفلة عن عواقب الامور

{ فليمدد له الرحمن مدا } اى يمد له ويمهله بطول العمر واعطاه المال والتمكين من التصرفات واخراجه على صيغة الامر للايذان بان ذلك مما ينبغى ان يفعل بموجب الحكمة لقطع المعادير او للاستدراج واعتبار والاستقرار فى الضلالة لما ان المد لا يكون الا للمصرين عليها اذ رب ضال يهديه اللّه والتعرض لعنوان الرحمانية لما ان المد من احكام الرحمة الدنيوية.

قال شيخى وسندى قدس سره فى بعض تحريراته

{ فليمدد له الرحمن مدا } اى فليستدرجه الرحمن استدراجا بمد عمره وتوسيع ماله وتكثير ولده او فليمهله الرحمن امهالا بمد راحته على الطغيان وايصال نعمته على وجه الاحسان حتى يقع فى العقاب والعذاب على سبيل التدريج لا التعجيل فيكون عقابه وعذابه اكمل واشمل اثرا والما لان الاخذ على طريق التدريج والنعمة اشد منه على طريق التعجيل والنقمة مع ان مبدأ المبأ المد مطلقا هو الرحمن دون القهار او لجبار لان كلا منهما مبدأ الشدة ولذلك عبر به لا بغيره هذا هو الخاطر ببالى فى وجه التعبير بالرحمن وان كانت اشدية عقاب الرحمن وجها لكن وجه اشدية عقابه ما ذكرنا لانه اذا اراد العقاب يأتى به على وجه الرحمة والنعمة فيكون كدرا بعد الصفا والمار بعد الراحة وشدة بعد الرخاء فهذا اقوى اثرا والحاصل لا يتصور وقوع المد المذكور الا من الرحمن لانه اصله ومنشأه انتهى كلامه روح اللّه روحه

{ حتى اذا رأوا ما يوعدون } [ تاوقتى كه ببينند آنجه بيم كرده شده اند بدان ] غاية للمد الممتد وجمع الضمير فى الفعلين باعتبار معنى من كما ان الافراد الضميرين الاولين باعتبار لفظها

{ اما العذاب

واما الساعة } تفصيل للموعود على سبيل البدل فانه اما العذاب الدنيوى بغلبة المسلمين واستيلائهم لعيهم وتعذيبهم اياهم قتلا واسرا

واما يوم القيامة وما ينالهم فيه من الحزن والنكال على طريقة منع الخلو دون الجمع فان العذاب الاخروى لا ينفك عنهم بحال.

قال الامام اى لو فرض ان هذا الضال امتنعم قد مد له فى اجله أليس انه ينتهى الى عذاب فى الدنيا او فى الآخرة فسيعلم ان النعم لا تنفعه كما قال تعالى

{ فسيعلمون } جواب الشرط والجملة محكية بعد حتى فانها هى التى تحكى بعدها الجملة ولذا وقع بعد الجملة الشرطية اى حتى اذا عاينوا ما يوعدون من العذاب الدنيوى او الاخروى فقط فسيعلمون حينئذ

{ من هو شر مكانا } من الفريقين بان يشاهدوا الامر على عكس ما كانوا يقدرونه فيعلمون انهم شر مكانا لا خير ماقما.

قال الكاشفى [ بس بدانند آنرا كه بدترست از هر دو كروه ازجهت مكان جه جاى مؤمنان درجات جنان باشد ومأوى اشان دركات نيران ].

افتخار از رنك وبو واز مكان ... هست شادى وفريب كودكان

قال فى بحر العلوم جعلت الشرارة للمكان ليفيد اثباتها لاهله لانه اذا ثبت الامر فى مكان الرجل فقد ثبت له كما فى قولهم المجد بين ثوبيه والكرامة بين برديه

{ واضعف جندا } اى فئة وانصارا لا احسن نديا كما كانوا يدعونه.

قال فى تفسير الجلالين وذلك انهم ان قتلوا ونصر المؤمنون عليهم علموا انهم اضعف جند ضعفاء كلا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون اللّه وما كان منتصرا وانما ذكرا ذلك ردا لما كانوا يزعمون ان لهم اعوانا من الاعيان وانصارا من الاخيار ويفتخرون بذلك فى الاندية والمحافل.

٧٦

{ ويزيد اللّه الذين اهتدوا هدى } كلام مستانف سيق لبيان حال المهتدين اثر بيان حال الضالين اى ويزيد اللّه المؤمنين ايمانا وعملا ويقينا ورشدا كما زاد الضالين ضلالا ومدهم فى استدراجهم

{ والباقيات الصالحات خير } كلام مستأنف وارد من جهته تعالى لبيان فضل اعمال المهتدين غير داخل فى حيز الكلام الملقن لقوله تعالى

{ عند ربك ثوابا } هو الجزاء لانه نفع يعود الى المجزى وهو اسم من الاثابة او التثويب اى الاعمال التى تبقى عائدتها ابدا خير عند ربك من مفاخرات الكفار وحظوظهم العاجلة

{ وخير مردا } مرجعا وعاقبة لان مآلها رضوان الل والنعيم الدائم ومآل هذه السخط والعذاب المقيم . وقال الكاشفى يعنى [ اكر كافرا انرا دردنيا جاه ومال است ودر آخرت وبال ونكال خواهدشد اما مؤمن دردنيا هم هدايت دارندوهم حمايت ودر آخرت هم ثواب خواهند داشت وهم حسن المآب ]

بدنيى سر فراز ونام دارند ... بعبى كامدار وكام كارند

ففى الآية اشارة الى ان الضرر القليل المتناهى الذى يعقبه نفع كثير غير مثناه كما هو حال المؤمنين خير من عكسه كما هو حال الكافرين فامهال الكافر وتمتيعه بالحياة الدنيا ليس لفضله كما ان قصور حظ المؤمن منها ليس لنقصه بل لان اللّه تعالى اراد به ما هو خير له وعوضه منه.

واعلم ان الباقيات الصالحات هى اعمال الآخرة كلها ومنها الكلمات الطيبة . قال ابو الدرداء رضى اللّه عنه جلس رسول اللّه عليه السلام ذات يوم واخذ عودا يابسا وازال الورق عنه ثم قال ( ان قول لا اله اللّه واللّه اكبر وسبحانه اللّه والحمد لله ليحط الخطايا كما يحط ورق هذه الشجرة الريح حذهن يا ابا الدرداء قبل ان يحال بينك ويبنهن فهن الباقيات الصالحات وهى من كنوز الجنة )

وفى التأويلات النجيمة الباقيات الصالحات هى الاعمال الصالحات التى هى من نتائج الواردات الالهية التى ترد من عند اللّه الى قلوب اهل الغيوب يعنى كل عمل يصدر عن من عند نفس العبد من نتائج طبعه وعقله لا يكون من الباقيات الصالحات يدل عليه قوله

{ ما عنكم ينفد وما عند اللّه باق } انتهى.

فعلى العاقل ان يجتهد فى صلاح النفس وتزكيتها ليتولد منها الاعمال الباقية والاحوال الفاضلة ويحل له نسل بلا عقم ونكاح منتج قوانا اللّه واياكم فى ذلك آمين.

٧٧

{ أفرأيت الذى كفر بآياتنا } نزلت فيمن سخر بالبعث وهو العاص بن وائل كان لخباب بن الارت عليه مال فتقاضاه فقال له لا حتى تكفر بمحمد فقال لا واللّه لا اكفر بمحمد حيا ولا ميتا ولا حين نبعث قال واذا بعثت جئتنى فيكون لى مال وولد فاعطيك والهمزة للتعجب من حاله والايذان بانها من الغرابة والشناعة بحيث يجب ان يرى ويقضى منها العجب والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام اى أنظرت فرأيت الذى كفرا بآياتنا التى من جملتها آيات البعث

{ وقال } مستهزئا بها مصدرا كلامه باليميين الفاجر

{ لأوتين } فى الآخرة ان بعثت يعنى [ بمن دهند ]

{ مالا وولدا } اى انظر اليه يا محمد فتعجب من حالته البديعة وجراءته الشنيعة.

٧٨

{ اطلع الغيب } همزته استفهام واصله أأطلع من قولهم اطلع الجبل اذا ارتقى الى علاه وطلع الثنية . والمعنى أقد بلغ من عظمة الشان الى ان ارتقى الى علم الغيب الذى توحد به العليم الخبير حتى ادعى ان يؤتى فى الآخرة مالا وولدا واقسم عليه

{ ام اتخذ عند الرحمن عهدا } او اتخذ من عالم الغيب عهدا بذلك فانه لا يتوصل الى العلم به الا باحد هذين الطريقين علم الغيب وعهد من عالمه

وقيل العهد كلمة الشهادة والعمل الصالح فان وعد اللّه بالثواب عليهما كالعهد الموثق عليه.

٧٩

{ كلا } ليس الامر على ما يقول

{ سنكتب ما يقول } سنحفظ عليه ما يقول من الذكب والكفر والاستهزاء فنجازيه به

{ ونمد له من العذاب مدا } مكان ما يدعيه لنفسه من الامداد بالمال والولد اى نطول له من العذاب ما يستحقه.

٨٠

{ ونرثه } بموته

{ ما يقول } اى مسمى ما يقول ومصداقه وهو ما اوتيه فى الدنيا من المال والولد.

وفيه ايذان بانه ليس لما يقوله مصداق موجود سوى ما ذكر اى ننزع ما آتيناه كما فى الارشاد.

وقال فى العيون ما بدل من هاء نرثه بدل اشتمال اى نهلكه ونورث ماله وولده غيره . وقال الكاشفى [ وميراث ميكيريم آنجه ميكويدكه فردا بمن خواهند داد يعنى مال وفرزند ]

{ ويأتينا } يوم القيامة

{ فردا } وحيدا خاليا لا يصحبه مال ولا ولد كان له فى الدنيا فضلا عن ان يؤتى ثمة زائدا.

وفى الآية اشارة الى ان اهل الغرور يدعون الاحراز للفضيلتين المال والولد فى الدنيا والنجاة والدرجات فى الآخرة وينكرون على اهل التجرد لى الاعراض عن الكسب واعتزال النساء والاولاد ولا يدرون انهم يقعون بذلك فى عذاب البعد اذلا سند لهم اصلا : ق الكمال الخجندى

بشكن بت غروركه دردين عشاقان ... يك بت كه بشكنند به ازصد عبادتست

٨١

{ واتخذوا } اى مشركوا قريش

{ من دون اللّه آلهة } اى اتخذوا الاصنام آلهة متجاوزين اللّه تعالى

{ ليكونوا لهم عزا } اى ليتعززوا بهم بان يكونوا لهم وصلة اليه تعالى وشفعاء عنده وانصارا ينجون بهم من عذاب اللّه.

قال بعضهم كيف تظفر بالعز وانت تطلبه فى محل الذل ومكانه اذا ذللت نفسك بسؤال الخلق ولو كنت موفقا لاعززت نفسك بسؤال الحق او بذكره او بالرضى لما يرده عليك منه فتكون عزيزا فى كل حال دنيا وآخرة.

٨٢

{ كلا } ليس الامر على ما ظنوا

{ سيكفرون بعبادتهم } سينكر الكفرة حين شاهدا سوء عاقبة كفرهم عبادتهم لهم

{ ويكونون عليهم ضدا } اعداء للآلهة كافرين بها بعد ان كانوا يحبونها كحب اللّه ويعبدونها.

قال فى تفسير الجلالين

{ سيكفرون بعبادتهم } اى يجحدونها لانهم كانوا جمادا لم يعرفوا انهم يعبدون ويكونون عليهم ضدا اى اعوانا وذلك ان اللّه تعالى يحشر آلهتهم فينطقهم ويركب فيهم العقول فتقول يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك انتهى فالضمير فى يكفرون ويكونون للآلهة.

٨٣

{ ألم تر انا ارسلنا الشياطين على الكفارين } اى سلطناهم عليهم بسبب سوء اختيارهم حال كون تلك الشياطين

{ تؤزهم ازا } اى تغربهم وتهيجهم على المعاصى تهييجا شديدا بانواع الوساوس والتسويلات فان الاز والهز والاستفزاز اخوات معناها شدة الازعاج.

وفى العيون الاز فى الاصل هو الحركة مع صوت متصل من ازيز القدر اى غليانه والمراد تعجيب رسول اللّه عليه السلام من اقاويل الكفرة وتماديهم فى الغى والانهماك فى الضلال والافراط فى العناد والاجماع على موافقة الحق بعد اتضاحه وتنبيه على ان جميع ذلك منهم باضلال الشياطين واغوائهم لا لان له مسوغا فى الجملة.

٨٤

{ فلا تعجل عليهم } اى بان يهلكوا حسبما تقضيه جناياتهم حتى تستريح انت والمؤمنون من شرورهم وتطهر الارض من فسادهم يقال عجلت عليه بكذا اذا استعجلته منه

{ انما نعد لهم } ايام آجالهم

{ عدا } اى لا تعجل بهلاكهم فانه لم يبق لهم الا ايام محصورة وانفاس معدودة فيجازيهم بها.

وكان ابن عباس رضى اللّه عنهما اذا قرآها بكى وقال آخر العدد خروج نفسك آخر العدد فراق اهلك آخر العدد دخول قبرك.

وكان ابن السماك رحمه اللّه عند المأمون فقرأها فقا لاذا كانت الانفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما اسرع ما تنفذ قال اعرابى كيف نفرح بعمر تقطعه السات وسلامة بدن تعرض للآفات . قال العلامة الزمخشرى استغنم تنفس الاجل وامكان العمل واقطع ذكر المعاذير والعلل فانك فى اجل محدود وعمر ممدود.

قال المنصور لما حضرته الوفاة بعنا الآخرة بنومة قال . حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر من حافظ على الانفاس فالساعات فى حكمه الى ما فوق ذلك ومن كان وقته الساعات فاتته الانفاس ومن كان وقته الايام فاتته الساعات ومن كان وقته الجمة فاتته الايام ومن كان وقته الشهور فاتته الاسبابيع ومن كان وقته السنون فاتته الشهور ومن كان وقته العمر فاتته السنون ومن فاته عمره لم يكن له وقت ولم تعد همته بهمة

على نفسك فليبك من ضاع عمره ... ويطول الوقت ويقصر بحسب حضور صاحبه فمنهم من وقته ساعة ويوم وجمعة وشهر وسنة ومرة واحدة فى عمره ومن الناس من لا وقت له لغلبة بهيمته عليه واستغراقه فى لاشهوات : قال المولى الجامى

هردم ازعمر كرامى هست كنج بى بدل ... ميرود كنج جنين هر لحظه برباد آخ آخ

وقال

عمر توكنج وهرنفس ازوى يكى كهر ... كنجى جنين لطيف مكن رايكان تلف

وقال الحافظ.

كارى كشيم ورنه خجالت بر آورد ... روزيكه رخت جان بجهان دكر كشيم

٨٥

{ يوم نحشر المتقين } اى اذكر يا محمد لقومك بطريق الترغيب والترهيب يوم نجمع اهل التقوى والطاعة

{ الى الرحمن } الى ربهم الذى يغمرهم برحمته الواسعة حال كونهم

{ وفدا } وافدين عليه كما يفد الوفود على الملوك منتظرين لكرامتهم وانعامهم والوفد من يأتى بالخير.

وفى التهذيب الوفد والوفادة [ بنزديك امير شدن بحاجت ] وفى القاموس وفد اليه وعليه قدم ورد وهم وفود ووفد.

وفى التأويلات النجمية انما خص حشر وفد المتقين الى حضرة الرحمانية لانها من صفات اللطف ومن شأنها الجود والانعام والفضل والكرم والتقريب والمواهب انتهى.

والرحمة ان كانت من صفات الذات يراد بها اراد ايصال الخير ودفع الشر وان كان من صفات الفعل يراد بها ايصال الخير ودفع الشر كما فى بحر العلوم.

وعن على رضى اللّه عنه ما يحشرون واللّه على الرجلهم ولكن على نوق رحالهم ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت وازمتها زبرجد ثم ينطق بهم حتى يقرعوا باب الجنة.

قال الكاشفى

{ وفدا } [ درحالتى كه سواران باشند بر ناقهاى بهشت يعنى ايشانرا سوار ببهشت برند جنانجه وافدانرا بدركاه ملوك ميبرند . امام قشيرى رحمة اللّه فرمودكه بعضى بر نجائب طاعات وعبادات باشند وقومى بر مراكب همم ونيات . آنانكه بر مرا كب طاعت باشند بهشت جويانند ايشانرا بروضه جنان برند . وآنانكه برنجائب همت باشند خدى طلبانند ايشانرا بقرب رحمت خوانند جنان جوى ديكرست ورحمان جوى ديكر . در كشف الاسرار آورده كه ممشاد دينورى رحمه اللّه درحال نزع بود درويشى بيش وى ايستاده ودعا مى كردكه خدايا برو رحمت كن وبهشت اورا كرامت كن ممشاد بانك بروزدكه اى غافل سى سالست كه بهشت را باشرف وعزت وحور وقصور برمن جلوه ميدهند ومن كوشه جشم هست برو نيفكنده ام اكنون بدركاه قرب ميروم زحمت خود آورده وبراى من بهشت ورحمت مى خواهى ].

باغ فردوس از براى ديدنش بايد مرا ... بى جمالش روضه رضوان جه كرا يدمرا

٨٦

{ ونسوق المجرمين } العاصين كما تساق البهائم

{ الى جهنم وردا } مشاة عطاشا ان من يرد الماء لا يرده الا لعطش وحقيقة الورد المسير الى الماء.

٨٧

{ لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا } ان كانت الشفاعة مصدرا من المبنى للفاعل والعهد بمعنى الاذن لانه يقال عهد الامير الى فلان بكذا اذا امره به فالمعنى لا يملك احد من العباد ايا من كان ان يشفع للعصاة الا من اتخذ من اللّه اذنا فيها كقوله تعالى

{ من ذا الذى يشفع عنده الا باذن } وان كانت مصدرا من المبنى للمفعول والعهد عهد الايمان فالمعنى لا يملك المجرمون ان يشفع لهم الا من كان منهم مسلما.

وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه ان النبى عليه السلام قال لاصحابه ذات يوم ( أيعجز احدكم ان يتخذ كل صباح ومساء عند اللّه عهدا ) قالوا وكيف ذلك قال ( يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة انى اعهد اليك فانى اشهد ان لا اللّه الا انت وحدك لا شريك لك وان محمد عبدك ورسولك وانك ان تكلنى الى نفسى تقر بنى من الشر وتباعدنى من الخير وانى لا اثب الا برحمتك فاجعل لى عهدا توفينيه يوم القيامة انك لا تخلف المعياد فاذا قال ذلك طبع عليه بطابع ) اى ختم عليه بخاتم ( ووضع تحت العرش فاذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين لهم عند الرحمن عهدا فيدخلون الجنة كما فى بحر العلوم الكبير )

٨٨

{ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا } اى قال اليهود والنصارى ومن يزعم من العرب ان الملائكة بنات اللّه فقال اللّه تعالى

٨٩

{ لقد جئتم شيأ ادّا } الاد والادة بكسرهما العجب والامر الفظيع والداهية والمنكر كالاد بالفتح كما فى القاموس اى فعلتم امرا منكرا شديدا لا يقادر قدره فان جاء واتى يستعملان فى معنى فعل فيعديان تعديته.

وقال الكاشفى [ بدرستى كه آوردى جيزى زشت يعنى ناخوش وبى ادبانه ].

٩٠

{ تكاد السموات } صفة الاد اى تقرب من ان

{ يتفطرن منه } يتشققن مرة بعد اخرى من عظم ذلك الامر فان التفطر التشقق وهو بالفارسية [ شكافته شدن ] واصل التفعل التكلف

{ وتنشق الارض } وتكاد تنشق الارض وتنصدع اجزاؤها - روى - عن بعض الصحابة انه قال كان بنو آدم لا يأتون شجرة الا اصابوا منها منفعة حتى قالت فجرة بنى آدم اتخذ الرحمن ولدا فاقشعرت الارض وشاك الشجر

{ وتخر الجبال } اى تسقط وتتهدم

{ هدّا } مصدر مؤكد لمحذوف هو حال من الجبال اى تهد هدا اى تكسر كسرا يعنى [ باره باره كردد ].

قال فى القاموس الهد الهدم الشديد والكسر كالهدود . والمعنى ان هول تلك الكلمة الشنعاء وعظمها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تطق بها هاتيك الاجرام العظام وتفتتت من شدتها او ان فظاعتها فى استجلاب الغضب واستيجاب السخط بحيث لولا حلمه تعالى على اهل الارض وانه لا يعاجلهم بالعقاب لخرب العالم وبدد قوائمه غضبا على على من تفوه بها.

٩١

{ ان دعوا للرحمن ولدا } منصوب على حذف اللام المتعلقة بتكاد او مجرور باضمارها اى تكاد السموات تتفطرن والارض تنشق والجبال تخر لان دعوا له سبحانه ولدا ودعوا من دعا بمعنى سمى المتعدى الى المفعولين وقد اقتصر على ثانيهما ليتناول كل ما دع له من عيسى وعزير والملائكة ونحوهم اذ لو قيل دعوا عيسى ولدا لما علم الحكم على العموم او من دعا بمعنى نسب الذى مطاوعه ادعى الى فلان اى انتسب اليه.

٩٢

{ وما ينبغى للرحمن ان يتخذ ولدا } حال من فاعل قالوا وينبغى مطاوع بغى اذا طلب اى قالوه والحال انه ما يليق به تعالى اتخاذ الولد ولا يتطلب له لو طلب مثلا لاستحالته فى نفسه وذلك لان الولد بضعة من الوالد فهو مركب ولا بد للمركب من مؤلف فالمحتاج الى المؤلف لا يصلح ان يكون آلها.

٩٣

{ ان كل من فى السموات والارض } اى ما منهم احد من الملائكة والثقلين فان بمعنى النفى كما وكل مبتدأ خبره آتى ومن موصوفة لانها وقعت بعد كل نكرة

{ الا آتى الرحمن } حال كونه

{ عبدا } اى الا وهو مملوك يأوى اليه بالعبودية والانقياد.

وفى العيون سيأتى جميع الخلائق يوم القيامة الى الرحمن خاضعا ذليلا مقرا بالعبودية كالملائكة وعيسى وعزير وغيرهم يعنى يلتجئون الى ربوبيته منقادين كما يفعل العبيد للملوك فلا يليق به اتخاذ الولد منهم انتهى.

قال ابو بكر الوراق رحمه اللّه ما تقرب احد الى ربه بشئ ازين عليه من ملازمة العبودية واظهار الافتقار لان ملازمة العبويدة تورث دوام الخدمة واظهار الافتقار اليه يورث جوام ا لالتجاء والتضرع : قال الحافظ

فقير وخسته بدركاهت آمدم رحمى ... كه جزدعاى توام نيست هيج دست آويز

٩٤

{ لقد احصاهم } اى حصرهم واحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج منهم احد من حيطة علمه وقبضة قدرته وملكوته مع افراط كثرتهم

{ وعدهم عدا } اى عد اشخاصهم وانفاسهم وآجالهم.

٩٥

{ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } اى كل واحد منهم آت اياه تعالى منفردا من الاتباع والانصار فلا يجانسه شئ من ذلك ليتخذه ولدا ولا يناسبه ليشرك به وفى الحديث القدسى ( كذبنى ابن آدم ) اى نسبنى الى الكذب لائقا به بل كان خطا ( وشتمنى ) الشتم وصف الغير بما فيه نقص وازراء ( ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه اياى فقوله لن يعيدنى كما بدأنى ) يعنى لن يحيينى اللّه بعد موتى كما خلقنى وليس اول الخلق باهون علىّ اى باسهل والخلق بمعنى المخلوق من اعادته اى من اعادة المخلوق بل اعادته اسهل لوجود اصل البنية.

اعلم ان هذا مذكور على طريق التمثيل لان الاعادة بالنسبة الى قوانا ايسر من الانسان

واما بالنسبة الى قدرة اللّه تعالى فلا سهولة فى شئ ولا صعوبة

( واما شتمه اياى فقوله اتخذ اللّه ولدا ) وانما صار هذا شتما لان التولد هو انفصال الجزء عن الكل بحيث ينمو وهذا انما يكون فى المركب وكل مركب محتاج الى مؤلف او لان الحكمة فى التولد استحفاظ النوع عند فناء الآباء تعالى اللّه عما لا يليق.

فان قلت قوله ( اتخذ اللّه ) تكذيب ايضا لانه تعالى اخبر ان لا ولد له وقوله ( لن يعيذنى ) شتم ايضا لانه نسبة له الى العجز فلم خص احدهما بالشتم والآخر بالتكذيب.

قلت نفى الاعادة نفى صفة كمال واتخاذ الولد اثبات صفة نقصان له والشتم افحش من التكذيب ولذلك نفاه اللّه عنه بابلغ الوجوه فقال ( وانا الاحد ) اى المتفرد بصفات الكمال من البقاء والتنزه وغيرهما الواو فيه للحال ( الصمد ) بمعنى الصمود يعنى المقصود اليه فى كل الحوايج ( الذى لم يلد ) هذا نفى للتشبيه والمجانسة ( ولم يولد ) هذا وصف بالقدم والاولية ( ولم يكن له كفوا أحد ) هذا تقرير لما قبله.

فان قلت لا يلزم من نفى الكفو فى الماضى نفيه فى الحال والاستقبال . قلت يلزم لانه اذا لم يكن فى الماضى فوجد يكون حادثا والحادث لا يكون كفوا للقجيم كذا فى شرح المشارق لابن ملك فاذا ثبت ان الالوهية والربوبية لله تعالى وانه لا يجانسة ولا يشاركه شئ من الملخوقات ثبتت العبودية والمربوبية للعبد وان من شأنه ان لا يعبد شيأ من الاجسام والارواح ولا يتقيد بشئ من العلويات والسفليات بل يخص عبادته باللّه تعالى ويجرد توحيده عن هواه.

قال على رضى اللّه عنه قيل للنبى عليه السلام هل عدت وثنا قط قال لا قيل هل شرب خمرا قط قال لا وما زلت اعرف ان الذى هم الكفار عليه كفر وما كنت ادرى ما الكتاب ولا الايمان فهذا من آثار حسن الاستعداد حيث استغنى عن البرهان بقاطع العقل فليتبع العاقل اثر متبوعه المصطفى عليه السلام وقد لاح المنار واستبان النور من النار فالنور هو التوحيد والاقرار والنار هو الشرك والانكار والتوحيد اذا تجلى بحقائقه ظهر التجريد وهو اذا حصل بمعانيه ثبت التفريد فالفردانية صفة السر الاعلى وهى حاصلة للعارفين فى هذه الدار ولغيرهم يوم القيامة وما فى هذه الدار اختيارى مقبول وما فى الآخرت اضطرارى مردود فيا اربابالشرك اين التوحيد ويا اهل التوحيد اين التجريد ويا اصحاب التجريد اين التفريد.

٩٦

{ ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات } جمعوا بين عمل القلب وعمل الجوارح

{ سيجعل لهم الرحمن ودّا } اى سيحدث لهم فى القلوب مودة من غير تعرض منهم لاسبابها من قرابة او صداقة او اصطناع معروف او غير ذلك سوى مالهم من الايمان والعمل الصالح والسين اما لان السورة مكية وكان المؤمنين حينئذ ممقوتين بين الكفرة فوعدهم اللّه ذلك اذا قوى الاسلام

واما ان يكون ذلك يوم القيامة يجيبهم اللّه الى خلقه بما يظهر من حسناته.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان بذر الايمان اذا وقع فى ارض القلب وتربى بماء الاعمال الصالحات ينمو ويتربى الى ان يثمر فتكون ثمرته محبة اللّه ومبحة الانبياء والملائكة والمؤمنين جميعا كما قال تعالى

{ تؤتى اكلها كل حين باذن ربها } انتهى.

واعلم ان المحبة الموافقة ثم الميل ثم الود ثم الهوى ثم الوله فالموافقة للطبع والميل للنفس والود للقلب والمحبة للفؤاد وهو باطن القلب والهوى غلبة المحبة والوله زيادة الهوى يقال نور المحبة ثم نار العشق ثم حرارة الشهوة ثم البخار اللطيف ثم النفس الرقيق ثم الهواء الدقيق.

قال رجل لعبد اللّه ابن جعفر ان فلان يقول انا احبك فيم اعلم صدقه فقال استخبر قلبك فان توده فانه يودك قيل

وعلى القلوب من القلوب دلائل ... بالود قبل تشاهد الاشباح

وفى الحديث ( اكثروا من الاخوان فان ربكم حى كريم يستحيى ان يعذب عبده بين اخوانه يوم القيامة ) وعنه عليه السلام ( من نظر الى اخيه نظر مودة ولم يكن فى قلبه احنة لم يطرف حتى يغفر اللّه له ما تقدم من ذنبه ) يقال طرف بصره اذا اطبق احد جفنيه على الآخرة.

قال عمر رضى اللّه عنه ثلاث يثبتن الود فى صدر الخيك ان تبدأه بالسلام وان توسع له فى المجلس وان تدعوه باحب اسمائه اليه.

وقال سقراط اثن على ذى المودة خيرا عند من لقيت فان رأس المودة حسن الثناء كما ان رأس العداوة وسوء الذكر

ومن بلاغات الزمخشرى محك المودة الآخاء حال الشدة دون حال الرخاء.

وقال ابو على الدقاق قدس سره لما سعى غلام الخليل بالصوفية

واما الشحام والرقام والنورى وجماعة فقبض عليهم فبسط النطح لضرب اعناقهم فتقدم النورى فقال السياق تدرى لماذا تبادر فقال نعم فقال وما يعجلك فقال اوثر اصحابى بحياة ساعة فتحير السياف فانتهى الخبر الى الخليفة فردهم الى القاضى ليتعرف حالهم فالقى القاضى على ابن ابى الحسن النورى مسائل فقيهة فاجاب عن الكل ثم اخذ يقول وبعد فان لله عبدا اذا قاموا قاموا باللّه واذا نطقوا نطقوا باللّه وسرد الفاظا ابكى القاضى فارسل القاضى الى الخليفة وق لان كان هؤلا زنادقة فما على وجه الارض مسلم فانظر واعتبر من معاملة النورى مع اخوانه فانه آثرهم حال الشدة علىنفسه بخلوس جنانه

حديث عشق ازان يطال منيوش ... كه درسختى كند يارى فراموش

٩٧

{ فانما يسرناه } اى سهلنا القرآن . وبالفارسية [ بس جزاين نيست كه آسان كردانيده تمر آنرا ]

{ بلسانك } بان انزلناه على لغتك والباء بمعنى على والفاء لتعليل امر ينساق اليه النظم الكريم كأنه قيل بعد ايحاء السورة الكريمة بلغ هذا المنزل وبشر به وانذر فانما يسرناه بلسان العربى المبين

{ لتبشر به } [ تامزده دهى بدو ]

{ المتقين } اى الصائرين الى التقوى بامتثال ما فيه من الامر والنهى

{ وتنذر به } يقال انذره بالامر انذار اعلمه وحذره وخوفه فى ابلاغه كما فى القاموس

{ قوما لدّا } لا يمؤمنون به لحجاجا وعنادا . واللد جمع الالد وهو الشديد الخصومة اللجوج المعاند.

قال فى القاموس الالد الخصيم الشحيح الذى لا يزيغ الى الحق وفى الحديث ( ابغض الرجال الى اللّه الالد الخصم )

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان حقيقة القرآن التى هى صفة اللّه تعالى القديمة القائمة بذاته لا تسعها ظروف الحروف المحدثة المعدودة المتشابهة لانها قديمة غير معدودة ولا متناهية وانما يسر اللّه درايته يقلب النبى عليه السلام وقراءته باللسان العربى المبين ليبشر به المتقين لانهم اهل البشارة وهم اصناف ثلاثة فصنف منهم يتقون الشرك بالتوحيد وصنف يتقون المعاصى بالطاعة وصنف يتقون عما سوى اللّه تعالى باللّه وينذر به قوما لدا شدادا فى الخصومة لانهم اهل الانذار وهم ثلاث فرق ففرقة منهم الكفار الذين يقاتلون على الباطل وفرقة منهم اهل الكتابالذين يخاصمون على اديانهم المنسوخة وفرقة منهم اهل الاهواء والبدع والفلاسفة الذين يجادلون اهل الحق بالباطل.

٩٨

{ وكم اهلكنا قبلهم من قرن } سبق معنى القرن اى قرونا كثيرة اهلكنا قبل هؤلاء المعاندين بعد ان أنذرهم انبياؤهم بآيات اللّه وحذروهم عذابه وتدميره

[ هل تحس منهم من احد ].

قال فى تهذيب المصادر الاحساس [ دانستن وديدن ] قال اللّه تعالى

{ هل تحس منهم من احد } الخ اى هل تشعر باحد منهم وترى اى لا وبالفارسية [ هيج مى بايد ومى بينى ازان هلاك شد كان يكى را ]

{ او تسمع لهم } [ يا مى سنوى مرا ايشانرا ]

{ ركزا } اى صوتا خفيا واصل الركز هو الخفاء ومنه ركز الرمح اذا غيب طرفه فى الارض والركاز المال المدفوع المخفى والمعنى اهلكناهم بالكلية وأستأصلناهم بحيث لا يرى منهم احد ولا يسمع منهم صوت خفى . وبالفارسية يعنى [ جون عذاب ما بديشان فرود آمد مستأصل شدند نه از ايشان شخصى باقى ماندكه كسى بيند ونه آواز برجاى كه كسى بشنود بلكه مؤكل قهر الهى باهيكجس درناسخت وهمه را بدست فنا دردام خمول ونسيان انداخت ]

كان لم يخلقوا ولم يكونوا

كواثر از سروران تاج بخش ... كونشان از خسروان تاجدار

سوخت ديهيم شهان كامجوى ... خاك شد تحت ملوك مامكار

وفى الآية وعد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى ضمن وعيد الكفرة بالاهلاك وحث له على الانذار قال الشيخ سعدى قدس سره

بكوى آنجه دانى سخن سومند ... وكر هيجكس را نيايد بسند

كه فردا بشيمان برآرد خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش

بكمراء كفتن نكو ميروى ... كناه بزركست وجور قوى

مكو شهد شيرين شكر فايقست ... كسى راكه سقمونيا لا يقست

جه خوش كفت يكروز دار وفروش ... شفا بايدت داروى تلخ نوش

وفى المثنوى

هركسى كو ازصف دين سر كشست ... ميرود سوى صفى كان وابست

تو زكفتار تعالى كم مكن ... كيميائى بس شكر فست اين سخن

كرمسى كردد زكتارت نفير كيميارا هيج ازوى وامكير اين زمان كريست نفس ساحرش ... كفت تو سودش كند دد آخرش

قل تعالى قل تعالوا اى غلام ... هين كه ان اللّه يدعو بالسلام

﴿ ٠