سُورَةُ طٰهٰ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ مِائَةٌ وخَمْسٌ وثَلاَثُونَ آيَةً

١

{ طه } اختلفوا فيه اكثر مما فى غيره من المقطعات . فقال بعضهم هواسم القرآن او اسم السورة او اسم اللّه او مفتاح الاسم الطاهروالهادى.

وقال بعضهم هو اسم من اسماء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثل احمد ويس وغير ذلك كما قال عليه السلام ( انا محمد وانا احمد والفاتح القاسم الحاشر والعاقب والماحى وطه ويس ) ويؤيده الخطاب فى عليك فيكون حرف النداء محذوف ياطه والطاء والهاء اشارة الى انه عليه السلام طالب الشفاعة للناس وهادى البشرى اوانه طاهر من الذنوب وهاد الى علام الغيوب.

قال الكاشفى [ يا طا طهارت دل اوست ازغير حق تعالى وهاهدايت او بقرب حق ].

قال الامام جعفر الصادق رضى اللّه عنه طه قسم بطهارة اهل البيت وهدايتهم كما قال تعالى

{ ويطهركم تطهيرا } او بطوبى والهاوية اى الجنة والنار.

وفى زاد المسير الطاء طيبة والهاء مكة واللّه تعالى اقسم بهذين الحرمين او الطاء طلب الغزاة والهاء هرب هرب الكفار او طلب اهل الجنان وهو ان ارباب النيران.

وفى التأويلات النجمية يا من طوبى به بساط النبوة وايضا يا من طوى به المكونات الى هويتنا انتهى.

وقال بعضهم انه ليس من الحروف المقطعة بل هو موضع بازاء يا رجل بلغة عك او بلسان الحبشة او النبطية او السريانية والمرد به حضرة الرسالة [ ود بعضى تفاسير آمده كه طا بحساب جمل نه است وهابنجومجموع جهارده باشد وغالب آنست كه ماه رامرتبه بدريت دردجهاردهم حاصل شود بس درضمن اين خطاب مندرجست كه اى ماء شب جهارده ومنادى حضرت رسالتست وبدريت اشارة بكمال مرتبه جامعيت آن حضرت ] كما لا يخفى على العرفاء

ماه جون كامل شود انور بود ... وانكه او مرآت نور خور بود

كاه ماه بدرى وكه شاه بدر ... صدرتو مشروح وكارت شرح صدر

درشب تاريكى وكفر وضلال ... ازمهت روشن شود نور جلال

جوز الحسن طه بوزن هب على انه امر للرسول عليه السلام بان يطأ الارض بقدميه معا فانه لما نزل عليه الوحى اجتهد فى العبادة وكان يصلى الليل كله ويقوم على احدى رجليه تخفيفا على الاخرى لطول القيام ويتعب نفسه كل الاتعاب فيكون اصله طأ من وطئ يطأ قلبت همزته هاء.

وفى الحديث ( ان اللّه تعالى قرأ طه ويس قبل ان يخلق آدم بالفى عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لاجواف تحمل هذا وطوبى لامة محمد ينزل هذا عليهم وطوبى لا لسن تتكلم بهذا ) رواه الطبرانى وصاحب الفردوس . وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( اعطيت السورة التى ذكرت فيها البقرة من الذكر الاول واعطيت طه وطواسين من الواح موسى واعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التى ذكرت فيها البقرة من تحت العرش واعطيت المفصل نافلة ) كذا فى بحر العلوم.

٢

{ ما انزلنا عليك القرآن لتشقى } الشقاء شائع بمعنى التعب ومن اشقى من رائض المهر اى اتعب ممن يجعل المهر وهو ولد الفرس صالحا للركوب بان تزول عنه الصعوبة وينقاد لصاحبه وفى ذلك العمل مشقة وتعب للرائض ولذلك يضرب به المثل والمعنى لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش اذ ما عليك الا البلاغ وقد فعلت فلا عليك ان يؤمنوا به بعد ذلك او بكثرة الرياضة وكثرة التهجي والقيام على ساق اذا ما بعثت الا بالحنفية السمحة . وبالفارسية [ نفر ستاديم ما بر توقر آنرا تادررنج افتى وشب خواب نكنى وبواسطه قيام درنماز الم ورم بباى مباركت رسد ].

وفى التأويلات النجمية

{ ما انزلنا عليك القرآن لتشقى } فى الدنيا او العقبى بل انزلناه على قلبك لتسعد بتخلقك بخلقه لتكون على خلق عظيم وليسعد بك اهل السموات واهل الارضين فتكون الشقاوة ضد السعادة ويجوز ان يكون ردا للمشركين وتكذيبا لهم فان ابا جهل والنضر بن الحارث قالا له انك شقى لانك تركت دين آبائك وان القرآن انزل عليك لتشقى به فاريد رد ذلك بان دين الاسلام وهذا القرآن هو السلم الى نيل كل فوز والسبب فى درك كل سعادة وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها.

٣

{ الا تذكرة لمن يخشى } نصب على انه مفعول له لانزلنا معطوف على تشقى بحسب المعنى بعد نفيه بطريق الاستدراك المستفاد من الاستثناء المنقطع فان الفعل الواحد لا يتعدى الى علتين الامن حيث البدلية او العطف كأنه قيل ما انزلنا عليك القرآن للتعب فى تبليغه ولكن تذكيرا وموعظة ولمن يعلم اللّه منه ان يخشى بالتذكرة والتخويف وقد جرد التذكرة عن اللام لكونها فعلا لفاعل الفعل المعلل وتخصيصها بهم مع عموم التذكرة والتبليغ لقوله تعالى

{ ليكون للعالمين نذيرا } لانهم المنتفعون بها.

قال فى الكبير ويدخل تحت قوله

{ لمن يخشى } الرسول لانه فى الخشية والتذكرة فوق الكل.

٤

{ تنزيلا } اى نزل القرآن تنزيلا

{ ممن } متعلقة بتنزيلا

{ خلق } اخرج من العدم الى الوجود

{ الارض والسموات العلى } تخصيص خلقهما لانهما قوام العالم واصوله وتقديم الارض لكونها اقرب الى الحس واظهر عنده من السموات ووصف السموات بالعلى وهوجمع العليا تأنيث الاعلى للدلالة على عظم قدرة خالقها بعلوها وعطف السموات على الارض من عطف الجنس على الجنس لان التعريف مصروف الى الجنس لا من عطف الجمع على المفرد حتى يلزم ترك الاولى من رعاية التطابق بين المعطوف والمعطوف عليه.

٥

{ الرحمن } رفع على المدح اى هو الرحمن او مبتدأ واللام فيه للعهد مشارا به الى من خلق خبره ما بعده

{ على العرش } الذى يحمله الملائكة متعلقة بقوله

{ استوى } اعلم ان العرش سرير الملك والاستواء الاستقرار والمرد به ههنا الاستيلاء ومعنى الاستيلاء عليه كناية عن الملك لانه من توابع الملك فذكر اللازم واريد الملزوم يقال استوى فلان على سرير الملك على قصد الاخبار عنه بانه ملك وان لم يقعد على السرير المعهود اصلا فالمراد بيان تعلق ارادته الشريفة بايجاد الكائنات وتدبير امرها اذا البارى مقدس الانتقال والحلول وانما خلق العرش العظيم ليعلم المتعبدون الى اين يتوجهون بقلوبهم بالعبادة والدعاء فى السماء كما خلق الكعبة ليعلموا الى اين يتوجهون بابدانهم فى العبادة فى الارض [ وشيخ اكبر قدس سره در فتوحات فرموده كه استواء خداوند بر عرش در قرآنست ومراد بدين ايمانست تأويل نجوييم كه تأويل درين باب طغيانست بظاهر قبول كنيم وبباطن تسليم كه اين اعتقاد سفيانست اماميدانم كه نه محتاج مكانس ونه عرش برد دارنده اوست كه اوست بر دارنده مكان ونكه دارنده عرش ]

نى مكان ره يافت سويش نه زمان ... نى بيان دارد خبرزو نه عيان

اين همه مخلوق حكم داورست ... خالق عالم زعالم بر ترست

قال بعضهم ليس على الكون من اثر ولا على الاثر من كون.

قال بعضهم انا نقطع بان اللّه منزه عن المكان والالزم قدم المكان وقد دل الدليل على ان لا قديم سوى اللّه تعالى وانه تعالى لم يرد من الاستواء الاستقرار والجلوس بل مراده به شئ آخر الا انا لا نشتغل بتعيين ذلك المراد خوفا من الخطأ ونفوض تأويل المتشابهات الى اللّه تعالى كما هو رأى من يقف على ( لا اللّه ) وعليه اكثر السلف كما روى عن مالك واحمد الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والبحث عنها بدعة وما كان مقصود الامامين الاجلين بذلك الا المنع من الجدال وقد احسنا حيث حسما بذلك باب الجدال وكذلك فعل الجمهور لان فى فتح الاب الجدال ضررا عظيما على اكثر عباد اللّه.

وقد روى ان رجلا سأل عمر رضى اللهعنه عن آيتين متشابهتين فعلاه بالدرة.

وقال بعض كبار المحققين من اهل اللّه تعالى المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار الايجادى وتجليه الحسى الاحدى وانما كان العرش محل هذا الاستواء لان التجليات الذاتية التى هى شروط التجليات المتعينة والاحكام الظاهرة والامور البارزة والشئون المتحققة فى السماء والارض وفيما بينهما من عالم الكون والفساد بالامر الالهى والايجاد الاولى انما تمت باستيفاء لوازمها واستكمال جوانبها واستجماع اركانها الاربعة المستوية فى ظهور العرش بروحة وصورته وحركته الدورية لانه لا بد فى استواء تجليات الحق سبحانه فى هذه العوالم بتجليه الحس وامره الايجاد من الامور الاربعة التى هى من هذه التجليات الحسية والايجادية بمنزلة الشكل المستوى المشتمل على الحد الاصغر والاكبر والاوسط المكرر الكائن به السورة ذات الاركان الاربعة من النتيجة وتلك الامور اربعة هى الحركة المعنوية الاسمائية والحركة النورية الروحانية والحركة الطبيعية المثالية والحركة الصورية الحسية وتلك الحركة الصورية الحسية هى حركة العرش وهى بمنزلة الحد الاكبر ولما استوى امر تمام حصور الاركان الاربعة الموقوف عليها بتوقيف اللّه تعالى التجليات الايجادية الامرية المتنزلة بين السموات السبع والارضين السبع بحسب مقتضيات استعدادات اهل العصر وموجب قابليات اصحاب الزمان فى كل يوم بل فى كل آن كما اشير اليه بقوله تعالى

{ يتنزل الامر بينهن } وقوله تعالى

{ كل يوم هو فى شأن } فى العرش كان العرش مستوى الحق سبحانه بالاعتبار المذكور الثانى لا بالاعتبار المزبور الاول وفى الحقيقة بالنظر الى هذا الاعتبار هو مستوى امره الايجادى لا مستوى نفسه وذاته فلا اضطراب ولا خلجان فى الكلام والمقال والحال.

ثم ان استواء الامر الارادى الايجادى على العرش بمنزلة استواء الامر التكليفى الارشادى على الشرع فكما ان كل واحد من الامرين قلب الآخر وعكسه المستوى السوى فكذلك كل واحد من العرش والشرع قلب الآخر وعكسه السوى المتسوى.

يقول الفقير قواه اللّه القدير لا شك ان بين زيد والعالم فرقا من حيث ان الاول يدل على الذات المجردة والثانى على المتصفة بصفة العلم فاسناد الاستواء الى عنوان الاسم الرحمن الذى يراد به صفة الرحمة العامة وان كان مشتملا على الذات دون الاسم اللّه الذى يراد به الذات وان كان مستجمعا لجميع الصفات ينادى بتنزه ذاته تعالى عن الاستواء وان الذى استوى على العرش المحيط بجميع الاجسام هو الرحمة المحيطة بالكل ومن لم يفرق بين استواء الذات واستواء الصفة فقد اخطأ وذلك ان اللّه تعالى غنى بذاته عن العالمين جميعا متجل بصفاته واسمائه فى الارواح والاجسام بحيث لا يرى فى مرائى الاكوان الا صور التجليات الاسمائية والصفاتية ولا يلزم من هذا التجلى ان تحل ذاته فى كون من الاكوان اذ هو الآن على ما كان عليه قبل من التوحد والتجرد والتفرد والتقدس ولذا كان اعلى المراتب الوصول الى عالم الحقيقة المطلقة اطلاقا ذاتيا كما اشار اليه قوله تعالى

{ لا يمسه الا المطهرون } وفى الحديث ( ان اللّه احتجب عن البصائر كما احتجب عن الابصار وان الملأ الاعلى يطلبونه كما تطلبونه انتم ) ذكره فى الروضة فهذا يدل عل ان اللّه تعالى ليس فى السماء ولا فى الارض ولو كان لانقطع الطلب

واما قوله عليه السلام ( يا رب انت فى السماء ونحن فى الارض فما علامة غضبك من رضاك قال اذا استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضاى عنكم واذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطى عليكم )

على ما ذكره الشيخ الاكبر قدس سره الا طهر فى كتاب المسامرة.

وقوله عليه السلام لجارية معاوية بن الحكم السلمى ( اين اللّه ) فقالت فى السماء فقال ( من انا ) فقالت انت رسول اللّه فقال ( اعتقها فانها مؤمنة ) ونحو ذلك من الاخبار الدالة على ثبوت المكان له تعالى فمصروفة عن ظواهرها محمولة على محل ظهور آثار صفاته العيلا ولذا خص السماء بالذكر لانها مهبط الانوار ومحل النوازل والاحكام ومن هذا ظهر ان من قال ان اللّه فى السماء عالم اراد به المكان كفر وان اراد به الحكاية عما جاء فى ظاهر الاخبار لا يكفر لانها مؤولة والاذهان السليمة والعقول المستقيمة لا تفهم بحسب السليقة من مثل هذه التشبيهات الاعين التنزيه - روى - ان امام الحرمين رفع اللّه درجته فى الدارين نزل ببعض الاكابر ضيفا فاجتمع عنده العلماء والاكابر فقام واحد من اهل المجلس فقال ما الدليل على تنزيهه تعالى عن المكان وهو قال

{ الرحمن على العرش استوى } فقال الدليل عليه قول يونس عليه السلام فى بطن الحوت

{ لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } فتعجب منه الناظرون فالتمس صاحب الضيافة بيانه فقال الامام ان ههنا فقيرا مديونا بالف درهم اد عنه دينه حتى ابينه فقبل صاحب الضيافة دينه فقال ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما ذهب فى المعراج الى ما شاء اللّه من العلى قال هناك ( لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك ) ولما ابتلى يونس عليه السلام بالظلمات فى قعر البحر ببطن الحوت قال

{ لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } فكل منها خاطب بقوله انت وهو خطاب الحضور فلو كان هو فى مكان لما صح ذلك فدل ذلك على انه ليس فى مكان . فان قلت فليكن فى كل مكان . قلت قد اشرت الى انه فى كل مكان بآثار صفاته وانوار ذاته لا بذاته كما ان الشمس فى كل مكان بنورها وظهورها لا بوجودها وعينها ولو كان فى كل مكان بالمعنى الذى اراد جهلة المتصوفة فيقال فاين كان هو قبل خلق هذه العوالم ألم يكن له وجود متحقق فان قالوا لا فقد كفروا وان قالوا بالحلول والانتقال فكذلك لان الواجب لا يقارن الحادث الا بالتأثير والفيض وظهور كمالاته فيه لكن لا من حيث انه حادثا مطلقا بل من حيث ان وجوده مستفاض منه فافهم.

فان قلت فاذا كان تعالى منزها عن الجهة والمكان فما معنى رفع الايدى الى السماء وقت الدعاء . قلت معناه الاستعطاء من الحزانة لان خزائنه تعالى فى السماء كما قال

{ وفى السماء رزقكم وما توعدون } وقال

{ وان من شئ الا عندنا خزائنه وام ننزل الا بقدر معلوم } فثبت ان العرش مظهر استواء الصفة الرحمانية وان من يثبت له تعالى مكانا فهو من المجسمة ومنهم جهلة المتصوفة القائلون بانه تعالى فى كل مكان ومن يليهم من العلماء الزائغين عن الحق الخارجين عن طريق العقل والنقل والكشف فمثل مذهبهم وقذره كمثل مذهبهم وقذره فنعوذ باللّه تعالى من التلوث يلوث الجهل والزيغ والضلال ونعتصم به عما يعصم من الوهم والخيال والحق حق والاشياء اشياء ولا ينظر الى الحق بعين الاشياء الا من ليس فى وجهه حياء.

٦

{ له ما فى السموات وما فى الارض } سواء كان ذلك بالجزئية منهما او بالحلول فيهما

{ وما بينهما } من الموجودات الكائنة فى الجو دائما كالهواء والسحاب او اكثريا كالطير اى له تعالى وحده دون غيره لا شركة ولا استقلالا كل ما ذكر ملكا وتصرفا واحياء واماتة وايجادا واعداما

{ وما تحت الثرى } الثرى التراب الندى اى الرطب والارض كما فى القاموس ويجوز الحمل على كليهما فى هذا المقام فان ظاهر الارض تراب جاف وما هو اسفل منه تراب مبتل.

فان قلت الثرى اذا كان محمولا على السطح الاخير من العالم فما الذى تحته حتى يكون اللّه تعالى مالكا له . قلت هو اما الثور او الحوت او الصخرة او البحر او الهواء على اختلاف الروايات وقال بعضهم اراد الثرى الذى تحت الصخرة التى عليها الثور الذى تحت الارض ولا يعلم ما تحت الثرى الا اللّه تعالى كما لا يعلم احد ما فوق السدرة الا هو اى الذى هو التراب الرطب مقدار خمسمائة عام تحت الارض ولولا ذلك لاخرقت النار الدنيا وما فيها كما فى انسان العيون.

قال كاشفى [ زمين بردوش فرشته ايست وقدمين فرشته برصخره ايست وصخره برشاخ كاوى وقوائم كاو بربشت ما هى ازحوض كوثر وما هى ثابت است بر بحر وبحر بر جهنم مبنى برريح وريح برحجابى ازظلمت وآن حجاب برثرى وعلم اهل آسمان ومين تاثرى بيش نرسد وما تحت الثرى جز حق سبحانه نداند ] وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الارضين على ظهر النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهى الصخرة المذكورة فى سورة لقمان فى قوله

{ فتكن فى صخرة } والصخرة على قرن ثور والثور على لاثرى وما تحت الثرى لا يعلمه الا اللّه تعالى وذلك الثور فاتح فاه فاذا جعل اللّه البحار بحرا واحدا سالت فى جوفه فاذا وقعت فى جوفه يبست ذكره البغوى.

٧

{ وان تجهر بالقول } اى ان تعلن بذكره تعالى ودعائه.

فاعلم انه تعالى غنى عن جهرك واعلانك

{ فانه } تعالى

{ يعلم السر واخفى } يقال فلان يحسن الى الفقراء لا يراد حال ولا وستقبال وانما يراد وجود الاحسان منه فى جميع الازمنة والاوقات ومه قوله

{ يعلم السر واخفى } علمهما منه مستمر دائم وذلك ان علمه تعالى منزه عن الزمان كما هو منزه عن المكان باسره فالتغيير على المعلوم لا على العلم عندنا والسر واحد الاسرار وهو ما يكتم ومنه اسرّ الحديث اذا اخفاه وتنكير اخفى للمبالغة فى الخفاء اى يعلم ما اسررته الى غيرك وشيأ اخفى من ذلك وهو ما اخطرته ببالك من غير ان تتقوّه به اصلا وما اسررته فى نفسك واخفى منه وهو ما ستسره فيما سيأتى اى ما يلقيه اللّه فى قلبك من بعد ولا تعلم انك ستحدث به نفسك وهذا اما نهى عن الجهر كقوله تعالى

{ واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول }

واما ارشاد للعباد الى ان الجهر ليس لاسماعه بل لغرض آخر من تصور النفس بالذكر ورسوخه فيها ومنعها من الاشتغال بغيره وقطع الوسوسة عنها وهضمها بالتضرع والجؤار وايقاظ الغير ونشر البركات الى مدى صوته وتكثير اشهاد ونحو ذلك وجاء انه عليه السلام لما توجه الى خيبر اشرف الناس على واد فرفعوا اصواتهم بالتكبير اللّه اكبر لا اله الا اللّه فقال عليه السلام ( اربعوا على انفسكم ) اى ارفعوا بأنفسكم لا تبالغوا فى رفع اصواتكم

{ انكم لا تدعون اصم ولا غائبا انكم تدعون سمعيا قريبا وهو معكم } ويحتاج الى الجمع بين هذا امره عليه السلام برفع الاصوات بالتلبية وقد يقال المنهى عنه هنا الرفع الخارج عن العادة الذى ربما آذى بدليل قوله عليه السلام ( اربعون على انفسكم ) اى ارفقوا بها كذا فى انسان العيون.

يقول الفقير انما نهى النبى عليه السلام اصحاب عن رفع الصوت اخفاء لامره عن العدو ولان اكثر اصحابه كانوا ارباب احوال فشأنهم الاعتدال بل الاخفاء الا لضرورة قوية كما فى ازاء العدو او اللصوص تهييبا لهم ولا شك ان اعدى العدو النفس واشد اللصوص الشيطان ولذا اعتاد الصوفية بجهر الذكر تهييبها لهما وطرد اللوسوسة وقد اختار الحمكماء للسلطان جهارة الصوت فى كلامه ليكون اهيب لسامعيه واوقع فى قلوبهم كما فى العقد الفريد.

وفى التأويلات النجمية السر باصطلاح اهل التحقيق لطيفة بين القلب والروح وهو معدن اسرار الروحانية والخفى لطيفة بين الروح والحضرة الالهية وهو مهبط انوار الربوبية واسرارها ولهذا قال عقيب قوله

{ يعلم السر واخفى اللّه لا اله الا هو } الآية اشارة ان مظهر الوهية صفاته العليا انما هو الخفى الذى هو اخفى من السر اى الطف واعز واعلى واشرف واقرب الى الحضرة الا وهو سر وعلم آدم الاسماء كلها وهو حقيقة قوله عليه السلام ( ان اللّه خلق آدم فتجلى فيه )

ثم اعلم ان لطيفه السر التى بين القلب والروح تكون موجودة فى كل انسان عند نشأته الاولى واخفى ينتشئ عند نشأته الاخرى فلذا يمكن ان يكون كل انسان مؤمن او كافر معدن اسرار الروحانية وجملتها المعقولات ولا يمكن الا لمؤمن موحد ان يكون مهبط انوار الربانية واسرارها وجملتها المشاهدات والمكاشفات وحقائق العلوم اللدنية.

٨

{ اللّه } خبر مبتدأ محذوف اى ذلك المنعوت بما ذكر من النعوت الجليلة اللّه

{ لا اله الا هو } لا معبود فى الارض ولا فى السماء الا هو دل على الهوية بهذا القول فان هو كناية عن غائب موجود والغائب عن الحواس الموجود فى الازل هو اللّه تعالى وفيه معنى حسن وهو المتعالى عن درك الحواس حتى استحق اسم الكناية عن الغائب من غير غيبة كما فى بحر العلوم.

يقول الفقير على هذا المعنى بنى الصوفية ذكرهم بالاسم هو اخفاء وجهرا اجتماعا وانفرادا مع ان مرجعه هو اللّه فيكون فى حكم الاسم المظهر ولا ينازع فيه الا مكابر وفى الحديث ( ان اللّه خلق ملكا من الملائكة قبل ان خلق السموات والارض وهو يقول اشهد ان لا اله الا اللّه ماذا بها صوته لا يقطعها ولا يتنفس فيها ولا يتمها فاذا اتمها امر اسرافيل بالنفخ فى الصور وقامت القيامة ) كما فى التفسير الكبير فعلم منه ان الركن الاعظم للعالم ودوام وجوده انما هو الذكر فاذا انقطع الذكر انهدم العالم وكل فوت انما هو من اجل ترك الذكر - ذكر - ان صيادا كان يصيد السمكة وكانت ابنته تطرحها فى الماء وتقول انها ما وقعت فى الشبكة ال لغفلتها.

وفى الحديث ( لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الارض اللّه اللّه ) اكده بالتكرار ولا شك ان لا يذكر اللّه ذكرا حقيقيا وخصوصا بهذا الاسم الجامع الاعظم المنعوت بجمكيع الاسماء الا الذى يعرف الحق المعرفة التامة واتمم الخلق معرفة باللّه فى كل عصر خليفة اللّه وهو كامل ذلك العصر فكأنه يقول عليه السلام لا تقوم الساعة وفى الارض انسان كامل وهو المشار اليه فانه العماد المعنوى الماسك فان شئت قلت الممسك لاجله فاذا انتقل انشقت السماء وكورت الشمس وانكدرت النجوم وانتثرت وسيرت الجبال وزلزلت الارض وجاءت القيامة كذا فى الفكوك لحضرة الشيخ صدر الدين قدس سره

{ له الاسماء الحسنى } بيان لكون ما ذكر من الخالقية والرحمانية والمالكية العالمية اسماءه وصفاته من غير تعدد فى ذاته تعالى فانه روى ان المشركين حين سمعوالنبى عليه السلام يقول يا اللّه يا رحمن قالوا ينهانا ان يعبد الهين وقد يدعو الها آخر . والحسنى تأنيث الاحسن يوسف به الواحدة المؤنثة والجمع من المذكر والمؤنث كمآرب اخرى وآياتنا الكبرى وفضل اسماء اللّه فى الحسن على سائر الاسماء لدلالتها على معانى التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والافعال التى هى النهاية فى الفضل والحسن.

قال فى تفسير الكبير يقال ان اللّه اربعة آلاف اسم ثلاثة آلاف منها لا يعلمها الا اللّه والانبياء اما الالف الرابعة فان المؤمنين يعلمونها فثلاثمائة فى التوراة وثلاثمائة فى الانجيل وثلاثمائة فى الزبور ومائة فى القرآن تسعة وتسعون ظاهرة وواحد مكنون من احصاها دخل الجنة وليس حسن الاسماء لذواتها لانها الفاظ واصوات بل حسنها لحسن معانيها ثم ليس حين المسمى حسنا ينطلق بالصورة والخلقة فان ذلك محال على من ليس بجسم بل حسن يرجع الى معنى الاحسان مثلا اسم الستار والغفار والرحيم انما كانت حسنى لانها ذالة على معنى الاحسان - روى - ان حكيما ذهب اليه قبيح وحسن والتمسا الوصية فقال للحسن انت حسن ولا يليق بك الفعل القبيح وللقبيح انت قبيح اذا فعلت القبيح عظم قبحك الهنا اسماؤك حسنة وصفاتك حسنة فلا تظهر لنا من تلك الاسماء الحسنة والصفات الحسنة الا الاحسان ويكفينا قبح افعالنا وسيرتنا فلا نضم اليه قبح العقاب ووحشة العذاب.

وفى الحديث ( اطلبوا الحوايج عند حسان الوجوه ) وذلك لانهم اذا قضوا الحاجات قضوا بوجه طلق وان ردوا ردوا بوجه طلق.

كشته ازلطف حق بعرصه خاك ... حسن صورت دليل سيرت باك

وقال بعضهم

يدل على معروفه حسن وجهه ... وما زال حسن الوجه احدى الشواهد

وفى الحديث ( اذا بعثتم الىّ رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم ) الهنا حسن وجوهنا قبيح بعصياننا فمن هذا الوجه نستحيى طلب الحوائج وحسن الاسماء والصفات يدلنا عليك فلا تردنا على احسانك خائبين خاسرين.

قال موسى الهى أى خلق اكرم عليك قال الذى لا يزال لسانه رطبا من ذكر قال فأى خلقك اعلم قال الذى يلتمس انى اعلم علم غيره قال فأى خلقك اعدل قال الذى يقضى على نفسه كما يقضى على الناس قال فأى خلقك اعظم جرما قال الذى يتهمنى وهو الذى يسألنى ثم لا يرضى بما قضيته له الهنا لا نتهمك فانا نعلم ان كل ما احسنت فهو فضل وكل ما لا تفعله فهو عدل فلا تؤاخذنا بسوء اعمالنا : قال الحافظ

در دائره قسمت ما نقطه تسليميم ... لطف آنجه توانديشى حكم انجه توفرمايى

٩

{ وهل اتيك حديث موسى } يحتمل ان يكون اول ما اخبر اللّه به من امر موسى فان السورة من اوائل ما نزل فيكون الاستفهام للانكار اى لم يأتك الى الآن خبر موسى وقصته وقد اتاك الآن بطريق الوحى فتنبه له واذكر لقومك ما فيه من امر التوحيد ونحوه يحتمل انه قد اناه ذلك سابقا فيكون استفهام تقرير فكأنه قال قد اتاك.

١٠

{ اذ رأى نارا } ظرف للحديث - روى - ان موسى عليه السلام تزوج صفوراء وقال السهيلى صفورياء بنت شعيب عليه السلام فاستأذن منه فى الخروج من مدين لزيارة امه واخيه هارون فى مصر فخرج باهله واخذ على غير الطريق خوفا من ملوك الشام فلما اتى وادى طوى وهو بالجانب الغربى من الطور ولد له ولد فى ليلة مظلمة ذات برد وشتاء وثلج وكانت ليلة الجمعة فقدح زنده فصلد اى صوّت ولم يخرج نارا

وقيل كان موسى رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه لئلا يروا امرأته فلذا اخطأ الرفقة والطريق فبينما هو فى ذلك اذ رأى نارا من بعيد على يسار الطريق من جانب الطور فظن انها من نيران الرعاة

{ فقال لاهله } لامرأته وولده وخادمه فان لاهل يفسر بالازواج والاولاد والعبيد والاماء وبالاقارب وبالاصحاب وبالمجموع كما فى شرح المشارق لابن ملك

{ امكثوا } اقيموا مكانكم ولا تتبعونى

{ انى آنست نارا } الايناس الابصار البين الذى لا شبهة فيه ومنه انسان العين لانه يبين به الشئ والانس لظهورهم كما قيل الجن لاستنارهم اى ابصرتها ابصارا بينا لا شبهة فيه فأذهب اليها

{ لعلى آتيكم منها } راجيا ان اجيئكم من النار

{ بقبس } بشعلة من النار اى بشئ فيه لهب مقتبس من معظم النار وهى المراد بالجذوة فى سورة القصص وبالشهاب القبس فى سورة النمل يقال قبست منه نارا فى رأس عود او فتيلة او غيرهما لم يقطع بان يقول انى آتيكم لئلا يعد ما لم يتيقن الوفاء به انظر كيف احترز موسى عن شائبة الكذب قبل نبوته فانه حينئذ لم يكن مبعوثا.

قال اكثر المفسرين ان الذى رآه موسى لم يكن نارا بل كان نور الرب تعالى ذكر بلفظ النار لان موسى حسبه نارا.

وقال الامام الصحيح انه رأى نارا ليكون صادقا فى خبره اذا الكذب لا يجوز على الانبياء انتهى.

قال بعض الكبار لما كانت النار بغية موسى تجلى اللّه له فى صورة مطلوبه المجازى ليقبل عليه ولا يعرض عنه فانه لو تجلى له فى غير صورة مطلبوه اعرض عنه لاجتماع ما تجلى فيه.

كنار موسى يراها عين حاجته ... وهو الاله ولكن ليس يدريه

اى ليس يعرف الالهة المتجلى فى صورة النور والمتكلم فيها

{ او اجد على النار هدى } هاديا يدلنى على الطريق لان النار قلما تخلو من اهلها وناس عندها على انه مصدر سمى به

{ لعلى آتيكم منها بخبر او جذوة من النار } وكلمة او فى الموضعين للمنع الخلو دون منع الجمع ومعنى الاستعلاء فى على ان اهل النار يكتنفونها عند الاصطلاء قياما وقعودا فيشرفون عليها.

١١

{ فلما اتاها } اى انتهى الى النار التى آنسها قال ابن عباس رضى اللّه عنه رأى شجرة خضراء احاطت بها من اسفلها الى اعلاها نار بيضاء تتقد كاضوء ما يكون ولم ير هناك احدا فوقف متعجبا من شدة ضوء تلك النار وشدة خضرة تلك الشجرة فلا النار تغير خضرتها ولا كثرة ماء الشجرة تغير ضوء النار فسمع تسبيح الملائكة ورأى نورا عظيما تكل الابصار عنه فوضع يديه على عينيه وخاف وبهت فالقيت عليه السكينة والطمأنينة ثم نودى وكانت الشجرة سمرة خضراء او عوسجة او عليقا او شجرة العناب وهى شجرة لا نار فيها بخلاف غيرها من الاشجار . قالوا النار اربعة اصناف . صنف يأكل ولا يشرب وهى نار الدنيا . وصنف يشرب ولا يأكل وهى نار الشجر الاخضر . وصنف يأكل ويشرب وهى نار جهنم . وصنف لا يأكل ولا يشرب وهى نار موسى.

وقالوا ايضا هى اربعة انواع نوع له احراق بلا نور وهى نار الجحيم . ونوع له نور بلا احراق وهى نار موسى . ونوع له احراق ونور وهى نار الدنيا . ونوع ليس له احراق ولا نور وهى نار الاشجار.

يقول الفقير النور للمحبة والنار للعشق وعند ما كمل وامتلأ نور محبة موسى وتم واشتغل نار عشقه وشوقه تجلى اللّه له بصورة ما فى بطنه وذلك لانه لما ولد له ولد القلب الذى هو طفل خليفة اللّه فى ارض الوجود فى ليلة شاتية هى ليلة الجلال ظهر له نور ذاتى فى صورة نار صفاتية لان الصورة انما هى للصفات واحترق جميع انانيته وحصل له التوجه الوحدانى فعند ذلك

{ نودى } فقيل

{ يا موسى انى انا } للتوكيد والتحقيق يعنى [ شك مكن زميقن شكوه من ]

{ ربك } [ بروردكار توام ]

{ فاخلع } [ بس بيرون كن وبيكفن ازباى خود ]

{ نعليك } امر بذلك لان الحفوة ادخل فى التواضع وحسن الادب ولذلك كان بشر الحافى ونحوه يسيرون حفاة وكان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين

كنجى كه زمين وآسمان طالب اوست ... جون درنكرى برهنه بايان دارند

او ليتشرف مشهد الوادى بقدوم قدميه وتتتصل بركة الارض اليه.

وقيل للحبيب تقدم على بساط العرش بنعليك ليتشرف العرش بغبار نعال قدميك ويصل نور العرش يا سيد الكونين اليك او لانه لا ينبغى لبس النعل بين يدى الملوك اذ دخلوا عليهم وهذا بالنسبة الى المرتبة الموسية دون الجاه المحمدى كما مر آنفا.

وذكر فى فضائل ابى حنيفة انه كان اذا قدم على الخليفة للزيارة استدعى منه الخليفة ان لا ينزل عن بغلته بل يطأبها بساطه . او لانهما كانا غير مدبوغين من جلد الحمار فالخطاب خطاب التأديب كما فى حل الرموز

قال الكاشفى [ اصح آنست كه نعلين ازجلد بقربود وطاهر ] او لان النعل فى النوم يعبر بالزوجة فاراد تعالى ان لا يلتفت بخاطره الى الزوجة والولد.

قال فى الاسرار المحمدية جاء فى غرائب التفسير فى قوله سبحانه

{ فاخلع نعليك } يعنى همك بامرأتك وغنمك.

وقال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره يعنى لاطبيعة والنفس.

يقول الفقير لا شك ان المرأة صورة الطبيعة والولد صورة النفس لان حبه من هواها غالبا وايضا ان المرأة فى حكم الرجل نفسه لانها جزؤ منه فى الاصل والغنم ونحوه انما هو من المعاش التابع للوجود فكأنه قيل فاخلع فكر النفس وما يتبعها ايا كان وتعال.

وقال بعضهم المراد بالنعلين الدنيا والآخرة كأنه امره بالاستغراق فى معرفة اللّه ومشاهدته والوادى المقدس قدس جلال اللّه وطهارة عزته.

وقال بعضهم ان اثبات الصانع يكون بمقدمتين فشبهتا بالنعليم اذ بهما يتوصل الى المقصود وينتقل الى معرفة الخالق فبعد الوصول يجب ان لا يلتفت اليهما ليبقى القلب مستغرقا فى نور القدس فكأنه قيل فاخلع فكر الدليل والبرهان فانه لا فائدة فيه بعد المشاهدة والعيان

ساكنان حرم از قبله نما آزادند ... وفى المثنوى

جون شدى بربامهاى آسمان ... سرد باشد جست وجوى ثردبان

آينه روشن كه شد صاف وجلى ... جهل باشد برنهادن صيقلى

بيش سلطان خوش نشسته در قبول ... زشت باشد حستن نامه رسول

ولهذا غسل حضرة الشيخ الشبلى قدس سره جميع كتبه بعد الوصول الى اللّه تعالى فتدبر

{ انك بالواد المقدس } المطهر والمتبعد من السوء

{ طوى } اسم الوادى عطف بيان له.

قال فى القاموس الوادى مفرج بين جبال او تلال او آكام وطوى واذ بالشام وهو بالنوين منصرف بتأويل المكان وبتركه غير منصرف بتأويل البقعة المعروفة - روى - ان موسى عليه السلام خلعهما والقاهما وراء الوادى.

١٣

{ وانا اخترتك } اى اصطفيتك للنبوة والرسالة وقرأ حمزة

{ وانا اخترناك } { فاستمع } [ بس كوش فرا دار ]

{ لما يوحى } للذى يوحى اليك منى من الامر والنهى اللام متعلقة بالسمع مزيدة فى المفعول كما فى ردف لكم.

١٤

{ اننى انا اللّه } [ بدرستى كه منم خداى تعالى ] وهو بدل من يوحى دال على تقدم علم الاصول على الفروع فان التوحيد من مسائل الاصول والعبادة الآتية من الفروع

{ لا اله الا انا } [ نيست خدى بغير من ] فاذا كان كذلك

{ فاعدبنى } فخصنى بالعبادة والتوحيد ولا تشرك بعبادتى احدا

{ واقم الصلاة } من عطف الخاص على العام لفضله

{ لذكرى } من اضافة المصدر الى مفعوله اى لتذكرنى وتكون ذاكرا الى فان ذكر اللّه كما ينبغى عبارة عن الاشتغال بعبادته باللسان والجنان والاركان والصلاة جامعة لها او من اضافته الى فاعله اى لاذكرك بالاثابة.

وفى التأويلات النجمية وأدم المناجات المحاضرة معنى ببدل الوجود لنيل ذكرك اياك بالتجلى على الداوم لافناء وجودك المتجدد.

١٥

{ ان الساعة آتية } تعليل لوجوب العبادة واقامة الصلاة . والساعة اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساعة حقيقة يحدث فيها امر عظيم اى القيامة كائنة لا محالة وانما عبر عن ذلك بالاتياءى تحقيقا لحصولها بابرازها فى معرض امر محقق متوجه نحو المخاطبين { أكاد أخفيها }.

قال فى تفسير الجلالين استرها للتهويل والتعظيم واكاد صلة انتهى.

وقال بعضهم كاد وان كان موضوعا للمقاربة الا انه من اللّه للتحقق والوجوب فالمعنى اريد اخفاء وقتها عن الخلق ليكونوا على الحذر منها كل وقت كما ان عسى فى قوله تعالى

{ قل عسى ان يكون قريبا } للقطع بقربه هو قريب . وفى الارشاد لا اظهرها ابان اقول هى آتيةولولا ما فى الاخبار بذلك من اللطف وقطع الاعذار واهوال النار وعذاب جحيمها لئلا تكون عبادتى مشوبة بطمع الجنة وخوف النار بل تكون خالصة لوجهى كما قال تعالى

{ وما امروا الا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدين } وفى ذلك تهديد عظيم للعباد واظهار عزة وعظمة لنفسه الا انه سبقت رحمتى غضبى فما اخفيت الساعة واتيانها

{ لتجزى كل نفس بما تسعى } متعلقة بآتية وما بينهما اعتراض وما مصدرية اى بسعيها وعملها خيرا كان او شرا لتمييز المطيع من العاصى وتخليص السعى بالذكر للايذان بان المراد بالذات من اتيانها هو الاثابة بالعبادة

واما العقاب بتركها فمن مقتضيات سوء اختيار العصاة.

١٦

{ فلا يصدنّك عنها } اى لا يمنعنك عن ذكر الساعة ومراقبتها

{ من لا يؤمن بها } اى بالساعة هذا وان كان بحسب الظاهر نهيا للكافر عن صد موسى عن الساعة لكنه فى الحقيقة نهى له عن الانصداد عنها على ابلغ وجه وآكده فان النهى عن اسباب الشئ ومباديه المؤدية اليه نهى عنه بالطريق البرهانى وابطال للسببية من اصلها

{ واتبع هواه } مراده المبنى على ميل النفس لا يعضده برهان سماوى ولا دليل عقلى.

وفى الارشاد ما تهواه نفسه من اللذات الحسيبة الفانية

{ فتردى } من الردى وهو الموت والهلاك اى فتهلك فان الاغفال عنها وعن تحصيل ما ينجى من احوالها مستتبع للهلاك لا محالة والمراد بهذا النهى الامر بالاستقامة فى الدين وهو خطاب له والمراد غيره.

واعلم ان هذه الآيات والآتية بعدها دلت على ان اللّه تعالى كلم موسى عليه السلام وانه سمع كلام اللّه تعالى.

فان قيل بأى شئ علم موسى انه كلام اللّه . قيل لم ينقطع كلامه بالنفس مع الحق كما ينقطع به مع المخلوق بل كلمه تعالى بمدد وحدانى غير منقطع وبانه مسع الكلام من الجوانب الستة وبجميع الاجزاء فصار الوجود كله سمعا وكذا المؤمن فى الآخرة وجه محض وعين محض وسمع محض ينظر من كل جهة وبكل جهة وعلى كل جهة وكذا يسمع بكل عضو من كل جهة واذا شاهد الحق يشهده بكل وجه ليس فى جهة من الجهات لا يحتجب سمعه وبصره بالجهات ويجوز ان يخلق اللّه تعالى علما ضروريا بذلك كما خلق لنبينا عليه السلام عند ظهور جبريل بغار حراء.

ثم اعلم ان للكلام مراتب فكلام هو عين المتكلم وكلام هو معنى قائم به كالكلام النفسى وكلام مركب من الحروف ومتعين بها وهو فى عالمى المثال والحسن بحسبهما فموسى عليه السلام قد تنزل له الكلام فى مرتبة الامر الى مرتبة الروح ثم الى مرتبة احِس ومن مشى على المراتب لم يعثر ألا ترى ان نبينا عليه السلام اذا نزل عليه الوحى كان يسمع فى بعض الاحياء مثل صلصلة الجرس فان التجلى الباطنى لا يمنع مثل هذا.

فان قلت لماذا يكلم اللّه موسى حتى صار كليم اللّه دون سائر الانبياء.

قلت لان الجزاء انما هو من جنس العمل وكان قد احترق لسانه عليه السلام عند الامتحان الفرعونى فجازاه اللّه بمناجاته اسماع كلامه

هر محنتى مقدمه راحتى بود ... شد همزبان حق جوزبان كليم سوخت

رؤى بعضهم فى النوم فقيل ما فعل اللّه بك فقال رضى اللّه عنى ورحمنى وقال لى كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب فجوزى من حيث عمل حيث لم يقل له كل يا من قطع الليل تلاوة واشرب يا من ثبت يوم الزحف.

وقيل لبعضهم وقد رؤى يمشى فى الهواء بم نلت هذه الكرامة فقال تركت هواى لهواه فسخر لى هواه فالعلم والحكمة انما هى فى معرفة المناسبات قضاء عقليا وقضاء الهيا حكميا ومن قال ان اللّه تعالى يفعل خلاف هذا فليس عنده معرفة بمواقع الحكم.

١٧

{ وما تلك } السؤال بما تلك عن ماهية المسمى اى حقيقته الى هو بها هو كقولك ما زيد تعنى ما حقيقة مسمى هذا اللفظ فيجاب بانه انسان لا غير.

قال الكاشفى [ جون موسى نعلين بيرون كرد در وادى مقدس خطاب رسيدكه ] وما تلك . اى أى شئ هذه احال كونها مأخوذة

{ بيمينك يا موسى } فما استفهامية فى حيز الرفع بالخبرية لتلك المشار اليه اى العصا وهو اوفق بالجواب من عكسه والعامل فى الحال معنى الاشارة ولم يقل بيدك لاحتمال ان يكون فى يساره شئ مثل الخاتم ونحوه فلو اجمل اليه لتحير فى الجواب للاشتباه وسيأتى سر الاستفهام ان شاء اللّه تعالى.

١٨

{ قال } موسى

{ هى عصاى } نسبها الى نفسه تحقيقا لوجه كونها بيمينه وتمهديا لما يعقبه من الافاعيل المنسوبة اليه عليه السلام

{ اتوكؤا عليها } اى اعتمد عليها عند الاعياء فى الطريق وحال المشى وحين الوقوف على رأس القطيع فى المرعى

{ واهش بها على غنمى } الهش [ بيفشاندن برك ازدرخت ] يقال هش الورق يهشه ويهشه خبطه بعصا ليتحات اى ضربه ضربا شديدا ليسقط . والمعنى اخبط بها الورق واسقطه على رؤس غنمى لتأكله . وبالفارسية [ وفرميريزم برك ازدر ختها ]

{ ولى فيها مآرب } جمع مأربة بفتح الراء وضمها وهى الحاجة

{ اخرى } لم يقل آخر لرعاية الفاصلة اى حاجات اخر غير التوكى والهش وهى انه اذا سار القاها على عاتقه وعلق بها قومه وكنانته وحلابه ومطهرته وحمل عليها زاده وتحدثه . يعنى [ درراه باموسى سخنى كفتى ] وكان لها شعبتان ومحجن فاذا طال الغصن حناه بالمحجن واذا حاول كسره لواه بالشعبتين وفى اسفلها سنان ويركزها فيخرج الماء وتحمل أى ثمرة احب وريثما يدليها فى البئر وتصير شعبتاها كالدلو فيخرج الماء واذا قصر الرشاء وصله بها وتضيئ بالليل كاشمع وتحارب عنه . يعنى [ بادشمن وى حرب كردى ] واذا تعرضت لغنمه السباع قاتل بها وتطرد الهوام فى النوم واليقظة ويستظل بها اذا كان قعد يعنى اذا كان فى البرية ركزها والقى كساءه عليها فكان ظلا وكانت اثنى عشر ذراعا بذراعه عليه السلام من عود آس من شجر الجنة استودعها عند شعيب ملك من الملائكة فى صورة انسان.

وقال الكاشفى [ آن عصا ازجوب مرد بهشت بود طول اوده كز وراو دوشاخه ودر زيراو سنانى نشانده نامش عليق بود يانيعه از آدم ميراث بشعيب رسيده بود وازو بموسى رسيد ] وفى العصا اشارة الى ان الانبياء عليهم السلام رعاة الخلق والخلق مثل البهائم محتاجون الى الرعى والكلاءة من ذئاب الشياطين واسد النفس فلا بد من العمل بارشادهم الوقوف بالخدمة عند باب دراهم : قال الحافظ

شبان وادى ايمن كهى رسد بمراد ... كه جند سال بجان خدمت شعيب كند

قال بعض اهل المعرفة لما كانت العصا صورة النفس المطمئنة المفنية للموهومات والمتخيلات لان صورة الحية تستعد للايمان كما ظهر بعض الجن بالمدينة فى صورة الحية ونهوا عن قتلها كما ذكر فى الصحاح لذلك قال موسى عليه السلام

{ هى عصا اتوكأ عليها } اى استعين بها على مطالبى فى السر

{ وأهش بها على غنمى } اى على رعايا اعضائى وحواسى وعلى ما تحت يدى من اقوى الطبيعية والبدنية

{ ولى فيها مآرب اخرى } اى مقاصد لا تحصل الا بها من الكمالات المكتسبة بالمجاهدات البدنية والرياضات النفسية فاذا جاهدت وارتاضعت وانابت الى ربها انقلبت المعصية التى هى السيئة طاعة اى حسن كما قال تعافى فى صلة التائبين

{ يبدل اللّه سيآتهم حسنات } فان قيل السؤال للاستعلام وهو محال على العلام فما لفائدة فيها قال ان فائدته ان من ارد ان يظهر من الحقير شيأ نفسيا يعرضه اولا على الحاضرين ويقول ما هذا فيقال فلان ثم انه يظهر صنعه الفائق فيه فيقول لهم خذوا منه كذا وكذا كما يريك الزراد زبرة من حديد ويقول لك ما هى فتقول زبرة حديد ثم يريك بعد ايام لبوسا مسردا فيقول لك هى تلك الزبرة صيرتها الى ما ترى من عجيب الصنعة وانيق السرد فاللّه تعالى لما اراد ان يظهر من العصا تلك الآيات الشيفة عرضها اولا عليه فقال هل حقيقة ما فى يدك الا خشبة لا تضر ولا تنفع ثم قلبها ثعبانا عظيما فنبه به على كمال قدرته ونهاية حكمته.

قال الكاشفى [ استفهام متضمن تنبيه است يعنى حاضر شو تاعجايب ببنى ].

وقال فى التأويلات انما امتحن موسى بهذا السؤال تنبيها له يعلم ان للعصا عند اللّه اسما آخر وحقيقة اخرى غير ما علمه منها فيحيل علمها الى تعالى فيقول انت اعلم بها يا رب فلما اتكل على علم نفسه وقال هى عصاى فكأنه قيل له اخطأت فى هذا الجواب خطأين احدهما فى التسمية بالعصا والثانى فى اضافتها الى نفسك وهو ثعبانى لا عصاك.

فان قيل هذا سؤال من اللّه مع موسى ولم يحصل لمحمد عليه السلام.

قلنا خاطبه ايضا فى قوله

{ فاوحى الى عبده ما اوحى } الا انه ما افشاه وكان سرا لم يؤهل له احدا من الخلق وايضا فان دار الكلام بينه وبين موسى فامه محمد يخاطبونه فى كل يوم مرات للاستعلام لانه تعالى منزه عن ذلك بل للتذكر لاستحاضر حقيقتها وما يعلم من منافعها ولذا زاد فى الجواب.

وقال الكاشفى [ جواب داد وجهت تعداد نعم ربانى برآن افزود ] وقال بعضهم سأل اللّه عما فى يده للتقريرعلى انها عصا حتى لا يخاف اذا صارت ثعبانا ويعلم انها معجزة عظيمة ولا زالة الوحشة عن موسى وذكر يا موسى يعنى ليحصل زيادة الانبساط والاستئناس وازالة تلك الهيبة والدهشة الحاصرة من استماع ذلك الكلام الذى لم يشبه كلام الخلق مع مشاهدة تلك النار وتلك الشجرة وسمع تسبيح الملائكة ومن ثمة لما زالت بذلك اطنب فى الجواب قال نبينا عليه السلام قلت اى ليلة المعراج اللهم انه لما لحقنى استيحاش سمعت مناديا ينادى بلغة تشبه لغة ابى بكر رضى اللّه عنه فقال لى قف فان ربك يصلى لعجب من هاتين هل سبقنى ابو بكر الى هذا المقام وان برى لغنى عن ان يصلى فقال تعالى انا الغنى عن ان اصلى لاحد وانما اقول سبحانى سبحانى سبقت رحمتى على غضبى أقرا يا محمد هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور وكان بالمؤمنين رحيما فصلاتى رحمة لك ولامتك

واما امر صاحبك يا محمد فان اخاك موسى كان انسه بالعصا فلما اردنا كلامه قلنا وما تلك بيمنك يا موسى قال هى عصاى وشغل بذكر العصا عن عظيم الهيبة وكذلك انت يا محمد لما كان انسك بصاحبك ابى بكر خلقنا ملكا على صورته ينادى بلغته ليزول عنك الاستيحاش ولما ليحقك من عظيم الهيبة كذا فى انسان العيون.

وذكر الراغب الاصفهانى فى المحاضرات انه قال الامام الشاذلى قدس سره صاحب الحزب البحر اضطجعت فى المسجد الاقصى فرأيت فى المنام قد نصب تحت خارج الاقصى فى وسط الحرم فدخل خلق كثير افواجا افواجا فقلت ما هذا الجمع فقالوا جمع الانبياء والرسل عليهم السلام قد حضروا ليشفعوا فى حسين الحلاج عند محمد عليه السلام فى اساءة ادب وقعت منه فنظرت الى التخت فاذا نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم جالس عليه بانفراد وجميع الانبياء على الارض جالسون مثل ابراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم السلام فوقفت انظر واسمع كلامهم فخاطب موسى نبينا عليه السلام وقال له انك قد قلت

علماء امتى كانبياء بنى اسرائيل فارنا منهم واحدا فقال هذا واشار الى الامام الغزالى قدس سره فسأله موسى سؤالا فاجابه بعشرة اجوبة فاعترض عليه موسى بان الجواب ينبغى ان يطابق السؤال والسؤال واحد والجواب عشرة فقال الامام هذا الاعتراض وارد عليك ايضاحين سئلت

{ وما تلك بيمينك } وكان الجواب عصاى فاوردت صفات كثيرة فقال فبينما انا متفكر فى جلالة قدر محمد عليه السلام وكونه جالسا على التخصت بافنراده والخليل والكليم والروح جالسون على الارض اذ رفسنى شخص برجله رفسة مزعجة اى ضربنى فانتبهت فاذا بقيم يشعل قناديل الاقصى قال لا تعجب فان الكل خلقوا من نوره فخررت مغشيا فلما اقاموا الصلاة افقت وطلبت القم فلم اجده الى يومى هذا ومن هذا قال فى قصيدة البردة

وانسب الى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب الى قدره ما شئت من عظم

وقال آخر

سرخيل انبيا وسيهدار اتقيا ... سلطان باركاه دنا قائد امم

١٩

{ قال } اللّه تعالى استئناف بيانى

{ القها يا موسى } اطرحها لترى من شأنها ما لم يخطر ببالك والالقاء والنبذ والطرح بمعنى واحد

٢٠

{ فالقاها } على الارض . قال الكاشفى [ موسى كمان بردكه اورانيزجون نعلين مى بايد افكند بس بيفكند آنرا ازقفاى خود فى الحال آوازى عظيم بكوش وى رسيد بازنكريست ]

{ فاذا هى } [ بس از آنجا آن عصا ]

{ حية } [ مارى بود ]

{ تسعى } [ مى شتافد بهر جانب ] والسعى المشى بسرعة وخفة حركة والجملة صفة لحية - روى - انه حين القاها انقلبت حية صفراء فى غلظ العصا ثم انتفخت وعظمت فلذلك شهبت بالجان تارة وهو الخفيف كما قال تعالى

{ كأنها جان } اى باعتبار ابتداء حالها وسميت ثعبانا اخرى وهو اظمها كما قال تعالى

{ فاذا هى ثعبان مبين } اى باعتبار انتها حالها وعبر عنها ههنا بالاسم العام للحالين اى الصغير والكبير والظاهر انها انقلبت من اول الامر ثعبانا وهو الاليق بالمقام كما يفصح عنه قوله تعالى

{ فاذا هى ثعبان مبين } وانما شبهت بالجان فى الجلادة وسرعة الحركة.

قال بعض اهل المرعفة اما انقلاب العصا حيوانا فايما الى انقلاب المعصية طاعة وحسنة فان العصا من المعصية والمعصية اذا انقلبت صارت طاعة كما قال تعالى

{ الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل اللّه سيآتهم حسنات } وهذا التبديل من مقام المغفرة

واما المحو فى قوله عليه السلام ( اتبع السيئة الحسنة تمحها ) فعبارة عن حقيقة العفو.

قال المولى الجامى فى قوله

{ فاولئك يبدل اللّه سيآتهم حسنات } يعنى فى الحكم فان الاعيان انفسها لا تتبدل ولكن تنقلب احكامها انتهى.

يقول الفقير على هذا يدور انقلاب العصا حية حين الالقاء ويحول النحاس فضة عند طرح الاكسير وتمثل جبريل فى الصورة البشرية فاعرفه فانه باب عظيم من دخله بالعرفان التام امن من الاوهام : قال الحافظ

دست ازمس وجود جومرادان بشوى ... تاكيمياى عشق بيابى وزرشوى

وقال المولى الجامى

جوكسب علم كردى در عمل كوش ... كه علم بى عمل زهريست بى نوش

جه حاصل زآنكه دانى كيميارا ... مس خودرا نكرده زرسارا

٢١

{ قال } استئناف بيانى

{ خذها ولا تخف } روى انها انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع كل شئ يمر به من صخر وحجر وعيناه تتقدان كالنار ويسمع لانبيابه صريف شديد وكان بين لحييه اربعون ذراعا او ثمانون فلما رآه كذلك خاف ونفر لان الخوف والهرب من الحيات ونحوها من طباع البشر.

فان قيل لم خاف موسى من العصا ولم يخف ابراهيم من النار.

قلنا لان الخليل كان اشد تميكنا اذ فرق بين بداية الحال ونهايتها وقد ازال اللّه هذا الخوف من موسى بقوله ولا تخف ولذا تمكن من اخذ العصا كما يأتى فصار اهل تمكين كالخليل عليهما السلام ألا ترى ان نبينا عليه السلام او لما جاءه جبريل خافه فرجع من الجبل مرتعدا ثم كان من امره ما كان حتى استعد لرؤيته على صورته الاصلية ليلة المعراج كما قال تعالى

{ ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى } وفى التأويلات النجمية

{ خذها ولا تخف } يعنى كنت تحسب ان لك فيها المنافع والمآرب فى البداية ثم رأيتها وانت خائف من مضارها فخذها ولا تخف لتعلم ان اللّه تعالى هو الضار والنافع فيكون خوفك ورجاؤك منه اليه لا من غيره : وفى المثنوى

هركه ترسيد از حق وتقوى كزيد ... ترسد ازوى جن وانس وهركه ديد

{ سنعيدها } [ زوباشدكه كردانيم ويرا ]

{ سيرتها الاولى } السيرة فعلة من السير اى نوع من تجوز بها للطريق والهئية العصوية فوضع يده فى فم الحية فصارت عصا كما كانت ويده فى شعبتيها فى الموضع الذى يعضها فيه اذا توكأ وأراه هذه الآية كيلا يخاف عند فرعون اذا انقلبت حية وفى الحديث ( يجاء لصاحب المال الذى لم يؤد زكاته بذلك المال على صورة ثعبان ) يقول الفقير لا شك عند اهل المعرفة ان لكل جسد روحا ولو كان معنويا ولكل عمل وخلق ووصف صورة معتدلة فى الدنيا تتحول صورة محسوسة فى الآخرة كما قال تعالى

{ فينبئهم بما كانوا يعملون } اى يظهر لهم صور اعمالهم كما مر فى سورة الانعام ولما كان حب المال من اشد صفات النفس الامارة الى هى فى صورة ثعبان ضار لا جرم يظهر يوم تبلى السرائر على هذا الصورة المزعجة ويصير طوقا لعنق صاحبه فاذا تزكى موسى القلب من حب المال واحب بذله فى سبيل اللّه جاء فى صورة حسنة يهواها مناسبة لما عمل به من الخيرات وقس حال البواقى عليه.

٢٢

ثم اراه آية اخرى فقال

{ واضمم } [ ضمم كن وببر ]

{ يدك } اليمنى

{ الى جناحك } [ سوى بهلوى خود درزير بغل ] وجناح الطائر وقد سميا جناحين لانه يحبحهما اى يميلها عند الطيران . والمعنى واضمم يدك الى جنبك تحت العضد

{ تخرج } [ تابيرون آيد جواب ]

{ بيضا } [ درحالتى كه سفيد وروشن ] حال من الضمير فيه

{ من غير سوء } حال من الضمير فى بيضاء اى كائنة من غير عيب وقبح كنى به عن البرص كما كنى بالسوءة عن العورة لما ان الطباع تعافه وتنفر عنه - روى - ان موسى عله السلام كان اسمر اللون فاذا ادخل يده اليمنى تحت ابطه الايس واخرجها كان عليها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر ويسد الافق ثم اذا ردها الى جنبه صارت الى لونها الاول بلا نور ويريق

{ آية أخرى } اى معجزة اخى غير العصا وانتصابها على الحالية من الضمير فى بيضاء.

٢٣

{ لنريك } اى فعلنا ما فعلنا من قلب العصا حية وجعل اليد بيضاء لنريك بهاتين الآيتين

{ من آياتنا الكبرى } اى بعض آياتنا الكبرى فكل من العصا واليد من الآيات الكبرى وهى تسع كما قال تعالى

{ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } وقد سبق بيانها ونظير الآية قوله تعالى فى حق نبينا عليه السلام

{ لقد رأى } اى محمد ليلة المعراج

{ من آيات ربه الكبرى } والفرق بين آيات موسى وآيات نبينا عليهما السلام ان آيات موسى عجائب الارض فقط وآيات نبينا عجائب السموات والارض كما لا يخفى هذا هو اللائح فى هذا المقام فاعرفه.

واعلم ان موسى عليه السلام ادخل يده فى جيبه فاخرجها بيضاء من غير سوء وهذا من كرامات اليد بعد التحقق بحقيقة الجود والكرم والسخاء والايثار فالجود عطاؤك ابتداء قبل السؤال والكرم عطاؤك ما انت محتاج اليه وبالعطاء صحت الخلة - روى - ان اللّه تعالى ارسل الى ابراهيم جبريل عليهما لاسلام على صورة شخص فقال له يا ابرهيم اراك تعطى الاوداء والاعداء قال تعلمت الكرم من ربى رأيته لا يضيعهم فانا لا اضيعهم فاوحى اللّه اليه ان يا ابرهيم انت خليلى حقا.

ومن كرامت اليد ما روى ان نبينا عليه السلام نبع الماء من بين اصابعه فى غزوة تبوك حتى شرب منه ورفعه خلق كثير ورمى التراب فى وجوه الاعداء فانهزموا وسبح الحصى فى يده : قال العطار قدس سره

داعى ذرات بود آن باك ذات ... در كفش تسبيح ازان كفتى حصات

وقبض من شاء من الاولياء فى الهواء فيفتح يده عن فضة او ذهب الى امثال هذا فاذا سمعت هذا عرفت ان كل كمال يظهر فى النوع الانسان فهو اثر عمل من الاعمال او حال من الاحوال فبين كل شيئين اما مناسبة ظاهرة او باطنة اذا طلبها الحكيم المراقب وجدها نسأل اللّه تعالى ان يوفقنا لصرف الاعضاء والقوى الى ما خلقت هى لاجله ويفيض علينا فضله بسجله

٢٤

{ اذهب } يا موسى بطريق الدعوة والتحذير

{ الى فرعون } وملئه بهاتين الآيتين العصا واليد لقوله تعالى فى سورة القصص

{ فذالك برهانان من ربك الى فرعون وملئه }

واما قوله تعالى

{ اذهب انت واخوك بآياتى } فسيأتى معنى الجمع فيه ان شاء اللّه تعالى

{ انه ضغى } اى جاوز حد العبودية بدعوى اربوبية استقلالا لا اشتراكا كما قال

{ انا ربكم الاعلى } وفيه اشارة الى معنيين . احدهما ان السالك الصادق اذا بلغ مرتبة كماله يقضيه اللّه لدلالة عباده وتربيتهم . والثانى ان كمال الباغلين فى ان يرجعوا الى الخلق ومخالطتهم . والصبر على اذاهم ليختبروا بذلك حلمهم وعفوهم.

فان قيل لم ارسله اللّه بالعصا . قلنا لان العصا من آلات الرعاة وموسى عليه السلام كان راعيا فارسله اللّه مع آلته وابصا كان فرعون بمنزلة الحمار فاحتاج الى العصا والضرب : وفى المثنوى

كرترا عقلست كردم لطفها ... ورزخرى آورد عام خررا عصا

آنجينان زين آخرت بيرون كنم ... كز عصا كوش وسرت برخون كنم

اندرين آخر خران ومردمان ... مى نيابند از جفاى تو امان

يك عصا آورده ام بهر ادب ... هرخرى را كونباشد مستحب

ازدهائى ميشود در قهر تو ... كازدهائى كشته در فعل وخو

ازدهائى كوهئ توبى امان ... ليك ينكر ازدهاى آسمان

اين عصا ازدوزخ آمد جاشنى ... كه هلا بكريز اندر روشنى

ورنه درمابى تو دردندان من ... مخلصت نبود زدربندان من

اين عصائى بوداين دم ازدهاست ... تانكوئى دوزخ يزدان كجاست

هر كجا خواهد خدادوزخ كند ... اوج را برمرغ دام وفخ كند

هم زدندانت برآيد دردها ... تابكوئى دوزخست وازدها

يا كند آب دهانت را عسل ... كه بكوئ كه بهشتست وحلل

ازبن دندان برو ياند شكر ... تابدانى قوت حكم قدر

يس بدندان بى كنهانرا مكز ... فكر كن ازضربت ن محترز

٢٥

{ قال } موسى مستعينا باللّه لما علم انه حمل ثقيل وتكليف عظيم : يعنى [ باخود انديشيدكه من ننها بافرعون ولشكر اوجكونه مقاومت توانم كرد بس ازخدا تقويت طلبيده آغاز ودعا كرد وازروى نياز كفت ]

{ رب } [ اى بروردكار من ]

{ اشرح لى صدرى } [ كشاده كردان براى من سينه مرا ] والمراد بالصدر هنا القلب لا العضو الذي فيه القلب اى وسع قلبى حتى لا يضيق بسفاهة المعاندين ولجاجهم ولا يخاف من شوكتهم وكثرتهم.

واعلم ان شرح الصدر من نعم اللّه تعالى على الانبياء وكمل الاولياء وقد اخذ منه نبينا عليه السلام الحظ الاوفى لانه حصل له بصورته ومعناه اذ شق صدره فى صباوته والقى عنه العلق التى هى حظ الشيطان زمغمزه وغسر فى طست من الذهب وايضا فى البلوغ الى الاربعين لينشرح لتحمل اثقال الرسالة وفى المعراج ليتسع لاسرار الحق تعالى فجاء حاملا للاوصاف الجليلة التى لا توصف من الحلم والعفو والصبر والكف واللطف والدعاء والنصيحة الى غير ذلك.

٢٦

{ ويسر امرى } سهل على امر التبليغ باحداث الاسباب ورفع الموانع.

٢٧

{ واحلل } وافتح . بالفارسية [ وبكشاى ]

{ عقدة } لكنة : وبالفارسية [ كرهى را ]

{ من لسانى } متعلق بالفعل وتنكير عقدة يدل على قلتها فى نفسها قالوا ما الانسان لولا اللسان الا بهيمة مرسلة او صورة ممثلة والمرؤ باصغيره قلبه ولسانه.

٢٨

{ يفقهوا قولى } اى يفهم هو وقومه كلامى عند تبليغ الرسالة فانما يحسن التبليغ من البليغ وكان فى لسانه رثة : وبالفارسية [ بستكى زبان ] من جمرة ادخلها فاه وذلك ان فرعون حمله يوما فاخذ ليحته ونتفها لما كانت مرصعة بالجواهر فغضب وقال ان هذا عدوى المطلوب وامر يقتله فقالت آسية زوجته ايها الملك انه صبى لا يفرق بين الجمر والياقوت فاحضرا بين يدى موسى بان جعل الجمر فى طست واليقاوت فى آخر فقصد الى اخذ الجوهر فامال جبرائيل يده الى الجمر فرفعه الى فيه فاحرتق لسانه فكانت منه لكنه وعجمة والى هذه القصة اشار العطار قدس سيره بقوله

همجو موسى اين زمان رطشت آتش ما نده ايم ... طفل فرعونيم ما كام ودهان براخكرست

ولعل تبيض يده لما كانت آلة لاخذ الجمر واللحية والنتف.

فان قيل لم احترق لسان موسى ولم يحترق اصابعه حين قبض على الجمر عند امتحان فرعون.

قلنا ليكون معجزة بعد رجوعه الى فرعون بالدعوة لانه شاهد احرتاقه عنده فيكون دليلا على اعجازه كأنه يقول الكليم اخرجنى اللّه من عندك يا فرعون مغلولا ذا عقدة ثم ردنى اليك فصيحا متكلما واورثنى ذلك ابتلاء من ربى حال كونى صغيرا ان جعلنى كليما مع حضرته حال كونى كبيرا واورث تناول يدى الى النار آية نيرة بيضاء كشعلة النار فى اعينكم فكل بلاء حسن.

قال فى الاسئلة المقحمة لما دعا موسى بهذا الدعاء هل انحلت اى كما يدل عليه قوله قال قد اوتيت سؤلك فلما ذا قال واخى هارون هو افصح منى لسانا وقال فرعون فيه ولا يكد يبين الجواب يجوز ان يكون هارون هو افصح منه من زوالها وقول فرعون تكلم به على وجه المعاندة والاستصغار كما كما يقول المعاند لخصمه لا تقول شيأ ولا تدرى ما تقول وقالوا لشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وقالوا الهود ما جئتنا ببينة ولنبينا عليه السلام قلوبنا فى اكنة انتهى والى هذا التأويل جنح المولى ابو السعود فى الارشاد.

٢٩

{ واجعل لى وزيرا } الوزير حباء الملك اى جليسه وخاصته الذى يحمل ثقله وبعينه برأيه كما فى القاموس فاشتقاقه من الوزير بالكسر الذى هو النقل لا نه يحمل الثقل عن اميره او من الوزر محركة وهو الملجأ والمعتصم لان المير يعتصم برأيه ويلجأ اليه فى اموره والمعنى واجعل لى موازرا يعاوننى فى تحمل اعباء ما كلفته

{ من اهلى } من خواصى واقربائى فان الاهل خاصة الشئ ينسب اليه ومنه قوله تعالى

{ ان ابنى من اهلى } واهل اللّه خاصته كما فى الحديث ( ان لله اهلين من الناس اهل القرآن وهم اهل اللّه ) كما فى المقاصد الحسنة وهو صفة لوزير او صلة لاجعل.

٣٠

{ هارون } مفعول اول لاجعل قدم عليه الثانى وهو وزيرا للعناية به لان مقصوده الاهم طلب الوزير

{ اخى } بدل من هارون.

٣١

{ اشدد به ازرى } الازر القوة والظهر اى احكم به قوتى او قوّ به ظهرى.

٣٢

{ واشركه فى امرى } واجعله شريكى فى امر الرسالة حتى نتعاون على ادائها كما ينبغى.

فان قيل كيف سأل لاخيه النبوة فانما هى باختيار اللّه تعالى كما قال

{ اللّه اعلم حيث يجعل رسالته } قلت ان فى اجابة اللّه دليلا على ان سؤاله كان بذان اللّه والهاما منه ولما كان التعاون فى الدين درجة عظيمة طلب ان لا يحصل الا لاخيه.

وفيه اشارة الى ان صحبة الاخيار وموازرتهم مرغوب للانبياء فضلا عن غيرهم ولا ينبغى ان يكون المرؤ مستبدا برأيه مغرورا بقوته وشكوته وينبغى ان لا يحب لاخيه ما يحب لنفسه ويجوز لنفسه الشريك فى امور المناصب ولا تحق وزارة هارون فى نبوته وقد كان اكثر انبياء بنى اسرائيل كذلك اى كان احدهم موازرا ومعينا للآخر فى تبليغ الرسالة

٣٣

{ كى } غاية للادعية الثلاثة الاخيرة : والمعنى بالفارسية [ تا ]

{ نسبحك } تسبيحا

{ كثيرا } اى ننزهك عما لا يليق بك من الافعال والصفات التى من جملتها ما يدعيه فرعون.

٣٤

{ ونذكرك } ذكرا

{ كثيرا } اى على كل حال ونصفك بما يليق بك من صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال فان التعاون يهيج الرعبات ويؤدى الى تكاثر الخير وتزايره.

قال فى التاويلات النجمية يشير الى ان للجليس الصالح والصديق الصديق أثر عظيما فى المعاونة على كثرة الطاعات والموافقة والمرافقة فى اقتحام عقبات السلوك وقطع مفاوزه : قال الحافظ

دريغ ودردكه تاين زمان ندانستم ... كه كيمياى سعادت رفيق بود رفيق

٣٥

{ انك كنت بنا بصيرا } الباء متعلقة ببصيرا قدمت عليه لرعاية الفواصل اى عالما باحوالنا وان التعاون يصلحنا وان هارون نعم الوزير والمعين لى فيما امرتنى به فانه اكبر منى سنا وافصح لسانا وكان اكبر من موسى باربع سنين او بسنة على اختلاف الروايات.

٣٦

{ قال } اللّه تعالى

{ قد اوتيت سؤلك يا موسى } مسئولك ومطلوبك فعلى بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز والايتاء عبارة عن تعلق ارادته تعالى بوقوع تلك المطالب وحصولها له.

قال داود القيصرى قد سره ومن جملة كمالات الاقطاب ومنن اللّه عليهم ان لا يبتليهم بصحبة الجهلاء بل يرزقهم صحبة العلماء الادباء الامناء يحملون عنهم اثقالهم وينفذون احكامهم واقوالهم انتهى وذلك كما كان آصف بن برخيا وزير السليمان عليه السلام الذى كانت قطب وقته ومتصرفا وخليفة على العالم فظهر عنه ما ظهر من اتيان عرش بلقيس كما حكاه اللّه تعالى فى القرآن.

وكان انوشروان يقول لا يستغنى اجود السيوف عن الصقيل ولا اكرم الدواب عن السوط : ولا اعلم الملوك عن الوزير وفى الحديث ( اذا اراد اللّه بملك خيرا قيض له وزيرا صالحا ان نسى ذكره وان نوى خيا اعانه وان نوى شرا كفه ) وقد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وزراء كما قال ( ان لى وزيرين فى الارض ابا بكر وعمر ووزيرين فى السماء جبريل واسرافيل ) فكان من فى السماء يمده عليه السلام من جهة الروحانية ومن فى الارض من جهة الجسمانية قال اللّه تعالى

{ هو الذى ايدك بنصره وبالمؤمنين } فنصر اللّه سماوى ونصر المؤمنين ارضى وبالكل يحصل الامداد مطلقا وفى الحديث ( اذا تحيرتم فى الامور فاستيعنوا من اهل القبور ) ذكره الكاشفى فى الرسالة العلية وابن الكمال فى شرح الاربعين حديثا والمراد من اهل القبور الرواحنيون سواء كانوا فى الاجساد الكثيفة او اللطيفة فافهم.

ثم ان العادل يرث من النبى عليه السلام هذه الوزارة

واما الظالم فيجعل له وزير سوء وهو علامة غضب اللّه وانتقامه : قال الشيخ سعدى قدس سره

بقومى كه نيكى بسندد خداى ... دهد خسروا عادل نيك راى

جو خواهد كه ويران كند عالمى ... كند ملك در بنجه ظالمى

: وقال الحافظ زمانه كرنه سر قلب داشتى كارش ... بدست آصف صاحب عيار بايستى

ولما كان السلطان ظل اللّه فى الارض ظهر مظره الحقيقة الجامعة الالهية وهو القطب الذى هو مدار العالم فكما ان للقطب وزراء من العلماء الامناء كذلك لمن هو ظله وزراء من العادلين الادباء وهذه الوزراة ممتدة الى زمن المهدى ووزراؤه سبعة هم اصحاب الكهف يجيبهم اللّه فى آخر الزمان يختم بهم رتبة الوزراء المهدية ومنهم الوزراء السبعة للملوك العثمانية وهم الذين يسمون بزراء القبة.

واعلم ان موسى بطريق الاشارة سلطاننافى الآفاق وروحنا فى الانفس وهارون هو الوزير ايا من كان فى الآفاق والعقل فى الانفس وفرعون هو رئيس اهل الحرب من النصارى وغيرهم والنفوس الامارة بالسوء فاذا قارن الروح بالعقل الكامل المشير المدبر وهو عقل المعاند يغلب على النفس وقواها ويخلص حصن القلب من ايديها كما ان السلطان اذا اصطفى لوزارته رجلا صالحا عادلا يغلب ان شاء اللّه تعالى على الاعداء ويتصرف فى بلادهم وحصونهم : وفى المثنوى

عقل تودستور مغلوب هواست ... در وجودت رهزن راه خداست

واى آن شه كه وزيرش اين بود ... جاى هردو دوزخ بركين بود

شاد آن شاهى كه اورا دستكير ... باشد اندركار جون آصف وزير

شاه عادل جون قرين اوشود ... نام او نور على نور اين بود

جون سليمان شاه وجون آصف وزير ... نور بر نورست وعنبر بر عبير

شاه فرعون وجو هامانش وزير ... هر دورا نبود زبد بختى كزير بسبود ظلمات بعضى فوق بعض

نى خرد يارو نه دولت روز عرض ... عقل جزؤى را وزير خودمكير

عقل كل را ساز اى سلطان وزير ... مر هوارا تو وزير خود مساز

كه بر آرد جان باكت از نماز ... كمين هوا برحرص وحالى بين بود

عقل را انديشه يوم الدين بود ... وفى الحديث ( من قلد انسانا عملا وفى رعيته من هو اولى منه فقد خان اللّه ورسوله وجماعة المؤمنين ) قال الشيخ قدس سره

كسى را كه باخواجه تست جنك ... بدستش جرامى دهى جوب وسنك

سك آخركه باشدكه خوانش نهند ... بفرماى ن استخوانش نهند

مكافات موذى بمالش مكن ... كه بيخش بر آورد بايد زبن

سركرك بايد هم اول بريد ... نه جون كوشفندان مردم دريد

٣٧

{ ولقد مننا عليك } من قولهم من عليه منا بمعنى انعم عليه لا من قولهم عليه منة بمعنى امتن عليه لان المنةتهدم الصنيعة.

وفى الكبير فان قيل ذكر تلك النعم بلفظ المنة مؤذ والمقام مقاما التلطف قلنا عرفه انه لم يستحق شيأ منها بذاته وانما خصه بها بمحض التفضل والمعنى وابله لقد انعمنا عليك يا موسى اكرمنا بكرامات من غير ان تسألنا

{ مرة اخرى } فى وقت ذى مر وذهاب اى وقتا غير هذا الوقت فان اخرى تأنيث آخر بمعنى غير والمرة فى الاصل اسم للمر الواحد الذى هو مصدر قولك مريمر مرا ومرورا اى ذهب ثم اطلق على فعلة واحدة من الفعلات متعدية كانت او لازمة ثم شاع فى كل فرد واحد من افراد ماله افراد متحدة فصار علما فى ذلك حتى جعل معيارا لما فى معناه من شائر الاشياء فقيل هذا بناء المرةويقرب منها الكرة والتارة والدفعة والمراد به ههنا الممتد الذى وقع فيه ما سيأتى ذكره من المنن العظمية الكثيرة.

٣٨

{ اذا اوحينا الى امك } ظرف لمننا والمراد من هذا الوحى ليس الوحى الواصل الى الانبياء لان ام موسى ما كانت من الانبياء فان المرأة لا تصلح للامارة والقضاء فكيف تصلح للنبوة بل الالهام كما فى قوله تعالى

{ واوحى ربك الى النحل } بان اوقع اللّه فى قلبها عزيمة جازمة على ما فعلته من اتخاذ التابوت والقذف.

قال فى الاسئلة المقحمة كيف يجوز لها ان تلقى ولدها فى البحر وتخاطر بروحه بمجرد الالهام والجواب كانت مضطرة الى ركوب احد الخطرين فاختارت له خير الشرين انتهى والظاهر ان اللّه تعالى قدر انها تكون صدف درة وجود موسى فكما ان الصدف يتنور بنور الدرة نور صدر امه ايضا بنور الوحى من تلألؤ انوار نبوته ورسالته فهذا الالهام من احوال الخواص من اهل الحال

{ ما يوحى } المراد به ما سيأتى من الامر بقذفه فى التابوت والبحر ابهم اولا تهويلا له وتفخيما لشأنه عليه السلام ثم فسر ليكون اقر عند النفس.

٣٩

{ ان اقذفيه فى التابوت } ان مفسرة بمعنى اى لان الوحى من باب القول اى قلنا لها اقذفيه ومعنى القذف هها الوضع وفى قوله

{ فاقذفيه فى اليم } الالقاء وليس المراد القذف بلا تابوت واليم نيل مصر فى قول جميع المفسرين فان اليم يقع على البحر والنه رالعظيم.

فان قيل ما الحكمة بالقاء موسى فى اليم دون غيره فيه . قلنا له جوابان بلسان الحكمة والمعرفة قيل بلسان الحكمة ان المنجمين اذا القى شئ فى الماء يخفى عليهم امره فاراد اللّه ان يخفى حال موسى على المنجمين حتى لا يخبروا به فرعون

وقيل بلسان الحال القيه فى التلف لانجيه بالتلف من التلف قيل لها بلسان الحال سلميه الىذ صبيا اسلمه اليك نبيا

وقيل انجاه من البحر فى الابتداء كذلك انجاه من البحر فى الانتهاء باغراق فرعون بالماء.

وقال بعض ارباب المعارف التابوت اشارة الى ناسوت موسى عليه السلام اى صورته الانسانية واليم اشارة الى ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم العنصرى فلما حصلت النفس فى هذا الجسم وامرت بالتصرف فيه وتدبيره جعل اللّه لهم هذا القوى آلات يتوصل بها الى ما اراده اللّه منها فى تدبير هذا التاوبت فرمى فى اليم ليحصل له بهذا القوى من فنون العلم تكميل استعداده بذلك الامر من النفس الكلية التى هى امة المعنوية وابوه الروح الكلى فكل ولد منها يأخذ استعداده بحسب القابلية فكمل لموسى الاستعداد الاصلى بذلك الالقاء من توجه النفس الكلية له : وقال المولى الجامى قدس سره

ديدم رخت آفتاب عالم ايسنت ... در طور وجود نور اعظم ايسنت

افتاد دلم اسير ثابوت بدن ... دربحر مت القى فى اليم ايسنت

{ فليلقه اليم بالساحل } لما كان القاء البحر اياه بالساحل امرا واجب الوقوع لتعلق الارادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع امر بذلك واخرج الجواب مخرج الامر فصورته امر ومعناه خبر والضمائر كلها لموسى والمقذوف فى البحر والملقى بالساحل وان كان التابوت اصالة لكن لما كان المقصود بالذات ما فيه جعل التابوت تبعا له فى ذلك . والساحل فاعل بمعنى مفعول من السحل لانه يسحل الماء اى يقشره ويسلخه وينزع عنه ما هو بمنزلة القشر على ظاهره يقال قشرت العود نزعت عنه قشره

{ يأخذه عدو لى وعدو له } بالجزم جواب للامر بالالقاء وتكرير عدو للمبالغة اى دعيه حتى يأخذه العدو فانى قادر على تربية الولى فى حجر العدو ووقايته من شره بالقاء محبة منه عليه.

فان قيل كيف يجوز ان يكون مثل فرعون له رتبة معاداته تعالى حتى سمى عدو اللّه . قلنا معناه يأخذه مخالف لا مرى كالعدو كذا فى الاسئلة المقحمة.

قالوا ليس المراد بالساحل نفس الشاطئ بل ما يقابل الوسط وهو ما يلي الساحل من البحر بحيث يجرى ماؤه الى نهر فرعون لما روى انها جعلت فى التابوت قطعنا ووضعته فيه ثم احكمته القير وهو الزفت لئلا يدخل فيه الماء والقته فى اليم وكان يدخل منه الى بستان رعون نهر فدفعه الماء اليه فاتى به الى بركة فى البستان وكان فرعون جالسا ثمة مع آسية بنت مزاحم فامر به فاخرج ففتح فاذا هو سبى اصبح الناس وجها ولما وجده فى اليم عنده الشجر سماه موسى و ( مو ) هو الماء بالقبطية و ( سا ) هو الشجر واحبه حبا شديدا لا يكاد يتمالك الصبر عند وذلك قوله تعالى

{ وألقيت عليك محبة } عظيمة كائنة

{ منى } قد زرعتها فى القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك ولذا احبك عدو اللّه وآله - روى - انه كان على وجهه مسحة جمال وفى عينيه ملاحة لا يكاد يصبر عنه من رآه.

ماه زيباست ولى روى تو زيباتر ازوست ... جشم نركس جه كنم جشم تورعناتر ازوست

وفى التأويلات النجمية

{ والقيت عليك محبة } من محبتى ليحبك بمحبتى من احبنى بالتحقيق ويحبك عدوى وعدوك وعدوك بالقتليد كما ان آسية احبته بحب اللّه على التحقيق وفرعون احبه لما الفى اللّه عليه محبته بالتقليد ولما كانت محبة فرعون بالقليد فسدت وبطلت بادنى حركة رآها من موسى ولما كانت محبة آسية بالتحقيق ثبتت عليها ولم تتغير وهكذا يكون ارادة اهل التقليد تفسد بادنى حركة لا تكون على وفق طبع المريد المقلد ولا تفسد ارادة المريد المحقق بابكر حركة تخالف طبعه وهواه وهو مستسلم فى جميع الاحوال

نشان اهل خدا عاشقى وتسلمست ... كه درمريد شهر اين نشان نمى بينم

{ ولتصنع على عينى } عطف علىعلة مضمرة لا لقيت اى ليتعطف عليك ولتربى بالحنو والشفقة ويحسن اليك وانا راقبك ومراعيك وحافك كما يراعى الرجل الشئ بعينه اذا اعتنى به من قولهم صنع اليه معروفا اذا احسن اليه . وعينى حال من الضمير المستتر فى لتصنع لا صلة له جعل العين مجازا عن الرعاية والحراسة بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب فان الناظر الى الشئ يحرسه مما لا يريد فى حقه ويراعيه حسبما يريد فيه.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من ادركته العناية الازلية يكون فى جميع حالاته منظور نظر العناية لا يجرى عليه امر من امور الدنيا والآخرة الا وقد يكون له فيه صلاح وتربية الى ان يبلغه درجة ومقاما قد قدر له.

٤٠

{ اذ تمشى اختك } مريم ظرف لتصنع على ان المراد به وقت وقع فيه مشيها الى بيت فرعون وما ترتب عليه من القول والرجع الى امها وتربيتها له بالبر والحنو وهو المصداق لقوله

{ ولتصنع على عينى } اذ لا شفقة اعظم من شفقة الام.

قال ابن الشيخ تقييد التربية بزمان مشى اخته صحيح لان التربية انما وقعت زمان المشى ورده الى امه

{ فتقول } اى لفرعون وآسية حين رأتهما يطلبان له مرضيعة يقبل ثديها وكان لا يقبل ثديا وصيغة المضارغ فى الفعلين لحكاية الحال الماضية اى قالت

{ هل ادلكم } [ آيا دلالت كنم شمارا ] اى حاضران

{ على من يكفله } [ بركسى كه تكفل اين طفل كند واورا شير دهد ] اى يضمه الى نفسه ويربيه وذلك انما يكون بقبول ثديها - يروى - انه فشا الخبر بمصر ان آل فرعون اخذوا غلاما من النيل لا يرضع ثدى امرأة واضطروا الى تتبع النساء فخرجت مريم لتعرف خبره فجاءتهم منكرة فقالت ما قالت وقالوا من هى قالت امى قالوا ألها لبن قالت نعم لبن اخى هارون فجاءت بها فقبل ثديها

{ فرجعناك الى امك } الفاء فصيحة معبة عن محذوف قبلها يعطف عيها ما بعدها اى فقالوا دلينا عليها فجاءت بامك فرجعناك اليها اى رددناك : وبالفارسية [ بس بازكردانيديم ترابسوى ما درتو وبوعده وفاكرديم ] وهو قوله

{ انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين } وذلك لان الهامها كان من الهام الخواص الذى بمنزلة الوحى فلا تستبعد عليها هذه المكالمة المعنوية ويجوز ان يكون ذلك من قبيل الاعلام بالمبشرة

{ كى تقر عينها } [ تاشايدكه روشن شود جشم مادر بلقاء تو ].

وقال بعضهم تطيب نفسها بلقائك يقال قرت عينه اذا بردت نقيض سخنت هذه اصله ثم استعير للسرور وهو المراد ههنا كما فى بحر العلوم

{ ولا تحزن } على فقدك : وبالفارسية [ واندوهناك نكردد بفراق تو ].

قال فى الكبير فان قيل

{ ولا تحزن } فضل لان السرور يزيل الغم لا محالة قلنا تقر عينها بوصولك اليها ولا تحزن بوصول لبن غيرها الى باطنك انتهى.

وفى الارشاد اى لا يطرأ عليها الحزن بفراقك بعد ذلك والا فزوال الحزن مقدم على السرور المعبر عنه بقرة العين فان التخلية مقتدمة على التحلبة انتهى.

يقول الفقير الواو لمطلق الجمع وايضا ان الثانى لتأكيد الاول فلا يرد ما قالوا

{ وقتلت نفسا } هى نفس القبطى الذى استغاثه الاسرائلى عليه كما يأتى فى سورة القصص

{ فنجيناك من الغم } اى غم قتله خوفا من عقاب اللّه بالمغفرة ومن اقتصاص فرعون بالانجاء منه بالمهاجرة الى مدين

{ وفتناك فتونا } الفتنة والفتون المحنة وكل ما شق على الانسان وكل ما يبتلى اللّه به عباده فتنة ولا يطلق الفتان على اللّه لانه صفة ذم عرفا واسماء اللّه توقيفية.

فان قيل كيف يجوز ذكر الفتن عند ذكر النعم.

قلنا لافتنة تشديد المحنة ولما اوجب تشديد المحنة كثرة الثواب عده اللّه فى النعم ألا ترى الى قوله عليه السلام ( ما او ذى نبى مثل ما اوذيت ) وقد فسره البعض بقوله ما صفى نبى مثل ما صفيت والمعنى ابتليناك ابتلاء.

وقال بعضهم ضحناك بالبلاء طحنا : وبالفارسية [ وبيازموديم ترا آزمودنى يعنى ترادر بوثة بلاها افكنديم وخالص بيرون آمدى ] ومن ابتلائه قتله القبطى ومهاجرته من الوطن ومفارقة الاحباب والمشى راجلا وفقد الزاد ونحو ذلك مما وقع قبل وصوله الى مدين بقضية الفاء الآتية.

وفى التأويلات النجمية منها فتنة صحبتك مع فرعون وتربيتك مع قومه فحفظناك من التدين بدينهم.

ومنها فتنة قتل نفس بغير الحق وفرارك من فرعون بسبب قتل القبطى فنجوت منها.

ومنها ابتليناك بابنتى شعيب واحتياجهما اليك فى سقى غنمهما فلولا حفظاك لملت اليهما ميل البشر للنساء.

ومنها ابتليناك بخدمة شعيب وصحبته وستاجاره فوفقناك للخروج من عهدة حقوقه وعهوده.

قال بعض الكبار اختبره فى مواطن كثيرة ليتحقق فى نفسه صبره على ما ابتلاه به فاول ما ابتلاه اللّه به قتل القبطى بما الهمه اللّه فى سره وان يعلم بذلك الالهام ولكن كان فيه علامة ذلك وهو ان لم يجد فى نفسه مبالاة بقتله فعدم مبالاته بقتله مع عدم انتظاره الوحى علامة كونه ملهما به فى السر ولا ينبغى ان يعتريه وحشة عظيمة من ذلك الفعل . وانما قلنا انه عليه السلام كان ملهما فى قتل القبطى لان باطن النبى معصوم من ان يميل الى امر ولم يكن مأمورا به من عند ربه وان كان فى السر ولكون النبى معصوم الباطن من حيث لا يشعر حتى يخبر بان ذلك الامر مأمور به فى السر اراه الخضر حين قصد تنبيهه على ما ذهل عنه من كونه ملهما بقتل القبطى قتل الغلام فانكر عليه قتله ولم يتذكر قتله القبطى فقال له الخضر ما فعلته عن امرى ينبهه على مرتبته قبل ان ينبأ انه كان معصوم الحركة فى قتله فى نفس الامر وان لم يشعر بذلك واراه ايضا حرق السفينة الذى ظاهره هلك وباطنه نجاة من يد الغاصب جعل له ذلك فى مقابلة التابوت الذى كان فى اليم مطبقا عليه فان ظاهره هلاك وباطنه نجاة وانما فعلت به امه ذلك خوفا من يد الغاصب فرعون ان يذبحه مع الوحى الذى الهمها اللّه من حيث لا تشعر فوجدت فى نفسها انها ترضعه فاذا خافت عليه القته فى اليم وغلب على ظنها ان اللّه ربما رده اليها لحسن ظنها به وقالت حين الهمت ذلك لعل هذا هو الرسول الذى يهلك فرعون والقبط على يده فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر اليها اذ لم يكن عندها دليل يفيد العلم بذلك وهذا التوهم والظن علم باعتبار ان متعلقه حق مطابق للواقع متحقق فى نفس الامر

{ فلبثت سنين } عشر سنين

{ فى اهل مدين } اى عند شعيب لرعى الاغنام لان شعيبا انكحه بنته صفوراء على ثمانى مراحل من مصر وذكر اللبث دون الوصول اليهم اشارة الى مقاساة شدائد اخرى فى تلك السنين كايجار نفسه ونحوه مما كان من قبيل الفتون.

وفى التأويلات النجمية

{ فلبثت سنين فى اهل مدين } لتستحق بتربية شعيب وملازمته النبوة والرسالة : قال الحافظ

شبان وادى ايمن كهى رسد بمراد ... كه جند سال بجان خدمت شعيب كند

يقول الفقير انظر كيف ان اللّه تعالى جعل فى الامر المكروه امرا محبوبا فان قتل القبطى ساق موسى الى خدمته شعيبا الى ان استعد للنبوة وقس على هذا ما عداه واذا كانت النبوة مما يقدم لها الخدمة مع كونها اختصاصا الهيا فما ظنك بالولاية

{ ثم جئت } اى الوادى المقدس بعد ضلال الطريق وتفرق الغنم فى الليلة المظلمة ونحوها

{ على قدر } تقدير قدرته لان اكلمك واستنبئك غير مستقدم وقته المعين ولا مستأخر او على مقدار من السن يوحى فيه الى الانبياء وهو رأس اربعين سنة وفى الحديث ( ما بعث اللّه نبينا الا على رأس اربعين سنة ) كما فى بحر العلوم واورده البعض فى الموضوعات لان عيسى عليه السلام نبئ ورفع الى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين ونبئ يوسف عيله السلام فى البئر وهو ابن ثمانى عشر وكذا يحيى عليه السلام اوتى الحكم وهو صبى فاشتراط الاربعين فى حق الانبياء ليس بشئ كما فى المقاصد الحسنة

{ يا موسى } كرره تشريفا له عليه السلام وتنبيها على انتهاء الحكاية التى هى تفصيل المرة الاخرى التى وقعت قبل المرة المحكية.

٤١

{ واصطنعتك لنفسى } تذكير لقوله وانا اخترتك اى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فهو تمثيل لما اعطاه تعالى من الكرامة العظمة بتقريب الملك بعض خواصه واصطناعه لنفسه وترشيحه لبعض اموره الجليلة.

وقال الكاشفى [ وترا بركزيديم وخالص ساختيم براى محبت خوديعنى ترا دوست كرفتيم ].

وفى حواشى ابن شيخ اى اخترك لتحبنى وتتصرف على ارادتى ومحبتى وتشتغل بما امرتك من اقامة حجتى وتبليغ رسالى وان تكون فى حركاتك وسكناتك لوجهى لنفسك ولا لغيرك . والاصطناع افتعال من الصنع بالضم وهو مصدر قولك صنع اليه معروفا واصطناع فلان اتخاذه صنيعا محسنا اليه بتقريبه وتخصيص بالتكريم والاجلال.

عن القفال قال اصطنعتك اصله من قولهم اصطنع فلان فلانا اذا احسن اليه حتى يضاف اليه فيقال هذا صنيع فلان كما يقال هذا جريح فلان.

وفى القاموس واصنعتك لنفسى اخترك لخاصة امر استكفيكه انتهى وحقيقته جعله عليه السلام مرآة قابلة لانوار صفات الجمال والجلال.

وفيه اشارة الى ان الخواص انما خلقوا لاجل هذا المعنى الخاص

واما غيرهم فبعضهم للدنيا وبعضهم للآخرة فالخواص هم عباد اللّه حقا وقد تخلصوا من شوب الميل الى الباطل وهو ما سوى اللّه تعالى : قال لبيد

ألا كل شئ ما خلا اللّه باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل

وفى الحديث ( اذا احب اللّه عبدا ابتلاه فان صبر اجتباه وان رضى اصطفاه ) فالصبر تجرع المرارات عند نزول المصيبات والرضى سرور القلب بمر القضايا فالعبد الذى أراد اللّه اصطفاءه يجعله فى بوتقة البلاء اولا فيخلص جوهره مما سواه فطريق هذا المنزل صعب جدا : قال المولى الجامى

مكوكة قطع بيابان عشق آسانست ... كه كوههاى بلا ريك آن بيابانست

اللهم اجعلنا من الصابرين الشاكرين الراضين الواصلين.

٤٢

{ اذهب انت } يا موسى والذهاب المضى يقال ذهب بالشئ واذهبه ويستعمل ذلك فى الاعيان والمعانى قال تعالى

{ انى ذاهب الى ربى } وقال

{ فلما ذهب عن ابرهيم الروع } { واخوك } اى وليذهب اخوك هارون حسبما استدعيت عطف عليه لانه كان غائبا عن موسى وقتئذ . والاخوة المشاركة فى الولادة من الطرفين او من احدهما او من الرضاع ويستعار الاخ لكل مشارك لغيره فى القبلة او فى الدين او فى صنعة او فى معاملة او فى مودة او فى غير ذلك من المناسبات

{ بآياتى } بمعجزاتى والباء للمصاحبة لا للتعدية اذ المراد ذهابهما الى فرعون ملتبسين بالآيات متمسكين بها فى اجراء احكام الرسالة واكمال امر الدعوة لا مجرد اذهابهما وايصالهما اليه.

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما يريد الآيات التسع التى انزلت عليه وان كان وقوع بعضها بالفعل مترقبا بعد . ويحتمل ان يكون الجمع للتعظيم والمراد العصا واليد . او لما ان اقل الجمع عند الخليل اثنان يعنى ان اطلاق الآيات على الآيتين وارد على الادنى

{ ولاتينا } لا تفترا : وبالفارسية [ وسستى ميكنيد ] من ونى ينى ونبا فهو وان مثل وعد يعد وعدا فهو واعد بمعنى فتريفتر فتورا

{ فى ذكرى } اى فى مداومته على كل حال لسانا وجنانا فانه آلة لتحصيل كل المقاصد فان امرا من الامور لا يتمشى لاحد الا بذكرى فالفتور فى الامور بسبب الفتور فى ذكر اللّه وهو تذكير لقوله

{ كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا }

قال بعضهم الحكمة فى هذا التكليف فان من ذكر جلال اللّه تعالى وعظمته استخف غيره فلا يخاف احدا غيره فيتقوى روحه بذلك الذكر فلا يضعف فى مقصود.

قال مرجع طريقتنا الجلوتية بالجيم حضرة الهدايى قدس سره التوحيد قبل الوعظ باعث لاصغاء السامين وموجب للتأثير بعون اللّه الملك القدير.

وفى العرائس لا تغيبا عن مشاهدتى باشتغالكما بامرى حتى تكونا فاترين بى عنى.

وفى الارشاد فى ذكرى اى بما يليق بى من الصفات الجليلة والافعال الجميلة عند تبليغ رسالتى والدعاء الىّ انتهى.

يقول الفقير اهل الشهود ليسوا بغائبين عن المشهود.

ففى الآية اشارة الى ادامة الاوراد وتنبيه للطالبين فى الجد والاجتهاد ونعم ما قيل

يا خاطب الحوراء فى حسنها ... شمر فتقوى اللّه فى مهرها

وكن مجد ولا تكن وانيا ... وجاهد النفس على صبرها

قال الخجندى

بكوش تا بكف آرى كليد كنج وجود ... كه بى طلب نتوان يافت كوهر مقصود

وقال المولى الجامى

بى طلب نتوان وصالت يافت آرى كى دهد ... دولت حج دست جز راه بيابان برده را

وقال الحافظ

مقام عيش ميسر نميشود بى رنج ... بلى بحكم بلا بسته اند حكم ألست

- روى - انه تعالى لما نادى موسى بالواد المقدس وارسله الى فرعون واعطاه سؤله انطلق من ذلك الموشع الى فرعون وشيعته الملائكة يصافحون وخلف اهله فى الموضع الذى تركهم فيه [ درتيسير آورده كه كسان موسى شب انتظار بردند ونيامد وروز نيز ازوى خبرى نيافتند دران اصحرا متحير بماندند ] فلم يزالوا مقيمين فيه حتى مر بهم راع من اهل مدين فعرفهم فحملهم الى شعيب فمكثوا عند حتى بلغهم خبر موسى بعد ما جاوز ببنى اسرائيل البحر وغرق فرعون قومه وبعث بهم شعيب الى موصى بمصر.

ففيه اشارة الى ان المؤمن اذا عرض له الامر ان امر الدنيا وامر الآخرة يختار امر الآخرة فانه امر اللّه تعالى ألا ترى ان موسى عليه السلام لم ينظر وراءه حين امر بالذهاب الى فرعون ولم يلتفت الى الاهل والعيال بل ولم يخطر بباله سوى الحكم الفعال اذ يكفيه ان اللّه خليفته فى كل امر من اموره وقت غيبته وحضوره ومثله ابراهيم عليه السلام حين ترك اسماعيل وامه هاجر بارض مكة وهى يومئذ ارض فقر ولا ماء بها ولا نبات امتثالا لامر اللّه تعالى من غير اعتراض وانقباض وهكذا تكون المسارعة فى هذا الباب.

وسمعت من شيخى وسندى قدس سرده انه نام نومة الضحى يوما فى مدينة فلبه من البلاد الرومية فامر بالهجرة الى مدينة قسطنطينية فلما استيقظ توضأ وصلى فلم يلبث لحظة حتى خرج راجلا وترك الاهل والعيال فى تلك المدينة حتى كان ما كان على ما استوفيناه فى كتابنا الموسوم بتمام الفيض : قال الحافظ

خرم آن روزكه زين مرحله بربندم رخت ... وزسر كوى توبرسند رفيقان خبرم

٤٣

{ اذهبا الى فرعون } هذا الخطاب اما بطريق التغليب او بعد ملاقاة احدهما الآخر وتكرير الامر بالذهاب لترتيب ما بعده عليه . وفرعون اسم اعجمى لقب الوليد بن مصعب صاحب موسى وقد اعتبر غوايته فقيل تفرعن فلان اذا تعاطى فعل فرعون وتخلق بخلقه كما يقال ابلس وتبلس ومنه قيل للطغاة الفراعنة والابالسة

{ انه طغى } الطغيان مجاوزة الحد فى العصيان اى تجاوز حد العبودية بدعوى الربوبية.

قال فى العرائس امر اللّه موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب الى فرعون لقطع حجته واظهار كذبه فى دعواه وهذا تهديد لكل مدع لا يكون معه نبيه من اللّه فى دعواه والحكمة فى ارسال الانبياء الى الاعداء ليعرفوا عجزهم عن هداية الخلق الى اللّه ومن يعجز عن هداية غيره فايضا يعجز عن هداية نفسه كالطبيب العاجز عن معالجة الغير فانه عاجز عن معالجة نفسه ايضا وليعلموا ان الاختصاص لا يكون بالاسباب ويشكروا اللّه بما انعم عليهم بلطفه وربما يصطادون من بين الكفرة من يكون له استعداد بنظرالغيب مثل حبيب النجار والرجل من آل فرعون وامرأة فرعون والسحرة.

قال ابن عطاء الاشارة الى فرعون وهو المبعوث بالحقيقة الى السحرة فان اللّه يرسل انبياءه الى اعدائه ولم يكن لاعدائه عنده من الخطر ما يرسل اليهم انبياءه ولكن يبعث الانبياء اليهم ليخرج اولياءه المؤمنين من اعدائه الكفرة

حافظ ازبهر تو آمد سوى اقليم وجود ... قدمى نه بوداعش كه روان خواهدشد

وفى التأويلات النجمية اعلم ان فائدة اتينهما ورسالتهما الى فرعون وتبليغ الرسالة كانت عائدة الى موسى وهارون لنفسها لا الى فرعون فى علم اللّه تعالى فالحكمة فى ارسالهما ان يكونا رسولين من ربهما مبلغين منذرين لتحقق رسالتهما وينكرها فرعون ويكفر بهما ليتحقق كفره كما قال { ليهلك من هلك من بينة ويحيى من حى عن بينة }

٤٤

{ فقولا له قولا لينا } اى كلماه باللين والرفق من غير خشونة ولا تعنيف ويسرا ولا تعسرا فانه ما دخل الرفق فى شئ الا وقد زانه وما دخل الخرق فى شئ الا وقد شانه وكان فى موسى حدة وصلابة وخشونته بحيث اذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا فعالج حدته وخشونته باللين ليكون حليما وهو معنى قول من قال طبع الحبيب كان على اللين والرحمة فلذا امر بالغلظة كما قال تعالى

{ واغلظ عليهم } تحققا بكمال الجلال وطبع الكليم على الشدة والحدة والصلابة فلذا امر بالقول اللين تحققا بكمال الجمال وقد قال عليه السلام ( تخلقوا باخلاق اللّه ) فالخطاب خطاب الامر بالتخلق جمالا وجلالا فكل واحد منهما اوفق بمقامه وايضا ان فرعون كان من الملوك الجبابرة ومن عادتهم ان يزدادوا عتوا اذا خوشنوا فى الوعظ فاللين عندهم انفع واسلم كما ان الغلظة بل هاج غضبه فلعله يقصد موسى بضرب او قتل ففائدة اللين عائدة الى موسى.

وفى الاسئلة المقحمة انما امرهما بذلك لانه كان ابتداء حال الدعوة وفى ابتداء الحال يجب التمكين والامهال لينظر المدعو فيما يدعى اليه كما قال لنبينا عليه السلام ( وجادلهم بالتى هى احسن ) قيل امهلهم لينظروا ويستدلوا فبعد ان ظهر منهم التمرد والعناد فحينئذ يتوجه العنف والتشديد ويختلف ذلك باختلاف الاحوال انتهى فكل من اللين والخشونة يمدح به طورا ويذم به طورا بحسب اختلاف الواقع وعليه يحمل نحو قوله عليه السلام ( لا تكن مرا فتعقى ولا حلوا فتسترط ) يقال اعقيت الشئ اذا اذلته من فيك لمرارته وساتراطه ابتلاعه ومن امثال العرب لا تكن رطبا فتعصر ولا يابسا فتكسر وذلك لان خير الامور اوسطها ورعاية مقتضى الحال قاعدة الحكيم : قال الشيخ سعدى قدس سره

جو نرمى كنى خصم كردد دلير ... وكر خشم كيرى شوند ازتوسير

درشتى ونرمى بهم در بهست ... جورك زن كه جراح ومرهم نهست

وقيل امر اللّه موسى باللين مع الكافر مراعاة لحق التربية لانه كان رباه فنبه به على نهاية تعظيم حق الابوين.

وفى الاحياء سئل الحسن عن الولد كيف يحتسب على والده فقال يعظه ما ليغضب فاذا غضب سكت فعلم منه انه ليس للولد الحسبة على الوالد بالتعنيف والضرب وليس كذلك التمليذ مع الاستاذ الا حرمة لعالم غير عامل .

وقيل امر موسى بالليل ليكون حجة على فرعون لئلا يقول اغلظ على القول فى دعوته.

وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ رحمه اللّه هذه الآية فبكى وقال الهى هذا رفقك بما يقول انا الاله فكي فيمن يقول أنت الاله

{ لعله يتذكر } [ شايد او بندكير ]

{ او يخشى } [ يابترسد ازعذاب خدى ] كما قال فى الارشاد لعله يتذكر بما بلغتماه من ذكرى ويرغب فيما رغبتماه فيه او يخشى عقابى وكلمة او لمنع الخلو انتهى.

وقال بعضهم الرجاء والطمع راجعان الى مال موسى وهارون والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم والخشية خوف يشوبه تعظيم واكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه ولذلك خص العلماء بها فى قوله

{ انما يخشى اللّه من عباده العلماء } اى قولا له ذلك راجيين ان يترك الاصرار على انكار الحق وتكذيبه اما بان يتذكر ويتعظ ويقبل الحق قلبا وقالبا او بان يتوهم انه حق فيخشى بذلك من ان يصر على الانكار ويبقى مترددا ومتوقفا بين الامرين وذلك خير بالسنبة الى الانكار والاصرار عليه لانه من اسباب القول ولقد تذكر فرعون وخشى حين لم ينفعاه وذلك حين الجمه الغرق

{ قال آمنت انه لا اله الا الذى آمتنت به بنوا اسرائيل وانا من المسلمين } - روى - ان موسى وعده على قبول الايمان شبابا لا يهرم وملكا لا ينزع منه الا بالموت ويبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح الى حين موته فاذا مات دخل الجنة فاعجبه ذلك وكان هامان غائبا وهو لا يقطع امرا بدونه فلما قدم اخبره بما قال له موسى وقال اردت ان اقبل منه يا هامان فقال له هامان كنت ارى ان لك عقلا ورأيا انت الآن رب تريد ان تكون مربوبا فابى عن الايمان . وفائدة ارسالهما اليه مع علمه تعالى بانه لا يؤمن الزام الحجة وقطع المعذرة لان عادة اللّه التبليغ ثم التعذيب.

قال بعض ارباب الحقيقة الامر تكليفى وارادى والارادة كثيرا ما تكون مخالفة للامر التكليفى فالرسل والورثة فى خدمة الحق من حيث امره التكليفى وليسوا فى خدمته من حيث الامر الارادى ولو كانوا خادمين للارادة مطلقا لما ردوا على احد فى فعله القيح بل يتركونه على ما هو عليه لانه هو المراد ولما كان لعين العاصى الثابت فى الحضرة العلمية استعداد التكليف توجه اليه الامر التكليف وليس لتلك العين استعداد الاتيان المأمور ربه فلا يتحقق منه المأمور به ولهذا تقع المخالفة والمعصية . فان قلت ما فائدة التكليف والامر بما يعلم عدم وقوعه . قلت فائدته تمييز من له استعداد القبول من ليس له استعداد ذلك لتظهر السعادة والشقاوة واهلهما انتهى : قال الحافظ

درين جمن مكنم سرزتش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميدهند مى رويم

قال فى بحر العلوم ان اللّه قد علم كل شئ على ما هو عليه والعلم تبع للمعلوم وعلمه بان فرعون لا يؤمن باختياره لا يخرجه عن حيز الامكان ولذلك امرهما بدعوته والرفق فيها وفى قوله

{ لعله يتذكره او يخشى } دلالة ظاهرة على ان لقدرة العبد تأثير فى افعاله وفى افعال غيره وانه ليس بمجبور فيها كما زعم الاشعرى حيث قال لا تأثير لقدرة العبدة فى افعاله بل هو مجبور والالم يثبت له التذكير والخشية بقول موسى.

٤٥

{ قال ربنا } قال فى الارشاد اسند القول اليهما مع ان القائل حقيقة وهو موسى بطريق التغليب ايذانا باصالته فى كل قول وفعل وتبعية هارون له فى كل ما يأتى وما يذر - وروى - ان موسى انطلق من الطور الى جانب مصر لا علم له بالطريق وليس له زاد ولا حمولة ولا صحبة ولا شئ الا العصا يظل صاديا ويبيت طاويا يصيب من ثمار الارض ومن الصيد شيأ قليلا حتى ورد ارض مصر.

قال الكاشفى [ جون بمصر توجه فرمود وحى آمد بهارون كه باستقبال برادر براه مدين دوان شود بس در اثناى طريق ملاقات فرمودند وموسى شرح احوال بتمامى باز كفت هارون كفت اى برادر شوكت وعظمت ازانجه ديده زيادة شد وبأدنى سبى حكم بقطع وقتل وصلب ميكند موسى انديشناك شد وهردو برادر باتفاق كفتند اى بروردكار ما ]

{ اننا نخاف } الخوف توقع مكروه عن امارة مظنونة او معلومة كما ان الرجاء والطمع توقع محبوب عن امارة مظنونة او معلومة ويضاد الخوف الا من ويستعمل ذلك فى الامور الدنيوية والاخروية قال تعالى

{ ويرجون رحمته ويخافون عذابه } والخوف من اللّه لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الاسد بل انما يراد به الكف عن المعاصى واختيار الطاعات

{ ان يفرط علينا } من فرط اذا تقدم تقدما بالقصد ومنه الفارط الى الماء اى المتقدم لاصلاح الدلواى يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر الى اتمام الدعوة واظهار المعجزة فيتعطل المطلوب من الارسال اليه . وقرئ يفرط من الافراط فى الاذية.

فان قلت كيف هذا الخوف وقد علما انهما رسولا رب العزة اليه.

قلت جريا على الخوف الذى هو مجبول فى طينه نبى آدم كما فى التأويلات النجمية يشير الى ان الخوف مركوز فى جبلة الانسان حتى انه لو بلغ مرتبة النبوة والرسالة فانه لا يخرج الخوف من جبلته كما قال

{ ربنا اننا نخاف ان يفرط علينا } يعنى ان يقتلنا ولكن الخوف ليس بجهة القتل وانما نخاف فوات عبوديتك بالقيام لاداء الرسالة والتبليغ كما امرتنا او يتمرد بجهله ولا ينقاد لاوامرك ويسبك انتهى

{ او ان يطغى } اى يزداد طغيانا الى ان يقول فى شأنك ما لا ينبغى لكمال جراءته وقساوته واطلاقه حيث لم يقل عليك من حسن الادب ولما كان طغيانه فى حق اللّه اعظم من افراطه فى حقهما ختم الكلام به فان المتمسك بالاعذار يؤخر الاقوى ونحوه ختم الهدهد بقوله

{ وجدتها وقومها يسجدون للشمس } يقول الفقير يجوز ان يكون المراد يطغى علينا اى يجاوز الحد فى الاساءة الينا الا انه حذف الجار والمجرور رعاية للفواصل كما حذف المفعول لذلك فى قوله

{ ما ودعك ربك وما قلى } واظهار ان مع سداد المعنى بدونه للاشعار بتحقق الخوف من كل منهما.

٤٦

{ قال } استنائف بيانى كأنه قيل فماذا قال لهما ربما عند تضرعهما اليه فقيل قال

{ لا تخافا } ما توهمتما من الامرين يشير الى ان الخوف انما يزول عن جبلة الانسان بامر التكوين كما قال

{ قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم } فكانت بتكوين اللّه ايها بردا وسلاما : وفى المثنوى

لا تخافوا هست نزل خائفان ... هست درخور از برى خائفان

هركه ترسد مرورا ايمن كنند ... مردل ترسندرا ساكن كنند

آنكه خوفش نيست جون كوئى مترس ... درس جهدهى نيست او محتاج درس

قال ابن الشيخ فى حواشيه ليس المراد منه النهى عن الخوف لانه من حيث كونه ارما طبيعيا لا مدخلا للاختيار فيه لا يدخل تحت التكليف ثبوتا وانتفاء بل المراد به التسلى بوعد الحفظ والنصرة كما يدل عليه قوله

{ اننى معكما } بكمال الحفظ والنصرة فان اللّه تعالى منزه عن المعية المكانية

{ اسمع وارى } اى ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل فافعل فى كل حال ما يليق بها من دفع ضرر وشر وجلب نفع وخير فمن كان اللّه معه يحفظه من كل جبار عنيد - روى - ان شابا كان يأمر وينهى فحبسه الرشيد فى بيت وسد المنافذ لهلك فبعد ايام رؤى فى بستان يتفرج فاحضره الرشيد وقال من اخرجك ق لالذى ادخلنى البستان فقال من ادخلك قال الذى اخرجنى من البيت فتعجب الرشيد وبكى وامر له بالاحسان وبان يركب فرسا وينادى بين يديه هذا رجل اعزه اللّه واراد الرشيد اهانته فلم يقد راللّه الا اكرامه واحترامه : قال الحافظ

هزار دشمن اكرميكنند قصد هلاك ... كرم تو دوستى از دشمنان ندارم باك

وقال الشيخ سعدى قدس سره

محالست جون دوست دارد ترا ... كه دردست دشمن كذارد ترا

واعلم ان اللّه تعالى حاضر مع عباده الحضور اللائق بشأنه ولا يعرف ذلك الا من اكتحلت عين بصيرته بنور الشهود ولكن شهود الوحدة الذاتية ثم اتم واعلى من شهود المعية ولذلك لا يرضى الكمل الوقوف فى مرتبة المعية بل يطلبون ان يصلوا بالفناء التام الى مقام الوحدة.

ثم اعلم ان موسى وهارون عليهما السلام التجئا الى حضرة الربوبية بكمال العبودية فتداركهما اللّه بالحفظ والعون.

قال الفقيه ابو الحسن وقع القحط ببغداد فاجتمع الناس فرفعوا قصتهم الى على بن عيسى الوزير فقرأها وكتب على ظهرها لست بسماء فاسقيكم ولا بارض فاكفيكم ارجعوا الى بارئكم.

قال ابو المعين سألت بعض النصارى عن احسن آية فى الانجيل فقال خمس كلمات ( سلنى اجبك . واشكر لى ازدك . واقبل علىّ اقبل عليك واقرب منى اقرب منك . واطعنى فى الدنيا اطعك فى الآخرة ) وفى المثنوى

كفت حق كر فاسق واهل صنم ... جون مراخوانى اجابتها كنم

تودعارا سخت كيرو مى شخول ... عاقبت برهاندت ازدست غول

٤٧

{ فأتياه } امر اباتيانه الذى هو عبارة عن الوصول اليه بعدما امرا بالذهاب اليه فلا تكرار والاتيان مجئ بسهولة والمجيئ اعم والاتيان فقد يقال باعتبار القصد وان لم يكن منه الحصور والمجئ اعتبارا بالحصول

{ فقولا } من اول الامر

{ انا رسولا ربك } ليعرف الطاغى سؤالكما ويبنى جوابه عليه ورسولا تثنية رسول وهو فعول مبالغة مفعل بضم الميم وفتح العين بمعنى ذى رسالة اسم من الارسال وفعول هذا لم يأت الا نادرا وعرفا من بعث لتبليغ الاحكام ملكا كان او انسانا بخلاف النبى فانه مختص بالانسان

{ فارسل معنا بنى اسرائيل } [ بس فرست باما فرزندان يعقوبرا بارض مقدسه بازرويم كه مسكن آباه ما بوده ] كما قال فى بحر العلوم فاطلقهم وخلهم يذهبوا معنا الى فلسطين وكان مسكنهما وفلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة هى البلاد التى بين الشام وارض مصر منها الرملة وغزة وعسقلان وغيرها.

وقال فى الارشاد المراد بالارسال اطلاقهم من الاسر والقسر واخراجهم من تحت يد العادية لا تكليفه ان يذهبوا معهما الى الشام كما ينبئ عنه قوله تعالى

{ ولا تعذبهم } اى بابقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فانهم كانوا تحت مملكة القبط يستخدمونهم فى الاعمال الصعبة الفادحة من الحفر ونقل الاحجار وغيرهما من الامور الشاقة ويقتلون ذكرو اولادهم عاما دون عام ويستخدمون نساءهم.

وتوسيط حكم الارسال بين بيان رسالتهما وبين ذكر المجئ بآية دالة على صحتها لاظهار الاعتناء به لان تخليص المؤمنين من ايدى الكفرة اهم من دعوتهم الى الايمان كما قيل . والعذاب هو الايجاد الشديد وقد عبذه تعذيبا اى اكثر حبسه فى العذاب وصاله من قولهم عذب الرجل اذا ترك المأكل والنوم فهو عاذب وعذوب فالتعذيب فى الاصل هو حمل الانسان على ان يعذب اى يجوع ويسهر

وقيل اصله من العذب فعذبه ازلت عذب حياته على بناء مرّضته وفدّيته

وقيل اصل التعذيب اكثار الضرب بعذبة السوط اى طرفه

{ قد جئناك بآية من ربك } [ بدرستى كه آورده ايم نشانى يعنى معجزه ازبروردكارتو ] وتوحيد الآية مع تعددها لان المراد اثبات الدعوى ببرهانها لا بيان تعدد الحجة فكأنه قال قد جئناك ببرهان على ما ادعيناه من الرسالة

{ والسلام } اللام لتعريف الماهية والسلامة التعرى من الآفات الظاهرة والباطنة والمراد هنا اما التحية فالمعنى والتحية المستتبعة بسلامة الدارين من اللّه والملائكة اى خزنة الجنة وغيرهم من المسلمين

{ على من اتبع الهدى } بتصديق آيات اللّه الهادية الى الحق فاللام على اصلها كما فى سلام عليكم يقال تبعه واتبعه قفا اثره وذلك تارة بالجسم وتارة بالارتسام والامتثال وعلى ذلك قوله

{ فمن تبع هدى فلا خوف عليهم }

واما السلامة فعلى بمعنى اللام كعكسه فى قوله تعالى

{ ولهم اللعنة } اى عليهم اللعنة.

قال فى التأويلات سلم من استسلم واتبع هدى اللّه تعلى وهو ما جاء به انبياؤه عليهم السلام.

٤٨

{ انا قد اوحى الينا } من جهة ربنا واصل الوحى الاشارة السريعة وذلك قد يكون بالكلام الخفى على لسان جبريل وقد يكون بالالهام وبالمنام والوحى الى موسى بوساطة جبريل والى هارون بوساطته ووساطة موسى

{ من العذاب } اى كل العذاب لانه فى مقابله السلام اى كل السلام وهو العذاب الدنيوى والاخروى الدائم لان العذاب المتناهى كلام عذاب فلا يرد انه يلزم قصر العذاب على المكذبين مع ان غيرهم قد يعذبوا

{ على من كذب } بآياته تعالىوكفر بما جاء به الانبياء عليهم السلام والكذب يقال فى المقال وفى الفعال

{ وتولى } اذا عدى بعن لفظا او تقديرا اقتضى معنى الاعراض وترك الولى اى القرب فالمعنى اعرض من قبولها بمتابعة الهوى وفيه من التلطيف فى الوعيد حيث لم يصرح بحلول العذاب به مالا مزيد عليه.

يقول الفقير ان كلا من تكذيب الرسول والحقائق سبب العذاب والهوان مطلقا فكفار الشريعة كفار الرسول والحقائق جميعا فلهم عذاب جسمانى وروحانى وكفار الحقيقة كفار الآيات الحقيقية فلهم هوان معنوى فالنعيم والعزة فى الاطاعة والاتباع والاستسلام كما ان الجحيم والذل فى خلافها - حكى - ان بعض السادات لما رأى عبد اللّه ابن المبارك فى عزة ورفعة مع جماعة قال انظروا الى حال آل محمد وعزة ابن المبارك فقال ابن المبارك ان سيدنا لما لم يراع سنة جده ذل وابن المبارك لما اطاع النبى عليه السلام وسار سيرته اعطاه اللّه عزا وشرفا.

واعلم ان عزة فرعون وشرفه انقلبا ذلا وهو انا بسبب تكذيب موسى واعراضه عن قبول دعوته وهامان وان كان سببا صوريا فى امتناعه عن القبول ونكوله عن الانقياد لكن لم يكن له فى اصل جبلته استعداد لقبول الحق فلا يغرنكم عزة الدنيا مع عدم الاطاعة لانه ينقلب يوما ذلا وخسرانا وكثيرا ما وقع فى الدنيا ورأيناه فاقبل النصيحة مع مداومة مجلس العلم والا فعند ظهور الحق ووجود الاستعداد والقابلة لا يبقى غير الاستسلام وان منعه العالم باسرهم عن ذلك ألا ترى ان النجاشى ملك الحبشة لما علم علما جازما ان الرسول حق اتبعه من غير خوف من احد من العالمين ومبالاة لكلام احد فى ذلك فنجا من العذاب نجاة ابدية ثم اعلم انه كما ان للانبياء معجزات فكذا للاولياء كرامات والعلمية منها هى التى حق اعتبارها فان الكونية مما يشترك فيه الملتان فالكرامات العلمية آيات الاولياء جاؤا بها من اللّه من طريق الكشف الصحيح فمن اتبع هداهم بقبول آياتهم الهادية الى عالم الحقيقة فقد سلم من الانكار مطلقا صوريا او معنويا ونجا من العذاب الداخلين والعجب ان الانبياء والاولياء مع كونهم رحمة من اللّه على عباده اذ لا نعمة فوق الارشاد وايصال المريدين الى المراد لم يدرجاههم اكثر الناس ولم يوفق لاتباعهم الاقل من القليل وبقى البقية كالنستاس ولذا لم يمض قرن من القرون الا والعذاب بالعصاة مقرون فانظر من انت وما بغيتك فان كنت تطلب النجاة فلا تجدها الا فى الاطاعة وخصوصا فى هذا الزمان المشوب بالجور والعدوان والفسق والعصيان والغالب على اهالية الابتلاء بانواع البلايا الموبقة وعلى تقدير الاطاعة والاتباع يلزم للمريد ان يخرج من البين ويجعل جل همه ان يصل الى عالم العين ولا يطمع فى شئ سوى الرضى الوافى والولاء الكافى.

قال حمدون القصار القائمون بالاوامر على ثلاثة مقامات . واحد يقوم اليه على العادة وقيامه قيام كسل . وآخر يقوم اليه على طلب الثواب وقيامه قيام طمع . وآخر يقوم اليه على المشاهد فهو القائم باللّه لا بنفسه لفنائه عن نفسه وغيره وهذا القسم من القيام بالامر هو المؤدى الى محبة اللّه الموصلة الى العزة الباقية وسعادة الدارين فلا بد للعاقل من الاجتهاد : وفى المثنوى

جهدكن تانورتو رخشان شود ... تاس سلوك وخدمتت آسان شود

كود كانرامى برى مكتب بزور ... زانكه هستندازفوائد جشم كور

جون شود واقف بمكتب مى رود ... جانش از رفتن شكفته مى شود

واللّه المعين فى كل حين.

٤٩

{ قال } قال الكاشفى [ بس موسى وهارون بحكم حضرت الهى بدركاه فرعون آمدند وبعدازمدتى كه ملاقات او ميسر شد كفتند ما رسلولان برودكاريم وترا بعبادت او ميخوانيم وآن كلمات كه حق تعالى تلقين كرده بود ادا كردند فرعون كفت ]

{ فمن } استفهامية والمعنى بالفارسية [ بس كيست ]

{ ربكما } وقال غيره الفاء لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولى ربهما اى اذا كنتما رسولى ربكما فاخبرا من ربكما الذى ارسلكما الىّ ولم يقل فمن ربى مع قولهما

{ انا رسولا ربك } لغاية عتوه ونهاية طغيانه.

قال الامام اثبت نفسه ربا فى قوله

{ ألم نربك فينا وليدا } فذكر ذلك على سبيل التعجب كأنه قال انا ربك فلم تدعو ربا آخر

{ يا موسى } خاطبهما ثم افرد موسى اذ كان يعلم ان موسى هو الاصل فى الباب وهارون وزيره وتابع له

٥٠

{ قال } موسى مجيبا له

{ ربنا } مبتدأ خبره قوله

{ الذى } من محض رحمته

{ اعطى كل شئ } من انواع المخلوقات

{ خلقه } اى صورته وشكله اللائق به مشتملا على خواصه ومنافعه فالمراد بالخلق المخلوق ومنه يفهم ان ضمير الجمع فى ربنا عام لموسى وهارون وفرعون وغيرهم ولم يقل ربنا اللّه بل وصفه بافعاله ليستدل بالفعل على الفاعل

{ ثم هدى } وجه كل واحد منها الى ما يصدر عنه وينبغى له طبعا كما فى الجمادات واختيارا كما فى الحيوانات وهيأه لما خلق له ولما كان الخلق الذى هو عبارة عن تركيب الاجزاء وتسوية الاجسام متقدما على الهداية التى هى عبارة عن ايداع القوى المحركة والمدركة فى تلك الاجسام وسط بينهما كلمة التراخى.

قال بعض الكبار ان للمخلوقات كلها حياة وروحا اما صورية كما فى الانس والجن والملك ومن يتبعهم

واما معنوية كما فى الجمادات والنباتات ولذا قال تعالى

{ وان من شئ الا يسبح بحمده } فما من مخلوق الا وقد هدى الى معرفته تعالى بقدر عقله وروحه وحياته.

وفى التويات النجمية

{ اعطى كل شئ خلقه } استعدادا لما خلق له

{ ثم هدى } اى يسر لما خلق له والذى يدل عليه قوله عليه السلام ( اعملوا فكل ميسر لما خلو له ) معناه ان اللّه تعالى خلق المؤمن مستعدا لقبول فيض الايمان ثم هداه الى قبول دعوة الانبياء ومتابعتهم وخلق الكافر مستعدا لقبول فيض القهر والخذلان والتمرد على الانبياء ومخالقتهم : قال المغربى قدس سره

يكى را بهر طاعت خلق كردند ... يكى را بهر عصيان آفريدند

يكى از بهر مالك كشت موجود ... يكى را بهر رضوان آفريدند

٥١

{ قال } فرعون

{ فما بال القرون الاولى } ما استفهام . والبال الحال التى يكترث بها ولذا يقال ما باليت بكذا اى ما اكترثت به ويعبر به عن الحال الذى ينطوى عليه الانسان فيقال ما خطر ببالى كذا . والقرن القوم المقترنون فى زمن واحد . والاولى تأنيث الاول وواحد الاولى كالكبرى والاكبر والكبر . والمعنى فما بال القرون الماضية وما خبر الامم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة.

قال فى الاسئلة المقحمة فان قلت هذا لا يليق بما تقدم قلنا ان موسى كان قد قال له انى اخاف عليكم مثل يوم الاحزاب ان يلحقكم ما قد لحقهم ان لم تؤمنوا بى فلهذا سأله فرعون عن حالهم انتهى.

يقول الفقير هذا وان كان مطابقا لمقتضى الفاء الا ان الجواب لا يساعده مع ان القائل بالخوف ليس هو موسى بل الذى آن وبعيد ان يحمل الذى آمن على موسى لعدم مساعدة السباق والسياق فارجع الى سورة المؤمن.

وقال بعضهم لما سمع البرهان خاف ان يزيد فى ايضاحه فيتبين لقومه صدقه فيؤمنوا به فاراد ان يصرفه عنه ويشغله بالحكاية فلم يلتفت موسى اليه ولذا .

٥٢

{ قال } اى موسى

{ علمها عند ربى } اى ان علم احوال تلك القرون من الغيوب التى لا يعلمها الا اللّه ولا ملابسة للعم باحوالهم بمنصب الرسالة فلا اعلم منها الا ما علمنيه من الامور المتعلقة بما ارسلت

{ فى كتاب } اى مثبت فى اللوح المحفوظ بتفاصيله

{ لا يضل ربى ولا ينسى } الضلال ان تخطئ الشئ فى مكانه فلم تهتد اليه والنسيان ان تغفل عنه بحيث لا يخطر ببالك وهما محالان على العالم بالذات . والمعنى لا يخطئ ابتداء بل يعلم كل المعلومات ولا يغفل عنه بقاء بل هو ثابت ابدا وهو لبيان ان اثباته فى اللوح المحفوظ ليس لحاجته تعالى اليه فى العلم به ابتداء وبقاء وانما كتب احكام والكائنات فى كتاب ليظهرها للملائكة فيزيد استدلالهم بها على تنزه علمه تعالى عن السو والغفلة.

برو علم يك ذرء بوشيده نيست ... كه بيدا وبنهان بنزدش يكيست

٥٣

فبعد الجواب القاطع رجع الى بيان شؤونه تعالى وقال

{ الذى } اى هو الذى

{ جعل لكم الارض مهدا } قال الامام الراغب المهد ما يهيأ للصبى والمهد والمهاد المكان الممهد الموطأ قال تعالى

{ الذى جعل لكم الارض مهدا } انتهى.

قال الكاشفى [ خوش كسترانيدكه برآن مى نشينيد ومسكن ميسازيد ]

{ وسلك لكم فيها سبلا } السلوك النفاذ فى الطريق [ يعنى اندرراه شدن ورفتن ] وسلك لازم ومتعد يقال لكت الشئ فى الشئ ادخلته والسبل جمع سبيل وهو من الطرق ما هو معتاد السلوك . والمعنى جعل لكم اى لاجلكم لا لغيركم طرقا كثيرة ووسطها بين الجبال والاودية والبرارى تسلكونها من قطر الى قطر لتقضوا منها مآربكم وتنتفعوا بمنافعها

{ وانزل } النزول هو الانحطاط من علو يقال نزل عن دابته ونزل فى مكان كذا حط رحله فيه وانزل غيره

{ من السماء } اى من الفلك او من السحاب فان كل ما علا سحاب

{ ماء } هو جسم سيان قد احاط حول الارض والمراد هنا المطر وهو الاجزاء المائية اذا التأم بعضها مع بعض ونكره قصدا الى معنى البعضية اى انزل من السماء بعض الماء

{ فاخرجنا به } يقال خرج خروجا برز من مقره او حاله او اكثر ما يقال الاخراج فى الاعيان اى انبتنا بسببه ذكر الماء وعدل عن لفظة الغيبة الى صيغة التكلم على الحكاية لكلام اللّه تنبيها على زيادة اختصاص الفعل بذاته وان ذلك منه ولا يقدر عليه غيره تعالى

{ ازوجا } اصنافا سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض لانه يقال لكل ما يقترن بآخر مماثلا له او مضادا زوج ولكل قرينين من الذكر والانثى فى الحيوانات المتزاوجوة زوج ولكل قرنين فيها وفى غيرها زوج كالخف والنعل

{ من نبات } هو كل جسم يغتذى وينمو كما قال الراغب النبت والنبات ما يخرج من الارض من الناميأت سواء كان له ساق كالشجر او لم يكن له ساق كالنجم لكن اختص فى التعارف بما لا ساق له بل قد اختص عند العامة بما تأكله الحيوانات ومتى اعتبرت الحقائق فانه يستعمل فى كل نام نباتا كان او حيوانا او انسانا انتهى ومن بيانية فيكون قوله

{ شتى } صفة للنبات لما انه فى الاصل مصدر يتسوى فيه الواحد والجمع.

وشتى جمع شتيت بمعنى المتفرق اى نباتات مختلفة الانواع والطعوم والروائح والاشكال والمنافع بعضها صالح للناس على اختلاف وجود الصلاح وبعضها للبهائم والاظهر ان من نبات وشتى صفتان لازواجا واخر شتى رعاة للفواصل.

٥٤

{ كلوا } حال من ضمير فاخرجنا على ارادة القول اى اخرجنا منها اصناف النباتات قائلين كلوا منها اى من الصمار والحبوب ونحوهما

{ وارعوا } الرعى فى الاصل حفظ الحيوان اما بغذائه الحافظ لحياته او بذب العدو عنه اى اسيموا واسرحوا فيها : وبالفارسية [ وبجرانيد ]

{ انعامكم } وهى الابل والبقر والضأن والمعزاى اقصدوا بها الانتفاع بالذات وبالواسطة آذنين فى الانتفاع بها مبيحين بان تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها.

قال فى التأويلات النجمية يشير ال ان السماء والماء والنبات والانعام كلها مخلوقة لكم ولولا احتياجكم للتعيش بهذه الشايء بل جميع الملوقات ما خلقتها : قال المغربى قدس سره

غرض توبى زوجود همه جهان ورنه ... لام تكوّن فى الكون كائن لولاك

{ ان فى ذلك } المذكور من الشؤون والافعال الالهية من جعل الارض مهدا وسلك السبل فيها وانزال لماء واخراج اصناف النبات

{ لآيات } كثيرة جليلة واضحة الدلالة على الصانع ووحدته وعظيم قدرته وباهر حكمته

{ لاولى النهى } جمع نهية سمى بها العقل لنهيه عن اتباع الباطل وارتكاب القبيح كما سمى بالعقل والحجر لعقله وحجره عن ذلك لذوى العقول الناهية عن عن الاباطيل التى من جملتها ما تدعيه الطاغية وتقبله منهم الفئة الباغية وتخصيص اولى النهى مع انها آيات للعالمين باعتبار انهم المنتفعون بها.

٥٥

{ منها } اى من الارض.

وفى التأويلات النجمية من قبضة التراب التى امر اللّه تعالى عزرائيل ان يأخذها من جميع الارض

{ خلقناكم } بوساطة اصلكم آدم والا فمن عدا آدم وحواء مخلوق من النطفة واصل الخلق التقدير المستقيم ويستعمل فى ابداع الشئ من غير اصل ولا احتذاء قال تعالى

{ خلق السموات والارض } ويستعمل فى ايجاد الشئ كما فى هذا المقام

{ وفيها نعيدكم } عند الموت بالدفن فى الموضع الذى اخذ ترابكم منه وايثار كلمته فى للدلالة على الاستقرار والعود الرجوع الى الشئ بعد الانصراف عنه اما انصراف بالذات او بالقول والعزيمة واعادة الشئ كالحديث وغيره تكريره

{ ومنها نخرجكم تارة اخرى } اى عند البعث بتأليف الاجزاء وتسوية الاجساد ورد الارواح للحساب والجزاء وكون هذا الاخراج تارة اخرى باعتبار ان خلقهم من الارض اخراج لهم منها وان لم يكن على نهج التارة المانية . والتارة فى الاصل اسم للتور الواحد وهو الجريان ثم اطلق على كل فعلة واحدة من الفعلات المتجددة كما مر فى المرة : قال الحكيم فردوسى

بخاكت در آرد خداوند باك ... دكرره برون آرد از زير خاك

بدان حال كايى بخاك اندرون ... بدان كونه از خاك آيى برون

اكر باك درخاك كيرى مقام ... برآيى از وباك وباكيزه نام

عن ابن عباس رضى اللّه عنه ان جبريل جاء الى النبى عليه السلام فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام وهو يقول مالى اراك مغموما حزينا قال عليه السلام ( يا جبريل طال تفكرى فى امر امتى يوم القيامة ) قال أفى امر اهل الكفر ام فى امر اهل الاسلام فقال ( يا جبريل فى امر اهل لا اله اللّه محمد رسول اللّه ) فاخذ بيده حتى اقامه الى مقبرة بنى سلمة ثم ضرب بجناحه الايمن على قبر ميت فقال قم باذن اللّه فقام رجل مبيض الوجه وهو يقول لا اله اللّه اللّه محمد رسول اللّه فقال جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الايسر فقال قم باذن اللّه فخرج رجل مسود الوجه ازرق العينين وهو يقول واحسرتاه واندامتاه فقال له جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم قال يا محمد على هذا يبعثون يوم القيامة وعند ذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( تموتون كما تعيشون وتنبعثون كما تموتون )

قيل ليحيى بن معاذ رضى اللّه عنه ما بال الانسان يحب الدنيا قال حق له ان يحبها منها خلق وهى امه ومنها عيشه ورزقه فهى حياته وفيها يعاد فهى كفاته يأخذ بسالكه الى جوار ربه.

واعلم ان من صفة الارض الطمأنينة والسكون لفوزها بوجود مطلوبها فكانت اعلى مرتبة فى عين السفل وقامت بالرضى فمقامها رضى وحالها تسليم ودينها اسلام وهكذا الانسان الكامل فى الدنيا فان اللّه تعالى قد صاغه من قالب الارض وهووان كان ترابى الاصل لكن طرح عليه اكسير الروح الاعظم فاذا طار الروح بقيت سبيكة الجسد تفضيل الارض على السماء لان الانبياء خلقوا من الارض وعبدوا فيها ودفنوا فيها وان الارض دار الخلافة ومزرعة الآخرة

واما الارض الاولى فقال بعضهم انها افضل لكونها مهبط الوحى ومشاهد الانبياء وللانتفاع بها ولاستقرار الخلفاء عليها وغيرها من الضائل هنا بعد الوفاة ويعرج الروح ولكن فضل الارض لان اسباب العروج انما حصلت بالآلت الجسدانية وهى من الارض ولذا جعل عليه السلام الصلاة من الدنيا فى قوله

( حببت الىّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة ينى فى الصلاة ) وذلك لان صورة الصلاة التى هى الافعال والاذكار تحصل بالاعضاء والجوارح التى هى من الدنيا وعالم الملك وان كان القلب والتوجه من عالم الملكوت نسأل اللّه تعالى ان يجعلنا من المتحققين بحقائق الارض والمعرضين عن كل طول وعرض.

٥٦

{ ولقد اريناه آياتنا كلها } اضافة الآيات عهدية وكلها تأكيد لشمول الانواع اى وباللّه لقد بصرنا فرعون على يدى موسى آياتنا كلها من العضا واليد وغيره لا على مهل من الزمان او عرفناه صحتها واوضحنا وجه الدلالة فهيا

{ فكذب } بالآيات كلها من فرط عناده من غير تردد وتأخير وزعم انها سحر

{ وابى } عن قبولها لعتوه والاباء شدة الامتناع فكل اباء امتناع وليس كل امتناع اباء.

٥٧

{ قال أجئتنا لتخرجنا من ارضنا بسحرك يا موسى } استئناف مبين لكيفية تكذيبه وابائه والهمزة لانكار الواقع واستقباحه وادعاء انه امر محال والمجئ اما على حقيقته او بمعنى الاقبال على الامر والتصدى والصحر خداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما تفعله المشعبذة من صرف الابصارعما تفعله بخفه يد وما يفعله التمام بقول حرف عائق للاسماع . والمعنى أجئتنا من مكانك الذى كنت فيه بعدما غبت عنا او اقبلت علينا لتخرجنا من ارض مصر بالغلبة والاستيلاء بما اظهرته من السحر فان ذلك مما لا يصدر عن العاقل لكونه من باب محاولة المحال.

قال الكاشفى [ يعنى دانستيم كه تو ساحرى وميخواهى كه بسحر مارا ازمصر بيرون كنى وبنى اسرائيل را متمكن سازى وبادشاهى كنى برايشان ] وقال بعضهم هذا تعلل وتحير ودليل على انه علم كون موسى محقا حتى خاف منه على ملكه فان ساحرا لا يقدر ان يخرج ملكا مثله من ارضه.

وفى الارشاد انما قال لحمل قومه على غاية المقت بابراز ان مراده ليس مجرد انجاء بنى اسرائيل من ايديهم بل اخراج القبط من وطنهم وحيازة اموالهم واملاكهم بالكلية حتى لا يتوجه الى اتباعه احد ويبالغوا فى المدافعة والمخاصمة وسمى ما اظهره عليه من المعجزات الباهرة سحرا ليجسرهم على المقابلة.

وفى التأويلات النجمية انما قال هذا لانه كان من اهل البصر لا من اهل البصيرة ولو كان من اهل البصيرة لرأى مجيئه لاخراجه من ظلمات الكفر الى نور الايمان ومن ظلمات البشرية الى نور الروحانية ومن ظلمات الانسانية الى نور الربانية : وفى المثنوى

هركه از ديدار برخوردار شد ... اين جهان درجشم او مردار شد

ملك برهم زن توادهم وار زود ... تا بيابى همجو او ملك خلود

فلما رأى ببصر الحس المعجزة سحرا ادعى ان يعارضه بمثل ما اتى به فقال

٥٨

{ فلنأتينك بسحر مثله } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام جواب قسم محذوف كأنه قيل اذا كان كذلك فواللّه لنأتينك بسحر مثل سحرك فلا تغلب علينا : وبالفارسية [ هرآيينه بياريم براى تو جادويى ما نندجادوييئ تو بآن باتو معارضه كنيم تامردمان بدانندكه توبيغمبر نيستى جادو كرى ]

{ فاجعل } صير

{ بيننا وبينك } لاظهار السحر

{ موعدا } اى وعد لقوله

{ لا نخلفه } اى ذلك الوعد

{ نحن ولا انت } يقال اخلف وعده ولا يقال اخلف زمانه ولا مكانه.

وقال بعضهم اراد بالوعد ههنا موضعا يتواعدون فيه الاجتماع هناك انتهى.

والوعد عبارة عن الاخبار بايصار المنفعة قبل وقوعها . والخلف المخالفة فى الوعد يقال وعدتى فاخلفنى اى خالف فى المعياد

{ مكانا سوى } منصوب بفعل يدل عليه المصدر لا به فانه موصوف وسوى بالضم والكسر بمعنى العدل والمساواة اى عد مكانا عدلا بيننا وبينك وسطا يستوى طرفاه من حيث المسافة علينا وعليكم لا يكون فيه احد الطرفين ارجح من الآخر او مكانا مستويا لا يحجب العين ارتفاعه ولا انخفاضه : وبالفارسية [ جون وعد برسد حاضر شويم درجابى كه مساوى باشد مسافت قوم ما وتو بآن يا مكان مستوى وهموار كه دروبستى وبلندى نباشد تامردم نظاره توانند كرد ] ففوض اللعين امر الوعد الى موسى للاحتراز عن نسبته الى ضعف القلب كأنه متمكن من تهئة اسباب المعارضة طال الامد ام قصر.

وفى التأويلات النجمية انما طلب الموعد لان صاحب السحر يحتاج فى تدبير السحر الى طول الزمان وصاحب المعجزة لا يحتاج فى اظهار المعجزة الى الموعد.

٥٩

{ قال } موسى

{ موعدكم } [ زمان وعدشما ]

{ يوم الزينه } [ روز آرايش قبطيانست ] يعنى يوم عيدهم الذى يجتمع فيه الناس من كل مكان ليكون بمشهد خلق عظيم لعلهم يستحيون منهم فلا ينكرون المعجزة بعد ابطال السحر سألوا عن المكان فاجابهم بالزمان فان يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه فى ذلك اليوم.

اعلم ان الاعياد خمسة . احدها عيد قوم ابراهيم عليه السلام وفيه جعل ابراهيم الاصنام جذاذا . والثانى عيد قوم فرعون وهو يوم الزينة . والثالث عيد قوم عيسى كما مر فى اواخر المائدة . والربع . والخامس عيد اهل المدينة فى الجاهلية وذلك يومان فى السنة فابدلهما اللّه فى الاسلام يومى الفطر والاضحى وهذان اليومان مستمران الى يوم القيامة قال المولى الجامى

قربان شدن بتيغ جفاى توعدماست ... جان ميدهيم بهر جنين عيد عمر هاست

{ وان يحشر الناس ضحى } عطف على اليوم او الزينة والحشر اخراج الجماعة عن مقارهم وازعاجهم عنه الى الحرب ونحوها ولا يقال الا فى الجماعة . وضحى نصب على الظرف اى وان يجمع الناس فى وقت الضحى ليكون ابعد من الربانية.

قال فى ضرام السقط اول اليوم الفجر ثم الصباح ثم الغداة ثم البكرة ثم الضحى ثم الضحوة ثم الهجيرة ثم الظهيرة ثم الرواح ثم المساء ثم العصر ثم الاصيل ثم العشاء الاولى ثم العشاء الاخيرة عند مغيب الشفق.

وفى بحر العلوم الضحى صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقى شعاعها.

وقال الامام الراغب الضحى انبساط النهار وامتداده سمى الوقت به.

وقال الكاشفى [ ضحى درجاشتكاه كه روشنترست از بقاى روز ].

٦١

{ قال لهم موسى } كأنه قيل فماذا صنع موسى عند اتيان فرعون مع السحرة فقيل قال لهم بطريق الصنيحة

{ ويلكم } اصله الدعاء بالهلاك بمعنى الزمكم اللّه ويلا يعنى عذابا وهلاكا والمراد هنا الزجر والردع والحث والتحريض على ترك الافتراك : وبالفارسية [ واى برشما ]

{ لا تفتروا على اللّه كذبا } بان تدعو ان الآيات التى ستظهر على يدى سحر او لا تشركوا مع اللّه احدا والافتراء التقول والكذب عن عمد

وفى التأويل قال موسى للحسرة

{ ويلكم لا تفتروا على اللّه كذبا } باتيان السحر فى معرض المعجزة ادعاء بان اللّه قد اعطانا مثل ما اعطى الانبياء من المعجزة

{ فيسحتكم } فيهلككم ويتسأصلكم بسببه : وبالفارسية [ ازبيخ بركند شمارا ] يقال اسحت الشئ اعدمه واستأصله

{ بعذاب } هائل لا بقادر قدره

{ وقد خاب } الخيبة فوت المطلب اى [ بى بهره ون اميدماند ]

{ من افترى } اى على اللّه تعالى كائنا من كان بى وجه كان.

٦٢

{ فتنازعوا } اى السحرة حين سمعوا كلامه كأنه ذلك غاظهم فتنازعوا

{ امرهم } الذى اريد منهم من مغالبتهم عليه السلام وتشاوروا وتناظروا

{ بينهم } فى كيفية المعارضة وتجاذبوا اهداب القول فى ذلك.

قال فى المفردات نزع الشئ جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده والتنازع والمنازعة المجاذبة ويعبر بها عن المخاصمة والمجادلة

{ واسروا النجوى } وبالغوا فى اخفاء النجوى عن موسى لئلا يقف عليه فيدافعه : وبالفارسية [ وينهان داشتتد ازكفتن را ] والنجوى السر واصله المصدر وناجيته اى ساررته واصله ارتحلوا به فى نجوة من الارض اى مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله

وقيل اصله واصله من النجاة وهو ان تعاونه على ما فيه خلاصه او ان تنجوا بسرك ان يطلع عليه وكان نجواهم ما نطق به قوله تعالى

٦٣

{ قالوا } اى بطريق التناجى والاسرار

{ ان هذا لساحران } اى مخففة واللام هى الفارقة بينها وبين النافية والمشار اليه موسى وهارون

{ يريدان ان يخرجاكم من ارضكم } اى من ارض مصر بالغلبة والاستيلاء عليها وهو خبر بعد خبر

{ بسحرها } الذى اظهراه من قبل

{ ويذهبا بطريقتكم المثلى } المثلى تأنيث الامثل وهو الاشرف اى بمذهبكم الذى هو افضل المذاهب وامثلها باظهار مذهبهما واعلاء دينهما يريدون ما كان عليه قوم فرعون لقوله

{ انى اخاف ان يبدل دينكم } لا طريقة السحر فانهم ما كانوا يعتقدون دينا.

قال فى بحر العلوم سموا مذهبهم بها لزيادة سرورهم وكمال فرحهم بذلك وانه الذى تطمئن به نفوسهم كما قال تعالى

{ كل حزب بما لديهم فرحون } قال الامام الراغب الطريق السبيل الذيل يطرق بالارجل ويضرب قال تعالى

{ فاجعل لهم طريقا فى البحر يبسا } ومنه استعير لكل مسلك يسلكه الانسان فى فعل محمود كان او مذموما قال تعالى

{ ويذهبا بطريقتكم المثلى } اى الاشبه بالفضيلة.

٦٤

{ فاجمعوا كيدكم } الفاء فصيحة واجمعوا من الاجماع يقال اجمع الامر اذا احكمه وعزم عليه وحقيقته جمع رأيه عليه واجمع المسلمون كذا اجتمعت آراؤهم عليه.

قال الراغب اكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل اليه بالتدبير والفكرة . والمعنى اذا كان الامر كما ذكر من كونهما ساحرين يريدان بكم ما ذكر من الاخراج والاذهاب فازمعوا عن قوس واحد . وقرئ هذا المزاحم واجعلوه مجمعا عليه بحيث لا يتخلف عنه واحد منكم وارموا عن قوس واحد . وقرئ فاجمعوا من الجميع ويعضده قوله تعالى

{ فجمع كيده } اى فاجمعوا ادوات سحركم ورتبوها كما ينبغى

{ ثم ائتوا صفا } اى مصطفين فى الموعد ومجتمعين ليكون اشد لهيبتكم وانظم لامركم فجاؤوا فى سبعين صفا كل صف الف والصف ان يجعل الشئ على خط مستو كالناس والاشجار ونحو ذلك وقد يجعل بمعنى الصاف.

قال فى الارشاد لعل الموعد كان مكانا متسعا خاطبهم موسى بما ذكر فى قطر من اقطاره وتنازعوا امرهم فى قطر آخر منه ثم امروا بان يأتوا وسطه على الوجه المذكور

{ وقد افلح اليوم من استعلى } الفلاح الظفر وادراك البغية والاستعلاء قد يكون طلب العلو المذموم وقد يكون طلب العلاء اى الرفعة.

والآية تحتمل الامرين جميعا اى وقد فاز بالمطلوب من غلب ونال علو المرتبة بين الناس.

قال فى الارشاد يريدون بالمطلوب ما وعدهم فرعون من الاجر والتقريب وبمن غلب انفسهم جميعا او من غلب منهم حثالهم على بذل المجهود فى المغالبة.

يقول الفقير فيه اشارة الى ان المنهى من العلوم والاسباب كالسحر ونحوه ما يتقرب به الى الدنيا وجمع حطامها لا الى الآخرة والفوز بنعيمها ولا الى اللّه تعالى ولذا قال

{ اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } فكل من اراد ان يتوصل بما يفعله مما نهاه الشرع الى درجة من الدرجات الاخروية او مرتبة من المراتب المعنوية فانه يضيع سعيه ولا يفلح ولا يبقى له سوى التعب.

ثم ان ارباب التقليد يقتفون آثار فرعون وسحرته ويقولون فى حق اهل التحقيق انهؤلاء يخرجونكم من مناصب شيخوختكم ومراتب قبولكم عند العوام ويصرفون وجوه الناس عنكم ويذهبون باشراف قومكم من الملوك والامراء وارباب المعارف واهل الدثور والاموال فيسلكون مسالك الحيل ويريدون ان يطفئوا نور اللّه بافواههم واللّه متم نوره ولو كره الكافرون اى المشركون بالشرك الخفى : وفى المثنوى

هركه برشمع خدا آرد بفو ... شمع كى ميرد بسوزد بوزاو

فالذى خلق علويا كالشمس فانه لا يكون سفليا بوجه من وجوه الحيل وكيذا التراب خلق سفليا فانه لا يكون سماويا : قال المولى الجامى

بستست قدر سفله اكر خود كلاه جاه ... براوج سلطنت زند از كردش زمان

سفليست خاك اكرجه نه بر مقتضاى طبع ... همراه كرد باد كشد سر بر آسمان

نسأل اللّه ان يجعلنا من اهل السعادة والفلاح

٦٥

{ قالوا } اى السحرة بعد اجماعهم واتيانهم الموعد واصطفافهم.

قال الكاشفى [ سحره بقولى سيصد هزار خروار حبل وعصاهاميان تهى كرده وبر اززيبق ساخته بميدان آوردند بطريق ادب وكفتند ]

{ يا موسى اما ان تلقى } الالقاء طرح الشئ حيث تلقاه اى تراه ثم صار فى التعارف اسما لكل طرح اى تطرح عصاك من يدك على الارض

{ واما ان نكون اول من القى } ما نلقيه من العصى والحبال وان مع ما فى حيزها منصوب بفعل مضمر او مرفعو بخبرية مبتدأ محذوف اى اختر القاءك اولا او القاءنا او الامر اما القاؤك او القاؤنا.

وفيه اشارة الى ان السحرة لما اعزوا موسى عليه السلام بالتقديم والتخيير فى الالقاء اعزهم اللّه بالايمان الحقيقى حتى رأوا بنور الايمان معجزة موسى فآمنوا به تحقيقا لا تقليدا وهذا حقيقة قوله

{ من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا } فلما تقربوا الى اللّه باعزاز من اعزهاللّه اعزهم بالايمان تقربا اليه فكذلك اعزهم موسى بالتقديم فى الالقاء كما حكى اللّه عنه بقوله

٦٦

{ قال } موسى

{ بل القوا } اولا ما انتم ملقون

يقول الفقير الظاهر ان اللّه تعالى الهم السحرة التخيير وعلم موسى اختيار القائهم اولا ليظهر الحق من الباطل لان الحق يدفع الباطل ويمحوه ولو كان موسى اول من ألقى لتفرق الناس من اول الامر خيفة الثعبان كما تفرقوا بعد ابتلاع العصا عصيهم وحبالهم وذا مخال بالمقصود.

قال الامام فان قيل كيف امرهم به وهو سحر وكفر . ثقلنا لما تعين طريقا الى كشف الشبهة صار جائزا.

وفى الاسئلة المقحمة هذا ليس بامر وانما هو للاستهانة بذلك وعدم الاكتراث به لما كان يعلم ان ذلك سبب لظهور الحق وزهوق الباطل

{ فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعى } الفاء فصيحة واذا لمفاجأة ظرفية والحبال جمع حبل وهو الرسن والعصى جمع عصا والتخيل تصوير خيال الشئ فى النفس والتخيل تصور ذلك والخيال اصله الصورة المجردة كالصورة المتصورة فى المنام وفى المرآة وفى القلب بعيد غيبوبة المرئى ثم تستعمل فى صورة كل امر متصور وفى كل شخص دقيق يجرى مجرى الخيال وانها تسعى نائب فاعل ليحيل والسعى حبالهم وعصيهم من سحرهم : وبالفارسية [ بس رسنها وعصاهاى ايشان نموده شد بموسى از جادويى وكيد ايشان كه كويى بدرستى كه آن ميرود ومى شتابد ] وذلك انهم كانوا لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطرب واهتزت فخيل اليها انها تتحرك

٦٧

{ فاوجس فى نفسه خيفة موسى } الوجس الصوت الخفى والتوجس التسمع والايجاس وجود ذلك فى النفس والخيفة الحالة التى عليها الانسان من الخوف وهى مفعول اوجس وموسى فاعله . والمعنى اضمر موسى فى نفسه بعض خوف من مفاجأته بمقتضى البشرية المجبولة عن النفرة من الحيات والاحتراز عن ضررها المعتاد من اللسع ونحوه كما دل عليه قوله فى نفسه لانه من خطرات النفس لا من القلب وفى الحقيقة ان اللّه تعالى البس السحر لباس القهر فخاف موسى من قهر اللّه لا من غيره لانه لا يأمن من مكر اللّه الا القوم الفاسقون.

يقول الفقير

جون خداخواهدشودهر برك خار ... رشته باريك درشجم عين مار

برك لرزان آب ريزان از الم ... جون نمى ترسم زقهر كردكار

٦٨

{ قلنا لا تخف } ما توهمت

{ انك } اى لانك

{ انت الاعلى } اى الغالب القاهر لهم ونحن معك فى جميع احوالك فانك القائم بالمسبب وهم القائمون المعتمدون على الاسباب وايضا معك آياتنا الكبرى وهو لباس حفظنا.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان خوف البشرية مركوز فى جبلة الانسان ولو كان نبيا الى ان ينزع اللّه الخوف منه انتزاعا رابانيا بقول صمدانى كما قال تعالى

{ قلنا لا تخف انك انت الاعلى } اى اعلى درجة من ان تخاف من المخلوقات دون الخالق وفيه معنى آخر ان خوف موسى ما كان من المكونات بل من المكون اذ رأى عصاه ثعبانا تلقف سحر السحرة وقد علم انها صارت مظهر صفة قهارية الحق فخاف من الحق وقهره لا من العصا وثعبانها فلهذا قال تعالى

{ لا تخف انك انت الاعلى } اى لانك اعلى درجة عندنا منها لانها عصاك مصنوعة لنفسك وانت رسول وكليمى واصطنعتك لنفسى فان كانت هى مظهر صفة قهرى فانت مظهر صفات لطفى وقهرى كلها.

٦٩

{ والق ما فى يمينك } اى عصاك والابهام لتفخيم شأنها والايذان بانها ليست من جنس العصى المعهودة لانها مستتبعة لآثار غريبة

{ تلقف ما صنعوا } بالجزم جواب للامر من لقفه كسمعه لقفاة بسكون القاف وفتحها اذا ابتلعه والتقمه بسرعة.

قال فى المفردات لقفت الشئ القفه ويلقفته تناوله بالجذب سواء كان تناوله بالفم او باليد

انتهى والتأنيث لكون ما عبارة عن العصا والصنع اجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا ولا تنسب الى الحيوانات والجمادات كام ينسب اليها الفعل . والمعنى تبتلع وتلقم ما صنعوه من الحبال والعصى التى خيل اليك سعيها وخفتها والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير والايذان بالتموية والتزوير اى زوّروا وافتعلوه

{ ان ما صنعوا } ما موصولة او موصوفة اى ان الذى صنعوه او ان شيأ صنعوه

{ كيد ساحر } بالرفع على انه خبر لان اى كيد جنس الساحر ومكره وحيلته وتنكيره للتوسل به الى تنكير ما اضيف اليه للتحقير والكيد ضرب من الاحتيال يكون محمودا او مذموما وان كان يستعمل فى المذموم اكثر وكذلك الاستدراج والمكر

{ ولا يفلح الساحر } اى لا يدرك بغيته هذا الجنس

{ حيث اتى } من الارض وعمل السحر فيها وهو من تمام التعليل . وفى التأويلات النجمية يشير الى ان ما فى يمينك هو مصنوعى وكيدى وما صنعه السحرة انما هومصنوعهم وكيدهم ولا يفلح الساحر ومصنوعه وكيده حيث اتى مصنوعى وكيدى لان كيدى متين.

واعلم ان الفلاح دنيوى وهو الظفر بالسعادات التى تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز والخروى وهو اربعة اشياء بقاء لا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ففلاح اهل الدنيا كالفلاح لان عاقبته خيبة وخسران ألا ترى ان من قال لاستاذه لم اى اعترض عليه لن يفلح ابدا وقد رأينا بعض المعترضين قد اوتى مالا وجاها ورياسة فهو فى تقلبه خائب خاسر وقس عليه سائر المخالفين من اهل المنكرات.

قال فى نصاب الاحتساب الساحر اذا تاب قبل ان يؤخذ تقبل توبته وان اخذ ثم تاب لم تقبل توبته.

وفى شرح المشارق للشيخ اكمل روى محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد عن ابى حنيفة رحمه اللّه انه قال فى الساحر يقتل اذا علم انه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل بالسحر فوصفوا ذلك بصفة يعلم انها سحر قتل ولا يستتاب انتهى.

وفى شرح رمضان على شرح العقائد ان الساحر يقتل ذكرا او انثى اذا كان سعيه بالافساد والاهلاك فى الارض واذا كان سعيه بالكفر فيقتل الذكر دون الانثى انتهى.

وفى الفروع لا تقتل الساحرة المسلمة ولكن تضرب وتحبس لانها ارتكبت جريمة عظيمةوانما لا تقتل لان النبى عليه السلام نهى عن قتل النساء مطلقا.

وفى الاشباه كل كافر تاب فتوبته مقبولة فى الدنيا والآخرة الاجماعة الكافر بسبب النبى وبسب الشيخين او احدهام وبالحسر ولو امرأة وبالزندقة اذا اخذ قبل توبته انتهى . وفى فتاوى قارئ الهداية الزنديق من يقول ببقاء الدهر اى لا يؤمن بالآخرة ولا الخالق ويعتقد ان الاموال والحرم مشتركة.

وقال فى موضع آخر هو الذى لا يعقتد الها ولا بعثا ولا حرمة شئ من الاشياء وفى قبول توبته روايتان والذى ترجح عدم قبول توبته انتهى . قال فى شرح الطريقة السحر فى اللغة كل ما لطف ودق منه السحر للصبح الكاذب وقوله عليه السلام ( ان من البيان لسحرا ) وبابه منع وفى العرف اراءة الباطل فى صورة الحق وهو عندنا امر ثابت لقوله عليه السلام ( السحر حق والعين حق )

وفى شرح الامالى السحر من سحر يسحر سحر اذا خدع احدا وجعله مدهو شامتحيرا وهذا انما يكون بان يفعل الساحر شيأ يعجز عن فعله وادراكه المسحور عليه.

وفى كتاب اختلاف الائمة السحر رقى وعزائم وعقد تؤثر فى الابدان والقلوب فيمرض ويقتل ويرفق بين المرء وزوجه وله حيقية عند الائمة الثلاثة.

وقال الامام ابو حنيفة رحمه اللّه لا حقيقة له ولا تأثير له فى الجسم وبه قال ابو جعفر الاسترابادى من الشافعية.

وفى شرح المقاصد السحر اظهار امر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة اعمال مخصوصة يجرى فيها التعلم والتعليم.

وبهذين الاعتبارين يفاربق المعجزة والكرامة وبانه لا يكون بحسب اقتراح المقترحين وبانه يخص الازمنة او الامكنة او الشرائط وبانه قد يتصدى لمعارضته ويبذل الجهد فى الاتيان بمثله وبان صاحبه ربما يعلن بالفسق ويتصف بالجرس فى الظاهر والباطن والخزى فى الدنيا والآخرة وهو اى السحر عند اهل الحق جائز عقلا ثابت سمعا وكذا الاصابة بالعين.

وقال المعتزلة بل هو مجرد اراءة مالا حقيقة له بمنزلة الشعوذة التى سببها خفة حركات اليد او اخفاء وجه الحيلة وفيه لنا وجهان الاول يدل على الجواز والثانى يدل على الوقوع

اما الاول فهو امكان الامر فى نفسه وشمول قدرة اللّه تعالى فانه هو الخالق وانما الساحر فاعل وكاسب وايضا فيه اجماع الفقهاء وانما اختلفوا فى الحكم

واما الثانى فهو قوله تعالى

{ يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت ومارون } الى قوله

{ ويتعلمون منها ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من احد الا باذن اللّه } وفيه اشعار بانه ثابت حقيقة ليس مجرد اراءة وتمويه وبان المؤثر والخالق هو اللّه تعالى وحده.

فان قيل قوله تعالى فى قصة موسى

{ يخيل اليه من سحرهم انها تسعى } يدل على انه لا حقيقة للسحر وانما هو تمويه وتخييل . قلنا يجوز ان يكون سحرهم هو ايقاع ذلك التخييل وقد تحقق ولو سلم فكون اثره فى تلك الصورة هو التخييل لا يدل على انه لا حقيقة له اصلا.

ثم ان السحر خمسة انواع فى المشهور . منها الطلسم قيل هو مقلوب المسلط وهو جمع الآثار السماوية مع عقاقير الارض ليظهر منها امر عجيب . ومنها النيرنج قيل هو معرب ( نيرنك ) هو التمويه والتخييل قالوا ذلك تمزيج قوى جواهر الارض ليحدث منها امر عجيب . ومنها الرقية وهو الافسود معرب ( آب سون ) هو النفك فى الماس وسمى به لانهم ينفثون فى الماء ثم يشربونه او يصبون عليه وانما سميت رقية لانها كلما رقيت من صدر الراقى فبعضها فهلوية وبعضها قبطية وبعضها بلا معنى يزعمون انها مسموعة من الجن او فى المنام . ومنها الخلقطيرات وهى خطواط عقدت عليها حروف واشكال اى حلق ودوائر يزعمون ان لها تأثيرات بالخاصية . ومنها الشعبذة ويقال لها الشعوذة معرب ( شعباذة ) اسم رجل ينسب اليه هذا العلم وهى خيالات مبنية على خفة اليد واخذ البصر فى تقليب الاشياء كالمشى على الارسال واللعب بالمهارق والحقات وغير ذلك والمذهب ان التأثير الحاصل عقيب الكل هو فعل اللّه تعالى على وفق اجراء عادته ووجه الحكمة فيه لا يعلمه الا هو سبحانه.

قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات المكية ان التأثير الحاصل من الحروف واسماء اللّه تعالى من جنس الكرامات اى اظهار الخواص بالكرامة فان كل احد لا يقدر على الاستخراج خواص الاشياء

٧٠

{ فالقى السحره } الفاء فصيحة اى فالقاه فوقع ما وقع من اللقف فالقى السحرة حال كونهم

{ سجدا } ساجدين كأنما القاهم ملقى لشدة خرورهم وبالفارسية [ حضرت موسى عصا بيفكند فى الال ازدهايى شد ودهن خود كشادة تمام ادوات جادوانرا فروبرد ومردم ازترس روى بكريز آوردند وموسى اوراد بكرفت همان عصا شد جادوان دانستند كه آن سحر نيست زيرا كه سحر سحر ديكررا باطل نكند بلكه قدرت خدا ومعجزه موسىست بس درافكنده شدند يعنى تأمل اين معنى ايشانرا درروى افنكند درحالتى كه سجده كنندكان بودند مرخدايرا ازروى صدق ] وانما عبر عن الخرور بالالقاء ليشاكل تلك الالقاآت - روى - ان رئيسهم قال كنا نغلب الناس وكانت الآلات تبقى علينا فلو كان هذا سحرا فاين ما القيناه من الآلات فاستدل بتغير احوال الاجسام على الصانع العالم القادر وبظهور ذلك على يد موسى على صحة رسالته فتابوا واتوا بنهاية الخضوع وهو السجود قال جار اللّه ما اعجب امرهم القوا حبالهم للكفر والجحود ثم القوا رؤسهم للشكر والسجود فما اعظم الفرق بين الالقاءين

{ قالوا } فى سجودهم وهو التئناف ببانى

{ آمنا برب هارون وموسى } تأخر موسى عند حكاية كالمهم لرعاية الفواصل ولان فرعون ربى موسى فى صغره فلو اقتصر على موسى او قدم ذكره فربما توهم ان المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع ومعنى اضافة الرب اليهما انه هو الذى يدعوان اليه واجرى على يديهما ما اجرى.

قال بعض الكبار من كان له استعداد النظر الى عالم الغيب وباشر حظوظ النفس احتجب عنه فاذا انقطع الى اللّه نظر اللّه الى قلبه بنعت الاخلاص واليقين وكشف اللّه له انوار حضرته وجذبه الى قربه فالسحرة مجذوبون مهتدون باللّه الى اللّه مؤمنون بالبرهان لا بالتقليد وان فرلعون ما رأى برهان الربوبية فلم يؤمن.

٧١

{ قال } فرعون للسحرة بطريق التوبيخ

{ آمنتم له } اى لموسى واللام لتضمين الفعل معنى الاتباع واللام مع الايمان فى كتاب اللّه لغيره.

وفى بحر العلوم له اى لربهما على الن اللام بمعنى الباء والدليل القاطع عليه قوله

{ قال } اى فرعون

{ آمنتم به قبل ان آذن لكم } فى سور الاعراف وآمننتم بالمد على الاخبار وامركم به كما فى قوله تعالى

{ لنفذ البحر قبل ان تنفذ كلمات ربى } لا ان الاذن لهم فى ذلك واقع بعده

{ لكبيركم } اى فى فنكم واعلمكم به واستاذكم

{ الذى علمكم السحر } فتواطأتم على ما فعلتم.

قال الكاشفى [ يعنى استادومعلم ومهترجادوانست شماباهم خواهيدكه ملك برابراندازند ] واراد التلبيس على قومه لئلا يتبعون السحرة فى الايمان لانه عالم ان موسى ما علمهم السحر يعنى ان هذه شبهة زورها اللعين والقاها على قومه واراهم ان امر الايمان منوط باذنه فلما كان ايمانهم بغير اذنه لم يكن معتدا به وانهم من تلامذته عليه السلام فلا عبرة بما اظهره كما لا عبرة بما اظهروه ذلك لما اعتراه من الخوف من اقتداء الناس بالحسرة فى الايمان باللّه ثم اقبل عليهم بالوعيد المؤكد حيث قال

{ فلأقطعن } اى فواللّه لاقطعن وصيغة التفيل للتكثير وكذا فى الفعل الآتى والقطع فصل شئ مدركا بالبصر كالاجسام او مدركا بالبصيرة كالاشياء المعقولة

{ ايديكم وارجلكم من خلاف } الخلاف اعم من الضد لان كل ضدين مختلفان دون العكس . والمعنى من كل شق طرفا وهو ان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ومن فيه لابتداء الغاية اى ابتداء القطع من مخالفة العضة العضو لا من وفاقه وايه فان المبتدئ من المعروض مبتدئ من العارض ايضا وهى مع مجرورها فى حيز النصب على الحالية اى لاقطعنها مختلفا لانها اذا خالف بعضها بعضا بان هذا يد وذاك رجل وهذا يمين وذاك يسار فقد اتصفت بالاختلاف ونعين القطع وكيفيته لكونه افظع من غيره

{ ولأصلبنكم فى جذوع النخل } الصلب الذى هو تعليق الانسان للقتل قيل هو شد صلبه على خشب اى على اصول النخلة فى شاطئ النيل : وبالافرسية [ وهرآيينه بر آويزم شموارا درتن خرما بن كه دراز ترين درختانست تاهمه كس شمارا به بيند وعبرت كيرد ] وايثار كلمة فى للدلالة على ابقائهم عليها زمانا طويلا تشبيها لاستقرارهم عليها باستقرار المظروف فى الظرف المشتمل عليه.

قالوا فرعون موسى هو اول من استعمل الصلب . فان قيل مع قرب عهده بانقلاب العصا حية وقصدها ابتلاع قصره واستغاثته بموسى من شرها كيف يعقل ان يهدّد السحر الى هذه الحد ويستهزئ بموسى.

قلنا يجوز ان يكون فى اشد الخوف ويظهر الجلادة تمشية لناموسه وترويجا لامره والاستقراء يوقفك على امثاله

{ ولتعلمن أينا } اى انا وموسى

{ اشد عذابا وابقى } ادوم وموسى لم يكن فى شئ من التعذيب الا ان فرعون ظن السحرة خافوا من قبل موسى على انفسهم حين رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم وعصيهم فقال ما قال وعلى ما سبق من بحر العلوم فى

{ آمنتم له } يكون المراد ب

{ أينا } نفسه ورب موسى.

وفى التأويلات النجمية وانما قال

{ اشد عذابا } لانه كان بصيرا بعذاب الدنيا وشدته وقد كان اعمى بعذاب الاخرة وشدته.

٧٢

{ قالوا } غير مكترثين بوعيده.

قال الكاشفى [ ساحران جون ازجام جذبه خقانى مست شده بودند واز انوار تواتر ملاطفات ربانى كه بردل ايشان تافته بود ازدست شده.

خورده يكجرعه از كف ساقى ... هرجه فانيست كرده درباقى

دامن از فكر غير افشانده ... ليس فى الدار غيره خوانده

لا جرم درجواب فرعون كفتند ]

{ لن نؤثرك } لن نختارك بالايمان والاتباع

{ على ما جاءنا } من اللّه على يد موسى

{ من البينات } من المعجزات الظاهرة التى لا شبه فى حقيتها وكان من استدلالهم انهم قالوا لو كان هذا سحرا فاين حبالنا وعصينا.

فيه اشارة الى ان القوم شاهدوا فى رؤية الآيات انوار الذات والصفات فهان عليهم عظائم البليات ومن آثر اللّه على الاشياء هان عليه ما يلقى فى ذات اللّه.

وقد قال بعض الكبار ليخفف ألم البلاء عنك علمك ان اللّه هو المبلى

{ والذى فطرنا } اى خلقنا وسائر المخلوقات عطف على ما جاءنا وتأخيره لان ما فى ضمنه آية عقلية نظرية وما شاهده آية حسية ظاهرة.

وقال بعضهم هو قسم محذوف الجواب لدلالة المذكورة عليه اى وحق الذى فطرنا لا نؤثرك فان القسم لايجاب بلن الاعلى شذوذ . وفى التفسير الفارسى [ وسوكنده ميخوريم بخدايى كه مارآفريد ].

وفى التأويلات اى بالذى فطرنا على فطرة الاسلام والتعرض للفاطرية لايجابها عدم ايثارهم فرعون عليه تعالى

{ فاقض ما انت قاض } جواب عن تهديده بقوله لاقطعن اى فاصنع ما انت صانعه او احكم فينا ما انت فيه حاكم من القطع والصلب.

وفى التأويلات اى فاحكم واجر علينا ما قضى اللّه لنا فى الازل من الشهادة

{ انما تقضى هذه الحياة الدنيا } اى انما تصنع ما تهواه او تحكم بما تراه فى هذه الحياة الدنيا ومدة حياتنا فحسب فسيزول امرك وسلطانك عن قريب ومالنا من رغبة فى عذبها ولا رهبة من عذابها [ اروز بجور هرجه خواهى ميكن فردا بتونيز هرجه خواهند كنند ]

٧٣

{ انا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا } من الكفر ومالمعاصى ولا يؤاخذ بها فى الدار الآخرة لا ليمتعنا بتلك الحياة الفانية حتى نتأثر بما اوعدتنا به من القطع والصلب والمغفرة صيانة العبد عما استحقه من العقاب للتجاوز عن ذنوبه من الغفر وهو الباس الشئ ما يصونه عن الدنس . والخطايا جمع الخطية والفرق بينهما وبين السيئة ان السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة فما يقصد بالعرض لانها من الخطأ

{ وما اكرهتنا عليه من السحر } عطف على خطايانا اى ويغفر لنا السحر الذى عملناه فى معارضة موسى باكراهك وحشرك ايانا من المدائن القاصية خصوه بالذكر مع اندراجه فى خطاياهم اظهارا لغاية نفرتهم منه ورغبتهم فى مغفرته

{ واللّه خير } اى فى ذاته وهونا ظر الى قولهم والذى فطرنا

{ وابقى } اى جزاء ثوابا كان او عقابا او خير لنا منك ثوابا ان اطعناه وادوم عذابا بامنك ان عصيناه.

وفى التأويلات النجمية

{ واللّه خير } فى ايصا رالخير ودفع الشر منك

{ وابقى } خيره من خيرك وعذابه من عذابك.

قال الحسن سبحان اللّه لقوم كفراهم اشد الكافرين كفر ثبت فى قلوبهم الايمان طرفة عين فلم يتعاظم عندهم ان قالوا

{ اقض ما انت قاض } فى ذات اللّه واللّه ان احدهم اليوم ليصحب القرآن ستين عاما ثم انه ليبيع دينه بثمن حقير : قال الشيخ سعدى قدس سره

زيان ميكند مرد تفسيردان ... كه علم ادب ميفروشد بنان

كجا عقل باشرح فتوى دهد ... كه اهل خرددين بدنيى دهد

بدين اى فرومايه دنيى مخر ... جوخرها بانجيل عيسى مخر

٧٤

{ انه } اى الشأن وهو تعليل من جهتهم لكونه تعالى خيرا وابقى

{ من } [ كس كه ]

{ يأت } [ آياد در روزقيامت ]

{ ربه } [ نزديك برور دكار او ]

{ مجرما } حال كونه متوغلا فى اجرامه منهمكا فيه بان يموت على الكفر والمعاصى ولانه مذكور فى مقابلة المؤمن

{ فان له جهنم لا يموت فيها } فينتهى عذابه ويستريح وهذا تحقيق لكون عذابه ابقى

{ ولا يحيى } حياة ينتفع بها.

٧٥

{ ومن يأته مؤمنا } به تعالى وبما جاء من عنده من المعجزات التى من جملتها ما شاهدناه

{ قد } اى وقد

{ عمل الصالحات } الصالحة كالحسنة جارية مجرى الاسم ولذلك لا تذكر غالبا مع الموصوف وهى كل ما استقام من الاعمال بدليل النقل والنقل

{ فاولئك } اشارة الى من والجمع باعتبار معناها اى فاولئك المؤمنون العاملون للصالحات

{ لهم } بسبب ايمانهم واعمالهم الصالحة

{ الدرجات العلى } جمع العليا تأنيث الاعلى اى المنازل الرفيعة فى الجنة.

وفيه اشارة الى الفرق بين اهل الايمان المجرد وبين الجامع بين الايمان والعمل حيث ان الجردات العالية للثانى وغيرها لغيره.

٧٦

{ جنات عدن } بدل من الدرجات العلى

{ تجرى من تحتها الانهار } [ يبسوته ميرود از زير منازل آن يا اشجار آن جوبها ] حال من الجنات

{ خالدين فيها } حال من الضمير فى لهم والعامل معنى الاستقرار او الاشارة

{ وذلك } اى المذكور من الثواب

{ جزاء من تزكى } الجزاء ما فيه الكفاية من المقابلة ان خيرا فخير وان شرا فشر يقال جزيته كذا وبكذا والفرق بين الاجر والجزاء ان الاجر يقال فيما كان عن عقد وما يجرى مجرى العقد ولا يقال الا فى النفع دون الضر ولجزاء يقال فيما كان عن عقد وعن غير عقد ويقال فى النافع والضار والمعنى جواء من تطهر من دنس الكفر والمعاصى بما ذكر من الايمان والاعمال الصالحة وهذا تحقيق لكون ثواب اللّه تعالى ابقى وفى الحديث ( ان اهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدرىّ فى افق السماء وان ابا بكر وعمر منهم وانعما ) اى هما اهل لهذا.

قالوا ليس فى القرآن ان فرعون فعل باولئك المؤمنين ما اوعدهم به ولم يثبت فى الاخبار كما فى الاخبار.

وقال فى التفسير الكبير نقلا عن ابن عباس رضى اللّه عنهما كانوا اول النهار سحرة وآخره شهداء وفى بحر العلوم اصبحوا كفرة وامسوا ابرارا شهداء : وفى المثنوى

ساحران درعهد فرعون لعين ... جون مرى كردند يا موسى بكين

ليك موسى را مقدم داشتند ... ساحران اورا مكرّم داشتند

زانكه كفتندش كه فرمان آن تست ... كرتومى خواهى عصا بفكن نخست

كفت نى اول شما اى ساحران ... فاكنيد آن مكرهارا درميان

اين قدر تعظيم ايشانرا خريد ... وازمرى آن دست وباهاشان بريد

ساحران جون قدر اونشناختند ... دست وبادر جرم آن در باختند

فدلت هذه الاخبار على كونهم شهداء وان فرعون استعمل الصلب فيهم والالم لم يكن اول من صلب.

فعلى القال ان يختار اللّه تعالى ويتزكى عن الاخلاق الذميمة النفسانية والاوصاف الشنيعة الشيطانية ويتحلى بالاخلاق الروحانية الربانية وببذلك المال والروح لينال اعلى الفتوح جعلنا اللّه واياكم من اهل الولاء وممن هان عليه البلاء.

٧٧

{ ولقد اوحينا الى موسى } وباللّه لقد اوحينا اليه بعد اجراء الآيات التسع فى نحوس من عشرين سنة كما فى الارشاد.

يقول الفقير يخالفها ما فى بعض الروايات المشهورة من ان موسى عليه السلام دعا ربه فى حق فرعون وقومه فاستجيب له ولكن اثره بعد اربعين سنة على ما قالوا عند قوله

{ قال قد اجيبت دعوتكما } { ان } مفسرة بمعنى اى او مصدرية اى بان

{ اسر بعبادى } السرى والاسرآء سير الليل اى قال سر ببنى اسرائيل من مصر ليلا : وبالفارسية [ بشب ببربندكان مرا ] امر بذلك لئلا يعوقهم اعوان فرعون

{ فضارب لهم } فاجعل من قولهم ضرب له فى ماله سهما او فاتخذوا عمل من قولهم ضرب اللبن اذا عمله.

وفى الجلالين فاضرب لهم بعصاك

{ طريقا } الطريق كل ما يطرقه طارق معتادا كان او غير معتاد.

قال الراغب الطريق السبيل الذى يطرق بالارجل ويضرب

{ فى البحر } البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير والمراد هنا بحر القلزم.

قال فى القاموس هو بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور واليه يضاف بحر القزم لانه على طرفه او لانه يبتلع من ركبه لان القلزمة الابتلاع

{ يبسا } صفة لطريقا واليبس المكان الذى كان فيه ماء فذهب.

قال فى الارشاد اى يابسا على انه مصدر وصف به الفاعل مبالغة : وبالفارسية [ خشك كه دروآب ولاى نبود ]

{ لا تخاف دركا } حال مقدرة من المأمور اى موسى والدرك محركة اسم من الادراك كالدرك بالسكون . والمعنى حال كونك آمنا من ان يدرككم العدو

{ ولا تخشى } الغرق.

٧٨

{ فاتبعهم فرعون بجنوده } الفاء فصيحة اى ففعل ما امر به من الاسراء بهم وضرب الطريق وسلوكه فتبعهم فرعون ومعه جنوده حتى لحقوهم وقت اشراق الشمس وهو اضاءتها يقال اتبعهم اى تبعهم وذلك اذا كانوا سبقوك فلحقتهم فالفرق بين تبعه واتبعه ان يقال اتبعه اتباعا اذا طلب الثانى اللحوق بالاول وتبعه تبا اذا مر به ومضى معه - روى - ان موسى خرج بهم اول الليل وكانوا ستمائه وسبعين الفا فاخبر فرعون بذلك فاتبعهم بعساكره وكان مقدمته سبعمائة الف فقص اثرهم فلحقهم بحيث تراءى الجمعان فعند ذلك ضرب موسى عليه السلام بعصاه البحر فانفلق على اثنى عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم وبقى الماء قائما بين الطرق فعبر موسى بمن معه من الاسباط سالمين وتبعهم فرعون بجنوده

{ فغشيهم } سترهم وعلاهم

{ من اليم } اى بحر القلزم

{ ما غشيهم } الى الموج الهائل الذى لا يعلم كنهه الا اللّه.

٧٩

{ واضل فرعون قومه } اى سلك بهم مسلكا ادّاهم الى الخيبة والخسران فى الدين والدنيا معا حيث ما توا على الكفر بالعذب الهائل الدنيوى المتصل بالعذاب الخالد الاخروى

{ وما هدى } اى ما ارشدهم قط على طريق موصل الى مطلب من المطالبة الدينية والدنيوية وهو تقرير لاضلاله وتأكيد له اذ رب مضل قد يرشد من يضله الى بعض مطالبه . وفيه نوع تهكم فى قوله

{ وما اهديكم الا سبيل الرشاد } فان نفى الهداية من شخص مشعر بكونه ممن تتصور منه الهداية فى الجملة وذلك انما يتصور فى حقه بطريق التهكم.

يقول الفقير موسى مع قومه اشارة الى الروج القدس مع قواه وفرعون مع قومه اشارة الى النفس الامارة مع قواها والبحر هو بحر الدنيا فموسى الروح يعبره اما بسفينة الشريعة او بنور الكشف الالهى ويغرق فرعون النفس لانها تابعة لهواها لا شريعة لها ولا كشف فعلم منه ان اتباع اهل الضلال انفسا وآفاقا يؤدى الى الهلاك الصورى والمعنى واقتداء اهل الهدى يفضى الى النجاة الابدية.

زينهاراز قرين بدر زنهار ... وقنا ربنا عذاب النار

واحسن وجوه الاتباع الايمان والتوحيد لان جميع الانبياء متفقون على ذلك والمؤمن فى حصن حفظه اللّه تعالى ن الاعداء الظاهرة والباطنة فى الدنيا والآخرة - حكى - عن عبد اللّه بن الثفى ان الحجاج الحضر انس بن مالك وقال له اريد ان اقتلك شر قتله فقال انس لو علمت ان تلك بيدك لعبدتك من دون اللّه تعالى قال الحجاج ولم ذكل قال لان رسول اللّه عليه السلام علمنى دعاء وقال ( من دعها به فى كل صباح لم يكن لاحد عليه سبيل ) وقد دعوت به فى صباحى فقال الحجاج علمنيه قال معاذ اللّه ان اعلمه لاحد وانت حى فقال خلو سبيله فقيل له فى ذلك فقال رأيت على عاتقيه اسدين عظيمين فاتحين افواههما ولما حضرته الوفاة قال لخادمه ان لك على حقا اى حق الخدمة فعلمه الدعاء المذكور وقال له قل ( بسم اللّه خير الاسماء بسم اللّه الذى لا يضر مع اسمه شئ فى الارض ولا فى السماء ) ثم ان هذا فى الدنيا

واما فى الآخرة لم ينجعه الوعظ فلم يدر قدرته ولم يقبل فوصل من طريق الرد والعناد الى الغرق والهلاك نعوذ باللّه رب العبادة.

فعلى العاقل ان يستمع الى الناصح : قال الحافظ

امروز قدر بند عزيزان شناختم ... يا رب روان ناصح ما از تو شاد باد

قوله امروز يريد به وقت الشيخوخة واشارة الى ان وقت الشباب ليس كوقت الكهولة والذاترى اكثر الشباب منكبين على سماع الملاهى معرضين عن الناصح الالهى فمن هداه اللّه تعالى رجع الى نفسه ودعا لناصحه لانه ينصح حروفه بالفارسية [ ميدوزد دريدهاى او ] ولا بد للسالك من مرشد ومجاهدة ورياضة فان مجرد وجود المرشد لا ينفعه ما دام لم يسترشد ألا ترى ان فرعون عفرف حقية موسى وما جاء به لكنه ابى عن سلوك طريقه فلم ينتفع به فالاول الاعتقاد ثم الاقرار ثم الاجتهاد وقد

قال بعضهم ( ان السفينة لا تجرى على اليبس ) والنفس تجر على الدعة والبطالة وقد قال تعالى

{ انفروا خفافا وثقالا } فالعبادة لازمة لاى ان يأتى اليقين حال النشاط والكراهة والجهاد ماض الى يوم القيامة : قال المولى الجامى قدس سره

بى رنج كسى جون نبردره بسر كنج آن به كه بكوشم بتمنا ننشيمنم ... نسأل اللّه تعالى ان يوفقنا لطريق مرضاته ويوصلنا الى جناب حضرته.

٨٠

{ يا بنى اسرائيل } اى قلنا لهم بعد اغراق فرعون وقومه وانجائهم منهم

{ قد انجيناكم من عدوكم } فرعون وقومه حيث كانوا يذبحون ابناءكم ويستحيون نساءكم ويستخدمونكم فى الاعمال الشاقة والعدو يجيئ فى معنى الوحدة والجماعة

{ وواعدناكم جانب الطور الايمن } بالنصب على انه صفة للمضاف اى واعدناكم بوساطة نبيكم اتيان جانبه الايمن نظرا الى السالك من مصر الى الشام والا فليس للجبل ييمن ولا يسار اى اتيان موسى للمناجاة وانزال التوراة عليه ونسبة المواعدة اليهم مع كونهم لموسى نظرا الى ملابستها اياهم وسراية منفعتها اليهم

{ ونزلنا عليكم المن } هو شئ كالطل فيه حلاوة يسقط على لاشجر يقال له الترنجين معرب ( كرنكبين )

{ والسلوى } طائر يقال له السمانى كان ينزل عليهم المن وهم فى التيه مثل الثلج من الفجر الى الطلوع لكل انسان صاع ويبعث عليهم الجنوب السمانى فيذبح الرجال ما يكفيه والتيه المفازة التى يتاه فيها وذلك حين امروا بان يدخلوا مدينة الجبارين فابوا ذلك فعاقبهم اللّه بان يتيهوا فى الارض اربعين سنة كما مر فى سورة المائدة ومثل ذلك كمثل الوالد المشفق يضرب ولده العاصى ليتأدب وهو لا يقطع عنه احسانه فقد ابتلوا بالتيه ورزقوا بما لا تعرب فيه.

اى كريمى ك از خزانه غيب ... كبر وترسا وظيفه خوردارى

دوستانرا كجا كنى محروم ... توكه بادشمنان نظر دارى

٨١

{ كلوا } اى وقلنالكم كلوا

{ من طيبات ما رزقناكم } اى من لذائذ او حلالته.

قال الراغب اصل الطيب ما تستلذه الحواس والنفس والطعام الطيب فى الشرع ما كان متناولا من حيث ما يجوز وبقدر ما يجوز ومن المكان الذى يجوز فانه متى كان كذلك كان طيبا عاجلا وآجلا لا يستوخم والا فانه وان كان طيبا عاجلا لم يطب آجلا

{ ولا تطغوا فيه } الطغيان تجاوز الحد فى العصيان اى ولا تتجاوزا الحد فيما رزقناكم بالاخلال بشكره والبلسرف والبطر والمنع من المستحق والادخار منه لاكثر من يوم وليلة

{ فيحل عليكم غضبى } جواب للنهى اى فيلزمكم عقوبتى وتجب لكم من حل الدين يحل بالكسر اذا وجب اداؤه

واما يحل بالضم فهو بمعنى الحلول اى النزول والغضب ثوران دم القلب عند ارادة الانتقام واذا وصف اللّه تعالى به فالمراد دون غيره : وفى المثنوى

شكر منعم واب امد درخرد ... ورنه بكشايد درخشم ابدا

{ ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى } اى تردى وهلك واصله ان يصقط من جبل فيهلك ومن بلاغات الزمخشرى من ارسل نفسه مع الهوى فقد هوى فى ابعد الهوى.

وفى التأويلات النجمية ونزلنا عليهم المن من صفاتنا والسلوى سلوى اخلاقنا كانوا من طيبات ما رزقناكم اى اتصفوا بطبيات صفاتنا وتخلقوا بكرائم اخلاقنا الى صرفناكم بها اى لو لم تكن العناية الربانية لما نجا الروح والقلب وصفاتهما من شر فرعون النفس وصفاتها ولولا التأييد الالهى لما اتصفوا بصفات اللّه ولا تخلقوا باخلاقه ثم قال ولا تطغوا فيه اى اذا استغنيتم بصفاتى واخلاقى عن صفاتكم واخلاقكم فلا تطغوا بان تدعوا العبودية وتدعوا وما اشبه هذه الاحوال مما يتولد من طبيعة الانسانية فان الانسان ليطغى ان رآه استغنى وان طغيان هذه الطائفة بمثل هذه المقالات وان كانت هى من احوالهم لان الحالات لا تصلح للمقامات وهى موجبة للغضب كما قال تعالى

{ فيحل عليكم غضبى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى } اى نجعل كل معاملاته فى العبودية هباء منثورا ولهذا الوعيد امر اللّه عباده فى الاستهداء بقوله

{ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم } اى اهدنا هداية غير من انعمت عليهم بتوفيق الطاعة والعبودية ثم ابتليته بطغيان يحل عليه غضبك.

٨٢

{ وانى لغفار } لستور

{ لمن تاب } من الشرك والمعاصى التى من جملتها الطغيان فيما ذكر.

قال فى المفاتيح شرح المصابيح الفرق بين الغفور والغفار ان الغفور كثير المغفرة عن الدنس ولعل الغفار ابلغ منه لزيادة بنائه

وقيل الفرق بينه وبين الغفار ان المبالغة فيه من جهة الكيفية وفى الغفار باعتبار الكمية

{ وآمن } بما يجب الايمان به

{ وعمل صالحا } مستقيما عند الشرع والنقل.

وفيه ترغيب لمن وقع منه الطغيان فيما ذكر وحث على التوبة والايمان

{ ثم اهتدى } اى استقام على الهدى ولزمه حتى يموت وهو اشارة الى ان من لم يستمر عليه بمعزل من الغفران وثم للتراخى الرتبى.

قال فى بحر العلوم ثم لتراخى الاستقامة على الخير عن الخير نفسه وفضلها عليه لانها اعلى منه واجل لان الشأن كله فيها وهى مزلة اقدام الجرال . قال ابن عطاء

{ وانى لغفار لمن تاب } اى رجع من طريق المخالفة الى طريق الموافقة وصدق موعود اللّه فيه واتبع السنة

{ ثم اهتدى } اقام على ذلك لا يطلب سواه مسلكا وطريقا

راه سنت رواكر خواهى طريق مستقيم ... كزسنن راهى بود سوى رضاى ذو المنن

هرمزده درجشم وى همجون سنانى بادتيز ... كرسنان زندكى خواهد زمانى بى سنن

وفى التأويلات النجمية اى رجع من الطغيان بعبادة الرحمن

{ وعمل صالحا } بالعبودية للربوبية

{ ثم اهتدى } اى تحقق له ان تلك الحضرة منزهة عن دنس الوهم والخيال وان الربوبية قائمون والعبودية دائمة . اعلم ان التوبة بمنزلة الصابون فكما ان الصابون يزيل الاوساخ الظاهرة فكذلك التوبة تزيل الاوساخ الباطنة اعنى الذنوب - روى - ان رجلا قال للدينورى ما اصنع فكلما وقفت على باب المولى صرفتنى البلوى فقال كن كالصبى مع امه كما ضربته بجزع بين يديها فلا يزال كذلك حتى تضمه اليها والتوبة الاكبار من رؤية الحسنات والالتفات الى الطاعات . وشرائط التوبة ثلاث . الندم بالقلب . والاعتذار باللسان بان يستغفر اللّه . والاقلاع بالجوارح وهو الكف عن الذنب وفى الحديث ( المستغفر باللسان المصر على الذنوب كالمستهزئ بربه ) وقال المول الجامى قدس سره

دارم جهان جهان كنه اى شرم روى من ... جون روى ازين جهان بجهان دركنهم

ياران دواسبه عازم ملك يقين شدند ... تاكى عنان عقل بدست كمان دهم

باخلق لاف توبه ودل بركنه مصر ... كس بى نمى بردكه بدين كونه كمرهم

٨٣

{ وما اعجلك عن قومك يا موسى } مبتدأ وخبر اى وقلنا لموسى عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة المذكورة أى شئ حملك على العجلة سبقتك منفردا عن قومك وهم النقباء السبعون المختارون للخروج معه الى الطور وذلك انه سبقهم شوقا الى ميعاد اللّه وامرهم ان يتبعوه كما فى الجلالين.

قال فى العرائس ضاق صدر موسى من معاشر الخلق وتذكر ايام وصال الحق فعلة العجلة الشوق الى لقاء اللّه تعالى.

قال الكاشفى [ آورده اندكه بنى اسرائيل بعد ازهلاك فرعون از موسى عليه السلام استدعا نمودندكه از براى ما قواعد شريعتى واحكام آن مبين ساز موسى درآن باب باحضرت رب الارباب مناجات كرد خطاب رسيدكه باجمعى از اشراف بنى اسرائيل بكوه طور آى تا كتابى كه جامع احكام شرع باشد بتودهم موسى هارون را بجاى خود بكذاشت وباجوجوه قوم كه هفتادتن بودند متوجه طور شدند قوم را وعده كردكه جهل روز ديكرمى آيم وكتاب مى آوردم وجون بنزديك طور رسيدند قوم را بكذاشت واز غايت اشتياق كه بكلام وبيام الهى داشت زود تربالاى كوه برآمد خطاب ربانى رسيدكه

{ وما اعجلك } الخ وجه جيز شتابان ساخت تراتا تعجيل كردى وبيش آمدى ازكروه خود اى موسى ].

يقول الفقير هذا سؤال انبساط كقوله تعالى

{ وما تلك بيمينك } لا سؤال انكار كما ظن اكثر المفسرين من الاجلاء وغيرهم.

٨٤

{ قال هم اولاء على اثرى } يجيئون بعدى : وبالفارسية [ كفت موسى كه ايشان كروه مردان اينك مى آيند بربى من وساعت بساعت برسند ]

{ وعجلت } بسبقى اياهم

{ اليك } [ بسوى تو ]

{ رب } [ اى بروردكار من ]

{ لترضى } عنى بمسارعتى الى الامتثال بامرك واعنائى بالوفاء بعهدك.

وفى الآيتين اشارة الى معانى مهختلفة . منها ليعلم ان السائر لا ينبغى ان يتوانى فى السير ال اللّه ويرى ان رضى اللّه فى استعجاله فى السير والعجلة ممدوحة فى الدين قال تعالى

{ وسارعوا الى مغفرة من ربكم } والاصل الطلب : وفى المثنوى.

كركران وكرشتابنده بود ... آنكه دجوينده است يابنده بود

در طلب زن دائما توهردودست ... كه طلب درراه نيكورهبراست

وقد ورد ( ان الامور مرهونة باوقاتها ) ولذا قال.

جو صبح وصل او خواهد ديمدن عاقبت جامى ... مخور غم كرشب هجران بيايان ديرمى آيد

ومنها ينبعى ان السائر لا يتعوق بعائق فى السير وان كان فى اللّه ولله كما كان حال موسى فى السير الى اللّه فما تعوق بقومه واستعجل فى السير وبطلت الوائق وقد صح ان المجنون العامرى تلك الناقة فى طريق ليلى لكونها عائقة عن سرعة السير الى جنابها فمشى على الوجه كما قال فى المثوى

راه نزديك وبماندم سخت دير ... سير كشتم زين سوارى سير سير

سرنكون خود را زاشتر در فكند ... كفت سوزيدم زغم تاجند جند

تنك شد بروى بيابان فراخ ... خويشتن افكند اندر سنكلاخ

باى را بربست وفكتا كوشوم ... درخم جو كان غلطان مى روم

عشق مولى كى كم ازليلى بود ... كوى كشتن بهر او اولى بود

كوى شو مى كرد بربهلوى صدق ... غلط غلطان درحم جوكان عشق

ومنها ان قصد السائر الى اللّه تعالى ونيته ينبغى ان يكون خالصا لله وطلبه لا لغيره كما قال

{ وعجلت اليك رب } كان قصده الى اللّه : قال الكمال الخجندى

سالك باك رونخوا نندش ... آنكه ازماسوى منزه نيست

ومنها ان يكون مطلوب السائر من اللّه رضاه لا رضى نفسه منه كما قال

{ لترضى } كما فى التأويلات النجمية.

٨٥

{ قال } اللّه وهو استئناف بيانى

{ فانا قد فتنا قومك من بعدك } القيناهم فى فتنة من يعد خروجك من بينهم وابتليناهم فى ايمانهم بخلق العجل وهم الذين خلفهم مع هارون على ساحل البحر وكانوا ستمائة الف ما نجا منهم من عبادة العجل الا اثنا عشر الفا قال اللّه تعالى لموسى أتردى من اين اتيت قال لا يا رب قال حين قلت لهارون اخلفنى فى قومىعن كنت انا حين اعتمدت على هارون . وفيه اشارة الى ان طريق الانبياء ومتبعيهم محفوف بالفتنة والبلاء كما قال عليه السلام ( ان البلاء موكل بالانبياء الامثل فالامثل ) وقد قيل ان البلاء للولاء كاللهب للذهب والى ان فتنة الامة والمريد بمفارقة الصحبة من النبى والشيخ كما قال تعالى

{ فانا قد فتنا قومك من بعدك } اى بعد مفارقتك اياهم فان المسافر اذا انقطع عن صحبة الرفقة افتتن بقطاع الطريق والغيلان : قال الحافظ

قطع اين مرحله بى همرهئ خضر مكن ... ظلماتست بترس از خطر كمراهى

روى - انهم اقاموا على ما وصى به موسى عشرين ليلة بعد ذهابه فحسبوها مع ايامها اربعين وقالوا قد اكملنا العدة وليس من موسى عين ولا اثر

{ واضلهم السامرى } حيث كان هو المدبر فى الفتنة والداعى الى عابدة العجل . قال فى الاسئلة المقحمة اضاف الاضلال الى السامرى لانه كان حصل بتقريره ودعوته واضاف الفتنة الى نفسه لحصولها بفعله وقدرته وارادته وخلقه وعلى هذا ابدا اضافة الاشياء الى اسبابها ومسبباتها انتهى.

- واخباره تعالى بوقوع هذه الفتنة عند قدومه عليه السلام اما باعتبار تحققها فى علمه ومشيئته تعالى

واما بطريق التعبير عن المتوقع بالواقع اولان السامرى قد عزم على ايقاع الفتنة على ذهاب موسى وتصدى لترتيب مباديها فكانت الفتنة واقعة عند الاخبار والسامرى رجل من عظماء بنى اسرائيل منسوب الى قبيلة السامرة منهم او علج من اهل كرمان من قوم يعبدون البقر وحين دخل ديار بنى اسرائيل اسلم معهم وفى قلبه حب عبادة البقر فابتلى اللّه بنى اسرائيل فكشف له عن بصره فرأى اثر فرس الحياة لجبريل ويقال له حيزوم واخذ من ترابه والقاه بوحى الشيطان فى الحلى المذابة كما يجيئ.

- قال الكاشفى [ اصح آنست كه او ازاسرئليات نست ودر وقتى كه فرعون ابناى ايشانرا مى كشت او متولد شدة ومادر بعد ازتولد اورا كبنارنيل درجزيره بيفكند وحق سبحانه جبرائيل امر فرمود تا اورا برورش دهد ومأكول ومشروب وى مهيا كرداند محافظت نموده ازين وقت كه موسى بطور رفت سامرى نزدهارون آمده كفت قد رى بيرايه كه از قبطيان عاريت كرفته ايم باماست ومارا در آن تصرف كردن روانيست ومى بينم كه بنى اسرائيل آنرا مى خرند ومى فروشند حكم فرماى تاهمه جميع كنند وبسوزند هارون امرفرمودكه تمام بيرايه ها آوردند ودر حفره ريختند ودرآن آتش زنند وسامرى زركرى جالاك بود همين كه ان زر بكداخت وى قالبى ساخته بود زركداخته دران ريخته وشكل كوساله بيرون آورد وقدرى ازخاك زيرسم جبريل كه فرس الحياة مى كفتند در درون وى ريخت فى الحال زنده كشت وكوشت وبوست بروبيداشت وبآواز درآمد وكيوند زنده نشد ليك بآن وضع ريخته بود بانكى كردكه جهاردانك قوم بنى اسرائيل ويراسجده كردند حق تعالى موسى را خبرداد كه قوم توبعد از خروج توكوساله برست شدند ]

٨٦

{ فرجع موسى الى قومه } اى بعد ما استوفى الاربين ذا القعدة وعشر ذى الحجة واخذ الالواح المكتوب فيها التوراة وكانت الف سورة كل سورة الف آية يحمل اسفارها سبعون جملا

{ غضبان } [ خشمناك بريشان ]

{ اسفا } [ اندوهكين ازعمل ايشان ] اى شديد الحزن على ما فعلوا او شديد الغضب ومنه قوله عليه السلام فى موت افجأة ( رحمة للمؤمنين واخذة اسيف للكافرين )

قال الامام الراغب الاسف الحزن والغضب معا وقد يقال لكل منهما على الانفراد.

قال الكاشفى [ جون بميان قوم رسيد بانك وخروش ايشان شنيدكه كرداكرد كوساله دف ميزدند ورقص ميكردند بعتاب آغاز كرد ازروى ملامت ]

{ قال يا قوم } [ اى كروه من ]

{ ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا } بان يعطيكم التوراة فيها ما فيها من النور والهدى اى وعدكم وعدا صادقا بحيث لا سبيل لكم الى انكاره.

قال فى بحر العلوم

{ وعدا حسنا } اى متناهيا فى الحسن فانه تعالى وعدهم ان يعطيهم التوراة التى فيها هدى ونور ولا وعد احسن من ذلك واجمل.

وفيه اشارة الى الن اللّه تعالى اذا وعد وقمالا بدله من الوفاء بالوعد فيحتمل ان يكون ذلك الوفاء فتنة للقوم وبلاء لهم كما كان لوقم موسى اذ وعدهم اللّه بايتاء التوراة ومكالمته موسى وقومه السبعين المختارين فلما وفى به تولدت لهم الفتنة والبلاء من وفائه وهى الضال وعبادة العجل ولكن الوعد لما كان موصوفا بالحسن كان البلاء الحاصل من الوعد الحسن بلاء حسنا وكان عاقبة امرهم التوبة والنجاة ورفعة الدرجات

{ أفطال عليكم العهد } الفاء للعطف على مقدرة والهمزة لانكار المعطوف ونفيه فقط اى اوعدكم ذلك فطال زمان الانجاز فاخطأتم بسببه.

وفى الجلالين مدة مفارقتى اياكم يقال طال عهدى بك اى طال زمانى بسبب مفارقتك

{ ام اردتم ان يحل } يجب كما سبق

{ عليكم غضب } عذاب عظيم وانتقام شديد كائن

{ من ربكم } من مالك امركم على الاطلاق بسبب عبادة ما هو مثل فى الغباوة والبلادة

{ فاخلفتم موعدى } والفاء لترتيب ما بعدها على كل واحد من شقى الترديد على سبيل البدل كأنه قيل أنسيتم الوعد بطول العهد فاخلفتموه خطأ ام اردتم حلول الغضب عليكم فاخلفتموه عمدا.

٨٧

{ قالوا ما اخلفنا موعدك } اى وعدنا اياك الثبات على ما امرتنا به

{ بملكنا } اى بقدرتنا واختيارنا لكم مغلوبا والملك القدرة

{ ولكنا حملنا اوزارا من زينة القوم } جمع وزر بالكسر بمعنى الحمل الثقيل اى احمالا من حلى القبط الى استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس

{ فقذفناها } اى طرحنا الحلى فى النار رجاء للخلاص من ذنبها

{ فكذلك } اى مثل ذلك القذف

{ القى السامرى } اى ما معه من الحلى وقد كان اراهم انه ايضا يلقى ما كان وكان لا يخالط شيأ الا غيره وهو من الكرامة التى خصها اللّه بروح القدس.

٨٨

{ فاخرج } اى السامرى بسبب دلك التراب

{ لهم } اى للقائلين

{ عجلا } من تلك الحلى المذابة وهو ولد البقرة

{ جسدا } بدل منه اوجثة ذا ذم ولحم او جسدا من ذهب لا روح له ولا امتناع فى ظهور الخارق على يد الضال

{ له خوار } نعت له يقال خار العجل خوار اذا صاح اى العجل

{ الهم واله موسى فنسى } اى غفل عنه وذهب يطلبه فى الطور وهذا حكاية نتيجة فتنة السامرى فعلا وقولا من جهته تعالى قصد الى زيادة تقريرها ثمخ ترتيب الانكار عليها لا من جهة القائلين والا لقيل فاخرج لنا ولا شك ان اللّه خلقه ابتلاء لعباده ليظهر الثابت من الزائغ واعجب من خلق اللّه العجل خلقه ابليس محنة لهم ولغيرهم.

٨٩

{ أفلا يرون } الفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام اى ألا يتفكرون فلا يعلمون

{ ان } مخففة من الثقيلة اى انه

{ لا يرجع } [ بازنمى كرداند كوساله ]

{ اليهم } [ بسوى ايشان ]

{ قولا } كلاما ولا يرد عليهم جوابا : يعنى [ هر جند اورا مى خوانند جواب نمى دهد ] فكيف يتوهمون انه آله فقوله يرجع من الرجع المتعدى بمعنى الاعادة لا من الرجوع اللازم بمعنى العود

{ ولا يملك له مضرا ولا نفا } اى لا يقد رعلى ان يدفع عنهم ضررا او يجلب لهم نفقا.

قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان اللّه تعالى اذا اراد ان يقضى قضاء سلب ذوى العقول عقولهم واعمى ابصارهم بعد ان رأوا الآيات وشاهدوا المعجزات كأنهم لم يروا شيأ فيها فلهذا قال

{ أفلا يرون } يعنى العجل وعجزه

{ ان لا يرجع اليهم قولا } اى شيأ من القول

{ ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا } انتهى . وفى الآيات اشارات . منها ان الغضب فى اللّه من لوازم نشأة الانسان الكامل لانه مرآة الحضرة الالهية وهى مشتملة على الغضب فى اللّه من لوزم نشأة الانسان الكامل لانه مرآة الحضرة الالهية وهى مشتملة على الغضب ورد عن النبى عليه السلام انه كان لا يغضب لنفسه واذا غضب لله لم يقم لغضبه شئ فمن العباد من يغضب الحق لغضبه ويرضى لرضاه بل من نفسى غضبه غضب الحق وعين رضاه هو رضى الحق فمطلق غضبهم فى الحقيقة عبارة عن تعين غضب الحق فيهم من كونهم مجاليه ومجالى اسمائه وصفاته لا كغضب الجمهور.

قال ابو عبد اللّه الرضى ان اللّه لا يأسف كاسفنا ولكن له اولياء يأسفون ويرضون فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه قال وعلى ذلك قال ( من اهان لى وليا فقد بارزنى فى المحاربة ).

فعلى العاقل ان يتبع طريق الانبياء والاولياء ويغضب للحق اذا رأى منكرا

كرت نهى منكر برآيد زدست ... نشايد جوبى دست وبايان نشست

جو دست وزبانرا نماند مجال ... بهمت نمايند مردى رجال

ومنها اى من اسباب غضب اللّه تعالى اخلف بالوعد ونقض العهد فلا بد لطالب الرحمة من الاستقامة والثبات

ازدم صبح ازل تا آخر شام آبد ... دوستى ومهر بريك عهد ويك ميثاق بود

[ وفى وصايا الفتوحات حق تعالى بموسى عليه السلام وحى كرد هركه باميد توآيد اورا بى بهره مكذار وهركه زينهار خواست اورا زينهارده . موسى درسياحت بود ن كاه كبوترى بر كتف او نشست وبازى درعقب او مى آمد وقصد آن كبوتر داشت بركتف ديكر فرو آمد آن كبوتر درآستين موسى در آمد وزينهار مى خواسست وباز بزبان فصيح بموسى آواز دادكه اى بسر عمران مرا بى بهره مكذار وميان من ورزق من جداى ميفكن موسى كفت جه زود مبتلاشدم ودست كرد تا ازران خود باره قطع كند براى طعمه بازتا حفظ عهد كرده باشد وبكار هر دو وفانموده كفتند يا ابن عمران تعجيل مكن كه مارسولانيم وغرض آن بودكه صحت عهد تو آز مايش كنيم ]

أيا سامعا ليس السماع بنافع ... اذا انت لم تفعل فما انت سامع

اذا كنت فى الدنيا من الخبرة عاجزا ... فما انت فى يوم القيامة صانع

ومنها ان متاع الدنيا سبب الغرور والفساد والهلاك ألا ترى ان فرعون اغتر بدنياه فهلك وان السامرى صاغ من الحلى عجلا فافسد ولو لم يستصحبوها حين خرجوا من مصر لنجو من عبادته والابتلاء بتوبته نسأل اللّه تعالى ان يهدينا هداية كاملة الى جنابه ولا يردنا عن بابه ولا يبتلينا باسباب عذابه.

٩٠

{ لقد قال لهم هارون من قبل } اى وباللّه لقد نصح لهم هارون ونبههم على كنه الامر من قبل رجوع موسى اليهم وخطابه اياهم بما ذكر من المقالات

{ يا قوم } [ اى كروه من ]

{ انما فتنتم به } اى اوقعتم فى الفتنة بالعجل واضللتم به على توجيه القصر المستفاد من كلمة انما الى نفس الفعل بالقياس الى مقابله الذى يدعيه القوم لا الى قيده المذكور بالقياس الى قيد آخر على معنى انما فعل بكم الفتنة لا الارشاد الى الحق لا على معنى انما فتنتم بالعجل لا بغيره

{ وان ربكم } المستحق للعبادة هو

{ الرحمن } المنعم بجميع النعم لا العجل فى الثبات على الدين

{ واطيعوا امرى } هذا واتركوا عبادة ما عرفتم شأنه وما احسن هذا الوعظ فانه زجرهم عن الباطل بقوله

{ انما فتنتم به } وازال الشبهات اولا وهو كاماطة الاذى عن الطريق ثم دعاهم الى معرفة اللّه بقوله

{ وان ربكم الرحمن } فانها الاصل ثم الى معرفة النوبة بقوله

{ فاتبعونى } ثم الى الشرائع فقال

{ واطيعوا امرى } وفى هذا الوعظ بشفقة على نفسه وعلى الخلق اما على نفسه فانه كان مأمورا من عند اللّه بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر ومن عند اخيه لخالف امر اللّه وامر موسى وانه لا يجوز.

اوحى اللّه الى يوشع انى مهلك من قومك ارعبين الفا من خيارهم وستين الفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الاشرار فما بال الاخيار قال انهم لم يغضبوا لغضبى وفى الحديث ( مثل الؤمنين فى تراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اتشكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) قال الشيخ سعدى قدس سره

بنى آدم اعضاى يكديكرند ... كه در آفرينش ريك كوهرند

جو عضوى بدرد آوردروزكار ... دكر عضوهارا نماند قرار

توكز محنت ديكران بى غمى ... نشايد كه نامت نهند آيمى

ثم ان هارون رأى المتهافتين على النار فلم يبال بكثرتهم ولا نفرتم بل صرح بالحق

بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكر هيج كس را نيايد بسند

كه فردا بشيمان برآرد خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش

وههنا دقيقة وفى ان الرافضة تمسكوا بقوله عليه السلام ( انت منى بمنزلة هارون من موسى ) ثم ان هارون ما منعه التقية فى مثل هذا الجمع العظيم بل صعد المنبر وصرح بالحق ودعا الناس الى متابعة نفسه والمنع من متابة غيره فلو كانت امة مخحمد على الخطأ لكان يجب ان يفعل مثل ما فعل هارون وان يصعد المنبر من غير تقية وخوف ويقول فاتبعونى واطيعوا امرى فلما لم يقل كذلك علمنا ان الامة كانوا على الصواب وقد ثبت ان علينا احرق الزنادقة الذين قالوا بالآلهيته لما كانوا على الباطل.

٩١

{ قالوا } فى جواب هارون

{ لن نبرح عليه } لن نزال على العجل وعبادته

{ عاكفين } مقيمين.

قال الرغاب العكوف الاقبال على الشئ وملازمته على سبيل التعظيم.

قال فى الكبير رحمته تعالى خلصتهم من آفات فرعون ثم النهم لجهلهم قابلوه بالتقليد فقالوا

{ لن نبرح عليه عاكفين } { حتى يرجع الينا موسى } اى لا نقبل حجتك وانما نقبل قول موسى.

وقال فى الارشاد وجعلوا رجوعه عليه السلام اليهم غاية لعكوفهم على عبادة العجل لكن لا على طريق الوعد بتركها عند ردوعه بل بطريق التعلل والتسويف وقد دسوا تحت ذلك انه عليه السلام لا يرجع بشئ مبين تعويلا على مقابلة السامرى - روى - انهم لما قالوه اعتزلهم هارون فى اثنى عشر الفا وهم الذين لم يعبدوا العجل فلما رجع موسى وسمع الصياح وكانوا يرقصون حول العجل قال للسبعين الذين كانوا معه هذا صوت الفتنة لهم ما قال وسمع منهم ما قالوا.

وفى التأويلات النجمية لم يسمعوا قول هارون لانهم عن السمع الحقيقى لمعزولون فلهذا

{ قالوا لن نبرح } الخ وفيه اشار الى ان المريد اذا استسعد بخدمة شيخ كامل واصل وصحبه بصدق الارادة ممتثلا لاوامره ونواهيه قابلا لتصرفات الشيخ فى ارشاد يصير بنور ولايته سميعا بصيرا يسمع ويرى من الاسرار والمعنى بنور ولاية الشيخ ما لم يكن يسمع ويرى ثم ان ابتلى بمفارقة صحبة الشيخ قبل اوانه يزول عنه نور الولاية او يحتجب بحجاب ما ويبقى اصم واعمى كما كان حتى يرجع الى صحبة الشيخ ويتنور بنور ولايته.

٩٢

{ قال } استئناف بيانى كأنه قيل فما قال لهارون حين سمع جوابه له وهل رضى بسكوته بعدما شاهد منهم ما شاهد فقيل قال له وهو مغتاظ وقد اخذ بلحيته ورأسه وكان هارون طويل الشعر

{ يا هارون ما منعك اذ رأيتهم ضلوا } اخطأوا طريق عبودية اللّه بعبادة العجل وبلغوا من المكابرة ال ان شافهوك بالمقالة الشنعاء.

٩٣

{ ان لا تتبعن } لا مزيدة وهو مفعول ثان لمنع وهو عامل فى اذ اى أى شئ منعك حين رؤيتك لضلالهم من ان تتبعنى فى الغضب لله والمقاتلة مع من كفر به وان تأتى عقبى وتلحقنى وتخبرنى لأرجع اليهم لئلا يقعوا فى هلاك هذه الفتنة او غير مزيدة على ان منعك مجاز عن دعاك . والمعنى ما دعاك الى ترك اتباعى وعدمه فى شدة لاغضب لله ولدينه ونظير لا هذه قوله

{ ما منعك ان لا تسجد } فى الوجهين.

قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان موسى لما كان بلميقات مستغرقا فى بحر شواهد الحق ما كان يرى غير الحق ولم يكن محتجبا بحجب الوسائط حتى ان اللّه تعالى ابتلاه بالوسائط بقوله

{ انا قد فتنا قومك من بعدك واضلهم السامرى } اضاف الفتنة الى نفسه واحال الاضلال الى السامرى اختبر ليعلم منه انه هل يرى غير اللّه مع اللّه فى افعاله الخير والشر فما التفت الى الوسائط وما رأى الفعل فى مقام الحقيقة على بساط القربة الا منه وقال فى جوابه

{ ان هى الا فتنتك } اضافة الفتنة والاضلال اليه تعالى مراعيا حق الحقيقة على قدم الشريعة الى نور الحقيقة قال يا هارون

{ أفعصيت امرى } اى بالصلابة فى الدين والمحاماة عليه كما عصى هؤلاء القوم امرى وامر اللّه فان قوله عليه السلام

{ اخلفنى } متضمن للامر بهما حتما فان الخلافة لا تتحقق الا بمباشرةالخليفة ماكان يباشره المستخلف لو كان حاضرا والهمزة للانكار التوبيخى والفاء عطف على مقدر يقتضيه المقام اى أخافتنى فعصيت امرى.

٩٤

{ قال يا ابن ام } الام بازاء الاب وهى الوالدة القريبة التى ولدته والبعيدة التى ولدت من ولدته ويقال لكل ما كان اصلا لوجود شئ او تربيته او اصلاحه او مبدئه ام واصله يا ابن امى ابدل الباء الفاء فقيل يا ابن اما ثم حذف الالف واكتفى بالفتحة لكثرة الاستعمال وطول اللفظ وثقل التضعيف وقرئ يا ابن ام بالكسر بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة وخص الام بالاضفة استعظاما لحقها وترقيقا لقلبه واعتداد لنسبها الى انهما من بطن واحد والا فالجمهور على انهما لاب وام.

قال بعض الكبار كانت نوبة هارون من حضرة الرحمن كما قال تعالى

{ ووهبنا له من رحمتنا اخاه هارون نبيا } ولذا ناداه بامه اذ كانت الرحمة للام اوفر ولذا صيرت على مباشرة التربية.

وفى التأويلات النجمية لما رأى هارون موسى رجع من تلك الحضرة سكران الشوق ملآن الذوق وفيه نخزة القربة والاصطفاء والمكالمة ما وسعه الا التواضع والخشوع فقال يا ابن ام

{ لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى } اى بشعر رأسى وخاطبه ببيان ام لمعنين احدهما ليأخذه رأفة صلة الرحم فيسكن غضبه والثانى ليذكره بذكر امه الحالة التى وقعت له فى الميقات حين سأل ربه الرؤية فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا وجاء الملائكة فى حال تلك الصعقة يجرون برأسة ويقولون يا ابن النساء الحيض ما للتراب ورب الارباب : قال الحافظ

برو اين دام برمرغ دكرنه ... كه عنقارا بلنداست آشيانه

وقال

عنقا شكاركس نبود دام بازجين ... كآنجا هميشه بادبدسثست دام را

- روى - انه اخذ شعر رأسه بيمنيه ولحيته بشماله من شدة غيظه وغضب لله وكان حديدا متصلبا فى كل شئ فلم يتمالك حين رآهم يعبد العجل ففعل ما فعل بمرأى من وقمه اى بمكان يراه قومه ويرون ما يفعل باخيه

{ انى خشيت } لو قاتلت بعضهم ببعض وتفرقوا

{ ان تقول فرقت بين بنى اسرائيل } برأيك واراد بالتفريق ما يستتبعه القتال من تفريق لا يرجى بعده الاجتماع.

وفى الجلالين خشيت ان فارقتهم واتبعتك ان يصيروا حزبين يقتل بعضهم بعضا فتقول اوقعت الفرق فيما بينهم

{ ولم يترقب قولى } لم تحفظ وصيتى فى حسن الخلافة عليهم يريد به قوله

{ اخلفنى فى قومى واصلح } فان الاصلاح ضم النشر وحفظ جماعات الناس والمداراة بهم الى ان ترجع اليهم وترى فيهم ما ترى فتكون انت المتدارك للامر بنفسك المتلافى برأيك لا سيما وقد كانوا فى غاية القوة ونحن على القلة والضعف كما يعرف عنه قوله

{ ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى } وفى العيون اى لم تنظر فى امرى او لم تنتظر قدومى.

وفى التأويلات النجمية يعنى منعنى ترقب قولك واطاعة امرك عن اتباعك لا عصيان ارمك انتهى وهذا الكلام من هارون اعتذار والعذر تحرك الانسان ما يمحو به ذنوبه وذلك ثلاثة اضرب ان يقول لم افعل او يقول فعلت لاجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا او يقول فعلت ولا اعود ونحو ذلك وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر دون العكس وكان هارون حليما رفيقا ولذا كان بنوا اسرائيل اشد حباله.

وعن على رضى اللّه عنه احسن الكنوز محبة القلوب.

قال سقراط من احسن خلقه طابت عيشته ودامت سلامته وتأكدت فى النفوس محبته ومن ساء خلقه تنكدت عيشته ودامت بغضته ونفرت النفوس منه.

قال بزر جمهر ثمرة القناعة الراحة وثمرة التواضع المحبة

ارى الحلم فى بعض المواضع ذلة وفى بعضها عزا يسود فاعله

قال ارسطوا باصابة المنطق ويعظم القدر وبالتواضع تكثر المحبة وبالحلم تكثر الانصار وبالرفق تستخدم القلوب وبالوفاء يدوم الاخاء وكان النبى عليه السلام لم يخرج عن حد الين والرفق ولذا قال فى وصفه بالمؤمنين

{ رؤف رحيم } وفى المثنوى

بندكان حق رحيم وبردبار ... خوى حق دارند در اصلاح كار

مهربان بى رشوتان يارى كران ... در مقام سخت ودر روز كران

هين بجو اين قوم را اى مبتلا ... هين غنيمت دارشان بيش از بلا

٩٥

{ قال } كأنه قيل فماذا صنع موسى بعد اعتذار القوم واعتذار هارون واستقرار اصل الفتنة على السامرى فقيل قال موبخا له هذا شأنهم

{ فما خطبك يا سامرى } الخطب لغة الامر العظيم الذى يكثر فيه التخطاب وهو من تقاليب الخبط.

ففيه اشارة الى عظيم خبطه والمعنى ما شأنك وما مطلوبك فيما فعلت وما الذى حملك عليه : وبالفارسية [ جيست اين كار عظيم ترا اى سامرى يعنى اين جيست كه كردى ] خاطبه بذلك ليظهر للناس بطلان كيده باعترافه ويفعل به وبما صنعه من العقاب ما يكون نكالا للمفتونين به ولمن خلفهم من اللامم.

قال بعض الكبار

{ فما خطبك يا سامرى } يعنى فيما صنعت من عدلك الى صورة العجل على الاختصاص وصنعك هذا الشبخ من حلى القوم حتى اخذت بقلوبهم من اجل اموالهم فان عيسى عليه السلام يقول لبنى اسرائيل يا بنى اسرائيل قلب كل انسان حيث ماله فاجعلوا اموالكم فى السماء تكن قلوبكم هناك اى تصدقوا وقدموا الى الآخرة التى هى ابقى واعلى وما سمى المال مالا الا لكونه بالذات تميل القلوب اليه فى نيل المقاصد وتحصيل الحوائج : وفى المثنوى

مال دنيا دام مرغان ضعيف ... ملك عقبى دام مرغان شريف

هين مشوكر عارفى مملوك ملك ... ملك الملك آنكه بجهيد اوزهلك

٩٦

{ وقال } السامرى مجيبا لموسى عليه السلام { بصرت بما لم يبصروا به }.

قال فى القاموس بصربه ككرم وفرح بصرا وبصارة ويكسر صار مبصرا.

وفى المفردات قلما يقال بصرت فى الحاسة اذا لم تضامه رؤية القلب . والمعنى رأيت مالم يره القوم وقد كان رأى ان جبريل جاء راكب فرس وكان كلما وضع الفرس يديه او رجليه على الطريق اليبس يخرج من تحته النبات فى الحال فعرف ان له شأنا فاخذ من موطئه حفنة.

وفى الكبير رآه يوم فلق البحرين تقدم خيل فرعون راكبا على رمكة ودخل البحر.

وفى غيره حين ذهب به الى الطور.

وفى الجلالين قال موسى وما ذلك قال رأيت جبرائيل على فرس الحياة فالقى فى نفسى ان اقبض من اثرها فما القيته على شئ الا صار له روح ولحكم ودم فحين رأيت قومك سألوك ان تجعل لهم الها زينت لى نفسى ذلك فذلك قوله تعالى

{ فقبضت قبضة من اثر الرسول } اى من تربة موطئ فرس الملك الذى ارسل اليك والمراد فرس الحياة لجبريل ولم يقل جبريل او روح القدس لانه لم يعرف انه جبريل والقبضة المرة من القبض وهو الاخذ بجميع الكف اطلقت علىلمقبوض مرة

{ فنبذتها } النبذ القاء الشئ وطرحه لقلة الاعتداد به اى طرحتها فى الحلى المذابة او فى فم العجل فكان ما كان.

وفى العرائس قبض السامرى من اثر فرسه قبضة لانه سمع من موسى تأثير القدسيين فى اشباح الاكوان فنثرها على العجل الذهبى فجعل الحق لها اكسيرا من نورفعله ولذا حيى.

وفى التأويلات النجمية

{ بصرت } يعنى خصص بكرامة فيما رأيت من اثر فرس جبريل والهمت بان له شانا ما خص به احد منكم

{ فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها } يشير بهذا المعنى الى ان الكرامة لاهل الكرامة كرامة ولاهل الغرامة فتنة واستدراج . والفرق بين الفريقين ان اهل الكرامة يصرفونها فى الحق والحقيقة واهل الغرامة يصرفونها فى الابطل والطبيعة كما ان اللّه تعالى انطق السامرى بنيته الفسادة الباطلة بقوله

{ وكذلك سولت فى نفسى } اى بشقاوتى ومحنتى والتسويل تزيين النفس لما تحرص عليه وتصير القبيح منها بصورته الحسن واصل التركيب سولت لى نفس تسويلا كائنا مثل المذكور بعد فقدّم على الفعل لافادة القصر واعتبرت الكاف مقحمة لافادة تأكيد ما فادة اسم الاشارة من الفخامة فصار مصدرا مؤكدا لا صفة اى ذلك التزيين البديع زينت لى نفسى ما فعلته من القبض والنبذ لا تزيينا ادنى ولذلك فعلته وحاصل جوابه ان ما فعله انما صدر عنه بمحض اتباع هوى النفس الامارة بالسوء وغوائها لا بشئ آخر من البرهان العقلى والالهام الالهى.

قال الكاشفى [ درلباب آورده كه موسى عليه السلام قصد قتل سامرى كرد ازحق سبحانه وتعالى ندا آمد اورا مكش كه صفت سخاوت برو غالبست وجون ازسخاى او خلق را منفعت بود نفع حيات ازوباز نتوان داشت سرّ

واما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض اينجا ظاهر ميشود

هرنها لى كه برك دارد وبر ... باد زاب حيات تازة وتر

وانجه بى ميوه باشد وسايه ... به كه كردد تنوررا مايه

٩٧

فعند ذلك

{ قال } موسى مكافئا له . قال الكاشفى [ كفت موسى مرسامرى راكه جون مرا ازقتل تومنع كردند ]

{ فاذهب } اى من بين الناس

{ فان لك فى الحياة } اى ثابت لك مدة حياتك عقوبة ما فعلت

{ ان تقول لامساس } قال فى المفردات المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب الشئ وان لم يوجد والمس يقال فيما يكون معه ادراك بحاسة اللمس.

وفى القاموس قوله تعالى

{ لا مساس } بالكسر اى لا امس ولا امسى وكذلك التماس ومنه من قبل ان يتماسا انتهى اى لا يمسنى احد ولا امس احد خوفا من ان تأخذ كما الحمى - روى - انه كان اذا ماس احدا ذكرا او انثى حم الماس والمسوس جميعا حمى شديد فتحامى الناس وتحاموه وكان يصيح باقصى صوته لا مساس وحرم عليهم ملاقاته ومواجهته ومكالمته ومبايعته وغيرها مما يعتاد جريانه فيما بين الناس من المعاملات فصار وحديا طريدا يهيم فى البرية مع الوحش والسباع [ ودربعضى تفاسير هست كه جمعى از اولاد سامرى درين زمان كوساله برست اند همان حال دارند ] يعنى ان قومه باقية فيهم تلك الحالة الى اليوم ] يقول الفقير التناسل موقوف على مخالطة الازواج والاولاد فكيف تقوم هذه الدعوى.

قال فى الارشاد لعل السر فى مقابلة جنايته بتلك العقوبة خاصة ما بينهما من مناسبة التضاد فانه لما انشأ الفتنة بما كانت ملابسته سببا لحياة الموات عوقب بما يضاده حيث جعلت ملابسته للحمى التى هى من اسباب موت الاحياء.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان قصدك ونيتك فيما سولت نفسك ان تكون مطاعا متبوعا آلفا مألوفا فجزاؤك فى الدنيا ان تكون طريدا وحيدا مقتا ممقوتا متشردا متنفرا تقول لمن رآك لا تمسنى ولا امسك فنهلك

جون عاقبت زصحبت يا ران بريدنس بيوند باكسى نكند آنكه عاقلست

وذلك لان فى الانقطاع بعد الاتصال الما شديدا بخلاف الانقاطاع الاصلى ولذى قال من قال

الفت مكير همجو الف هيج باكسى ... تابسته الم نشوى وقت انقطاع

{ وان لك موعدا } اى وعدا فى الآخرة بالعقاب على الشرك والافساد

{ لن تخلفه } اى لن يخلفك اللّه ذلك الوعد بل ينجزه البتة بعدما عاقبك فى الدنيا والخلف والاخلاف المخالفة فى الوعد يقال وعدنى فاخلفنى اى خالف فى الميعاد

{ وانظر الى الهك } معبود بزعمك

{ الذى ظلت عليه عاكفا } اصله ظللت فحذفت اللام الاولى تخفيفا.

قال فى المفردات ظلت بحذف احدى اللامين يعبر به عما يفعل بالنهار ويجرى مجرى صرت . والمعنى صرت مقيما على عبادته .

واما بالفارسية [ بودى بيوسته بر برستش او ]

{ لنحرقنه } جواب قسم محذوف اى بالنار ويؤيده قراءة

{ لنحرقنه } من الاحراق وهو ايقاء نار ذات لهب فى الشئ بخلاف الحرق فانه ايقاع حرارة فى الشئ من غير لهب كحرق الثوب بالدق.

قال الكاشفى [ واين قول كسيست كه كويد آن كاورا كوشت وبوست بود ] او بالمبرد : بالفارسية [ سوهان ] على انه مبالغة فى حرق اذا برد بالمبرد ويعضده قراءة

{ لنحرقنه } اى لنبردنه يقال بردت الحديد بالمبرد والبرادة ما سقط منه.

قال الكاشفى [ واين بران قوليست كه او جسدى بودزرين بى حيات ]

{ ثم لننسفنه فى لايم نسفا } اى لنذرينه فى البحر رمادا او مبرودا بحيث لا يبقى منه عين ولا اثر من نسفت الريح التراب اذا اقلعته وازالته وذرته . والنسف بالفارسية [ بركندن ] للنبات من اصله [ وبربودن ] كما فى التهذيب . والذر [ وبباد بر دادن وباد جيزى را بر داشتن ].

قال الكاشفى [ بس براكنده سازيم خاكستر اورا در دريا تابدانندكه اورا كه توان سوخت صفت الوهيت بروعين جهل ومحض خلافست ]

٩٨

{ انما الهكم } اى معبودكم المستحق للعبادة

{ اللّه الذى لا اله } فى الوجود لشئ من الاشياء

{ الا هو } وحده من غير ان يشاركه شئ من الاشياء بوجه من الوجوه التى من جملتها احكام الالوهية.

قال فى بحر العلوم قوله

{ الذى لا اله الا هو } تقرير لاختصاص الالهية ونحوه قولك القبلة الكعبة التى لا قبلة الا هى

{ وسع كل شئ علما } اى وسع علمه بكل ما كان وما يكون اى علم كل شئ واحاط به بدل من الصلة كأنه قيل انما الهكم الذى وسع كل شئ علما لا غيره كائنا ما كان فيدخل فيه العجل دخولا اولياء.

قال الكاشفى [ نه قالب كوساله كه اكرجه زنده نيزباشد مثلست درغباوت ونادانى ] روى ان موسى اخذ العجل فذبحه ثم حرقه بالنار ثم ذراه فى البحر زيادة عقوبة حيث ابطل سعيه واظهر غباوة المفتتنين به

بادست موسوى جه زند سحر سامرى

قال الحافظ

سحر بامعجزه بهلو نزند ايمن باش ... سامرى كيست كه دست ازيد بيضا ببرد

قال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى عبده عجل النفس والهوى بانهم وما يعبدون حصب جهنم منسوفون فى بحر القهر نسفا لاخلاص لهم منه الى الابد وفى قوله

{ انما الهكم اللّه الذى لا اله الا هو } اشارة الى ان من يعبد الها دونه يحرقه بنار القطيعة وينسفه فى بحر القهر الى ابدالآباد و

{ وسع كل شئ علما } فعلم استحقاق كل عبد للطف او للقهر.

يقال لما وقع الازدواج بين آدم وحواء والازدواج بين ابليس والدنيا فتولد من الزدواج الاول نوع البشر ومنالثانى الهوى فجميع الاديان الباطلة والاخلاق المذومة من تأثير ذلك الهوى يقال ان ضرر البدعة والهوى اكثر من ضرر المعصية فان صاحب المعصية يعلم قبحها فيستغفر فيتوب بخلاف صاحب البدعة والهوى.

اعلم انهم قالوا لكل فرعون موسى اى لكل مبطل ومفسد محق ومصلح ألا ترى ان فرعون افسد الارض بالكفر والتكذيب والظلم والمعاصى فاصلحها موسى بالايمان والتصديق والعدل والطاعات ثم ان السامرى اراد ان يكدروجه مرآة الدين بما صنعه بيده العادية فجاء موسى فازاله وهكذا الحال الى يوم القيامة والاصل اصلاح القلب وتطهير عن لوث الاخلاق الرذيلة ومنعه عن العكوف على عبادة الهوى ثم تغيير المنكر عن وجه العالم ان قدر كما فعله الانبياء واولوا الامر ومن يليهم فان الغيرة من الايمان واللّه غيور وعبده فى غيرته وفى الحديث ( ان سعدا لغيور وانا اغير من سعد واللّه اغير منى ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) وفى المثنوى

جمله عالم زان غيور آمدكه حق ... بردر غيرت برين عالم سبق

غيرت حق برمثل كندم بودم ... كاه خر من غيرت مردم بود

اصل غيرتها يدانيد ازاله ... آن خلقان فرع حق بى اشتباه

٩٩

{ كذلك نقص عليك من انباء ما قد سبق } ذلك اشارة الى اقتصاص حديث موسى والقص تتبع الاثر والقصص الاخبار المتتبعة . ومن مفعول نقص باعتبار مضمونه . والنبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم او غلبة ظن ولا يقال للخبر فى الاصل نبأ حتى يتضمن هذه الاشياء الثلاثة وحق الخبر الذى فيه نبأ ان يتعرى عن الكذب كالتواتر وخبر اللّه تعالى وخبر النبى عليه السلام والمعنى مثل ذلك القص البديع الذى سمعت نقص عليك يا محمد بعض الحوادث الماضية الجارية على الامم السالقة لاقصا ناقصا عنه تبصرة لك وتوفيرا لعلمك وتكثير لمعجزاتك وتذكير للمستبصرين من امتك.

وفيه وعد بتنزيل امثال ما مر من اخبار القرون الخالية : وبالفارسية [ همجنانجه اين قصه موسى برتو خوانديم مى خوانيم برتواى محمد ازخبرها آنجه بتحقيق كذشته است يعنى اموامور ماضيه وقرون سابقة ترا خبر ميدهيم تا معجزهُ نبوت توبود وتنبيه مستبصران امت تو ]

{ وقدآتيناك من لدنا } متعلق بآتينا اى من عندنا

{ ذكرا } اى كتابا شريفا مطويا على هذه الاقاصيص والاخبار حقيقا بالتفكر والاعتبار.

وفى الكبير فى تسميته به وجوه . الاول انه كتاب فيه ذكر ما يحتاج اليه فى امر دينهم ودنياهم.

والثانى ان يذكر انواع آلاء اللّه ونعمائه وفيه التذكير والموعظة . والثالث فيه الذكر والشرف لك ولقومك وقد سمى اللّه كل كتبه ذكرا فقال { فاسألوا اهل الذكر }.

قال بعض الكباراى موعظة تتعظ بها وتتأدب بملازمتها فلا يخفى عليك شئ من اسرارنا وما اودعناه اسرار الذين كانوا قبلك من الانبياء فتكون الانبياء مكشوفين لك وانت فى ستر الحق.

١٠٠

{ من اعرض عنه } عن ذلك الذكر العظيم الشأن الجامع لوجوه السعادة والنجاة فلم يعتبر ولم يعمل به لانكاره اياه ومن شرطية او موصولة واياما كانت فالجملة صفة لذكر

{ فانه } اى المعرض عنه

{ يحمل يوم القيامية وزرا } عقوبة ثقيلة على كفره وسائر ذنوبه وتسميتها وزرا تشبيها فى ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذى يفدح الحامل وينقض ظهره.

١٠١

{ خالدين فيه } اى ماكثين فى الوزر حال من المستكن فى يحمل والجمع بالنظر الى معنى من لما ان الخلود فى النار مما يتحقق حال اجتماع اهلها

{ وساء لهم يوم القيامة حملا } اى بئس لهم حملا وزرهم واللام للبيان كأنه لما قيل ساء قيل لمن يقال هذا فاجيب لهم واعادة يوم القيامة لزيادة التقرير وتهويل الامر.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من اعرض عن الذكر الحقيقى الذى به قامت حقيقة الايمان والايقان والعرفان فانه يحمل يوم القيامة حملا ثقيلا من الكفر والنفاق والشرك والجهل والعمى وقساوة القلب والرين والختم والاخلاق الذميمة والبعد والحسرة والندامة وخسر حقيقة العبودية ودوام الذكر ومراقبة القلب وصدق التوجه لقبول الفيض الآلهى الذى هو حقيقة الذكر الذى اوله ايمان واوسطه ايفان وآخره عرفان فالذكر الايمانى يورث الاعراض عن الدنيا والاقبال على الآخرة بترك المعاصى والاشتغال بالطاعات والذكر الايقانى يورث ترك الدنيا وزخارفها حلالها وحرامها وطلب الآخرة ودرجاتها منقطعا اليها والذكر العرفانى يوجب قطع تعلقات الكونين والتبكير الى سعاد الدارين فى بذل الوجود على شواهد المشهود انتهى فاعلى المراتب فى الذكر فناء الذاكر فى المذكور فلا يبقى للنفس هناك اثر - روى - انه كثر الزنى فى بغداد وكثر الفسق فقيل للشبلى لولا ذكرك لاحرقنا البلدة قلما سمعه بعضه اهل النفس قالأليس لنا ذكر فقال الشبلى ذكركم بوجود النفس وذكرى باللّه.

واعلم ان التوحيد افضل العبادات وكذر اللّه اقرب القربات وقد وقت اللّه العبادات كلها كالصلاة والصيام والحج ونحوها بالمواقيت الا الذكر فانه امر به على كل حال قيامنا وقعودونا واضطجاعا وحركة ويبكونا وفى كل زمان ليلا ونهارا صيفا وشتاء ولما سئل عليه السلام عن جلاء القلب قال

{ ذكر اللّه وتلاوة القرآن والصلاة علىّ } قال المغربى قدس سره

اكرجه آينه دارى از برى رخش ... ولى جه سود كه دارى هميشه آينه تار

بيا بصقيل توحيد زاينه بردارى ... غبار شرك كه تا باك كردد از زنكار

- حكى - ان موسى عليه السلام قال الهى علمنى شيأ اذكرك به فقال اللّه تعالى قل لا اله الا اللّه فقال موسى يا رب كل عبادك يقول ذلك فقال اللّه تعالى يا موسى لو ان السموات والارضين وضعت فى كفة ميزان ولا اله الا اللّه فى اخرى لمالت به تلك الكلمة : قال الفقير

كرتوخواهى شوى زحق آكاه ... دم لا اله الا الله

افضل ذكر باشد اين كلمه ... يكثر الذكر كل من يهواه

١٠٢

{ يوم ينفخ فى الصور } بدل من يوم القيامة او منصوب باضمار اذكر اى اذكر لقومك يا محمد يوم ينفخ اسرافيل فى القرن الذى التقمه للنفخ

{ ونحشر المجرمين يومئذ } اى نخرج المتوغلين فى الاجرام والآثام المنهمكين فيها وهم الكفرة والمشركون من مقابرهم ونجمعهم يوم اذ ينفخ فى لاصور وذكره صريحا مع تعين ان الحشر لا يكون الا يومئذ للتهويل

{ زرقا } جمع الزرق والزرقة اسوء الوان العين وابغضها الى العرب فان الروم الذى كانوا اعدى عدوهم رزق.

قال الكاشفى [ در خبراست كه زرقه عين وسواد وجه علامت دوزخيانست ].

وقال الامام فى المفردات قوله تعالى

{ يومئذ زرقا } اى عميا عيونهم لا نور لها لان حدقة الاعمى تزرق يعنى ان العين اذا زال نورها ازرقت.

١٠٣

{ يتخافتون بينهم } اسئناف لبيان ما يأتون وما يذرون حينئذ والتخافت اسرار المنطق واخفاؤه اى يقول بعضهم لبعض خفية من غير رفع صوت بسبب املاء صدورهم من الخوف والهوان او استيلاء الضعف

{ ان لبثتم } لبث بالمكان اقام به ملازما له اى قامتم ومكثتم فى الدنيا او فى القبر

{ الا عشرا } عشر ليال او عشر ساعات استقصارا لمدة لبثهم فيها لزوالها لان ايام الراحة قليلة والساعة تمر مر السحاب.

وفى الجلالين يتسارون فيما بينهم ما لبثتم فى قبوركم الا عشر ليال يريدون ما بين النفختين وهو اربعون سنة يرفع لاعذاب فى تلك المدة عن الكفار ويستقصرون تلك المدة اذا عاينوا اهوال القيامة انتهى وهو مروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما.

وفى بحر العلوم هو ضعيف جدا.

١٠٤

{ نحن } [ ما كه خداونديم ]

{ اعلم بما يقولون } [ دانا تريم بآنجه ايشان ميكويند ] وهو مدة لبثهم

{ اذ يقول } [ جون كويد ]

{ امثلهم طريقة } اوفرهم رأيا واوفاهم عقلا : وبالفارسية [ تمامترين ايشان ازروى عقل ].

قال فى المفردات الامثل يعبر به عن الاشبه بالافاضل والاقرب الى الخير واماثل القوم كناية عن خيارهم وعلى هذا قولهم تعالى

{ اذ يقول امثلهم طريقة } انتهى

{ ان } بمعنى النفى اى ما

{ لبثتم الا يوما } ونسبة هذا القول الى امثلهم استرجاع منه تعالى له لكن لا لكونه اقرب الى الصدق بل لكونه ادل على شدة الهول.

وفى التأويلات النجمية يشير الى انه اذا نفخ فى الصور وحشر اهل البلاء واصحاب الجفاء يوم الفزع الاكبر فى النفخة الثانية

{ يوم يجعل الولدان شيبا . يوم تبدل الارض غير الارض } وقد غضب ربنا ذلك اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله يرون من شدة اهوال ذلك اليوم ما يقلل فى اعينهم شدة ما اصابهم من العذاب طول مكثرهم فى القبور فهم يحسبون انهم ما لبثوا فى القبور الا عشرة ايام ثم قال تعالى

{ نحن اعلم بما يقولون } من عظم البلاء وبما يقولون

{ اذ يقول امثلهم طريقة } اى اصوبهم رأيا فى نيل شدة البلاء

{ ان لبثتم الا يوما } وذلك لانه وجد شدة بلاء ذلك اليوم عشرة امثال ما وجده انتهى قيل

ألا انما الدنيا كظل سحابة ... اظلتك يوما ثم عنك اضمحلت

فلاتك فرحانا بها حين اقبلت ... ولا تك جزعانا اذا هى ولت

قال المنصور لما حضرته الوفاة بعنا الخرة بنومه : قال الشيخ سعدى

نكه دار فرصت كه عالم دميست ... دمى بيش دانا به از عالميست

مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف

قال السلطان ولد

بكذار جهانراكه جهان آن تونيست ... وين دم كه همى زنى بفرمان تو نيست

كر مال جهان جمع كنى شاد مشو ... ور تكيه بجان كنى جان آن تونيست

فعلى العقال ان لا يضيع وقته بالصرف الى الدناي وما فيها من الشهوات فان الوقت نقد نفيس وجوهر لطيف وبازى اشهب لا ينبغى ان يبذل لشئ حقير وان يصاد به طير لا يسمن ولا يغنى من جوع ومن المعلوم ان عيش الدنيا قصير وخطرها يسير وقدرها عند اللّه صغير اذا كانت لا تعدل عنده جناح بعوضة فمن عظم هذا الجناح كان اصغر منه

بر مرد هشيار دنيا خسست ... كه هرمدتى جاى ديكركسست

قال عيسى عليه السلام من ذا الذى يبنى على موج البحر دار اتلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا وقد ثبت ان الدنيا ساعة فاجعلها طاعة واهل الطاعة تكافئ ساعة من ساعاتهم فى الآخرة بالف سنة فى الراحة بخلاف اهل المعصية فان ساعاتهم ايضا تنبسط ولكن فى المحنة وافضل الطاعة واحسن الحسنات التوحيد وتقوية اليقين بالعبادات ومتابعة سيد المرسلين وفى الحديث

( لتدخلن الجنة كلكم الا من ابى ) قيل يا رسول اللّه من الذى ابى قال ( من لم يقل لا اله الا اللّه فاكثروا من قول لا اله الا اللّه قبل ان يحال بينكم وبينها فانها كلمة التوحيد وهى العروة الوثقى وهى ثمن الجنة ) اى جنة الصورة وجنة المعنى وهى جنة القلب والروح وفيها ازهار الانوار وثمرات الاسرار وهى اعلى من جنة الصورة اذ كل كمال انما هو من تأثير المعنى وتجلياته فمن اصلح باطنه صلح ظاهره البتة كالشجرة اذا كان لها عرق فانها تورق نسأل اللّه الاحتراق بنار العشق والمحبة والاستغراق فى بحر التوحيد والفوز باللقاء الدائم كما قال { ولهم عند اللّه مزيد للذين احسنوا الحسنى وزيادة }

١٠٥

{ ويسألونك عن الجبال } السؤال استدعاء معرفة او ما يؤدى الى المعرفة وجوابه على اللسان واليد خليفة له بالكتابة او الاشارة او استدعاء مال او ما يؤدى الى مال وجوابه على اليد واللسان خليفة لها اما بوعد او برد والسؤال للمعرفة قد يكون تارة للاستعلام وتارة للتبكيت وتارة لتعريف المسئول وتنبيهه لا ليخبر ويعلم فاذا كان للتعريف تعدى الى المفعول الثانى تار بنفسه وتارة بالجار تقول سألته كذا وسألته عن كذا وبكذا وبعن اكثر كما فى هذا المقام واذا كان لاستدعاء مال فانه يتعدى بنفسه او بمن نحو قوله تعالى

{ واذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } والجبال جمع جبل وهو كل وتد للارض عظيم وطال فان افنرد فاكمة اوقتنة واعتبر معانيه فاستعير واشتق منه بحسابها فقبل فلان جبل لا يتزحزح تصورا لمعنى لاثبات فيه وجبله اللّه على كذا اشارة الى ما ركب فيه من الطبع الذى يأبى على الناقل نقله وتصور منه العظم فقيل للجماعة العظيمة جبل كما قال تعالى

{ ولقد اضل منكم جبلا كثيرا } اى جماعة تشبيها بالجبل فى العظم والجبال فى الدنيا ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول . والمعنى يسألونك عن ما آل امرها وقد سأل عنها رجل من ثقيف وقال يا رسول اللّه ما يصنع بالجبال يوم القيامة

{ فقل } الفاء للمسارعة الى الزام السائلين.

قال الكاشفى [ بس بكويى تأخير در جواب ايشان كه بقدرت ]

{ ينسفها ربى نفسا } يقال نسفت الريح الشئ اقلعته وازالته ونسف البنا ءقلعه من اصله والجبال دكها وذراها كما ف القاموس اى يقلعها من اصلها ويجعلها كالهباء المنثور.

وفى الارشاد يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها وتذروها.

وفى الكبير لعل قوما قالوا انك تدعى ان الدنيا تفنى فوجب ان تبتدئ بالنقصان حتى تنتهى الى البطلان لكنا لا نرى فيها نقصانا ونرى الجبال كما هى وهذه شبهة ذكرها جالينوس فى ان السموات لا تفنى وجواب هذه الشبهة ان بطلان الشئ قد يكون ذبوليا يتقدمه النقصان وقد يكون دفعة فتبين انه تعالى يزيل تركيبا العالم الجسمانى دفعه بقدرته ومشيئته انتهى ومثاله ان الدنيا مع جبالها وشدادها كالشاب القوى البدن ومن الشبان من يموت فجأة من غير تقدم مرض وذبول

ديدى آن قهقهه كبك خرامان حافظ ... كه زسر بنجه شاهين قضا غافل بود

قال فى الاسئلة المقحمة قال هنا

{ ويسألونك عن الجبال فقل } بالفاء وفى موضع آخر

{ ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح } من غير الفاء والجواب لانهم يسألونه ههنا بعد فتقريره ان سألوك عن الجبال فقل نظيره فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فان كنت فى شك فان آمنوا بمثل ما امنتم به بخلاف قوله

{ ويسألنك عن اليتامى قل } لانه هناك كانوا قد سألوه فامر بالجواب كقوله تعالى

{ ويسألونك عن المحيض } وغيرها من المواضع انتهى

وفى التأويلات النجمية وان سألوك عن احوال الجبال فى ذلك اليوم فقل ينسفها ربى نفسا يقلعها بتجلى صفة القهارية كما جعل الطور دكا.

١٠٦

{ فيذرها } ومراكزها حال كونها

{ قاعا } مكانا خاليا واصله قوع.

قال فى القاموس القاع ارض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام انتهى .

{ صفصفا } مستويا كأن اجزاءها على صف واحد من كل جهة.

١٠٧

{ لا ترى فيها } اى فى مقار الجبال لا بالبصر ولا بالبصيرة استئناف مبين لكيفية القاع الصفصف والخطاب لكل احد ممن يتأتى منه الرؤية

{ عوجا } بكسر العين اى عوجا ما كأنه لغاية خفائه من قبيل خافى المعانى وذلك لان العوج بالكسر يخص بالمعانى.

قال فى المفردات العوج العطف عن حال الانتصاب والعود يقال فيما يدرك بالبصر كالخشب المنتصب ونحوه والعوج يقال فيما يدرك بفكر وبصيرة كما يكون فى ارض بسيطة وكالذين والمعاض

{ ولا امتا } ارتفاعا يسيرا.

قال الزمخشرى الا مت النتوء اليسير.

وفى القاموس الا مت المكان المرتفع والتلال الصغار والانخفاض والارتفاع.

قال فى المناسبات

{ ولا امتا } اى تفاوتا بارتفاع وانخفاض.

وفى الجلالين

{ عوجا ولا امتا } انخفاضا وارتفاعا ومثله ما فى تفسير الفارسيى حيث قال [ عوجا بستى درمناره ولا امتا ونه بلندى وبشته ].

١٠٨

{ يومئذ } اى يوم اذ نسفت الجبال على اضافة اليوم الى وقت النسف وهو ظرف لقوله

{ يتبعون } اى الناس

{ الداعى } الذين يدعوهم الى الموقف والمحشر وهو اسرافيل عليه السلام يدعو الناس عند النفخة الثانية قائما على صخرة بيت المقدس ويقول ايتها العظام البالية والاوصال المنفرقة واللحوم المتمزقة قوموا على عرض الرحمن فيقبلون من كل اوب الى صوبه اى من كل جانب الى جهته

{ لا عوج له } لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه بل يستوى اليه من غير انحراف متبعا لصوته لانه ليس فى الارض ما يحوجهم الى التعويج ولا يمنع لاصوت من النفوذ على السواء

{ وخشعت الاصوات للرحمن } خفضت من شدة الفزع وخفت لهيبته والخشوع الخضوع وهو التواضع والسكون او هو فى الصوت والبصر والخضوع فى البدن.

وفى المفردات الخضوع ضراعة واكثر ما يستعمل فيما يوجد على الجوارح والضراعة اكثر ام يستعمل فيما يوجد فى القلب ولذلك قيل فيما روى اذا ضرع القلب خشعت الجوارح والصوت هواء متموج بتصادم جسمين وهو عام والحرف مخصوص بالانسان وضعا

{ فلا تسمع الا همسا } صوتا خفيا ومنه الحروف المهموسة وهمس الاقدام اخفى ما يكون من صوتها.

وقال الكاشفى [ بس نشنوى تودران روزمكر آوازى نرم يعنى صوت اقدام ايشان در رفتن محشر ].

قال الامام الغزالى فى الدرة الفاخرة ينفخ فى الصور اى نفخة اولى فتتطاير الجبال وتتفجر الانهار بعضها فى بعض فيمتلئ عالم الهواء ماء وتنثر الكواكب وتتغير الارض والسماء ويموت العالمون فتخلو الارض والسماء ثم يكشف سبحانه عن بيت سقر فيخرج لهب من النار فيشتغل فى البحور فتنشف اى تسرب ويدع الارض حمأة سوداء والسموات كأنها عكر الزيت والنحاس المذاب ثم يفتح تعالى خزانة من خزائن العرش فيها بحر الحياة فيمطر به الارض وهو كنىّ الرجال فتنبت الاجسام على هيتئها الصبى صبى والشيخ شيه وما بينهما ثم يهب من تحت العرش ريح لطيفة فبرز الارض ليس فى جبل ولا عود ولا امت ثم يحيى اللّه تعالى اسرافيل فينفخ من صخرة بيت المقدس فتخرج الارواح من ثقب فى الصور بعددها ويحل كل روح فى جسده حتى الوحش والطير فاذا هم بساهرة اى بوجه الارض بعد ان كان فى بطنها

وقيل الساهرة صحراء على شفير جهنم.

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ارض من فضة بيضاء لم يعص اللّه عليها منذ خلقها.

قال فى التأويلات النجمية

{ لا ترى فيها عوجا } من نقاياها

{ ولا امتا } من زواياها

{ يومئذ يتبعون الداعى } اى الذى دعاهم فى الدنيا فاجابوا داعيهم

{ لا عوج له } فى دعائهم يعنى كل داع من الدعاة يكون مجيبا فى جبلته الانسانية لانه تعالى هو الداعى والمجيب كقوله تعالى

{ واللّه يدعو الى دار السلام ويهدى من يشاء الى صراط مستقيم } فاللّه تعالى هو الداعى وهو المجيب بالهداية يجيب بلسان المشيئة فافهم جدا ولهذا السر يوجد فى كل زمان من متبعى كل داع خلق عظيم ولا يوجد فى كل قرن من متبعى داعى اللّه الا لاشواذ من اهل اللّه ومن اهل داعى الهوى والدنيا والشيطان والملك والنبى والجنة والقرية يوجد فى كل زمان حلق على تفاوت طبقاتهم وقدر مراتبهم وبقوله

{ وخشعت الاصوات للرحمن } يشير الى ان داعى اللّه اذا دعا عبدا بالرحمانية خشعت وانقادت وذلت اصوات جميع الداعة وانقطعت

{ فلا تسمع الا همسا } اى الا وطأ اقدام المدعو ونقلها الى داعيه انتهى.

فعلى العاقل ان يتبع داعى اللّه الحق فان ما سواه باطل : وفى المثنوى

ديده روى جز تو شد غل كلو ... كل شئ ما سوى اللّه باطل

باطلند ومينمايندم رشد ... زانكه باطل باطلانرا مى كشد

اشتر كورى مهار تومتين ... توكشش مى بين مهارت را مبين

كرشدى محسوس جذاب ومهار ... بس نماندى اين جهان دار الفرار

كبر ديدى كوبى بيك مى رود ... سخره ديوستنبه مى شود

دربى اوكى شدى مانند حيز ... باى خودرا واكشيدى كبر تيز

كاو كر واقف زقصابان بدى ... كى بى ايشان بدان دكان شدى

باخوردى از كف ايشان سبوس ... يابدادى شير شان از جابلوس

وربخوردى از كى علف هضمن شدى ... كر زمقصود علف واقف بدى

توبجد كارى كه بكرفتى بدست ... عيش اين دم برتو بوشيده شدست

برتوكربيدا شدى زان عيب وشين ... زان رميدى جانت بعد المشرقين

حال كاخر زان بشيمان مى شوى ... كربودى اين حالت اول كى دوى

١٠٩

{ يومئذ } اى يوم اذ يقع ما ذكر من الامور الهائلة

{ لا تنفع الشفاعة } من الشفعاء احدا.

قال الامام الراغب الشفاعة الانضمام الى آخر ناصرا له وسائلا عنه واكثر ما يستعمل فى الضمام من هو اعلى مرتبة الى من هو ادنى ومنه الشفاعة فى القيامة

{ الا من اذن له الرحمن } فى ان يشفع له والاذن فى الشئ اعلام باجازته والرخصة فيه

{ ورضى له قولا } اى ورضى لاجله قول اشافع فى شأنه

واما من عداه فلا تكاد تنفعه وان فرض صدورها عن الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كقوله تعالى

{ فما تنفعهم شفاعة الشافعين } فالاستثناء من اعم المفاعيل.

١١٠

{ يعلم } اللّه تعالى

{ ما بين ايديهم } اى ما تقدمهم من الاحوال

{ وما خلفهم } وما بعدهم مما يستقبلون والضمير عائد الى الذين يتبعون الداعى . وقال الكاشفى [ ميداند خدى تعالى آنجه بيش آمديانست ازامور آخرت وآنجه بس ايشانست ازكار دنيا ]

وفى التأويلات النجمية يعلم اختلاف احوالهم من بدء خلقهم واختلاف احوالهم الى الابد

{ ولا يحيطون به } تعالى

{ علما } [ يعنى احاط نمى توانند كرد جميع عالميان بذات خداى تعالى ازجهت دانش ] لانه تعالى قديم وعلم المخلوقين لا يحيط بالقديم.

وفيه اشارة الى العجز عن كنه معرفته

كجا دريابد اورا عقل جالاك ... كه بيرونست از سرحد ادراك

تماشا ميكن اسما وصفاتش ... كه آكه نيست كس ازكنه ذاتش

قال بعض الكبار ما علمه غيره ولا ذكره سواه فهو عالم والذاكر على الحقيقة وذلك ان الحادث فانى الوجود والقديم باقى الوجود والفانى لا يدرك الباقى الا بالباقى واذا ادركه به فلا يبلغ الى ذكره من كمال الازلية لان الاحاطة بوجوده مستحيلة من كل الوجوه صفاتا وذاتا وسرا وحقيقة.

قال الواسطى كيف يطلب ان يأخذ طريق الاحاطة وهو لا يحيط بنفسه علما ولا بالسماء وهو يرى جوهرها.

قال الراغب الاحاطة بالشئ هى ان تعلم وجود وجنسه وكيفيته وغرضه المقصود به ايجاده وما يكون به ومنه وذلك ليس الا لله تعالى.

قال فى انوار المشارق يجوز فى طريقة الصوفية ان يطلب ما يقصر العقل عنه ولا يطيقه اى ما لا يدرك بمجرد العقل ولا يجوز ان يطلب ما يحكم العقل باستحالته فلا يرد ما يقال انى يحصل للعقول البشرية ان يسلكوا فى الذات الالهية سبيل الطلب والتفتيش وانى تطيق نور الشمس ابصار الخفافيش.

قال الشيخ محمد بارسافى فصل الخطاب لا يجوز ان يظهر فى طور الولاية ما يحكم العقل باستحالته ويجوز ان يظهر فيه ما يقصر العقل عنه ومن لم يفرق بين ما يستحيله العقل وما لا يناله العقل فليس له عقل انتهى.

قال الشيخ عز الدين كنه ذات الحق تعالى وصفاته محجوب عن نظر العقول ونهاية معرفة العارفين هو ان ينكشف لهم استحال معرفة حقيقة ذات اللّه لغير اللّه ونما اتساع معرفتهم باللّه انما يكون فى معرفة اسمائه وصفاته تعالى فبقدر ما تنكشف لهم معلوماته تعالى وعجائب مقدوراته وبديع آياته فى الدنيا والآخرة يكون تفاوتهم فى معرفته سبحانه وبقد رالتفاوت فى المعرفة يكون تفاوتهم فى الدرجات الاخروية العالية.

١١١

{ وعنت الوجوه للحى القيوم } يقال عنوت فيهم عنوا وعناه صرت اسيرا كعنيت وخضعت كما فى القاموس وانما قيل عنت دون تعنوا اشعار بتحقيق العنو وثبوته كما فى جسر العلوم . واللام فى الوجوه للجنس اشارة الى الوجوه كلها صالحة وعاصية او للعهد والمراد بها وجوه العصاة كقوله تعالى

{ سيئت وجوه الذين كفروا } وعبر عن المكلفين بالوجوه لان الخضوع فيها يتبين كما فى الكبير . والمعنى ذلت الوجوه يوم الحشر وخضعت للحى القيوم خضوع العناة اى الاسارى فى يد ملك لقهار.

وفى التأويلات النجمية خضعت وتذللت وجوه المكونات لمكونها الحى الذى به حياة كل حى القيوم الذى به قيام كل شئ احتياجا واضطرارا واستسلاما.

وفى العرائس افهم يا صاجحب العلم انه سبحانه ذكر الوجوه وفى العرف صاحب الوجوه من كان وجيها من كل ذلى وجاهة فالانبياء والمرسلون والاولياء والمقربون بالحقيقة هم اصحاب الوجوه وكيف انت بوجوه الحور العين ووجه كل ذى حسن فوجوه الجمهور مع حسنها وجلالها المستفاد من حسن اللّه وان كانوا جميعا مثل يوسف تلاشت وخرت وخضعت عند كشف نقاب وجهه الكريم وظهور جماله وجلاله القديم : قال المولى جامى

آهنك جمال جاودانى آرم ... حسنى كه نه دجاودان ازان بيزارم

وعن ابى امامة الباهلى رضى اللّه عنه عن النبى صلّى اللّه عليه وسلّم ( اطلبوا اسم اللّه الاعظم فى هذه السورة الثلاث البقرة وآل عمران وطه ) قال الزاوى والمشترك بينها

{ لاللّه لا اله اله هو الحيى القيوم } { وقد خاب من حمل } منهم

{ ظلما } خسر من اشرك باللّه ولم يتب : يعنى [ بى بهره ماند ونوميد كشت ] قال الراغب الخيبة فوق المطلب.

١١٢

{ ومن يعمل من الصالحات } اى بعض الصالحات فمن مفعول يعمل باعتبار مضمونه

{ وهو مؤمن } فان الايمان شرط فى صحة الطاعات وقبول الحسنات

{ فلا يخاف ظلما } اى منع ثواب مستحق بموجب الوعد

{ ولا هضما } ولا كسرا منه بنقص ومنه هضم الطعام.

قال الراغب الهضم شدخ ما فيه رخاوة يقال هضمته فانهضم وهضم الدواء الطعام نكهة والهاضوم كل دواء هضم طعاما ونخل طلعها هضيم اى داخل بعضها فى بعض كانما شدخ.

وقال الكاشفى [ بس نترسد دران روزازستم وبيدادكه زيادتى سيآتس ونه ازكسر وشكست كه نقصان حسناتست يعنى نه از حسنات مؤمن جيزى كم كنند ونه سيآت وى افزايند ] فعليك بالحسنات والكف عن السيآت فان كل احد يجد نمرة شجرة اعماله ويصل باعماله الى كل آماله وافضل الاعمال اداء الفرائض مع اجتناب المحارم.

قال سليمان بن عبد الملك لابى حازم عظنى واوجز قال نعم يا امير المؤمنين نزه ربك وعظمه من ان يراك حيث نهاك او يفقدك حيث امرك.

قال بعض الكبار من علامة اتباع الهوى المسارعة الى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بحقوق الواجبات وهذا حال غالب الخلق الا من عصمه اللّه ترى الواحد منهم يقوم بالاوراد الكثيرة والنواف العديدة الثقيلة ولا يقوم بفرض واحد على وجهه وانما حرموا الوصول بتضييعهم الاصول - حكى - عن ابى محمد المرتعش رحمه اللّه انه قال حججت حجات على قدم التجريد فسألتنى امى ليلة ان استقى لهاجرة فثقل ذلك عليىّ فعلمت ان مطاوعة نفسى فى الحجات كانت بحظ مشوب للنفس اذ لو كانت نفسى فانية لم يصعب عليها ما هو حق فى الشرع.

ثم ان المرء بمجرد العمل لا يكون الا عابدا

واما المعارف الالهية والوصول الى الدرجات العاليات فيحتاج الى مرشد كامل ولذا هاجر الكار من دار الى دار لتحصيل صحبة المقربين والابرار : قال الحافظ

من بسر منزل عنقا نه بخود بردم راه ... قطع اين مرحله بامرغ سليمان كردم

١١٣

{ وكذلك } اشارة الى انزال ما سبق من الآيات المتضمنة للوعيد المنبئة عما سيقع من احوال القيامة واهوالها اى مثل ذلك الانزال

{ انزلناه } اى القرآن كله واضماره لكونه حاضرا فى الاذهان فى بحر العلوم ويجوز ان يكون ذلك اشارة الى مصدر انزلنا اى مثل ذلك الانزال البين انزلناه حال كونه

{ قرآنا عربيا } يعنى بلغة العرب ليفهموه ويقفوا على اعجازه وخروجه عن حد كلام البشر.

وفى التأويلات النجمية اى كما انزلنا الصحائف والكتب الى آدم وغيره من الانبياء بألسنتهم ولغاتهم المختلفة كذلك انزلنا اليك قرآنا عربيا بلغة العرب وحقيقة كلامه الى هى الصفة القائمة بذاته منزهة عن الحروف والاصوات المختلفة المخلوقة وانما الاصوات والحروف تتعلق باللغات والالسنة المختلفة

{ وصرفنا فيه من الوعيد } الصرف رد الشئ من حالة الى حالة او ابداله بغيره ومثله التصريف الا فى التكثير واكثر ما يقال فى صرف الشئ من حالة الى حالة ومن امر الى امر وتصريف الرياح هو صرفها من حال الى حال . والوعيد التهديد بالفارسية [ بيم نمودن ] والمعنى بينا وكررنا فى القرآن بعض الوعيد.

قال الكاشفى [ جون ذكر طوفان ورجفه وصيحه وخسف ومسخ ] كما قال فى التأويلات النجمية اى اوعدنا فيه قومك باصناف العقوبات التى عاقبنا بها الامم الماضية وكررنا ذلك عليهم.

قال فى الكبير يدخل تحته بيان الفرائض والمحازم لان الوعيد بهما يتعلق

{ لعلهم يتقون } اى يتقون الكفر والمعاصى بالفعل

{ او يحدث لهم ذكرا } اى يجدد القرآن لهم ايقاظا واعتبارا بهلاك من قبلهم مؤديا بالآخرة الى الاتقاء واحداث الشئ ايجاده والحدوث كون الشئ بعد ان لم يكن عرضا كان او جوهرا.

١١٤

{ فتعالى اللّه } تفاعل من العلو وليست مرتبة شريفة الا والحق تعالى فى اعلى الدرجات منها وارفعها وذلك لانه مؤثر وواجب لذاته وكل ما سواه اثر وممكن ولا مناسبة بين الواجب والممكن . قال فى الارشاد وهو استعظام له تعالى ولشؤونه التى يصرف عليها عباده من الاوامر والنواهى والوعد والوعيد وغير ذلك اى ارتفع بذاته وتنزه عن مماثلة المخلوقين فى ذاته وصفاته وافعاله واحواله

{ الملك } السلطان النافذ امره ونهيه الحقيق بان يرجى وعده ويخشى وعيده

{ الحق } فى ملكوته والوهيته الحقيقى بالملك لذاته

{ ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك } يؤدى ويتم ويفرغ قال تعالى

{ لقضى اليهم اجلهم } اى فرغ اجلهم ومدتهم المضروبة

{ وحيه } القاؤه وقراءته كان عليه السلم اذا القى اليه جبريل الوحى يتبعه عند تلفظ كل حرف وكل كلمة لكمال اعتنائه بالتلقى والحفظ فنهى عن ذلك اذ ربما يشغله التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها . والمعنى لا تعجل بقراءة القرآن خوف النسيان والانفلات قبل ان يستتم جبريل قراءته ويفرغ من الابلاغ والتلقين فاذا بلغ فاقرأه.

وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى سكوته عند قراءة القرآن واستماعه والتدبر فى معانيه واسراره للتنور بانواره وكشف حقائقه ولهذا قال

{ وقل } اى فى نفسك

{ رب } [ اى بروردكار من ]

{ زدنى } [ بيفزاى مرا ]

{ علما } اى فهما لادراك حقائقه فانها غير متناهية وبنورا بانواره وتخلقا بخلقه.

وقال بعضهم علما بالقرآن فكان كلما نزل عليه شئ من القرآن ازداد به علما.

وقال محمد بن الفضل علما بنفسى وما تضمره من الشرور والمكر والغدر لاقوم بمعونتك فى مداواة كل شئ منها بدوائه.

وكان ابن مسعود رضى اللّه عنه اذا قرآها قال اللهم دزنى ايمانا ويقينا بك وهو اجل التفاسير وادقها لانه علق الايمان واليقين به تعالى دون غيره وهو اصعب الامور كذا سمعت من شيخى وسندى قدس اللّه سره.

قيل ما امر اللّه رسوله بطلب الزيادة فى شئ الا فى العلم.

قال الكاشفى [ در لطائف قشيرى رحمه اللّه مذكوراست كه حضرت موسى عليه السلام زياده علم طلبيد اورا حواله بخضر كردند وبى طلب بيغمبرمارا صلّى اللّه عليه وسلّم دعاى زيادتى علم بياموخت وحواله بغير خود نكرد تامعلوم شودكه آنكه درمكتب ادب ( ادبنى ربى ) سبق

{ وقل رب زدنى علما } خوانده باشد هرآيينه دردرسكاه ( علمك ما لم تكن تعلم ) نكته ( فعلمت علم الاولين والآخرين ) بكوش هوش مستفيدان حقائق اشيا تواند رسانيد

علمهاى انبياء واوليا ... دردلش رخشنده جون شمس الضحى

عالمى كاموز كارش حق بود ... علم اوبس كامل مطلق بود

قال ابراهيم الهروى كنت بمجلس ابى يزيد البسطامى قدس سره فقال بعضهم ان فلانا اخذ العلم من فلان قال ابو يزيد المساكين اخذوا العلوم من الموتى ونحن اخذنا العلم من حى لا يموت.

قال ابو بكر الكتانى قال فى الخضر عليه السلام كنت بمسجد صنعاء وكان الناس يسمعون الحديث من عبد الرزاق وفى زاوية المسجد شاب فى المراقبة فقلت له لم لا تسمع كلام عبد الرزاق قال انا اسمع كلام الرزاق وانت تدعونى الى عبد الرزاق فقلت له ان كنت صادقا فاخبرنى من انا فقال لى انت الخضر.

وفى الآية بيان لشرف العلم.

قال الشيخ الاكبر قدسر سره الاطهر العلم نور من انوار اللّه تعالى يقذفه فى قلب من اراده من عباده وهو معنى قائم بنفس العبد يطلعه على حقائق الاشياء وهو للبصيرة كنور الشمس للبصر مثلا بل اتم وفى الخبر قيل يا رسول اللّه أي الاعمال افضل فقال ( العلم باللّه ) قيل الاعمال نريد قال ( العلم باللّه ) فقيل نسأل عن العمل وتجيب عن العلم فقال عليه السلام ( ان قليل العمل ينفع مع العلم وان كثير العمل لا ينفع مع الجهل ) والمعتبر هو العلم النافع ولذلك قال عليه السلام ( اللهم انى اعوذ بك من علم لا ينفع ) والعلم باللّه لا يتيسر الا بتصفيهة الباطن فتصفية القلب عما سوى اللّه تعالى من اعظم القربات وافضل الطاعات ولذلك كان مطمح نظر الاكابر فى اصلاح القلوب والسرائر : قال الحافظ

باك وصافى شو وازجاه طبيعت بدر آى ... كه صفايى ندهد آب تراب آلوده

١١٥

{ ولقد عهدنا الى آدم } يقال عهد فلان الى فلان بعد اى القى العهد اليه واوصاه بحفظه والعهد حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال وسمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهدا وعهد اللّه تارة يكون بما ركزه فى عقولنا وتارة يكون بما امرنا به بكتابه وبألسنة رسله وتارة بما نلزمه وليس بلازم فى اصل الشرع كالنذور وما يجرى مجراها وآدم ابو البشر عليه السلام قيل سمى بذلك لكون جسده من اديم الارض

وقيل لسمرة فى قولنه يقال رجل آدم نحو اسمر

وقيل سمى بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى مفترقة يقال جعلت فلانا ادمة اهلى اى خلطته بهم

وقيل سمى بذلك لما طيب به من الروح المنفوخ فيه وجعل له من العقل والفهم والرؤية التى فضل بها على غيره وذلك من قولهم الادام وهو ما يطيب به الطعام

وقيل اعجمى وهو الاظهر والمعنى وباللّه لقد امرناه ووصيناه بان لا يأكل من الشجرة وهى المعهودة ويأتى بيانه بعد هذه الآية

{ من قبل } من قبل هذا الزمان

{ فنسى } العهد ولم يهتم به حتى غفل عنه والنسيان بمعنى عدم الذكر او تركه ترك المنسى عنه.

قال الراغب النسيان ترك الانسان ضبط ما استودع اما الضعف قلبه

واما عن غفلة او عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وكل نسيان من الانسان ذمه اللّه تعالى به فهو ما كان اصله عن تعمد وما عذر فيه نحو ما روى ( رفع عن امتى الخطأ والنسيان ) فهو ما لم يكن سببه منه

{ ولم نجد له عزما } ان كان من الوجود العلمى فله وعزما مفعولاه وقدم الثانى على الاول لكونه ظرفا وان كان من الوجود المقابل للعدم وهو الانسب لان مصب الفائدة هو المفعول وليس فى الاخبار بكون العزم المعدوم له مزيد مزية فله متعلق به والعزم فى اللغة توطين النفس على الفعل وعقد القلب على امضاء الامر . والمعنى لم نعلم او لم نصادف له تصميم رأى وثبات قدم فى الامور ومحافظة على ما امر به وعزيمة على القيام به اذ لو كان كذلك لما ازله الشيطان ولما استطاع تغريره وقد كان ذلك منه عليه السلام فى بدء امره من قبل ان يجرب الامور ويتولى حارها وقارها ويذوق شريها واريها لا من نقصان عقله فانه ارجح الناس عقلا كما قال عليه السلام ( لو وزنت احلام بنى آدم بحلم آدم لرجح حلمه ) وقد قال اللّه تعالى

{ ولم نجد له عزما } ومعنى هذا ان آدم مع ذلك اثر فيه وسوسته فكيف فى غيره : قال الحافظ

دام سختست مكر لطف خدا يا رشود ... آدم نبرد صرفه زشيطان رجيم

قيل لم يكن النسيان فى ذلك الوقت مرفوعا عن الانسان فكان مؤاخذا به وانما رفع عنا.

وفى التأويلات النجمية

{ ولقد عهدنا الى آدم من قبل } اى من قبل ان يكون اولا وان لا يتعلق بغيرنا ولا ينقاد لسوانا فلما دخل الجنة ونظر الى نعيمها

{ فنسى } عهدنا وتعلق بالشجرة وانقاد للشيطان

{ ولم نجد له عزما } يشير الى ان اللّه تعالى لما خلق آدم وتجلى فيه بجميع صفاته صارت ظلمات صفات خلقيته مغلوبة مستورة بسطوات تجلى انوار صفات الربوبية ولم يبق فيه عزم التعلق بما سواه والانقياد لغيره فلما تحركت فيه دواعى البشرية الحيوانية وتداعت الشهوات النفسانية الانسانية واشتغل باسيفاء الحظوظ نسى اداء الحقوق ولهذا سمى الناس ناسا لانه ناس فنشأت له من تلك العاملات ظلمات بعضها فوق بعض وتراكمت حتى صارت غيوم شموس المعارف واستار اقمار العوارف فنسى عهود اللّه ومواثيقه وتعلق بالشجرة المنهى عنها.

قال العلامة يانيسان عادتك النسيان اذكر الناس ناس وارق القلوب قاس.

قال ابو الفتح البستى فى الاعتذار من النسيان الى بعض الرؤساء

يا اكثر الناس احسانا الى الناس ... يا احسن الخلق اعراضا عن الباس

نسيت وعدك والنسيان مغتفر ... فاغفر فاول ناس اول الناس

قال على رضى اللّه عنه عشرة يورثن النسيان.

كثرة الهم . والحجامة فى النقرة . والبول فى الماء الراكد . واكل التفاح الحامف . واكل الكزبرة . واكر سؤر الفار . وقراءة الواح القبور . والنظر الى المصلوب . والمشى بين الجملين المقطورين . والقاء القملة حية كما فى روضة الخطيب لكن فى قاضى خان لا بأس بطرح القملة حية والادب ان يقتلها.

وزاد فى المقاصد الحسنة مضغ العلك اى للرجال اذا لم يكن من علة كالبخر ولا يكره للمرأة ان لم تكن صائمة لقيامه مقام السواك فى حقهن لان سنها اضعف من سن الرجال كسائر اعضائها فيخاف من السواك سقوط سنها وهو ينقى الاسنان ونشد اللثة كالسواك.

واعلم ان من اشد اسباب النسيان العصيان فنسأل اللّه العصمة والحفظ.

١١٦

{ واذ قلنا } اى واذكر يا محمد وقت قولنا

{ للملائكة } اى لمن فى الارض والسماء منهم عموما كما سبق تحقيقه

{ اسجدوا لآدم } سجود تحية وتكريم.

وقال البيضاوى اذكر حاله فى ذلك الوقت ليتبين لك انه نسى ولم يكن من اولى العزيمة والثبات انتهى.

وفيه اشارة الى استحاقه لسجودهم لمعان جمة . منها لانه خلق لامر عظيم هو الخلافة فاستحق لسجودهم . ومنها لان اللّه تعالى جعله مجمع مجرى عالمى الخلق والامر والملك والملكوت والدنيا والآخرة فما خلق شيأ فى عالم الخلق والدنيا الا وقد جعل ى قالبه انموذجا منه وما خلق شيأ فى عالم الامر والآخر الا وقد اودع فى روحه حقائقه

واما الملائكة فقد خلقت من عالم الامر والملكوت دون عالم الخلق والملك فبهذه النسبة اختص آدم بالكمال وما دونه بالنقصان فاستحق السجود والكمال . ومنها لانه خلق روحه فى احسن تقيم من بين سائر الارواح من الارواح الملكية وغيرها وخلقت صورته فى احسن صورة على صورة الرحمن والملائكة وان خلقت فى حسن ملكى روحانى لم يخلقوا فى حسن صورته فله الافضلية فى كلا الحالين فاستحق لسجودهم بالافضلية . ومنها لانه شرف فى تسوية قالبه بتشريف خمر طينة آدم بيده اربعين صباحا وباختصاص لما خلقت بيدى واكرم فى تعلق روحه بالقالب بكرامة ونفخت فيه من روحى فالزمهم سجود الكرامة بقوله فقعوا له ساجدين واثبت له استحقاق سجودهم بقوله يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدى . ومنها لانه اختص بعلم الاسماء كلها وانهم قد احتاجوا فى انباء اسمائهم كما قال يا آدم انبئهم باسمائهم فوجب عليهم اداء حقوقه بالسجود . ومنها لانه لما خلقه اللّه تعالى تجلى فيه بجميع صفاته فاسجد اللّه تعالى ملائكته اياه تعظيما وتكريما واعزازا وجالالا فانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فسجدوا الا ابليس ابى ان يسجد وذلك لان اللّه تعالى لما قال للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة الى ونقدس لك كان هذا الكلام منهم نوع اعتراض على اللّه وجنس غيبة لآدم واظهار فضيلة لانفسهم عليه فاجابهم اللّه بقوله انى اعلم ما لا تعلمون اى انى اودعت فيه من علم الاسماء واستعداد الخلافة ما لا تعرفون به فله الفضيلة عليكم فاسجدوا له كفارة لا عتراضكم واستغفارا لغيبته وتواضعا لانفسكم فاقر الملائكة واعترفوا بما جرى عليهم من الخطأ وتابوا واستسلموا لاحكام اللّه تعالى فسجدوا لآدم

واما ابليس فقد اصر على ذنب الاعتراض والغيبة والعجب بنفسه ولم يستسلم لاحكام اللّه وزاد فى الاعتراض والغيبة والعجب فقال انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين وابى ان يسجد كذا فى التأويلات

{ فسجدوا } تعظيما لامر ربهم وامتثالا له

{ الا ابليس } فانه لم يسجد ولم يطرح اردية الكبر ولم يخفض جناحه : وفى المثنوى

آنكه آدم را بدن دي اورميد ... وانكه نور مؤتمن ديد او حميد

يقال ابلس يئس وتحير ومنه ابليس او هو اعجمى كما فى القاموس كأنه قيل ما باله لم يسجد فقيل

{ اى } السجود وامتنع منه.

قال فى المفردات الاباء شدة الامتناع فكل اباء امتناع وليس كل امتناع اباء.

١١٧

{ فقلنا } عقيب ذلك اعتناء بنصحه

{ يا آدم ان هذا } الحقير الذى رأيت ما فعل

{ عدو لك ولزوجك } حواء والزوج اسم للفرد بشرط ان يكون معه آخر من جنسه ذكرا كان او انثى.

ولعداوته وجوه . الاول انه كان حسودا فلما رأى نعم اللّه على آدم حسده فصار عدوا له.

وفيه اشارة الى ان كل من حسد احدا يكون عدوا له ويريد هلاكه ويسعى فى افساد حاله . والثانى انه كان شابا عالما وابليس شيخا جاهلا لانه اثبت فضيلته بفضيلة اصله وانه جهل الشيخ الجاهل يكون ابدا عدو الشاب العالم

زد شيخ شهر طعنه بر اسرار اهل دل ... المرء لا يزال عدوا لما جهل

والثالث انه مخلوق من النار وآدم من الماء والتراب وبين اصليهما عداوة فبقيت العداوة فيهما

{ فلا يخرجنكما من الجنة } اى لا يكونن سببا لاخراجكما منها فهو من قبيل اسناد الفعل الى السبب والا فالمخرج حقيقة هو اللّه تعالى وظاهره وان كان نهى ابليس عن الاخراج الا ان المراد نهيهما من ان يكونا بحيث يتسبب الشيطان فى اخراجهما منها بالطريق البرهانى

{ فتشقى } جواب للنهى واسناد الشقاء اليه لرعاية الفواصل ولا صالته.

قال فى المفردات الشقاوة خلاف السعادة وكما ان السعادة ضربان سعادة دنيوية وسعادة اخروية ثم الاضرب وفى الشقاوة الاخروية قال تعالى

{ فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى } وفى الدنيوية

{ فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } انتهى وقد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت فى كذا كما قال فى القاموس الشقا الشدة والعسر ويمد انتهى . فالمعنى لا تباشر اسباب الخروج فيحصل الشقاء وهو الكد والتعب الدنيوى مثل الحرث والزرع والحصد والطحن والخبرز ونحو ذلك مما لا يخلو الناس عنه فى امر تعيشهم ويؤيده ما بعد الآية.

قال الكاشفى [ فتشقى كه تودررنج افتى يعنى جون ازبهشت بيرون روى بكديمين وعرق جبين اساب معاش مهيا بايدكرد ].

عن سعيد بن جبير اهبط الى آدم ثور احمر فكان يحرث عليه ويمسح الغرق عن جبينه فذلك شقاؤه.

يقول الفقير الظاهر ان الشيطان بسبب عداوته لا يخلو عن تحريض فعل يكون سببا للخروج فالشقاوة فى الحقيقة متفرغة على مباشرة امر منهى عنه فافهم.

وفى التأويلات النجمية هى شقاوة البعد عن الحضرة ان لم يرجع الى مقام قربه من جوار الحق بالتوبة والاستغفار.

وفيه اشارة الى ان العصيان وامتثال الشيطان موجب للاخراج من جنة القلب والهبوط الى ارض البشرية بعد الصعود عنها والعبور عليها.

١١٨

{ ان لك ان لا تجوع فيها } لك خبر انّ وان لا تجوع فى محل النصب على الاسمية اى قلنا ان حالك ما دمت فى الجنة عدم الجوع اذ النعم كلها حاضرة فيها

{ ولا تعرى } من الثياب لان الملبوسات كلها موجودة فى الجنة والعرى الجلد عما يستره.

١١٩

{ وانك لا تظمؤا فيها } اى لا تعطش لان العيون الانهار جارية على الدوام.

قال الرغب الظمئ ما بين الشربتين والظمأ العطش الذى يعرض من ذلك

{ ولا تضحى } اى لا يصيبك حر الشمس فى الجنة اذ لا شمس فيها واهلها فى ظل ممدود يقال ضحى الرجل للشمس بكسر الحاء اذا برز وتعرض لها وان بالفتح مع ما فى حيزها عطف على ان لا تجوع وفصل الظمأ دفعا لتوهم ان نفيهما نعمة واحدة وكذا الحال فى الجميع بين العرى والضحو.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الجنة وان كانت باقية وهى جوار الحق لكنها مرتعة من مراتع النفس البهيمية الحيوانية ولها فيها تمتع من المأكولات والمشروبا والملبوسات والمنكوحات كما كان لها فى المراتع الدنيوية الفانية انتهى.

١٢٠

{ فوسوس اليه الشيطان } اى انهى الى آدم وسوسته وابلغ فتعديته بالى باعتبار تضمينه معنى الانهاء والابلاغ واذا قيل وسوس له فمعناه لاجله والسوسة الصوت الخفى ومنها وسواس الحلى لاصواتها وهو فعل لازم.

قال الكاشفى [ بس وسوسه كرد بسوى آدم شيطان بس آزانكه ببهشت در آمد وحوارا ديد وازمرك بترسانيد وحوا باآدم بازكفت وآدم ازمرك ترسان شده بابليس كه بصورت بيرى برايشان ظاهر شده بودبدو رجوع كرده بود بطريق تضرع ازوى علاج مرك طلبيد ]

{ قال } اما بدل من وسوس او استئناف كأنه قيل فماذا قال فى وسوته فقيل قال

{ يا آدم } [ علاج اين مرض خوردن ميؤه شجره خلداست ]

{ هل ادلك } [ آيادلالت كنم ترا ]

{ على شجرة الخلد } اى شجرة من اكل منها خلد ولم يمت اصلا سواء كان على حاله او بان يكون ملكا فاضافها الى الخلد وهو الخلود لانها سببه بزعمه كما قيل لحيزوم فرس الحياة لانها سببها.

قال الراغب الخلود تبرى الشئ من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التى هو عليها والخلود فى الجنة بقاء الاشياء على الحالة التى هى عليها من غير اعتراض الكون والفساد عليها

{ وملك لا يبلى } اى لا يزول ولا يختل بوجه من الوجوه : وبالفارسية [ كهنه نشود آدم كفت دلالت كن مر ابانآن بليس راهتمون شد آدم وحوارا بشجره منهيه ].

١٢١

{ فاكلا منها فبدت لهما سوآتهما } يقال بدا الشئ بدوا وبدّوا ظهر ظهورا بينا وكنى عن الفرج بالسوءة لانه يسوء الانسان انكشافه اى يغمه ويحزنه.

قال الكاشفى [ يعنى لباس جنت ازايشان بريخت وبرهنه شدند ].

قال ابن عباس انهما عريا عن النور الذى كان اللّه البسهما اياه حتى بدت فروجهما.

وقيل كان لباسهما الظفر فلما اصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا فى اطراف الاصابع.

وقيل كان لباسهما الخلة.

وعن ابى بن كعب رضى اللّه عنه قال قال عليه السلام ( ان اباكم آدم كان رجلا طويلا كالنخلة السحوق كثير الشعر موارى العورة فلما واقع الخطيئة بدت سوءته فانطلق فى الجنة هاربا فمر بشجرة فاخذت بناصيته فاجلسته فناداه ربه أفارا منى يا آدم قال لا يا رب ولكن حياء منك )

قال الحصيرى بدت لهما ولم تبد لغيرهما لئلا يعلم الاغيار من مكافاة الجناية ما علما ولو بدت للغايار لقال بدت منها

{ وطفقا } شرعا يقال طفق يفعل كذا اى اخذ وشرع ويستعمل ف الايجاب دون النفى لا يقال ما طفق على بدنه الزقها واطبقها عليه ورقة ورقة اى يلزقان الورق على سواءتهما للتستر وهو ورق التين قيل كان مدورا فصار على هذا الشكل من تحت اصابعهما

{ وعصى آدم ربه } باكل الشجرة : يعنى [ خلاف كرد آدم امر بروردكار خودرا درخوردن درخت ] يقال عصى عصيانا اذا اخرج عن الطاعة واصله ان يتمنع بعصاه كما فى المفردات

{ فغوى } ضل عن مطلوبه الذى هو الخلود او عن المأمور به وهو التباعد عن الشجرة فى ضمن ولا تقربا هذه الشجرة او عن الرشد حيث اغتر بقول العدولان الغى خلاف الرشد.

واعلم ان المعصية فعل محرم وقع عن قصد اليه والزلة ليست بمعصية ممن صدرت عنه لانها اسم لفعل حرام غير مقصود فى نفسه للفاعل ولكن وقع عن فعل مباح قصده فاطلاق اسم المعصية على الزلة فى هذه الآية مجاز لان الانبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر والصغائر لا من الزلات عندنا وعند بعض الاشعرية لم يعصموا من الصغائر وذكر فى عصمة الانبياء ليس معنى الزلة انهم زلوا عن الحق الى الباطل ولكن معناها انهم زلوا عن الافضل الى الفاضل وانهم يعاتبون به لجلال قدرهم ومكانتهم من اللّه تعالى.

قال ابن الشيخ فى حواشيه العصيان ترك الامر وارتكاب المنهى عنه وهو ان كان عمدا يسمى ذنبا وان كان خطأ يسمى زلة والآية دالة على انه عليه السلام صدرت عنه المعصية والمصنف سماها زلة حيث قال وفى النعى عليه بالعصيان والغواية مع صغر زلته تعظيم الزلة وزجر بليغ لأولاده عنها انتهى بناء على انه انما ترك الانتهاء عن اكل الشجرة اجتهادا لا بان تعمد المعصية ووجه الاجتهاد انه عليه السلام حمل النهى على التنزيه دون التحريم وحمل قوله تعالى

{ هذه الشجرة } على شجرة بعينها دون جنسها ومع ذلك الظاهران هذه الواقعة انما كانت قبل نبوته.

وفى الاسئلة المقحمة فان قيل فاذا كان هذا خطأ فى الاجتهاد ومن اجتهد فاخطأ لا يؤخذ به فكيف آخد آدم بذلك قلنا لم يكن هذا موضع الاجتهاد اذا كان الوحى يتواتر عليه نزوله فكان تفريطه لو اجتهد فى غير الاجتهاد . فان قيل فهل اوحى اليه ليعلم ذلك . قلنا انقطع عنه الوحى ليقضى اللّه تعالى ما اراده كما انقطع عن الرسول عليه السلام ثمانية عشر يوما وقت افك عائشة رضى اللّه عنها ليقضى اللّه ما اراده.

وفى الكبير فان قيل دل هذا على الكبيرة لان العاصى اسم ذم فلا يليق الا بصاحب الكبيرة ولان الغواية ترادف الضلالة وتضاد الرشد ومثله لا يتناول الا المنهمك فى الفسق واجيب بان المعصية خلاف الامر والامر قد يكون بالمندوب ويقال امرته بشرب الدواء فعصانى فلم يبعد اطلاقه على آدم لا لانه ترك الواجب بل لانه ترك المندوب.

وفيه ايضا ليس لاحد ان يقول كان آدم عاصيا غاويا لوجوه . الاول قال العتبى يقال للرجل قطع ثوبا وخاطه قد قطعه وخاطه ولا يقال خائط وخياط الا اذا عاود الفعل فكان معروفا به والزلة لم تصدر من آدم الا مرة فلا تطلق عليه . والثانى ان الزلة ان وقعت قبل النبوة لم يجز بعد ان شرف اللّه تعالى بالرسالة اطلاقها عليه وان كانت بعد النبوة فكذلك بعد ان تاب كما لا يقال للمسلم التائب انه كافر او زان او شارب خمر اعتبارا بما قبل اسلامه وتوبته . والثالث ان قولنا عاص وغاو يوهم عصيانه فى الاكثر وغوايته عن معرفة اللّه والمراد فى القصة ليس ذلك فلا يطلق دفعا للوهم الفاسد . والرابع يجوز من اللّه ما لا يجوز من غيره كما يجوز للسيد فى ولده وعبده عند المعصية قول ما لا يجوز لغيره.

قال الحسن واللّه ما عصى الا بنسيان . قال جعفر طالع الجنان ونعيمها فنودى عليه الى يوم القيامة وعصى آدم ولو طالعها بقلبه لنودى عليه بالهجران الى ابد الآباد.

وفى التأويلات النجمية

{ وعصى آدم ربه } بصرف محبته فى طلب شهوات نفسه

{ فغوى } بصرف الفناء فى اللّه فى طلب الخلود وملك البقاء فى الجنة انتهى : وفى المثنوى

جيست توحيد خدا آموختن ... خويشتن را بيش واحد سوختن

كرهمى خواهى كه بفروزى جوروز ... هستئ همجون شب خودرا بسوز

هستيت درهست آن هستى نوز ... همجومس دركيميا اندر كداز

سئل ابن عطاء عن قصة آدم ان اللّه تعالى نادى عليه بمعصية واحد وسر على كثير من ذريته فقال ان معصية آدم كانت على بساط القربة فى جواره ومعصية ذريته فى دار المحنة فزلته اكبر واعظم من زلتهم.

١٢٢

{ ثم اجتبيه ربه } اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من اجتبى الشئ بمعنى جباه لنفسه اى جمعه

{ فتاب عليه } اى قبل توبته حين تاب هو وزوجته قائلين

{ ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } { وهدى } اى الى الثبات على التوبة والتمسك باسباب العصمة.

وفيه اشارة الى انه لو وكل الى نفسه وغريزته التى جبل عليها ما كانت التوبة من شأنه ولا الرجوع الى اللّه من برهانه ولكن اللّه بفضله وكرمه اجتباه وبجذبة العناية رفاه والى حضرة الربوبية هداه وفى الحديث ( لو جمع بكاء اهل الدنيا الى بكاء داود لكان بكاؤه اكثر ولو جمع ذلك الى بكاء نوح لكان اكثر ) وانما سمى نوحا لنوحه على نفسه ( ولو جمع ذلك كله الى بكاء آدم على خطيئته لكان اكثر )

: وفى المثنوى

خاك غم را سرمه سازم بهر جثم ... تاز كوهر برشود دوبحر جشم

اشك كان ازبهر او بارند خلق ... كوهرست واشك بندارند خلق

توكه يوسف نيستى يعقوب باش ... همجو اوبا كريه وآشوب باش

بيش يوسف نازش وخوبى مكن ... جزنياز وآه يعقوبى مكن

آخر هركريه آخر خنده ايست ... مردا آخر بين مبارك بنده ايست

قال وهب لما كثر بكاؤه امره اللّه بان يقول ( لا اله الا انت سبحانك وبحمدك عملت سوأ وظلمت نفسى فاغفر لى انك خير الغافرين ) فقالها ثم قال ( قل سبحانك لا اله الا انت عملت سوأ وظلمت نفسى فارحمنى وانت خير الراحمين ) ثم قال ( قل سبحانك الا اله الا انت عملت سوأ وظلمت نفسى فتب علىّ انك انت التواب ).

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما هن الكلمات الى تلقيها آدم من ربه.

وعن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( لما اعترف آدم بالخطيئة قال يا رب اسألك بحق محمد ان تغفر لى فقال اللّه يا آدم كيف عرفت محمدا ولم اخلقه قال لانك لما خلقتنى بيدك ونفخت فىّ من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش فقال اللّه تعالى صدقت يا آدم انه لا حب الخلق الىّ فغفرت لك ولولا محمد ما خلقتك ) رواه البيهقى فى دلائله.

قال بعض الكبار انه من لطفنه وكرمه عاقب آدم فى الدنيا بالمجاهدات الكثيرة بما جرى عليه من المعصية ويعاقب الجمهور فى الآخرة بما جرى عليهم من المصية فى الدنيا وفى هذا حاصية له لان عقوبة الدنيا اهون وقال مثل الشيطان مثل حية تمشى على وجه الارض الى رأس كنز وخلفها انسان ليقتلها فلما ضرباه وجد تحت ضربه كنزا فصار الكنز له وصارت الحية مقتولة وبلغ الى الامرين العظيمين البلوغ الى المأمول والفلاح من العدو فكذا شأن آدم مع الملعون دله على كنز من كنوز الربوبية غرضه العداوة والضلالة فوصل آدم الى الاجتبائية الابدية بعد الاصطفائية الازلية وبلغ الملعون الى اللعنة الازلية الابدية.

١٢٣

{ قال } اللّه تعالى لآدم وحواء بعد صدور الزلة

{ اهبطا منها جميعا } اى انزلا من الجنة الى الارض هذا خطاب العتاب واللوم فى الصورة وخطاب التكميل والتشريف فى المعنى يقال هبط هبوطا اذا نزل.

قال الراغب الهبوط الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر قال تعالى

{ وان منها لما يهبط من خشية اللّه } واذا استعمل فى الانسان الهبوط فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الانزال فان الانزال ذكره اللّه فى الاشياء التى نبه على شرفها كانزال القرآن والمرائكة والمطر وغير ذلك والهبوط ذكره حيث نبه على البغض نحو

{ وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو } وقال

{ فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها } { بعضكم لبعض عدو } اى بعض اولادكم عدو لبعض فى امر المعاش كما عليه الناس من التجاذب والتحارب فيكون نظير قوله تعالى

{ فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء } اى جعل اولادهما وجمع الخطاب باعتبار انهما اصل الذرية ومآله بعضكم يا ذرية آدم عدو لبعض.

وفى التأويلات النجمية يشير الى انه جعل فيما بينهم العداوة لئلا يكون لهم حبيب الا هو كما قال تعالى عن ابراهيم عليه السلام

{ فانهم عدو لى الا رب العالمين } ولما ختص آدم منهم بالاجتباء والاصطفاء واهبطه الى الارض معهم للابتاء وعده بالاهتداء فقال

{ فاما يأتينكم } يا ذرية آدم وحواء

{ منى هدى } كتاب ورسول والاصل فان يأتينكم وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط وما هذه مثل لام القسم فى دخول النون المؤكدة معها وانما جئ بكلمة الشك ايذانا بان اتيان الهدى بطريق الكتاب والرسول ليس بقطعى الوقوع وانه تعالى ان شاء هدى وان شاء ترك لا يجب عليه شئ ولك ان تقول اتيان الكتاب والرسول لما لم يكن لازم التحقق والوقوع ابرز فى معرض الشك واكد حرف الشرط والفعل بالنون دلالة على رجحان جهة الوقوع والتحقق

{ فمن اتبع هدى } اى فمن آمن بالكتاب وصدق بالرسول

{ فلا يضل } فى الدنيا عن طريق الدين القويم ما دام حيا

{ ولا يشقى } فى الآخرة بالعقاب : يعنى [ برنج نيفتد در آخرت وبعقوبت وعذاب مبتلا نشود ].

١٢٤

{ ومن اعرض عن ذكرى } اى الكتاب الذاكر لى والرسول الداعى الىّ والذكر يقع على القرآن وغيره من كتب اللّه كما سبق

{ فان له } فى الدنيا

{ معيشة ضنكا } ضيقا مصدر وصف به مبالغة ولذلك يستوى فيه المذكر والمؤنث . والمعنى معيشة ذنك وذلك لان نظره مقصور على اغراض الدنيا وهو يتهالك على ازديادها وخائف من انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب الآخرة مع انه قد يضيق اللّه عليه بشؤم الكفر ويوسع ببركة الايمان.

واعلم ان من عقوبة المعصية ضيق المعيشة والرد على النفس والاجناس والاكوان من ضيق المعيشة.

وفى التأويلات النجمية الهدى فى الحقيقة نور يقذفه اللّه فى قلوب انبيائه واوليائه ليهتدوا به اليه وفى الصورة العلماء السادة والمشايخ القادة بعد الانبياء والمرسلين

{ فمن اتبع هداى } بالتسليم والرضى والا سوة الحسنة

{ فلا يضل } عن طريق الحق

{ ولا يشقى } بالحرمان وحقيقة الهجران

{ ومن اعرض عن ذكرى } اى عن ملازمة ذكرى فى اتباع هداى اى اذا جاءه

{ فان له معيشة ضنكا } اى يعذب قلبه بذل الحجاب وسد الباب فان الذكر مفتاح القلوب والاعراض عنه سد بابها

ذكر حق مفتاح باشد اى سعيد ... تانبكشايى در جان بى كليد

جون ملك ذكر خدارا كن غذا ... اين بود دائم معاش اوليا

{ ونحشره } اى المعرض.

قال فى بحر العلوم الحشر يجئ بمعنى البعث والجمع والاول هو المراد هنا

{ يوم القيامة اعمى } فاقد البصر كما فى قوله تعالى

{ ونحشرهم يوم القيامة على وجوهم عميا وبكما وصما } وفى عرائس البقلى يعنى جاهلا بوجود الحق كما كان جاهلا فى الدنيا كما قال على رضى اللّه عنه من لم يعرف اللّه فى الدنيا لا يعرفه فى الآخرة.

١٢٥

{ قال } استئناف بيانى

{ رب } [ اى بروردكارمن ]

{ لم حشرتنى اعمى وقد كنت بصيرا } اى فى الدنيا.

١٢٦

{ قال كذلك } اى مثل ذلك فعلت انت ثم فسر بقوله

{ اتتك آياتنا } اى آيات الكتاب او دلائل القدرة وعلامات الوحدة واضحة نيرة بحيث لا تخفى على احد

{ فنسيتها } اى عميت عنها وتركتها ترك المنسى الذى لا يذكر اصلا

{ وكذلك } اى ومثل ذلك النسيان الذى كنت فعلته فى الدنيا

{ اليوم تنسى } تترك فى العمى والعذاب جزاء وفاقا لكن لا ابدا كما قيل بل الى ما شاء اللّه ثم يزيله عنه ليرى اهوال القيامة ويشاهد مقعده من النار ويكون ذلك له عذابا فوق العذاب وكذلك البكم والصم يزيلهما اللّه عنهم اسمع بهم وابصر يوم يأتوننا.

١٢٧

{ وكذلك } اى ومثل ذلك الجزاء الموافق للجناية

{ نجزى من اسرف } فى عصيانه والاسراف مجاوزة الحد فى كل فعل يفعله الانسان وان كان ذلك فى الانفاق اشهر

{ ولم يؤمن بآيات ربه } اى بالقرآن وسائر المعجزات بل كذبها واعرض عنها

{ ولعذاب الآخرة } على الاطلاق او عذاب النار

{ اشد } مما نعذبهم به فى الدنيا من ضنك العيش ونحوه

{ وابقى } وادوم لعدم انقطاعه فمن اراد ان ينجو من عذاب اللّه وينال ثوابه فعليه ان يصبر على شدائد الدنيا فى طاعة اللّه ويجتنب المعاصى وشهوات الدنيا فان الجنة قد حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات كما ورد دعا اللّه جبريل فارسله الى الجنة فقال انظر اليها والى ما اعددت لاهلها فيها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها احد الا دخلها احد ثم ارسله الى النار فقال انظر اليها وما اعددت لاهلها فرجع اليه فقال وعزتك لا يدخلها احد يسمع بها فخفت بالشهوات فقال عد اليها فانظر فرجع فقال وعزتك لقد خشيت ان لا يبقى احد الا دخلها - روى - ان اهل النار اذا انتهوا الى ابوابها استقبلتهم الزبانية بالاغلال والسلاسل وتسلك السلسلة فى فيه وتخرج من دبره وتغل يده اليسرى الى عنقه وتدخل يده اليمنى فى فؤاده وتنزع من بين كتفيه ويشد بالسلاسل ويقرن كل آدمى مع شيطان فى سلسلة ويسحب على وجهه تضربه الملائكة بمقامع من حديد كلما ارادوا ان يخرجوا منها من غم اعيدوا فيها وفى الحديث ( ان ادنى اهل النار عذابا الذى يجعل له نعلان يغلى منهما دماغه فى رأسه )

فعلى العاقل ان يجتنب اسباب العذاب والعمى ويجتهد ان لا يحشر اعمى واشد العذاب عذاب القطيعة من اللّه الوهاب

بعد حق باشد عذاب مستهين ... ازنعيم قرب عشرت سازهين

هركه ن بينا شود ازآى هو ... ما ند در تاريك مردمهاى او.

١٢٨

{ أفلم يهد لهم كم اهلكنا قبلهم من القرون } الهمزة للانكار التوبيخى والفاء للعطف على مقدره والهداية بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل هو الجملة بمضمونها ومعناها وضمير لهم للمشركين المعاصرين لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم . والقرون جمع قرن وهو القوم المقترنون فى زمن واحد . والمعنى اغفلوا فلم يبين لهم مآل امرهم كثرة اهلاكنا للقرون الاولى او الفاعل الضمير العائد الى اللّه . والمعنى أفلم يفعل اللّه لهم الهداية فقوله اهلكنا بيان لتلك الهداية بطريق الالتفات . ومن القرون فى محل النصب على انه وصف لممزكم اى كم قرنا كائنا من القرون

{ يمشون فى مساكنهم } حال من القرون اى وهم فى امن وتقلب فى ديارهم او من الضمير فى لهم مؤكدا للانكار اى أفلم يهد اهلاكنا للقرون السالفة من اصحاب الحجر وثمود وقريات قوم لوط حال كونهم ماشين فى مساكنهم مارين بها اذا سافروا الى الشام مشاهدين لآثار هلاكهم مع ان ذلك مما يوجب ان يهتدوا الى الحق فيعتبروا لئلا يحل بهم مثل ما حل باولئك.

قال الراغب المشى الانتقال من مكان الى مكان بارادة والسكون ثبوت الشئ بعد تحرك ويستعمل فى الاستيطان نحو سكن فلان مكان كذا اى استوطنه واسم المكان مسكن والجمع مساكن

{ ان فى ذلك } اى فى الاهلاك بالعذاب

{ لآيات } كثيرة واضحة الهداية ظاهرة الدلالة على الحق فاذن هو هاد وأى هاد

{ لاولى النهى } جمع نهية بمعنى العقل اى لذوى العقول الناهية عن القبائح وفيه دلالة على ان مضمون الجملة هو الفاعل لا المفعول : وفى المثنوى

بس سباس اوراكه ماراد درجهان ... كرد بيدا از بس بيشينيان

تاشنيديم آن سياستهالاى حق ... برقرون ماضيه اندر سبق

استخوان وبشم آن كركان عيان ... بنركيد وبند كيريد اى مهان

عاقل ازسر بنهد اين هستى وباد ... جون شنيد آنجام فرعونان وعاد

ورنه بنهد ديكران ازحال او ... عبرتى كيرند از اضلال او

١٢٩

{ ولولا كلمة سبقت من ربك } اى ولولا الكلمة المتقدمة وهى العدة بتأخير عذاب هذه الامة اى امة الدعوة الى الآخرة لحكمة تقتضيه يعنى ان الكلمة اخبار اللّه ملائكته وكتبه فى اللوح المحفوظ ان امة محمد وان كذبوا فسيؤخرون ولا يفعل بهم ما يفعل بغيرهم من الاستئصال لعلمه ان فيهم من يؤمن ولو نزل بهم العذاب لعمهم الهلاك

{ لكان } عقاب جناياتهم

{ لزاما } اى لزاما لهؤلاء الكفرة بحيث لا تتأخر جناياتهم ساعة لزوم ما نزل باولئك الغابرين عند التكذيب مصدر لازم وصف به للمبالغة

{ واجل مسمى } عطف على كلمة والفصل للاشعار باستقلال كل منهما بنفى لزوم العذاب ومراعاة فواصل الآى اى ولولا اجل مسمى لاعمارهم او لعذابهم وهو يوم القيامة او يوم بدر لما تأخر عذابهم اصلا.

واعلم ان اللّه تعالى حرضهم على الايمان من طريق العبرة والاستدلال رحمة منه تعالى ليعود نفعه اليهم لا له : كما قال فى المثنوى

دون خلقت الخلق كى يربح على ... لطف توفرمود اى قيوم وحى

لا لان اربح عليهم جودتست ... كه شود زوجمله ناقصها درست

وقع فى الكلمات القدسية ( ا عبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيأ يا عبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيأ ) فعلى العاقل التمسك بكلمة التوحيد حذرا من وقوع الوعيد وفى الحديث ( لتدخلن الجنة كلكم الا من ابى ) قيل يا رسول اللّه من ذا الذى ابى قال ( من لم يقل لا اله الا اللّه قبل ان يحل بينكم وبينها فانها كلمة التوحيد وهى العروة الوثقى وهى ثمن الجنة )

ثم ان تأخير العقوبة يتضمن لحكم منها رجوع التائب وانقطاع حجة المصر فينبغى للعاقل المكلف ان يتعظ بمواعظ القرآن الكريم ويتقى القادر الحكيم ويجتهد فى الطاعة والانقياد ولا يكون اسوء من الجماد مع ان الانسان اشرف المخلوقات وابدع المصنوعات.

عن جعفر طيار رضى اللّه عنه قال كنت مع النبى عليه السلام فى طريق فاشتد علىّ العطش فعلمه النبى عليه السلام وكان حذاءنا جبل فقال عليه السلام ( بلغ منى السلام الى هذا الجبل وقل له يسقيك ان كان فيه ماء ) قال فذهبت اليه وقلت السالم عليك ايها الجبل فقال بنطق فصيح لبيك يا رسول اللّه فعرضت القصة فقال بلغ سلام الى رسول اللّه وقل له منذ سمعت قوله تعالى

{ فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجار } بكيت لخوف ان اكون من الحجارة التى هى وقود النار بحيث لم يبق فىّ ماء يقال من لم ينزجر بزواجر القرآن ولم يرغب فى الطاعات فهذا اشد قسوة من الحجارة واسوء حالا من الجمادات نسأل اللّه تليين القلوب.

١٣٠

{ فاصبر على ما يقولون } اى اذا كان الامر على ما ذكر من ان تأخير عذابهم ليس باهمال بل امهال وانه لازم لهم البتة فاصبر على ما يقولون فيك من كلمات الكفر والنسبة الى لاسحر والجنون الى ان يحكم فيهم فان علمه عليه السلام بانهم معذبون لا محالة مما يسليه ويحمله على الصبر.

وفى التأويلات النجمية على ما يقول اهل الاعتراض والانكار لانك محتاج فى التربية الى ذلك لتبلغ الى مقام الصبر انتهى.

قال بعضهم هذا منسوخ بآية السيف.

وفى الكبير هذا غير لازم لجواز ان يقاتل ويصبر على ما يسمع منهم من الاذى.

قال الراغب الصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع او عما يقتضيان حبسها عنه فالصبر لفظ عام وربما خولف بين اسمائه بحسب اختلاف مواقعه فان كان حبس النفس لمصيبة يسمى صبرا لا غير ويضاده الجزع وان كان فى محاربة سمى شجاعة ويضاده الجبن وان كان فى نائبة سمى رحب الصدر ويضاده الضجر وان كان فى امساك الكلام سمى كتمانا ويضاده البذل وقد سمى اللّه تعالى كل ذلك صبرا ونبه عليه بقوله

{ والصابرين فى البأساء والضراء } وقال تعالى

{ والصابرين على ما اصابهم والصابرين والصابرات } ويسمى الصوم صبرا لكونه كالنوع له

{ وسبح } ملتبسا

{ بحمد ربك } اى صل حامدا لربك على هدايته وتوفيقه بطريق اطلاق اسم الجزء على الكل لان التسبيح وذكر اللّه تعالى يفيد السلوة والراحة وينسى جميع ما اصاب من الغموم والاحزان

{ ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب } { قبل طلوع الشمس } المراد صلاة الفجر وفى الخبر

ان الذكر والتسبيح الى طلوع الشمس افضل من اعتقا ثمانين رقبة من ولد اسماعيل خص اسماعيل غروبها بعد زوالها

{ ومن آناء الليل } اى بعض ساعاته جمع انى بالكسر والقصر كمعى وامعاء واناء بالفتح والمد

{ فسبح } فصل والمراد المغرب والعشاء وتقديم الوقت فيهما لاختصاصهما بمزيد الفضل فان القلب فيهما اجمع والنفس الى الاستراحة اميل فتكون العبادة فيها اشق

{ واطراف النهار } امر بالتطوع اجزاء النهار.

وفى العيون هو بالنصب عطف على ما قبله من الظروف اى سبح فيها وهى صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار لارادة الاختصاص كما فى قوله تعالى

{ حافظوا على الصوات والصلاة الوسطى } صلاة العصر عند بعض المفسرين.

وفى الجلالين قبل غروبها صلاة العصر واطراف النهار صلاة الظهر فى طرف النصف الثانى ويسمى الواحد بسم الجمع.

وقال الطبرى قبل غروبها وهى العصر ومن آناء الليل هى العشاء الآخرة واطراف النهار الظهر والمغرب لان الظهر فى آخر الطرف الاولى من النهار وفى اول الطرف الثانى فكأنها بين طرفين والمغرب فى آخر الطرف الثانى فكانت اطرافا انتهى . وبهذا احتج الشيخ ابو القاسم الفزارى فى الاسئلة المقحمة وقد مضى ما يناسب هذه الآية فى اواخر سورة هود وسيأتى فى سوررة ق ايضا

{ لعلك ترضى } متعلق بسبح اى سبح فى هذه الاوقات رجاء ان تنال عنده تعالى ما ترضى به نفسك ويسر به قلبك.

وقال الكاشفى [ خوشنودى در اصح اقوال بكرامتئ ما شدكه خداى تعالى اورا عطا دهد وآن شفاعت امتست ونكته

{ ولسوف يعطيك ربك فترضى } تقويت اين قول ميكند ]

امت همه جسمند وتويى جان همه ... ايشان همه آن تو وتوآن همه

خوشنودئ توجست خدادرمحشر ... خوشنود نه مكر بغفران همه

واعلم ان الاشتغال بالتسبيح استنصار من المسبح للنصر على المكذبين وان الصلاة اعظم ترياق لازالة الالم ولذا كان النبى عليه السلام اذا حزبه امر فزع الى الصلاة وكان آخر ما اوصى به الصلاة وما ملكت ايمانكم والآية جامعة لذكر الصلوات الخمس.

عن جرير بن عبد اللّه كنا جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرأى القمر ليلة البدر فقال ( انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون فى رؤيته فان استطعتم ان لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وصبح بحمد ربك ) الآية قوله لا تضامون بتشديد الميم من الضم اى لا يضم بعضكطم بعضا ولا يقول ارنيه بل كل ينفرد برؤيته فالتاء مفتوحة والاصل تتضامون حذفت منه احدى التاءين وروى بتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم فالتاء مضمومة يعنى لا ينالكم ضيم بان يرى بعضكم دون بعض بل تستوون كلكم فى رؤيته تعالى وفى الحديث ( ان اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا ) يقال من دوام على الصلوات الخمس فى الجماعة يرفع اللّه عنه ضيق العيش وعذاب القبر ويعطى كتابه بيمينه ويمر على لاصراط كالبرق ويدخل الجنة بيغر حساب ومن تهون فى الصلاة فى الجماعة يرفع اللّه البركة من رزقه وكسبه وينزع سيما الصالحين من وجهه ولا يقبل منه سائر عمله ويكون بغضيا فى قلوب الناس ويقبض روحه عطشان جائعا يشق نزعه ويبتلى فى القبر بشدة مسألة منكر ونكير وظلمة القبر وضيقه وبشدة الحساب وغضب الرب وعقوبة اللّه فى النار وفى الحديث ( امتى امة مرحومة وانما يدفع اللّه عنهم البلاء باخلاصهم وصلواتهم ودعائهم وضعفائهم ) وعن قتادة ان دانيال النبى عليه السلام نعت امة محمد فقال يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما اغرقوا ولو صلاها قوم عاد ما ارسلت عليه الريح ولو صلاها ثمود ما اخذتهم الصيحة فعلى المؤمن ان لا ينفك عن الصلاة والدعاء والالتجاء الى اللّه تعالى.

١٣١

{ ولا تمدن عينيك } اصل المد الجر ومنه المدة للوقت الممتد واكثر ما جاء الامداد فى المحبوب والمد فى المكروه نحو امددناهم بفاكهة ونمد له من العذاب مدا والعين الجارحة بخلاف البصر ولذا قال تعالى فى الحديث القدسى ( كنت له سمعا وبصرا ) دون اذنا وعينا والمعنى لا تطل نظرهما بطريق الرغبة والميل.

وقال بعضهم مد النظر تطويله وان لا يكاد يرده استحسانا للمنظور اليه واعجابا به وتمنيا ان له مثله.

وفيه دليل على ان النظر الغير الممدود معفو عنه لانه لا يمكن الاحتراز منه وذلك ان يباده الشئ بالنظر ثم يغض الطرف ولما كان النظر الى الزخارف كالمركوز فى الطباع وان من ابصر مناه شيأ احب ان يمد اليه نظره ويملأ عينيه قيل له عليه السلام

{ لا تمدن عينيك } اى لا تفعل ما عليه جبلة البشر.

قال الكاشفى ابو رافع رضى اللّه عنه نقل ميكندكه مهمانى نزد بيغمبر آمد ودرخانه جيزى نبودكه بدان اصلاح شان مهمان توانستى نمود ممر بنزديك يكى ازيهود فرستاد وكفت اورا بكوكه محمد رسول اللّه ميكويدكه مهمانى بمنزل ما نزول نموده ونمى يابيم نزديك خود جيزى كه بدان اصلاح شان مهمان توانستى نمود ونمى يابيم نزديك خود جيزى كه بدان شرائط ضيافت بتقديم رسد اين مقدار آرد بما بفروش ومعامله كن تاهلال رجب جون وقت برسدبها بفرستم من بيغام به يهودى رسانيدم واوكفت نمى فروشم ومعامله نميكنم مكر آنكه جيزى دركرو من نهيد من باحضرت مراجعت نمودم وصورت حال بازكفتم حضرت فرمود واللّه انى لامين فى السماء وامين فى الارض اكر بامن معامله كردى البتة حق اورا ادا كردمى بس زره خود بمن داد تانزديك او كرو كردم اين آيت جهت تسليت دل مبارك وى نازل شد

{ ولا تمدن عينيك } وباز مكش نظر جشمهاى خودرا يعنى منكر ]

{ الى ما متعنا به } نفعنا به من زخارف الدنيا ومنه متاع البيت لما ينتفع به واصل المتوع الامتداد والارتفاع يقال منع النهار ومتع النبات ارتفع والمتاع انتفاع ممتد الوقت : والمعنى بالفارسية [ بسوى آن جيزى كه برخوردار كردانيديم بدان جيزى ].

وفى الكبير الذ ذنابه والامتاع الالذاذ بما يدرك من المناظر الحسنة ويسمع من الاصوات المطربة ويشم من الريح الطيبةوغير ذلك من الملابس والمناكح

{ ازواجا منهم } اى اصنافا من الكفرة كالوثنى يدل عليه متعنا اى اعطنا زينة الدنيا وبهجتها ونضارتها وحسنها.

قال الواسطى هذه تسلية للفقراء وتعزية لهم حيث منع خير الخلق عن النظر الى الدنيا على وجه الاستحسان

{ لنفتنهم فيه } اى لنعاملهم فيما اعطينا معاملة من نبتليهم حتى يستوجبوا العذاب نزيلد لهم النعمة فيزيدوا كفرا وطغيانا فمن هذه عاقبته لا بد من التنفر عنه فانه عند الامتحان يكرم الرجل او يهان.

وقد شدد العلماء من اهل التقوى فى وجوب غض البصر عن الظلمة وعدد الفسقة فى ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن لا تنظروا الى دقدقة همليج الفسقة ولكن انظروا كيف يلوح ذل المعصية من تلك الرفات وهذا لانهم اتخذوا هذه الاشياء لعيون النظارة فالناظر اليها محصل لغرضهم ومغر لهم على اتخاذها وفى الحديث ( ان الدنيا ) اى صورتها ومتاعها ( حلوة ) شيرين ( خضرة حسنة فى المنظر تعجب الناظر ) وانما وصفها بالخضرة لان العرب تسمى الشئ الناعم خضراء ولتشبيهها بالخضروات فى سرعة زوالها وفيه بيان كونها غرارة تفتن الناس بحسنها وطعمها : قال الخجندى

جهان وجمله لذاتش بزنبور عسل ماند ... كه شيرينيش بسيارست وزان افزون شر وشورش ... وفى المثنوى

هركه از ديدار بر خوردار شد ... اين جهان درجشم او مردار شد

وقال الحافظ

ازره مرو بعشوه دنيى كه اين عجوز ... مكاره مى نشيند ومحتاله مى رود

وقال خوش عروسيست جهان ازره سورت ليكن ... هركه بيوست بدو عمر خودش كابين داد

{ وان اللّه مستخلفكم فيها } اى جاعلكم خلفاء فى الدنيا يعنى ان اموالكم ليست هى فى الحقيقة لكم وانما هى لله تعالى جعلكم فى التصرف فيها بمنزلة الوكلاء

{ فاظر كيف تعلمون } اى يتصرفون.

وعن عيسى بن مريم عليه السلام لا تتخذوا الدنيا ربا فتتخذكم لها عبيدا.

وفى التأويلات النجمية يشير بقوله

{ ولا تمدن عينيك } الى عينى البصر والبصيرة وهما عين الرأس وعين القلب واختص النبى عليه السلام بهذا الخطاب واعتز بهذا العتبا لمعنيين احدهام لانه مخصوص من جميع الانبياء بالرؤية ورؤية الحق لا تقبل الشرك كما ان اللسان بالتوحيد لا يقبل الشرك والقلب بالذكر لا يقبل الشرك او قال اذكر ربك اذا نسيت اى بعد نسيان ما سواه فكذلك الرؤية لا تقبل الشرك وهو مد العينين

{ الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا } وهو الدنيا والآخرة لكن اكتفى بذكر الواحد عن الثانى والازواج اهل الدنيا والآخر اى اعسل عينى ظاهرك وباطنك بماء العزة عن وصمة رؤية الدنيا والآخرة لاستحقاق اكتحالهما بنور جلالنا لرؤية جمالنا وانما متعنا اهل الدارين بهما عزة لحضرة جلالنا

{ لنفتنهم فيه } باشتغالهم بتمتعات الدارين عن الوصول الى كمال رؤية جمالنا.

قيل قرئ عند الشبلى قدس سره

{ اصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون } فشهق شهقة وقال مساكين لا يدرون عمن شغلوا حين شغلوا

{ ورزق ربك } اى ما ادخر لك فى الآخرة من الثواب او ما اوتيته من يسير الكفاية مع الطاعة والرزق يقال للعطاء دنيويا كان او اخرويا وللنصيب تارة لوما يوصل الى الجوف ويتغذى به تارة

{ خير } لك مما منحهم فى الدنيا لانه مع كونه فى نفسه اجل ما يتنافس فيه المتنافسون مأمون الغائلة بخلاف ما منحوه

{ وابقى } فانه لا يكاد ينقطع ابدا.

قال الكاشفى [ در كشف الاسرار آورزده كه زهر درلغت شكوفه است حق سبحانه وتعالى دنيارا شكوفه خواند زبراكه تروتا زكئ اودوسه روزه بيش نباشد در اندك فرصتى بزمرده كردد ونيست شود

مال جهان بباغ تنعم شكوفه ايست ... كاول بجلوه دل بربايد زاهل حال

يكهفته نكذردكه فرو ريزد ازدرخت ... برخاك ره شود جوخس وخاك بايمال

اهل كمال در دل خود جا جرا دهند ... آنراكه دميدم زبى است آفت زوال

فعلى العاقل ان يختار الرزق الذى هو الباقى ولا يلتفت الى النعيم الذى هو الفانى وينع بما فى يده من القوت الى ان يموت : قال الشيخ سعدى قدس سره

كر آزاده برزمين خسب وبس ... مكن بهر فانى زمين بوس كس

نيرزد عسل جان من زخم نيش ... قناعت نكوتر بدوشاب خويش

خداوند زان بنده خرسند نيست ... كه راضى بقسم خداوندنيست

مبندار جون سركه خود خورم ... كه جور خداوند حلو برم

قناعت كن اى نفس براندكى ... كه سلطان ودرويش بينى يكى

كند مردرا نفس امارة خوار ... اكر هو شمندى عزيزش مدار

ثم ان الرزق المعتبر غاية الاعتبار ما صار غذاء للروح القدسى من العلم والحكمة والفيض الازلى والتجلى : وفى المثنوى

فهم نان كردى نه حكمت اى رهى ... زانكه حقت كفت كلوا من رزقه

رزق حق حكمت به بود درمرتبت ... كان كلو كيرت نباشت عاقبت

اين دهان بستى دهانى بازسد ... كه خورنده لقمهاى رازشد

كر زشير ديوتن را وابرى ... در فطام او بسى نعمت خورى

١٣٢

{ وأمر اهلك بالصلاة } يعنى كما امرناك بالصلاة فأمر انت اهل بيتك فان الفقير ينبغى ان يستعين بها على فقره ولا يهتم بامره المعيشة ولا يلتفت الى جانب اهل الغنى

{ واصطبر عليها } وداوم انت وهم عليها غير مشتغل بامر المعاش فكان النبى صلّى اللّه عليه وسلّم يذهب الى فاطمة وعلى كل صباح ويقول

{ الصلاة } كان يفعل ذلك اشهرا.

قال فى عرائس البقلى الاصطبار مقام المجاهدة والصبر مقام المشاهدة.

قال ابن عطاء اشد انواع الصبر الاصطبار وهو السكون تحت موارد البلاء بالسر والقلب والصبر بالنفس لا غير

{ لا نسئلك رزقا } اى لا نكلفك ان ترزق نفسك ولا هلك انما نسألك العبادة

{ نحن نرزقك } واياهم ففرغ بالك لامر الآخرة فان من كان فى عمل اللّه كان اللّه فى عمله

{ والعاقبة } الحميدة وهى الجنة فان اطلاقها يختص بالثواب : وبالفارسية [ وسر انجام بسديده ]

{ للتقوى } اى لاهل التقوى يعنى لك ولمن صدقك لا لاهل الدنيا هى مع الآخرة لا تجتمعان فهو على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه تنبيها على ان ملاك الامر هو التقوى وهو ذم النفس والجوارح عن جميع ما يقبحه العلم - روى - انه عليه السلام كان اذا اصابه اهله ضر امرهم بالصلاة وتلا هذه الآية.

قال وهب بن منب ان الحوائج لم تطلب من اللّه تعالى بمثل الصلاة وكانت الكرب العظام تكشف عن الاولين بالصلاة وقلما نزلت باحد منهم كرب الا وكان مفزعه الى الصلاة وقال اللّه تعالى فى قصة يونس

{ فلولا انه كان من المسبحين } قال ابن عباس رضى اللّه عنهما يعنى من المصلين للبث فى بطنه الى يوم يبعثون يعنى لبقى فى بطن الحوت الى يوم القيامة.

وعن الشافعى رحمه اللّه اخذا من هذه الآية لم ار انفع للوباء من التسبيح.

قال يحيى بن معاذ رحمه اللّه للعابدين اردية يسكونها من عند اللّه سداها الصلاة ولحمتها الصوم وصلاة الجسد الفرائض والنوافل وصلاة النفس عروجها من حضيض البشرية الى ذروة الروحانية وخروجها عن اوصافها لدخولها الجنة المشرفة بالاضافة الى الحضرة بقوله

{ فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى } وصلاة القلب دوام المراقب ولزوم المحاضرة كقوله

{ الذين هم فى صلواتهم خاشعون } وصلاة السر عدم الالتفات الى ما سوى اللّه تعالى مستغرقا فى بحر المشاهدة كما يقال كما قال عليه السلام ( اعبد اللّه كأنك تراه ) وصلاة الروح فناؤه فى اللّه وبقاؤه باللّه كما قال تعالى

{ من يطع الرسول فقد اطاع اللّه } لانه الفانى عن نفسه الباقى بربه فمن صلى هذه الصلاة اغناه اللّه عما عند الناس ورزقه مما عنده كما قال تعالى

{ ووجدك عائلا فاغنى } ومن هنا كان يقول صلّى اللّه عليه وسلّم ( ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى )

نيست غير نور آدم را خورش ... جانرا جزآن نباشد برورش

جون خورى يكبار ازان ماكول نور ... خاك ريزى بر سر نان تنور

١٣٣

{ وقالوا } يعنى كفار قريش

{ لولا } هلا

{ يأتينا } [ جرا نمى آرد محمد براى ما ]

{ بآية } مما اقترحنا نحن ومن نعتد به

{ من ربه } كموسى وعيسى ليكون علامة لنبوته بلغوا من العناد الى حيث لم يعدوا ما شاهدوا من المعجزات من قبيل الآيات حتى اجترأوا على التفوه بهذه الكلمة العظيمة

{ أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الاولى } الهمزة لانكار الوقوع والواو للعطف على مقدر والبينة الدلالة الواضحة عقلية كانت او حسية والمراد هنا القرآن الذى فيه بيان للناس وما عبارة عن العقائد الحقية واصول الاحكام التى اجتمعت عليها كافة الرسل . والصحف جمع صحيفة وهى التى يكتب فيها وحروف التهجى صحيفة على حدة مما انزل على آدم والمراد بها التوراة والانجيل والزبور وسائر الكتب السماوية . والمعنى ألم يأتهم سائر الآيات ولم تأتهم خاصة بينة ما فى الصحف الاولى اى قد اتاهم آية هى ام الآيات واعظمها فى باب الاعجاز وهو القرآن الذى فيه بيان ما فى الكتب الالهية وهو شاهد بحقية ما فيها وبصحة ما ينطق من انباء الامم من حيث انه غنى باعجازه عما يشهد بحقيته حقيق باثبات حقية غيره فاشتماله على زبدة ما فيها مع ان الآتى به امى لم يرها ولم يتعلم ممن علمها اعجاز بين.

ثم بين انه لا عذر لهم فى ترك الشرائع وسلوك طريق الضلالة بوجه ما فقال

١٣٤

{ ولو انا اهلكناهم } فى الدنيا

{ بعذاب } مستأصل

{ من قبله } متعلق باهلكنا اى من قبل اتيان البينة عن العبث لوجود المفسر ثم ابدل من الضمير المتصل وهو الفاعل ضمير منفصل وهو انا لنعتذر الاتصال لسقوط ما يتصل به فانا فاعل الفعل المحذوف لا مبتدأ ولا تأكيد اذ لم يعهد حذف المؤكد والعامل مع بقاء التأكيد

{ لقالوا } يوم القيامة احتجاجا

{ ربنا لولا ارسلت } [ جرا ففر ستادى ]

{ الينا } فى الدنيا

{ رسولا } مع كتاب

{ فنتبع آياتك } التى انزلت معه

{ من قبل ان نذل } بذل الضلاة وعذاب القتل والسبى فى الدنيا كما وقع يوم بدر والذل الهوان وضد الصعوبة.

وقال الراغب الذل ما كان من قهر والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر وقوله تعالى

{ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } اى كن كالمقهور لهما

{ ونخزى } بعذاب الآخرة ودخول النار اليوم : وبالفارسية [ ورسوا كنيم درقيامت بدخول درآتش ].

قال الراغب خزى الرجل لحقه انكسارا ما من نفسه

واما من غيره فالذى يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط ومصدره الخزاية والذى يلحقه من غيره يقال هو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزى . والمعنى ولكنا لم نهلكهم قبل اتيانها فانقطعت معذرتهم فعند ذلك اعترفوا وقالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل اللّه من شئ.

قال فى الاسئلة المقحمة هذا يدل على انه يجب على اللّه ان يفعل ما هو الاصلح لعباده المكلفين اذ لو لم يفعل لقامت لهم عليه الحجة بان قالوا هلا فعلت بنا ذلك حتى نؤمن والجواب لو كان يجب عليه ما هو الاصلح لهم لما خلقهم فليس فى خلقه اياهم وارسال الرسل اليهم رعاية الاصلح لهم مع علمه بانهم لا يؤمنون به ولكنه ارسل الرسل واكد الحجة وسلب التوفيق ولله تعالى ما يشاء بحق المالكية.

١٣٥

{ قل } لاولئك الكفرة المتمردين

{ كل } اى كل واحد منا ومنكم

{ متربص } انتظار الامر او زواله منتظرا لما يؤول اليه امرنا وامركم.

قال الكاشفى [ ييعنى شما نكبت ماراجثم ميداريد وما عقوبت شمارا ].

قال فى الكبير كل منا ومنكم منتظر عاقبة امره اما قبل الموت بسبب الجهاد وظهور الدولة والقوة او بعد الموت بالثواب والعقاب وبما يظهر على المحق من انواع كرامة اللّه وعلى المبطل من انواع اهانته - روى - ان المشركين قالوا نتربص بمحمد حوادث الدهر فاذا مات تخلصنا فقال تعالى

{ فتربصوا } انتم

{ فستعلمون } عن قريب اذا جاء امر اللّه

{ من اصحاب الصراط السوى } المستقيم . والاصحاب جمع صاحب بمعنى الملازم . والصراط من السبيل ما لا التواء فيه اى لا اعوجاج بل يكون على سبيل القصد

{ ومن اهتدى } من الضلال اى أنحن ام انتم كما

قال بعضهم

سوف ترى اذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك ام حمار

وفيه تهديد شديد لهم.

قال الكاشفى [ مراد حضرت بيغمبرست كه هم راه يافته وهم راه نماينده است ]

دان وراه بين وراه بر ... در حقيقت نيست جزخير البشر

وفى الآية اشارة الى المهتدين بالوصول اليه بقطع المنازل والانفصال عما سواه والمنقطعين عنه باتصال غيره كما قال الخجندى

وصل ميسر نشود جز بقطع ... قطع نخست ازهمه ببريدنست

واعلم ان اللّه تعالى قطع المعذرة بالامهال والارشاد فلله الحجة البالغة.

وعن ابى سعيد الخدرى رضى اللّه عنه قال قال عليه سلم ( يحتج على اللّه ثلاثة الهالك فى الفترة يقول لم يأتنى رسول اللّه وتلا لولا ارسلت الينا رسولا والمغلوب على عقله يقول لم تجعل لى عقال انتفع به ويقول الصغير كنت صغيرا لا اعقل فترفع لهم نار ويقال ادخولها فيدخلها من كان فى علم اللّه انه سعيد وينكل عنها من كان فى علمه انه شقى فيقول اللّه اياى عصيتم فكيف برسلى لو أتوكم ) كما فى التفسير الكبير وفى الحديث ( لا يقرأ اهل الجنة من القرآن الا سورة طه ويس ) كما فى الكشاف.

﴿ ٠