سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ مِائَةٌ وَاثْنَتَا عَشَرَةَ آيَةً

١

{ اقترب للناس حسابهم } يقال قرب الشئ واقترب اذا دنا وقربت منه ولذا قال فى العيون اللام بمعنى من وهى متعلقة بالفعل وتقديمها على الفاعل للمسارعة الى ادخال الروعة فان نسبة الاقتراب اليهم من الول الامر مما يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجا من المقترب والمراد بالناس المشركون المنكرون للبعث من اهل مكة كما يفصح عنه ما بعده من الغفلة والاعراض ونحوهما . والحساب بمعنى المحاسبة وهو اظهار ما للبعد وما عليه ليجازى على ذلك والمراد باقتراب حسابهم اقترابه فى ضمن اقتراب الساعة وسمى يوم القيامة بيوم الحساب تسمية للزمان باعظم ما وقع فيه واشده وقعا فى القلوب فان الحساب وهو الكاشف عن حال المرء ومعنى اقترابه لهم تقاربه ودنوه منهم بعد بعده عنهم فانه فى كل ساعة من ساعات الزمان اقرب اليهم من الساعة السابقة مع ان ما مضى اكثر مما بقى وفى الحديث ( اما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الامم كما بين صلاة العصر الى غروب الشمس ) وانما لم يعين الوقت لان كتمانه اصلح كوقت الموت . والمعنى دنا من مشركيى قريش وقت محاسبة اللّه اياهم على اعمالهم السيئة الموجبة للعقاب يعنى القيامة.

وقال الكاشفى نقلا عن بعض [ نزديك شد وقت مؤاخذت وياد داشت ايشان كه قتل وكرفتارئ روز بدرست ].

يقول الفقير هذا هو الاظهر عندى لان زمان الموت متصل بزمان القيامة فاقتراب وقت مؤاخذتهم بالقتل ونحوه فى حكم اقتراب وقت محاسبتهم بالقيامة ومثله من مات فقد قامت قيامته

{ وهم فى غفلة } الغفلة سهو يعترى من قلة التحفظ والتيفظ اى والحال انهم فى فغلة تامة من الحساب على النقير والقطمير والتأهب له ساهون عنه بالكلية لا انهم غير مبالين مع اعرتفاهم باتيانه بل منكرون له كافرون به مع اقتضاء عقولهم لان الاعمال لا بدلها من الجزاء والالزم التسوية بين المطيع والعاصى وهى بعيدة عن مقتضى الحكمة والعدالة

{ معرضون } عن الايمان والآيات والنذر المنبهة لهم من سنة الغفلة يقال اعرض اى ولى مبديا عرضه اى ناحيته وهما خبران للضمير وحيث كانت الفغلة امرا جبليا لهم جعل الخبر الاول ظرفا مبنا عن الاستقرار بخلاف الاعراض والجملة حال من الناس.

وفى التأويلات النجيمة واذا نصحهم ناصح واقف على احوالهم فهم معرضون عن استماع قوله ونصيحته كما قال

{ ولكن لا تحبون الناصحين } قال الشيخ سعدى

كسى راكه بندار در سر بود ... بمندار هركز كه حق بشنود

زعلمش ملال آيداز وعظ ننك ... شقائق بباران زويد زسنك

وفى العرائس للبقلى ان اللّه تعالى حذر الجمهور من مناقشته فى الحساب وزجرهم حتى ينتهوا عن رقاد الغفلات وقرب الحساب اقرب من كل شئ منهم لو يعلمون فانه تعالى يحاسب العباد فى كل لمحة ونفس وحسابه ادق من الشعر واخفى من دبيب النمل على الصفا ولا يعرف ذلك الا المراقبون الذين يحاسبون فى كل نفس وخطوة وهم فى غفلة وفى حجاب عن مشاهدة اللّه معرضون عن طاعته اذ لا حظ لهم فى الطاعات ولا شرب لهم فى المشاهدات . د

٢

{ ما يأتيهم من ذكر } من طائفة نازلة من القرآن تذكرهم الحساب اكمل تذكير وتنبههم عن الغفلة اتم تنبيه كأنها نفس الذكر

{ من ربهم } من الابتداء الغاية مجازا متعلقة بيأتيهم وفيه دالة على فضله وشرفه وكمال شناعة ما فعلوا به

{ محدث } بالجر صفة لذكر اى محدث تنزيله بحسب اقتضاءه الحكمة لتكرره على اسماعهم للتنبيه كى يتعظون فالمحدث تنزيله فى كل وقت على حسب المصالح وقدر الحاجة لا الكلام الذى هو صفة قديمة ازلية وايضا الموصوف بالاتياء وبانه ذكر هو المركب من الحروف والاصوات وحدوثة مما لا نزاع فيه قالوا القرآن اسم مشترك يطلق على الكلام الازلى الذى هو صفة اللّه وهو الكلام النفسى القديم من قال بحدوثه كفر ويطلق ايضا على ما يدل عليه وهو النظم المتلو الحادث من قال بقدمه سجل على كمال جهله

{ الا استمعوه } استثناء مفرغ محله النصب على انه حال من مفعلو يأتيهم باضمار قد

{ وهم يلعبون } حال من فاعل استمعوه يقال لعب اذا كان فعل غير قاصد به مقصدا صحيحا.

٣

{ لاهية قلوبهم } حال اخرى يقال لها عنه اذا ذهل وغفل.

قال الراغب اللهو ما يشغل الانسان عما يعنيه ويهمه يقال لهوت بكذا ولهيت بكذا اشتغلت عنه بلهو ألهاه عن كذا شغله عما هواهم . والمعنى ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث فى حال من الاحوال الاحال استماعهم اياه لاعبين مستهزئين به لاهين عنه متشاغلين عن التأمل فيه لتناهى غفلتهم وفرط اعراضهم عن النظر فى الامور والتفكر فى العواقب قدم اللعب على اللهو تنبيها على انهم انما قدموا على اللعب لهذولهم عن الحق فاللعب الذى هو السخرية والاستهزآء نتيجة اللهو الذى هو الغفلة عن الحق والذهول عن التفكر.

قال بعضهم القلب اللاهى هو المشغول باحوال الدنيا والغافل عن احوال العقبى.

قال الواسطى لاهية عن المصادر والموارد والمبدأ والمنتهى

يا الهى بحود نامتناهى ... ازسوا دوركن دل لاهى

{ واسروا النجوى } النجوى فى الاصل : بالفارسية [ راز كفتن ] ثم جعل اسما من التناجى بمعنى القول الواقع بطريق المسارة اى السر بين اثنين فصاعدا يقال تناجى القوم اذا تارّوا وتكالموا سرا عن غيرهم.

قال الراغب ناجيته ساررته واصله ارتحلوا به فى نجوه من الارض اى المرتفع المنفصل برتفاعه عما حوله ومعنى اسرارها مع انها لا تكون الا سرا انهم بالغوا فى اخفائها

{ الذين ظلموا } على انفسهم بالشرك والمعصية بدل من واو اسروا منبئ عن كونهم موصوفين بالظلم الفاحش فيما اسروا به كأنه قيل فماذا قالوا فى نجواهم فقيل قالوا

{ هل هذا } هل بمعنى النفى اى ما محمد

{ الا بشر مثلكم } لحم ودم مساو لكم فى المأكل والمشرب وكل ما يحتاج اليه البشر والموت مقصور على البشرية ليس له وصف الرسالة التى يدعيها والبشر ظاهر الجلد والادمة باطنة عبر عن الانسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التى عليها الصوف والشعر والوبر واستوى فى لفظ البشر الواحد والجمع وخص فى القرآن كل موضع عبر عن الانسان جثته وظاهره يلفظ البشر

{ أفتأتون السحر } الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر

{ وانتم تبصرون } حال من فاعل تأتون مقررن للانكار ومؤكدة للاستبعاد اى ما هذا الا من حسنكم وما اتى به يعنون القرآن سحر أتعلمون ذلك فتأتونه وتحضرونه على وجه الاذعان والقبول وانتم تعاينون انه سحر قالوه لاعتقادهم ان الرسول لا يكون الا ملكا وان كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحر اى الخداع والتخييلات التى لا حقيقة لها.

قال الامام طعنوا فى نبوته بانه بشر وما اتى به سحر وهو فاسد اذ صحة النبوة تعرف من المعجزة لا من الصورة ولو بعث الملك اليهم لم يعلموا نبوته بصورته بل بالمعجزة فاذا ظهر على يد بشر وجب قبوله

لوح صورت بشوى ومعنى جو ... كه صور برك شد معانى بو

وانما اسروا ذلك لما كان هذا الحديث منهم على طريق التشاور فيما بينهم والتحاور فى طلب الطريق الى هدم امر النبوة واطفاء الدين وعادة المتشاورين ان يجتهدوا فى كتمان سرهم عن اعدائهم ما امكن ومنه قول معاذ رفعه الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( استعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان فان كل ذى نعمة محسود)

٤

{ قال } الرسول عليه السلام بعدما اوحى اليه اقوالهم واحوالهم بيانا لظهور امرهم وانكشاف سرهم

{ ربى يعلم القول } سرا كان او جهرا حال كون ذلك القول

{ فى السماء والارض } فضلا عما اسروا به واذا علم القول علم الفعل

{ وهو السميع العليم } اى المبالغ فى العلم بالمسموعات والمعلومات الى من جملتها ما اسروه من النجوى فيجازيهم باقوالهم وافعالهم.

٥

{ بل قالوا اضغاث احلام } لاختلاطها كما فى القاموس . والحلم بضم الحاء وسكون اللام الرؤيا وضم اللام ايضا لغة فيه طريق اضافة الخاص الى العام اضافة بمعنى من وقد تخص الرؤيا بالمنام الحق والحلم بالمنام الباطل كما فى قوله عليه السلام ( لرؤيا من اللّه والحلم من الشيطان ) ثم ان هذا اضراب من جهته تعالى وانتقال من حكاية قول الى آخر اى لم يقتصروا على ان يقولا فى حقه عليه السلام

{ هل هذا الا بشر } وفى حق ما ظهر على يده من القرآن الكريم انه سحر بل قالوا تخاليط احلام اى اخلاط احلام كاذبة رآها فى المنام

{ بل افتراه } من تلقاء نفسه من غير ان يكون له اصل او شبه اصل ثم قالوا

{ بل هو شاعر } وما اتى به شعر يخيل الى السامع معانى لا حقيقة لها وهذا شأن المبطل المحجوج متحير لا يزال يتردد بين باطل وابطل فالاضراب الاول كما ترى من جهته تعالى والثانى والثالث من قبلهم.

قال الراغب شعرت اصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا اى علمت علما فى الدقة كاصابة الشعر قيل وسمى الشاعر لفظنته ودقة معرفته فالشعر فى الاصل اسم للعلم الدقيق فى قولهم ليت شعرى وصار فى التعارف اسما للموزون المقفى من الكلام والشاعر للمختص بصناعته وقوله تعالى حكاية عن الكفار

{ بل هو شاعر } كثير من المفسرين حملوه على انهم رموه بكونه آتيا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا عليه ما جاء فى القرآن من كل لفظة تشبه الموزون من نحو قوله

{ وجفان كالجواب وقدور راسيات } وقوله تعالى

{ تبت يدا ابى لهب } وقال بعض المحققين لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به وذلك انه ظاهر من هذا الكلام انه ليس على اساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الاغتام من العجم فضلا عن بلغاء العرب وانما رموه بالكذب فان الشعر يعبر به عن الكذب والشاعر الكاذب حتى سمعوا الادلة الكاذبة بالشعر ولكون الشعر مقر الكذب . قيل احسن الشعر أكذبه . وقال بعض الحكماء لم ير متدين صادق اللهجة مفلقا فى شعره

در قيامت نرسد شعر بفرياد كسى ... كرسراسر سخنش حكمت يونان كردد

واما قول صاحب المثنوى

از كرامات بلند اولياء ... اولا شعرست وآخر كيميا

فالمراد به القدرة على انساء الكلام الموزون وليس من مقتصاها التكلم

{ فليأتنا بآية } جواب شرط محذوف يفصح عنه السياق كأنه قيل وان لم يكن كما قلنا بل كان رسولا من اللّه فليأتنا بآية جليلة

{ كما ارسل الاولون } اى مثل الآية التى ارسل بها الاولون كاليد والعصا واحياء الموتى والناقة ونظائرها حتى نؤمن به فما موصولة وعائدها محذوفة ومحل الكافر الجر على انها صفة الآية

٦

{ ما آمنت قبلهم } قبل مشركى مكة

{ من قرية } اسم للموضع الذى يجتمع فيه الناس اى من اهل قرية وهو فى محل الرفع على الفاعلية ومن مزيدة لتأكيد العموم

{ اهلكناها } اى باهلاك اهلها لعدم ايمانهم بعد مجيئ ما اقترحوه من الآيات صفة لقرية

{ أفهم يؤمنون } الهمزة لانكار الوقوع والفاء للعطف على مقدر . والمعنى انه لم تؤمن امة من الامم المهلكة عند اعطاء ما اقترحوه من الآيات اهم لم يؤمنوا فهؤلاء يؤمنون لو اجيبوا الى ما سئلوا واعطوا ما اقترحوا مع كونهم اعتى منهم واطغى كما قال تعالى

{ اكفاركم خير من اولائكم } يعنى ان كفاركم مثل اولئك الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون فهم فى اقتراح تلك الآيات كالباحث عن حتفه بظلفه : قال حسان بن ثابت رضى اللّه عنه

ولا تك كالشاة التى كان حتفها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا

واصله ان رجلا وجد شاة واراد ذبحها فلم يظفر بسكين وكنت مربوطة فلم تزل تبحث برجليها حتى ابرزت سكينا كانت مدفونه فذبحها بها يضرب فى مادة تؤدى صاحبها الى التلف وما يورط الرجل فيه نفسه كهذا المستعمق وفيه تنبيه على ان عدم الاتيان بالمقترح للتحرم بهم اذ لو اتى به لم يؤمنوا واستوجبوا عذاب الاستئصال كمن قبلهم وقد سبق وعده تعالى فى حق هذه الامة ان يؤخر عذابهم الى يوم القيامة.

قال فى التأويلات النجمية والآية وان نزلت فى منكرى البعث من الكفار فهى نعم اكثر مدعى الاسلام فى زماننا هذا فانه لا يحدث اللّه فى عالم ربانى من اهل الذكر وهم اهل القرآن الذين هم اهل اللّه وخاصته سرا من اسرار القرآن وحقيقة من حقائق العلوم اللدنية الا اسمعه اهل العزة باللّه وهم يستهزئون به وينكرونه وينكرون عليه لاهية قلوبهم بمتابعة الهوى متعلقة بشهوات الدنيا ساهية عن ذكر اللّه غافلة عن طلبه وتناجوا فى السر الذين ظلموا انفسهم بالانكار على ان الاسرار يقولون فيه ما يأتيكم به من الكلام المموه وانتم تبصرون انه مموه كالسحر قل امرهم الى اللّه فانه يعلم قول اهل السماء سماء القلوب وقول اهل الارض النفوس وهو السميع لاقوال اهل القلوب واقوال اهل النفوس وانكارهم العليم بما فى ضمائرهم وبافعالهم واوصافهم واوصاف سرائرهم بل قالوا كلام المحققين خيالات فاسدة وقال بعض المنكرين بل اختلقه من نفسه وادى انه من مواهب الحق وقال بعضهم بل هو شاعر اى يقول ما يقول بحذاقة النفس وقوة الطبع والذكاء ثم

قال بعضهم لبعض فليأتنا هذا المحق بكرامة ظاهرة كما اتى بها المشايخ المتقدمون ثم قال ما آمنت قبلهم من اهل قرية من المنكرين لما رأوا كرامات اولياء اللّه فاهلكناهم بالخذلان والابعاد أفهم يصدقون اربابا الحقائق ان رأوا كرامة منهم وهم طبعوا على الانكار مثل المنكرين الهالكين وفى المثنوى

مغزرا خالى كن ازانكار يا ... تاكه ريحان يابد از كلزار يار

تا بيابى بوى خلد از يار من ... جون محمد بوى رحمان ازيمن

يك مناره درثناى منكران ... كو درين عالم كه تاباشد نشان

منبرى كوكه برآنجا مخبرى ... ياد آرد روزكار منكرى

روى دينار ودرم از نامشتان ... تا قيامت ميدهد ازحق نشان

سكه شاهان همى كردد دكر ... سكه احمد بين تا مستقر

بررخ نقره وياروى زرى ... وانما برسكه نام منكرى

هركه باشد همنشين دوستان ... هست در كلخن ميان بوستان

هركه بادشمن نشيند درزمن ... هست او در بوستان دركولخن

اللهم اجعلنا من المجالسين لاهل الودّ والولا واحشرنا معهم بحق الملأ الاعلى.

٧

{ وما ارسلنا قبلك الا رجالا } جواب لقولهم هل هذا الا بشر مثلكم اى وما ارسنا الى الامم قبل ارسالك الى امتك الا رجالا مخصوصين من افراد الجنس مستأهلين ومثله فى الفارسية [ كلمه مرد ]

{ نوحى اليهم } بواسطة الملك ما نوحى من الشرائع والاحكام وغيرهما من القصص والاخبار كما نوحى اليك من غير فرق بينهما فى حقيقة الوحى وحقيقة مدلوله كمالا فرق بينك وبينهم فى البشرية فمالهم لا يفهمون انك لست بدعا من الرسل وان ما اوحى اليك ليس مخالفا لما اوحى اليهم فيقولون ما يقولون.

وفى التأويلات النجمية يشير الى انه تعالى يظهر فى كل قرن رجالا بالغين من متابعى الانبياء ويخصهم بوحى الالهام كما اظهر فى زمان عيسى عليه السلام الحواريين من متابعيه واوحى اليهم كما قال تعالى

{ واذا اوحيت الى الحواريين ان آمنوا بى وبرسولى } { فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون } قد سبق ان الذكر يطلق على الكتب الالهية اى ان كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا ايها الكفرة الجهلة اهل الكتاب الواقفين على احوال الرسل السالفة لتزول شبهتكم امروا بذلك لان اخبار الجم الغفير يوجب العلم لا سيما وهم كانوا يشايعون المشريكن فى عداوته عليه السلام ويشاورونهم فى امره وكانوا لا ينكرون كون الرسل بشرا وان انكروا نبوته عليه السلام - روى - انه قيل للامام الغزالى رحمه اللّه بماذا حصل لكم الاحاطة بالاصول والفروع فتلا هذه الآية واشارة الى ان السؤال من اسباب العلم وطرائفه.

٨

{ وما جعلناهم } اى الرسل

{ جسدا } الجسد جسم الانسان والجن والملائكة.

قال الراغب الجسد كالجسم لكنه اخص فان الجسد ما له لون والجسم يقال لما لا يبين له لون كالماء والهواء ونصبه على انه مفعول ثان للجعل لا بمعنى جعله جسدا بعد ان لم يكن كذلك كما هو المشهور من معنى التصيير بل بمعنى جعله كذلك ابتداء على طريقة قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل

{ لا يأكلون الطعام } صفة له والطعام البر وما يؤكل والطعم تناول الغذاء اى وما جعلناهم جسدا مستغنيا عن الاكل والشر بل محتاجا الى ذلك لتحصيل بدل ما يتحلل منه

{ وما كانوا خالدين } لان مآل التحل هو الفناء لا محالة والخلود تبرئ الشئ من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التى هو عليه والمراد اما المكث المديد كما هو شأن الملائكة او الابدى وهم معقتدون انهم لا يموتون . والمعنى جعلناهم اجسادا متغذية صائرة الى الموت بالآخرة على حسب آجالهم لا ملائكة ولا اجساد مستغنية عن الاغذية مصونة عن التحلل كالملائكة فلم يكن لها خلود كخلودهم.

وقال فى التأويلات النجمية يشير الى ان الانبياء والاولياء خلقوا محتاجين الى الطعام بخلاف الملائكة وذلك لا يقدح فى النبوة والولاية بل هو من لوازم احوالهم وتوابع كمالهم فان لهم فيه فوائد جمة منها ان الطعام للروح الحيوانى الذى هو مركب الروح الانسانى كالدهن للسراج وهو منبع جميع الصفات النفسانية الشهوانية وهو مركب الشوق والمحبة التى بها يقطع السالك الصادق مسالك البعاد ويعبر العاشق مهالك الفراق للوصول الى كعبة الوصال.

ومنها ان كل الطعام من نتائج الهوى وهو يميل النفس الى مشتهياتها والسير الى اللّه بحسب نهى النفس عن الهوى كقوله تعالى

{ ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هى المأوى } ولذا قال المشايخ لولا الهوى ما سلطك احد طريقا الى لاللّه . ومنها ان كثيرا من علم الاسماء التى علم اللّه آدم منوط باكل الطعام مثل علم ذوق المذوقات وعلم التلذذ بالمشتهيات وعلم لذة الشهوة وعلم الجوع وعلم العطش وعلم الشبع والرى وعلم هضم الطعام وثقله وعلم الصحة والمرض وعلم الداء والدواء وامثاله والعلوم التى تتعلق به كعلوم الطب باجمعها والعلوم التى هى توابعها كمعرفة الادوية والحشائش وخواصها وطباعها وغيرها على هذا القدر من الفوائد الجمة فافهم جدا - حكى - ان واحدا من الصوفية المتحققين بحقائق تجلى الصمدية لم يأكل طعام ستة اشهر فالح عليه شيخه بالاكل لما ان الكمال المحمدى فى الافطار والامساك والسهر والمنام ونحو ذلك لافى الرهبانية المذمومة وفى المثنوى

هين مكن خودرا خصى رهبان مشو ... زانكه عفت هست شهوت را كرو

بى هوا نهى ازهوا ممكن نبود ... هم غزا بر مردكان نتوان نمود

بس كلوا ازبهر دام شهوتست ... بعد ازان لا تسرفوا آن عفتست

جونكه رنج صبر نبود مرترا ... شرط نبود بس فرونايد جزا

حبذا آن شر وشادا آن جزا ... آن جزاى دلنواز جانفزا

قال الشافعى رحمه اللّه اربعة لا يعبأ اللّه بهم يوم القيامة . زهد خصى . وتقوى جندى . وامانة امرأة . وعبادة صبى وهو محمول على الغالب كما فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى.

٩

{ ثم صدقناهم الوعد } عطف على مقدر وصدق يتعدى الى الثانى بحرف الجر وهو هنا محذوف كما فى قوله تعالى

{ واختار موسى قومه } كأنه قيل اوحينا اليهم ما اوحينا ثم صدقناهم فى الوعد الذى وعدناهم فى تضاعف الوحى باهلاك اعدائهم

{ فانجيناهم ومن نشاء } من المؤمنين وغيرهم ممن تستدعى الحكمة ابقاءه كمن سيؤمن منهم او بعض فروعه بالآخرة وهو السر فى حماية العرب من عذاب الاستئصال . هكذا قال اذ الظاهر تخصيص من نشاء بالمؤمنين الآية فى الرسل السالفة مع اممهم وعذابهم كان عذاب استئصال ولم ينج منهم غير المؤمنين فهى كقوله تعالى

{ ثم ننجى رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننجى المؤمنين } ولما كانت العرب مصونة من عذاب الاستئصال لم يبعد ان يبقى منهم من سيؤمن هو او بعض فروعه كما وقع يوم بدر فافهم

{ واهلكنا المسرفين } اى مجاورين للحد فى الكفر والمعاصى.

قال الراغب السرف تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الانسان وان كان ذلك فى الانفاق اشهر.

١٠

{ لقد انزلنا اليكم } اى واللّه لقد انزلنا اليكم يا معرش قريش

{ كتابا } عظيم الشان نبر البرهان

{ فيه ذكركم } موعظتكم بالوعد لترغبوا وتحذروا وليس بسحر ولا شعر ولا اضغاث احلام ولا مفترى كما تدعون

{ أفلا تعقلون } الفاء للعطف على مقدر اى ألا.

قال الكاشفى [ اين آيت اهل قرآ نرا تشريفى تمام وتكريمى مالا كلامست وخبر ( اشراف امتى حملة القرآن ) مؤيد ومؤكد اين اجلال واكرام ] والمراد بجعله القرآن ملازموا قراءته كما فى تفسير الفاتحة للفنارى

اهل قرآنند اهل اللّه وبس ... اتدرى ايشان كى وصى هى بوالهوس

اهل باشد جنس وجنس اين كلام ... نيست جز مرغى كه بروازد زدام

وفى الحديث ( ان لله اهلين من الناس اهل القرآن وهم اهل اللّه ) اى خاصته.

قال ابن مسعود رضى اللّه عنه لما دنا فراق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جمعنا فى بيت امنا عائشة رضى اللّه عنها ثم نظر الينا فدمعت عيناه وقال ( مرحبابكم حياكم اللّه رحمكم اللّه تعالى اوصيكم بتقوى اللّه وطاعته قد دنا الفراق وحان المنقلب الى اللّه والى سدرة المنتهى والى جنة المأوى يغلسنى رجال اهل بيتى ويكفنوننى فى ثيابى هذه ان شاؤوا او فى حلة يمانية فاذا غسلونى وكفنونى ضعونى على سريرى فى بيتى هذا على شفير لحد ثم اخرجوا عنى ساعة فاول من يصلى على فوجا فوجا وصلوا علىّ فلما سمعوا فراقه صاحبوا وبكوا ) وقالوا يا رسول اللّه انت نور ربنا وشمع جمعنا وسلطان امرنا اذا ذهبت عنا الى من نرجع فى امرونا قال ( تركتكم على المحجة البيضاء ) اى الطريق الواسع الواضع ليلها كنهارها فى الوضوع ( وتركت لكم واعظين ناطقا وصامتا ) فالناطق القرآن والصامت الموت ( فاذا اشكل عليكم امر فارجعوا الى القرآن والسنة واذا قست قلوبكم لينوها بالاعتبار فى احوال الاموات ) وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه مرفوعا ( من تعلم القرآن فى صغره اختلط القرآن بلحمه ودمه ومن تعلمه فى كبره فهو يتفلت منه ولا يتزكه فله اجره مرتين ) وجه الاول انه فى الصغر خال عن الشواغل وما صادف قلبا خاليا يتمكن فيه قال الشاعر

اتانى هواها قبل ان اعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكنا

ويدخل فى الثانى من له حصرا اوعىّ لان من قرأ القرآن وهو عليه شاق فله اجر ان اجر لقراءته واجر لمشقته كذا فى شرح المصابيح.

١١

{ وكم قصمنا من قرية } كم خبرية للتكثير محلها النصب على انها مفعلو لقصمنا ومن قرية تمييز وفى لفظ القصم الذى هو عبارة عن الكسر بابانه اجراء المكسور وازالة تأليفها بالكلية من الدلالة على قوة الغضب وشدة السخط ما لا يخفى

{ كانت ظالمة } صفة لقزية بتقدير المضاف اى وكثر كسرنا واهلكنا من اهل قرية كانوا ظالمين بآيات اللّه كافرين بها كدأبكم يا معشر قريش

{ وانشأنا بعدها } اى بعد اهلاكها والانشاء والاختراع والتكوين والتحليق والايجاد اسماء مترادفة يراد بها معنى واحد وهو اخراج المعدوم من العدم الى الوجود كما فى بحر العلوم.

قال الراغب الانشاء ايجاد الشئ وتربيته واكثر ما يقال ذلك فى الحيوان كما فى هذه الآية

{ قوما آخرين } اى ليسوا منهم نسبا ولا دينا

١٢

{ فلما احسوا بأسنا } الضمير للاهل المحذوف والبأس الشدة والمكروه والنكاية اى ادركوا عذابنا الشديد ادراكا تاما كأنه ادراك المشاهد المحسوس

{ اذا هم منها } من القرية اذا للمفاجأة وهم مبتدأ خبره قوله

{ يركضون } الركض ضربة الدابة بالرجل للعدو فمتى نسب الى الراكب فهو اعداء مركوبه نحو ركضت الفرس ومتى نسب الى الماشى فوطئ الارض والمعنى يهربون مسرعين را كضين دوابهم او مشبهين بهم فى افراط الاسراع.

١٣

{ لا تركضوا } اى قيل لهم بلسان الحال او بلسان المقال من الملك لا تركضوا

{ وارجعوا الى ما اترفتم فيه } يقال اترفته النعمة اطغته واترف فلان اصر على البغى اى الى ما اعطيتموه من العيش الواسع والحال الطيبة حتى بطرتم به فكفرتم واعرضتم عن المعطى وشكره

{ ومساكنكم } التى تفتخرون بها وفى المثنوى

افتخاراز رنك وبو واز مكان ... هست شادى وفريب كودكان

{ لعلكم تسألون } تقصدون من جهة الناس للسؤال والتشاور والتدبير فى المهمات والنوازل كما هو عادة الناس مع عظمائهم فى كل قرية لا يزالون يقطعون امرا دونهم

١٤

{ قالوا } لما يئسوا من الخلاص بالهرب وايقنوا بنزول العذاب

{ يا ويلنا } يا ويل ويا هلاك تعالى فهذا وقتك.

وقال الكاشفى [ اى واى برما ]

{ انا كنا ظالمين } اى مستوجبين للعذاب وهو اعتراف منهم بالظلم وباسستباعه للعذاب وندمهم عليه حين لم ينفعهم ذلك.

١٥

{ فما زالت تلك } اى كلمة الويل وهى يا ويلنا انا كنا ظالمين وهى اسم ما زالت وخبره قوله

{ دعواهم } اى دعائهم ونداءهم اى ردوها مرة بعد اخرى

{ حتى جعلناهم حصيدا } اى مثل الحصيد وهو المحصود من الزرع والنبت ولذلك لم يجمع اى لان الفعيل بمعنى المفعول يستوى فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث

{ خامدين } حال من المنصوب فى جعلناهم اى ميتين من خمدت النار اذا اطفئ لهبها ومنه استعير خمدت الحمى اى سكنت حرارتها وزالت شهوة الموت لخمود النار وانطفائها فاطلق لعيه الخمود ثم اشتق منه خامدين.

دلت الآية على ان فى الظلم خراب العمران : قال الشيخ سعدى قدس سره

بقومى كه نيكى بسندد خداى ... دهد خسروا عادل نيك راى

جوخواهدكه ويران كند عالمى ... كند ملك در بنجه ظالمى

وفى الحديث ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) واذا اظلم القلب عن المعرفة والاخلاص خرب وعلامة خراب القلب عصيان الجوارح وتعدليها وميلها الى ما فيه الهلاك.

وقال بعض اهل التفسير والاخبار ان اهل حضور من قرئ اليمين

وقيل كانت بارض الحجاز من ناحية الشام بعث اليهم نبى اسمه موسى بن ميشان كما فى الكشف.

وقال الامام السهيلى فى التعريف والاعلام اسمه شعيب بن ذى مهرم وقبر شعيب هذا فى اليمن بجبل يقال له ضين.

قال فى القاموس ضين بالكسر جبل عظيم بصنعاء اهل وليس شعيب صاحب مدين لان قصة حضور قبل مدّة معدذ جده عليه السلام وبعد مئين من السنين من مدة سليمان عليه السلام وانهم قتلوا نبيهم وقتل اصحاب بخت نصر واعلمه انى قد سلطته عليهم وعلى ارض العرب وانى منتقم به منهم واوحى اللّه الى ارمياء ان احمل معد بن عدنان على البراق الى ارض العراق كيلا يصيبه النقمة والبلاء معهم فأنى مستخرج من صلبه نبيا فى آخر الزمان اسمه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فحمل معدا وهو ابن اثنى عشر وكان مع نبى اسرائيل الى ان كبر وتزوج امرأة اسمها معانه . ثم ان بخت نصر نهض بالجيوش وكمن للعرب فى مكان وهو اول من اتخذ المكامن فى الحرب فيما زعموا ثم شن الغارات على حضور اى صبها على اهلها من كل وجه فقتل وسبى وخرب العامر ولم يترك بحضور اثرا قال اللّه

{ حتى جعلناهم حصيدا خامدين } ثم وطئ ارض العرب يمنها وحجازها فاكثر القتل والسبى وخرب وحرق ثم انصرف راجعا الى السواد واياهم عنى اللّه بقوله

{ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة } وهذه الرواية منقولة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما وظاهر الآية على الكثرة لان كم للتكثير ولعله رضى اللّه عنه ذكر حضور بانها احدى القرى التى ارادها اللّه بهذه الآية وفى الحديث ( خمس فى خمس ما نقض العهد قوم الا سلط لاللّه عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما انزل اللّه الا فشا فيهم الفقير وما ظهرت فيه الفاحشة الا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل الا منعوا النبات واخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة الا منع عنهم القطر )

هرجه بر توآيد از ظلمات وغم ... آن زبى شرمى وكستاخبست هم

١٦

{ وما خلقنا السماء } الخلق اصله التقدير المستقيم ويستعمل فى ابداع الشئ من غير اصل ولا احتذاء اى وما ابدعنا السماء الى هى كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة

{ والارض } الى هى كالفراش والبساط

{ وما بينهما } من انواع الخلائق واصناف العجائب حال كونا

{ لاعبين } يقول لعب فلان اذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا اى عابثين بل لحكم ومصالح وهى ان تكون مبدأ لوجود الانسان وسببا لمعاشه ودليلا يقوده الى تحصيل معرفتنا الى هى الغاية القصوى

برك درختان سبز در نظر هو شيار ... هر ورقى دفتريست معرفت كردكان

وكل شئ فهو اما مظهر لطفه تعالى ... اوقهره وفى كل ذرة سر عجيب

بنكر بجشم فكركه ازعرش تابفرش ... در هيج ذره نيست كه سرى عجيب نيست

فان قيل دلت الآية على ان اللعب ليس من فعله وانما هو من افعال اللاعبين لان اللاعب اسم لفاعل اللعب فنفى اسم الموضوع يقتضى نفى الفعل.

اجيب بان ذلك يبطل بمسألة خلق الداعى والقدرة.

١٧

{ لو اردنا ان نتخذ لهوا } اى ما يتلهى به ويلعب على انه مصدر بمعنى المفعول يقال لهوت بالشئ لهوا اذا لعبت به.

قال الكاشفى [ جيزى بآن بازى كنند وبرؤية آن مستأنس شوند جون زن وفرزند ].

وقال الراغب اللهو ما يشغل الانسان عما يعنيه ويهمه ويعبر عن كل ما به استمتاع باللهو قال تعالى

{ لو أردنا ان نتخذ لهوا } وقول من قال اراد باللهو المرأة والولد فتخصيص ببعض ما هو من زينة الحياة الدنيا انتهى.

يقول الفقير فسره بالمرأة فى تفسير الجلالين المقصور على رؤية ابن عباس رضى اللّه عنهما وبهما فى التأويلات الشيخ نجم الدين قدس سره وهو من اكابر من جمع بين الطرفي ويدل على هذا المعنى قوله تعالى فيما بعد

{ ولكم الويل مما تصفون } قال الامام الواحدى يستروح بكل واحد منهما اى من المرأة والولد ولهذا يقال لامرأة الرجل وولده ريحانتاه

{ لا تخذناه من لدنا } اى من جهة قدرتنا عليه لتعلقها بكل شئ من المقدورات او مما نصطفيه ونختاره مما نشاء من خلقنا من الحور العين او من غيرها.

قال الواحدى معنى من لدنا من عندنا بحيث لا يظهر لكم ولا تطلعون عليه ولا يجرى لاحد فيه تصرف لان ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره

{ ان كنا فاعلين } ذلك لكن تستحيل اراد تناله فمنافاته الحكمة لا لعدم القدرة على اتخاذه ولا لغيره فيستحيل اتخاذنا له قطعا.

قال فى التأويلات النجمية جل جلال قدس حضرتنا عن امثال هذه التدنسات وعز جناب كبريائنا عن انواع هذه الوصمات وقد تنزه عن امثالها الملائكة المقربون وهم عبادنا المكرمون المخلوقون فالحضر الخالقية اولى التنزه عن امثالها انتهى . وان للشرط على سبيل الفرض والتقدير وجواب ان محذوف لدلالة الجواب المقتدم عليه اى ان كنا فاعلين لاتخذناه.

١٨

{ بل نقذف بالحق على الباطل } اضراب عن اتخاذ الولد وارادته كائنه قيل لكنا لا نريده بل شأننا ان نغلب الحق الذى من جملته الجد والايمان والقرآن ونحوها على الباطل الذى من جملته اللهو والكفر والاباطيل الاخرة.

قال الراغب القذف الرمى البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيق وبلدة قذوف طروح بعيدة والباطل نقيض الحق وهو الذى لاثبات له عند الفحص عنه

{ فيدمغه } فيهلكه ويعدمه.

قال اهل التفسير انما استعار لذلك اى للتغليب والتسليط وايراد الحق على الباطل القذف وهو الرمى الشديد المستلزم لصلاة المرمى ولمحوه واعدامه الباطل وهو كسر الشئ الرخو الاجوف وهو الدماغ بحيث يشق غشاء المؤدى الى زهوق الروح تصويرا لابطاله به فشبه الحق بجرم صلب كالماس او الياقوت مثلا قذف به على جرم رخوا جوا من قزاز او تراب فمحقه واعدامه.

قال صاحب المفتاح اصل استعمال القذف والدمغ فى الاجسام ثم استعير القذف لا يراد الحق على الباطل والدمغ لاذهاب الباطل ومحوه فالمستعار منه حسى والمستعار له عقلى اى ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس عبر عن الصورة المعقولة بما يدل على الهيئة المحسوسة لتتمكن تلك الهيئة المعقولة فى ذهن السامع فضل تمكن

{ فاذا هو } [ بس آنجا او ]

{ زاهق } اى ذاهب بالكلية والزهوق ذهاب الروح ويقال زهقت نفسه خرجت من الاسف وفى اذا المفاجأة والجملة الاسمية من الدلالة على كمال المسارعة فى الذهاب والبطلان ما لا يخفى فكأنه زاهق من الاصل وذكره لترشيح المجاز فان ذهاب الروح انما يلائم المستعار منه اى المعنى الاصلى للدمغ فان الدماغ مجمع الحواس واذا بلغت الشجة اليه يموت الحيوان.

وفى التأويلات النجمية للحق ثلاث مراتب وكذا للباطل مرتبة افعال الحق ومرتبة صفات الحق ومرتبة ذات الحق تعالى فاما افعال الحق فهى ما امره اله به العباد فبها يدمغ باطل ما نهى اللّه عنه

واما صفات الحق فبتجليها يدمع باطل صفات العبد

واما ذات الحق فاذا تجلى اللّه بذاته يدمغ باطل جميع الذوات كما قال تعالى

{ كل شئ هالك الاوجهه } ويدل عليه

{ وقل جاء الحق وزهق الباطل } ولعل من قال انا الحق انما قال عند تجلى ذات الحق او صفه حقيته لذاته الباطل اذ زهق باطل ذاته عند مجيء الحق فاخبر الحق عن ذاته بلسان اتصف بصفة الحق فقال انا الحق : قال المغربى قدس سره

ناصر ومنصور ميكويد انا الحق المبين ... بشنواز ناصر كه آن كفتار ازمنصور نيست

وقال الخجندى قدس سره

هركه بدار فنا جبه هستى بسوخت ... رمز سوى اللّه بخواند سر انا الحق شنود

وقال

{ _@_اسرار انا الحق سخن نيك بلندست _@_ معنى جنين جز بسردار ثيابى_@_ } { ولكم الويل } قال الاصمعى ويل قبوح وقد يستعمل فى التحسر وويس استصغار وويح ترهم ومن قال ويل واد فى جهنم فانه لم يرد ان ويلا فى اللغة هو اموضوع لهذا وانما اراد ان من قال اللّه تعالى فيه ذلك فقد استحق مقرا من النار وثبت ذلك له . والمعنى استقر لكم الهلاك ايها المشركون

{ مما تصفون } من تعليلة متعلقة بالاسقرار اى من اجل وصفكم له سبحانه بما لا يليق بشأنه الجليل من المرأة والولد ووصف كلامه بانه سحر واضغاث احلام ونحو ذلك من الاباطيل

١٩

{ وله } خاصة

{ من فى السموات والارض } اى جميع المخلوقات ايجاد واستعبادا

{ ومن عنده } من عطف الخاص على العام والمراد الملائكة المكرمون المنزلون لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك على طريقة التمثيل والبيان لشرفهم وفضلهم على اكثر خلقه لا على الجميع كما زعم ابو بكر الباقلانى وجميع المعتزلة فالمراد بالعندية عندية الشرف لا عندية المكان والجهة وعند وان كان من الظروف المكانية الا انه شبه قرب المكانة والمنزلة بقرب المكان والمسافة فعبر عن المشبه بلفظ المشبه به.

قال الكاشفى [ عنى فرشتكان كه مقربان دركاه الوهيت اند وشما ايشانرا مى برستيد ]

{ لا يستكبرون عن عبادته } اى لا يتعظمون عنها ولا بعدون انفسهم كبيرة بل يتفاخرون بعبوديته فالبشر مع نهاية ضعفهم اولى ان يطيعوه والجملة حال من قوله من عنده.

وجعل المولى ابو السعود رحمه اللّه من عنده مبتدأ ولا يستكبرون خبره

{ ولا يستحسرون } ولا يكلون ولا يعيون يقال حسروا واستحسر اذا تعب واعييى يعنى ان استفعل بمعنى فعل نحو قر واستقر.

قال فى المفردات الحسر كشف الملبس عما عليه يقال حسرت عن الذراع والحاسر من لادرع عليه ولا مغفر والناقة حسير حسر عنه اللحم والقوة والحاسر المعيى لانكشاف قواه ويقال للمعيى حسرومحسور اما الحاسر فتصور انه قد حسر بنفسه قواه

واما المحسور فتصور ان التعب قد حسره والحسرة الغم على ما فاته والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذى حمله على ما ارتكبه او انحسر قواه من فرط غم ادركه واعياه عن تدارك ما فرط منه.

٢٠

{ ويسبحون الليل والنهار } كأنه قيل كيف يعبدون فقيل يسبحون الليل والنهار اى ينزهونه فى جميع الاوقات عن وصمه الحدوث وعن الانداد ويعظمونه ويمجدونه دائما

{ لا يفترون } لا يتخلل تسبيحهم فترة طرفة عين بفراغ منه او بشغل آخر لانهم يعيشون كما يعيش الانسان بالنفس والحوت بالماء . يعنى ان التسبيح بالنسبة الى الملائكة كالتنفس بالنسبة الينا فكما ان قيامنا وقعودنا وتكلمنا وغير ذلك من افعالنا لا يشغلنا عن التنفس فكذلك الملائكة لا يشغلهم عن التسبيح شئ من افعالهم كما قال عبد اللّه بن الحراث لكعب أليس انهم يؤدون الرسالة ويلعنون من لعنه اللّه كما قال

{ جاعل الملائكة رسلا } وقال

{ اولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة } فقال التسبيح لهم كالتنفس لنا فلا يمنعهم عن عمل.

فان قلت التسبيح واللعن من جنس الكلام فكيف لا يمنع احدهما الآخر.

قلنا لا يبعدنا ان يخلق اللّه لهم ألسنة كثيرة ببعضها يسبحون وببعثها يلعنون . او المعنى لا يفترون عن العزم على ادائه فى اوقاته كما يقال فلان مواظب على الجماعة لا يفتر عنها فانه لا يراد به دوام الاشتغال بها وانما يراد العزم على ادائها فى اوقاتها كما فى الكبير.

وعن ارباب الحقائق زالت مشقة التكاليف الشرعية عن اهل اللّه تعالى لفرط محبتهم اياه سبحانه ولتبدل مجاهدتهم بالحب الآلهى لانه ظهر شرف تلك التكاليف وبهر كونها تجليات الهية.

يقول الفقير سمعت من حضرة شيخى وسندى قدس سره وهو يقول لا تتيسر حلاوة العبودية الا بعد المعرفة التامة باللّه تعالى والشهود الكامل له وذلك لان لذة المناجاة مع السلطان لا يصل اليه السائس فعبادة اهل الحجاب لا تخلو عن فتور وكلفة بخلاف اهل الكشف الالهى فان العبادة صارت لهم كالعادة لغيرهم فى سهولة المأخذ والقيام بها نسأل اللّه تعالى ان يخفف عنا الاوزار انه الكريم الغفار.

قال الراغب الفتور سكون بعد حدة ولين بعد شجة وضعف بعد قوة قال تعالى

{ يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ببين لكم على فترة من الرسل } اى سكون خال عن مجئ رسول وقوله تعالى

{ لا يفترون } اى لا يسكنون عن نشاطهم فى العبادة وفى الحديث ( لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فمن فتر الى سنتى فقد نجى والا فقد هلك ) فقوله ( لكل شرة فترة ) اشارة الى ما قيل للباطل صولة ثم تضمحل وللحق دولة لا تزل وقوله ( من فتر الى سنتى ) اى سكن اليها فالطرف الفاتر فيه ضعف مستحسن والفتر ما بين طرف الابهام وطرف السبابة يقال فترته بفترى وشبرته بشبرى انتهى كلام الراغب الاصفهانى فى كتاب المفردات.

٢١

{ ام اتخذوا آلهة } ام منقطعة مقدرة ببل مع الهمزة ومعنى الهمزة انكار الوقوع لا انكار الواقع والضمير للمشركين والمراد بالآلهة الاصنام

{ من الارض } متعلق باتخذوا بمعنى ابتدأوا اتخاذها من الارذ بان صنعوها ونحتوها من بعض الحجارة او من بعض جواهرها كالشبه ولاصف ونحوهما والمراد به تحقير المتخذ لا التخصيص

{ هم ينشرون } يقال انشره اللّه احياه اى يبعثون الموتى والجملة صفة الآلهة وهو الذى يدور عليه الانكار والتجهيل والتشنيع لانفس الاتخاذ فانه واقع لا محالة بل اتخذوا آلهة من الارض هم خاصة مع حقارتهم بذلك صريحا فانهم لم يثبتوا الانشار اللّه تعالى كما قالوا من يحيى العظام وهى رميم فكيف يثبتونه للاصنام لكنهم حيث ادعوا لها الآلهية فكأنهم ادعوا لها الانشار ضرورة انه من الخصائص الآلهية حتما.

٢٢

{ لو كان فيهما آلهة الا اللّه } تنزيه لنفسه عن الشريك بالنظر العقلى ولا بمعنى غير على انها صفة آلهة اى لو كان فى السموات والارض آلهة غير اللّه كما هو اعتقادهم الباطل سواء كان اللّه معهم او لم يكن.

قال فى الاسئلة المقحمة كيف قال لو كان فبهما فجعل السموات ظرفا وهو تحديد والجواب لم يرد به معنى الظرف وانما هو كقوله

{ وهو الذى فى السماء اله وفى الارض اله } { لفسدتا } الفساد خروج الشئ عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه ام كثيرا ويضاده الصلاح ويستعمل ذلك فى النفس والبدن والاشياء الخارجة عن الاستقامة اى لخرجتا عن هذا النظام المشاهد لان كل امر بين الاثنين لا يجرى على نظام واحد والرعية تفسد بتدبير الملكين وحيث انتفى التالى تعين انتفاء المقدم.

قال فى التأويلات النجمية ان هذه الآلهة لا تخلو اما ان يكون كلهم متساويا فى الالوهية وكمال القدرة او بعضهم كامل وبعضهم ناقص

واما ان يكون كلهم ناقصا يحتاج بعضهم الى بعض فى الآلهية

واما كمالية بعضهم وناقصية بعضهم فهو يقتضى استغناء الكامل عن الناقص فالناقص لا يصلح للالهية .

واما الناقصون الذين يحتاجون الى اعانة بعضهم لبعض فلا يصلحون للآلهية لانهم محتاجون اى مكمل واحد مستغن عما سواه وهو اللّه الواحد الاحد الصمد الغنى عما سواه وما سواه محتاج اليه ولو كان فيها آلهة غيره لفسدتا لعدم مدبر كامل فى الآلهية ولعجز آلهة اخرى فى المدبرية

دردوحبهان قادر ويكتا توبى ... جمله ضعيفند وتوانا تويى

جون قدمت بانك برابلق زند ... جزتوكه يارو كه انا الحق زند

{ فسبحان رب العرش عما يصفون } اى نزهوه تنزيها عما يصفونه به من اتخاذ الشيك والصحابة والولد لان ذلك من صفات الاجسام ولو كان اللّه جسما لم يقدر على خلق العالم وتدبير امره ولم يكن مبدأ له على ان الجسم مركب ومتحيز وذلك من امارات الحدوث وجواز الوجود وواجب الوجود متعال عن ذلك.

قال فى التأويلات النجمية نزه اللّه نفسه عن العجز والاحتياج لغيره فى الآلهية واثبت انه خالق العرش الذى هو مصدر فيض الرحمانية الى المكونات لنفى الآلهية عن غيره منزها عما يصفون باحتياجه الى العرض او بآلهة اخرى فى الآلهية : وفى المثنوى

واحد اندر ملك او را يارنى ... بندكانش را جزوا سالارنى

نيست خلقش را دكر كس مالكى ... شركتش دعوى كندجزهالكى

قال بعض الكبار افترى العادلون عن اللّه الى غيره كالطبائعين القائلين بان جميع التأثيرات الواقعة انما هى من مقتضيات الطبيعة كدمقراطيس واتباعه والسوفسطائيين المنكرين لجمع الموجودات حتى انفسهم وانكارهم

واما الثنوية اعنى القائلين بالهين اثنين احدهما مصدر للخيرات والآخر مصدر للشرور فانهم قد لعنوا على لسان اهل الاشراف الكشفى والبرهانى ليس لجسد قلبان ولا لبدن نفسان ولا للسماء شمسان شهد الاخبار بواحد وهو منتهى الاعيان لو حصل شمسان لانطمست الاركان ابى النظام شمسا اخرى فكيف لا يأبى الها آخر ان كان للقيوم شريك فاين شمسه لانها اكمل النيرات فخالقها اكمل ممن لم يخلق مثلها ومن غير اكمل منه لا يكون واجبا لذاته لان الوجوب الذاتى من خصائص الكمال التام فحيث لم نجدهما اخرى عرفنا انه ليس فى الوجود اله آخر

يشهد اللّه اينما يبدو ... انه لا اله الا هو

قال بعض ارباب الحقائق لو كان فى سماء الروحانية وارض البشرية مدبرات مثل اعقل فى سماء الروحانية وفى الهوى ارض البشرية غير هداية اللّه تعالى بواسطة الانبياء والشرائع لفسدتا كما فسدت بتدبير العقل والهوى سماء الروحانية الفلاسفة والطبائعية والدهرية والباحية والملاحدة وارض بشريتهم فاما فساد سماء ارواحهم فان زلت قدمهم عن جادة التوحيد وصراط الوحدانية حتى انبتوا لله الواحد القديم شريكا قديما وهو اعلالم فلم يقبلوا دعوة الانبياء ولم يهتدوا بهداية الحق : وفى المثنوى

اى ببرده عقل هديه تاللّه ... عقل آنجا كمترتس ازخاك راه

واما فساد ارض بشريتهم فبان زلت قدمهم عن جادة العبودية وصراط الشريعة والمتابعة حتى عبدو طاغوت الهوى والشيطان وآل امر فساد حالهم الى ان قال تعالى فيهم

{ صم بكم عمى فهم لا يعقلون } قال الشيخ ابو عثمان المغربى قدس سره من امرا لسنه على نفسه اخذا وتركا وحبا وبغضا نطق بالحكمة ومن امر الهوى على نفسه نطق بالبدعة فعلى السالك ان يأخذ بالطريق الوسط وهو طريق الكتاب والسنة الموصل الى الجنة والقربة والوصلة ويجتهد فى تحصيل كمال الصدق والاخلاص اذ هو الزاد لاهل الاختصاص نسأل اللّه الفياض الكريم ان يشرفنا بفيضه العميم وثبتنا على صراطه المستقيم.

٢٣

{ لا يسئل } اللّه تعالى

{ عما يفعل } ويحكم

{ وهم } اى العباد

{ يسئلون } عما يفعلون نقيرا وقطميرا والسؤال استدعاء معرفة او ما يؤدى الى المعرفة وجوابه على اللسان واليد خليفة له بالكتابة والاشارة.

فان قيل ما معنى السؤال بالنسبة الى اللّه تعالى . قلنا ترعيف للقوم وتبكيتهم لا تعريف لله تعالى فانه علام الغيوب فالسؤال كما يكون للاستعلام يكون للتبكيت وانما لا يسأل سؤال انكار وجوز السؤال عنه على سبيل الاستكشاف والبيان كقوله

{ قال رب أنى يكون لى غلام } وعلى سبيل التضرع والحاجة كقوله تعالى حكاية عن الكافر

{ رب لم حشرتنى اعمى وقد كنت بصييرا } قال فى بحر العلوم انما لا يسأل عما يفعل لانه رب مالك علام لا نهاية لعلمه وكل من سواه مربوب مملوك جاهل لا يعلم شيأ لا بتعليم فليس للمملوك الجاهل ان يتعرض على سيده العليم بكل شئ فيما يفعل ويقول لم فعلت وهلا فعلت مثلا وهم يسألون لانهم مملوكون مستعبدون خطأون فيقال لهم فى كل شئ فعلوه لم فعلتم.

واعلم ان الاعتراض شؤم يسخط الرب ويوجب عقابه وسخطه : قال الحافظ

مزن زجون وجرادكم كه بنده مقبل ... قبول كردبجان هرسخن كه جانان كفت

وبشم الاعتراض على اللّه فى فعله لعن ابليس وكان من مرة الكافرين فانه تعالى لما امره بالسجود قال

{ أاسجد لمن خلقت طينا } وبشؤم الاعتراض فكف بالاعتراض فى شأن الخالق وبالاعتراض ما اصابها فهذا بالاعتراض فى شأن المخلوق فكيف بالاعتراض فى شأن الخالق وبالاعتراض على اللّه والتعمق فى الخوض فى صفاته هلك الهالكون من اهل الاهوا وارباب الآراء تعمقوا فيما لم يتعمق فيه اصحاب رسول اللّه والتابعون من تبعهم من اهل الحق وتكلفوا الخوض فيه فى الشبهات فضلوا واضلوا ولم لم يتعمقوا لسلموا وقد اتفقت كلمة اهل الحق على ان الاعتراض على اللّه الملك الحق فى قعله فلا يحدث فى خلقه كفر فلا يجترئ عليه الا كافر وجاهل ضال.

وكذا الاعتراض على النبى عليه السلام فانه انما يقول عن الحق لا عن الهوى فالاعتراض عليه اعتراض على الحق وفيه الهلاك.

قال ابو هريرة رضى اللّه عنه سمعت رسول اللّه يقول ( يا ايها الناس كتب عليكم الحج ) فقام عكاشة بن محصر فقال أكل عام يا رسول اللّه فقال ( لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ثم تركتموها لضللتم اسكتوا عنى كما سكت عنكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم ) فانزل اللّه تعالى

{ يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم } الآية.

ومن اشد التشنيع واقبح الاعتراض على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما روى عن بعض الكبار انه قال كنت فى مجلس بعض الغافلين فتكلم الى ان قال لا مخلص لاحد من الهوى ولو كان فلانا عنى به النبى عليه السلام من حيث قال ( حبب الى من دنياكم ثلاث الطيب والسناء وقرة عينى فى الصلاة ) فقلت أما تستحى من اللّه تعالى فانه ما قال احببت بل قال حبب فكيف يلام العبد من عند اللّه ثم حصل لى هم وغم فرأيت النبى عليه السلام فى المنام فقال لا تغتم فقد كفيناك امره ثم سمعت انه قتل.

قال الفقهاء من عيره عليه السلام بالميل الى نسائه قاصدا به النقص يقتل قاتله اللّه تعالى.

يقول الفقير

شب بره ميطلبد بدر تمامت نقصان ... اونداندكه ابدنور توظاهر باشد

هركه ازروى جدل برتوسخن ميراند ... بمثل شد اكرش بو على كافر باشد

واما الاعتراض على الاولياء والمشايخ من العلماء فانه يحرم الخير ويقطع بركة الصحبة وزيادة العلم يدل على ذلك شأن موسى والخضر عليهما السلام نهاه عن الاعتراض عليه فما يفعل بقوله

{ فلا تسألنى عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا } فاعترض عليه فناداه الخضر بالفراق فحرم بركة صحبته وانقطعت بركة الزيادة من علمه والخير الذى جعله اللّه معه . ومن شؤم الاعتراض وما كان من امر الخوارج اعترضوا على على رضى اللّه عنه وخرجوا عليه من الدين وصاروا كلام النار وشر قتلى تحت اديم السماء.

قال ابو يزيد البسطامى قدسر سره فى حق تلميذه لما خالفه دعوا من سقط من عين اللّه فرؤى بعد ذلك مع المخنثين وسرق فقطعت يده هذا حظ المعترض فى الدنيا

واما حاله فى الآخرة فلا يكلمه اللّه ولا ينظر اليه وله عذاب اليم فى نار القطيعة والهجران : يقول الفقير

هين مكن بامر شد كامل جدل ... تانباشد كمرهى اورا بدل

٢٤

{ ام اتخذوا من دونه آلهة } الهمزة لانكار الاتخاذ المذكور واستقباحه واستعظامه ومن متعلقة باتخذوا والمعنى بل اتخذوا متجاوزين اياه تعالى آلهة مع ظهور خلوهم عن خواص الالوهية بالكلية

{ قل } لهم بطريق الالزام والقام الحجر

{ هاتوا } [ بياريد ].

قال فى بحر العلوم هات من اسماء الافعلا يقال هات الشئ اى اعطنيه . والمعنى اعطونى

{ برهانكم } حجتكم على ما تدعون من جهة العقل والنقل فالنه لا صحة لقول لا دليل ليه فى الامور الدينية لا سيما فى مثل هذا الشأن الخطير.

قال الراغب البرهان فعلان مثل الرجحان والبنيان.

وقال بعضهم هو مصدر بره يبره اذا ابيض انتهى وقد اشار صاحب القاموس الى كليهما حيث قال فى باب النون البرهان بالضم الحجة وبرهن عليه اقام البرهان وفى باب الهاء ابره اتى بالبرهان.

قال فى المفردات البرهان اوكد الادلة وهو الذى يقتضى الصدق ابدا

{ هذا ذكر من معى وذكر من قبلى } هذا اشارة الى الموجود بينهم من الكتب الثلاثة القرآن والتوراة والانجيل فالقرآن ذكر وعظنة لمن اتبعه عليه السلام الى يوم القيامة والتوراة والانجيل ذكر وعظة للامم المتقدمة يعنى راجعون هذه الكتب الثلاثة هل تجدون فى واحد منها غير الامر بالتوحيد فهذا برهانى قد اقمته فاقيموا ايضا برهانكم.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان اثبات الوحدانية بالتحقيق وكشف العيان من خصوصية العلماء المحققين من امتى الذين هم معى فى سير المقامات وقطع المنازل الى الخضرة كما هو من خصائص الانبياء من قبلى ومن هنا قال صلّى اللّه عليه وسلّم ( علماء امتى كانبياء بنى اسرائيل ) اى فى صدق طلب الحق بالاعراض عن الكونين والتوجه الى اللّه تعالى

{ بل اكثرهم لا يعلمون الحق } اضراب من جهته تعالى غير داخل فى الكلام الملقن اى لا يفهمون الحق ولا يمزيون بينه وبين الباطل فلا تنجع فيه المحاجة باظهار حقية الحق وبطلان الباطل.

وفى بحر العلوم كأنه قيل بل عندهم ما هو اصل الفساد كله وهو الجهل وعدم التمييز بين الحق والباطل فمن ثمة جاء الاعراض ومن هناك ورد الانكار

{ فهم } لاجل ذلك

{ معرضون } مستمرون على الاعراض عن التوحيد واتباع الرسول

واما اقلهم العالمون فلا يقبلونه عنادا.

٢٥

{ وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه انه } اى الشأن

{ لا اله الا انا فاعبدون } اى وجدونى ولا تشركوا بى.

وفيها اشارة الى ان الحكمة فى بعثة جميع الانبياء والرسل مقصورة على هاتين المصلحتين وهما اثبات وحدانية اللّه تعالى وتعبده بالاخلاص لتكون فائدة تينك المصلحتين راجعة الى العباد لا الى اللّه تعالى كما قال ( خلقت الخلق ليربحوا علىّ لا لأربح عليهم ) : وفى المثنوى

جون خلقت الخلق كى يربح على ... لطف توفرمود اى قيوم وحى

لا لأن اربخ عليهم جودتست ... كه شود زوجمله ناقصها درست

عفوكن زين ناقصان تن برست ... عفو ازدرياى عفو او ليترست

واكبر فائدتهما معرفة اللّه تعالى كما قال تعالى

{ وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون } اى ليعرفون وهى مختصة بالانسان دون سائر المخلوقات فانها هى حقيقة الامانة التى قال تعالى

{ انا اعرضنا الامانة على السموات والارض } الآية.

يقول الفقير العبادة طريق المعرفة وهى طريق الرؤية فالرؤية اعلى من المعرفة لان العارفين مشتاقون الى منازل اهل الوصال والواصلون لا يشتاقون الى منازل اهل المعرفة والمعرفة يتولد منها التعب والعناء والرؤية يتولد منها السرور والرضى.

قال بعض العارفين المعرفة الطف والرؤية اشرف والمعرفة اشد والرؤية اكد فعلى السالك ان يجتهد فى تحقيق المعرفة والتوحيد ويصل الى رؤية احميد المجيد.

والتوحيد على ثلاث مراتب توحيد اهل البداية وهو لا ال الا هو وسير اهل هذا التوحيد فى عالم الاجسام . وتوحيد اهل التوسط وهو لا اله الا انت وسير اهل هذا التوحيد فى عالم الارواح . وتوحيد اهل النهاية وهو لا اله الا انا وسير اهل هذا التوحيد فى عالم الحقيقة والى هذه المرتبة اشار الشيخ المغربى قدس سره بقوله

نور هستى جمله ذرات عالم تا ابد ... ميكننداز مغربى جون ماه ازمهر اتقباس

ومن لطائف الكمال الخجندى قوله

طاس بازى بديدم از بغداد ... جون جنيد ازسلوكش آكاهى

رفت درجبه وقت بازى كفت ... ليس فى جبتى سوى اللهى

ثم ان فى الآية اشارة الى ان اكثر الخلق من ديعون الاسلام والتوحيد ولا يميزون الحق من الباطل فيتبعون اهل الشرك والرياء والبدع والهوى والدنيا ولذا قلت عبادتهم بالاخلاص بل انتفى رعاية الشريعة بينهم ولو كان لهم استعداد وجدان الحق لو جدوا اهله اولا ووصلوا بتسليكهم على قدمى الشريعة والطريقة الى المعرفة والحقيقة فانما حرموا الوصول بتضييعهم الاصول ومن اللّه الهداية والتوفيق ومنه الوصول الى مقام الصدق والتحقيق.

٢٦

{ وقالوا } اى حى من خزاعة

{ اتخذ الرحمن ولدا } من الملائكة وادعوا انهم بنات اللّه وانه تعالى صاهر سروات الجن فولدت له الملائكة.

قال الراغب الاخذ وضع الشئ وتحصيله وذلك تارة بالتناول نحو

{ معاذ اللّه ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده } وتارة بالقهر نحو قوله تعالى

{ لا تأخذه سنة ولا نوم } ويقال اخذنه الحمى ويعبر عن الاسير بالمأخوذ والاخيذ والاتخاذ افتعال منه فيتعدى الى مفعلوين ويجرى مجرى الجعل

{ سبحانه } اى تنزه بالذات تنزهه اللائق به على ان السبحان مصدر من سبح اى بعد او اسبحه تسبيحه على انه علم للتسبيح وهو مقعول على السنة العباد او سبحوه تسبيحه.

قال فى بحر العلوم ويجوزان ان نكون تعجبا من كلمتهم الحمقاء اى ما ابعد من ينعم بجلائل النعم ودقائقها وما اعلاه عما يضافاليه من اتخاذ الولد والصاحبة والشريك انتهى.

وقال فى الكشف التنزيه لا ينافى التعجب

{ بل } ليست الملائكة كما قالوا بل هم

{ عباد } مخلوقون له تعالى

{ مكرمون } مقربون عنده مفضلون على كثير من العباد لاعلى كلهم والملخوقية تنافى الولادة لانها تقتضى المناسبة فليسوا باولاد واكرامهم لا يقتضى كونهم اولادا كما زعموا.

٢٧

{ لا يسبقونه بالقول } صفة اخرى لعباد واصل السبق التقدم فى السير ثم تجوز به فى غيره من التقدم اى لا يقولون شيأ حتى يقوله تعالى ويأمرهم به لكمال انقيادهم وطاعتهم كالعبيد المؤدبين.

قال الكاشفى [ يعنى بى دستورئ وى سخن نكويند مراد ازين سخن قطع طمع كافرانست ازشفاعت ملائكة يعنى ايشان بى اذن خداشفاعت نتوانند كرد ]

{ وهم بامره يعملون } اى كما انهم يقولون ابامره كذلك يعملون بامره لا بغير امره اصلا لافقصر المستفاد من تقديم الجار معتبر بالنسبة الى غير امره لا الى امر غيره والامر مصدر امرته اذا كلفته ان يفعل شيأ.

وفى الآية اشارة الى ان العباد المكرمين بالتقرب الى اللّه تعالى ولاوصول اليه لا يقولون شيأ من تلقاء نفوسهم ولا يفعلون شيأ بارادتهم بل اذا انطقوا نطقوا باللّه واذا سكتوا سكتوا باللّه : يقول الفقير

جون وزد باد صبا وقت سحر ... ميشود دريا زجنبش موجكر

موج وتحريك ازصبا باشد همين ... نى زدريا اين خروش آينده هين

٢٨

{ يعلم } اللّه تعالى اى لا يخفى عليه

{ ما بين ايديهم } ما قدموا من الاقوال والاعمال

{ وما خلفهم } وما اخروا منهما وهو الذى ما قالوه وما عملوه بعد فيعلمهم باحاطته تعالى بذلك ولا يزالون يراقبون احوالهم فلا يقدمون على قول او عمل بغير امره تعالى فهو تعليل لما قبله وتمهيد لمابعده

{ ولا يشفعون } الشفع ضم الشئ الى مثله.

والشفاعة الانضمام الى آخر ناصرا له وسائلا عنه واكثر ما يستعمل فى انضمام من هو اعلى مرتبة الى من هو ادنى ومنه الشفاعة فى القيامة

{ الا لمن ارتضى } ان يشفع له من اهل الايمان مهابة منه تعالى وبالفارسية [ مكر كسى كه خدى بشفاعت به بسندد اورا ] قال ابن عباس رضى اللّه عنهما الا لمن قال لا اله الا اللّه.

فلا دليل فيه للمعتزلة فى نفى الشفاعة عن اصحاب الكبائر.

قال فى الاسئلة المقحمة هذا دليل على ان لا شفاعة لاهل الكبائر لانه لا يرضى لهم والجواب قد ارتضى العاصى لمعرفته وشهادته وان كان لا يرتضيه لفعله لانه اطاعه من وجوه وان عصاه من وجوه اخر فهو مرتضاه من جوه الطاعة له ولهذا قال ابن عباس رضى اللّه عنهما الذى ارتضاهم هم اهل شهادة ان لا اله الا اللّه : وفى المثنوى

كفت بيغمبركه روز رستخيز ... كى كذارم مجرما نرا اشك رز

من شفيع عاصيان باشم بجان ... تارهانم شان زاكشنجه كران

عاصيان واهل كبائررا بجهد ... وارهانم ازعتاب نقض عهد

صالحان امتم خود فارغند ... از شفاعتهى من روز كزند

بلكه ايشانرا شفاعتها بود ... كفتشان جون حكم نافذمى رود

{ وهم } مع ذلك

{ من خشيته } اى من خشيتهم منه تعالى فاضيف المصدر الى مفعوله

{ مشفقون } مرتعدون [ يا زمهابت وعظمت اوترسان ] والاشفاق عناية مختلقة بخوف لان المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه كما فى المفردات.

قال ابن الشيخ الخشية والاشفاق متقاربان فى المعنى والفرق بينهما ان المنظور فى الخشية جانب المخشى منه وهو عظمته ومهابته وفى الاشفاق جانب المخشى عليه وهو الاعتناء بشأنه وعدم الامن من ان يصيبه مكروه ثم ان الاشفاق يتعدى بكل واحد من كلمتى من وعلى يقال اشفق عليه فهو مشفق واشفق منه اى حذر فان عدى بمن يكون معنى الخوف فيه اظهر من معنى الاعتناء وان عدى بعلى يكون معنى الاعتناء اظهر من معنى الخوف.

وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انه رأى جبريل ليلة المعراج ساقطا كالحلس من خشية اللّه تعالى.

وعنه ايضا ان اسرافيل له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب والعرش على جناحه وانه ليتضاءل الاحيان حتى يعود مثل الوضع وهو بالسكون ويحرك طائر اصغر من العصفور كما فى القاموس

خوف وخشيت حليه اهل دلست ... امن وبى بروايئ شان غافلست

٢٩

حينئذ

{ ومن يقل } [ وهركه كويد ]

{ منهم } اى من الملائكة

{ انى اله من دونه } اى حال كونه متجاوزا اياه تعالى

{ فذلك } الذى فرض قوله فرض محال فهذا لا يدل على انهم قالوه.

وقال بعضهم هو ابليس حيث ادعى الشركة فى الالوهية ودعا الى عبادة نفسه وفيه انه يلزم ان يكون من الملائكة

{ نجزيه جهنم } كسائر المجرمين ولا يغنى عنهم ما ذكر من صفاتهم السنية وافاعالهم المرضية وهو تهديد للمشركين بتهديد مدّعى الربوبية ليمنعوا عن شركهم

{ كذلك نجزى الظالمين } مصدر تشبيهى مؤكد لمضمون ما قبله اى مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزى الذين يضعون الاشياء فى غير مواضعها ويتعدون اطوارهم بالاشراك وادعاء الالهية . والقصر المستفاد من التقديم معتبر بالنسبة الى النقصان دون الزيادة اى لا جزاء انقص منه والجواء ما فيه الكفاية من المقابلة ان خيرا فخير وان شر فشر يقال جزيته كذا وبكذا.

وفى التأويلات النجمية يشير بقوله

{ لا يسبقونه بالقول } الى انهم خلقوا منزهين عن الاحتياج الى مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح وما يدفع عنهم البرد والحر وما ابتلاهم اللّه بالامراض والعلل والآفات ليسبقوا اللّه بالقول ويستدعوا منه رفعها وازالتها واخلاص منها بالتضرع وكذلك ا ابتلاهم اللّه بطبيعة تخالف اوامر اللّه تعالى فيمكن منهم خلاف ما يؤمرون

{ هم بامره يعملون } نظيره

{ لا يعصون اللّه ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون } ولعمرى انهم وان كانوا مكرمين بهذه الخصال فان بنى آدم فى سر

{ ولقد كرمنا بنى آدم } آكد المكرمين منهم بكرامات اكبر منها درجة وارفع منها منزلة وذلك لانهم لما خلقوا محتاجين الى ما لا تحتاج اليه الملائكة اكرموا بالكرامتين اللتين لم تكرم بهما الملائكة فاحدهما الرجوع الى اللّه مضطرين فيما يحتاجون اليه فاكرموا بكرامة الدعاء ووعدهم عليه الاستجابة بقوله

{ ادعونى استجب لكم } فلهم الشركة مع الملائكة فى قوله

{ لا يسبقون بالقول } الآية لانهم بامره دعوه عند رفع الحاجات ولك اثنى عليهم بقوله

{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا } وقد اعظم امر الدعاء بقوله

{ قل ما يعبأ بكم ربى لولا دعاؤكم } وهم ممتازون عن الملائكة بكرامة الدعاء والاستجابة وهذه مرتبة الخواص من بنى آدم فى الدعاء . فاما مرتبة اخص الخواص فهى انهم يدعون ربهم لا خوف ولا طمعا بل محبة منهم وشوقا الى وجهه الكريم كما قال

{ يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه } وهذه هى الكرامة الثانية التى من نتائج الاحتياج حتى لا يبقى شئ من المخلوقات الا محتاجا بخلاف مخلوق آخر فان لكل مخلوق استعداد فى الاحتياج يناسب حال جبلته التى جبل عليها فكل مخلوق يفتقر الى خالقه بنوع ما وتفتقر اليه بنوا آدم من جميع الوجوه وهذا هو سر قوله تعالى

{ واللّه الغنى وانتم الفقراء } كما ان ذاته وصفاته استوعبت الغنى كذلك ذواتهم وصفاتهم استوعبت الفقر فاكرمهم اللّه بعلم اسماء ما كانوا محتاجين اليه كله ووفقهم للسؤال عنه وانعم عليهم بالاجابة فقال

{ وآتيكم من كل ما سألتموه } وعد ذلك من النعم التى لا نهاية لها وكرامة لا كرامة فوقها بقوله

{ وان تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها } وبقوله

{ يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم } يشير الى انه يعلم ما بين ايدى الملائكة من خجالة قولهم

{ أتجعل فيها من يفسد فيها } الآية فان فيه شائبة نوع من الاعتراض ونوع من الغيبة ونوع من العجب حتى عيرهم اللّه فيام قالوا وقال

{ انى اعلم ما لا تعلمون } يعنى اعلم منه استحقاق المسجودية واعلم منكم استحقاق الساجدية له وما خلفهم اى وما يأمرهم بالسجود له والاستغفار لمن فى الارض يعنى المغتابين من اولاده ليكون كفارة لما صدر منهم فى حقهم

{ ولا يشفعون } فى الاستغفار

{ الا لمن ارتضى } يعنى اللّه تبارك وتعالى من انه المغفرة وهم من خشيته مشفقون اى من خشية اللّه وسطوة جلاله خائفون ان لا يعفو عنهم ما قالوا او يأخذهم به ومن يقل منهم انى اله من دونه يعنى من الملائكة فذلك نجزيه جهنم يشير اى انه ليس للملك استعداد الاتصاف بصفات الاوهية ولو ادعى هذه المرتبة فجزاؤه جهنم البعد والطرد والتعذيب كما كان حال ابليس وبه يشير الى ان الاتصاف بصفات الالوهية مرتبة بنى آدم كما قال عليه السلام ( تخلقوا باخلاق اللّه ) وقال ( عنوان كتاب اللّه الى اوليائه يوم القيامة من الملك الحى الذى لا يموت الى الملك الحى الذى لا يموت ) فافهم جدا كذلك نجزى الظالمين يعنى الذين يضعون الاشياء فى غير موضعها كاهل الرياء والسمعة والشرك الخفى انتهى ما فى التأويلات النجمية.

٣٠

{ أولم ير الذين كفروا } الهمزة لانكار نفى الريية وانكار النفى نفى له ونفى النفى اثبات والواو للعطف على مقدر والرؤية قلبية لا بصرية حتى لا يناقض قوله تعالى

{ ما اشهدتهم خلق السموات والارض } والمعنى ألم يتفكروا او ألم يستفسروا من العلماء او ألم يطالعوا الكتب او ألم يسمعوا الوحى ولم يعلموا

{ ان السموات والارض كانتا } ثنى الضمير الراجع الى الجمع باعتبار ان المرجع اليه جماعتان

{ رتقا } على حذف المضاف اى ذواتى رتق بمعنى ملتزقتين ومنضمتين لافضاء بينهما ولا فرج فان الرتق هو الضم والالتحام خلقه كان او ضنعه

{ ففتقناهما } الفتق الفضل بين المتصلين وهو ضد الرتق اى ففصلنا وفرقنا احداهما عن الاخرى بالريح وفى الحديث المشهور ( اول ما خلق اللّه جوهرة فنظر اليها بنظر الهيبة فذابت وارتعدت من خوف ربها فصارت ماء ثم نظر اليها نظر الرحمة فجمد نصفها فخلق منه العرش وارتعد العرش فكتب عليه لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فسكن العرش فترى الماء يرتعد الى يوم القيامة ) وذلك قوله تعالى

{ وكان عرشه على الماء } اى العذب ( ثم حصل من تلاطم الماء ادخنة متراكمة بعضها على بعض وزبد فخلق منها السموات والارض طباقا وكانا رتقا وخلق الريح فيها ففتق بين طبقات السموات وطباق الارض ) كما خبر بقوله

{ ثم استوى الى السماء وهى الدخان } وانما خلقها من دخان ولم يخلقها من بخار لان الدخان خلق متماسك الاجزاء يستقر عند منتهاه والبخار يتراجع وذلك من كمال علمه وحكمته ( ثم بعد ذلك مد الزبد على وجه الماء ودخانه فصارا ارضا بقدرته ) وذلك قوله تعالى

{ والارض بعد ذلك دحاها } [ وكفنته اند آسمان بسته بود ازوى باران نمى آمد وزمين بستة بود ازو كياه نمى رست ما آن را بباران واين را بكياه كشاديم ] يعنى فتق السماء وهى اشد الاشياء واصلبها بألين الاشياء وهو الماء وكذلك فتق الارق بألين الاشياء وهو النبات مع شدتها وصلابتها.

فان قيل المفتوقة بالمطرهى سماء الدنيا فما معنى الجمع.

قلنا جمع السموات لان لها مدخلا فى الامطار اذا لتأثير انما يحصل من جهة العلو.

واعلم ان الفتق صفة اللّه تعالى كالعلم والقدرة وغيرهما فهو ازلى والمفتوق حادث بحدوث التعلق كما فى العلم وغيره من الصفات التى لا يلزم من قدمها قدم متعلقاتها فتكون تعلقاتها حادثة . فقول البيضاوى ان الفتق عارضا خطأ كما فى بحر العلوم

{ وجعلنا } خلقنا

{ من الماء } الماء جسم سيال قد احاط حول الارض

{ كل شئ حى } اى كل حيوان عرف الماء باللام قصدا الى الجنس اى جعلنا مبدأ كل شئ حى من هذا الجنس اى جنس الماء وهو النطفة كام فى قوله تعالى

{ واللّه خلق كل دابة من ماء } اى كل فرد من افراد الدواب من نطفة معينة هى نطفة ابيه المتخصة به او كل نوع من انواع الدواب من نوع من انواع المياه وهو نوع النطفة التى تختص بذلك النوع من الدواب.

يقول الفقير قدفرقوا بين الحى والحيوان بن كل حيوان حى وليس كل حى حيوانا كالملك فالظاهر ما جاء فى بعض الروايات من ( ان اللّه تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء وآدم من تراب خلقه منه والجن من نار خلقها منه ).

وقال بعضهم يدخل فى الآية النبات والشجر لنمائهما بالماء والحياة قد تطلق على القوة النامية الموجودة فى النبات والحيوان كما فى المفردات ويدل على حياتهما قوله تعالى

{ يحيى الارض بعد موتها } كما فى الكبير

{ أفلا يؤمنون } [ آيا نمى كردند مشركان باوجود اين آيات واضحه ].

وفى التأويلات النجمية يشير

{ بقوله أولم ير الى ففتقناهما } الى ان الرواح المؤمنين والكافرين خلقت قبل السموات والارض كما قال عليه السلم ( ان اللّه خلق الارواح قبل الاجساد بالفى الف عام ) وفى رواية ( باربعة آلاف سنة وكان خلق السموات والارض بمشهد من الارواح وكانتا شيأ واحدا ) كما جاء فى الحديث المشهور ( اول ما خالق اللّه جوهرة ) ويشير بقوله

{ وجعلنا من الماء كل شئ حى } الى انه تعالى خلق حياة كل ذى حياة من الحيوانات من الماء الذى عليه عرشه وذلك ان الجوهرة التى هى مبدأ الموجودات وهى الروح الاعظم خلقت ارواح الانسان والماك من اعلاها وخلقت ارواح الحيوانات والدواب من اسفلها وهى الماء كما قال ( واللّه خلق كل دابة من ماء ) وكان ذلك كله بمشهد الارواح فلذلك قال

{ أفلا يؤمنون } اى أفلا يؤمنون بما خلقنا بمشهد من ارواحهم انتهى.

واعلم ان المراد من رؤية الآيات النتقال منها الى رؤية صانعها رؤية قلبية هى حقيقة الايمان - روى - ان عليا رضى اللّه عنه صعد المنبر يوما وقال سلونى عما دون العرش فان ما بن الجوانح علم جم هذا لعاب رسول اللّه فى فمى هذا ما رزقنى رسول اللّه رزقا فوالذى نفسى بيده لو اذن للتوراة والانجيل ان يتكلما فاخبرت بما فيهما لصدّقانى على ذلك وكان فى المجلس رجل يمانى فقال ادعى هذا الرجل دعوى عريضة لأفضحنه فقام وقال اسأل قال سل تفقها ولا تسأل تعنتا فقال انت حملتنى على ذلك هل رأيت ربك يا علىّ قال ما كنت اعبد ربا لم اره فقال كيف رأيت قال لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقيقة الايمان ربى احد واحد لا شريك له احد لا ثانى له فرد لا مثل له لا يحويه مكان ولا يداوله زمان ولا يدرك بالحواس ولا يقاس بالقياس فسقط اليمانى مغشيا عليه فلما افاق قال عاهدت اللّه ان لا اسأل تعنتا : قال الشيخ المغربى قدس سره

نخست ديده طلب كن بس آنكهى ديدار ... ازانكه يار كند جلوه بر اولو الابصار

وقال الخجندى قدس سره

بدارشو آنكه طب آن روى كه هركز ... درخواب جنين دولت بيدار نيابى

ازال اللّه عنا الغين والغفلة والحجاب وفتح بصائرنا الى جناب جمال المهيمن الوهاب انه رب الارباب ومسبب الاسباب.

٣١

{ وجعلنا فى الارض } الارض جسم غليظ اغلظ ما يكون من الاجسام واقف على مركز العالم مبين لكيفية الجهات الست فالشرق حيث تطلع الشمس والقمر والغرب حيث تغيب والشمال حيث مدار الجدى والجنوب حيث مدار سهيل من رسا اذا ثبت ورسخ ران تميد بهم

الميد اضطراب الشئ العظيم كاضطراب الارض يقال ماد يميد ميدا اذا تحرك ومنه سميتالمائدة وهى الطعام والخوان عليه الطعام كما قال الراغب المائدةالطبق الى عليه الطعام ويقال لكل واحد منها مائدة . والمعنى كراهة ان تميل بهم الارض وتضطرب والظاهر ان الباء للتعدية كما يفهم من قول بعضهم بالفارسية [ تابجنباند زمين آدميانرا ].

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الارض بسطت على وجه الماء فكانت تميد باهلها كما تميد السفينة على الماء فارسلها اللّه بالجبال الثوابت كما ترسى السفينة بالمرساة وسئل علىّ رضى اللّه عنه أى الخلق اشد قال اشد الخلق الجبال الرواسى والحديد اشد منها يبحث به الجبل والنار تغلب الحديد والماء يطفى النار والسحاب يحمل الماء والريح يحمل السحاب والانسان يغلب الريح بالثبات والنوم يغلب الانسان والهم يغلب النوم والموت يغلب كلها : يقول الفقير

نباشد درجهان جون مرك جزيى ... كه غالب شد ترا هرجند عزيزى

وفى التأويلات النجمية يشير الى الابدال الذين هم اوتاد الارض واطوادها فاهل الارض بهم يرزقون وبهم يمطرون والابدال قوم بهم يقيم اللّه الارض وهم سبعون اربعون بالشام وثلاثون بغيرها لا يموت احدهم الا يقام مكانه آخر من سائر الناس وفى الحديث ( لن تخلو الارض من اربعين رجلا مثل خليل الرحمن فبهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم احد الا ابدل اللّه مكانه آخر )

{ وجعلنا فيها } فى الارض او فى الرواسى وعله اقتصر فى الجلالين لانها المحتاجة الى الطرق

{ فجاجا سبلا } اى طرقا مسلوكة لان السبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك والفج الشق بين الجبلين

{ لعلهم يهتدون } ارادة ان يهتدوا الى مصالحهم ومهماتهم التى جعلت لهم فى البلاد البعيدة.

٣٢

{ وجعلنا السماء سقفا } سميت سقفا لانها للارض كالسقف

{ محفوظا } من الوقوع مع كونها بغير عمد او من الفساد والانحلال الى الوقت المعلوم او من استراق السمع بالشهب.

وفيه اشارة الى ان سماء قلب العارف محفوظة من وساوس شيطان الانس والجن وكان من دعاء النبى عليه السلام ( للهم اعمر قلبى من وساوس ذكرك واطرد عنى وساوس الشيطان ) كما فى آكام المرجان : وفى المثنوى

ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز ... جشم تركسرا ازين كركس بدوز

{ وهم عن آياتها } اى ادلتها الواضحة التى خلقها اللّه تعالى فيها وجعلها علامات نيرة على وجوده ووحدته وكمال صنعه وعظيم قدرته وباهر حكمته مثل الشمس والقمر والنجوم وغيرها

{ معرضون } لا يتدبرون فيها فيقفون على ما هم عليه من الكفر والضلال.

يقال اخلاق الابدال عشرة اشياء . سلامة فىلصدر . وسخاوة فى المال . وصدق اللسان . وتواضع النفس والصبر فى الشدة . والبكاء فى الخلوة . والنصحية فى الخلق . والرحمة للمؤمنين . والتفكر فى الاشياء . والعبرة فى الاشياء فانظروا الى آثار رحمته وتفكروا فى عجائب صنعه وبدائع قدرته حتى تستخرجوا الدر من بحار معرفته - روى - ان داود عليه السلام دخل فى محرابه فرأى دودة صغيرة فتفكر فى خلقها وقال ما يعبأ اللّه بخلق هذه فانطقها اللّه تعالى فقالتيا داود أتعجبك نفسك وانا على ما انا واللّه اذكر اللّه واشكره اكثر مما آتاك اللّه فالمقصود برؤية الآيات بالحق ذكر اللّه تعالى عند كل شئ وهى من اوصاف المؤمنين الكاملين

واما التعامى والاعراض فحال الكفرة الجاهلين : وفى المثنوى

بيش خر خرمهره وكوهر يكيست ... آن اشك را در درو دريا شكيست

منكر بحرست وكوهر هاى او ... كى بود حيوان درو بيرايه جو

در سر حيوان خدا ننهاده است ... كوبود در بند لعل ومر برست

مر خرانرا هيج ديدى كوشوار ... كوش هوش خربود در سبزه زار

وفى الآية اشارة الى آيات سماء قلب العارف وهى التجليات الحقية والكلمات الذوقية فاهل السلوك الحقيقى يؤمنون بالعماء باللّه وباحوالهم ومقاماتهم وكلماتهم

واما غيرهم فينكرون ويعرضون لانهم يمشون من طريق العقل وينظرون بنظر القنل.

وقد صح ان العقل ليس له قدم الا فى طريق المعقولات وفوقها المكاشفات فالاهتداء الى اللّه انما هو باهل اللّه اذ هم المرشدون الى الفجاج الصحيحة والسبل المستقيمة وعلومهم محفوظة من النسخ والتبديل دنيا وآخرة

واما الرسوم فانما تتمشى الى الموت.

فعلى العقال ان يعقل نفسه عن هواها ويتفكر فى هداها ويختار للارشاد من هو اعرف بطريق العقل والنقل والكشف فانه قال فى المثنوى

رهوراه طريقت اين بود ... كو باحكام شريعت ميرود

ويعرض عمن لا يعرف قدر الشريعة والحكمة فيها فانه عقيم والمرتبط بالعقيم لا يكون الا عقيما نسأل اللّه تعالى ان يوفقنا للثبات فى اتباع طريقة اهل المكاشفات والمشاهدات فى جميع الحالات.

٣٣

{ وهو } وحده { الذى خلق الليل } الذى هو ظل الارض

{ والنهار } الذى هو ضوء الشمس

{ والشمس } الذى هو كوكب مضيئ نهارى

{ والقمر } الذى هو كوكب مضئ ليلى اى اللّه تعالى اوجد هذه الاشياء واخردجها من العدم الى الوجود دون غيره فله القدرة الكاملة والحكمة الباهرة

{ كل } اى كل واحد من الشمس والقمر وهو مبتدأ خبره قوله

{ فى فلك } على حدة كما يشهده وقوله

{ يسبحون } حال اى يجرون فى سطح الفلك كالسبح فى الماء فان السبح المرّ السريع فى الماء او فى الهواء واستعير لمر النجوم فى الفلك كما فى المفردات ويفهم منه ان الكواكب مرتكزة فى الافلاك ارتكاز فص الخاتم.

فى الخاتم قال فى شرح التقويم كل واحد من الكواكب مركوز فى فلك مغرب فيه كالكرة المنغمسة فى الماء لا كالمسك فيه والافلك متحركة بالارادة والكواكب بالعرض.

وقال بعضهم اخذا بظاهر الآية ان الفلك موج مكفوف من السيلان دون السماء تجرى فيه الشمس والقمر كما تسبح السمكة فى الماء والفلك جسم شفاف محيط بالعالم.

قال الراغب الفلم مجرى الكاوكب وتسميته بذنب لكونه كالفلك.

وقال محيى السنة الفلك فى كلام العرب كل شئ مستدير جمعه افلاك ومنه فلكه المغزل.

قال ابن الشيخ اختلف الناس فى حركات الكواكب والوجوه الممكنة فيها ثلاثة فانه اما ان يكون الفلك ساكنا والكواكب تتحرك فيه كحركة السابح فى الماء الراكد

واما ان يكون الفلك متحركا والكواكب تتحرك فيه ايضا مخالفة لجهة حركته او موافقة لها مساوية لحركته فى السرعة والبطيء اولا

واما ان يكون الفلك متحركا ساكنة.

قال الفلاسفة الرأى الاول باطل لانه يوجب خرق الفلك وهو محال وكذا الرأى الثانى فانه ايضا باطل لانه يوجب خرق الفلك وهو محال وكذا الرأى الثانى فانه ايضا باطل لعين ما ذكر فلم يبق الا الاحتمال الثالث وهو ان تكون الكواكب مغروزة فى الفلك واقفة فيه والفلك يتحرك فتتحرك الكواكب نبعا لحركة الفلك.

قال الامام واعلم ان مدار هذا الكلام على المتناع الحرق على الافلاك وهو باطل بل الحق ان الاحتمالات الثلاثة كلها ممكنة واللّه تعالى قادر على كل الممكنات والذى يدل عليه لفظ القرآن ان تكون الافلاك واقفة والكواكب تكون جارية فيها كما تسبيح السمكة فى الماء.

واعلم انه لو خلق السماء ولم يخلق الشمس والقمر ليظهر بهما الليل والنهار وسائر المنفع بتعاقب الحر والبرد لم يتكامل نعمه على عباده وانما تتكامل بحركاتها فى افلاكها ولهذا { قال كل فى فلك يسبحون }.

واحتج ابو على بن سينا على كون الكواكب احياء ناطقة بقوله

{ يسبحون } وبقوله { انى رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين }

قال الجمع بالواو والنون لا يكون الا للاحياء العاقلين والجواب انه لم اسند اليهن ما هو من افعال العقلاء وهو السباحة والسجود نزلن منزلة العقلاء فعبر عنهن بضمير العقال ومثله

{ ادخلوا مساكنكم } قال بعض اهل الحقيقة الاجرام الفلكية هى الاجسام فوق العناصر من الافلاك والواكب ومحركاتها اى مبادى حركاتها بالحركة الارادية على الاستدارة جواهر مجردة عن مواد الافلاك فىذواتها وانفسها متعلقة بالافلاك فى حركاتها لتكون تلك الجواهر مبادى تحريكاتها ويقال تلك الجواهر المجردة النفوس الناطقة الفلكية.

فان قلت فعلى هذا لا يكون الناطق فصلا للانسان.

قلت المراد بالنطق ما يجرى على اللسان وفيه نظل لانه يرد النقض بالملك والجن والبغاء والجواب الحق هو ما يجرى على الجنان ما لا يجرى على اللسان وليس لهم جنان حتى يجرى عليه الشئ.

قال الكاشفى [ در كشف الاسرار آورده كه نزد اهل اشارة شب وروز نشان قبض وبسط عارفانست كاه يكى را بقبضه قبض كيرد تاسلطان جلال دمار ازنهاد اوبر آرد وكاه يكى را بر بساط بسط فشاند تامزبان جمال اورا ازخوان نوال نواله اقبلال دهد وآفتاب نشأنه صاحب توحداست بنعمة تمكين در حضرت شهود آراسته نه فزايد ونه كاهد لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا وقمر نشانه اهل تلوين است كاه دركاهش بود وكاه در افزايش زمانى بظهور نور برق وحدت در محاق نيستى افتد وساعتى ببروز رموز جامعيت بمرتبه بدريت رند كوبيا در كلام حقائق انجام حضرت قاسم الانوار قدس سره اشارتى بدين معنى هست

زبيم سوز هجرانت زموا باريكتر كردم ... جوروزوصل ياد آرم شوم در حال ازان فربه

وحضرت بيررومى قدس سره ميفرمايد

جون روى برتابى زمن كردم هلالى ممتهن ... ورروئ سوئ من كنى جون بدبى نقصان شوم

تو آفتابى من جومه كردتوكردم روز وشب ... كه در محاق افتم زتوكه شمع نور افشان شوم

ز بيم سوز هجرانت ز مو باريكتر كردم ... چوروز وصل ياد آرم شوم در حال از آن فربه

وحضرت پير رومى قدس سره ميفرمايد

٣٤

وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ البشر والبشرة ظاهر الجلد وعبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف او الشعر او الوابر والخلد تبرى الشيء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التي عليها نزلت حين قال المشركون نتربص به ريب المنون: يعنى [انتظار مى بريم كرد باد حوادث بر آمد وياران حضرت محمد عليه السلام متفرق ساخته او را در ورطه هلاك اندازد] والريب ما يريبك من المكاره والمنون الموت اى ننتظر به ان تصيبه مكاره وحوادث تؤديه الى الموت فريب المنون الحوادث المهلكة من حوادث الدهر. والمعنى وما جعلنا لفرد من افراد الإنسان من قبلك يا محمد دوام البقاء فى الدنيا اى ليس من سنتنا ان نخلد آدميا فى الدنيا وان كنا قادرين على تخليده فلا أحد الا وهو عرضة للموت فاذا كان الأمر كذلك

أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ فى الدنيا بقدرتنا لابل أنت وهم ميتون كما هو من سنتنا دليله قوله تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وبالفارسية [پس ايشان يعنى منتظران مرك تو با بندگان خواهند بودى] والهمزة فى المعنى داخلة على الخلود كأنه قيل فاذا مت أنت أيبقى هؤلاء المشركون حتى يشمتون بموتك كما قال الشاعر

فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلق الشامتون كما لقينا

وقال الشيخ سعدى قدس سره

مكن شادمانى بمرك كسى ... كه دوران پس از وى نماند بسى

فالمراد بانكار الخلود ونفيه انكار الشماتة التي كان الخلود مدارا لها وجودا وعدما قال فى بحر العلوم المراد بالخلود المكث الطويل سواء كان معه دوام أم لا وجيئ بالشرطية التي لا تقتضى تحقق الطرفين فلم يوصف عليه السلام بالموت قبلهم بل فرض موته قبلهم كما يفرض المحال وذلك لما علم الله تعالى انهم يموتون قبله وانه يبقى بعدهم بمدة مديدة كما يشهده وقعة بدر يقول الفقير ان الوزير مصطفى الشهير بابن كوپريلى أقصى حضرة شيخى وسندى قدس سره الى جزيرة قبرس لما عليه العوام من الأغراض الفاسدة فحين زيارتى له سمعته عند السحر وهو يكرر هذه الآية فمات الوزير قبله قال الامام ويحتمل انه لما كان خاتم الأنبياء قدر انه لا يموت إذ لو مات لتغير شرعه فنبه على ان حاله كحال غيره فى الموت. واستدل بالآية من قال بان الخضر مات وليس بحي فى الدنيا مع ان المشايخ باسرهم وكثيرا من العلماء قائلون بانه حى حتى اخبر بعضهم برؤيته إياه ومكالمته معه والله اعلم وان صح ذلك فيكون من العام المخصوص واعلم ان ما يدل على ان الخضر كان حيا فى عهد النبي عليه السلام ما ذكر فى صحيح المستدرك من انه عليه السلام لما توفى عزتهم الملائكة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ان فى الله عزاء فى كل مصيبة وخلفا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فانما المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ودخل رجل اشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت الى الصحابة فقال ان فى الله عزاء فى كل مصيبة وعوضا عن كل فائت وخلفا من كل هالك فالى الله فانيبوا والى الله فارغبوا ونظره إليكم فى البلاء فانظروا فانما المصاب من لم يجبر وانصرف فقال أبو بكر وعلى رضى الله عنهما هذا الخضر عليه السلام

٣٥

{ كل نفس ذائقة الموت } برهان على ما من خلودهم والمراد النفسئ الناطقة الى هى الروجح الانسانية وموتها عبارة عن مفارقتها جسدها اى ذائقة مرارة المفارقة والذوق هذا لا يمكن اجراؤه على ظاهره لان الموت ليس من المطعوم حتى يذاق بل الذوق ادراك خاص فيجوز جعله مجازا عن اصل الادراك والموت صفة وجودية خلقت ضدا للحياة وباصطلاح اهل الحق قمع هوى النفس فمن مات عن هواه فقد حيى.

قال الراغب انواع الموت بحسب النواع الحياة الاول ما هو بازاء القوة النامية الموجودة فى الانسان والحيوانات والبنات نحو

{ اعلموا ان اللّه يحيى الارض بعد موتها } والثانى القوة العاقلة وهى الجهالة نحو

{ انك لا تسمع الموتى } والرابع الحزن المكدر للحاية نحو

{ ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } والخامس المنام فقيل النومموت خفيف والموت نور نقيل وعلى هذا النحو سماه اللّه تعالى توفيا فقال

{ وهو الذى يتوفاكم بالليل } وقوله

{ كل نفس ذائقة الموت } عبارة عن زوال القوة الحيوانية وابانة الروح عن الجسد انتهى باجمال.

وفى التعريفات النفس هى الجوهر البخارى اللطيف الحامل لقوة الحياة والحسن والحركة الارادية وسماعه الحكيم الروح والحيوانى فهى جوهر مشرق للبدن فعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه فالنوم والموت من جن سواحد لان الموت هو الانقطاع الكلى والنوم هو الانقطاع الناقص.

والحاصل انه ان لم ينقطع ضوء جوهر النفس عن ظاهر البدن وباطنه فهو اليقظة وان انقطع عن ظاهره دون باطنه فهو النوم او بالكلية فهو الموت.

يقول الفقير يفهم منه ان الموت انقطاع ضوء الروح الحيوانى عن ظاهر البدن وباطنه وهذا الروح غير الروح الانسانى الذى يقال له النفس الناطقة اذ هو جوهر مجرد عن المادة فى ذاته مقارن لها فى فعلها ويؤيده ما فى انسان العيون من ان الروح عند كثر اهل السنة جسم لطيف مغاير للاجسام ماهية وهيئة متصرف فى البدن حال فيه حلول الدهن فى الزيتون يعبر عنه بانا وانت واذا فارق البدن مات.

وقول بعض الروحانيين ايضا ان اللّه تعالى جمع فى طينة الانسان الروح الملكى النورانى العلوى الباقى ليصير مسبحا ومقصدا كالملك باقيا بعد المفارقة والروح الحيوانى الظلالى السفلى الفانى ليقبل الفناء الذى يعبر عنه بالموت.

وقول بعضهم ايضا ذكر النفوس لا القلوب والارواح لانها تتجلى حياة الحق لها فاذا انسلخت الارواح من الاشباح انهدمت جنابذ الهياكل ورجعت الارواح الى معادن الغيب ومشاهدة الرب.

قال حضرة شيخى وسندى روح اللّه روحه فى بعض تحرير انه اعلم ان الروح من حيث جوهريته وتجرده وكونه من عالم الارواح المجردة مغاير للبدن متعلق به تعلق التدبير والتصرف قائم بذاته غير محتاج اليه فى بقائه ودوامه ومن حيث ان البدن صورته ومظهر كمالاته وقواه فى عالم الشهادة محتاج اليه غير منفك عنه بل سارى فيه لا كسريان الحلول المشهور عند اهل النظر بل كسريان الوجود المطلق الحق فى جميع الموجودات فليس بينهما مغايرة من كل الوجوه بهذا الاعتبار ومن علم كيفية ظهور الحق فى الاشياء وان الاشياء من أى وجه عينه ومن اى وجه غيره يعلم كيفية ظهور الروح فى البدن وانه من أى وجه عينه ومن أى وجه غيره لان الروح رب بدنه ويتحقق له ما ذكرنا وهو الهادى الى العلم والفهم انتهى كلام الشيخ قدس سره وهو العمدة فى الباب فظهر ان اطلاق النفس على الروح الانسانى انما هو لتعينه بتعين الروح الحيوانى فهو المفارق فى الحقيقة فافهم جدا.

قال الجنيد قدس سره من كان بين طرفى فناء فهو فان ومن كانت حياته بنفسه يكون مماته بذهاب روحه ومن كانت حياته بربه فان ينقل من حياة الطبع الى حياة الاصل وهى الحياة فى الحقيقة.

قال بعضهم ظهور الكرامة من الاولياء انما هو بعد الموت الاختيارى اى بوجوده لا بفقده فالموت لا ينافى الكرامة فالاولياء يظهرونها بعد وفاقتهم الصورية ايضا كذا فى كشف النور : قال الصائب

مشوبمرك زامداد اهل دل نوميد ... كه خواب مردم آكاه عين بيداريست

وفى عمدة الاعتقاد للنسفى كل مؤمن بعد موته مؤمن حقيقة كما فى حال نومه وكذا الرسل والانبياء عليهم السلام بعد وفاتهم رسل والانبياء حقيقة لان المتصف بالنبوة والايمان الروح وهو لا يتغير بالموت انتهى . واذ قد عرفت ان المراد بالنفس هى الروح لا معنى الذات فلا يرد لله نفسا كما قال

{ تعلم ما فى نفسى ولا اعلم ما فى نفسك } مع ان الموت لا يجوز عليه وكذا الجمادات لها نفس وهى لا تمون وفى الحديث ( آجال البهائم كلها والخشاش والدواب كلها فى التسبيح فاذا انقضى تسبيحها اخذ اللّه ارواحها وليس الى ملك الموت من ذلك شئ ) وفى الحديث ( لا تضربوا اماءكم على كسر انائكم فان لها آجالا كاجالكم - روى ) - عن عائشة رضى اللّه عنها انها قالت استأذن ابو بكر رضى اللّه عنه على رسول اللّه وقدمات وسجى عليه الثوب فكشف عن وجهه ووضع فمه بين عينيه ووضع يديه بين صدغيه وقال وانبياء واخليلاه واصفياه صدق اللّه ورسوله

{ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفان مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت } ثم خرج الى الناس فخطب وقال فى خطبته من كان يبد محمد فان محمدا قد مات ومن كان يبد ربه فان رب محمد حى لا يموت ثم قرأ { وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم }

الآية.

قال الكاشفى [ هركه قدم از دروازه عدم بفضاى صحراى وجودنهاه بضرورت شربت فنا خواهد نوشيد ولباس ممات ووفات خواهد بوشيد ]

هركه آمد بجهان اهل فنا خواهد بود ... وانكه باينده وباقيست خدا خواهد بود

{ ونبلوكم } اى نعاملكم ايها الناس معاملة من يبلوكم ويختبركم كما قال الامام انما سمى ابتلاء وهو عالم بما سيكون لانه فى صورة الاختبار

{ بالشر والخير } بالبلايا والنعم كالفقر والالم والشدة والغنى واللذة والسرور هل تصبرون وتشكرون اولا.

وقال بعضهم بالقهر واللطف والفراق والوصال والاقبال والادبار والمحنة والعافية والجهل والعلم والنكرة والمعرفة.

قال سهيل نبلوكم بالشر وهو متابعة النفس والهوى بغير هدى والخير العصمة من المعصية والمعونة على الطاعة

{ فتنة } اى بلاء واختبارا فهو مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه واصل الفتن ادخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته.

وعن ابى امامة رضى اللّه عنه قال قال النبى عليه السلام ( ان اللّه يجرب احدكم بالبلاء كما يجرب احدكم ذهبه بالنار فمنه ما يخرج كالذهب فذاك الى افتتن ) قال الحافظ

خوش بود كرمحك تجربه آيد بميان ... تاسيه روى شود هركه دروغش باشد

قال الخجندى

نقد قلب وسره عالم را ... عشق ضراب ومحبت محكست

قال الراغب يقال بلى الثوب بلى اى خلق وبلوته اختبرته كأنى اخلقته من كثرة اختبارى له وسمى الغم بلاء من حيث انه يبلى الجسم.

ويسمى التكليف بلاء من اوجه . الاول ان التكاليف كلها مشاق على الابدان فصارت من هذا الوجه بلاء . والثانى انهى اختبارات والثالث ان اختبار اللّه تعالى تارة بالمسار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فصارت المحمنة والمحنة جميعا بلاء فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر والقيام بحقوق الصبر ايسر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة اعظم البلاءين وبهذا النظر قال عمر رض ( من وسع عليه دنياه فلم يعلم انه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله ) واذا قيل ابتلى فلانا بكذا وبلاه فذلك يتضمن امرين احدهما تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من امره والثانى ظهور دودته ورداءته دون التعرف لحاله والوقوف على ما يجهل من امره اذ كان اللّه علام الغيوب

{ والينا ترجعون } لا الى غيرنا لا استقلالا ولا اشتراكا فنجازيكم على ما وجد منكم من الخير والشر فهو وعد ووعيد وفيه ايماء الى ان المقصود من هذه الحياة الدنيا الابتلاء والتعرض للثواب والعقاب.

واعلم ان المجازاة لا تسعها دارالتكليف فلا بد من دار اخرى لا يصار اليها الا بالموت والنشور فلا بد لكل نفس من ان تموت ثم تبعث.

قال بعضهم فائدة حالة المفارقة رفع الخبائث التى حصلت للروح بصحبة الاجسام وفائدة حالة الاعادة حصول التنعمات الاخروية التى اعدت لعباد اللّه الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وفى التأويلات النجمية يشير بقوله

{ ونبلوكم بالشر والخير } الى انا نبلوكم بالمكروهات التى تسمونها شرا وهى الخوف والجوع والنقص من الاموال والانفس والثمرات وان فيها موت النفس وحياة القلب ونبولكم بالمحبوبات التى تسمونها الخير والانعام وهى الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث وفيها حياة النفس وموت القلب وكلتا الحالتين ابتلاء فمن صبر على موت النفس عن صفاتها بالمكروهات وعن الشهوات فله البشارة بحياة القلب واطمئنان النفس وله استحقاق الرجوع الى ربه بجذبة ارجعى الى ربك باللطف كما قال

{ والينا ترجعون } فبصير ما يحسبه شرا خيرا كما قال له تعالى

{ وعسى ان تكرهوا شيأ وهو خير لكم } ومن لم يصبر على المكروهات وعن الشهوات المحبوبات ولم يشكر عليها باداء حقوق اللّه فيها فله العذاب الشديد من كفران النعمة ويصير ما يحسبه خيرا شرا له كما قال تعالى

{ وعسى ان تحبوا شيأ وهو شر لكم } فيرجع الى اللّه بالقهر فى السلاسل والاغلال انتهى فعلى العاقل الصبر على الفقر ونحوه مما يعد مكروها عند النفس : قال الحافظ

درين بازار كرسوديست بادرويش خرسندست ... الهى منعمم كردان بدرويشى وخر سندى

٣٦

{ واذا رأك الذين كفروا } اى المشركون نزلت حين مر النبى عليه السلام بابى جهل فضحك وقال لمن معه من صناديد العرب هذا نبى عبد مناف كالمستهزئ به

{ ان يتخذونك الا هزؤا } الهزؤ مزح فى خفية اى لا يفعلون بك الا اتخاذك مهزوا به : يعنى [ كسى كه با او استهزاء كنند مراد آنست كه ايشان ترا با استهزاء بيغمبر خوانند ] على معنى قصر معاملتهم معه على اتخاذهم اياه هزؤ لا على معنى قصر اتخاذهم على كونه هزؤا كما هو المتبادر

{ اهذا النبى } على ارادة القول : يعنى [ بايكديكر كفئند اين كس است كه بيوسته ]

{ يذكر آلهتكم } اصنامكم بسوء اى يبطل كونها معنودة ويقبح عبادتها يقال فلان يذكر الناس اى يغتابهم ويذكرهم بالعيوب كما قال فى بحر العلوم وانما اطلق الذكر لدلالة الحال فان ذكر العدو لا يكون الا بذم وسوء

{ وهم بذكر الرحمن هم كافرون } حال والضمير الاول خبره كافرون والثانى تأكيد لفظى له وبذكر متعلق بالخبر وهو من اضافة المصدر الى مفعوله اى يعيبون ان يذكر عليه السلام آلهتهم التى لا تضر ولا تنفع بالسوء والحال انهم كافرون بان يذكروا الرحمن المنعم عليهم بما يجب ان يذكر به من الوحدانية فهم احقاء بالعيب والانكار.

وفى الآية اشارة الى ان كل من كان محجوبا عن اللّه بالكفر لا ينظر الى خواص الحق الا بعين الانكار والاستهزاء لان خواص الحق من الانبياء والاولياء يقبحون فى اعينهم اذ ما اتخذوا لهم آلهة من شهوات الدنيا من جاهها وما لها وغير ذلك مما تخذوه آلهة كما قال تعالى

{ أفرأيت من اتخذ الهه هواه } وكل محب يغار على محبوبه ولذا يذكرونهم بعيب ونقصان والحال ان العيب والنقصان فيهم لا فى اضدادهم : وفى المثنوى

آن دهان كزكرد واز تسخر بخواند ... مر محمدرا دهانش كز بماند

باز آمد كاى محمد عفو كن ... اى ترا الطاف علم من لدن

من ترا افسوس ميكردم ز جهل ... من بدم افسوس را منسوب واهل

جون خدا خواهدكه برده كس درد ... ميلش اندر طعنه باكان برد

ورخدا خواهدكه بوشد عيب كس ... كم زند درعيب معيوبان نفس

فعلى العقال ان يصون لسانه عن ذكر العيوب ويشتغل فى جمع الاوقات بذكر علام الغيوب فانه الذى افاض سجال الرحمة والشكر لازم لولى النعمة وفى الحديث ( ان ذكر اللّه مطيعا ذكره اللّه بالرحمة ومن ذكر اللّه عاصيا ذكره اللّه باللعنة وافضل الذكر لا اله الا اللّه ) لانه اعراض عما سوى اللّه واقبال بالكلية على اللّه.

يقال النصف الاول اشارة الى قوله

{ ففروا الى اللّه } والثانى الى قوله

{ قل اللّه ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون } ويقال ان سائر العبادات والاذكار تصل الى اللّه تعالى بواسطة الملك اما هذه الكلمة فتصل الى اللّه بلا واسطة الملك من قالها مرة خالصا غفرت ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر وانه تعالى امر جميع الانبياء ان يدعو اممهم الى هذا الذكر فما نزلت كلمة اجل من لا اله الا اللّه بها قامت السموات والارضون وهى كلمة الاسلام وكلمة النجاة وكلمة النور اذ بها يستنير الباطن بأنوار الخلوص والصدق والصفاء واليقين.

٣٧

{ خلق الانسان } اى جنسه

{ من عجل } العجلة طلب الشئ وتحريه قبل اوانه وهو من مقتضى الشهوة فلذلك صارت مذمومة حتى قيل العجلة من الشيطان جعل الانسان لفرط استعجاله وقلة صبره كأنه مخلوق منه كما يقال خلق زيد من الكرم تنزيلا لما طبع عليه من الاخلاق منزلة ما طبع منه من الاركان ايذانا بغاية لزومه وعدم انفكاكه عنه ومن عجلته مبادرته الى الكفر واستعجاله بالوعيد قال النضر بن الحارث ( اللهم ان كان هذا هو الحق من عند فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم ) وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان المراد بالانسان آدم وانه حين بلغ الروح صدره اراد ان يقوم اى استعجل فى القيام قبل ان يبلغ الروح اسفله

{ سأريكم } ايها المستعجلون

{ آياتى } [ نشانهاى قدرت خود دردنيا بواسطه واقعه بدر ودر آخرت عذاب دوزخ ]

{ فلا تستعجلون } بالاتيان بها : وبالفارسية [ بس شتاب مكنيد مر جواستن آن ] والنهى عما جبلت عليه نفوسهم ليقمعوها عن مرادها فان لهم الارادة والاختيار فطبعهم على العجل لا ينافى النهى كما قال تعالى

{ واحضرت الانفس الشح } فخلق فى الانسان الشح وامر بالانفاق وخلق فيه الضعف وامر بالجهاد وخلق فيه الشهوة وامر بمخالفتها فهذا ليس من قبيل تكاليف ما لا يطاق.

وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى معان.

ومنها انتم تستعجلون فى طلب العذاب من جهلكم وضلالكم وهذلك لانكم تاذون حبيبى ونبيى بطريق الاستهزاء والعداوة من عادى لى وليا فقد بارزنى فى الحرب فقد استعجل فى طلب العذاب لانى اغضب لاوليائى كما يغضب الليث ذو الجرو لجروه فكيف بمن يعادى حبيبى ونبيى عليه السلام ويدل على صح ةهذا التأويل قوله

{ سأريكم آياتى } اى عذابى

{ فلا تستعجلون } فى طلبه بطريق ايذاء نبيى والاستهزاء به.

ومنها ان الروح الانسانى خلق من عجل لانه اول شئ تعلقت به القدرة.

ومنها ان اللّه تعالى خلق السموات والارض وما بينهما فى ستة ايام وخمر طينة آدم بيده اربعين صباحا وقد روى ان كل يوم من ايام التخمير كان مقداره الف سنة مما تعدون فتكون اربعين الف سنة فالمعنى ان الاسنان مع هذا خلق من عجل بالنسبة الى خلق السموات والارض فى ستة ايام لما خلق فيه عند تخمير طينته من نموذجات ما فى السموات والارض وما بينهما واستعداده لقبوله سر الخلافة المختصة به وقابليته تجلى ذواته وصفاته وللمرآتية التى تكون مظهره للكنز الخفى الى خلق الخلق لاظهاره ومعرفته لاستعداد حمل الامانة التى عرضت على السموات والارض والجبال واهاليها فا بين ان يحملتها واشفقن منها وحملها الانسان وتمام الآية يدل على هذا المعنى وهو قوله

{ سأريكم آياتى فلا تستعجلون } اى سأريكم صفات كمالى فى مظاهر الآفاق ومرآة انفسكم بالتربية فى كل قرن واسطة نبى او ولى فلا تستعجلون فى طلب هذا المقام من انفسكم فانه قيل حد طلبه من المهد الى اللحد بل اقول من الازل الى الابد وهذا منطق الطير لا يعلمه الا سليمان الوقت قال تعالى

{ سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق } انتهى : قيل

لا تعجلن لامر انت طالبه ... فقلما يدرك المطلوب ذو العجل

فذو التأنى مصيب فى مقاصده ... وذو التعجل لا يخلو عن الزلل

قال اعرابى اياكم والعجلة فان العرب تكنيها ام الندامات قال آدم عليه السلام لاولاده ( كل عمل نريد ان تعملوه فقفوا له ساعة فانى لو وقفت ساعة لم يكن اصابنى ما اصابنى ) فلا بد من التأنى فى الامور الدنيوية والمقاصد المعنوية

جو صبح وصل او خواهد دميدن عاقبت جامى ... مخو كر شب هجران بيايان دير مى آيد

٣٨

{ ويقولون } بطريق الاستعجال والاستهزاء

{ متى هذا الوعد } اى وعد العذاب والساعة فليأتنا بسرعة

{ ان كنتم صادقين } فى وعدكم بانه يأتينا والخطاب للنبى عليه السلام والمؤمنين الذين يتلون الآيات المنبثة عن مجيئ الوعد فقال تعالى

٣٩

{ لو يعلم الذين كفرا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون } جواب لو محذوف وايثار صيغة المضارع فى الشرط وان كان المعنى لافادة استمرار عدم العلم وحين مفعول ليعلم والكف الدفع يقال كففته اصبته بالكف ودفعته بها وتعورف الكف بالدفع على أى وجه كان بالكف او غيرها والمعنى لو علموا الوقت الذى يستعجلونه بقولهم متى هذا الوعد وهو حين تحيط بهم النار من كل جانب بحيث لا يقدرون على دفعها ولا يجدون ناصرا يمنعها لما استعجلوا وتخيصص الوجوه والظهور يعنى القدام والخلف لكونهما اشرف الجوانب واستلزام الاحاطة بهما للاحاطة بالكل.

٤٠

{ بل تأتيهم } العدة

{ بغتة } البغتة مفاجأة الشئ من حيث لا يحتسب اى فجأة : وبالفارسية [ ناكهان ] وهو مصدر لان البغتة نوع من الاتيان او حال اى باغتة

{ فتبهتهم } [ بس مبهوت ومتحير كرداند ايشان ] والبهت الحيرة.

قال الامام وانما لم يعلم اللّه وقت الموت والساعة لان المرء مع الكتمان اشد حذرا واقرب الى التدارك.

قال بعض الكبار من بهته شئ من الكون فهو لمحله عنده وغفلته عن مكنونه ومن كان فى قبضة الحق وحضرته لا يبهته شئ لانه قد حصل فى محل الهيبة من منازل القدس

{ فلا يستطيعون ردها } اى العدة فان المراد بها العذاب او النار او الساعة

{ ولا هم ينظرون } من الانظار بمعنى الامهال والتأخير اى لا يمهلون ليستريحوا طرفة عين او يتولوا الانكار قبل ان يكافئهم اللّه على انكارهم نار القطيعة والحسرة والبعد والطرد لما اقاموا على انكارهم ولتابوا ورجعوا الى طلب الحق وعلم منه ان عظم المقاصد هو طلب الحق والوصول اليه فكما ان من ادب الظاهر ان يحفظ المرؤ بصره عن الالتفات الى يمينه وشماله فكذا من ادب الباطن ان يصون بصيرته عن النظر الى ما سوى اللّه تعالى ولا يحصل غالبا الا بالسلوك والاسترشاد من اهل اللّه تعالى فلا بد من افناء الوجود فانه طريق المقصود - حكى - ان ليلى لما كسرت اناء قيس المجنون رقص ثلاثة ايام من الشوق فقيل ايها المجنون كنت تظن ان ليلى تحبك وهى تعطى ما اعطته لغيرك فضلا عن المحبة فقال انما المجنون من لم يتفطن لهذا السر اشارة الى ان كسر الوعاء عبارة عن الافناء.

واعلم ان من المتفق عليه شرعا وعقلا وكشفا ان كل كمال لم يحصل للانسان فى هذه النشأة وهذه الدار فانه لا يحصل له بعد الموت فى الدار الآخرة كما فى الفكوك لحضرت الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فعلم منه ان زمان الفرصة غنيمة وان وقت المو ت اذا جاء بغتة لا يقدر المرؤ ان يستأخر ويتدارك حاله : قال الشيخ سعدى قدس سره

خبردارى اى استخوانى قفس ... كه جان تو مرغيست نامش نفس

جو مرغ ازففس رفت بكسست قيد ... دكرره نكردد بسعى توصيد

نكه دار فرصت كه عالم دميست ... دمى بيش دانا به از عالميست

٤١

{ ولقد استهزئ برسل من قبلك } تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن استهزائهم به اى باللّه لقد استهزئ برسل اولى شأن خطير وذوى عدد كثير كائنين من زمان قبل زمانك كما استهزأ بك قومك فصبروا ففيه حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه

{ فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } يقال حاق به يحيق حيقا احاط به وحاق بهم الامر لزمهم ووجب عليهم وحاق نزل ولا يكاد يستعمل الا فى الشر والحيق ما يشمل الانسان من مكروه فعل وبالذين متعلق بحاق وضمير منهم للرسل والموصول فاعل حاق . والمعنى فاحاط بهم عقيب ذلك العذاب الذى كانوا به ستعجلون ووضع يستهزئون موضع يستعجلون لان استعجالهم كان على جهة الاستهزاء وهو وعد له بان ما يفعلون به يحيق بهم كما خاق بالمستهزئين بالانبياء ما فعلوا يعنى جزاءه.

٤٢

محمد للمستهزئين بطريق التقريع والتبكيت

{ من } استفهام

{ يكلؤكم } الكلأ حفظ الشئ وتبقيته والكالئ الذى يحفظ اى يحفظكم

{ بالليل والنهار } اى فيهما

{ من الرحمن } اى من بأسه الذى يستحقون نزوله ليلا او نهارا ان اراد بكم اى لا يمنعكم من عذابه الا هو وفى ذكر الرحمن تنبيه على انه لا كالئ غير رحمته العامة وان اندفاعه بمهلته وتقديم الليل لما ان الدواهى اكثر فيها وقوعا واشد وقعا

{ بل هم عن ذكر ربهم معرضون } لا يخطرون ذكره تعالى ببالهم فضلا عن ان يخافوا اللّه ويعدّوا ما كانوا عليه من الامن والدعة حفظا وكلاءة حتى يسألوا عن الكالئ اى دعهم عن هذا السؤال لانهم لا يصلحون له لاعراضهم عن ذكر اللّه تعالى.

وفى التأويلات النجمية المحجوبون بحجب البشرية ارجى صلاحا من المحجوبين بحجب الروحانية لانهم مقرون بجهالتهم وهؤلاء مغرورون بمقالتهم واهل الحجب البشرية معرضون عن ذكر ربهم وطلبه لاشتغالهم بلوازم البشرية واهل الحجب الروحانية معرضون عن ذكر ربهم ومعرفته بحسبانهم بمعارف المعقولات : قال الكمال الخجندى

غروركه دردين عاشقان ... ك بت كه يشكنندبه از صد عبادتست

ائب

ستى هركزنمى افتند مغروران ... كرجه صورت مقراض لا دارد كريبانها

٤٣

{ ام لهم آلهة تمنعهم من دوننا } اى منقطعة اى بل لهم آلهة تمنعهم من العذاب متجاوزة منعنا فهم معتمدون عليها اى ليس لهم

{ لا يستطيعون نصر انفسهم ولا هم منا يصحبون } استئناف مقرر لما قبله من الانكار وموضح لبطلان اعتقادهم اى هم لا يقدرون ان ينصروا انفسهم : يعنى [ اكر كسى بايشان مكروهى خواهد ازكسر وقلع وتلويث وامتثال آن ازخود دفع تتوانندكرد ] ولا يصحبون بالنصر من جهتنا.

قال الراغب لا يكون لهم من جهتنا ما يصحبهم من سكينة وروح وترفق ونحو ذلك مما يصحب اولياءنا فكيف يتوهم ان ينصروا غيرهم وقال ابن عباس رضى اللّه عنه يصحبون يمنعون.

٤٤

{ بل متعنا هؤلاء وآباءهم } المتاع انتفاع ممتد الوقت يقال متعه اللّه بكذا وامتعه وتمتع به : يعنى [ بلكه ما برخورداى رى داديم آن كروه را بجهت سع معيشت وايمنى وسلامتى وبدر ايشانرا ]

{ حتى طال عليهم العمر } بضم الميم وسكونها اسم لمدة عمارة البدن بالحياة اى طال عليهم الاجل فى التمتع فاغتروا وحسبوا انهم ما زالوا على ذلك لا يغلبون [ وندانستندكه دست اجل برهم زنداين بناكه افراشته ]

{ أفلا يرون } اى ألا ينظرون فلا يرون

{ انانأتى الارض } ارض الكفرة التى هى دار الحرب

{ ننقصها من اطرافها } بتسليط المؤمنين عليها فكيف بتوهمون انهم ناجون من بأسنا والجملة خبر بعد خبر او حال او بدل والاطراف جمع طرف بالتحريك وهوناحية من النواحى وطائفة من الشئ قالوا هذا تمثيل وتصوير لما يخربه اللّه من ديارهم على ايدى المسلمين ويضيفه الى دار الاسلام وذلك ان اللّه لا يأتى بل العساكر تغزوا ارض الكفرة وتأتى غلبة عليها ناقصة من نواحيها.

قال الكاشفى يعنى [ ميكشاييم آنرابر مسلمانان كه تاهرروزقلعه ميكيرند ومنزلى بحوزه تصرف درمى آرند ] وقد سبق فى آخر سورة الرعد

{ أفهم الغالبون } القاهرون على رسول اللّه والمؤمنين اى أبعد ظهور ما ذكر ورؤيتهم له يتوهم غلبتهم اى الغالب هو اللّه وهم المغلبون وفى الحديث ( فضلت على الناس باربع بالمساحة والشجاعة وكثرة الجماع وشدة البطش ) قيل للاسكندر فى عسكر دال الف الف مقاتل فقال ان القصان الحاذق لا يهوله كثرة الاغنام : وفى المثنوى

تيشه را زانبوهى شاخ درخت ... كى هراس آيد ببرد لخت لخت

شعله را زانبوهى هيزم جه غم ... كى رمد قصاب زانبوه غنم

خر نشايد كشت از بهر صلاح ... جون شودوحشى سود خونش مباح

لا جرم كفاررا شد خون مباح ... همجو وحشى بيش نشاب ورماح

جفت وفرزندان شان جمله سبيل ... زانكه بى عقلند ومردود وذليل

واعلم ان الغلبة والنصرة منصب شريف فهو بجند اللّه تعالى وهم الانبياء والاولياء وصالحوا المؤمنين كما قال تعالى

{ وان جندنا لهم الغالبون } اى وان رؤى انهم مغلوبون لان الغليبة له ألا ترى ان اللّه تعالى اظهر المؤمنين على العرب كلهم وافتتحوا بلاد الشرق والغرب ومزقوا ملك الا كاسرة وملك خزائنهم واستولوا على الدنيا وما وقع فى بعض الاوقات من صورة الانهزام فهو من باب تشديد المحنة والبلاء الحسن.

فعلى المؤمن ان يثق بوعد اللّه تعالى ولا يضعف عن الجهاد فان بالهمة تنقلع الجبال عن اماكنها.

وعن امير المؤمنين على رضى اللّه عنه انى ما قعلت خيبر بقوة جسمانية ولا بحركة غذائية لكنى ايدت بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها مضيئة عن جابر رضى اللّه عنه ان عليا رضى اللّه عنه لما انتهى الى الحصن اخذ احد ابوابه بالقاه فى الارض فاجتمع عليه بعد سبعون رجلا فكان جهدهم ان اعادوا الباب قالوا ( كل طائر يطير بجناحيه والعاقل بهمته )

فللمزيد رجال وللحروب رجال ...

٤٥

{ قل انما انذركم بالوحى } اى انما شأنى ان اخوفكم مما تستعجلونه بما اوحى الى من القرآن واخبر بذلك لا الآتيان به فانه مزاحم للحكمة التكوينية والتشريعية اذ الايمان برهانى لا عيانى

{ ولا يسمع الصم الدعاء} الى الايمان جمع الاصم والصمم فقدان حاسة السمع

{ اذا ما يندرون } شبهوا بالصم وهم صحاح الحواس لانهم اذا سمعوا ما ينذرون من آيات اللّه لا تعيه آذانهم وكان سماعهم كلا سماع فكانت حالهم لانتفاء جدوى السماع كحال الذين عدموا مصحح السماع وينعق بهم فلا يسمعون وتقييد نفى اسماع به مع ان الصم لا يسمعون الكلام انذارا كان او تبشير لبيان كمال شدة الصمم كما ان ايثار الدعاء الى هو عبارة عن الصوت والنداء على الكلام لذلك فان الانذار عادة يكون باصوات عالية مكررة مقارنة ليهئة دالة عليه فاذا لم يسمعوها يكون صممهم فى غاية وراءها وهذا من تتمة الكلام الملقن ويجوز ان يكون من جهته تعالى كأنه قيل قل لهم ذلك وانت بمعزل من اسماعهم.

وفيه اشارة الى انه ليس للانبياء والاولياء والنذار والنصح وليس لهم اسماع الصم وهم الذين لعنهم اللّه فى الازل بالطرد عن جوار الحضرة الى اسفل الدنيا واصمهم واعمى ابصارهم بحبها وطلب شهواتها فلا يسمعون ما ينذرون به وانما الاسماع لله لا للخق كما قال تعالى { ولو علم اللّه فيهم خيرا لا سمعهم }

٤٦

{ ولئن مستهم } [ واكر برسد بكفره ] والمس اللمس ويقال فى كل ما ينال الانسان من اذى

{ نفحة من عذاب ربك } اى وباللّه لئن اصابهم ادنى شئ من عذابه تعالى الذى ينذر به والنفحة من الريح الدفعة ومن العذاب القطعة كما فى القاموس وعلى الاولى حمل شارع الشهاب ما وقع فى قوله عليه السلام ( ان لربكم فى ايام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ) قال فى بحر العلوم من نفحته الدابة اذا ضربته اى ضربة او من نفحت الريح اذا هبت اى هبة او من نفح الطيب اذا فاح اى فوحة كما يقال شمة.

وقال ابن جريج اى نصيب من نفحه فلان من ماله اذا اعطاه عظنا منه

{ ليقولن } من غياة الاضطراب والحيرة

{ يا ويلنا } [ واى برما ] وقد سبق تحقيقه

{ انا كنا ظالمين } اى لدعوا على انفسهم بالويل والهلاك واعترفوا عليها بالظلم حين تصاموا واعرضوا وهو بيان لسرعة تأثرهم من مجيئ نفس الوعد اثر بيان عدم تأثرهم من مجيئ خبره.

وفيه اشارة الى ان اهل الغفلة والشقاوة لا تنتبهون بتنبيه الانبياء ونصح الاولياء فى الدنيا حتى يمسهم اثر من آثار عذاب اللّه بعد الموت فان الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا فاعترفوا بذنوبهم ونادوا بالويل والثبور على انفسهم بما كانوا ظالمين فالظلم يجلب النقم ويسلب النعم سواء كان ظلم الغير او ظلم النفس فلتجنب المؤمن من اسباب العذاب والنقمة وليأت الى باب النجاة والرحمة وذلك بالمجاهدة وقمع الهوى واختيار طريق الطاعة والتقوى - روى - ان بعض الصالحين قال لعجوز متعبدة ارفقى بنفسك فقالت ان رفقى بنفسى بغيبتى عن باب المولى ومن غاب عن باب المولى مشتغلا بالدنيا فقد عرض للمحن والبلوى ثم بكت وقالت واسوأتاه من حسرة السباق وفجيعة الفراق اما حسرة السباق فاذا قاموا من قبورهم وركب الابرار نجائب الابرار وقدمت بين يديهم نجائب المقربين بقى المسبوق فى جملة المحرمين

واما فجيعة الفراق فاذا جمع الخلق فى مقام واحد امر اللّه تعالى ينادى ايها الناس امتازوا فان المتقين قد فازوا كما قال تعالى

{ وامتازوا اليوم ايها المجرمون } فيمتاز الولد من والديه والزوج من زوجته والحبيب من حبيبه فهذا يحمل مبجلا الى رياض الجنة وهذا يساق مسلسلا على عذاب الجحيم فاين من يمسه العذاب ممن يصل اليه الثواب.

واعلم ان الانذار ابلغ فانه من باب التخلية فلا بد للعاصى من التخوف على المعاصي والاصغاء الى الموعظة والنصيحة الموقظة فانه سوف يقول المعرضون

{ لو كنا نسمع او نعقل ما كنا فى اصحاب السعير } وهم الصم فى الحقيقة : قال الشيخ سعدى

بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... كرهيج كس را نيايد بسند

كه بردا بشيمان برآرد خروش ... كه آوهخ جرا حق نكردم بكوش

٤٧

{ ونضع الموازين القسط } الموازين جمع ميزان : بالفارسية [ ترازو ] والقسط العدل اى نقيم الموازين العادلة التى نوزن بها صحائف الاعمال ونحضرها او الاعمال باعتبار التجوهر والتجسم وجع الموازين باعتبار تعدد الاعمال او لان لكل شخص ميزانا.

قال الراغب الوزن معرفة قدر الشئ وذكر الميزان فى مواضع بلفظ الواحد اعبتارا بالمحاسبة وفى مواضع بلفظ الجمع اعتبارا بالمحاسبين انتهى.

وافراد القسط لانه مصدر وصف به مبالغة كرجل عدل.

قال الامام وصف الموازين بالقسط لانها قد لا تكون مستقيمة

{ ليوم القيامة } اى لاجل جزائه

{ فلا تظلم نفس } من النفوس

{ شيأ } حقا من حقوقها على ان يكون مفعلولا ثانيا لتظلم لانه بمعنى تنقص وتنقص يتعدى الى مفعولين يقال نقصه حقه من الظلم بل يوفى كل ذى حق حقه ان خيرا فخيرا وان شرا فشر على ان يكون مفعولا مطلقا

{ وان كان } اى العمل المدلول عليه بوضع الموازين

{ مثقال حبة من خردل } المثقال ما يوزن به من الثقل اى مقدار حبة كائنة من خردل : بالفارسية [ ازسبندان كه اصغر حباتست ] اى وان كان فى غاية القلة والحقارة فان حبة الخدرل مثل فى الصغر

{ اتينا بها } بقصر الهمزة من الاتيان والباء للتعدية اى احضرنا ذلك العمل المعبر عنه بمثقال حبة الخدرل للوزن والتأنيث لاضافته الى الحبة

{ وكفى بنا حاسبين } اذ لا مزيد على علمنا وعدلنا الباء زائدة ون فاعل كفى وحاسبين حال منه بمعنى عادّين من حسب المال اذا عده.

وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما عالمين حافظين لان من حسب شيأ علمه وحفظه وفيه تحذير فان المحاسب العالم القادر الذى لا يفوته شئ يجب ان يخاف منه وروئ الشبلى قدس سره فى المنام فقيل ما فعل اللّه بك فقال

حاسبونا فدققوا ... ثم منوا فاعتقوا

قال الامام الغزالى رحمه اللّه الميزان حق ووجهه ان اللّه تعالى يحدث فى صحائف الاعمال وزنا بحسب درجات الاعمال عند اللّه فتصير مقادير اعمال العباد معلومة للعباد حتى يظهر لهم العدل فى العقاب او الفضل فى العفو وتضعيف الثواب.

يقول الفقير بهذا يندفع سؤال الامام فى تفسيره حيث قال اهل القيامة ان علموا كونه تعالى عادلا فلا حجة الى وضع الميزان بل يكفى مجرد حكمه بترجيح جانب وان لم يعلموا لم يقد وزن الصحائف لاحتمال انه جعل احدى الكفتين اثقل ظلما انتهى وذلك لانهم علموا ذلك ضروريا لان الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا لكن اللّه تعالى اراد ان يحصل لهم العلم بمقادر اعمالهم ليظهر العدل والفضل ظهورا لا غاية وراءه وفيه الزام الحجة لهم.

قيل للمزان لسان وكفتان وهو بيد جبريل يوزن فيه الحسنات والسيآت فى احسن صورة واقبحها والحكم للغالب فى الوزن وفى التساوى لفضل اللّه.

يقول الفقير لعل وجه كونه بيد جبريل انه الواسطة فى تنزيل الامر والنهى فناسب ان يكون المزان بيده ليزن حقائق الاوامر والنواهى - روى - ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان فاراه كل كفة كما بين الشمرق والمغرب فغشى عليه ثم افاق فقال الهى من ذا الذى يقدر ان يملأ كفته حسنات فقال يا داود انى اذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة وفى الحديث ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم ) انما صارتا احب لان فيهما المدح بالصفات السلبية التى يدل عليها التنزيه وبالصفات الثبوتية التى يدل عليه الحمد وفى الحديث ( التسبيح نصف الميزان والحمد لله ملأه )

قال المولى الفنارى توضع الموازين لوزن الاعمال فيجعل فيها الكتب بما عملوا وىخر ما يوضع فى الميزان قول الانسان الحمد لله ولهذا قال عليه السلام ( الحمد لله تملأ الميزان ) فانه يلقى فى الميزان جميع اعمال العباد من الخير الا كلمة لا اله الا اللّه فيبقى على ملئه تحميدة فتجعل فيه فيمتلئ بها فان كفة ميزان كل احد بقدر عمله من غير زيادة ولا نقصان وكل ذكر وعمل يدخل الميزان الا لا اله الا اللّه كما قلنا وسبب ذلك ان كل عمل خير له مقابل من ضده فيجعل هذا الخير فى موازنته ولا يقابل لا اله الا اللّه الا الشرك ولا يجتمع توحيد شرك فى ميزان احد لانه ان قال لا اله الا الاله معتقدا لها فما اشرك وان اشرك فما اعتقد فلم يكن لها ما يعاد لها فى الكفة الاخرى ولا يرجحها شئ فلهذا لا تدخل فى الميزان

واما الشمركون فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا اى لا يقدر لهم ولا يوزن لهم عمل ولا من هو من امثالهم من المعطل والمتكبر على اللّه فان اعمال خير خيرا قط الا انه تلفظ يوما بكلمة لا اله الا اللّه مخلصا فيوضعله فى مقابلة التسعة والتسعين سجلا من اعمال الشرك كل سجل منها كما بين المشرق والمغرب وذلك لانه ماله عمل خير غيرها فترجح كفتها بالجميع وتطيش السجلات.

والتحقيق ان لا اله الا اللّه كلمة التوحيد والتوحيد لا يماثله ولا يعادله شئ والا لما كان واحد بل كان اثنين فصاعدا فاذا اريد بهذها لكلمة التوحيد الحقيقى لم تدخل فى الميزان لانه ليس له معادل ومماثل فكيف يدخل فيه واليه اشار الخبر الصحيح عن اللّه تعالى قال اللّه تعالى ( لو ان السموات السبع وعامرهن غيرى والارضين السبع وعامرهن غيرى فى كفة ولا اله الا اللّه فى كفة مالت بهن لا اله الا اللّه )

فعلم من هذه الاشارة ان المانع من دخولها فى ميزان الحقيقة هو عدم المماثل والمعادل كما قال تعالى

{ ليس كمثله شئ } واذا اريد بها التوحيد الرسمى تدخل فى الميزان لانه يوجد لها ضد بل اضداد كما اشير اليه بحديث صاحب السجلات فما مالت الكفة الا بالبطاقة التى كتبها الملك فيها فهى الكلمة المكتوبة المنطوقة المخلوقة فعلم من هذه الاشارة ان السبب لدخولها فى ميزان الشريعة هو اهل الموقف فى صاحب السجلات فضلها لكن انما يكون ذلك بعد دخول من شاء اللّه من الموحدين النار ولم يبق فى الموقف الا من يدخل الجنة لانها لا توشع فى الميزان لمن قضى اللّه ان يدخل النار ثم يخرج بالشفاعة او بالعناية الالهية فانها لو وضعت لهم ايضا لما دخلوا النار ايضا ولزم الخلاف للقضاء وهو محال ووضعها فيها لصاحب السجلات اختصاص الهى يختص برحمته من يشاء هكذا حقق شيخى وسندى قدس سره هذا المقام ولا يدخل الموازين الا اعمال الجوارح شرها وخيرها وهى السمع والبصر واليد والبطن والفرج والرجل

واما الاعمال الباطنة فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان الحكمى فمحسوس ومعنى لمعنى يقابل كل شئ بمثله فلهذا توزن الاعمال من حيث هى مكتوبة وقد اصاب من قال الذكر الخفى هو الذى لم يطلع عليه الحفظة وهو توحيد الحقيقى الباطنى الذى لا يدخل فى الميزان الصورى لانه ما كان مكتوبا فكيف يدخل فيه.

فان قيل اين الميزان.

قلنا على الصراط ومترتب على الحساب ولهذا لا ميزان لمن يدخل الجنة بغير حساب وانما الميزان للمخلطين من المؤمنين.

قال بعض الكبار ميزان العدل فى الدنيا ثلاثة ميزان النفس والروح وميزان القلب والقعل وميزان المعرفة والسر . فميزان النفس والروح الامر والنهى وكفتاه الوعد والوعيد . وميزان القلب والعقل الايمان والتوحيد وكفتاه الثواب والعقاب وميزان المعرفة والسر الرضى والسخط وكفتاه الهرب والطلب.

وقال بعضهم من يزن ههنا نفسه بميزان الرياضة والمجاهدات ويزن قلبه بميزان المقراقبات ويزن عقله بميزان الاعتبارات ويزن روحه بميزان المقامات ويزن سره بميزان المحاضرات ومطالعة الغيبات ويزن صورته بميزان المعاملات الذى كفتاه الحقيقة والطريقة ولسانه الشريعة وعموده العدل والانصاف توزن نفسه يوم القيامة بميزان الشرف ويوزن قلبه يمزان اللطف ويوزن عقله بميزان النور ويوزن روحه بميزان السرور ويوزن سره بميزان الوصول ويوزن صورته بميزان القبول فاذا ثقلت موازينه مما ذكرنا فجزاء نفسه الا من من الفراق فجزاء قلبه مشاهدة الشرف فى الاسرار وجزاء عقله مطالقة الصفات وجزاء روحه شف انوار الذات وجزاء سره ادراك الاسرار القدسيات وجزاء صورته الجلوس فى مجالس وصال الابديات وايضا توزن الاعمال بميزان الاخلاص

عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغزبوست

والاحوال بميزان الصدق

بصدق كوش كه خورشيد زآيد ازنفست ... كه از دروغ سيه روى كشت صبح نخست

فمن كانت اعماله بالرياء مصحوبة لم تقبل اعماله

حال خود از عجب دل تخليص كن ... از عمل توفيق را تخصيص كن

كر بخواهى تاكران معنى شوى ... وزن كن حالت بميزان شوى

جون ترازوى تو كج بود ودغا ... راست جون جويى ترازوى جزا

٤٨

{ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكر للمتقين } اى وباللّه لقد آتيناهما كتابا جامعا بين كونه فرقانا بين الحق والباطل وضياء يسضاء به فى ظلمات الحيرة والجهالة وذكر يتعظ به الناس فالمراد بجميع هذه الصفات واحد هو التوراة وتخصيص المتقين بالذكر لانهم المستضيئون بانواره والمغتنمون بمغانم آثاره.

٤٩

{ الذين يخشون ربهم } عذابه وهو مجرور المحل على انه صفة مادحة للمتقين

{ بالغيب } حال من المفعول اى يخشون عذابه تعالى وهو غائب عنهم غير مشاهد لهم ففيه تعريض بالكفرة حيث لا يتأثرون بالانذار ما لم يشاهدوا ما انذروه من العذاب

{ وهم من الساعة } اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم وسميت الساعة ساعة لسعيها الى جانب الوقوع ومسافته الانفاس.

وقال الراغب الساعة جزؤ من اجزاء الزمان ويعبر بها عن القيامة سميت بذلك لسرعة حسابه كما قال تعالى

{ وهو اسرع الحاسبين } ولما نبه عليه بقوله

{ كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار } وقوله

{ يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة } فالاولى هى القيامة والثانية الوقت القليل من الزمان

{ مشفقون } اى خائفون منها وقد سبق الاشفاق فى هذه السورة وتخصيص اشفاقهم منها بالذكر بعد وصفهم بالخشية على الاطلاق للايذان بكونها معظم المخلوقات.

٥٠

{ وهذا } اى القرآن الكريم اشير اليه بهذا ايذانا بغاية وضوح امره

{ ذكر } يتذكر به من يتذكر

{ مبارك } كثير الخير ولنفع يتبرك به

{ انزلناه } على محمد صفة ثانية لذكر او خبر آخر

{ أفانتم له منكرون } انكار لانكارهم بعد ظهور كون انزاله كايتاء التوراة كأنه قيل أبعد ان علمتم ان شأنه كشأن التوراة فى الايتاء والايحاء انتم منكرون لكونه منزلا من عندنا فان ذلك بعد ملاحظة حال التوراة مما لا مساغ له اصلا.

قال بعض الكبار كلام اللّه سبحانه فى نفسه مبارك وان لم يسمع الجاهل ولكن مبارك على من يسمع باستماع المحبة والشوق الى لقاء المتكلم ويعمل بمضمونة ويعرف اشارته ويجد حلاوته فى قلبه فاذا كان كذلك تبلغه بركته الى مشاهدة معدنه وهو رؤية الذات القديم وفى الحيدث ( ان الذى ليس لى جوفه شئ من القرآن كالبيت الخراب ) وفى الحديث ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ) يعنى لا تتكروا بيوتكم خالية من تلاوة القرآن فان كل بيت لا يقرأ القرآن فيه يشبه المقابر فى عدم القراءة والذكر والطاعة وال اللّه المشتكى من اهمال اهلى هذا الزمان فان ميل اكثرهم الى الاشعار وكلام اهل الهوى لا الى القرآن والهدى : قال الخجندى

دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت ... دو باطلان زكالام حقت ملولى جيست

وفى التأويلات النجمية النور الذى هو يفرق بين الحق والباطل بل بين الخلق والخالق والحدوث والقدم نور يقذفه اللّه فى قلوب عباده المخلصين من الانبياء والمرسلين والاولياء الكاملين لا يحصل الا بتكرار العلوم الشرعية لا بالافكار العقلية وله ضياء وهو ذكر يتعظ به المتقون الذين يتقون عن الشرك بالتوحيد وعن الطمع بالشرع وعن الرياء بالاخلاص وعن الخلق بالخالق ون الاناينة بالهوية

{ وهذا ذكر مبارك } لمن لم يتعظ به ويعلم ان الاتعاظ به انما ه و من نور

{ انزلناه } فى قلبه لا من نتائج عقله وتفكره أتنكرون على انه نور من هدايتنا - حكى - ان عثمان الغازى جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام اللّه تعالى وذلك انه كان من اسخياء زمانه ببذل النعم للمتردين فثقل ذلك على اهل قريته وانكروا عله فذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاجى بكتاش او غيره من الرجا ل فنزل ببيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام اللّه تعالى فقال ليس من الادب ان نقعد عن كلام اللّه فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم يزل الى الصبح فلما اصبح ذهب الى طريقة فاستقبله رجل فقال انا مطلبك ثم قال له ان اللّه تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة سبب تعظيمكم لكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط رأسها بمنديل وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل اول غزوته الى بلجك وفتح بعناية اللّه تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا.

ففى هذه الحكاية فوائد منها ان السلطنة اختصاص الهى كالنبوة . ومنها ان السخاء مفتاح باب المراد . ومنها ان المرادعة عند الحيرة الى اللّه لها تأثير عظيم . ومنها ان رعاية كلام اللّه سبب السلطنة مطلقا صورية كانت او معنوية اذ هو ذكر مبارك . ومنها ان ترك الرعاية سبب لزوال قوتها بل لزوال نفسها كما وقع فى هذه الاعصار فان الترقى الواقع فى زمان السلاطين المتقدمين آل الى التنزل وقد عزل السلطان محمد الرابع فى زماننا بسبب الترك المذكور فهذا هو زوال السلطانة نسأل اللّه تعالى ان يجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء احزاننا.

٥١

{ ولقد آتينا ابراهيم رشده } الشرد مقلاف الغى وهو الابتداء لمصالح الدين والدنيا وكماله يكون بالنبوة اى باللّه لقد آتينا بجلالنا وعظم شأننا ابراهيم الخليل عليه السلام الرشد اللائق به وبامثاله من الرسل الكبار على ما افادته الاضافة

{ من قبل } من قبل ايتاء موسى وهارون التوراة وتقديم ذكر ايتاتها لما بينه وبين انزال القرآن من الشبه التام

{ وكنا به عالمين } اى وكنا عالمين بانه اهل لما آتيناه من الرشد والنبوة وتقديم الظرف لمجرد الاهتمام مع رعاية الفاصلة ونظير الآية قوله تعالى

{ اللّه اعلم حيث يجعل رسالته } واعلم ان الاهلية ايضا من اللّه تعالى

قابلى كر شرط فعل حق بدى ... همجو معدومى بهستى نامدى

وقد قالوا القابلية صفة حادث من صفات المخلوق والعطاء صفة قديمة من صفات الخالق والقديم لا يتوقف على الحادث.

٥٢

{ اذ قال لابيه وقومه } ظرف لآتينا على انه وقت متسع وقع فيه الايتاء وما ترتب عليه من افعاله واقواله.

يقول الفقير والظاهر من عدم التعرض لامه كونها مؤمنة كما يدل عليه تبرية وامتناعه من ابيه دونها والمراد من قومه اهل بابل بالعراق وهى بلاد معروفة من عبادان الى الموصل طولا ومن القادسية الى حلوان عرضا سميت بها لكونها على عراق دجلة والفرات اى شاطئهما

{ ما } [ جيست ]

{ هذه التماثيل التى انتم لها عاكفون } التمثيل جمع تمثال وهو الشئ المصور المصنوع مشبها بخلق من خلائق اللّه والممثل المصور على مثال غيره من مثلث الشئ بالشئ اذا شهته به والعكوف الاقبال على الشئ وملازمته على سبيل التعظيم لغرض من الاغراض ضمن معنى العبادة كما يدل عليه الجواب الآتى ولذا جيئ باللام دون على اى ما هذه الاصنام التى انتم عابدون لها مقيمون عليها وهذا السؤال تجاهل منه والا فهو يعرف ان حقيقتها حجر او شجر اتخذوها معبودا.

قال الكاشفى [ آن هفتاد دو صورت بود . ودرتيسير كويد نودبت بود وبزر كترهمه را اززر ساخته بودند ودوكهر شاهوار درجشمهاى او تركيب كرده . ودرتبيان آورده كه سورتها بودند بر هيأت سباع وطيور وبهائم وانسان . وبقول بعضى تماثيل بر مصور هياكل كواكب بود ] - روى - ان عليا رضى اللّه عنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج . فقال ما هذا التماثيل كما فى تفسير ابى الليث وفيه تقبيح للعب الشطرنج حيث عبر عن شخوصه بما عبر به ابراهيم عن الاصنام فاشار الى ان العكوف على هذا اللعب . كالعكوف على عبادة الاصنام.

قال صاحب الهداية يكره اللعب بالنرد والشطرنج والاربعة عشر والكل لهو لانه ان قامر بها فالميسر حرام بالنصب وهو اسم لكل قمار وان لم يقامر فهو عبث ولهو وقال عليه السلام ( لهو المؤمن باطلا الا لثلاث تأديبه لفرسه ومناضلته قوسه وملاعبته اهله ) وحكى عن الشافعى رحمه اللّه اباحة اللعب بالشطرنج لما فيه من تسخية الخاطر.

قال زين العرب فى شرح المصابيح رجع الشافعى عن هذا القول قبل موته باربعين يوما وذكر الغزالى ايضا فى خلاصته انه مكروه عند الشافعى اى فى قوله الاخير وكيف لا يكون مكروها وهو احياء سنة المجوس وقد قال عليه السلام ( من لعب بالشطرنج والنردشير فكأنما غمس يده فى دم الخنزير )

واما قول ابن خيام

زمانى بحث ودرس قيل وقالى ... كه انسانرا بود كسب كمالى

زمانى شعر وشطرنج وحكايات ... كه خاطررا شود دفع ملالى

فمن قبيل القول الباطل الناشئ عن هوى النفس الامارة بالسوء اعاذنا اللّه واياكم من مكروها وتسويلها.

وفى الآية اشارة الى احوال اهل الدين فانهم يرون اهل الدنيا بنور الرشد عاكفين لاصنام الهوى والشهوات يقولون لهم ما هذه التماثيل الخ ولو لم يكن نور الرشد والهداية من اللّه لكانوا معهم عاكفين لها وما رأوها بنظر التماثيل

٥٣

{ قالوا } كأنه قال ابراهيم عليه السلام أى شئ حملكم على عبادتها فقالوا

{ وجدنا آبائنا لها عابدين } لها فنحن نعبدها اقتداء بهم وهو جواب العاجز عن الاتيان بالدليل

٥٤

{ قال لقد كنتم انتم وآباؤكم فى ضلال مبين } اى وباللّه لقد كنتم انتم ايها المقلدون وآباؤكم الذين سنوا لكم هذه السنة الباطلة مستقرين فى ضلال عظيم وخطأ ظاهر لكل احد لعدم استناده الى دليل ما والتقليد انما يجوز فيما يحتمل الحقية فى الجملة والباطل لا يصير حقا بكثرة القائلين به وفيه اشارة الى ان التقليد غالب على الخلق كافة فى عبادة الهوى والدنيا الا من آتاه اللّه رشده.

واعلم ان التقليد قبول قول الغير بلا وهو جائز فى الفروع والعمليات صحيح عند الحنفية والظاهرية وهو الذى اعتقد جميع ما وجب عليه من حدوث العالم ووجود الصانع وصفاته وارسال الرسل وما جاؤوا به حقا من غير دليل لان النبى عليه السلم قبل ايمان الاعراب والصبيان والنسوان والعبيد والماء من غير تعليم الديل ولكنه يأثم بترك النظر والاستدلال لوجوبه عليه.

وفى فصل الخطاب من نشأ فى بلاد المسلمين وسبح اللّه عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حد التقليد اى فان تسبيحه عند رؤية المصنوعات عين الاستدلال فكأنه يقول اللّه خالق هذا على هذا النمط البديع ولا يقدر احد غيره على خلق مثل هذا فهو استدلال بالاثر واثبات للقدرة والارادة الى غير ذلك فالمقصود من الاستدلال هو الانتقال من الاثر الى المؤثر ومن المصنوع الى الصانع بأى وجه كان لا ملاحظة الصغرى والكبرى وترتيب المقدمات للانتاج على قاعدة المعقول.

يقول الفقير ادى جهل هذا الزمان الى حيث ان من سبح عند كل اعجوبة لم يلزم ان يكون مستدلا مطلقا لانه سمع الناس يقولون سبحان اللّه عند رؤية سيل عظيم او شجر كبير او حريق هائل او نحوها مما خرج عن حد جنسه فيقلدهم فى ذلك من غير ان يخطر بباله انه صنع اللّه تعالى وقد رأيت ملاحا ذميا يحث خدام السفينة على بعض الاعمال ويقول لهم اجتهدوا وكونوا من اهل الغيرة فان الغيرة من الايمان وهو لا يعرف ما اليغرة وما الايمان وكذا الخد ام والالم يذكرهما فهو قول مجرد جار على طريق العرف فعلى المؤمن ترك التقليد والوصول الى مقام التحقيق ومن اللّه التوفيق :

قال المولى الجامى

خواهى بصوب كعبه تحقيق ره برى ... بى بر بى مقلد كم كرده ره مرو

وقال مقلدان جه شناسند داغ هجرانرا ... خبر زشعله آتش ندارد افسرده

ففيه فرق بين المقلد والمحقق فمن رام التحقيق طلبه ولا يتشبث فى هذا البحر بغريقه كما لا يخفى.

٥٥

{ قالوا أجئتنا بالحق } اى بالجد وبالفارسية [ آيا آورى بما اين سخن براستى وجه ]

{ ام أنت من اللاعبين } بنا فتقول ما تقول على وجه المزاح واللعب حسبوا انهم انما انكر عليهم دينهم القديم مع كثرتهم وشكوتهم على وجه المزاح واللعب . وفيه اشارة لطيفة وهى كما ان هل الصدق والطلب يرون اهل الدنيا لاعبين والنيا لعبا ولوهوا كقوله تعالى

{ قل لله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون } كذلك اهل الدنيا يرون اهل الدين لاعبين والذين لعبا ولهوا

٥٦

{ قال بل } [ نسيتمبازى كننده ]

{ ربكم رب السموات والارض الذى فطرهن } اى خلقن ابتداء من غير مثال سابق فهو الخالق كما انه المربى فالضمير للسموات والارض او للتماثيل اى فكيف تعبدون ما كان من جملة المخلوقات

{ وانا على ذلكم } الذى ذكرته من كون ربكم رب السموات والارض فقط دون ما عداه كائنا ما كان

{ من الشاهدين } اى العالمين به على الحقيقة المبرهنين وليس المراد حقيقة الشهادة لانه لا شهادة من المدعى بل استعيرت الشهادة لتحقيق الدعوى بالحجة والبرهان اى لست من اللاعبين فى الدعاوى بل من المتحتجبين عليها بالبراهيم القاطعة بمنزلة الشاهد الذى تقطع به الدعاوى.

قال الكاشفى [ آورده اندكه نمروديان روزى عيدداشتند كه در آن روز بصحرا رفنندى وتا آخرروزتماشا كردندى ودرباز كشتن به بتخانه در آمده بتانرا بياراسته بزبانها بنواختندى آنكه سربرزمين نهاده رسم برستش بجاى آوردندى وبخانها باز كشتندى جون ابراهيم علهي السلام باجمعى درباب تماثيل مناظره فرمود كفتند فردا عيدست بيرون آى تابينى كه دين وآيين ماجه زيباست ابراهيم نعم جواب ايشان بكفت روز ديكر كه مى رفتند ميخو استند كه اورا ببرند ببهانه بيمارى بيش آورد

{ لإقال انى سقيم } يعنى عن عبادة الاصنام كما فى القصص [ ايشان دتساز وبازداشته برفتند ابراهيم بنهان از ايشان بفرمود كه ]

٥٧

{ وتاللّه } [ بخدا سوكندكه من ]

{ لأكيدن اصنامكم } [ هر آييينه تدبيرى كنم وجهد نمايم تابشكنم بتان شمارا ] كما قال فى الارشاد لاجتهدن فى كسرها . وفيه ايذان بصعوبة الامر وتوقفه على الستعمال الحيل.

وقال ابن الشيخ اخذا من تفسير الامام فان قيل لم قل

{ لأكيدن اصنامكم } والكيد هو الاحتيار على الغير فى ضرر لا يشعر به والاصنام جمادات لا تتضرر بالكسر ونحو وايضا ليست هى مما يحتال فى ايقاع الكسر عليها لان الاحتيار انما يكون فى حق من له شعور اجيب بان ذلك من قبيل التوسع فى الكلام فان القوم كانوا يزعمون ان الاصنام لهن شعور ويجوز عليهن الضرر فقال ذلك بناء على زعمهم.

وقيل المراد لا كيدنكم فى اصنامكم لانه بذلك الفعل قد انزل بهم الغم . والاصنام جمع صنم وهى جثة متخذة من فضة او نحاس او خشب كانوا يعبدوناه متقربيت بها الى اللّه تعالى كما فى المفردات

{ بعد ان تولوا } ترجعوا مضارع ولى مشددا

{ مدبرين } ذاهبين من عبادتها الى عيدكم وهو حال مؤكد لان التولية والادبار بمعنى والادبار نقيض الاقبال وهو الذهاب الى خلق.

قال الكاشفى

{ بعد ان تولوا } [ بعد ازانكه روى بكردانيد ازايشان يعنى برويد بعبدكاه وباشيد مدبرين بشت برايشان كنندكان وقتى كه بتانرا بكذاريد وبتماشا كاه خودرويد ].

٥٨

{ فجعلهم } الفاء فصيحة اى فولوا فجعلهم

{ جذاذا } قطاعا فعال بمعنى المفعول من الجذ الذى هو القطع كالحطام من الحكم الذى هو الكسر.

قال فى القاموس الجذ القطع المستأصل والكسر والاسم الجذاذ مثلثة انتهى

{ الا كبيرا لهم } استثناء من مفعول قوله فجعلهم ولهم صفة لكبيرا والضمير للاصنام اى لم يكسر الكبير وتركه على حالة وعلق الفأس فى عنقه وكبره فى تعظيم او فى الجثة او فيهما

{ لعلهم اليه } الى الكبير وتقديم الظرف للاختصاص او لمجرد الاهتمام مع رعاية الناصلة

{ يرجعون } فيسألون عن كاسرها لان من شأن المعبود ان يرجع اليه فى حل المشكل فيستهلهم ويبكتهم بذلك كذا فى بحر العلوم او الى ابراهيم يرجعون لاشتهاره بانكار دينهم وسب آلهتهم وعداوتهم فحاججهم بقوله بل فعله كبيره فيحجهم ويبكتهم كما فى الارشاد وغيره - روى - ان آزر خرج به فى يوم عيد لهم فبدأوا ببيت الاصنام فدخلوه فسجدوا لها ووضعوا بينها طعاما وخبزا جاؤا به معهم وقالوا الآن ترجع بركة الآلهة على طعامنا فذهبوا وبقى ابراهيم فنظر الى الاصنام فقال مستهزئا بهم مالكم لا تنطقون ما لكم لا تأكلون ثم التفت فاذا بفأس معلق فتناوله فكسر الكل ولم يبق الا الكبير وعلق الفأس فى عنقه واراق تلك الاطعمة ورجع الى منزله.

قال الامام فان قيل ان كان القوم عقلاء فقد علموا بالضرورة انها لا تسمع ولا تضر ولا تنفع فما الحاجة الى كسرها غايته انهم كانوا يعظمونها كما نعظم نحن المصحف والمحراب والكسر لا يقدح فيه وان لم يكونوا عقلاء لم تحسن المناظرة معهم ولا بعث الرسل اليهم والجواب النهم كانوا عقلاء عالمين انها لا تضر ولا تنفع لكنهم ربما اعتقدوا انها تماثيل الكواكب وطلسمات من عبدها ينتفع بها ومن استخف بها ناله ضرر ثم ان ابراهيم كسرها ولم يله ضرر فدل على فساد مذهبهم.

وفى الآية اشارة الى ان الانسان اذا وكل الى نفسه وطبعه ينحت من هوى نفسه اصناما كما كان لابراهيم آزر ينحت الاصنام واذا ادركته العناية الازلية وايد بالتأييد الآلهية بكسر اصنام الهوى ويجعلها جذاذا فضلا عن نحتها كما كان حال ابراهيم كان يكسر من الاصنام ما ينحت ابوه واذا كان المرء من اهل الخذلان يرى الحق باطلا والباطل حقا كما كان قوم نمرود : وقال الخجندى

بشكن بت غروركه دردين عاشقان ... يك بت كه بشكنند به ازصد عبادتست

٥٩

{ قالوا } حين رجعوا من عيدهم ورأوا

{ من فعل هذا بآلهتنا } [ كه كرده است اين عمل باخذايان ما وايشانرا درهم شكسته ] والاستفهام للانكار والتوبيخ ولم يقولوا بهؤلاء مع انها كانت بين ايديهم مبالغة فى التشنيع

{ انه لمن الظالمين } بالكسر حيث عرض نفسه للهلاك [ يعنى از ظالمانست بر نفس خودكه بدين عمل خودرا درورطه هلاك انداخته ].

٦٠

{ قالوا } اى بعض منهم مجيبين للسائلين فالآية تدل على ان القائلين جماعة

{ سمعنا } من الناس

{ فتى } وهو الطرى من الشبان

{ يذكرهم } بسوء اى يعيب الاصنام فلعله فعل ذلك بها واطلق الذكر ولم يقيد لدلالة الحال فان ذكر من يكره ابراهيم ويبغضه انما يكون بذم ونظيره قولك سمعت فلانا يذكرك فان الذاكر صديقا فهو ثناء وان كان عدوا فذم

{ يقال له ابراهيم } اى يطلق عليه هذا الاسم.

٦١

{ قالوا } اى السائلون.

قال ابن الشيخ بلغ ذلك النمرود الجبار واشراف قومه فقالوا فيما بينهم

{ فائتوا به } [ بس بياريد اورا ]

{ على اعين الناس } حال من ضمير به اى ظاهر مكشوفا بمرأى منهم ومنظر بحيث نتمكن صورته فى اعينهم تمكن الراكب على المركوب

{ لعلهم } اى بعضا منهم

{ يشهدون } بفعله او بقوله ذلك لئلا نأخذ بلا بينة.

وفيه اشارة الى ان فى بعض الكفار من لا يحكم على اهل الجنايات الا بمشهد من العدول فكل حاكم يحكم على متهم بالجناية من غير بينة فهو اسوء حالا منهم ومن قوم نمرود كما فى التأويلات النجمية.

٦٢

{ قالوا } فى الكلام حذف اى فأتوا به فلما شهدوه قالوا منكرين عليه فعله موبخين له

{ أأنت فعلت هذا } الكسر { بآلهتنا يا ابرهيم }

٦٣

{قال بل فعله كبيرهم هذا } مشيرا الى الذى لم يكسره وهذا صفة لكبير اسند الفعل اليه بعتبار انه الحامل عليه لانه لما رأى الاصنام مصطفة مزينة يعظمها المشركون ورأى على الكبير ما يدل على زيادة تعظيمهم له وتخصيصهم اياه بمزيد التواضع والخضوع غاظة وكان غيظ كبيرها اكبر واشد.

وقال بعضهم فعله كبيرهم هذا غضب من ان تعبد معه هذه الصغار وهو اكبر منها : يعنى [ كفت من آن نكرده ام بلكه كرده است اين را بزرك ايشان ازروى خشم برايشان كه باوجود من جرا ايشانرا برستند ]

{ فاسألوهم } عن حالهم

{ ان كانوا ينطقون } اى ان كانوا ممن ينطقون حتى يخبروا من فعل ذلك بهم وفى الحديث ( لم يكذب ابراهيم النبى قط الا ثلاث كذبات ) سميت المعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته والا فالكذب الصريح كبيرة فالانبياء معصومون منها.

فان قلت اذا كانت هذه معاريض لم جعلها سببها فى تقاعده عن الشفاعة حين يأى الناس اليه يوم القيامة.

قالت الذى يليق بمرتبة النبوة والخلة ان يصدع بالحق ويصرح بالامر ولكنه قد تنزل الى الرخصة فان حسنات الابرار سيآت المقربين والتعريض تورية الكلام عن الشئ بالشئ وهو ان تشير بالكلام الى شئ والغرض منه شئ آخر فالغرض من قوله بل فعله كبيره الاعلام بان من لم يستطع دفع المضرة عن نفسه كيف يستطيع دفع المضرة عن غيره فكيف يصلح الها.

قال الشيه عز الدين بن عبد السلام الكلام وسيلة الى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل اله بالصدق الكذب جميعا فالكذب فيه حرام فان امكن التوصل اليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح ان كان تحصيل ذلك المطلوب مباحا وواجب ان كان المقصود واجبا فهذا ضابطه ثنتين فى ذات اللّه اى فى طلب رضاه والثالثة كانت لدفع الفساد عن سارة وفيها رضى اللّه ايضا لكن لام كان له نفع طبيعى فيها خصص الثنتين بذات اللّه دونها قوله انى سقيم اى احدى تلك الكذبتين قوله انى سقيم وذلك انه لما قال له ابوه لو خرجت معنا الى عيدنا لأعجبك ديننا فخرج معهم فلما كان ببعض الطريق القى نفسه وقال انى سقيم تأويله ان قلبى سقيم بكفركم او مراده الاستقبار كما قال الكلبى كان ابراهيم من اهل بيت ينظرون فى النجوم وكانوا اذا خرجوا للعيد لم يتركوا الا مريضا فلماهم ابراهيم بكسر الاصنام نظر قبل العيد الى السماء وقال ارانى اشتكى غدا فاصبح معصوبا رأسه فخرج القوم ولم يخلف غيره وقوله بل فعله كبيرهم مرشرحه وواحدة فى شأن سارة وذلك انه قدم الاردن وبها ملك جبال يقال له صادوق ومعه سصارة وكانت احسن الناس فقال لها ان هذا الجبال ان يعلم انك امرأتى يغلبنى عليك فاخبريه انك اختى اى فى الاسلام فانى لاعلم فى الارض امرأة لا ينبغى ان تكون الا لك فارسل اليها فاتى بها وقام ابراهيم الى الصلاة والدعاء فلما دخلت عليه اعجبته فمد يده اليها فايبس اللّه تعالى يده فقال لها ادعى اللّه ان يطلق يدى ولا اضرك فدعت فعاد ثم وثم حتى دعا الذى جاء بها وقال اخرجها من ارضى واعطاها هاجر وكانت جارية فى غاية الحسن والجمال وهبتها سارة لابراهيم فولدت له اسماعيل عليهما السلام

٦٤

{ فرجعوا الى انفسهم } اى راجعوا عقولهم وتذكروا ان مالا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الاضرار بمن كسره بوجه من الوجوه يستحيل ان يقدر على دفع مضرة غيره او جلب منفعة له فكيف يستحق ان يكون معبودا

{ فقالوا } اى

قال بعضهم لبعض فيما بينهم

{ انكم انتم الظالمون } بعبادتها لا من كسرها

٦٥

{ ثم نكسوا على رؤسهم } اى انقلبوا الى المجادلة بعدما استقاموا بالمراجعة شبه عودهم الى الباطل بصيرورة اسفل الشئ اعلاه من قولهم نكس المريض اذا عاد الى مرضه الاول بعد العافية والنكس قلب الشئ ورد آخره على اوله.

وقال الكاشفى [ بس نكنسار كرده شدند برسرهاى خود يعنى سردربيش افنكندنداز حجالت وغيرت ].

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان لكل انسان عقلا لو رجع الى عقله وتفكر فى حاله لعلم صلاحه وفساد حاله : وفى المثنوى

كشتئ بى لنكر آمدمردنر ... كه زبادكز ندارد او حذر

لنكر عقلست عاقل را امان ... لنكرى دريوزه كن ازعاقلان

وفيه اشارة اخرى وهى ان العقل وان كان يعرف الصلاح من الفساد ويميز بني الحق والباطل ما لم يكن له تأييد من نور اللّه وتوفيق منه لا يقدر على اختيار الصلاح واحتراز الفساد فيبقى مبهوتا كما كان حال قوم نمرود حيث نكسوا على رؤسهم اذ لم يكونوا موفقين فما نفعهم ما عرفوا من الحق : وفى المثنوى

جز عنايت كه كشايد جشم را ... جز محبت كه نشاند خشم را

جهدبى توفيق خود كس رامباد ... درجهان واللّه اعلم بالرشاد

{ لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } على ارادة القول اى قائلين لقد علمت يا ابراهيم ان ليس من شأنهم النطق فكيف تأمرنا بسؤالهم فاقروا بهذا للحيرة التى لحقتهم

٦٦

{ قال } مبكتالهم

{ أفتعبدون } اى أتعلمون ذلك فتعبدون

{ من دون اللّه } اى حال كونكم متجاوزين عبادته تعالى

{ ما لا ينفعكم شيأ } من النفع ان عبدتموهم

{ ولا يضركم } ان لم تعبدوهم فان العلم بالحالة المنافية للالوهية مما يوجب الاجتناب عن عبادته قطعا.

٦٧

{ اف لكم ولما تعبدون من دون اللّه } تضجر منه من اصرارهم على الباطل البيت واف صوت التضجر اذا صوت بها الانسان علم انه متضجر ومعناه قبحا ونتنا : وبالفارسية [ زشتى وناخوشى شمارا ومران جيزرا كه مى برستيد بجز خداى تعالى ] واللام لبيان المتأفف له اى لكم ولآلهتكم هذا التأفف لا لغيركم وفى كتب النحو من اسماء الافعال اف بمعنى اتضجر

{ أفلا تعقلون } اى أجنتم فلا تعقلون قبح صنيعكم.

قال ابن عطاء دعا اللّه تعالى عباده اليه وقطعهم عما دونه بقوله

{ أفتعبدون } الخ كيف تعتمده وهو عاجز مثلك ولا تعتمد من اليه المرجع وبيده الضر والنفع.

قال حمدون القصار استغاثة الخلق بالخلق كاستغاثة المسجون بالمسجون.

وقال بعض الكبار طلبك من غيره لوجود بعدك عنه اذ لو كنت حاضرا بقلبك معه ما صح منك توجه لغيره وكل ما دون اللّه خوض ولعب فالتعلق به زور وكذب فدع الكل جانبا وتعلق بمولاك حتما تجده فى كل مهم وغير مغنيا وعند كل شئ حقا يقينا جعلنا اللّه ممن تعلق به بلا علة وعافنا من الذلة والزلة والقلة - حكى - ان امرأة حبيب العجمى الحت عليه ان يعمل بالاجر طلبا للسعة فى الرزق فخرج من بيته وعبد اللّه الى الليل فعاد الى بيته وليس معه شئ فلما سألته ارمأته قال عملت لعظيم كريم واستحييت ان اطلب الاجرة فلما مضى عليه ثلاثة ايام قالت اطلب الاجرة او اعمل لغيره او طلقنى فخرج الى الليل فلما عاد الى منزله وجد رائحة الطعام وامرأته مستبشرة فقالت ان الذى عملت له ارسل الينا اشياء عظيمة وكيسا مملوا ذهبا فبكى حبيب وقال انه من عند اللّه الكريم فلما سمعت المرأة تابت وحلفت ان لا تعود الى مثله ابدا.

ففى هذه الحكاية فوائد منها ان العمل بالاجرة وان كان امرا مشروعا لكن الحبيب اختار طاعة الحبيب وعد ذلك العمل من قبيل الاستناد الى الغير مع انه تعالى قال ( من شغله ذكرى عن مسألتى اعطيته فوق ما اعطى السائلين ) ومنها ان الصبر مؤد الى الفتح ولو كان بعد حين فلا بد من الصبر وترك الجزع . ومنها ان تلك المرأة عرفت الحال فتابت الى اللّه المتعال واختارت القوة والقناعة ولازمت العبادة والطاعة فان من اعرض عن الحق بعد ظهور البرهان فقد خان نفسه واهان ألا ترى ان قوم ابراهيم بعدما استبان لهم الحق رجعوا الى الكفر والاصرار وعبادة الاصنام من الخشب والاحجار فاهلكهم اللّه تعالى بالبعوض الصغار : وفى المثنوى

هست دنيا قهر خانه كردكار ... قهر بين جون قهر كردى اختيار

استخوان وموى مقهوران نكر ... تيغ قهر افكنده اندر بحر وبر

٦٨

{ قالوا حرقوه } اى

قال بعضهم لبعض لما عجزوا عن المحاجة وهكذا ديدن المبطل المحجوج اذا قرعت شبهته بالحجة القاطعة وافتضح لا يبقى له مفزع الا المناصبة واتفقت كلمتهم على احراقه لانه اشد العقوبات.

وقال ابن عمر رضى اللّه عنهما ان الذى اشار باحراقه رجل من اعراب العجم يعنى من الاكراد ولعمرى انهم لفى فسادهم وجفائهم وغلوهم فى تعذيب الناس بعد يقدمون ولا ينفكون عن ذلك ما ترى للاسلام الذى هو دين ابراهيم الخليل عليهم اثرا فى خلق ولا عمل خلقهم نهب اموال المسلمين وعلمهم ظلم وسرقة وقتل وقطع الطريق واللّه ما هؤلاء باهل الملة الغراء لاكثر اللّه فى الناس مثل هؤلاء اياك والمصاحبة باصلحهم والمرور ببلادهم

{ وانصروا آلهتكم } بالانتقام لها

{ ان كنتم فاعلين } امرا فى اهلاكه يعنى ان الاحراق هو المتعد به فى هذا الباب.

وقصته انه لما اجتمع نمرود وقومه لاحراقه عليه السلام حبسوه فى بيت بنوا له حائطا كالحظيرة ارتفاعه ستون ذراعا وذلك فى جنب جبل كونى وهى بالضم قرية بالعراق ثم جمعوا له الحطب الكثير حتى ان الرجل المريض كان يوصى بشرائ الحطب والقائه فيها وكانت المرأة لو مرضت قال ان عافانى اللّه لاجمعن حطبا لابراهيم وكانت تنذر فى بعض ما تطلب لئن اصابته لتحتطبن فى نار ابراهيم وتغزل وتشترى الحطب يغزلها فتلقيه فى ذلك البنيان احتسابا فى دينها.

وكانت امرأة عجوز نذرت ان تحمل الحطب الى نار ابراهيم فجعلت حزمة حطب وذهبت بها الى موضع النار فاعترضها ملك فى الطريق وقال اين تذهبين يا عجوز فقالت اريد نار ابراهيم فقال طول اللّه طريقك وقصر خطاك فاقامت تسير والحطب فوق رأسها وهى جيعانة عطشانة حتى ماتت لعنها اللّه تعالى قيل جمعوا له اصناف الحطب من انواع الخشب على ظهر الدواب اربعين يوما.

قال الكاشفى [ وروغن فراوان برهيمه ريختند ] يقال ان جميع الدواب امتنعت من حمل الحطب الا البغال فعاقبها اللّه ان اعقمها كما فى القصص.

وذكر فى فضائل القدس عن سعيد بن عبد العزيز انه قال فى زمن بنى اسرائيل فى بنت المقدس عند عين سلوان وعين سلوان فى القدس الشريف كزمزم فى مكة وكانت المرأة اذا قذفت اتوابها فسقوها من ماء هذه العين فان كانت بريئة لم يضرها وان كانت سقيمة ماتت فلما حملت مريم ام عيسى عليه السلام اتوابها وحملوها على بغلة فعثرت بها فدعت اللّه تعالى ان يعقم رحمها فعقمت من ذلك اليوم فلما اتتها شربت منها فلم تزد الاخير فدعت اللّه تعالى ان لا يفضح امرأة مؤمنة فغارت انتهى.

ثم اوقدوا الحطب سبعة ايام فلما اشتعلت النار صار الهواء بحيث لو مر الطير فى اقصى الجول لاحترق من شدة وهجها اى شدة حرها - روى - انهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها لعدم تأنى القرب منها فجاء ابليس فى صورة شيخ وعلمهم عمل المنجنيق.

قال فى انسان العيون اول من وضع المنجنيق ابليس فانه لما جعلوا فى الحطب النار ووصلت النار الى رأس الجدار المرتفع المبنى جنب الجبل لم يدروا كيف يلقون ابراهيم فتمثل لهم ابليس فى صورة نجار فصنع لهم المنجنيق ونصبوه على رأس الجبل ووضعوه فيه والقوه فى تلك النار واول من رمى به فى الجاهلية جذيمة الابرش وهو اول من اوقد الشمع انتهى.

وقيل صنعه لهم رجل من الاكراد وكان اول من صنع المنجنيق فخسف اللّه به الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة ثم عمدوا الى ابراهيم فوضعوه فى كفة المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والارض ومن فيهما من الملائكة الا الثقلين صيحة واحدة اى ربنا ما فى ارشك احد يعبدك غير ابراهيم وانه يحرق فيك فائذن لنا فى نصرته فقال تعالى ان استغاث باحد منكم لينصره فقد اذنت له فى ذلك فان لم يدع غيرى فانا اعلم به وانا وليه فخلوا بينى وبينه فانه خليلى ليس لى خليل غيره وانا الهه ليس له اله غيرى فلما ارادوا القاءه فى النار اتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار فى الهواء واتاه خازن المياه فقال ان اردت اخمدت النار فقال ابراهيم لا حاجة لى اليكم ثم رفع رأسه الى السماء فقال اللهم انت الواحد فى السماء وانا الواحد فى الارض ليس فى الارض من يعبدك غيرى حسبى اللّه ونعم الوكيل واقبلت الملائكة فلزموا كفة المنجنيق فرفعه اعوان النمرود فلم يرتفع فقال لهم ابليس أتحبون ان يرتفع قالوا نعم قال ائتونى بعشر نسوة فأتواه بهن فامرهن بكشف رؤوسهن ونشر شعورهن ففعلوا ذلك فمدت الاعوان المنجنيق وذهبت الملائكة فارتفع ابراهيم فى الهواء كما فى القصص وذلك ان المك لا يرى الرأس المكشوف من المرأة بخلاف الجنى ولذا لما رأى نبينا عليه السلام الملك فى بدء الوحى فزع منه فاجلسته خديجة رضى اللّه عنها فى حجرها والقت حمارها وهو ما يعطى به الرأس ثم قالت هل تراه قال لا قالت يا ابن عم اثبت وابشر فواللّه انه لملك ما هذا بشيطان وحين القى فى النار قال لا اله الا انت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا رشيك لك.

قال فى التأويلات النجمية اذا اراد اللّه تعالى ان يكمل عبدا من عباده المخلصين يفديه بخلق عظيم كما انه تعالى اذا اراد استكمال حوت فى البحر يفديه بكثير من الحيتان الصغار فلما اراد تخليص ابريز الخلة من غش البشرية جعل النمرود وقومه فداء لابراهيم حتى اجمعوا على تحريقه بعد ان علموا انهم ظالمون فوضعوه فى المنجنيق ورموه الى النار فانقطع رجاؤه عن الخلق بالكلية متوجها الى اللّه تعالى مستسلما نفسه اليه حتى ان جبريل عليه السلام ادركه فى الهواء فامتحنه بقوله هل لك من حاجة وما كان فيه من الوجود ما تتعلق به الحاجة فقال اما اليك فلا قال له جبريل سل ربك امتحانا له فاخفى سره عن جبريل غيرة على حاله فقال حسبى من سؤالى علمه بحالى وما اظهر عليه حالة فادركته العناية الازلية بقوله

٦٩

{ قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم } البرد خلاف الحر والسلام التعرى من الآفات اى كونى ذات برد من حرك وسلامة من بردك فزال ما فيها من الحرارة والاحراق وبقى ما فيها من الاضاءة والاشراق واختاره المحققون لدلالة الظاهر عليه وهذا كما ترى من ابدع المعجزات فان انقلاب النار هواء طيبا وان لم يكن بدعا من قدرة اللّه لكن وقوع ذلك على هذه الهيئة مما يخرق العادات

وقيل كانت النار بحالها الا انه تعالى خلق فى جسم ابراهيم كيفية ما انعمة من وصول اذى النار اليه كخزنة جهنم فى الآخرة وكما انه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديد المحماة وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث فى النار كما يشعر به ظاهر قوله على ابراهيم قيل فبردت نار الدنيا يومئذ ولم ينتفع بها احد من اهلها ولو لم يقل على ابراهيم لبقيت ذات برد ابدا على كافة الخلق بل على جميع الانبياء ولو لم يقل سلاما بعد قوله بردا لمات ابراهيم من بردها.

قال فى الكبير اما كونها سلاما عليه فلان البرد المفرط مهلك كالحر بل لا بد من الاعتدال وهو اما بان يقدر اللّه بردها بمقدار لا يؤثر او بان يصير بعض النار بردا ويبقى بعضها على حرارته او بان يزيد فى حرارة جسمه حتى لا يتأثر ببردها . قيل جعل كل شئ يطفئ عنه النار الا الوزغة فانها كانت تنفخ النار ولذا امر النبى عليه السلام بقتلها . قيل لما القى فى النار كان فيها اربعين يوما او خمسين وقال ما كنت اصيب عيشا زمانا من الايام التى كنت فيها فى النار كما قال بعض العارفين فى جبل لبنان وكان يأكل اصول النبات واوراق الشجر ظننت ان حالى اطيب من حال اهل الجنة : قال الحافظ

عاشقانرا كردر آتش مينشاندمهر دوست ... تنك جشمم كرنظردجشمة كوثر كونم

قيل لما رزموه فى النار اخذت الملائكة بضبعى ابراهيم واقعدوه فى الارض فاذا عين ماء عذب وورد احمر وتنرجس.

قال الكاشفى [ جون ابراهيم بميدان آتش فرود آمد فى الحال غل وبند او بسوخت ] فبعث اللهتعالى ملك الظل فى صورة ابراهيم فجاء فقعد الى جنب ابراهيم يؤنسه واتاه جبريل بقميص من حرير الجنة وطنفسة فالبسه القميص واجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه وقال يا ابراهيم ان ربك يقول أما علمت ان النار لا تضرا حبابى ثم نظر النمرود من صرح له واشرف على ابراهيم فرآه جالسا فى روضة مؤنقة ومعه جليس على احسن ما يكون من الهيئة والنار محيطة به فناداه يا ابراهيم هل تستطيع ان تخرج منها قال نعم قال قم فاخرج فقال يمشى حتى خرج فاستقبله النمرود وعظمه وقال من الرجل الى رأيته معك فى صورتك قال ذلك ملك الظل ارسله ربى ليؤنسنى فيها فقال له النمرود انى مقرب الى الهك قربانا لما رأيته من قدرته وعزته فيما صنع بك وانى ذابح له اربعة آلاف بقرة فقال ابراهيم لا يقبل اللّه منك ما كنت على دينك هذا قال النمرود لا استطيع ترك ملكى وملتى لكن سوف اذبحها له ثم ذبحها وكف عن ابراهيم.

وفى القصص قال له النمرود اى بعد الخروج ما اعجب سحرك يا ابراهيم قال ليس هذا سحر ولكن اللّه جعل النار على بردا وسلاما والبسنى ثوب العز والبهاء فقال له النمرود فمن ذلك الرجل الذى كان جالسا عن يمينك والرجال الذين كانوا حولك فقال له ابراهيم فمن ملائكة ربى بعثهم الى يؤنسوننى ويبشروننى بان اللّه قد اتخذنى خليلا فتحير النمرود ولم يدر ما يصنع بابراهيم فحدثته نفسه بالجنون وقال لأصعدن الى السماء واقتل آلهك فامر ان يصنع له تابوت وثيق كما سبق فى اواخر سورة ابراهيم - روى - انهم لما رأوه سالما لم يحترق منه سوى وثاقه قال هاران ابو لوط عليه السلام ان النار لا تحرقه لانه سحر النار لكن اجعلوه على شئ واوقدوا تحته فان الدخان يقتله ففعلوافطارت شرارة الى لحية ابى لوط فاحرقتها - روى - ان ابراهيم القى فى النار وهو ابن ست عشرة سنة . فان قلت هل وجد القول من اللّه تعالى حيث قال

{ قلنا يا نار كونى بردا وسلاما } او هو تمثيل . قلت جعل اللّه النار باردة من غير ان يكون هناك قول وخطاب لقوله تعالى

{ ان يقول له كن فيكون } وذهب بعضهم الى ان ذلك القول قد وجد القائل هو اللّه او جبريل قال باوامر اللّه.

قال ابن عطاء سلام ابراهيم من النار بسلامة صدره لما حكى اللّه عنه

{ اذ جاء ربه بقلب سليم } اى خال من جميع الاسباب والعوارض وبردت عليه النار لصحة توكله ويقينه مع ان نار العشق غالبة على كل شئ : وفى المثنوى :

عشق آن شعله است كوجون برفروخت ... هرجه جز معشوق باقى جمله سوخت

در بناه لطف حق بايد كرخت ... كو هزاران لطف بر ارواح ريخت

تا بناهى يابى آنكه جون بناه ... آب وآتش مرترا كردد سباه

نوح وموسى را نه دريا يار شد ... نى براعدا شان بكين قهارشد

آتش ابراهيم را نى قلعه بود ... تا برآورد از دل نمرود دود

كوه يحيى را نه سوى خويش خواند ... قاصدانش را بزخم سنك راند

كفت اى يحيى ببا در من كريز ... تا بناهت باشم از شمشيرتيز

فان قلت لم اتبلاه اللّه بالنار فى نفسه.

قلت كل رسول اتى بمعجزة تناسب اهل زمانه فكان اهل ذلك الزمان يعبدون النار والشمس والنجوم معتقدين انها من حيث ارواحها تربى الهياكل والاجسام بخاصية طبائع هن عليها فاراهم اللّه تعالى الحق ان العنصر الاعظم عندهم هو حقيقة الشمس وروح كرة الاثير والنجوم ولا تضر تلك الآلهة باذن اللّه بسريان القدرة القاهرة فى حقائق العناصر.

وقيل ابتلاه اللّه بالنار لان كل انسان يخاف بالطبع من صفة القهر كما قيل لموسى

{ لا تخف سنعيدها سيرتها الاولى } فاراه تعالى ان النار لا تضر شيأ الا باذن اللّه تعالى وان ظهرت بصفة القهر ولذلك اظهر الجمع بين التضاد يجعلها بردا وسلاما ومعجزة قاهرة لاعدائه المعتقدين بوصف الربوبية للعنصر الاعظم فكان ابتلاؤه بالنار معجزة ساطعة لعبدة النيران والنجوم كذا فى اسئلة الحكم

٧٠

{ وارادوا به كيدا } مكرا عظيما فى الاضرار به

{ جعلناهم الاخسرين } اى اخسر من كل خاسر حيث عاد سعيهم فى اطفاء نور الحق برهانا قاطعا على انه على الحق وهم على الباطل وموجبا لارتفاع درجته واستحقاقهم لاشد العذاب :

وفى المثنوى

وقيل

{ فجعلناهم الاخسرين } اى من الهالكين بتسليط البعوض عليهم وقتله اياهم وهو اضعف خلق اللّه تعالى وما برح النمرود حتى رأى اصحابه قد اكلت البعوض لحومهم وشربت دماءهم ووقعت واحدة فى منخره فلم تزل تأكل الى ان وصلت الى دماغه وكان اكرم الناس عليه الذى يضرب رأسه بمرزبة من حديد فاقام بهذا نحوا من اربعمائة سنة وقد سبق فى سورة النحل.

٧١

{ ونجيناه } اى ابراهيم من الاحراق ومن شر النمرود

{ ولوطا } هو ابن اخى ابراهيم اسمه هاران مهاجرا

{ الى الارض التى باركنا فيها للعالمين } اى من العراق الى الشام .

وقيل كانت واقعة ابراهيم مع النمرود بكوثى فى حدود بابل من ارض العراق فنجاه اللّه من تلك البقعة الى الارض المباركة الشامية.

وعن سفيان انه خرج الى الشام فقيل له الى اين فقال الى بلد يملأ فيه الجراب بدرهم وقد كان اللّه تعالى بارك فى الارض المقدسة ببعث اكثر الانبياء فيها ونشر شرائعهم هى البركات الحقيقية الموصلة للعالمين الى الكمالات والسعادة الدينية والدنيوية وبكثرة الماء والشجر والثمر والحطب وطيب عيش الغنى والفقير.

وقال ابى بن كعب سماها مباركة لان ما من ماء عذب الا وينبع اصله من تحت الصخرة التى بيت المقدس وقد كان لوطا النبى آمن بابراهيم ابن تارخ وهو لوط بن هاران بن تارخ ابن تاخور وازر لقب تارخ وكان هاران وابراهيم اخوين وآمنت به ايضا سارة بنت عم ابراهيم سارة بنت هاران الاكبر عم ابراهيم فخرج من كوثى مهاجرا الى ربه ومعه لوط وسارة يلتمس الفرار بدينه والامان على عبادة ربه حتى نزل حران فمكث بها ما شاء اللّه ثم ارتحل منها ونزل بفلسطين ثم خرج منها مهاجرا حتى قدم مصر ثم خرج من مصر وعاد الى ارض الشام ونزل لوط بالمؤتفكة وبعثه اللّه نبيا الى اهلها - روى - عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انه قال ( ستكون هجرة بعد هجرة فخيار اهل الارض الزمهم الى مهاجرا ابراهيم ) اراد علبيه السلام بالهجرة الثانية الهجرة الى الشام والمقصود ترغيب الناس فى المقام بها وفى الحديث ( بيت المقدس ارض الحشر والنشر والشام صفوة اللّه من بلاده يجيئ اليها صفوته من خلقه ) وفى المرفوع ( عليكم بالشام )

سعد يا حب وطن كرجه حديث است صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من اينجا زادم

وفى المثنوى

مسكن يا رست وشهر شاه من ... بيش عاشق اين بود حب الوطن

٧٢

{ ووهبنا له } اى لابراهيم بعد نزوله فى الارض المباركة وطلب الولد منها

{ اسحق } ولد لصلبه من سارة معناه بالعبرانية الضحاك كما ان معنى اسماعيل به مطيع اللّه

{ ويعقوب } اى ووهبنا له يعقوب ايضا حال كونه

{ نافلة } اى ولد ولد فهو حال من المعطوف عليه فقط لعدم اللبس وسمى يعقوب لانه خرج عقيب اخيثه عيص او متمسكا بعقبه . قال فى القاموس النافلة الغنيمة والعطية وما تفعله مما لم يجب كالنفل وولد الولد

{ وكلا } اى كل واحد من هؤلاء الاربعة بعضهم دون بعض

{ جعلنا صالحين } بان وفقناهم للصلاح فى الدين والدنيا فصاروا كاملين.

٧٣

{ وجعلناهم ائمة } يقتدى بهم فى امور الدين

{ يهدون } اى الامة الى الحق

{ بامرنا } لهم بذلك وارسلنا اياهم حتى صاروا مكملين

{ واوحينا اليهم فعل الخيرات } ليحثوهم عليه فيتم كما لهم بانضمام العمل الى العلم.

يقول الفقير جعلوا المصدر من المبنى للمفعول بمعنى ان يفعل الخيرات بناء على ان التكاليف يشترك فيها الانبياء والامم ولكن قوله تعالى فى اواخر هذه السورة

{ انهم كانوا يسارعون فى الخيرات } وقوله تعالى فى سورة مريم حكاية عن عيسى عليه السلام

{ واوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا } ينادى على انه من المبنى للفاعل ولا يضر ذلك فى الاشراك اذا لانبياء اصل فى الذى اوحى اليهم من الاوامر

{ واقام الصلاة وايتاء الزكاة } عطف الخاص على العام دلالة على فضّله وحذفت تاء الاقامة المعوضة من احدى الالفين لقيام المضاف اليه مقامه

{ وكانوا لنا } خاصة دون غيرنا

{ عابدين } لا يخطر ببالهم غير عبادتنا والعبادة غاية التذلل.

قال فى التأويلات النجمية قوله

{ وهبنا } يشير الى ان الاولاد من مواهب الحق لا من مكاسب العبد وقوله

{ وكلا جعلنا صالحين } يشير الى الصلاحية من المواهب ايضا وحقيقة الصلاحية حسن الاستعداد الفطرىّ لقبول الفيض الالهىّ وقوله

{ وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا } يشير الى ان الامامة ايضا من المواهب وانه ينبغى ان الامام يكون هاديا بامر اللّه لا بالطبع والهوى وان كان له اصل البداية وقوله

{ واوحينا } الخ يشير الى ان هذه المعاملات لا تصدر من الانسان الا بالوحى للانبياء وبالالهام للاولياء وان طبيعة النفس الانسانية ان تكون امارة بالسوء انتهى.

واعلم ان آخر الآيات نبه على اهل الاخلاص بالعبارة وعلى غيره بالاشارة فالاول هو العبد المطلق والثانى هو عبد هواه ودنياه وفى الحديث ( تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار ) خصصهما بالذكر لانهما معظم ما يعبد من دون اللّه تعالى.

وعن يحيى بن معاذ انه قال الناس ثلاثة اصناف . رجل شغله معاده عن معاشه . ورجل شغله معاشه عن معاده . ورجل مشتغل بهما جميعا فالالو درجة العابدين والثانى درجة الهالكين والثالث درجة المخاطرين : وفى المثنوى

آدمى راهست دركار دست ... يك ازو مقصود اين خدمت بدست

تاجلا باشد مرين آيينه را ... كه صفا آيد ز طاعت سينه را

جهد كن تانور تورخشان شود ... تاسلوك وخدمتت آسان شود

بند بكسل باش آزاد اى بسر ... جند باشى بند سيم وبند زر

هركه از ديدار بر خوردار شد ... اين جهان درجشم اومردار شد

باز اكر باشد سبيد وبى نظير ... جونكه صيدش باشد شد حقير

٧٤

منصوب بمضمر يفسره قوله

{ آتيناه } اى وآتينا لوطا آتيناه { حكما }.

قال فى التأويلات النجمية حكمة حقيقة.

وفى بحر العلوم هو ما يجب فعله.

وفى الجلالين فصلا بين الخصوم بالحق.

يقول الفقير الحكم وان كان اعم من الحكمة لكنه فى حق الانبياء بمعناها غالبا كما يدل عليه قوله تعالى فى حق يحيى عليه السلام

{ واتيناه الحكم صبيا } وهو الفهم عن اللّه تعالى وقوله تعالى فى حق داود عليه السلام

{ وآتاه الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } فرق بين الملك والحكمة والعلم فيكون معنى قوله

{ وعلما } اى علما نافعا يتعلق بامور الدين وقواعد الشرع والملة

{ ونجيناه من القرية } قرية سدوم اعظم القرى المؤتفكة اى المنقلبة المجعول عاليها سافلها وهى سبع كما سبق

{ التى كانت تعمل الخبائث } جمع خبيثة والخبيثة ما يكره رداءه وخساسة يتناول الباطل فى الاعتقاد والكذب فى المقال والقبيح فى الفعال واعوذ بك من الخبث والخبائث اى من ذكور الشياطين واناثها والمراد ههنا اللواطة وصفت القرية بصفة اهلها واسندت اليها على حذف المضاف واقامتها مقامه كما يوزن به قوله

{ انهم كانوا قوم سوء } [ كروهى بد ].

قال الراغب السوء كل ما يغم الانسان من الامور الدنيوية والاخروية ومن الاحوال النفسية والبدنية والخارجية من فوات مال وفقد حميم ويعبر به عن كل ما يقبح وهو مقابل الحسن

{ فاسقين } اى منهمكين فى الكفر والمعاصى متوغلين فى ذلك : وبالفارسية [ بيرون ر فتكان ازدائره فرمان ].

وفى الآية اشارة الى ان النجاة من الجليس السوء من المواهب والاقتران معه من الخذلان

زينهار ازقرين بد زنهار ... وقنا ربنا عذاب النار

وفى المثنوى هر حويجى باشدش كردى دكر ... درميان باغ ازسير وكبر

هريكى باجنس خود دركرد خود ... از براى بختكى نم ميخورد

تظنه كرد زعفرانى زعفران ... باش آميزش مكن باضميران

آب ميخور زعفرانا تارسى ... زعفرانى اندران حلوا رسى

تومكن دركرد لغم بوزخويش ... تانكردد باتواو همطبع وكيش

توبكردى او بكردى مودعه ... زانكه ارض اللّه آمد واسعة.

٧٥

{ وادخلناه فى رحمتنا } فى اهل رحمتنا الخاصة

{ انه من الصالحين } الذين سبقت لهم منا الحصنى.

قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان الرحمة على نوعين خاص وعام فالعام منها يصل الى كل بر وفاجر كقوله تعالى

{ ورحمتى وسعت كل شئ } والخاص لا يكون الا للخواص وهو الدخول فى الرحمة وذلك متعلق بالمشيئة وحسن الاستعداد ولهذا قال

{ انه من الصالحين } بالمستعدين لقبول فيض رحمتنا والدخول فيها وهو اشارة الى مقام الوصول فافهم جدا كقوله تعالى { يدخل من يشاء فى رحمته }

٧٦

{ ونوحا اذ ناجى } ظرف للمضاف المقدر اى اذكر نبأه الواقع حين دعائه على قومه بالهلاك

{ من قبل } اى من قبل هؤلاء المذكورين

{ فاستجبنا له } اى دعاءه الى هو قوله { انى مغلوب فانتصر }.

قال فى بحر العلوم الاستجابة الاجابة لكن الاستجابة تتعدى الى الدعاء بنفسها والى الداعى باللام ويحذف الدعاء اذا عدى الى الداعى فى الغالب فيقال استجاب اللّه دعاءه او استجاب له ولا يكاد يقال استجاب له دعاءه وهو الدليل عى ان النداء المذكور بمعنى الدعاء لان الاستجابة تقتضى دعاء

{ فنجيناه واهله من الكرب العظيم } من الغم العظيم الذى كانوا فيه من اذية قومه.

قال الراغب الكرب الغم الشديد من كرب الر ض قلبها بالحفر فالغم يثير النفس اثارة ذلك.

٧٧

{ ونصرناه } نصرا مستتبعا للانتقام والانتصار ولذلك عدى بمن حيث قيل

{ من القوم الذين كذبوا بآياتنا } اولا وآخرا

{ انهم كانوا قوم سوء } [ كروهب بديعنى كافر بودند جه كفر سر جمله همه بديهاست ]

{ فاغرقناهم اجميعن } فانه لم يجتمع الاصرار على التكذيب والانهماك فى الشر والفساد فى قوم الا اهلكهم اللّه تعالى.

اعلم ان الدعاء اذا كان بذان اللّه تعالى وخلوص القلب كما للانبياء وكمل الاولياء يكون مقرونا بالاجابة - روى - ان زيد بن ثابت رضى اللّه عنه خرج مع رجل من مكة الى الطائف ولم يعلم انه منافق فدخلا خربة وناما فاوئق المنافق يد زبد واراد قتله فقال زيد يا رحمن اعنى فسمع المنافق قائلا يقول ويحك لا تقتله فخرج المنافق ولم ير احدا ثم وثم ففى الثالثة قتله فارس ثم حل وثاقه وقال انا جبريل كنت فى السماء السابعة حين دعوت اللّه فقال اللّه تعالى ادرك عبدى.

ففى الحكاية امور . منها لا بد لاهل الطريق من الرفيق لكن يلزم تفتيش حاله ليكون على امان من المخلوق وقد كثر العدو فى صورة الصديق فى هذا الزمان : وفى المثنوى

آدمى رادشمن بنهان بسيست ... آدمئ باحذر عاقل كسيست

وقد قيل فى حل شئ عبرة والعبرة فى الغراب شدة حذره . ومنها ان الدعاء من اسباب النجاة فرعها اللّه عليه حيث قال

{ فنجيناه } بعد قوله

{ فاستجنا له } قال الحافظ

مرا درين ظلمات آنكه رهنمائى كرد ... دعاى نيم شبى بود وكريه سحرى

وفى المثنوى

آن نياز مريمى بودست ودرد ... كه جنان طفلى سخن آغازكرد

هر كجا دردى دوا آنجا رود ... هركجا بستيست آب آنجا رود

ومنها ان اللّه تعالى يعين عبده المضطر من حيث لا يحتسب اذ كل شئ جند من جنوده كما حكى ان سفينة مولى رسول اللّه عليه السلام اخطأ الجيش بارض الروم فاسر فانطلق هاربا يلتمس فاذا هو بالاسد فقال يا ابا الحارث انا سفينة مولى رسول اللّه وكان من امرى كيت وكيت فاقبل الاسد يبصبص حتى قام الى جانبه كلما سمع صوتا اهوى اليه فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش ثم رجع الاسد : قال الشيخ سعدى قدس سره

يكى ديدم از عرصه رودبار ... كه بيش مدم بربلنكى سوار

جنان هول ازان حال برمن نشست ... كه ترسيدنم باى رفتن به بست

تبسم كنان دست برلب كرفت ... كه سعدى مدار آنجه آيدشكفت

توهم كردن ازحكم داور مبيج ... كه كردن تبيجد زحكم توهيج

محالست جون دةست دارد ترا ... كه دردوست دشمن كذارد ترا

ومنها ان الملك يتمثل لخوزاص البشر.

قال الغزالى رحمه اللّه فى المنقذ من الضلال ان الصوفية يشاهدون الملائكة فى يقظتهم اى لحصول طهارة نفوسهم وتزكية قلوبهم وقطعهم العلائق وحسمهم مواد اسباب الدنيا من الجاه والمال واقبالهم على اللّه بالكيلة علما دائما وعملا مستمرا

شد فرشته ديدن ازشان فرشته خصلتى ...

٧٨

{ وداود وسليمان اذ يحكمان فى الحرث } اى اذكر خبرهما وقت حكمهما فى وقت الحرث وهو بالفارسية [ كشت ]

{ اذ نفشت } تفرقت وانتشرت ظرف للحكم

{ فيه غنم القوم } ليلا بلا راع فرعته وافسدته فان النفش ان ينتشر الغنم ليلا بلا راع والغنم محركة الشاة لا واحد لها من لظفها الواحدة شاة وهو اسم مؤنث للجنس يقع على الذكور والاناث وعليهما جميعا كما فى القاموس

{ وكنا لحكمهم } اى لحكم الحاكمين والمتحاكمين اليهما.

فان قيل كيف يجوز ان يجعل الضمير لمجموع الحاكمين والمتحاكمين وهو يستلزم اضافة المصدر الى فاعله ومفعوله دفعة واحد وهو انما يضاعف الى احدهما فقط لان اضافته الى الفاعل على سبيل القيام به واضافته الى المفعول على سبيل الوقوع عليه فهما معمولان مختلفان فلا يكون اللفظ الواحد ستعملا فيهما معا وايضا انه يستلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز لان اضافته الى الفاعل حقيقة والى المفعول مجاز فالجواب ان هذه الاضافة لمجرد الاختصاص مع كون القطع عن كون المضاف اليه فاعلا او مفعولا على طريق عموم المجاز كأنه قيلوكنا للحكم المتعلق بهم

{ شاهدين } حاضرين علما وهو مقيد لمزيد الاعتناء بشأن الاحكم.

وفى التأويلات النجمية يشير الى انا كنا حاضرين فى حكمهما معهما وانما حكما بارشادنا لهما ولم يخطئ احد منهما فى حكمه الا انا اردنا تشييد بناء الاجتهاد بحكمهما عزة وكرامة للمجتهدين ليقتدوا بهما مستظهرين بمساعيهم المشكورة فى الاجتهاد.

٧٩

{ ففهمناها } اى الحكومة

{ سليمان } وهو ابن احدى عشرة سنة.

وقال الكاشفى [ درسن سيزده سالكى ].

قال فى التأويلات النجمية يشير الى رفعة درجة بعض المجتهدين على بعض وان الاعتبار فى الكبر والفضيلة بالعلم وفهم الاحكام والمعانى والاسرار لا بالسن فانه فهم بالاحق والصوب وهو ابن صغير وداود نبى مرسل كبير.

وحكما [ كفته اند توانكرى بهنرست نه بمال وبزركى بعقلست نه بسال ].

فى القصص ان بنى اسرائيل حسدوا سليمان على ما اوتى من العلم فى صغر سنة فاوحى لله تعالى الى داود عليه السلام يا داود ان الحكمة تسعون جزأ سبعون منها فى سليمان وعشرون فى بقية الناس

{ وكلا } [ هر يك را زبدر وبسر ] { آيتنا حكما وعلما } كثيرا لا سليمان وحده فحكم كليهما حكم شرعى.

قال فى التأويلات النجمية اى حكمة وعلما ليحكم كل واحد منهما موافقها للعلم والحكمة بتأييدنا وان كان مخالفا فى الحكم بحكمتنا ليتحقق صحة امر الاجتهاد وان لكل مجتهد نصيب كما قال فى الارشاد وهذا يدل على ان خطأ المجتهد لا يقدح فى كونه مجتهدا - روى - انه دخل على داود عليه السلام رجلان فقال احدهما ان غنم هذا دخلت فى حرثنى ليلا فافسدته فقضى له بالغنم اذ لم يكن بين قيمة الحرث وقيمة الغنم تفاوت فخرجا فمرا على سليمان عليه السلام فاخبراه بذلك فقال غير هذا ارفق بالفريقين فسمعه داود فدعاه فقال له بحق النبوة والابوة ألا اخبرتنى بذالى هو ارنق بالفريقين فقال ارى ان تدفع الغنم الى صاحب الارض لينتفع بدرها ونسلها وصوفها والحرث الى ارباب الغنم ليقوموا عليه اى بالحرث والزرع حتى يعود الى ما كان ويبلغ الحصاد ثم يترادّا فقال القضاء ما قضيت وامضى الحكم بذلك.

قال فى الارشاد الذى ان تدفع الخ صريح فى انه ليس بطريق الوحى والا لبت القول بذلك ولما ناشده داود لاظهار ما عنده بل وجب عليه ان يظهره ابتداء وحرم عليه كتمه ومن ضرورته ان يكون القضاء السابق ايضا كذلك ضرورة استحال نقض حكم النص بالاجتهاد انتهى والاجتهاد بذل الفقيه الوسع ليحصل له ظن بحكم شرعى وهو جائز للانبياء عند اهل السنة ليدركوا ثواب المجتهدين وليقتدى بهم غيرهم ولذا قال عليه السلام ( العلماء ورثة الانبياء ) فانه يستلزم ان تكون درجة الاجتهاد ثابتة للانبياء ليرث العلماء عنهم ذلك الا ان الانبياء لا يقرون على خطأ وفى الحديث ( اذا حكم الحاكم فاجتهد فاصاب فله اجران واذا حكم واجتهد واخطأ فله اجر ) وفى كل حادثة حكم معين عند اللّه وعليه دليل قطعى او ظنى فمن وجده اصاب ومن فقده اخطأ ولم يأثم.

فان قيل لو تعين الحكم فالمخالف له لم يحكم بما انزل اللّه فيفسق او يكفر.

قلنا انه امر بالحكم بما ظنه ونان اخطأ فقد حكم بما اونزل اللّه . قال فى بحر العلوم واعلم ان فى هذه الآية دليلا على ان المجتهد يخطئ او يصيب وان الحق واحد فى المسائل الاجتهادية اذ لو كان كل من الاجتهادين صواب وحقا لكان كل منهما قد اصاب الحق وفهمه ولم يكن يتخصيص سليمان خلافه بالذكر جهة فانه فى هذا المقام يدل على نفى الحكم عما عداه وعلى ان للانبياء اجتهادا كما للعلماء على انه لو كان كل مجتهد مصيبا لزم اتصاف الفعل الواحد بالنقيضين من الصحة والفساد والوجوب والخطر والاباحة وهو ممتنع : وفى المثنوى

وهم افتد در خطا ودر غلط ... عقل باشد در اصابتها فقط

مجتهد هركه كه باشد نص شناس ... اندران صوت نينديش قياس

جون نيايد نص اندر صورتى ... از قياس آنجا نمايد عبرتى

{ وسخرنا } [ ورام ساختيم ]

{ مع داود الجبال } مع متعلقة بالتخسير وهو تذليل الشئ وجعله طائعا منقادا . وسفن سواخر اذا اطاعت وطابت لها الريح

{ يسبحن } حال من الجبال ان يقدسن اللّه تعالى بحيث يسمع الحاضرون تسبيحهن فانه هو الذى يليق بمقام الامتنان لا انعكاس الصدى فانه عام وكذا ما كان بلسان الحالف فاعرف

{ والطير } عطف على الجبال وقدمت الجبال على الطير لان تسخيرها وتسبيحها اعجب وادل على القدر واخل فى الاعجاز لانها جماد والطير حيوان

{ وكنا فاعلين } قادرين على ان نفعل هذا وان كان عجبا عندكم - روى - ان داود كان اذا مر يسمعه اللّه تسبيح الجبال والطير لينشط فى التسبيح ويشتاق اليه.

قال الكاشفى [ مؤمن موقن بايدكه اعتقاد كند برين وجه كه كوهها ومرغان بموافقت داود بروجهى تسبيح مى كفته اندكه همه سامعانرا تركيب حروف وكلمات آن مفهوم ميشده واين معنى ازقدرت الهى غريب نيست ]

هر كجا قدرتش علم افراخت ... ازغرائب هر آنجه خواست بساخت

قدرتى را كه نيست نقصانش ... كارها جمله هست آسانش

وفى التاأويلات النجمية يشير الى ان الذاكر لله اذا استولى عليه سلطان الذكر تتنور اجزاء وجوده بنور الذكر فيتجوهر قلبه وروحه بجوهر الذكر فربما ينعكس نور الذكر من مرآة القلب الى ما يحاذيها من المجادات والحيوانات فتنطقه بالذكر فتارة يذكر معه اجزاء وجوده وتارة يذكر معه بعض الجمادات والحيوانات كما كانت الحصاة تسبح فى يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والضب يتكلم معه - روى - عن بعض الصحابة رضى اللّه عنهم انه قال كنا نأكل الطعام ونسمع تسبيحه انتهى.

وفى عرائس البقلى رحمه اللّه كان يطلب كل وقت مكانا خاليا لذكره وانسه فيدخل الجبال لانها ملتبسة بانوار قدرته حالية عن صنع اهل الحدثان باقية على ما اخرجت من العدم بكسوة نور اقدم فاذا كان مسبحا سبحت الجبال معه والطير بلسان نور الفعل الحق كأنه تعالى ينزه نفسه بتنزيه داود حيث غلب على داود سطوات عظمته ونور كبريائه.

قال محمد ابن على رحمه اللّه جعل اللّه الجبال تسلية للمجذوبين وانسا للمكروبين والانس الذى فى الجبال هو انها خالية عن صنع الخلائق فيها بحلا باقية على صنع الخالق لا اثر فيها لمخلوق فتوحش والآثار التى فقيها آاثر الصنع الحقيقى عن غير تبديل ولا تحويل انتهى.

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان بنى اسرائيل كانوا قد تفرقوا قبل مبعث داود واقبلوا على ملاهى الشيطان وهى العيدان والطنابير والمزامير والصنوج وما اشبهها فبعث اللّه داود اعطاه من حسن الصوت ونغمة الالحان حتى كان يتلو التوراة بترجيع وخفض ورفع فاذهل عقول بنى اسرائيل وشغلهم عن تلك الملاهى وصاروا يجتمعون الى داود يستمعون الحانة وكان اذا سبح تسبح معه الجبال والطير والوحش كما فى قصص الانبياء : قال الشيخ سعدى قد سره

به از روى زيباست آواز خوش ... كه اين حظ نفس است وآن قوت روح

وقال

اشتر بشعر عرب در حالتست وطرب ... كرذوق نيست تراكز طبع جانورى

وقال

وعند هبوب الناشرات على الحمى ... تميل غصون البان لا الحجر الصلد

وكما ان الاصوات الحسنة والنغمات الموزونة تؤثر فى النفوس فتجذبها من الشر الى الخير بالنسبة الى المستعد الكامل فكذا الاصوات القبيحة والنغمات الغير الموزونة تؤثر فى النفوس فتفعل خلاف ما يفعل خلافها : وفى المثنوى

يك مؤذن داشت بس آواز بد ... درميان كافرستان بانك زد

جند كفتندش مكو بانك نماز ... كه شود جنك وعداوتها دراز@_ خق خائف كرد وبس بى احتراز

كفت دركافرستان بانك نماز ... خلق خائف شد زفته عامه

خود بيامد كافرى باجامه ... شمع وحلوا باجنان جامع لطيف

هديه آورد وبيامد جون اليف ... برس برسان كين مؤذن كوكجاست

كه صلاى بانك اوراحت فزاست ... دخترى درام لطيف وبس سنى

آرزو مى بود اورا مؤمنى ... هيج اين سوادا نمى رفت از سرش

بندها ميداد جندى كافرش ... هيج جاره مى ندانستم دران

تافرو خواند اين مؤذن آن اذان ... كفت دختر جيست اين مكروه بانك

كه بكوشم آمد اين دوجار دانك ... من همه عمر اين جنين آواززشت

هيج نشنيدم درين ديرو كنشت ... خوةاهرش كفتا كه اين بانك اذان

هست اعلام وشعار مؤمنان ... باورش نامد بيرسيد از دكر

آن دكرهم كفت آرى اى قمر ... جون يقين كشتش رخ او زردشد

از مسلمانى دل اوسرد شد ... بازرستم من زتشويش وعذاب

دوش خوش خفتم داران بى خوف خواب ... راحتم اين بود از آواز او

هديه آوردم بشكران مردكو ... كفت اين هديه بذير

جون مراكشتى مجيرو دستكير ... كربمال وملك وثروت فردمى

من دهانت را براززر كردمى ...

٨٠

{ وعلمناه صنعة لبوس } اى عمل الدروع : وبالفارسية [ ساختن زره ] والاصنع اجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا والصناعة ككتابة حرفة الصانع وعمل الصنعة واللبوس فى الاصل اللباس درعا كان او غيرها ولبس الثوب استتر به وكان الدروع قبل داود صفائح اى قطع حديد عراضا فحلقها وسردها

{ لكم } اى لنفعكم متعلق بعلمنا او بمحذوف هو صفة لبوس.

والمعجزة فيه ان فعل ذلك من غير استعانة باداة وآلة من نحو الكير والنار والسندان والمطرقة.

وكان لقمان يجلس مع داود ويرى ما يصنع ويهمّ ان يسأل عنها لانه لم يرها قبل ذلك فيسكت فلما فرغ داود من الدرع قام وافرغه على نفسه وقال نعم الرداء هذا للحرب فقال لقمان عندها ان من الصمت لحكمة.

قال الحكماء وان كان الكلام فضة بالصمت من ذهب

اكر بسيار دانى اندكى كوى ... يكى راصد مكوصدار يكى كوى

{ لتحصنكم } لتحرزكم اى اللبوس بتأويل الدرع ودرع حصينة لكونها حصنا للبدن فتجوّز به فى كل تحرز وهو بدل اشتمال من لكم باعادة الجار لان لتحصنكم فى تأويل لاحصانكم وبين الاحصان وضمير لكم ملابسة الاشتمال مبين لكيفية الاختصاص والمنفعة المستفادة من لكم

{ من بأسكم } البأس هنا الحرب وان وقع على السوء كله اى من حرب عدوكم : وبالفارسية [ از كارزار شما يعنى ازقتل وجراحت دركار زار بماندند تيغ وتيرو نيزه ].

وفى الآية دلالة على ان جميع الصنائع بخلق اللّه وتعليمه وفى الحديث ( ان اللّه خلق كل صانع وصنعه ) وفى المثنوى

قابل تعليم وفهمست اين خرد ... ليك صاحب وحى تعليمش دهد

جمله حرفتها يقين ازوحى بود ... اول اوليك عقل آنرا فزود

{ فهل انتم شاكرون } ذلك يعنى قد ثبت عليكم النعم الموجبة للشكر حيث سهل عليكم المخرج من الشدائد فاشكروا له.

قال الكاشفى : يعنى [ شكر كوييد خدايرا برجنين لباس ] فهو امر وارد على صورة الاستفهام والخطاب لهذه الامة من اهل مكة ومن بعدهم الى يوم القيامة اخبر اللّه تعالى ان اول من عمل الدرع داود ثم تعلم الناس فعمت النعمة بها كل محارب من الخلق الى آخر الدهر فلزمهم شكر اللّه على هذه النعمة.

وقال بعضهم الخطاب لداود واهل بيته بتقدير القول اى فقلنا لهم بعدما انعمنا علهيم بهذه النعم بل انتم شاكرون وما اعطى لكم من النعم التى ذكرت مت تسخيره الجبال له والطير والانة الحديد وعلم صنعة اللبوس . قيل ان داود خرج يوما متفكرا طالبا من يسأله عن سيرته فى مملكته فاستقبل جبريل على صورة آدمى ولم يعرفه داود فقال له كيف ترى سيرة داود فى مملكته فقال له جبريل نعم الرجل هو لولا ان فيه خصلة واحدة قال وما هى قال بلغنى ان هيأكل منبيت المال وليس شئ افضل من ان يأكل الرجل من كدّ يده فرجع داود وسأل اللّه ان يجعل رزقه من كدّ يده فلألان له الحديد وكان يتخذ الدرع من الحديد ويبيعها ويأكل من ذلك.

يقول الفقير قد ثبت فى الفقه ان فى بيت المال حق العلماء وحق السادات ونحوهم فالاكل منه ليس بحرام عند اهل الشريعة والحقيقة لكن الترك افضل لاهل التقوى كما دل عليه قصة داود وقس عليه الاوقاف ونحوها من الجهات المعينة وذلك لانه لا يخلو عن شبهة فى هذا الزمان مع ان الاستناد الى الرزق المعلوم ينافى التوكل التام ولذا لم يأكل كثير من اهل الحق ربح المال الموقف بل اكلوا مما فتح اللّه عليهم من الصدقات الطيبة من غير حركة ذهينية منهم فضلا عن الحركة الحسية نعم اكل بعضهم من كسب يده قال الحافظ

فقيه مدرسه دى مست بود وفتوى داد ... كه مى حرام ولى به زمال اوقافست

غلط الشراح فى شح هذا البيت واقول تحقيقه ان قوله

{ ولى به } من كلام الحافظ لا من كلام المفتى . يعنى ان الفقيه كان سكران من شراب الغفلة وحب الدنيا والاعتمال على مال المدرسة ولذا انكر اهل حال العشق وجعل شرابهم الذى هو العشق حراما ولكن ليس الامر كما قال فانه اولى من مال الوقف . يعنى ان العشق والتوكل التام اللذين عليهما محققوا اصوفية افضل من الزهد والاكل من مال الوقف اللذين عيلهما فقهاء العصر وعلماؤه فالانكار يتعلق بالفقيه المعتمد لا بالعاشق المتوكل.

قال العلماء كان الانبياء عليهم السلام يحترفون بالحرف ويكتسبون بالمكاسب . فقاد كان ادريس خياطا . وقد كان اكثر عمل نبينا عليه السلام فى بيته الخياطة وفى الحديث ( عمل الابرار من الرجال الخياطة وعمل الابرار من النساء الغزل ) كما فى روضة الاخبار وفى الحديث ( علموا بنيكم السباحة والرمى ولنعم لهو المؤمنة مغزلها واذا دعا ابوك وامك فاجب امك ) كما فى المقاصد الحسنة للسخاوى وفى الحديث ( صرير مغزل المرأة يعدل التكبير فى سبيل اللّه والتكبير فى سبيل اللّه اثقل فى الميزان من سبع سموات وسبع ارضين ) وفى الحديث ( المغزل فى يد المرأة الصالحة كالرمح فى يد الغازى المريد به وجه اللّه تعالى ) كما فى مجمع الفضائل . وكان نوح نجارا . وابراهيم بزازا وفى الحديث ( لو اتجر اهل الجنة لا تجروا فى البز ولو اتجر اهل النار لا تجروا فى الصرف ) كذا فى الاحياء . وداود زرادا . وآدم زرعا وكان اول من حالك ونسج ابونا آدم.

قال كعب مرت مريم فى طلب عيسى بحاكة فسألت عن الطريق فارشدوها الى غير الطريق فقالت اللهم انزع البركة من كسبهم وامتهم فقراء وحقرهم فى اعين الناس فاستجيب دعاؤها ولذا قيل لا تستشيروا الحاكة فانه ثمنه ولا يأكل من بيت المال.

وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة فانه عليه السلام آجر نفسه قبل النبوة فى رعى الغنم قال ( وما من نبى الا وقد رعاها ) ومن حكمة اللّه فى ذلك ان الرجل اذا استرعى الغنم التى هى اضعف البهائم سكن قلبه الرأفة واللطف تعطفا فاذا انتقل من ذلك الى رعاية الخلق كان قد هرب اولا من الحدة الطبيعية والظلم الغريزى فيكونم فى اعدل الاحوال وحيئنذ لا ينبغى لاحد عير برعاية الغنم ان يقول كان النبى عليه السلام يرعى الغنم فان قال ذلك ادّب لان ذلك كما علمت كمال فى حق الانبياء دون غيرهم فلا ينبغى الاحتجاج به ويجرى ذلك فى كل ما يكون كمالا فى حقه فى النسان العيون.

يقول الفقير فقول السلطان سليم الاول من الخواقين العثمانية.

يك كدا بود سليمان بعصا وزنبيل ... يافت ازلطف توآن حشمت ملك آرايى

مصطفى بود يتيمى زعرب بست درت ... دادش انعام توتاج شرف بالايى

ترك ادب لانه يوهم التحقير فى شأنهما العظيم . وكان صالح ينسج الا كسية جمع كساء بالفارسية [ كليم ] وعيسى يخصف النعل ويرقعها . وافضل الكسب الجهاد وهو حرفة رسول اللّه عليه السلام بعد النبوة والهجرة . ثم التجارة بشرط الامانة بحيث لا يخون على مقدار حبة اصلا . ثم الحراثة . ثم الصناعة كما فى المختار والتحفة . ويجتنب المكاسب الخبيثة اى الحرام والرديئ ايضا نحو اجرة الزانية والكاهن وهو الذى يخبر عن الكوائن المستقبلة او عما مضى وعن نحوسة طالبع او سعد او دولة او محنة او نحو ذلك . ويجتنب عن صنعه الملاهى ونحوها . وكره للرجل ان يكون بائع الا كفان لانه يوجب انتظار موت الناس او حناطا يحتكر او جزارا وهو القصاب الذى يذبح الدواب لما فيه من قساوة القلب . او صائغا بالفارسية [ زركر ] لما فيه من تزيين الدنيا وقد كرهوا كل ما هو بمعناه كصناعة النقش وتشييد البنيان بالجص ونحو ذلك . او مخاسا وهو الذى يبيع الناس من الذكور والاناث.

يقال ثلاثة لا يفلحون بائع البشر وقاطع الشجر وذابح البقر . وكره ان يكون حجاما او كناسا او دباغا وما فى معناه لما فيه من مخالطة النجاسة . وكره ابن سيرين وقتادة اجرة الدلال لقلة اجتنابه عن الكذب وافراطه فى الثناء على السلعة لترويجها - روى - ان اول من دل ابليس حيث قال

{ هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } كما فى روضة الاخبار.

٨١

{ ولسليمان الريح } اى وسخرنا له الريح وتخصيص داود بلفظ مع وسليمان باللام للدلالة على ما بين التسخيرين من التفاوت فان تسخير ما سخر له عليه السلام من الريح وغيرها كان بطريق الانقياد الكلى له والامتثال بامره ونهيه والمقهورية تحت ملكوته فجيئ بلام التمليك

واما تسخير الجبال والطير لداود عليه السلام فلم يكن بهذه المثابة بل بطريق التبعية له والاقتداء به فى عبادة اللّه تعالى

{ عاصفة } حال من الريح اى حال كونها شديدة الهبوب من حيث انها تبعد بكرسيه فى مدة يسيرة من الزمان وكانت لينة فى نفسها طيبة كالنسيم فكان جميعها بين الرخاوة فى نفسها وعصفها فى عملها مع طاعتها لسليمان وهبوبها سبما يريد ويحتكم معجزة مع معجزة

{ تجرى } [ ميرفت ] حال ثانية

{ بامره } بمشيئته

{ الى الارض التى باركنا فيه } وهى الشام كانت تذهب به غدوة من الشام الى ناحية من نواحى الارض وبينهام وبين الشام مسيرة شهر الى وقت الزوال ثم ترجع به منها بعد الزوال الى الشام عند الغروب كما قال تعالى

{ غدوها شهر ورواحها شهر } قال مقاتل عملت الشياطين لسليمان بساطان فرسخا فى فرسخ من ذهب فى ابريسم وكان يوضع له منبر من ذهب فى وسط البساط فيقعد عليه وحوله كراسى من ذهب وفضة يقعد الانبياء على كراسى الذهب والعلماء على كراسى الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير باجنحتها حتى لا تطلع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح الى الرواح ومن الرواح الى المغرب وكان عليه السلام امرأ قلما يقعد عن الغزو ولا يسمع فى ناحية من الارض ملكا الا اتاه ودعاه الى الحق.

قال الكاشفى [ در تخليص آورده كه درشام شهرى بود تدمر نام كه ديوان براى سليمان بنياد ساخته بودند صباح از آنجا بيرون آمدى وياز نماز شام دير آيد آنجا آوردى . ودر مختار القصص آورده كه بامداد از تدمر بيرون آمدى وقيلوله داراصطخر فارس كردى وشبنكاه بكابل رفتى وروزى ديكر از كابل بيرون آمدى وجاشت در اصطخر بودى شام بتدمر باز آمدى ] وكانت تجرى الى حيث شاء سليمان ثم يعود الى منزله بالشام - روى - ان سليمن سار من العراق غاديا فقابل نمرود وصلى العصر ببلخ ثم سار من بلخ متخللا بلاد الترك وارض الصين ثم عطف مها على مطلبع الشمس على ساحل البحر حتى اتى قندهار وخرج منها الى مكران وكرمان حتى اتى فارس فنزلها اياما وغدا منها بكسكر ثم راح الى الشام وكان مستقره بمدينة تدمر كما فى بحر العلوم : قال الشيخ سعدى قدس سره

نه برباد رفتى سحركاه وشام ... سرير سليمان عليه السلام

باخر نه ديدى كه برباد رفست ... خنك بادانش وداد رفت

{ وكنا بكل شئ عالمين } فنجريه على ما يقتضى علمنا وحكمتنا

٨٢

{ ومن الشياطين } اى وسخر لنا له من الشياطين

{ من يغوصون له } اى يدخلون تحت البحر ويستخرجون له من نفائسه.

قال الراغب الغوص الدخول تحت الماء واخراج شئ منه ويقال لكل من هجم على غامض فاخرجه غائص عينا كان او عالما والغواص الذى يكثر منه ذلك

{ ويعملون عملا دون ذلك } اى غير ما ذكر من بناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة وهؤلاء اما الفرقة الاولى او غيرها لعموم كلمة من كأنه قيل ومن يعملون - روى - ان المسخر له كفارهم لا مؤمنوهم لقوله تعالى

{ ومن الشياطين } { وكنا لهم حافظين } اى من ان يزيغوا عن امره ويعصوا ويتمردوا عليه او يفسدوا ما عملوا على ما هو مقتضى جبلتهم والشياطين وان كانوا اجساما لطيفة لكنهم يتشكلون باشكال مختلفة ويقدرون على اعمال الشاقة ألا ترى ان لطافة الريح لا تمع عصوفها لا سيما انهم تكثفوا فى زمن سليمان فكانوا بحيث يراهم الناس ويستعملونهم فى الاعمال.

قال فى الاسئلة المقحمة فلماذا لم تخرج الشياطين عن طاعة سليمان مع استعمالهم فى تلك الامور الشديدة فالجواب ان اللّه تعالى اوقع لسليمان فى قلوبهم من الخوف والهيبة حتى خافوا ان يخرجوا عن طاعته وهذا من معجزاته.

قال فى التأويلات النجمية من كمالية لانسان انه اذا بلغ مبلغ الرجال البالغين من الانبياء والاولياء سخر اللّه له بحسب مقامه السفليات والعلويات من الملك والملكوت فخسر لسليمان عليه السلاممن السفليات الريح والجن والشياطين والطير والحيوانا والمعادن والنبات ومن العلويات الشمس حين ردت لاجل صلاته كما سخر لداود عليه السلام الجبال والطير والحديد والاحجار التى قتل بها جالوت وهمز عسكره فسخر لكل نبى شيأ آخر من اجناس العلويات والسفليات وسخر لنبينا عليه الصلاة والسلام من جميع اجناسها فمن السفليات ما قال عليه السلام ( زويت لى الارض فاريت مشرقاه ومغاربها وسيبلغ ملك امتى ما زى لى منها ) وقال ( جعلت لى الارض مسجدا وتربها طهورا ) وقال ( اتيت بمفاتح خزائن الارض ) وكان الماء ينبع من بين اصابعه وقال نصرب بالصبا وكانت الاشجار تسلم عليه وستجد وتنقلع باشارته عن مكانها وترجع والحيوانات كانت تتكلم معه وتشهد بنبوته وقال ( اسلم شيطانى على يدى ) وغيره من السفليات

واما العلويات فقد انشق له القمر باشارة اصبعه.

بس قمركه امر بشنيد وشتافت ... بس دونيمه كشت برجرح وشكافت

وسخر له البراق وجبريل والرفرق وعبر السموات السبع والجنة والنار والعرش والكرسى الى مقام قاب قوسيت او ادنى فما بقى شئ من الموجودات الا وقد سخر له

نه كسى دركرد توهركز رسيد ... نه كسى رانيز جندين عزرسيد

وبقوله

{ ومن الشياطين من يغوصون } الآية يشير الى انا كما سخرنا الشياطين له يعملون له الاعمال سخرنا للشايطين الاعمال والغوص والصنائع يصنعون بحفظ اللّه مالا يقدرون عليه الآن.

٨٣

{ وايوب } اى واذكر خبر ايوب . واختلفوا فى اسماء نسبه بعد الاتفاق على الانتهاء الى روم بن عيص بنابراهيم عليه السلام - روى - ان اللّه تعالى استنبأ ايوب وارسله الى اهل حران وهى قرية بغوطة دمشق وكثر اهله وماله وكان له سبعة بنين وسبع بنات ومن اصناف البهائم مالا يحصى فحسده ابليس وقال [ الهى بنده بتودر عافيت وسعت عيس است مال بسيار وفرزندان بزركوادر دارد اكر اورا بانّزاع مال واولاد مبتلا سازى زود ازتو بكردد وطريق كفران نعمت بيش كيرد حق سبحانه وتعالى فرمودكه جنين نيست كه توميكويى او مارا بنده ايست بسنديده اكر هزار باردر بوته ابتلابكداختم بى غش وخالص العيار آيد

جنان در عشاق يكرويم كه كرتيغم زنى برسر ... برو زامتحان باشم جوشمع استاده بابرجا

بس حق سبحانه وتعالى اقسام محن بروى كما شت شترانش بصاعقه هلاك شدند وكوسفندان سببب سيل دركرداب فنا افنادند وزراعت بريح متلاشى شد واولاد در زير ديوار ماندند وقروح درجسد مباركش ظاهر شدوديدان بيدأ كشتند وخلق ازوى كريخت بجززن او ] فكان نظيرا ابراهيم عليه السلام فى الابتلاء بالمال والولد والبدن.

وقد قال بعض الكبار ان بلاء ايوب اختاره قبله سبعون نبيا فما اختاره اللّه الاله وبقى فى مرضه ثمانى شعرة سنة او سبع سنين وسبعة اشهر وسبعة ايام وسبع ساعات قال له يوم امرأته رحمة بنت افراييم بن يوسف لو دعوت اللّه فقال لها كم كانت مدة الرخام فقالت ثمانين ينة فقال انا استحيى من اللّه ان ادعوه وما بلغت مدة بلائى مدة رخائى [ وهرحسر اين خطاب مستطاب بايوب مكروب رسيدى كه اى ايوب جكونه وايوب بذوق وشوق اين برسش كوه بلا بجان مى كشيد وبآن بيمارى خوش بود ]

كربرسر بيمار خود آيى بعيادت ... صد صاله باميد توبيمار توان بود

وقد سلط اللّه على جسده اثنى عشر الف دودة لانها عدد الجند الكامل كما قال عليه السلام ( اثنا عشر الفالن يغلب عن قلة ابدا ) ولله عساكر كالدود والبعوض والابابيل لاصحاب الفيل والهدهد لعوج والعنكبوت والحمامة لرسول اللّه عليه السلام واكل الدود جميع جسده حتى بقى العظام والقلب واللسان والاذن والعينان ولما قصد قلبه الذى هو منبع المعرفة ومعدن النبوة والولالية ولسانه هو مصد رالذكر التوحيد غار عليه وخاف ان ينقطع عن طاعة اللّه وتسبيحه بالكلية فانه كان من ضعف الحال بحيث لا يستطيع القيام للصلاة فلما انتهى وقت الابتلاء وحصل الفناء التام فى مقام البلاء والهمه اللّه الدعاء ليوصله الى مرتبة البقاء ويتجلى له بالجمال واللقاء بعد الجلال والاذى كما اخبر عنه بقوله

{ اذا نادى ربه } اى دعاه

{ انى } اى بانى

{ مسنى } اصابنى

{ الضر } [ رنج وسختى ] قالوا الضر بالفتح شائع فى كل ضرر وبالضم خاص بما فى النفس من مرض وهزال ونحوهما

{ وانت ارحم الراحمين } بين افتقاره اليه تعالى ولم يقل ارحمنى لطفا فى السؤال وحفظا للادب فى الخطاب فان اكثر اسئلة الانبياء فى كشف البلاء عنهم انما هى على سبيل التعريض

وفى النفس حاجات وفيه فطانة ... سكوتى بيان عندها وخطاب

وقال الحافظ

ارباب حاجيتم وزبان سؤال نيست ... درحضرت كريم تمناجه حاجتست

فان قيل أليس صرح زكريا فى الدعاء قال

{ هب لى من لدنك وليا } قلنا هذا سؤال العطاء لا يجمل به العريق ودلك كشف البلاء فيجمل به التعريض لئلا يشتبه بالشكاية - ويحكى - ان عجوزا تعرض لسليمكان بن عبد الملك فقلت يا امير المؤمنين مشت جرذان بيتى على العصى فقال لها الطفت فى السؤال لا جرم لاردنها تثب وثب الفهود وملأ بيتها حبا . فهذا القول من ايوب دعاء وتضرع وافتقار لا جزع وشكاية كما هو حال الاضطرار ولذا جاء جوابه بلفظ الاستجابة وقال تعالى فى حقه

{ انا وجدناه صابرا نعم العبد } وعلى تقدير تضمنه الشكاية فقد اشتكى من البلوى اليه تعالى لا الى غيره وهو لا ينافى الصبر الجميل كما قال يعقوب انما اشكوا بنى وحزنى الى اللّه فصبر جميل والعارف الصادق اذا كان متحققا فى معرفته فشكواه حقيقة الانبساط ومناداته تحقيق المناجاة واساه فى بلاء حبيبه حقيقة المباهاة ولسان العشق لسان التضرع والحكاية لا لسان الجزع والشكاية كما اشارة العاشق

بشنوازنى جون حكايت ميكند ... از جداييها شكايت ميكند

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان كل ما كان لا يوب من الشكر والشكاية فى تلك الحالة كان مع اللّه لا مع غير والى ان بشرية ايوب كانت تتأمل بالضر وهو يخبر عنها ولكن روحانيته المؤيدة بالتأييد الالهى تنظر بنور اللّه وترى فى البلاء كمال عناية المبتلى وعين مرحمته فى تلك الصورة تربية لنفسه ليبلغها مقام الصبر ورتبة نعمة العبدية وهو يخبر عنها ويقول

{ مسنى الضر } من حيث البشرية بنور فضلك

{ انك ارحم الراحمين } علىّ بانك تترحم علىّ بهذا البلاء ومس الضر وقوة الصبر ع ليه لتفنى نفسى عن صفاتها وفى العجلة وتبقى بصفاتك ومنها الصبر والصبر من صفات اللّه لا من صفات العبد كقوله تعالى

{ واصبر وما صبرك الا باللّه } والصبور هو اللّه تعالى.

٨٤

{ فاستجبنا له } [ بس اجابت كرديم دعاى ويرا ]

{ فكشفنا } [ بس ببرديم ]

{ ما به من ضر } [ آنجه ويرابود ازرنج يعنى اوراشفاداديم ] - روى - انه قيل له يوم الجمعة عند السحر او وقت زوال الشمس ارفع رأسك فقد استجيب لك اركض برجلك اى اضرب بها الارض فركض فنبعت من تحتها عين ماء فاغتسل منها فلم يبق فى ظاهر بدنه دودة الا سقطت ولا جراحة الا برئت ثم ركض مرة اخرى فنبعث عين اخرى فشرب منها فلم يبق فى جوفه داء الاخرج وعاد صحيحا ورجع الى شبابه وجماله ثم كسى حلة . قال بعض الكبار السر فى ابتلائه تصفية وجوده بالرياضات الشاقة وانواع المجاهدات البدنية لتكميل المقامات العلية فامر بضرب ارض النفس ليظهر له ماء الحياة الحقيقية متجسدا فى عالم المثال فيغتسل به فتزول من بدنه الاسقام الجسمانية ومن قبله الامراض الروحانية فلما جاهد وصفا استعداده وصار قابلا للفيض الالهى ظهر له من الحضرة الروحانية ماء الحياة فاغتسل به فزال من ظاهره وباطنه ما كان سبب الحجاب والبعد عن ذلك الجناب الالهى انتهى.

واراد اللّه تعالى ان يجعل الدود عزيزا بسبب صحبة ايوب فان الدود اذل شئ وصحبة الشريف تعزه كما اعز حوت بيونس فلما تناثرت منه صعدت الى اشجرة وخرج من لعابها الابريسم ليصير لباسا ببركة ايوب : قال الشيخ سعدى قدس سره

كلى خوشبوى درحمام روزى ... رسيد ازدست محبوبى بدستم

بدو كفتم كه مشكى يا عبيرى ... كه ازبوى دلاويز تومستم

بكفتا من كل ناجيز بودم ... وليكن مدتى باكل نشستم

كمال همنشين برمن اثر كرد ... وكرنه من همان خاكم كه هستم

قالوا من كان مجاورا للعزيز والشريف صار عزيزا شريفا ومن كان مجاورا للذليل والوضيع كان ذليلا ووضيعا ألا ترى ان الصبا اذا مرت بالازهار والوراد تحمل الرائحة الطيبة واذا عبرت على المستقذرات تحمل الرائحة الخبيثة وقس على هذا من كان مصاحبا لاوصاف النفس ومن كان مجاورا لاخلاق الروح

{ وآتيناه اهله ومثلهم معهم } بان ولد له ضعف ما كان - روى - ان اللّه تعالى رد الى امرأته شبابها فولدت له ستة وعشرين ولدا كما هو المروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ورد امواله وكان رحيما بالمساكين يكفل الايتام والرامل ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل وفى الحديث ( بينما ايوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل ايوب يحثو فى ثوبه فناداه ربه يا ايوب ألم اكن اغنيتك عما ترى قال بلى وعزتك ولكن لا غنى لى عن بركتك ) وفيه دلالة على اباحة تكثير المال الحلال

{ رحمة من عندنا } اى آتيناه ما ذكر لرحمتنا اياه بالرحمة الخاصة

{ وذكرى للعابدين } وتذكرة وعبرة لغيره من العابدين ليعلموا بذلك كمال قدرتنا ويصبروا كما صبر ايوب فيثابوا كما اثيب

هر كه اودرراه حق صابر بود ... بر مراد خويشتن قادر بود

صبر بايد تاشنود يكسو حرج ... زانكه كفت الصبر مفتاح الفرج

واعلم ان بلاء ايوب من قبيل الامتحان ليبرز ما فى ضميره فيظهر لخلقه درجته اين هو من ربه وبلاء يوسف من قبيل تعجيل العقوبة اى على قوله { اذكرنى عند ربك } . وبلاء يحيى حيث ذبح من قبيل الكرامة اذ لم يهم بخطيئة قط.

٨٥

{ واسماعيل } بمعنى مطيع اللّه

{ وادريس } هو اخنوخ بن برد بن مهلاييل

قال بعضهم سمى به لكثرة دراسته وقد سبق تحقيقه

{ وذا الكفل } بمعنى الكفالة والضمان لان نبيا من انبياء بنى اسرائيل اوحى اللّه اليه انى اريد قبضروحك فاعرض ملكك على بنى اسرائيل فمن تكفل لك انه يصلى بالليل لا يفتر ويصوم بالنهار لا يفطر ويقضى بين الناس ولا يغضب فسلم ملكك اليه ففعل ذلك فقال شاب انا اتكفل لك بهذا فتكفل ووفى به فكشره اللّه ونبأه فسمى ذا الكفل والمعنى واذكرهم

{ كل } اى كل بهذا فتكفل ووفى به فشكره اللّه ونبأة فسمى ذا الكفل والمعنى واذكرهم { كل } اى كل واحد من هؤلاء

{ من الصابرين } اى الكاملين فى الصبر على مشاق الطاعات واحتمال البليات فان اسماعيل قد صبر عند ذبحه وقال يا ابت افعل ما تؤمر الآية وصبر على المقام ببلد لا زرع فيه ولا ضرع ولا بناء فلا جرم اكرمه اللّه واخرج من صلبه خاتم النبيين عليه وعليهم السلام وادريس قد صبر على دراسته وذو الكفل قد صبر على صيام النهار وقيام الليل واذى الناس فى الحكومة بينهم ولا يغضب.

وفيه اشارة الى ان كل من صبر على طاعة اللّه وعن معصيته او على ما اصابه من مصيبة فى المال والاهل والنفس فانه بقدر صبره يستوجب نعمة رتبة نعم العبدية ويصلح لادخاله فى رحمته المخصوصة به كما قال

٨٦

{ وادخلناهم فى رحمتنا } الخاصة من النبوة وغيرها

{ انهم من الصالحين } اى الكاملين فى الصلاح وهم الانبياء فان صلاحهم معصوم من الفساد [ وبعض كبار ميفر ما يدركه مؤمنا كناه كنند وباز توبه كنند وجون توبه بشرط باشد خداوند قبول كند واولياء كناه نكنند اما امكان داردكه بكنند ازجهت آنكه جائز الخطاند ].

قيل لابى بيزيد قدس سره أيعصى العارف فقال وكان امرا لله قدرا مقدورا ثم يرد الى مقامه بعد ذلك ان كان من اهل العناية والوصول فتكون توبته من ذلك على قدر مقامه فيرجى ان يكون فى قوة تلك التوبة وعلو منصبها ان يجير وقت الغفلة حتى يكون كائنه ما خسر شيأ وما انتقل كتوبة ما عز الذين قال فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( لو قسمت على اهل السموات والارض لوسعتهم ) [ وانبيا كناه نكردند وامكان نداشت كه بكنندازجهت آنكه معصوم بودند ].

واعلم ان للصلاح بداية وهى الاخذ بالشرائع والاحكام ورفض المنهى والحراء ونهاية وهى التوجه الى رب العباد وعدم الالتفات الى عالم الكون والفساد وهى فى الحقيقة مقام الصديقية واصلاح اللّه تعالى الانسان يكون تارة بخلقه اياه صالحا وتارة بازالة ما فيه من فساد بعد وجوده فان من العباد من اختار اللّه له فى الازل البلوغ بلا كسب ولا تعمل فوقع مفطورا على النظر اليه بلا اجتهاد بدفع غيره عن مقتضى قصده ومنهم من شغلته الاغيار عن اللّه زمانا فلم يزل فى علاج وجودها بتوفيق اللّه حتى افناها ولم يبق له سواه سبحانه.

ثم الصبر من مراتب الصلاح . وعن يزيد الرقاشى رحمه اللّه قال اذا دخل الرجل القبر قامت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبر يظله والصبر يحاجه يقول دونكم صاحبكم فان حججتم والا فانا من ورائه يعنى ان استطعتم ان تدفعوا عن العذاب والا فانا اكفيكم ذلك وادفع عنه العذاب فهذا الخبر دليل على الصبر افضل الاعمال والرضى اجل الصفات ولا يكون الصبر الاعلى بلاء ومشقة فالترقى انما هو بالصبر لا بنفس البلاء ولو كان البلاء بما هو بلاء يرفع درجات من قام به عند اللّه وينال به السعادة الابدية لنالها اهل البلاء من المشركين والكفار بل هو فى حقهم تعجيل لعذابهم وفى حق المؤمنين الصابرين تكميل لدرجاتهم وحط من خطيآتهم واكسير لنحاس وجودهم : وفى المثنوى

صد خزاران كيميا حق آفريد ... كيميايى همجو صبر آدم نديد

جون بمانى بسته دربند حرج ... صبر كن الصبر مفتاح الفرج

شكر كويم دوست را درخير وشر ... زانكه هست اندر قضا ازبدبتر

جونكه قسام اوست كفر آمد كله ... صبر بايد صبر مفتاح الصله

تادهد دوغم نخواهم انكبين ... زانكه هرنعمت غمى دارد قرين

٨٧

{ وذا النون } اى واذكر صاحب النون اى الحوت والمراد يونس ابن متى بفتح الميم وتشديد التاء المثناة فوق مفتوحة.

قيل هو اسم ام يونس كذا فى جامع الاصول.

قال عطاء سألت كعبا عن متى أهو اسم ابيه ام امه فقال اسم ابيه وامه بدورة وهى من ولد هارون وسمى يونس بذى النون لانه ابتلعه الحوت.

قال الامام السهيلى اضافه هنا الى النون وقد قال فى سورة القلم

{ ولا تكن كصحاب الحوت } وذلك انه حين ذكره فى موضع الثناء عليه قال ذو النون فان الاضافة بذو اشرف من الاضافة بصاحب لان قولك ذو يضاف الى التابع وصاحب الى المتبوع تقول ابو هريرة رضى اللّه عنه صاحب النبى عليه السلام ولا تقول النبى صاحب ابى هريرة الاعلى جهة

واما ذو فانك تقول ذو المال وذو العرش فتجد الاسم للاسم متبوعا غير تابع ولفظ النون اشرف من الحوت لوجوده فى حروف التهجى وفى اوائل بعض السور نحو

{ ن والقلم } { اذ ذهب } اى اذكر خبره وقت ذهابه حال كونه

{ مغضبا } مراغما لقومه اهل نينوى وهى قرية بالموصل لما مر من طول دعوته اياهم وشدة شكيمتهم وتمادى اصرارهم مهاجرا عنهم قبل ان يؤمر وبناء المفاعلة للدلالة على كمال غضبه والمبالغة فيه

وقيل وعدهم بنزول العذاب لاجل معلوم وفارقهم ثم بلغه بعد مضى الاجل انه تعالى لم يعذبهم ولم يعلم سببه وهوانهم حين رأوا امارات العذاب تابوا واخلصوا فى الدعاء فظن انه كذبهم وغضب من اندفاع العذاب عنهم وذهب غضبان وهذا القول انسب بتقرير الشيخ نجم الدين فى تأويلاته وهو من كبار المحققين فكلامه راجح عند اهل اليقين

{ فظن ان لن ينقدر عليه } اى لن نضيق عليه الامر يقال قدر على عياله قدرا ضيق وقدرت عليه الشئ ضيقته كأنما جعلته بقدر خلاف ما وصف بغير حساب نزل حاله منزلة من يظن ذلك.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الانسان اذا استولى عليه الغضب يلتبس عليه عقله ويحتجب عنه نور ايمانه حتى يظن باللّه ما لا يطيق بجلاله وعظمته ولو كان نبيا وان من كمال قوة نبينا عليه السلام انه كان يغضب ولا يقول فى الرضى والغضب الا الحق.

وفيه اشارة اخرى وهى ان اللّه تعالى من كمال فضله وكرمه على عباده وان كانوا عصاة مستوجبين للعذاب ان يعاتب انبياءه لهم ولا يضرى عنهم اشتهاء نزلو عذاب اللّه بقومهم وكراهية دفع العذاب عنهم بل يرضى لهم ان يستغفروا لهم ويستعفوه لدفع العذاب عنهم كما قال لنبينا عليه السلام ( فاعف عنهم واستغفر لهم ) وقال فى حق الكفار وكان النبى عليه السلام يلعن بعضهم

( ليس لك من الامر شئ او يتوب عليهم او يعذبهم فانهم ظالمون ) انتهى - روى - انه حين خرج مغاضبا اتى بحر الروم فوجد قوما هيأوا السفينة فركب معهم فلما توسط السفينة البحر وقفت ولم تجر بحال فقال الملاحون هنا رجل عاص او عبد آبق لان السفينة لا تفعل هذا الا وفيها عاص او آبق ومن عادتنا اذا ابتلينا بهذا البلاء ان نقترع فمن وقعت عليه القرعة القيناه فى البحر فاقترعوا ثلاث مرات فوقعت القرعة فيها كلها على يونس فقال انا الرجل العاصى والعبد الآبق فالقى نفسه فى البحر فجاء حوت فابتلعه فاوحى اللّه تعالى الى الحوت ان لا تؤذى منه شعرة فانى جعلت بطنك سجنا له ولم اجعله طعاما

{ فنادى } الفاء فصيحة اى فكان ما كان من القرعة والتقام الحوت فنادى

{ فى الظلمات } اى فى الظلمة الشديدة المتكائفة او فى ظلمات بطن الحوت والبحر والليل.

وقال الشيخ السمرقندى فى تفسيره وعندى واللّه اعلم ان تلك الظلمات كانت من الجهات الست كما قال عليه السلام ( ورأيت رجلا من امتى من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته يديه ظلمة فهو متحير فى الظلمات )

{ ان } اى بانه { لا اله الا انت }.

قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان الروح الشريف اذا القى فى بحر الدنيا والتقمه حوت النفس الامارة بالسوء وابتلع حوت النفس حوت القالب يكون من النوادر سلامة الروح من آفات النفس بحيث لا تتصرف فيه ولا تغيره عن صفاته بوحى الحق اليها بان لا تؤذيه فانى لم اجعله طعمه لك وانما جعلتك حرزا وسجنا له كما كان حال يونس وسلامته فى بطن الحوت من النوادر ومن سلامة الروح ان يناديه فى ظلمة النفس وظلمة القالب وظلمة الدنيا ان لا اله الا انت اى لا اله يحفظنى من هذه الظلمات ويسلمنى من آفاتها وفتنتها ويلهمنى ان اذكره فى هذا الموطن على هذه الحالة الا انت

{ سبحانك } انزهك تنزيها لائقا بك من ان يعجزك شئ وان يكون ابتلائى هذا بغير سبب من جهتى كما قال فى المثنوى

هرجه برتوآيد از ظلمات غم ... آن زبى باكى وكستاخيست هم

وفى التأويلات النجمية نزهه عن الظالم عليه وان كان فعله بخلق فيه كما قال تعالى

{ واللّه خلقكم وما تعملون } ونسب الظلم الى نفسه اعترافها واستحقاقا ورعاية للادب فقال

{ انى كنت من الظالمين } لانفسهم بتعريضها للهلاك حيث بادرت الى المهاجرة : وفى المثنوى

جون بكويى جاهلم تعليم ده ... اينجينين انصاف ان ناموس به

از بدر آموز اى روشن جبين ... ربنا كف وظلمنا ييش ازين

نى بهانه كردونى تزوير ساخت ... نى لواى مكروحيلت رفراخت

وفى عرائس البقلى قدس سره ان اللّه اراد ليونس معراجا ومشاهدة فى بطن الحوت فتعلل بالامر والنهى والمقصود منه القرابة والمشاهدة فاراه الحق فى طباق الترى فى ظلمات بطن الحوت ما رأى محمد عليه السلام فوق العرش فلما رأى الحق تحير فى حاله فقال

{ لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } نزهتك عما ظنننت فيك فانت بخلاف الظنون واوهام الحدثان

{ انى كنت من الظالمين } فى وصف جلالك اذ وصفى لا يليق بعزة وحدانيتك فوقع هذا القول منه موقع قول سيد المرسلين حيث قال ( لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك ) ولذلك قال عليه السلام ( لا تفضلونى على اخى يونس ) فلما رأى ما رأى استطاب الموضع فظن ان لا يدرك ما ادرك فى الدنيا بعد فغاب الحق عنه فاهتم ودعا بالنجاة فنجاه اللّه من وحشة بطن الحوت بقوله

٨٨

{ فاستجبنا له } اى دعاءه الذى فى ضمن الاعتراف بالذنب على الطف وجه وآكده.

وفيه اشارة الى انه تعالى كما اجاب يونس ونجاه من ظلمات عالم الاجسام كذلك ينجى روح المؤمن المؤيد منه من حجب ظلمات النفس والقالب والدنيا ليذكره بالوحدانية فى ظلمات عالم الاجساد كما كان يذكره فى انوار عالم الارواح ويكون متصرفا فى عالم الغيب والشهادة باذنه خلافة عنه كما فى التأويلات النجمية وفى الحديث ( ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء الا استجيب له )

وعن الحسن ما نجاه واللّه الا اقراره على نفسه بالظلم.

وفى صحيح المستدرك قال عليه السلام ( اسم اللّه الاعظم الذى اذا دعى به اجاب واذا سئل به اعطى لا اله الا انت ) الخ

{ ونجيناه من الغم } من غم الالتقام والبحر بان قذفه الحوت الى الساحل بعد اربع ساعات او ثلاثة ايام او سبعة او اربعين والذهاب به الى البحار القاصية وتخوم الارض السابعة.

وقال بعضهم كان رأس الحوت فوق الماء وفمه مفتوحات.

وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه يرفعه اوحى اللّه الى ا لحوت ان خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فاخذه ثم هوى به الى مسكنه فى البحر فلما انتهى به الى اسفل البحر سمع يونس حسا فقال فى نفسه ما هذا فاوحى اللّه اليه ان هذا تسبيح دواب البحر فسبح هو فى بطنه فسمع الملائكة تسبيحه وقالوا يا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بارض غريبة . وفى رواية صوتا معروفا من مكان مجهول فقال ذاك عبدى يونس عصانى فحبسته فى بطن الحوت فقالوا العبد الصالح الذى كان يصعد اليك منه فى كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا عند ذلك فامر الحوت فقذفه فى الساحل

{ وكذلك } اى مثل ذلك الانجاء لا انجاء ادنى منه

{ ننجى المؤمنين } من غموم دعوا اللّه فيها بالاخلاص.

وعن جعفر بن محمد قال عجبت ممن يبتلى باربع كيف يغفل عن اربع عجبت لمن يبتلى بالهم كيف لا يقول

{ لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } لان اللّه تعالى يقول

{ فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين } وعجبت لمن يخاف شيأ من السوء كيف لا يقول

{ حسبى اللّه ونعم الوكيل } لان اللّه تعالى يقول

{ فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسهم سوء } وعجبت لمن يخاف مكر الناس كيف لا يقول

{ وافوض امرى الى اللّه ان اللّه بصير بالعباد } لان اللّه تعالى يقول

{ فوقاه اللّه سيآت ما مكروا } وعجبت لمن يرغب فى الجنة كيف لا يقول

{ ما شاء اللّه لا قوة الا باللّه } لان اللّه تعالى يقول

{ فعسى ربى ان يؤتين خيرا من جنتك } قال قتادة ذكر لنا رجل على عهد رسول اللّه عليه السلام قال اللهم ما كنت تاقبنى به فى الآخرة فعجله لى فى الدنيا فمرض الرجل مرضا شديدا فأضنى حتى صار كأنه هامة فاخبر به رسول اللّه فاتاه فرفع رأسه وليس به حراك فقيل يا رسول اللّه انه كان يدعو بكذا وكذا فقال عليه السلام ( يا ابن آدم ان لن تستطيع ان تقوم بعقوبة اللّه تعالى ولكن قل اللهم ربنا آتنا من الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقتنا عذاب النار ) فدعا بها فبرئ.

وعن خالد بن الوليد رضى اللّه عنه انه قال يا رسول اللّه اروّع فى منامى قال قل

{ اعوذ بكلمات اللّه التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين ان يحضرونى } : وفى المثنوى

تا فرود آيد بلا بى دافعى ... جون نباشد ازتضرع شافعى

جز خضوع وبندكى واضطرار ... اندرين حضرت ندارد اعتبار

رور را بكذار وزارى را بكير ... رحم سوى زارى آيد اى فقير

زارئ مضطركه تشنه معنويست ... زارئ سردى دروغ آن غويس

كريه اخوان يوسف جيلتست ... كه درونشان برزرشك وعلتست

٨٩

{ وزكريا } واذكر خبر زكريا بن اذن بن مانان من انبياء بنى اسرائيل

{ اذ نادى ربه } وقال

{ رب } [ اى برورد كار من ]

{ لا تذرنى فردا } مثل هذه العبارة من العبد للسيد تضعر ودعاء لا نهى اى هب لى ولدا ولا تدعنى وحيدا بلا ولد يرثنى لما بلغ عمر زكريا عليه السلام مائة سنة وبلغ عمر زوجته تسعا وتسعين ولم يرزق لهما ولد احب ان يرزقه اللّه من يؤنسه ويقويه على امر دينه ودنياه ويكون قائما مقامه بعد موته فدعا ثم رد الامر الى مولاه مستسلما ومنقادا لمشيته فقال

{ وانت خير الوارثين } خير من يبقى بعد من يموت فحسبى انت ان لم ترزقنى وارثا فهو ثناء على اللّه تعالى بانه الباقى بعد فناء الخلق وله ميراث السموات والارض.

٩٠

{ فاستجبنا له } اى دعهاءه فى حق الولد كما قال

{ ووهبنا له يحيى } فا فى حق الوارثة اذ المشهور ان يحيى قتل قبل موت ابيه وهذا لا يقدح فى شأن زكريا كما لا يقدح عدم استجابة دعاء ابراهيم فى حق ابيه فى شأنه فان الانبياء عليهم السلام وان كانوا مستجابى الدعوة لكن اثر بعض الدعوات لا يظهر فى هذا الموطن للحكمة الالهية

{ واصلحنا له زوجه } ايشاع بنت عمران او بنت فاقود اى جعلناها ولدا بعد ان كانت عقيما فانها فم تلد قط بعد ان بلغت تسعا وسعين سنة

{ انهم كانوا يسارعون فى الخيرات } الضمير عائد الى زكريا وزوجه ويحيى او الانبياء المذكورين فيكون تعليلا لام فصل من فنون احسانه تعالى المتعلقة بهم مثل ايتاء موسى وهارون الفرقان وتبريد النار واطفائها لابراهيم وانجاء لوط مما نزل بقومه وانجاء نوح ومن كان معه فى السفينة من اذى القوم وكرب الطوفان وغير ذلك مما تفضل به على الانبياء السابقين اى انهم كانوا يبادرون فى وجوه الشعرة بخلاف المقصود من كونهم خارجين عن اصل الخيرات متوجهين اليها كام فى قوله تعالى

{ وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة } الآية.

قال الراعب الخير ما يرغب فيه الكل بكل حال وهو الخير المطلق والشر ضده

{ ويدعوننا } حال كونهم

{ رغبا } راغبين فى اللطف والجمال

{ ورهبا } خائفين من القهر والجلال او راغبين فينا وراهبين مما سوانا والرغبة السمعة فى الارادة يقال رغب الشئ اتسع فاذا قيل رغب فيه واليه يقتضى الحرص عليه فاذا قبل رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه والرغبة العطاء الكثير لكونه مرغوبا فيه فيكون مشتقا من الاصل فان اصل الرغبة السعة فى الشئ ومنه ليلة الرغائب اى العطايا الجزيلة قال يعطى الرغائب من يشاء ويمنع والرهبة مخافة مع تحرك واضطراب

{ وكانوا لنا خاشعين } عابدين فى تواضع وضراعة واكثر ما يستعمل الخشوع فميا يوجد على الجوارح ولكن شأن الانبياء اعلى من يكون حالهم منحصرا فى الظاهر فلهم خشوع كامل فى القلب والقالب جميعا واكل العبد خشنا واللبس خشنا وطأطأة الرأس ونحوها من غير ان يكون فى قلبه الاخلاص والخوف من اللّه تعالى صفة المرائى والمتصنع

ورآوازه خواهى در اقليم فاش ... برون حله كن كردرون حشو باش

بنزديك من شب روراه زن ... به ازفاسق بارسا ببرهن

جه قدر آورد بندئه خورديش ... كه زير قبا دارد اندام بيش

والمعنى انهم نالوا من اللّه ما نالوا بسبب اتصافهم بهذه الخصال الحميدة فليفعل من اراد الاجابة الى مطلوبه مثل ما فعلوا ولتخلق بتلك الاخلاق.

٩١

{ والتى احصنت فرجها } المراد بها مريم بنت عمران . والحصن فى الاصل كل موضع حصين اى محكم لا يوصل الى جوفه واحصنه جعله فى حصن وحرز ثم تجوز فى كل تحرز وامرأة حصان كسحاب عفيفة او متزوجة والفرج والفرجة الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه والفرج انكشاف الغم وفراريج الدجاج لانفراج البيض عنها اى اذكر خبر مريم التى حفظت سوأتها حفظا كليا من الحلال والحرام [ يعنى خودرا يا كيره داشت ودست هيجكس بدامن عقت او نرسيد ].

وقال الامام السهيلى رحمه اللّه يريد فرج القميص اى لم يعلق بثوبها ريبة اى انها طاهرة الاثواب وفروج القميص اربعة الكمان والاعلى والاسفل فلا يذهب وهمك الى غير هذا فانه من لطيف الكناية انتهى

{ فنفخنا فيه } اى احيينا عيسى كائنا فى جوفها فقوله فيها حال من المفعول المحذوف

{ من روحنا } من الروح الذى هو من امرنا ففيه تشبيه لا يراد الروح فى البدن بنفخة النفافخ فى الشئ فيكون نفخنا استعارة تبعية.

وقال السهيلى النفخ من روح القدس بامر القدوس فاضف القدس الى القدوس ونزه المقدسة عن الظن الكاذب والحدس انتهى وقد سبقت قصة النفخ فى سورة مريم

{ وجعلناها وابنها } اى حالهما

{ آية } عظيمة

{ للعالمين } وعلامة دالة على القدرة الكاملة لاهل زمانهما ولمن بعدهما فان من تأمل فى ظهور ولد من بتول عذراء من غير فحل تحقق كمال قدرته تعالى ولم يقل آيتين لانها قصة واحدة وهى ولادتها له من غير ذكر ولكل واحد منهما آيات مستقلة متكاثرة كما اشير الى بعض منها فى القرآن والى بعض آخر فى التفاسير وكتب القصص : وفى المثنوى

صومعه عيسيست خوان اهل دل ... هان هان اى مبتلا اين درمهل

جمع كشتندى زهر اطراف خلق ... ازضرير وشل ولنك واهل دلق

بر درآن سومعه عيسى صباح ... تابدم اوشان رهاند ازجناح

اوجوكشتى فارغ از اوراد خويش ... جاشتكه بيرون شدى آن خوب كيش

جوق جوقى مبتلا ديدى نزار ... شسته بردر براميد وانتظار

كفتنى اى اصحاب آفت ازخدا ... حاجت ومقصود جمله شد روا

بى توقف جمله شادان درامان ... ازدعاى اوشدندى بادوان

ازدر دل واهل دل آب حيات ... جند نوشيدى وواشد جشمهات

آزمودى توبسى آفات خويش ... يا فتى صحت ازين شاهان كيش

بازاين دررا رها كردى زحرص ... كرد هردكان همى كردى زحرص

بردر آن منعمان جرب ديك ... ميدوى بهر ثريد مرده ريك

جربش اينجا دانكه جان فربه شود ... كار ن اميد اينجا به شود

ومن عجائب عيسى عليه السلام ان امه ذهبت به الى صباغ وقالت له خذ هذا الغلام وعلمه شيأ من صنعتك فاخذه منها وقال ما اسمك يا غلام فقال عيسى بن مرين فقال له يا عيسى خذ هذه الجرة واملأ هذه القنائر من هذا النهر ففعل فاعطاه الصباغ الثياب وقال له ضع كل لون مع ثيابه فى نقير ثم تركه وانصرف الى منزله فاخذ عيسى الثياب جميعا ووضعها فى نقير فرأى الثياب والاصباغ كلها فى نقير واحج فغضب وقال اتلفتنى واتلفت ثياب الناس فقال له عيسى ما دينك قال يهودى فقال له قل لا اله الا اللّه وانى عيسى روح اللّه ثم ادخل يدك فى هذا النقير واخرج كل ثوب على اللون الذى يريده صاحبه فهداه اللّه تعالى ففعل فكان الامر كما قال عيسى.

٩٢

{ ان هذه } اى ملة التوحيد والاسلام اشير اليها بهذه تنبيها على كمال ظهور امرها فى لاصحة والسداد

{ امتكم } ايها الناس اى ملتكم التى يجب ان تحافظوا على حدوداه وتراعوا حقوقها ولا تخلوا بشئ منها

{ امة واحدة } نصب على الحالية من امتكم اى غير مختلفة فيما بين الانبياء فانهم متفقون فى الاصول وان كانوا مختلفين فى الفروغ بحسب الامم والاعصار.

قال فى القاموس الامة جماعة ارسل اليهم رسول انتهى فاصلها القوم الذى يجتمعون على دين واحد ثم اتسع فيها فاطلقت على ما اجتمعوا عليه من الدين والملة واشتقاقها من ام بمعنى قصد فالقوم هم الجماعة القاصدة وما اجتمعوا عليه هو الملة المقصود

{ وانا ربكم } لا اله لكم غيرى

{ فاعبدون } خاصة لا غير.

٩٣

{ وتقطعوا امرهم بينهم } التفات من الخطاب الى الغيبة . القطع فصل الشئ مدركا بالبصر كالاجسام او بالبصيرة كالاشياء المعقولة والتفعل هنا للتعدية نحو علمته الفقه فتعلم الفقه والمعنى جعل الناس امر الدين قطعا واختلفوا فيه فصاروا فرقا كأنه قيل ألا ترون الى عظيم ما ارتكب هؤلاء فى دين اللّه الذى اجمعت عليه كافة الانبياء حيث جعلوا امر دينهم فيما بينهم قطعا فاصاب كل جماعة قطعة من الدين فصاروا بتقطيع دينهم كأنهم قطع شتى يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض كما قال الكاشفى [ وببريدند امم ماضيه كاردين خودرا درميان خود يعنى فرقه فرقه شدند جون يهود ونصارى وهريك تكفير ديكرى كرند ] وقد ثبت ان امة ابراهيم عليه السلام صاروا بعده سبعين فرفة وامة موسى عليه السلم احدى وسبعين وامة عيسى عليه السلام ثنتين وسبين وامة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثا وسبعين كلهم فى النار الا واحدة وهى التى لا يشوبون ما عين اللّه ورسوله بشئ من الهوى

{ كل } اى كل واحدة من الفرق المتقطعة

{ الينا } لا الى غيرنا

{ راجعون } بالبعث فنجازيهم حينئذ بحسب اعمالهم.

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الخلق تفرقوا فى امرهم فمنهم من طلب الدنيا ومنهم من طلب الآخر ومنهم من طلب اللّه تعالى ثم قال

{ كل الينا راجعون } فاما طالب الدنيا فراجع الى صورة قهرنا وهى جهنم

واما طالب الآخر فراجع الى سورة لطفنا وهى الجنة

واما طالبنا فراجع الى وحدانيتنا ثم فصل الجزاء بقوله

٩٤

{ فمن } [ بس هركه ]

{ يعمل من الصالحات } اى بعض الصالحات

{ وهو } اى والحال انه

{ مؤمن } اللّه ورسله

{ فلا كفران لسعيه } اى لا حرمان لثواب عمله استعير لمنع الثواب كما استيعر الشكر لاعطائه يعنى شبه رد العمل ومنع الثواب بالكفران الذى هو ستر النعمة وانكارها وشبه قبول العمل واعطاء الثواب بمقابلته بالكفران الذى هو ستر النعمة وانكارها وشبه قبول العمل واعطاء الثواب بمقابلته بشكر المنعم عليه للنعم فاطلق عليه الشكر كا قال ان

{ ربنا لغفور شكور } والسعى فى الاصل المشى السريع وهو دون العدو ويستعمل للجد فى الامر خيرا كان او شرا واكثر ما يستعمل فى الافعال المحمودة

{ وانا له } اى لسعيه

{ كاتبون } اى مثبتون فى صحائف اعمالهم لا نغادر من ذلك شيأ [ مزدكار نيكوان ضائع نباشد نزد حق] لا يضيع اللّه فى الدارين اجر المحسنين.

٩٥

{ وحرام على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون } حرام خبر لقوله انهم لا يرجعون والجملة لتقرير مضمون ما قبلها من قوله كل الينا راجعون والحرمان مستعار لممتنع الوجود بجامع ان كل واحد منهما غير مرجو الحصول . والقرية اسم للمصر الجامع كما فى القاموس واسم للموضع الذى يجتمع فيه الناس كما فى المفردات فعلى هذا تطلق على ما يعبر عنه بالفارسية [ سبهر وكى ] ومعنى التحقيق فى انّ معتبر فى النفى المستفاد من حرام على ان المعنى وممتنع البتة على اهل القرية المهلكة عدم رجوعهم الينا للجزاء لا فى المنفى على معنى ان عدم رجوعهم المحقق ممتنع وتخصيص امتناع عدم رجوعهم بالذكر مع شمول الامتناع لعدم رجوع الكل حسبما نطق به قوله كل الينا راجعون لانهم المنكرون للبعث والرجوع دون غيرهم.

وفى التأويلات النجمية يشير الى قلوب اهل الاهواء والبدع المهلكة باعتقاد السوء ومخافات الشرع انهم لا يتوبون الى اللّه ولا يرجعون الى الحق يدل على هذا التأويل قوله تعالى { أفرأيت من اتخذ الهه هواه واضله اللّه على علم }

٩٦

{ حتى اذا فتحت يأجوج ومأجوج } حتى هنا ليس بحرف جز وا حرف عطف بل حرف يبتدأ بعدها الكلام غاية لما يدل عليه ما قبلها كأنه قيل يستمرون على ما هم عليه من الهلاك حتى اذا قامت القيامة يرجعون الينا ويقولون

{ يا ويلنا } الخ واذا شرطية ويأجوج ومأجوج قبيلتان من الانس يقال الناس عشرة اجزاء تسعة منها يأجوج ومأجوج والمراد بفتحها فتح سدها على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه وقد سبق قصة يأجوج ومأجوج وبناء السد عليهم وفتحه فى آخر الزمان فى سورة الكهف

{ وهم } اى والحال ان يأجوج ومأجوج

{ من كل حدب } مرتفع من الارض وتل.

قال الراغب يجوز ان يكون الاصل فى الحدب حدب الظهر وهو خروجه ودخول الصدر والبطن ثم شبه به ما ارتفع من الارض فسمى حدبا ومنه محدب الفلك

{ ينسلون } ينزلون مسرعين واصله مقاربة الخطو معا الاسراع.

وفى بحر العلوم من نسل الذئب اذا اسرع فى مشيه - روى - انهم يسيرون فى الارض ويقبلون على الناس من كل موضع مرتفع.

قال الكاشفى [ همه عالم را فرا كيرند وآبهاى درياها تمامى بياشامند وازخشك وتر هرجه يابند بخورند ].

٩٧

{ واقترب الوعد الحق } عطف على فتحت والمراد ما بعد النفخة الثانية من البعث والحساب والجزاء

{ فاذا هى شاخصة ابصار الذين كفروا } جواب الشرط واذا للمفاجأة والضمير للقصة وشاخصة خبر مقدم لابصار والجملة خبر ضمير القصة مفسرة له يقال شخص بصره فهو صاخص اذا فتح عينيه وجعل لا يطرف وبصره رفعه وشخص شخوصا ارتفع والمعنى بالفارسية [ بس آنجا قصه آنست كه خيره وبازمانده است ازهول رستخيز ديدهاى كفار ] وفى الآية دلالة على ان قيام الساعة لا يتأخر عن خروج يأجوج ومأجوج كما روى عن حذيفة رضى اللّه عنه انه قال لو ان رجلا اقتنى فلو ابعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة والفلو المهر اى ولد الفرس.

فان قيل فتح السد واقتراب الوعد الحق يحصل فى آخر ايام الدنيا والجزاء وشخوص الابصار انما يحصل يوم القيامة والشرط والجزاء لا بد وان يكونا متقاربين . فالجواب ان التفاوت القليل يجرى مجرى العدم

{ يا ويلنا } [ واى برما ] وهو على تقدير قول وقع حالا من الموصول اى يقولون يا ويلنا تعالى فهذا او ان حضورك

{ قد كنا فى غفلة } تامة فى الدنيا والغفلة سهو يعترى من قلة التحفظ والتيفظ

{ من هذا } اى من البعث والرجوع اليه للجزاء ولم نعلم انه حق

{ بل كنا ظالمين } اضراب عما قبله من وصف انفسهم بالغفلة اى لم نكن غافلين عنه حيث نبهنا عليه بالآيات والذنر بل كنا ظالمين بتلك الآيات والنذر مكذبين بها او ظالمين لانفسها بتعريضها للعذاب الخالد بالتكذيب فليتفكر العاقل فى هذا البيان والتذكار فقد نبه اللّه وقطع الاعذار وفى الحديث ( يقول اللّه يا معشر الجن والانس انى قد نصحت لكم فانما هى اعمالكم فى صحفكم فمن وجد خيرا فليحمد اللّه ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه )

وعن بعض الحكماء انه نظر الى اناس يترحمون على ميت خلف جنازته فقال لو تترحمون على انفسكم لكان خيرا لكم اما انه قد مات ونجا من ثلاثة اهوال اولها رؤية ملك الموت . والثانى مرارة الموت . والثالث خوف الخاتمة : قال الشيخ سعدى

خبردارى اى استخوانى قفس ... كه جان تو مرغيست نامش نفس جومرغ ازقفس رفت بكسست قيد

دكرره نكردد بسعى توصيد ... سر ازجيب غفلت بر آور كنون

كه فردا نماند بخجلت نكون ... اكر مرد مسكين زنان داشتى

بفرياد وزارى فغان داشتى ... كه اى زنده جون هست امكان كفت

لب ازذكر جون مرده برهم مخفت ... جو مارا بغفلت بشد روزكار

توبارى دمى جند فرصت شمار ...

٩٨

{ انكم } يا اهل مكة

{ وما تعبدون من دون اللّه } اى والاصنام التى تعبدونها متجاوزين عبادة اللّه تعالى وذلك بشهادة ما فانها لما لا يعقل فخرج عزير وعيسى والملائكة

{ حصب جهنم } بفتح المهملتين اسم لما يحصب اى يرمى فى النار فتهيج به من حصبه اذا رماه بالحصباء ولا يقال له حصب الا وهو فى النار

واما قبل ذلك فيقال له حطب وشجر وخشب ونحو ذلك والمعنى تحصبون فى جهنم وترمون فتكونون وقودها . وهو بالفارسية [ آتش انكيز ]

{ انتم لها واردون } داخلون على طريق الخلود والخطاب لهم ولما يعبدون تلغيبا [ درتبيان كفته كه حكمت ايراد بتان بدوزخ زيادت تعذيب بت برستانت جه بداناه آتش افروخته كردد واحتراق ايشان ببفزايد ].

٩٩

{ لو كان هؤلاء } الاصنام

{ آلهة } على الحقيقة كما يزعمون

{ ما وردوها } ما دخلوها وحيث تبين ورودهم اياها تعين امتناع كونهم آلهة بالضرورة

{ وكل } من الابدين والمعبودين

{ فيها خالدون } لاخلاص لهم منا.

١٠٠

{ لهم فيها زفير } الزفير ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه اى انين وتنفس شديد وهو مع كونه من افعال العبدة اضيف الى الكل للتغليب

{ وهم فيها لا يسمعون } الى لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدة الهول وفظاعة لاعذاب.

وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه يجعلون فى توابيت من نار ثم تجعل تلك التوابيت فى توابيت اخرى ثم تلك فى اخرى عليها مسامير من نار فلا يسمعون شيأ ولا يرى احد منهم ان فى النار احدا يعذب غيره ثم بين احوال اضداد هؤلاء فقال

١٠١

{ ان الذين سبقت لهم منا الحسنى } الخصلة الحسنى التى هى احسن الخصال وهى العسادة وهم كافة المؤمنين الموصوفين بالايمان والاعمال الصالحة او سبقت لهم كلمتنا بالبشرى بالثواب على الطاعة

{ اولئك } المنعوتون بما ذكر من النعت الجميل

{ عنها } اى عن جهنم

{ مبعدون } [ دور كرده شد كانند ] لانهم فى الجنة وشتان بينها وبين النار لان الجنة فى اعلى عليين والنار فى اسفل السافلين [ صاحب بحر فرموده كه سبق عنايت ازليه دربدايت موجب ظهور ولايت است درنهايت هرتخم كه درازل بكشتند نهان در مزرعه ابد برويد بعيان ].

قال بعض الكبال ظاهر حسن العناية السابقة لاهل الاصفطاء اربعة اشياء.

الانفراد من الكونين . والضرى بلقاء اللّه عن الدارين . وامضاء العيش مع اللّه بالحرمة والادب . وظهور انوار قدرة اللّه منهم بالفراسات الصادقة والكرامات الظاهرة.

وباطن حسن الناية السابقة من اللّه فى الازل لهم اربعة ايضا . المواجيد الساطعة . وانفتاح العلوم الغيبية . والمكاشفات القائمة والمعارف الكاملة وفى كل موضع ظهرت هذه الاشايء بالظاهر والباطن صار صاحبها مشهور فى الآفاق بسمات الصديقين وعلامات المقربين وخلافة سيد المرسلين.

وقال بعضهم الحسنى العناية والاختيار والهداية والعطاء والتوفيق فبالعناية وقعت الكفاية وبالاتيار وقعت الرعاية وبالهداية وقعت الولاية وبالعطاء وقعت الحكمة وبالتوفيق وقعت الاستقامة : قال الشيخ سعدى قدس سره

نحست او ارادت بدل بر نهاد ... بسين بنده بر آستان سر نهاد

جه انديشى ازخودكه فعلم نكوست ... ازان درنكه كن كه توفيق اوست

برد بوستان بان بايوان شاه ... بتحفه ثمر هم زبستان شاه

١٠٢

{ لا يسمعون حسيسها } الحسيس صوت يحس به اى لا يسمعون صوتها سمعا ضعيفا كما هو المعهود عند كون المصوت بعيدا وان كان صوته فى غاية الشدة لا انهم لا يسمعون صوتها الخفى فى نفسه فقط.

قال الصادق كيف يسمعون حسيسها والنار تخمد لمطالعتهم وتتلاشى برؤيتهم وفى الحديث ( تقول النار للمؤمن يوم القيامة جزيا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى ) وفى المثنوى

زآتش مؤمن ازين رواى صفى ... ميشود دوزخ ضعيف ومنطفى

كويدش بكذر سبك اى محتشم ... ورنه ز آتشهاى تومرد آتشم

وفى التأويلات النجمية من آثار سبق العناية الازلية ان لا يسمعون حسيس جهنم القهر وحسيسها مقالات اهل الاهواء والبدع وادلة الفلاسفة وبراهينهم بالعقول المشوبة بالوهم والخيال وظلمة الطبيعة

{ وهم فما اشتهت انفسهم خالدون } دائمون فى غاية التنعم والاشتهاء والشهوة طلب النفس اللذة وتقديم الظرف للقصر والاهتمام وهو بيان لفوزهم بالمطالب اثر بيان خلاصهم من المهالك.

قال ابن عطاء للقلوب شهوة وللارواح شهوة وللنفوس شهوة وقد يجمع اللّه لهم فى الجنة جميع ذلك فشهوة الارواح القرب وشهوة القلوب المشاهدة والرؤية وشهوة النفوس الالتذاذ بالراحة والاكل والشرب والزينة.

١٠٣

{ لا يحزنهم الفزع الاكبر } بيان لنجاتهم من الافزاع بالكية بعد بيان نجاتهم من النار لانهم اذا لم يحزنهم اكبر الافزاع لا يحزنهم ما عداه بالضرورة والفزع انقباض ونفار يعترى الانسان من الشئ المخيف وهو من جنس الجزع ولا يقال فزعت من اللّه كما يقال خفت منه.

قال الراغب الفزع الاكبر هو الفزع من دخول النار.

وقال بعضهم ذبح الموت بمرأى من الفريقين واطباق جهنم على اهلها اى وضع الطبق عليها بعدما اخرج منها من اخرج فيفزع اهلها حينئذ فزعا شديدا لم يفزعوا فزعا اشد منه.

وقال بعض ارباب الحقيقة هو قوله تعالى فى الازلل ( هؤلاء فى الجنة ولا ابالى ) وذلك لان نفوسهم المطمئنة فى الجنة المضافة الى الحضرة كما قال تعالى

{ وادخلى جنتى } فافهم جدا

{ وتتلقاهم الملائكة } اى تستقبلهم ملائكة الرحمة مهنيئن لهم

{ هذا يومك } على ارادة القول اى قائلين هذا اليوم يومكم

{ الذى كنتم توعدون } فى الدنيا وتبشرون بما فيه من فنون المثوبات على الايمان والطاعة.

قال الكاشفى [ عابدانرا كويند ابن روز جزاى شماست عارفانرا خطاب رسدكه اين روز تماشى شماست ]

نيك مردانرا نعيم اندر نعيم ... عشق بازانرا لقا اندر لقاء

حصه آنها وصال حور عين ... بهرة اينها جمال كبريا

فليجتهد العاقل فى الطاعات حتى يصل الى القربات وليبعد نفسه عن المخالفات ليأمن من العقوبات.

واعلم الدار الآخرة وثوابها انما ينال اليها بترك الدنيا وزخارفها كما ان وصلة امولى لا تحصل الا تبرك الكونين فمن يكان مشتهاه الجنة ونعيمها فليترك اللذة فى الدنيا ومن كان مشتهاه المشاهدات فليقطع نظره عن غير اللّه تعالى.

قال فى الفتوحات الملكية اجمع اهل كل ملة على ان الزهد فى الدنيا مطلوب قالوا ان الفراغ من الدنيا احب لكل عاقل خوفا على نفسه من الفتنة التى حذرنا اللّه منها بقوله

{ انما اموالكم واولادكم فتنة } انتهى كلامه.

قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوى رحمه اللّه ومن فوائد الرهبان انهم لا يدخرون قوتا لغد لا يكنزون فضة ولا ذهبا قال ورايت شخصا قال لراهب انظر لى هذا الدينار هو من ضرب أى الملوك فلم يرض وقال النظر الى الدنيا منهى عنه عندنا قال ورأيت الرهبان مرة وهم يسحبون شخصا ويخرجونه منالكنيسة ويقولون له اتلفت علينا الرهابن فسألت عن ذلك فقالوا رأوا على عمامته نصفا مربوطا فقلت لهم ربط الدرهم مذموم فقالوا نعم عندنا وعند نبيكم صلّى اللّه عليه وسلّم.

قال بعض الحكماء ان فى الجنة راحة لا يجدها الا من لم يكن له فى الدنيا راحة وفيها غنى لا يجده الا من ترك الفضول فى الدنيا واقتصر على اليسير منها وفيها امن لا يجده الا اهل الخوف والفزع فى الدنيا

لا تخافوا هست نزل خائفان ... هست درخورازبراى خائف آن

وفيها ما تشتهى الانفس لا يجده الا اهل الزهد.

وعن بعض الزهاد انه كان يأكل بقلا وملحا من غير خبز فقال له رجل اقتصرت على هذا قال نعم لانى انما جعلت الدنيا للجنة وانت جعلت الدنيا للمزبلة يعنى تأكل الطيبات فتصير الى المزبلة وانى آكل لاقامة الطاعات لعلى اصير الى الجنة نسأل اللّه الفيض والجود والتوفيق بطريق الشهود.

١٠٤

{ يوم نطوى السماء } منصوب باذكر والطى ضد النشر

{ كطى السجل } وهى لاصحيفة اى طيا كطى الطومار

{ للكتب } متعلقة بمحذوف هو حال من السجل اى كائنا للكتب عبارة عن الحائف وما كنت فيها فسجلها بعض اجزائها وبه يتعلق الطى حقيقة.

وقال الامام السهيلى ذكر محمد بن حسن المقرى عن جماعة من المفسرين ان السجل ملك فى السماء الثالثة ترفع اليه اعمال العباد ترفعها اليه الحفظة الموكلون بالخلق فى كل خميس واثنين وكان من اعوانه فيما ذكروا هاروت وماروت.

وفى السنن لابى داود السجل كاتب كان للنبى عليه السلام وهذا لا يعرف فى كتاب النبى ولا فى اصحاب من اسمه السجل ولا وجد الا فى هذا الخبر النتهى كلام السهيلى رحمه اللّه.

قال فى انسان العيون لم يذكر فى القرآن من الصحابة رضى اللّه عنهم احد باسمه الا زيد بن حارثه رضى اللّه عنه الذى تبناه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كمالم يذكر امرأة باسمها الا مريم.

قال ابن الجوزى الا ما يروى فى بعض التفاسير ان السجل الذى فى قوله تعالى

{ يوم نطوى السماء } الى آخره اسم رجل كان يكتب لرسول اللّه عليه السلام انتهى.

وفى القاموس السجل اسم كاتب للنبى عليه السلام واسم ملك

{ كما بدأنا اول خلق نعيده } ما كافة تكف الكاف عن العمل واول مفعول لبدأنا اى نعيد ما خلقناه مبتدأ اعادة مثل بدئنا اياه فى كونها ايجادا بعد العدم وهو لاينا فى الاعادة من عجذب الذنب.

قال فى البحر اى نعيد اول الخلق كما بدأناه تشبيها للاعادة بالابداء فى تناول القدرة القديمة لهما على السواء

{ وعدا } اى وعدنا الاعادة وعدا

{ علينا } اى علينا انجازه وبالفارسية [ برماست وفا كردن بدان ]

{ انا كنا فاعلين } ذلك لا محالة.

وفى التأويلات النجمية يشير الى طى سماء الوجود الانسانى بتجلى صفته الجلا فى افناء مراتب الوجود فى الانتهاء الى الابتداء كما بدأنا اول حلف من ابتداء النطفة بالتدريج من خلق النطفة علقة ومن خلق العلقة مضغة ومن خلق المضغة عظاما الى انتهاء خلق الانسانية ومن وصف النباتية الى وصف المركبية ومن وصف المركبية الى وصف مفردات العنصرية ومن وصف المفردية الى وصف الملكوتية ومن وصف الملكوتية الى وصف الروحانية ومن وصف الروحانية الى وصف الربوبية بجذوة ارجعى الى ربك وعدا علينا فى الازل انا كنا فاعلين الى البد.

١٠٥

{ ولقد كتبنا فى الزبور } وهو كتاب داود عليه السلام كما قال

{ وآتينا داود زبورا } { من بعد الذكر } اى بعدما كتبنا فى التوراة لان كل كتاب سماوى ذكر كما سبق.

قال الراغب زبرت الكتاب كتبته كتاب غليظة وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له الزبور وخص بالكتاب المنزل على داود.

قيل بل الزبور كل كتاب يصعب الوقوف عليه من الكتب الالهية.

وقال بعضهم اسم للكتاب المقصور على الحكمة العقلية دون الاحكام الشرعية والكتاب لما يتضمن الاحكام والحكم ويدل على ذلك ان زبور داود لا يتضمن شيأ من الاحكام.

قال فى القاموس الزبور الكتاب بمعنى المزبور والجمع زبر وكتاب داود عليه السلام انتهى

{ ان الارض يرثها عبادى الصالحون } بمعنى المزبور والجمع زبر وكتاب داود عليه السلام انتهى

{ ان الارض يرثها عبادى الصالحون } اى عامة المؤمنين بعد اجلاء الكفار كما قال

{ وعد اللّه الدين آمنوا منكم وعملوالصالحات ليستخلفنهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم } وهذا وعد منه باظهار الدين واعزاز اهله.

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان المراد ارض الجنة كما ينبئ عنه قوله تعالى

{ وقالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء } قال فى عرائس البقلى كان فى علم الازلية ان ارض الجنان ميراث عباده الصالحين من الزهاد والعباد والابرار والاخيار لانهم اهل الاعواض والثواب والدرجات وان مشاهدة جلال ازليته ميراث اهل معرفته ومحبته وشوقه وعشقه لانهم فى مشاهدة الربوبية واهل الجنة فى مشاهدة العبودية.

قال سهل اضافهم الى نفسه وحلاهم بحلية الصلاح معنا لا يصلح لى الا ما كان لى خالصا لا يكون لغيرى فيه اثر وهم الذين اصلحوا سريرتهم مع اللّه وانقطعوا بالكلية عن جميع ما دونه.

وقال الشيخ المغربى قدس سره

مجوى دردل ما غير دوست زآنكه نيابى ... ازانكه دردل محمود جزاياز نباشد

١٠٦

{ ان فى هذا } اى فيما ذكر فى السورة الكريمة من الاخبار والمواعظ البالغة والوعد والوعيد والبراهيم القاطعة على التوحيد وصحة النبوة

{ لبلاغا } اى كفاية

{ لقوم عابدين } اى لقوم همهم العبادة دون العادة

١٠٧

{ وما ارسلناك } يا محمد بما ذكر وامثاله من الشرائع والاحكام وغير ذلك من الامور التى هى مناط السعادة فى الدارين فى حال من الاحوال

{ الا } حال كونك

{ رحمة للعالمين } فان ما بعثت به سبب لسعادة الدارين ومنشأ لانتظام مصالحهم فى النشأتين ومن اعرض عنه واستكبر فانما وقع فى المحنة من قبل نفسه فلا يرحم وكيف كان رحمة للعالمين وقد جاء بالسيف استباحة الاموال.

قال بعضهم جاء رحمة للكفار ايضا من حيث ان عقوبتهم اخرت بسببه وامنوا به عذاب الاستئصال والخسف والمسخ ورد فى الخبر انه عليه السلام قال لجبريل ( ان اللّه يقول وما ارسلنا الى آخره فهل اصابك من هذه الرحمة ) قال نعم انى كنت اخشى عاقبة الامر فامنت به لثناء اثنى اللّه على بقوله

{ ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم امين } قال الكاشفى [ دركشف الاسرار آورده كه ازرحمت وى بودكه امت را در هيج مقام فاراموش نكرد اكر درمكه معظمة بود واكر درمدينه زاهره اكر در مسجد مكرم بود واكر در حجره طاهره همجنين در ذروه عرش اعلى ومقام قاب قوسين او ادنى ياد فرمود كه ( السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ) فردا درمقام محمود بساط شفاعت كسترده كويد امتى امتى ]

عصايان بركنه در دامن آخر زمان ... دست دردامان تودارندوجان درآستين

ن اميد از حضرت بالنصرتت نتوان شدن ... جون تويى درهر دوعالم رحمة للعالمين

قال بعض الكبار وما ارسلناك الا رحمة مطلقة تامة كاملة عامة شالمة جامعة محيطة بجميع المقيدات من الرحمة الغيبية والشهادة العلمية والعينية والوجودية والشهودية والسابقة واللاحقة وغير ذلك للعالمين جمع عوالم ذوى العقول وغيرهم من عالم الارواح والاجسام ومن كان رحمة للعالمين لزم ان يكون افضل من كل العالمين وعبارة ضمير الخطاب فى قوله

{ وما ارسلناك } خطب للنبى عليه السلام فقط واشارته خطاب لكل واحد من ورثته الذين هم على مشربه الى يوم القيامة بحسب كونه مظهرا لارثه.

وقال بعض الكبار انما كان رحمة للعالمين بسبب اتصافه بالخلق العظيم ورعايته المراتب كلها فى محالها كالملك والملكوت والطبيعة والنفس والروح والسر.

وفى التأويلات النجمية فى سورة مريم بين قوله

{ ورحمة منا } فى حق عيسى وبين قوله فى حق نبينا عليه السلام

{ وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } فرق عظيم وهوانه فى حق عيسى ذكر الرحمة مقيدة بحرف من ومن للتبعيض فهلذا كان رحمة لمن آمن به واتبع ما جاء به الى ان بعث نبينا عليه السلام ثم انقطعت الرحمة من امته بنسخ دينه وفى حق نبينا عليه السلام ذكر الرحمة للعالمين مطلقا فلهذا لا تنقطع الرحمة على العالمين ابدا اما فى الدنيا فإن لا ينسخ دينه

واما فى الآخرة فبان يكون الخلق محتاجين الى شفاعته حتى ابراهيم عليه السلام فافهم جدا.

قال فى عرائس البقلى ايها الفهيم ان اللّه اخبرنا ان نور محمد عليه السلام اول ما خلقه ثم خلق جميع الخلائق من العرش الى الثرى من بعض نوره فارساله الى الوجود والشهود رحمة لكل موجود اذا لجميع صدر منه فكونه كون الخلق وكونه سبب وجود الخلق وسبب رحمة اللّه على جميع الخلائق فهو رحمة كافية وافهم ان جميع الخلائق صورة مخلوقة مطروحة فى فضاء القدرة بلا روح حقيقة منتظرة لقدوم محمد عليه السلام فاذا قدم الى العالم صار العالم حيا بوجوده لانه روح جمع الخلاق . ويا عاقل ان من العرش الى الثرى لم يخرج من العدم الا ناقصا من حيث الوقوف على اسرار قدمه بنعت كمال المعرفة والعلم فصاروا عاجزين عن البلوغ الى شط بحار الالوهية وسوحل قاموس الكبريائية فجاء محمد عليه السلام اكسير اجساد العالم وروح اشباحه بحقائق علوم الازلية واوضع سبيل الحق للخق بحيث جعل سفل الآزال والآباد للجميع خطوة واحدة فاذا قدم من الحضرة الى سفر القربة بلغهم جميعا بخطوة من خطوات

{ سبحان الذى اسره بعبده } حتى وصل الى مقام او ادنى فغفر الحق لجميع الخلائق بمقدمه المبارك.

قال بعذ العلماء ان كل نبى كان مقدمة للعقوبة لقوله تعالى

{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وبينا عيله السلام كان مقدمه للرحمة لقوله تعالى

{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ونبينا عليه السلام كان مقدمة للرحمة لقوله

{ وما ارسلناك } الى آخره واراد اللّه تعالى ان يكون خاتمة على الرحمة لا على العقوبة لقوله تعالى ( سبقت رحمتى على غضبى ) ولذا جعلنا آخر الامم فابتداء الوجود رحمة وآخره وخاتمته رحمة.

وعلم انه لما تعلقت ارادة الحق بايجاد الخلق ابرز الحقيقة الاحمدية من كمون الحضرة الاحدية فميزه بميم الامكان وجعله رحمة للعالمين وشرف به نوع الانسان ثم انبجست منه عيون الارواح ثم بدا ما بدا فى عالم الاجساد والاشباح كما قال عليه السلام ( انا من اللّه والمؤمنون من فيض نورى ) فهو الغاية الجليلة من ترتيب مبادى الكائنات كما قال تعالى ( لولاك لما خلقت الافلاك )

علت غائيه هر عالم اوست ... سرور اولاد بنى آدم اوست

واسطه فيض وجودى همه ... رابطه بود ونبودى همه

قال العرفى الشيرازى فى قصيدته النعيتة

ازبس شرف كوهر تومنشئ تقدير ... آن روزكه بكذاشتى اقليم عدم را

تاحكم نزول تودرين دار نوشته است ... صدره بعبث باز تراشيده قلم را

المراد من العبث مقلوبه وهو البعث يعنى يكفيك شرفا وفضلا ان اللّه سبحانه انما خلق الخلق وبعث الانبياء والرسل ليكونوا مقدمة لظهورك فى عالم الملك والشهادة فاروحاهم واجسادهم تابعة لروحك الشريف وجسمك اللطيف.

ثم اعلم ان حايته عليه السلام رحمة ومماته رحمة كما قال ( حياتى خير لكم ومماتى خير لكم ) قالوا هذا خيرنا فى حياتك فما خيرنا فى مماتك فقال ( تعرض علىّ اعمالكم كل عشية الانين والخميس فما كان من خير حمدت اللّه تعالى وما كان من شر استغفر اللّه لكم ) قال المولى الجامى

زمهجورى برآمد جان عالم ... ترحم يا نبى اللّه ترحم

نه آخر رحمة للعالمنى ... زمحرومان جرا فارغ نشينى

زخاك اى لا له سيراب برخيز ... جونركس جندخواب ازخواب برخيز

اكرجه غرق درياى كناهم ... فناده خشب لب برخاك راهم

تو ابر رحمتى آن به كه كاهى ... كنى درحال لب خشكان نكاهى

١٠٨

{ قل انما يوحى الىّ انما الهكم اله واحد } اى ما يوحى الىّ الا انه لا اله لكم الا اله واحد وحاصله ما يوحى الىّ شئ غير التوحيد ومعنى القصر مع انه قد اوحى اليه التوحيد وغيره من الاحكام كون التوحيد مقصودا اصليا من البعثة فان ماعداه متفرع عليه وانما الاولى لقصر الحكم على الشئ كقولك انما يقوم زيد أى ما يقوم الا زيد والثانية لقصر الشئ على الحكم نحو انما زيد قائم اى ليس له الا صفة القيام.

قال ابن الشيخ فان قلت هذا الحصر يستلزم ان لا يكون اللّه تعالى موصفوفا بيغر الوحدانية مع ان له تعالى من صفات الجلال والجمال مالا يحصى فالجواب ان القصر ليس حقيقيا اذ المقصود نفى ما يصفه المشركون

{ فهل انتم مسلمون } اى مخلصون العبادة لله تعالى مخصصونها به سبحانه وتعالى . وبالفارسية [ بس آيا هستيد شما كردن نهاد كان مقتضاى وحى را ] والفاء للدلالة على ان ما قبلها موجب لما بعدها يعنى ان العاقل اذا خلى ونفسه بعد ما قرئ عليه ما قبله ينبغى بل يجب ان لا يتوقف فى التوحيد واذعانه وقبوله.

١٠٩

{ فان تولوا } اعرضوا عن الاسلام ولم يلتفتوا الى ما يوجبه من الوحى

{ فقل } لهم

{ آذنتكم } اعلمتكم ما امرت به من وجوب التوحيد والتنزيه وبالفارسية [ آكاه كردم شمارا

{ على سواء } كائنين على سواء فى الاعلام به لم اطوع عن احد منكم وما فرقت بينكم فى النصح وتبليغ الرسالة فهو حال من مفعول آذنتكم

{ وان أدرى } اى ما اعلم

{ أقريب ام بعيد ما توعدون } من غلبة المسلمين وظهور الدين او الحشر مع كونه آتيا لا محالة ولا جرم ان العذاب والذلة يلحفكم.

وفى الاسئلة المقحمة كيف قال هذا وقد قال

{ واقترب الوعد الحق } فذلك يوم القيامة وهو قريب كما قال تعالى { اقترب للناس حسابهم }

١١٠

{ انه } تعالى

{ يعلم الجهر من القول } اى ما تجاهرون به من الطعن فى الاسلام وتكذيب الآيات

{ ويعلم ما تكتمون } من الحسد والعداوة للرسول وللمسلمين فيجازيكم عليه نقيرا وقطميرا وتكرير العلم فى معنى تكرير الوعيد.

قال بعض الكبار كيف يخفى على الحق من الخلق خافية وهو الذى اودع الهياكل اوصافها من الخير والشر والنفع والضر فما يكتمونه اظهر مما يبدونه مثل ما يكتمونه جل الحق ان يخفى عليه خافية وهو الذى قال

يرو علم يك ذره بوشيده نيست ... كه بيدا وبنهان بنزدش يكيست

قال فى التأويلات النجمية

{ يعلم ما تجهرون } من دعاوى الاسلام والايمان والزهد والصلاح والمعارف

{ ويعلم ما تكتمون } من الصدق والاخلاص او الرياء والسمعة والنفاق.

١١١

{ وان } ما

{ ادرى لعله } لعل تأخير جزائكم

{ فتنة لكم } استدراج لكم وزيادة فى افتتانكم لما كان الاستدراج سببا للفتنة والعذاب اطلق عليه لفظ الفتنة مجازا مرسلا او امتحان لكمكيف تعملون اى معاملة تشبيهية بالامتحان على طريق الاستعارة التمثيلية

{ ومتاع الى حين } وتمتيع لكم الى اجل مقدر يقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة ليكون ذلك حجة عليكم وليقع الجزاء فى وقت هو فيه حكمة.

١١٢

{ قال } الرسول فهو حكاية لدعائه عليه السلام .

{ رب } [ اى بروردكارمن ]

{ احكم بالحق } اى اقض بيننا وبين اهل مكة بالعدل المتقضى لتعجيل العذاب والتشديد عليهم

{ وربنا } مبتدأ خبره قوله

{ الرحمن } كثير الحرمة على عباده وهى ان كانت بمعنى الانعام فمن صفات الفعل وان اريد بها ارادة ايصال الخير فمن صفات الذات

{ المتسعان } خبر آخر اى المطلوب منه المعنة : يعنى [ بارى آور خواهنده ]

{ على ما تصفون } من الحال فانهم كانوا يقولون ان الشوكة تكون لهم [ ورايت السلام ودين دم بدم نكونسار خواهد شد ] وان المتوعد لو كان حقا لنزل بهم الى غير ذلك مما لا خير فيه : يعنى [ شما سخن ناسزا ميكوييد وما ازخداى بران بارى خواهيم واميدوارى ازدركاه حضرت او داريم ]

مراد خويش زدركاه بادشاهى خواه ... كه هيجكس نشود ن اميد ازان دركاه

فاستجاب اللّه تعالى دعاء رسوله فخيب آمالهم وغير احوالهم ونصر اولياءه عليهم فاصابهم يوم بدر ما اصابهم.

وفى الآية اشارة الى انه لا يطلب من اللّه تعالى ولا يطمع فى حق المطيع وزلعاصى لا ما هو مستحقه وقد جرى حكم اللّه فيها فى الازل وان رحمته غير متناهية وان كان انواعها مائة على ما قال عليه السلام ( ان لله مائة رحمة ) فعلى العاقل ان لا يغتر بطول العمر وكثرة الاموال والاولاد فان الاغترار بذلك من صفات الكفرة ومن كلمات امير المؤمنين على رضى اللّه عنه من وسع عليه دنياه فلم يعلم انه قد يمكر به فهو مخدوع عن عقله . قال ابراهيم بن ادهم رحمه اللّه لرجل أدرهم فى المنام احب اليك ام دينار فى اليقظة فقال دينار فى اليقظة فقال كذبت لان الذى تحبه فى الدنيا كأنك تحبه فى المنام والذى لا تحبه فى الآخرة كأنك لا تحبه فى اليقظة.

﴿ ٠