٢

{ يوم ترونها } منتصب بما بعده أي وقت رؤيتكم تلك الزلزة

{ تذهل كل مرضعة عما أرضعت } الذهول الذهاب عن الامر مع دهشة والمرضعة المرأة المباشرة للارضاع بالفعل وتبغير التاء هى التى من شأنها الارضاع لكن لم تلابس الفعل ومثلها حائض وحائضة والتبير عن الطفل بما دون من لتأكيد الذهول الذى ألقمته ثديها اشتغلا بنفسها وخوفاً : وبالفارسية [ غافل شود وفراموش كند أزهبيت آن هر شير دهنده ازان فرزندى كه ويرا شيرميدهدبا وجود مهربائى مرضعه بررضيع ] اى لو كان مثلها في الدنيا لذهلت المرضعة عما أرضعته لغير قطاع وكذا قوله تعالى

{ وتضع كل ذات حمل حملها } أي تلقى وتسقط جنينها لغير تمام من شدة غشيها والحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس الشجر وبالكسر ما كان على الظهر.

وفي التأويلات النجمية يشير الى مواد الأشياء فان لكل شىء مادة هى ملكوته ترضع رضيعها من الملك وذهولها عنه بهلاك استعدادها للارضاع وذات حمل هى ما تسمى هيولى فاها حامل بالصور اى تسقط حمل الصور الشهادية املاك الهيولى

{ وترى الناس } اهل الموقف

{ سكارى } جمع سكران اى كأنهم سكارى وافراد الخطاب هنا بعد جمعه فى ترونها لان الزلزلة يراها الجميع لكونها امرا مغايرا للناس بخلاف الحالة القائمة بهم من أثر السكر فان كل احد لا يرى الا ماقام بغيره والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله واكثر ما يستعمل ذلك في الشراب وقد يعترى من الغضب والعشق ولذا قال الشاعر

سكران سكر هوى وسكر مدامة ... ومنه سكرات الموت ، قال جعفر رضى اللّه عنه اسكرهم ما شاهدوا من بساط العز والجبروت وسرادق الكبرياء حتى الجأ النبيين الى ان قالوا نفسى نفسى

دران روز كزفعل برسند وقول ... اولوا العز را تن بلرزد زهول

بجابي كه دهشت خورد انبيا ... تو عذر كنه را جه دارى بيا

{ وما هم بسكارى } حقيقة ، قال الكاشفى [ زيرا زوال عقل ازخوف وحيرت سكر نباشد واكر رأى العين ما نند سكر نمايد ] وفي اشاره الى صور الاخروية وان كانت مثل الصور الدنيوية في ظاهر النظر لكن بين الحقيقتين تخالف ولذا قال ابن عباس رضى اللّه عنهما لا يشبه شىء مما فى الجنة شيأ مما فى الدنيا الا بالاسم ، واعلم ان السكر من انواع شتى . فمن شراب الغفلة والعصيان . ومن حب الدنيا وشهواتها . ومن التنعم . ومن لذة العلم . ومن الشوق . ومن المحبة . من الوصال . ومن المعرفة . من المحبية والمحبوبية . كما

قال بعضهم

لى سركتان وللندمان واحدة ... شىء خصصت به من بينهم وحدى

{ ولكن عذاب اللّه شديد} فغشيهم هوله وطير عقولهم وسلب تمميزهم وللعذاب نيران نار جهنم نار القطيعة والفراق ونار الاشتياق ونار الفناء في النار والبقاء بالنار كقوله تعالى { ان بورك من فى النار ومن حولها } وكانت استغاثة النبى عليه السلام بقوله ( كلمينى ياحميراء ) من فروان هذه النار وهيجانها واللّه اعلم ، قال يحيى بن معاز الرازى رحمه اللّه لو أمرنى اللّه ان اقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذابا : قال الحافظ

هرجند غرق بحر كناهم زصد جهت ... كر آشناى عشق شوم زاهل رحمتم

قال بعضهم نزلت هاتان الآيتان في عزوة بنى المصطلق ليلا فقرأهما رسول اللّه على اصحابه فلم يراكثر باكيا من تلك الليلة فلما اصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدرا وكانوا بين حزين وباك ومفكر فقال عليه السلام ( أتدرون اى يوم ذلك ) فقالوا اللّه ورسوله اعلم قال ( ذلك يوم يقول اللّه لآدم يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول اخرج بعث النار فيقول من كل كم قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين ) قال عليه السلام ( فذلك ) أي التقاول ( حين تيشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى ) أي من الخوف ( وما هم بسكارى ) أي من الخمر ( ولكن عذاب اللّه شديد ) فكبر ذلك على المسلمين فبكوا وقالوا يا رسول اللّه اينا ذلك فقال ( ابشروا فان من يأجوج مأجوج الفا ومنكم رجل ) ثم قال ( والذى نفسى بيده أنى لارجوا ان تكونوا ثلث أهل الجنة ) ثم قال ( والذى نفسى بيده انى لارجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة ) فكبروا وحمدوا اللّه ثم قال ( والذي نفسي بيده انى لارجوا ان تكونوا ثلثى أهل الجنة وان اهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون منها امتى وما المسلمون الا كالشامة في جنب البعير او كالرقمة فى ذراع الحمار بل كالشعرة السوداء في الثور الاربيض او كالشعرة البيضاء في الثور الاسود ) ثم قال ( ويدخل من امتى سبعون الفا الجنة بغير حساب ) فقال عمر رضى اللّه عنه سبعون الفا قال ( نعم ومع كل ألف سبعون ألفا ) فقام عكاشة بن محصن رضى اللّه عنه فقال يا رسول اللّه ادع اللّه ان يجعلنى منهم فقال عليه السلام ( انت منهم ) فقام رجل من الانصار فقال ادع اللّه ان يجعلنى منهم فقال عليه السلام ( سبقك بها عكاشة ) ، قال بعض ارباب الحقائق وجه كون هذه الامة ثمانين صفا ان اللّه تعالى قال في حقهم

{ الئك هم الوارثون } ولما كانت الجنة دارابيهم آدم فالاقرب اليه من اولاده يحجب الا بعد واقر بنيه اليه وافضلهم على الاطلاق هو محمد عليه السلام وامته فكان ثلثا الجنة للاصل الاقرب وبقى الثلث للفرد الابعد وذلك ان الامة المحمدية اقرب الى الكمال من سائر الامم كالذكر اقرب الى الكمال من الانثى مثل حظ الانثيين ولهذا السر يكنى آدم في الجنة بابى محمد ولا شك انه عليه السلام ابو الارواح كما ان آدم ابو البشر فالاب الحقيقى يحجب اولاد اولاده فأمته هم الاولاد الاقربون وسائر الاولاد هم الابعدون.

﴿ ٢