٥

{ يا أيها الناس } يا اهل مكة المنكرين للبعث

{ ان كنتم في رقيب من البعث } البعث الاخراج من الارض والتسير الى الموقف وجيء بان مع كثرة المرتابين لاشتمال المقالم على ما يقلع الريب من اصله وتصوير ان المقام لا تصلح الا لمجرد الفرض له كما يفرض المحال ان كنتم في شك من امكان الاعادة كونها مقدورة له تعالى او من وقوعها

{ فانا خلقناكم } ليس جزاء للشرط لان خلقهم مقدم على كونهم مرتابين بل هو علة للجزاء المحذوف اي فانظروا الى مبدأ خلقكم ليزول ريبكم اى خلقنا كل فرد منكم خلقا اجماليا

{ من تراب } فى ضمن خلق آدم منه وفى الحديث ( ان اللّه جعل الارض ذلولا تمشون في مناكبها خلق بنى آدم من تراب ليذلهم بذلك فابوا الا نخوة و استكبارا ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر )

{ ثم } خلقناكم خلقا تفصيليا

{ من نطفة } هى الماء الصافى قل او كثر ويعبر بها عن ماء الرجل من نطف الماء اذا سال اومن النطف وهو الصب

{ ثم من علقة } قطعة من الدم جامدة مكونة من المنى

{ ثم من مضغة } اى قطعة من اللحم مكونة من العلق وهى فى الاصل مقدار ما يمضغ

{ مخلقة } بالجرصفة مضغة اى مستبينة الخلق مصورة

{ وغير مخلقة } اى لم يستبن خلقها وصورتها بعد والمراد تفصيل حال المضغة وكونها اولا قطعة لم يظهر فيها شىء من الاعضاء ثم ظهر بعد ذلك شىء لكنه آخر غير المخلقة لكونها عدم الملكة كذا في الارشاد.

ويؤيده قول حضرة النجم في التأويلات

{ مخلقة } اى منفوخة فيها الروح

{ وغير مخلقة } اى صورة لا روح فيها وفى الحديث ( ان احدكم يجمع خلقه ) اي يحر زويقر مادة خلقه ( في بطن امه ) اى في رحمها من قبيل ذكر الكل وارادة الجزء ( اربعين يوما ) روى عن ابن مسعود رضى اللّه عنه ان النطفة اذا وقعت في الرحم فاراد اللّه ان يخلق منها تنشر فى بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعرة فتمكث اربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذاك جمعها ( ثم تكون علقة مثل ذلك ثم تكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الهل اليه الملك فينفخ فيه الروح ) وهذا يدل لى ان التصوير يكون في الاربعني الثانى لكن المراد تقدير تصويرها لان التصوير قبل المصغة لا يتحقق عادة ( ويؤمر باربع كلمات ) يعنى يؤمر الملك بكتابه اربع من القضايا وكل قضية سمية كلمة ( يكتب رزقه واجله ) اي مدة حياته ( وعمله وشقى )

وهو من وجبت له النار ( او سعيد ) وهو من وجبت له الجنة قدم ذكر شقى لان اكثر الناس كذا

{ لنبين لكم } اى خلقناكم على هذا النمط البديع لنبين لكم بذلك امر البعث والنشور فان من قدر على خلق البشر اولا من تراب لم يشم رائحة الحياة قط فهو قادر على اعادته

بعث انسان كرنشد نزدت عيان ... اول خلشن نكر هذا بيان

هر كاه برايجاد او قادر بود ... قدرتش بربعث او ظاهر شود

اوست خلاقى كه ازبعد خزان ... ميكند بيدا بهار بوستان

{ ونقر في الارحام ما نشاء } استئناف مسوق لبيان حالهم بعد تمام خلقهم ونحن نقر في الارحام بعد ذلك ما نشاء ان نقره فيها

{ الى أجل مسمى } وقت معين هو وقت الوضع وادناه ستة اشهر عند الكل واقصاه سنتان عند ابى حنيفة رحمه اللّه واربع سنين عند الشافعى وخمس سنين عند مالك روى ان الضحاك بن مزاحم التابعى مكث في بطن امه سنتين ومالكا ثلاث سنين كما ذكره السيوطى واخبر الامام مالك رحمه اللّه ان جاره له ولدت ثلاثة اولاد فى اثنتى عشرة سنة تحمل اربع سنين وفيه اشارة الى ان بعض ما فى الارحام لا يشاء اللّه تعالى اقراره فيها بعد تكامل خلقه فيسقط

{ ثم نخرجكم } اى من بطون امهاتكم بعد اقراركم فيها عند تمام الاجل المسمى حال كونكم

{ طفلا } اطفالا بحيث لا تقومون لاموركم من غاية الضعف والافراد باعتبار كل واحد منهم اوبارادة الجنس المنتظم للواحد والمتعدد والطفل الولد ما دام ناعما كما في المفردات ، وقال المولى الفنارى في تفسير الفاتحة حد الطفل من اول ما يولد الى ان يستهل صارخا الى انقضاء ستة اعوام

{ ثم لتبلغوا اشدكم } على لنخرجكم معطوفة على علة اخرى مناسبة لها كأنه قيل ثم نخرجكم لتكبروا شيأ فشيأ ثم لتبلغوا كما لكم في القوة والعقل والتمييز وهو فيما بين الثلاثين والاربعين ، وفي القاموس ما بين ثمانى عشرة الى ثلاثين واحد جاء على بناء الجمع كآنك ولا نظير لهما انتهى

{ ومنكم من يتوفى } اى يقبض روحه ويموت بعد بلوغ الاشد او قبله والتوفى عبارة عن الموت وتوفاه اللّه قبض روحه

{ ومنكم من يرد الى ارذل العمر } وهو الهرم والخرف والرذل والرذل المرغوب عنه لرداءته والعمر مدة عمارة البدن بالحياة

{ ليكلا يعلم من بعد علم } كثير

{ شيئا } أي شيأ من الاشياء او شيأ من العلم وهو مبالغة فى انتقاض علمه وانتكاس حاله والا فهو يعلم بعض الاشياء كالطفل اى ليعود الى ما كان عليه او ان الطفولية من ضعف البنية وسخافة لعقل وقلة الفهم فينسى ما عمله وينكر ما عرفه ويعجز عما قدر عليه وقد سبق بعض ما يتعلق بهذه الآية في سورة النحل عن قوله تعالى

{ واللّه خلقكم ثم يتوفاكم } الآية : قال الشيخ سعدى قدس سره

طرب نوجوان زبير مجوى ... كه دكر نايد آب رفته بجوى

زرع رادجون رسيدوقت درو ... نخرامد جنانكه سبزءه نو

وقال

جو دوران عمر از جهل دركذشت ... مزن دست وباكاب از سر كذشت

بسيزى كجا تاره كردد دلم ... كه سبزى نخواهد دميد از كلم

تفرج كنان در هوا وهوس ... كذشتيم بر خاك بسيار كس

كسانى كه ديكر بغيت اندرند ... بيايند وبر خاك ما بكذرند

دريغاكه فصل جوانى كذشت ... بلهو ولعب زندكانى كذشت

جه خوش كفت باكودك آموزكار ... كه كارى نكرديم وشه روزكار

قال النسفي في كشف الحقائق [ اى درويش جهل بيش ازعمل دوزخست وجهل بعد ازعلم بهشت است ازجهت آنكه جهل بيش از علم سبب حرص وطمعست وجهل بعد از علم سبب رضا وقناعت است ] ، وفى عرائس البقلى ارذل لعمر ايام المجاهدة بعد المشاهدة وأيا الفترة بعد المواصلة لكيلا يعلم بعد علم بما جرى عليه من الاحوال الشريفة والمقامات الرفيعة وهذا غيرة الحق على المحققين حين أفشوا اسراره بالدعاوى الكثيرة استعيذ باللّه واستزيد منه فضله وكرمه ليخلصنا به من فتنة النفس وشرها.

وفى التأويلات النجمية في الآية اشارة الى ان اطفال المكونات كانوا في ارحام امهات العدم متقربين بتقرير الحق اياهم فيها ولكل خارج منها اجل مسمى بالارادة القديمة والحكمة الازلية فلا يخرج طفل مكون من رحم العدم الا بمشيئة اللّه تعالى واوان اجله وهذا رد على الفلاسفة يقولون يقدم العالم ويستدلون في ذلك بانه هل كان لله تعالى فى الازل اسباب الالهية في ايجاد العالم بالكمال اولا فان قلنا لم تكن اثبتناله نقصانا فالناقص لا يصلح للالهية وان قلنا قد كان له اسباب الالهية بالكمال بلا مانع يلزم ايجاد العالم في الازل بلا تقدم زمانى للصانع على المصنوع بل بتقدم رتبى فنقول في جوابهم ان الآية تدل على ان اللّه تعالى كان فى الازل ولم يكن معه شىء شاء وكان قادرا على ايجاد ما يشاء كيف يشاء ولكن الارادة الازلية اقتضت بالحكمة الازلية اجلا مسمى باخراج طفل العالم من رحم العدم اوان اجله وان لم يكن قبل وجود العالم او ان وانما كان مقدار الاوان في ايام اللّه التى لم يكن لها صباح ولا مساء كما قال اللّه تعالى

{ وذكرهم بايام اللّه } وبقوله

{ نخرجكم } الخ يشير الى ان كل طفل من اطفال المكونات يخرج من رحم العدم مستعدا للتربية وله كما يبلغه بالتدريج ومن المكونات ما ينعدم قبل بلوغ كماله ومنا ما يبلغ حد كماله ثم يتجاوز عن حد الكمال فيؤول الى ضد الكمال لكيلا يبقى فيه من اوصاف الكمال شىء وذلك معنى قوله { لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً }

دفتر دانش من جمله بشوييد بمى ... تاشودازنم فيض ازلى جانم حى

{ وترى الارض } يا من شأنه الرؤية وهو حجة اخرى على البعث

{ هامدة } ميتة يابسة همدت النار اذا صارت رمادا

{ فاذا } [ بس جون ]

{ انزلنا عليها الماء } اى المطر

{ اهتزت } تحركت بالنبات والاهتزاز الحركة الواقعة على البهجة والسرور فلا يكاد يقال اهتز فلان لكيت وكيت الا ذا كان الامر من المحاسن والمنافع

{ وربت } انفتحت وازدادت من ربا يربو ربا زاد ونما والفرس ربوا انفتخ من عدو وفزع كما فى القاموس

{ وانبتت من كل زوج } صنف

{ بهيج } البهجة حسن اللون وظهور السرور فيه وابتهج بكذا سرورا بان اثره في وجهه.

والمعنى حسن رائق يسر ناظره : وبالفارسية [ تازه وتر ونيكو وبهجت افزاى بس قادرى كه زمين مرده را بابى زنده سازد تواناست برآنكه اجزاى موتىرا جمع ساخته بهمان حال كه بوده اندباز كرداند

آنكة بى دانة نهال افراخت ... دانة هم شجر تواند ساخت

كرد نابوده را يقدرت بود ... جه عجب كردهد ببوده وجود

﴿ ٥