سُورَةُ الْمُؤْمِنِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ آيَةً ١ { قد افلح المؤمنون } سعد المصدقون ونالوا البقاء فى الجنة ويدل عليه ان اللّه تعالى لما خلق جنة عدن بيده قال تكلمى فقالت قد افلح المؤمنون فقال طوبى لك منزل الملوك اى ملوك الجنة وهم الفقراء الصابرون . فصيغة الماضى للدلالة على تحقيق الدخول فى الفلاح وكلمة قد لافادة ثبوت ما كان متوقع الثبوت من قبل لان المؤمنين كانوا متوقعين ذلك الفلاح من فضل اللّه والفلاح البقاء والفوز بالمراد والنجاة من المكروه والافلاح الدخول فى ذلك كالابشار الذى هو الدخول فى البشارة وقد يجيء متعديا بمعنى الادخال فيه وعليه قراءة من قرأ على النباء للمفعول ولما كان الفلاح الحقيقى لا يحصل بمطلق الايمان وهو التصديق بما علم ضرورة انه من دين نبينا عليه السلام من التوحيد والنبوة والبعث والجزاء ونظائرها بل يحصل بالايمان الحقيقى المقيد بجميع الشرائط قال بطريق الايضاح او المدح. ٢ { الذين هم فى صلاتهم خاشعون } الخشوع الخوف والتذلل ، وفي المفردات الخشوع الضراعة واكثر ما يستعمل فيما يوجد على الجوارح والضراعة اكثر ما تستعمل فيما يوجد على القلب ولذلك قيل فيما ورد ( اذا ضرع القلب خشعت الجوارح ) اى خائفون من اللّه متذللون له ملزمون ابصارهم مساجدهم ، قال الكاشفى [ جشم برسجده كاه نهاده وبدل بردركاه مناجات حاضر شده ] روى انه عيه السلام كان اذا صلى رفع بصره الى السماء فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وانه رأى مصليا يعبث بحليته فقال ( لوخشع قلب هذا لخشعت جوارحه ) ، وفى النتف يكره تقليب الوجه الى نحو السماء عند التكبيرة الاولى وجه النهى ان النظر الى السماء من قبيل الالتفات المنهى عنه فى الصلاة واما فى غيرها فلا يكره لان السماء قبلة الدعاء ومحل نزول البركات ، قال الكاشفى [ درلباب فرموده كه درحالت قيام ديده بر سجدة كاه بايد نهاد مكر بمكة معظمه كه درخانة مكرمه بايد نكريست ] وفى الحديث ( ان العبد اذا قام الى الصلاة فانا هو بين يدى الرحمن فاذا التفت يقول اللّه تعالى الى من تلتفت الى خير من اقبل يابن آدم الىّ فانا خير ممن تلتفت اليه ). وفى التأويلات النجمية خاشعون اى الظاهر والباطن ، اما الظاهر فخشوع الرأس بانتكاسه وخشوع العين بانغماضها عن الالتفات وخشوع الاذن بالتذلل للاسمّاع وخشوع اللسان القراءة والحضور والتأنى وخشوع اليدين وضع اليمين على الشمال بالتعظيم كالعبيد وخشوع الظهر انحناؤه فى الركوع مستويا وخشوع الفرج بنفى الخواطر الشهوانية وخشوع القدمين بثباتهما على الموضع وسكونهما عن الحركة ، واما الباطن فخشوع النفس سكونها عن الخواطر والهواجس وخشوع القلب بملازمة الذكر ودوام الحضور وخشوع السر بالمراقبة فى ترك اللحضات الى المكونات وخشوع الروح استغراقه فى بحر المحبة وذوبانه عند تجلى صفة الجمال والجلال [ محققى فرموده كه در نماز اول ازخود بيزار بايد شد بس طالب وصول بقرب يار بايد كذشت ] يار بيزا راست ازتو تاتويى ... او ازخود خويش رابيزاركن كر زتويكذره باقى مانده است ... خرقه وتسبيح با زنار كن ترك خويش وهرد وعالم كيرورو ... ذره منديش وجون عطار كن ٣ { والذين هم عن اللغو } اى عما لا يعنيهم من الاقوال والافعال ، وفى المفردات اللغو من الكلام مالا يعتد به وهو الذى يورد لاعن روية وفكر ويجرى مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور. وفى التأويلات النجمية للغو كل فعل لا لله ولك قول لامن اللّه ورؤية غير اللّه وكل ما يشغلك عن اللّه فهو لغو ، قال الكاشفى [ امام قشيرى فرمودكه هرجه براى خدانيست حشواست وآنجه ازخدا بازدارد سهواست وآنجه بسنده را دران حظى باشد لهواست وآنجه ازخدا نبود لغوست وحقيقت آتست كه لغو جيزى راكويند از اقوال وافعال بهيج كار نيايد ] { معرضون } يقال اعرض اظهر عرضه اى ناحيته فاذا قيل عرض لى كذا اى بدا عرضه فامكن تناوله واذا قيل اعرض فمعناه ولى مبديا عرضه اى معرضون فى عامة اوقاتهم كما ينبىء عنه الاسم الدال على الاستمرار فيدخل فى ذلك اعراضهم عه حال اشتغالهم بالصلاة دخولا اوليا ومدار اعراضهم عنه ما فيه من الحالة الداعية الى الاعراض عنه لا مجرد الاشتغال بالجد فى امور الدين فان ذلك ربما يوهم ان لايكون فى اللغو نفسه مايزجرهم عن تعاطيه. ٤ { والذين هم للزكوة فاعلون } للصدقة مؤدون والتعبير عن الاداء بالفعل مذكور فى كلام العرب قال امية بن ابى الصلت المطعمون الطعام فى السنة الازمة والفاعلون للزكوات وتوسيط حديث الاعراض بين الطاعة البدنية والمالية لكمال ملابسته بالخشوع فى الصلاة والزكاة مصدر لانه الامر الصادر عن الفاعل لا المحل الذى هو موقعه. وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الزكاة انما وجبت لتزكية النفس عن الصفات الذميمة النجسة من حب الدنيا او غيره كقوله { خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } فان الفلاح فى تزكية النفس كقوله { قد افلح من تزكى } وقوله { قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها } ولم يكن المراد مجرد اعطاء المال وحبه فى القلب وانما كان لمصلحة ازالة حب الدنيا عن القلب ومثل حب الدنيا جميع الصفات الذميمة الى ان تتم ازالتها. ٥ { والذين هم لفروجهم } الفرج والفرجة الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه { حافظون } ممسكون لها من الحرام ولا يرسلونها ولا يبذلونها. ٦ { الا على ازواجهم } زوجاتهم فان الزوج يقع على الذكر والانثى { او ما ملكت ايمانهم } يعنى [ كنيز كان كه مليكه يمين اند ] فما ملكت ايمانهم وان كان عاما للرجل ايضا لكنه مختص بالنساء اجماعا وانما قال ما اجراء للمماليك مجرى غير العقلاء اذا الملك اصل شايع فيه ، قال فى الاسئلة المقحمة كيف يجوز ان يسمى الرقيق ملك يمين ولا يسمى به سائر الاملاك الجواب ملك الجارية ولعبد اخص لانه يختص بجواز التصرف فيه ولا يعم كسائر الاملاك فان مالك الدار مثلا يجوز له نقض الدار ولا يجوز لمالك العبد نقض بنيته انتهى وافراد ذلك بعد تعميم قوله والذين هم عن اللغو معرضون لان المباشرة اشهى الملاهى الى النفس واعظمها خطرا { فانهم } [ بس بدرستى كه نكاه دار ندكان فروج ] { غير ملومين } على عدم حفظها منهن [ بشرط آنكه در حيض ونفاس وروزه واحرام نباشد ] واللوم عذل انسان بنسبته الى ما فيه لوم ، وفى التهذيب : اللوم [ ملامت كردن ] ، قال فى الاسئلة المقحمة اى فرق بين الذم واللوم الجواب انه الذم يختص بالصفات يقال الكفر مذموم واللوم يختص بالاشخاص يقال فلان ملوم. وفى التأويلات النجمية يعنى يحفظون عن التلذذ بالشهوات اى لايكون ازواجهم واماؤهم عدو لهم بان يشغلهم عن اللّه وطلبه فحنيئذ يلزم الحذر منه كقوله { عدو لكم فاحذروهم } وانما ذكر بلفظ على لاستيلائهم على ازواجهم لا لاستيلائهن عليهم وكانوا عليهن لا مملوكين لهن فانهم غير ملومين اذا كانت المناكحة لابتغاء النسل ورعاية السنة وفى اوانها. ٧ { فمن ابتغى } طلب : وبالفارسية [ بس هركه جويد براى مباشرت ] { وراء ذلك } الذى ذكر من الحد المتسع وهو اربع من الحرائر وما شاء من الاماء : وبالفارسية [ غير زنان وكنيزان خود ] { فاولئك هم العادون } الكاملون فى العدوان المتناهون فيه او المتعدون من الحلال الى الحرام والعدوان الاخلال بالعدالة والاعتداء مجاوزة الحق : وبالفارسية [ كاملند درست مكارى بايشان ودركذرندكانند از حلال بحرام وانكه استمنا بيدكندهم ازين قبل است ] كما فى التفسير الفارسى ، قال فى انوار المشارق فى الحديث ( ومن لم يستطع ) اى التزويج ( فعليه بالصوم ) استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه ارشد عند العجز عن التزوج الى ان الصوم الذى يقطع الشهوة جائز وفى رواية الخلاصة الصائم اذا عالج ذكره حتى امنى يجب عليه القضاء ولا كفارة عليه ولا يحل هذا الفعل خارج رمضان ان قصد تسكين شهوته وارجو ان لايكون عليه ويل ، وفى بعض حواشى البخارى والاستمناء باليد حرام بالكتاب والسنة قال اللّه تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون } الى قوله { فاولئك هم العادون } اى الظالمون المتجاوزون الحلال الى الحرام ، قال البغوى فى الآية دليل على ان الاستمناء باليد حرام ، قال ابن جريج سألت عطاء عنه فقال سمعت ان قوما يحشرون وايديهم حبالى واظنهم هؤلاء ، وعن سعيد بن جبير عذب لله امة كانوا يبعثون بمذاكرهم والواجب على فاعله التعزير كما قال ابن الملقن وغيره نعم يباح عند ابى حنيفة واحمد اذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستمناء بيد زوجته او جاريته لكن قال القاضى حسين مع الكراهة لانه فى معنى العزل ، وفى التاتار خانية قال ابو حنيفة حسبه ان ينجو رأسا برأس. ٨ { والذين هم لأماناتهم وعهدهم } لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق او الخلق : وبالفارسية بعنى [ اشانرا بران امين ساخته باشند ازامانات وودايع خلق يانجه امانت حق است جون نماز وروزه وغسل جنابت وبرعهد باك باحق وخلق بندند ] والامانة اسم لما يؤتمن عليه الانسان والعهد حفظ الشىء ومراعاته حالا بعد حال ويسمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهدا { راعون } اى قائمون عليها وحافظون لها على وجه الاصلاح. وفى التأويلات النجمية الامانة التى حملها الانسان وهى الفيض الالهى بلا واسطة فى القبول وذلك الذى يختص الانسان بكرامة حمله وعهدهم اى الذى عاهدهم عليه يوم الميثاق على ان لا يعبدوا الا اياه كقوله { وان عبدونى هذا صراط مستقيم } راعون بان لا يخونوا فى الامانات الظاهرة والباطنة ولايبعدوا غير اللّه فان ابغض ما عبد غير اللّه الهوى لانه بالهوى عبد ماعبد من دون اللّه انتهى ، قال محمد بن الفضل جوارحك كلها أمانات عندك امرت فى كل واحدة منها بامر فامانة العين الغض عن المحارم والنظر بالاعتبار وامانة السمع صيانتها عن اللغو والرفث واحضارها مجالس الذكر وامانة اللسان اجتناب الغيبة والبهتان ومداومة الذكر وامانة الرجل المشى الى الطاعات والتباعد عن المعاصى وامانة الفم ان لايتناول به الا حلالا وامانة اليد ان لايمدها الى حرام ولايمسكها عن المعروف وامانة القلب مراعاة الحق على دوام الاوقات حتى لايطالع سواه ولايشهد غيره ولايسكن الا اليه. ٩ { والذين هم على صلواتهم } المفروضة عليهم { يحافظون } يواظبون عليها بشرائطها وآدابها ويؤدونها فى اوقاتها. قال وفى التأويلات النجمية يحافظون لئلا يقع خلل فى صورتها ومعناها ولا يضيع منهم الحضور فى الصف الاول صورة ومعنى ، وفى الحديث ( يكتب للذى خلف الامام بحذائه في الصف الاول ثواب مائة صلاة وللذى فى الايمن خمس وسبعون وللذى فى الايسر خمسون وللذى فى سائر الصفوف خمس وعشرون ) كما فى شرح المجمع والصف الاول اعلم بحال الامام فتكون متابعته اكثر وثوابه اتم واوفر كما فى الشرح المشارق لابن الملك وفى الحديث ( اول زمرة تدخل المسجد هم اهل الصف وان صلوا فى نواحى المسجد ) كما فى خالصة الحقائق ولفظ يحافظون لما فى الصلاة من التجدد والتكرر وهو السر فى جمعها وليس فيه تكرير الخشوع والمحافظة فضيلة واحدة ، قال الكاشفى [ ذكر صلاة در مبدأ ومنتهاى ابن اوصاف كه موجب فلاح مؤمنانست اشارتست بتعظيم شان نماز ] ١٠ { اولئك } المؤمنون المنعوتون بالنعوت الجليلة المذكورة : وبالفارسية [ آن كروه مؤمنان كه جامع اين شش صفت اند ] { هم الوارثون } اى الاحقاء بان يسموا وارثا دون من عداهم ممن ورث رغائب الاموال والذخائر وكرائمها . والوراثة نتقال مال اليك من غيرك من غير عقد ولا ما يجرى مجرى العقد وسمى بذلك المنتقل عن الميت فيقال للمال المورث ميراث. ١١ { الذين يرثون الفردوس } بيان لما يرثونه وتقييد للموارثة بعد اطلاقها وتفسير لها بعد ابهامها تفخيما لشانها ورفعا لمحلها وهى استعارة لاستحقاقهم الفردوس باعمالهم حسبما يقتضيه الوعد الكريم للمبالغة فيه لان الوراثة اقوى سبب يقع فى ملك الشىء ولا يتعقبه رد ولا فسخ ولا اقالة ولا نقض فيه { هم فيها } اى الفردوس والتأنيث لانه اسم للجنة او لطبقتها العليا وهو البستان الجامع لاصناف الثمر روى انه تعالى بنى حننة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل خلالها المسك الاذفر وغرس فيها من جيد الفاكهة وجيد الريحان { خالدون } لايخرجون منها ولا يموتون . والخلود تبرى الشىء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التى هو عليها والخلود فى الجنة بقاء الاشياء على الحالة التى هى عليها من غير اعتراض الكون والفساد عليها. وفى التأويلات النجمية الفردوس اعلى مراتب القرب قد بقى ميراثا عن الاموات قلوبهم فيرثه الذين كانوا احياء القلوب انتهى ، وفى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى رحمه اللّه اعلم ان الجنان ثلاث ، الاولى جنة الاختصاص الالهى وهى التى يدخلها الاطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحدهم من اول ما يولد ماشاء ومن اهلها المجانين الذين ماعقلوا ومن اهلها اهل التوحيد العلمى ومن اهلها اهل الفترات ومن لم يصل اليهم دعوة رسول ، والجنة الثانية ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهى الاماكن التى كانت معينه لاهل النار لو دخلوها ، والجنة الثالثة جنة الاعمال وهى التى ينزل الناس فيها باعمالهم فمن كان افضل من غيره فى وجوه التفاضل كان له من الجنة اكثر سواء كان الفاضل بهذه الحالة دون المفضول اولم يكن فما من عمل الا وله جنة يقع التفاضل فيها بين اصحابها ورد فى الحديث الصحيح عن النبى عليه السلام انه قال لبلال ( يابلال بم سبقتنى الى الجنة فما وطئت فيها موضعا الا سمعت خشخشتك امامى ) فقال يا رسول اللّه ما احدثت قط الا توضأت وما توضأت الا صليت ركعتين فقال عليه السلام ( بهما ) فعلمنا انها كانت مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه الا وله جنة مخصوصة وتعميم خاص بمن دخلها ثم فصل مراتب التفاضل فمن اراد ذلك فليطلب هناك فما ذكره موافق لما قيل فى الآية انهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على انفسهم لانه تعالى خلق لكل انسان منزلا فى الجنة ومنزلا فى النار كا قال الكاشفى [ منزل مؤمنان ازدوزخ اضافه منازل كفار كنند ومنزلهاى ايشان ازبهشت برمنزل مؤمنان افزايند ودرزاد المسير آورده بهشت بنظر كفار درآرند ومقامهاى ايشانرا اكر ايمان آوردندى بريشان نمايند تاحسرت ايشان زيادة كردد نظر ازدور درجانان بدان ماندكه كافررا ... بهشت ازدور بنمايند وآن سوز دكرباشد اللهم اجعلنا من الذين يرثون الفردوس ويتنعمون بنعيمها ويصلون الى نسيمها واحفظنا عن الاسباب المؤدبة الى النار وجحيمها. ١٢ { ولقد خلقنا الانسان } اللام جواب قسم اى وباللّه لقد خلقنا جنس الانسان فى ضمن خلق آدم خلقا اجماليا { من سلالة } يقال سل الشىء من الشىء نزل كسل السيف من الغمد وسل الشىء من البيت على سبيل السرقة وسل الولد من الاب ومنه قيل للولد سليل . والسلالة اسم ماسل من الشىء واستخرج منه فان فعاله اسم لما يحصل من الفعل فتارة يكون مقصودا منه كالخلاصة واخرى غير مقصود منه كالقلامة والكناسة والسلالة من القبيل الاول فانها مقصودة مايسل ومن ابتدائية متعلقة بالخلق اى من خلاصة سلت من بين الكدر كما فى الجلالين { من طين } من بيانية متعلقة بمحذوف وقع صفة لسلالة اى خلقنا من سلالة كائنة من طين : وبالفارسية [ خلاصه وازنقاوه كه بيرون كشيده شده از كل ] والطين التراب والماء المختلطة. وفى التأويلات النجمية يشير الى سلالة سلت من جميع الارض طيبها وسبخها وسهلها وجبلها باختلاف الوانها وطبائعها المتفاوتة ولهذا اختلفت الوانهم واخلاقهم لانه مودع فى طبيعتهم ماهو من خواص الطين الذى اختص بخاصية منها نوع من الحيوان من جنس البهائم والسباع والجوارح والحشرات المؤذيات الغالبة على كل واحد منها صفة من الصفات الذميمة والحميدة . فا الذميمة فكالحرص فى الفأرة والنملة وكالشهوة فى العصفور وكالغضب فى الفهد والاسد وكالكبر فى النمر وكالبخل فى الكلب وكالشره فى الخنزير والحقد فى الحية وغير ذلك من الصفات الذميمة واما الحميدة كالشجاعة فى الاسد والسخاوة فى الديك والقناعة فى البوم وكالحلم فى الجمل وكالتواضع فى الهرة وكالوفاء فى الكلب وكالبكور فى الغراب وكالهمة فى البازى والسلحفاة وغير ذلك من الصفات الحميدة فقد جمعها كلها مع خواصها وطبائعها ثم اودعها فى طينة الانسان وهو آدم عليه السلام. ١٣ { ثم جعلناه } اى الجنس باعتبار افراده المغايرة لآدم وقال بعضهم ثم جعلناه اى نسله فحذف المضاف فيكون المراد بالانسان آدم خلق من صفوة سلت من الطين { نطفة } بان خلقناه منها والنطفة الماء الصافى ويعبر بها عن ماء الرجل { فى قرار } اى مستقر وهو الرحم عبر عنها بالقرار الذى هو مصدر مبالغة { مكين } اى حصين وهو وصف لها بصفة ماستقر فيها مثل طريق سائر : وبالفارسية [ در قرار كاهى كه استوار يعنى رحم وجهل روز اورا نكاه داشتيم سفيد ] ١٤ { ثم خلقنا النطفة علقة } بان احلنا النطفة البيضاء علقة حمراء ، قال الراغب العلق الدم الجامد ومنه العلقة التى يكون منها الولد { فخلقنا العلقة مضغة } المضغة قطعة لحم تمضع اى فصير ناها قطعة لحم لا استبانة ولا تمايز فيها : وبالفارسية [ بس ساختيم آن خون را آن مقدار كوشت كه بخايند يكبار كوشتى بى استخوان بسته جهل روز ديكر ] { فخلقنا المضغة } اى غالبها ومعظمها { عظاما } بان صلبناها بعد ثلاث واربعيون وجعلناها عمودا للبدن على هيآت واوضاع مخصوصة تقتضيها الحكمة { فكسونا } [ بس بيوشانيديم ] { العظام } المعهودة { لحما } من بقية المضغة اى كسونا كل عظم من تلك العظام ما يليق به من اللحم على مقدار لائق به وهيآت مناسبة له : وبالفارسية [ برو برويانيديم كوشت بعد از رستن عروق واعصاب واوتار وعضلات برو ] واختلاف العواطف للتنبيه على تفاوت الاستحالات وجمع العظام لاختلافها { ثم انشأناه } الانشاء ايجاد الشىء وتربيته واكثر ما يقال ذلك فى الحيوان وبالفارسية [ بس بيافريديم اورا ] { خلقا آخر } بنفخ الروح فيه : وبالفارسية [ روح درو دميده تازنده شد بعد از آنكه مرده بود يا بعد از خروج اورادند وموى داديم وراه بستان برو كشاديم وازمقام رضا بفطام رسانيديم وبغذاهاى كونا كون تريت فرموديم وجون قدم درحد بلوغ نهاد وقلم تكليف برو جارى كرديم وبر مراتب شباب وكهولت وشيخوخت بكذا رانيديم ] وثم لكمال التافوت بين الخلقين واحتج به ابو حنيفة رحمه اللّه على ان من غصب بيضة فافرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ فانه خلق آخر ، قال فى الاسئلة المقحمة خلق اللّه الآدمى اطوارا ولو خلقه دفعه واحدة كان اظهر فى كمال القدرة وابعد عن نسبة الاسباب فما معناه فالجواب لا بل الخلق بعد الخلق بتقليب الاعيان واختراق الاشخاص اظهر فى القدرة فانه تعالى خلق الآدامى من نطفة متماثلة الاجزاء ومن اشياء كثيرة مختلفة المراتب متفاوتة الدرجات من لحم وعظم ودم وجلد وشعر وغيرها ثم خص كل جز منها بتركيب عجيب وباختصاص غريب من السمع والبصر واللمس والمشى والذوق والشم وغيرها وهى ابلغ فى اظهار كمال الالهية والقدرة { قتبارك اللّه } فتعالى شأنه من علمه الشامل وقدرته الباهرة { احسن الخالقين } بدل من الحلالة اى احسن الخالقين خلقا اى المقدرين تقديرا حذف المميز لدلالة الخالقين عليه فالحسن للخلق ، وفى الاسئلة المقحمة هذا يدل على ان العبد خالق افعاله ويكون الرب احسن منه فى الخالقية فالجواب معناه ا حسن المصورين لان المصور يصور الصورة ويشكلها على صورة المخلوق اخبربه لانه لا يبلغ فى تصويره الى حد الخالق لانه لن يقدر على ان ينفخ فيهال الروح وقد ورد الخلق فى القرآن بمعنى التصوير قال اللّه تعالى { واذ تخلق من الطين كهيئة الطير } اى واذ تصور كذلك ههنا انتهى. وفى التأويلات النجمية { ثم انشأنا خلقا آخر } يعنى خلقا غير المخلوقات التى خلقها من قبل وهو احسنهم تقويما واكملهم استعدادا واجلهم كرامة واعلاهم رتبة واخصهم فضيلة فلهذا اثنى على نفسه عند خليقته بقوله { قتبارك اللّه احسن الخالقين } لانه خلق احسن المخلوقين حيث جعله معدن العرفان وموضع المحبة ومتعلق العناية [ اى عزيز حق سبحانه وتعالى عرش وكرسى ولوح وقلم وملائكة ونجوم وسموات وارضين بيافريد وذات مقدس را بدين نوع ثناءكه بعد از آفرينش انسان فرموده نفرموده واين دليل تفضيل وتكريم ايشانست بر ورق روى لطف اله ... آينيه حسن كه تحرير كرد وفى المثنوى اى رخ جون زهره است شمس الضحى ... اى كداى رنك توكلكونها تاج كرمناست بر فرق سرت ... طوق فضلناست آويزبرت هيدج كرمنا شنيد اين آسمان ... كه شنيد آن آدمىء برغمان احسن التقويم در والتين بخواند ... كه كرامى كوهرست اى دوست جان كر بكويم قيمت آن ممتنع ... من بسوزم هم بسوزد مستمع [ بعضى ازاهل وجدان كويندكه جون درين آيت احوال بنى آدمى وترقى ازمقامى بمقامى بيان فرموده وآنست كه اورا زبانى باداء مراسم حمد وثنابى كه مستحق باركاه قدم باشد نخواهد بود درستايش ذات مقدس از جناب اونيابت نموده كفت ] { قتبارك اللّه احسن الخالقين } روى ان عبداللّه بن ابى سرح كان يكتب لرسول اللّه الوحى فلما انتهى عليه السلام الى قوله { خلقا آخر } سارع عبد اللّه ا لى النطق به قبل املائه عليه السلام فقال عليه السلام ا كتب هكذا انزلت فشك عبداللّه فقال ان كان محمد يوحى اليه فانا كذلك فلحق بمكة كافار ثم اسلم يوم الفتح وقيل مات على كفره ولما نزلت هذه الآية قال عمر رضى اللّه عنه فتبارك اللّه احسن الخالقين فقال عليه السلام ( هكذا نزلت ياعمر ) وكان يفتخر بتلك الموافقه انظر كيف وقعت هذه الواقعة سببا لسعادة عمر رضى اللّه عنه وشقاوة ابن ابى سرح حسبما قال تعالى { يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا } لا يقال قد تكلم البشر ابتداء بمثل نظم القرآن وذلك قادح فى اعجازه لما ان الخارج عن قدرة البشر ما كان مقدار اقصر سورة. ١٥ { ثم انكم بعد ذلك } اى بعدما ذكر من الامور العجيبة { لميتون } لصائرون الى الموت لامحالة كما تؤذن به صيغة النعت الدالة على الثبوت دون الحدوث الذى يفيده صيغة الفاعل : وبالفارسية [ يعنى مآل حال شما بمرك خواهد كشيد وساغر فنا از دست ساقى اجل خواهيد جشيد ] ، قال بعضهم من مات من الدنيا خرج الى حياة الآخرة ومن مات من الآخرة خرج منها الى الحياة الاصلية وهو البقاء مع اللّه تعالى. ١٦ { ثم انكم يوم القيامة } اى عند النفخة الثانية { تبعثون } تخرجون من قبوركم للحساب والمجازاة بالثواب والعقاب. وفى الآية اشارة الى ان الانسان بعد بلوغه الى رتبة الانسانية يكون قابلا للموت مثل موت القلب وموت النفس وقابلا لحشرهما وفى موت القلب حياة النفس وحشرها مودع وفى موت النفس حياة القلب وحشره مودع وحياة النفس بالهوى وظلمته وحياة القلب باللّه ونوره كا قال تعالى { أومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا } الآية وهذا معنى حقيقة قوله { ثم انكم يوم القيامة تبعثون } كذ فى التأويلات النجمية ، قال فى الاسئلة المقحمة عند سائر اطوار الآدمى من خلقه الى ان يبعث ولم يذكر فيها شيئا من سؤال القبر فدل على انه ليس بشىء فالجواب لانه تعالى ذكر الحياة الاولى التى هى سبب العمل والحياة الثانية التى هى سبب الجزاء وهما المقصودان من الآية ولا يوجب ذلك نفى مايذكر انتهى ، اعلم ان الموت يتعلق بصعقة سطوات العزة وظهور انوار العظمة والحياة تتعلق بكشف الجمال الازلى هناك تعيش الارواح والاشباح بحياة وصالية لا يجرى بعدها موت الفراق والموت والحياة الصوريان من باب التربية الالهية لان فى الفناء تربية اخرى فى التراب وفى الحياة اظهار زيادة قدرة فينا بادخال حياة ثانية فى اشباحنا وتربية ثانية فى ارواحنا فافهم جدا. ١٧ { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق } جمع طريقة كما ان الطرق جم طريق والمراد والمراد طباق السموات السبع كا قال فى المفردات طرائق السماء طباقها : يعنى [ هفت آسمان طبقى بالاى طبقه ] سميت بها لانها طورق بعضها فوق بعض مطارقة النعل فان كل شىء فوق مثله فهو طريقه { ما كنا عن الخلق } عن ذلك المخلوق الذى هو السموات { غافلين } مهملين امرها بل نحفظها عن الزوال والاختلال وندبر امرها حتى تبلغ منتهى ما قدر لها من الكمال حسبما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة ، وقال الكاشفى [ ياز جميع آفريد كان غافل نيستيم برخير وشرونفع وضرر وكفر وشرك ايشان مطلعيم ] ، قال ابو يزيد قدس سره فى هذه الآية ان لم تعرفه فقد عرفك وان لم تصل اليه فقد وصل اليك وان غبت او غفلت عنه فليس عنك بغائب ولا غافل ، قال بعضهم فوقنا حجب ظاهرة وباطنة ففى ظاهر السموات حجب تحول بيننا وبين المنازل العالية من العرش والكرسى وعلى القلوب اغطية كالمنى والشهوات والارادات الشاغلة والغفلات المتراكمة واللّه تعالى ليس بغافل عن سكنات الغافلين وحركات المريدين ورغبات الزاهدين ولحظات العارفين. ١٨ { وانزلنا من السماء } من ابتدائية متعلقة بانزلنا { ماء } هو المطر { بقدر } [ باندازه كه صلاح بندكان درآن دانستيم ] ، وفى بحر العلوم بتقدير يسلمون معه من الضرر ويصلون الى النفع { فاسكناه فى الارض } اى جعلنا ذلك الماء ثابتا قارا فيها { وانا على ذهاب به } اى ازالته بالافساد او التصعيد او التغوير بحيث يتعذر استنباطه حتى تهلكوا انتم ومواشيكم عطشا { لقادرون } كا كنا قادرين على انزاله وعن عكرمة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما عن النبى عليه السلام ( ان اللّه تعالى انزل من الجنة خمسة انهار جيحون وسيحون دجلة والفرات والنيل فانزلها اللّه تعالى من عين واحدة ن عيون الجنة من اسفل درجة من درجاتها على جناحى جبريل استودعها الجبال واجراها فى الارض وجعل فيها منافع للناس ) فذلك قوله { وانزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه فى الارض } واذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج ارسل اللّه جبريل فرفع من الارض القرآن والعلم كله والحجر الاسود من البيت ومقام ابراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الانهار الخمسة الى السماء فذلك قولعه { وانا على ذهاب به لقادرون } فاذا رفعت هذه الاشياء من الارض فقد اهلها خيرى الدين والدينا هذا حديث حسن كما فى بحر العلوم. ١٩ { فانشأنا لكم } [ بس بيافريديم براى شما ] { به } بسبب ذلك الماء { جنات } [ بستانها ] { من نخيل } [ زخرما بنان ] ، قال فى المفردات النخل معروف ويستعمل فى الواحد والجمع وجمعه نخيل { واعناب } [ وازتاك بنان ] ، قال فى المفردات العنب يقال الثمرة الكرم والكرم نفسه الواحدة عنبة انتهى ، قال الكاشفى [ تخصيص اين دو درخت جهت اختصاص اهل مدينة بخرما واهل طائق بانكوراست ونخل وعنب در زمين حجاز ازهمه ديارعرب بيشتر مى باشد ] { لكم فيها } اى فى تلك الجنات { فواكه كثيرة } تتفكهون بها ، فى المفردات الفاكهة قيل هى الثمار كلها وقيل بل هى الثمار ماعدا العنب والرمان وقائل هذا كأنه نظر الى اختصاصهما بالذكر وعطفهما على الفاكهة انتهى ، قال ابو حنيفة رحمه اللّه اذا حلف لا يأكل فاكهة فاكل رطبا او عنبا او رمانا لم يحنث لان كلا منها وان كان فاكهة لغة وعرفا الا ان فيه معنى زائدا على التفكه اى التلذذ والتنغم وهو العدائية وقوام البدن فيه فبهذه الزيادة يخص من مطلق الفاكهة وخالفه صاحباه { ومنها } اى من الجنات ثمارها وزروعها { تأكلون } تعذيا او ترزقون وتحصلون معايشكم من قولهم فلان يأكل من حرفته كما قال الكاشفى [ وماملابد معيشت ازان حاصل ميكنيد ] ، وفى الآية اشارة الى انه كما انزل من السماء ماء المطر الذى هو سبب حياة الارضين كذلك انزل من سماء العناية ماء الرحمة فيحيى القلوب ويزيل به دون العصاة وآثار زلتهم وينبت فى رياض قلوبهم فنون ازهار البسط وصنوف انوار الروح والى انه كما يحيى الغياض بماء السماء ويثمر الاشجار ويجرى به الانهار فكذلك ماسماء العناية ينشى شجرة العرفان ويؤتى اكلها من الكشف والعيان وما تتقاصر العبارات عن شرحه ولاتطمع الاشارات فى حصره ثم ان اللّه تعالى عد نعمه على العباد واحسن الارشاد فمن تجاوز من النعم الى النعم فقد فاز بالمطلوب الحقيقى ، فان قلت لم امر اللّه بالزهد فى الدنيا مع انه خلقها له ، قلت السكر اذا نثر على رأس الختن فانه لا يلتقطه لعلو همته ولو التقطه لكان عيبا والاولياء زهدوا فيها ومنعوا انفسهم عن طيباتها وقنعوا بالقليل رجاء رفع الدرجات وفى الحديث ( جوعوا انفسكم لوليمة الفردوس ) والضيف اذا كان حكيما لايشبع من الطعام رجاء الحلوى حكى ان واحدا من اهل الرياضة مر من تحت شجرة فاذا ثمرها قد ادرك فحملته عليه نفسه للاكل منه فقال لها ان صمت سنة والا فلا فصامت حتى اذا كان وقت الثمر من السنة الآتية ذهب ليأكل منه فتناول من الساقط تحتها فقالت النفس ان على الشجرة اعلى الثمر فكل منه فقال لها ان شرطى معك ان آكل منه مطلقا لا من جيده الذى على الشجرة : قال الشيخ سعدى قدس سره مرو در بى هرجه دل خواهدت ... كه تمكين تن نور جان كاهدت كند مردرا نفس اماره خوار ... اكر هو شمندى عزيزش مدار اكر هرجه باشد مرادت خورى ... زدوران بسى نامرادى برى قال بعضهم الجوز واللوز والفستق البندق والشاه بلوط والصنوبر والرمان والنارنج والموز والخشخاش والرطب الزيتون والمشمش والخوخ والاجاص والعناب والغبيراء والدراق والزعرور والنبق والتفاح والكمثرى السفرجل والتين والعنب والاترج والخرنوب والقثاء والخيار والبطيخ كلها من فواكه الجنة فالعشرة الاولى لها قشر والثانةي لا قشر لها والعشرة الثالثة ليس لها قشر ولا نوى كما لايخفى. ٢٠ { وشجرة } بالنصب عطف على جنات وتخصيصها بالذكر من بين سائر الاشجار لاستقلالها بمنافع معروفة قيل هى اول شجرة نبتت بعد الطوفان وهى شجرة الزيتونن ، قال فى انسان العيون شجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة ، وفى المفردات الشجر من النبت ماله ساق يقال شجرة وشجر نحو ثمره وثمر { تخرج من طور سيناء } هو جبل بين مصر وايلة نودى منه موسى عليه السلام : وبالفارسية وديكر بيافريديم براى شما درخختى كه بيرون مى آيداز كوه زيبا كه جبل موسى است درميان مصر وايله ] ويقال له طور سينين ومعناه الحسن او المبارك ، قال اهل التفسير فاما ان يكون الطور اسم الجبل وسيناء اسم البقعة اضيف اليها او المركب منهما علم له كامرىء القيس وهو بالفتح فعلاء كصحراء فمنع صرفه للتأنيث وبالكسر فيعال كديماس من السناء بالمد وهو الرفعة او بالقصر وهو النور فمنع صرفه للتعريف والعجمة او التأنيث على تأويل البقعة لا للالف وتخصيصها بالخروج منه مع خروجها من سائر البقاع ايضا لتعظيمها ولانه المنشأ الاعلى لها ، قال فى الجلالين اول ما نبت الزيتون نبت هناك { تنبت بالدهن } [ مى رويد باروغن ] صفة اخرى لشجرة والباء متعلقة بمحذوف وقع حالا منها اى تنبت ملتبسة به ومستصبحة له كما قال الراغب معناه تنبت والدهن موجود فيها بالقوة ويجوز كونها صلة معدية لتنبت كما فى قولك ذهبت بزيد اى تنبته بمعنى تتضمنه وتحصله فان النبات حقيقة صفة للشجرة لا للدهن { وصبغ } [ نان خورش ] { للآكلين } اى ادام لهم وذلك من قولهم اصطبغت بالحل وهو معطوف على الدهن جار على اعرابه عطف احد وصفى الشىء على الآخرة اى تنبت بالشىء الجامع بين كونه دهنا يدهن به ويسرج به وكونه ادما يصبغ فيه الخبزاى يغمس للأبتدام ويلون به كالدبس والخل مثلا. وفى التأويلات النجمية هى شجرة الخفى الذى يخرج من طور سيناء الروح بتأثير تجلى انوار الصفات تنبت بالدهن وهو حسن الاستعداد لقبول الفيض الالهى بلا واسطة ومقر هذا الدهن هو الخفى الذى فوق الروح وهو سر بين اللّه وبين الروح لا تطلع عليه الملائكة المقربون وهوادام لا آكلى الكونين بقوة الهمة. ٢١ { وان لكم فى الانعام } [ درجهار بايان يعنى ابل وبقر وغنم ] { لعبرة } الآية تعتبرون بحالها وتستدلون على عظيم قدرة خالقها ولطيف حكمته : وبالفارسية [ جيزى كه بدان اعتبار كريد وبرقدرت الهى استدلال نمايند ] فكأنه قيل كيف العبرة فقيل { نسقيكم } [ مى اشمانيم شمارا ] { مما فى بطونها } ما عبارة اما عن الانسان فمن تبعيضية والمراد بالبطون الجوف او عن العلف الذى يتكون منه اللبن فمن اتبدائيه والبطون على حقيقتها. وفى التأويلات النجمية يشير الى انه كما يخرج من بطون الانعام من بين الفرث والدم لبنا خالصا وفيه عبرة لاولى الابصار فكذلك يخرج من بين فرث الصفات النفسانية وبين دم الصفات الشيطانية لبنا خالصا من التوحيد والمحبة يسقى به ارواح الصديقين كما قال بعضهم سقانى شربة احى فؤادى ... بكأس الحب من بحر الوداد { ولكم فيها منافع كثيرة } غير ما ذكر من اصوافها واوبارها واشعارها ، قال الكاشفى [ ومر شماراست درايشان سودهاى بسياركه بعضى را سوار ميشتويد وبرخى را بارميكنيد واز بعضى نتاج مسيتانيد وازبشم وموى ايشان بهره ميكيريد ] { ومنها تأكلون } فتنتفعون باعيانها كا تنتفعون بما يحصل منها وفى الحديث ( عليكم بالبان البقر فانها تؤمم من كل الشجر ) اى تجمع وفى الحديث ( عليكم بالبان البقر وسمنانها واياكم ولحومها فان البانها وسمنانها دوآء وشفاء ولحومها داء ) وقد صح ان النبى عليه السلام ضحى عن نسائه بالبقر ، قال الحليمى هذا ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها سمنها فكأنه يرى اختصاص ذلك به وهذا التأويلات مستحسن والا فالنبى عليه السلام لا يتقرب الى اللّه تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر لتلك اليبوسة . وجواب آخر انه عليه السلام ضحى بالبقر لبيان الجواز ولعدم تيسر غيره كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى. ٢٢ { وعليها } اى على الانعام فان الحمل عليها لايقتضى الحمل على جميع انواعها بل يتحقق بالحمل على البعض كالابل ونحوهها وقيل المراد هى الابل خاصة لانها المحمول عليها عندهم والمناسب للفلك فانها سفائن البر { وعلى الفلك } اى السفينة ، قال الراغب ويستعمل ذلك للواحد والجمع وتقديراهما مختلفان فان الفلك اذا كان واحدا كان كبناء قفل واذا كان جمعا كبناء حمر { تحملون } يعنى [ برشتران درخشك وبركشتيها برترى برداشته مى شويد يعنى شتر وكشتى شمارا برميدارند وازهر موضعى بموضعى ميبرند ] وانما لم يقل وفى الفلك كقوله { قلنا احمل فيها } لان معنى الايعاء ومعنى الاستعلاء كلاهما مستقيم لان الفلك وعاء لمن يكون فيها لحمولة له يستعليها فلما صح المعنيان صحت العبارتان وايضا هو يطابق قوله عليها ويزاوجه كذا فى بحر العلوم ، ودلت الآية على جواز ركوب البحر للرجال والنساء على ما قاله الجمهور وكره ركوبه للنساء لان التستر فيه لا يمكنهن غالبا ولا غض البصر من المصترفين فيه ولا يمكن عد انكشاف عوراتهن فى تصرفهن لاسيما فيما صغر من السفن مع ضرورتهن الى قضاء الحاجة بحضرة الرجال كا فى انوار المشارق ، قال فى الذخيرة اذا اراد ان يركب السفينة فى البحر للتجارة او لغيرها فان كان بحال لو غرقت السفينة امكنه دفع الغرق عن نفسه بكل سبب يدفع الغرق به حل له الركوب فى السفينة وان لا يمكنه دفع الغرق لا يحل له الركوب انتهى فالمفهوم من هذه المسألة حرمة الركوب فى السفينة لمن لا يقدر على دفع الغرق عن نفسه مطلقا سواء كان لطلب العلم او التجارة او الحج او زيارة الاقارب او صلة الرحم او نحو ذلك وسوآء كانت السلامة غالبة اولا لكن المفهوم من بعض المسائل جوازه عند غلبة السلامة والا فلا ، قال فى شرح حزب البحر قال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه لعمرو بن العاص صف لى البحر فقال يا امير المؤمنين مخلوق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود فقال عمر لا جرم لولا الحج والجهاد لضربت من يركبه بالدرة ثم منع ركوبه ورجع عن ذلك بعد مدة وكذلك وقع لعثمان رضى اللّه عنه ومعاوية ثم استقر الاجماع على جوازه بشرائطه انتهى . والسباحة فى الماء من سنن النبى ، قال فى انسان العيون كانت وفاة ابيه عليه السلام عبداللّه بالمدينة ودفن فى دار المتابعة بالتاء المثناة فوق وبالباء الموحدة والعين المهملة وهو رجل من بنى عدى بن النجار اخوال ابيه عبدالمطلب والنجار هذا اسمه تميم وقيل له النجار لانه اختتن بقدوم وهو آلة النجار ولما هاجر عليه السلام الى المدينة ونظر الى تلك الدار عرفها وقال ههنا نزلت بى امى وفى هذه الدار قبر ابى عبداللّه واحسنت القوم السباحة فى بئر بنى عدى بن النجار ومن هذا ووما جاء عن عكرمة عن ابن عباس انه عليه السلام كان هو واصحابه يسبحون فى غدير فى الجحفة فقال عليه السلام لاصحابه ( ليسبح كل رجل منك الى صاحبه ) وبقى النبى عليه السلام وأبو بكر فسبح النبى الى ابى بكر حتى اعتنقه وقال ( انا وصاحبى انا وصاحبى ) وفى رواية ( انا الى صاحبى انا الى صاحبى ) يعلم رد قول بعضهم وقد سئل هل عام عليه السلام الظاهر لا لانه لم يثبت انه عليه السلام سافر فى بحر ولا بالحرمين بحر. ٢٣ { ولقد ارسلنا نوحا الى قومه } اللام جواب قسم وتصدير القصة به لاظهار كمال الاعتناء بمضمونها اى وباللّه لقد ارسلنا نوحا الى قومه وجاء فى قصيدة جمال الدين من كثير الذنب نوحوا ... نوح نوح فى الرسل انه عمرا طويلا ... من قليل النطق ناح وهو انه عليه السلام مر على كلب به جرب فقال بئس الكلب هذا ثم ندم فناح من اول عمره الى آخره { فقال } داعيا لهم الى التوحيد { ياقوم } [ اى كروه من ] واصله يا قومى { اعبدوا اللّه } وحده كما دل عليه التعليل وهو { مالكم من اله غيره } اى مالكم فى الوجود اوفى العالم غير اللّه فغير بالرفع صفة لآله باعتبار محله الذى هو الرفع على انه فاعل ومن زائدة او مبتدأ خبره لكم { أفلا تتقون } الهمزة لانكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام اى ألا تعرفون ذلك اى مضمون قوله مالكم من اله غيره فلا تتقون عذابه بسبب اشاراككم به فى العبادة مالا يستحق الوجود لولا ايجاد اللّه فضلا عن استحقاق العبادة فالمنكر عدم الاتقاء مع تحقيق ما يوجبه ، قال الكاشفى يعنى [ ترسيدازعذاب وى وبعبادات غير او ميل مكنيد ]. وفى التأويلات النجمية { ولقد أرسلنا نوحا } نوح الروح الى قومه من القلب والسر والنفس والقالب وجوارحه { فقال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من اله غيره } من الهوى والشيطان فعبادة القلب بقطع التعلقات والمحبة وعبادة السر بالتفرد بالتوحيد وعبادة النفس بتبديل الاخلاق وعبادة القالب بالتجريد وعبادة الجوارح باقامة اركان الشريعة { أفلا تتقون } بهذه العبادات عن الحرمان والخذلان وعذاب النيران. ٢٤ { فقال الملؤا } اى الاشراف والسادة { الذين كفروا من قومه } اى قالوا لعوامهم مبالغة فى وضع الرتبة العالية وحطها عن منصب النبوة ، قال الكاشفى [ جون اكابر قوم اصاغر را بدين ودعوت نوح مائل ديدند ايشانرا تنفير موده كفتند ] { ماهذا } [ نيست اين كس كه مى خواند بتوحيد ] { الا بشر مثلكم } اى فى الجنس والوصف من غير فرق بينكم وبينه ، قال الكاشفى [ مانند شما درخوردن وآشاميدن وغير آن ] { يريد ان يتفضل عليكم } اى يريد ان يطلب الفضل عليكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم ، قال فى الجلالين يتشرف عليكم فيكون افضل منكم بان يكون متبوعاً وتكونوا له تبعا كقوله وتكون لكما الكبرياء فى الارض وصفوه بذلك اغضابا للمخاطبين عليه واغراء على معاداته { ولو شاء اللّه لانزل ملائكة } اى لو شاء اللّه ارسال الرسول لارسل رسلا من الملائكة [ تامرسل ازمرسل اليهم متميز بودى ] وانما قيل لانزل لان ارسال الملائكة لايكون الا بطريق الانزال فمفعول المشيئة مطلق الارسال المفهوم من الجواب لا نفس مضمومه كما فى قوله ولو شاء لهداكم ونظائره. وفى التأويلات النجمية يشير بهذا الى مقالات بعض البطلة من الطلبة فان بعض يتكاسلون فى الطلب فيقولون لو شاء اللّه سيعنا فى الطلب لايدنا بالصفات الملكية والتوفيق الربانى { ما سمعنا بهذا } اى بمثل هذا الكلام الذى هو الامر بعبادةاللّه خاصة { فى آبائنا الاولين } اى الماضين قبل بعثته ، وفى بحر العلوم بهذا اى بارسال البشر وان جاء ذكر من اللّه على رجل منهم كما قال الكاشفى [ مانشنوده ايم يان راكه آدمى رسول خدا تواند بود يخلقان ] قالوه اما الفرط غلوهم فى التكذيب والعناد واما لكونهم وآبائهم فى فترة متطاولة يعنى [ ميان ادريس وميان ايشان مدتى كذشته بود وشنوده بودندكه از اولاد آدم بيغمبرى بوده ]. ٢٥ { ان هو } ما هو { الا رجل به جنة } أى جنون ولذلك يقول ما يقول [ اكر جنون نداشتى كه بشر قابليت رسالت ندارد ] والجنون اختلال حائل بين النفس والعقل. وفى التأويلات النجمية يشير الى ان احوال اهل الحقيقة عند ارباب الطبيعة جنون كما ان احوال ارباب الطبيعة عند اهل الحقيقة جنون انتهى والجنون المعتبر هو ترك العقل واختيار العشق : قال الحافظ درره منزل ليلى كه خطرهاست درو ... شرط اول قدم آنست كه مجنون باشى ... وقال الصائب روزن عالم غيبست دل اهل جنون ... من وآن شهركه ديوانه فراوان باشد { فتربصوا به } اصبروا عليه وانتظروا : وبالفارسية [ بس انتظار بريد ويرا وجشم داريد ] ، قال الراغب التربص الانتظار بالشىء ساعة يقصد بها غلاء او رخصا او امرا ينتظر زواله او حصوله { حتى حين } الى وقت يفيق من الجنون ، قال الكاشفى [ تاهنكامى از زمان يعنى صبر كنيدكه اندك وقتى را بميرد وازوى بازرهيم يازجنون باهوش آيد وترك كفتن اين سخنان نموده بى كار خود كيرد ]. ٢٦ { قال } نوح بعدما ايس من ايمانهم { رب } [ اى بروردكار من ] { انصرنى } باهلاكهم بالكلية { بما كذبون } اى بسبب تكذيبهم اياى او بدل تكذيبهم. ٢٧ { فأوحينا اليه } عند ذلك اى فاعلمناه فى خفاء فان الايحاء والوحى اعلام فى خفاء { ان اصنع الفلك } ان مفسرة لما فى الوحى من معنى القول والصنع اجادة الفعل { باعيننا } ملتبسا بحفظنا نحفظه من ان تخطىء فى صنعته او يفسده عليك مفسد يقال فلان بعينى اى احفظه واراعيه كقولك هو منى بمرأى ومسمع ، قال الجنيد قدس سره من عمل على مشاهدة اورثه اللّه عليها الرضى قال اللّه تعالى { واصنع الفلك باعيننا } { ووحينا } وامرنا وتعليمنا لكيفية صنعها روى انه اوحى اليه ان يصعنها على مثال الجؤجؤ. وفى التأويلات النجمية الهمنا الى نوح الروح ان اصنع فلك الشريعة باستصواب نظرنا وامرنا لا بنظر العقل وامر الهوى كما يعمل الفلاسفة والبراهمة { فذا جاء امرنا } اى اذا اقترب امرنا بالعذاب { وفار التنور } [ وبجوشد تنور يعنى بوقتى كه زن تونان بزد ازميان آتش آب برآيد ] كما فى تفسير الفارسى . والفور شدة الغليان ويقال ذلك فى النار نفسها اذا هاجت وفى القدر وفى الغضب وفوارة الماء سميت تشبيها بغليان القدر ويقال الفور الساعة والتنور تنور الخبر ابتداء منه النبوع على خرق العادة وكان فى الكوفة موضع مسجدها كما روى انه قيل له عليه السلام اذا فار الماء من التنور اركب انت ومن معك وكان تنور آدم فصار الى نوح فلما نبع منه الماء اخبرته امرأته فركبوا { فاسلك فيها } اى ادخل فى الفلك يقال سلك فيه اى دخل وسلكه فيه اى ادخله ومنه قوله ماسلككم فى سقر { من كل } من كل امة ونوع { زوجين } فردين مزدوجين { اثنين } تأكيد والمراد الذكر والانثى [ ودر تيسير كويد در كشتى نياورد مكر آنهاراكه مى زايند بابيضه مى نهند ] { واهلك } منصوب بفعل معطوف على فاسلك اى واسلك اهلك والمراد به امرأته وبنوه وتأخير الاهل لما فيه من ضرب تفصيل بذكر الاستثناء وغيره { الا من سبق عليه القول منهم } اى القول باهلاك الكفرة ومنهم ابنه كنعان وامه واغلة وانما جيء بعلى لكون السابق ضارا كما جيء باللام فى قوله { ان الذين سبقت لهم منا الحسنى } لكونه نافعا { ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا } بالدعاء وانجائهم { انهم مغرقون } مقضى عليهم بالاغراق لا محالة لظلمهم بالاشراك وسائر المعاصى ومن هذا شأنه لا يشفع له ولا يشفع فيه كيف لا وقد امر بالحمد على النجاة منهم باهلاكهم. ٢٨ بقوله تعالى { فاذا استويت انت ومن معك } اى من اهلك واشياعك اى اعتدلت فى السفينة راكبا ، قال الراغب استوى يقال على وجهين احدهما ان يسند اليه فاعلان فصاعدا نحو استوى زيد وعمرو كذا اى تساويا وقال تعالى { ايستوون عنداللّه } والثانى ان يقال لاعتدال الشىء فى ذاته نحو فاذا استويت ومتى عدى بعلى اقتضى معنى الاستعلاء نحو { الرحمن على العرش استوى } { على الفلك فقال الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين } افرد بالذكر مع شركة الكل فى الاستواء والنجاة لاظهار فضله والاشعار بان فى دعائه وثنائه مندوحة عما عداه. ٢٩ { وقل ربى انزلنى } اى فى السفينة او منها ، قال الكاشفى [ قولى آنست كه امر بدين دعا دروقت خروج از كشتى بوده واشهر آنست كه دروقت دخول وخروج اين دعا فرموده ] { منزلا مباركا } اى انزالا او مضع انزال يستتبع خيرا كثيرا وقرىء منزلا بفتح الميم اى موضع نزول والنزول فى الاصل هو الانحطاط من علو يقال نزل عن دابته نزل فى مكان كذا حطا رحله فيه وانزله غيره { وانت خير المنزلين } ، وفى الجلالين استجاب اللّه دعاءه حيث قال { اهبط بسلام منا وبركات عليك } فبارك فيهم يعد انزالهم من السفينة حتى كان جميع الخلق من نسل نوح ومن كان معه فى السفينة ، قال لكاشفى [ سلمى از ابن عطا نقل ميفر مايدكه منزل مبارك آن منزلست كه دراو ازهواجس نفسانى ووساوس شيطانى ايمن باشند وآثار قرب ازجمال قدس نازل باشد هركجا برتو انوار جمال بيشتر ... بركت آن منزل ازهمه منازل افزونتر در منزلى كه بارى روزى رسيده باشد ... باذره هاى خاكش داريم مرحبائى ٣٠ { ان فى ذلك } الذى ذكر مما فعل به وبقومه { لآيات } جليلة يستدل بها اولوا الابصار ويعتبر بها ذووا الاعتبار { وان كنا لمبتلين } ان مخففة من ان واللام فارقة بينها وبين النافية وضمير الشأن محذوف اى وان الشأن كنا مصيبى قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد او مختبرين بهذه الآيات عبادنا لننظر من يعتبر ويتذكر ، قال الراغب اذا قيل ابتلى فلان بكذا وابلاه فذلك يتضمن امرين احدهما تعرف حاله الوقوف على ما يجهل من امره والثانى ظهور جودته ورداءته دون التعرف بحاله والوقوف على ما يجهل منامره من اولى العزم ببلايا ابتلاهم اللّه بها فصبروا ألا ترى الى حال نوح عليه السلام كيف ابتلى الف سنة الا خمسين عاما فصبر حتى قيل له { قل الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين } قال الحافظ كرت جونوح نبى صبرهست برغم طوفان ... بلا بكردد وكام هزار ساله برآيد ثم ان نوحا عليه السلام دعا بهلاك قومه مأذونا من اللّه تعالى فجاء القهر الالهى اذ لم يؤثر فيهم اللطف الرحمانى والمقصود من الدعاء اظهار الضراعة وهو نافع عند اللّه تعالى ، يحيى ابن معاذ رحمه اللّه [ كفت عبادت قفلست كليدش دعا ودندانة كليد لقمه حلال وازجمله دعاء اواين بودى بار خدايا اكر آن نكنى كه خواهم صبربر آنجه توخواهى ] وفى الآية اشارة الى ان المؤمن ينبغى له ان يطلب منزلا مباركا يبارك له فيه حيث دينه ودنياه سعد ياحب وطن كرجه حديثست صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من ايجا زادم ولو تفكرت فى احوال الانبياء و كمل الاولياء لوجدت اكثرهم مهاجرين اذ لايمن فى الاقامة بين قوم ظالمين ، يقول الفقير احمد اللّه تعالى على نعمه المتوافرة لاسيما على المهاجرة التى وقعت مرارا وعلى المنزل وهى بلدة بروسه حيث جاء الفال بلدة طيبة ورب غفور وعلى الانجاء من القوم الظالمين حيث ان كل من عادانى ورد موعظتى هلك مع الهالكين فجاءت عاقبة الابتلاء نجاة والقهر لطفا والجلال. ٣١ { ثم انشأنا من بعدهم } اى وجدنا واحدثنا من بعد اهلاك قوم نوح { قرنا آخرين } هم عاد لقوله تعالى حكاية عن هود { واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } والقرن القوم المقترنون من زمن واحد اى اله زمان واحد. ٣٢ { فارسلنا فيهم } [ بس فرستاديم درميان ايشان ] { رسولا منهم } اى من جملتهم نسبا وهو هود لا هود وصالح على ان يكون المراد بالقرن عادا وثمود لان الرسول بمعنى المرسل لابد وان يثنى ويجمع بحسب المقام كقوله { انا رسولا ربك } وجعل القرن موضعا للارسال كما فى قوله { كذلك ارسلناك فى امة } ونحوه لا غاية له كما فى مثل قوله تعالى { لقد ارسلنا نوحا الى قومه } للايذان من اول الامر بان من ارسل اليهم لم يأتم من غير مكانهم بل انما نشأ فيما بين اظهرهم { ان اعبدوا اللّه } ان مفسرة لارسلنا لما فى الارسال من معنى الوقل اى قلنا لهم على لسان الرسول ان اعبدوا اللّه تعالى وحده لانه { ما لكم من اله غيره } مرّ اعرابه { أفلا تتقون } ، قال فى بحر العلوم أتشركون باللّه فلا تخافون عذابه على الاشراك انتهى فالشرك وعدم الاتقاء كلاهما منكران. ٣٣ { وقال الملأ من قومه الذين كفروا } ، قال الراغب الملأ الجماعة يجتمعون على رأى فيملأون العيون روعاءو النفوس دلالة وبهاء اى اشارف قومه الكافرين وصفوا بالكفر ذمالهم وذكره بالواو دون الفاء كمافى قصة نوح لان كلامهم لم يتصل بكلام الرسول ومعناه انه اجتمع فى الحصول ذلك القول الحق وهذا القول الباطل وشتان مابينهما ، قال فى برهان القرآن قدم من قومه فى هذه الآية واخر فما قبلها لان صلة الذين فيما قبل اقتصرت على فعل وضمير الفاعلين ثم ذكر بعده الجار والمجرور ثم الفاعل ثم المفعول وهو المقول وليس كذلك هذه فان صلة الموصول طالت بذكر الفاعل والمفعول والعطف عليه مرة اخرى فقدم الجار والمجرور لان تأخيره ملبس وتوسطه ركيك فخص بالتقديم { وكذبوا بلقاء الآخرة } اى بالمصير الى الآخرة بالبعث والحشر او بلقاء مافيها من الحساب والثواب والعقاب { واترفناهم } اى نعمناهم ووسعنا عليهم : وبالفارسية [ ونعمت داده بودم ايشانرا ] يقال ترف فلان اى توسع فى النعمة واترفته النعمة اطغته { فى الحياة الدنيا } بكثرة الاموال والاولاد اى قالوا لاعقابهم مضلين لهم { ما هذا } اى هود { الا بشر مثلكم } فى الصفات والاقوال البشرية { يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون } اى تشربون منه وهو تقير للمماثلة : يعنى [ بغداء محتاجست مانند شما اكر نبى بودى بايستى كه متصف بصفات ملائكة بودى نخوردى ونياشاميدى ]. ٣٤ { ولئن اطعتم بشرا مثلكم } اى فيما ذكر من الاحوال والصفات اى وباللّه ن امتثلتم اوامره { انكم اذا } اى على تقدير الاطاعة : وبالفارسية [ آنكاه ] { لخاسرون } عقولكم ومغبونون فى آرائكم حيث اذللتم انفسكم ، وقال الكاشفى [ زيان زد كانيدكه خودرا مأمور ومتبوع مثل خود سازيد ] انظر كيف جعلوا اتباع الرسول الحق الذى يوصلهم الى سعادة الدارين خسرانا دون عبادة الاصنام التى لا خسران وراءها قاتلهم اللّه واذن وقع بين اسم ان وخبرها لتأكيد مضمون الشرط والجملة جواب لقسم محذوف ، قال بعض الفضلاء اذن ظرف حذف منه ما اضيف اليه ونون عوضا ، وفى العيون اذن جواب شرط محذوف اى انكم ان اطعتموه اذن لخاسرون. ٣٥ { ايعدكم } [ ايا وعده ميدهد شمارا اين بيغمبر ] { انكم اذا متم } بكسر الميم من مات يمات وقرىء بضمها من مات يموت { وكنتم } وصرتم { ترابا وعظاما } نخرة مجردة عن اللحوم والاعصاب اى كان بعض اجزائكم من اللحم ونظائره ترابا وبعضها عظاما وتقديم التراب لعراقته فى الاستعباد وانقلابه من الاجزاء البادية او كان متقدموكم ترابا صرفا ومتأخروكم عظاما ، يقول الفقير الظاهر ان مرادهم بيان صيروتهم عظاما ثم ترابا لان الواو لمطلق الجمع { انكم } تأكيد للاول لطول الفصل بينه وبين خبره الذى هو قوله { مخرجون } اى من القبور احياء كما كنتم. ٣٦ { هيهات ههيات } اسم فعل وهو بعد وتكريره لتأكيد ا لبعد اى بعد الوقوع { لما توعدون } يعنى [ آنجه وعده داده ميشويد ازبعث وجزا هر كزنباشد ] او بعدما توعدون واللام لبيان المستبعد كأنهم لما صوتوا بكلمة الاستبعاد قيل لما هذا الاستبعاد فقيل لما توعدون. ٣٧ { ان هى } ان بمعنى ما أى مالحياة { الا حياتنا الدنيا } الدانية الفانية { نموت ونحيا } مفسرة للجملة المتقدمة اى يموت بعضنا ويولد بعض الى انقراض العصر او يصيبنا الامران الموت والحاية يعنون الحياة المقتدمة فى الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة { وما نحن بمعوثين } بمنشرين بعد الموت كما تزعم ياهود انظر كيف عميت قلوبهم حتى لم يروا ان الاعادة اهون من الابتداء وان الذى هو قادر على ايجاد شىء من العدم واعدامه من الوجود يكون قادرا على اعادته ثانيا. ٣٨ { ان هو } اى ما هو { الا رجل افترى على اللّه كذبا } اى اخترع الكذب على اللّه فيما يدعيه من الارسال والبعث ، قال الراغب الفرى قطع الجلد للخرز والاصلاح والافراء للافساد والافتراء فيهما وفى الافساد اكثر ولذلك استعمل فى القرآن فى الكذب والشرك والظلم { وما نحن له بمؤمنين } بمصدقين فيما يقول. ٣٩ { قال } هود بعد مايئس من ايمانهم { رب انصرنى } عليهم وانتقم لى منهم : وبالفارسية [ اى بروردكار من يارى كن مرا بغالبيت وايشانرا مغلوب كردان ] { بما كذبون } اى بسبب تكذيبهم اياى واصرارهم عليه ٤٠ { قال } تعالى اجابة لدعائه وعدة بالقبول { عما قليل } اى عن زمان قليل وما مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد معنى القلة { ليصبحن } أى ليصيرن اى الكفار المكذبون { نادمين } على الكفر والتكذيب وذلك عند معاينتهم العذاب . والندامة بالفارسية [ بشيمانى ]. ٤١ { فاخذتهم الصيحة } صيحة جبريل صالح عليهم صيحة هائلة تصدعت منها قلوبهم فماتوا والصحية رفع الصوت ، فان قلت هذا يدل على ان المراد بالقرن المذكور فى صدر القصة ثمود قوم صالح فان عادا اهلكوا بالريح العقيم ، قلت لعلهم حين ا صابتهم الريح العقيم اصيبوا فى تضاعفها بصيحة هائلة ايضا كما كان عذاب قوم لوط بالقلب والصحية كمامر وقد روى ان شداد بن عاد حين اتم بناء ارم سار اليها باهله فلما دنا منها بعث اللّه عليهم صيحة من السماء فهلكوا وقل الصيحة نفس العذاب والموت ، وفى الجلالين فاخذتهم صيحة العذاب { بالحق } متعلق بالاخذ اى بالوجه الثابت الذى لا دافع له ، وفى الجلالين بالامر من اللّه { فجعلناهم } فصيرناهم { غثاء } اى كغثاء السيل لا ينتفع به وهو ما يحمله السيل على وجهه من الزبد والورق والعيدان كقولك سال به الوادى لمن هلك ، قال الكاشفى [ غثاء : جون خاشاك آب آورده يعنى هلاك كرديم ونابود ساختيم جون خس وخاشاك كه سيل آنرا باطراف افكند وسياه كهنه كردد ] { فبعدا للقوم الظالمين } يحتمل الاخبار والدعاء ، قال الكاشفى [ بس دورى باد از رحمت خداى مركروه ستماكارانرا ] وبعدا مصدر بعد اذا هلك وهو من المصادر التى لايكاد يستعمل ناصبها . والمعنى بعدوا بعدا اى هلكوا واللام لبيان من قيل له بعدا ، وفى الآية اشارة الى ان اهل الدنيا حين بغوا فى الارض وطغوا على الرسل جومنعم كند سفله روزكار ... نهد بر دل تنك دوريش بار جوا بام ندش بود خود برست ... كند بول وخاشاك بربام بست وقالوا لرسلهم ماقالوا لا يعلمون ان الرسل واهل اللّه وان كانوا يأكلون مما يأكل اهل الدنيا ولكن لا يأكلون كا يأكل هؤلاء فانهم يأكلون بالاسراف اهل اللّه يأكلون ولايسرفون كما قال النبى عليه السلام ( المؤمن يأكل فى معى واحد والكافر يأكل فى سبعة أمعاء ) لاجرم كافر خورد درهفت بطن ... دين ودل باريك ولاغرزفت بطن بل اهل اللّه يأكلون ويشربون بافواه القلوب مما يطعمهم ربهم ويسقيهم حيث يبيتون عند ربهم ، قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره كان عليه السلام يبيت عند ربه فيطعمه ويسقيه من تجلياته المتنوعة وانما اكله فى الظاهر لاجل امته الضعيفة والا فلا احتياج له الى الاكل والشرب ماروى من انه كان يشد الحجر فهو ليس من الجوع بل من كمال لطافته لئلا يصعد الى الملكوت بل يستقر فى الملك للارشاد وقد وصف اللّه الكفار بشر الصفات وهى الكفر بالخالق وبيوم القيامة والانغماس فى حب الدنيا ثم سجل عليهم بالظلم واشار الى ان هلاكهم انما كان بسبب ظلمهم نماند ستمكار بدروزكار ... بماند برولعنت بايدار فالظلم من شيم اهل الشقاوة والبعد وانهم كالغثاء فى عدم المبالاة بهم كما قال ( هؤلاء فى النار ولا ابالى ). ٤٢ { ثم أنشأنا } خلقنا من بعدهم اى بعد هلاك القرون المذكورة وهم عاد الاشهر { قرونا آخرين } هم قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم عليهم السلام اظهارا للقدرة وليعلم كل امة استغناءنا عنهم وانهم ان قلبوا دعوة الانبياء وتابعوا الرسل تعود فائدة استسلامهم وانقيادهم وقيامهم بالطاعات اليهم. ٤٣ { ماتسبق من امة اجلها } من مزيدة للاستغراق اى ماتتقدم امة من الامم المهلكة الوقت الذى عين لهلاكهم { ومايستأخرون } ذلك الاجل بساعة وطرفة عين بل تموت وتهلك عندما حدلها من الزمان. ٤٤ { ثم اسلنا رسلنا } عطف على انشأنا لكن لا على معنى ان ارسالهم متأخر ومتراخ عن انشاء القرون المذكورة جميعا بل على معنى ان اراسل كل رسول متأخر عن نشاء قرن مخصوص بذلك خاصا به { تترى } مصدر من المواترة وهى التعاقب فى موضع الحال اى متواترين واحدا بعد واحد : وبالفارسية [ بى دربى يعنى يكى درعقب ديكرى ] ، قال فى ا لارشاد وغيره من الوتر وهو الفرد والتاء بدل من الواو والالف للتأنيث لان الرسل جماعة { كم جاء امة رسولها } المخصوصو اى جاء بالبينات وللتبليغ { كذبوه } نسبوا اليه الكذب يعنى اكثرهم بدليل قوله { ولقد ضل قبلهم اكثر الاولين } كما فى بحر العلوم ، قال لكاشفى [ تكذب كردنداورا وآنجه كفت ازتوحيد ونبوت وبعث وحشر دروغ بنداشتند وبتقليد بدران ولزوم عادات نابسنديده از دولت تصديق محروم ماندند ] { فاتبعنا بعضهم } اى بعض القرون { بعضا } فى الاهلاك اى اهلكنا بعضهم فى اثر بعض حسبما تبع بعضهم بعضا فى مباشرة الاسباب التى هى الكفر والتكذيب وسائر المعاصى ، قال الكاشفى [ يعنى هيج كدام را مهلت نداديم وآخرين راجون اولين معاقب كردانيم ] { وجعلناهم } بعد اهلاكهم { احاديث } لمن بعدهم اى لم يبق عين ولا اثر الا حكايات يسمر بها ويتعجب منها ويعتبر بها المعتبرون من اهل السعادة وهو اسم جمع للحديث او جمع احدوثة وهى ما يتحدث به تلهيا وتعجبا وهو املراد ههنا كاعاجيب جمع اعجوبة وهى ما يتعجب منها ، قال الكاشفى [ وساختيم آنراسخنان يعنى عقوبت خلق كردانيديم كه دائم عذاب ايشانرا يادكنند وبدان مثل زنند خلاصه سخن آنكه از ايشان غير حكايتى باقى نماندكه مردم افسانه وار ميكويند واكر سخن نيكوى ايشان بماندى به بودى برزكى كفته است ] تفنى وتبقى عنك احدوثة ... فاجهد بان تحسن احدوثتك [ ودر ترجمه آن فرسوده اند بس ازتو اين همه افسانها كه مى خوانند ... دران بكوكش كه نيكو بماند افاسنه يقول الفقير فى البيت العربى دلالة على ان الاحدوثة تقا ل على الخير والشر وهو خلاف ما قال الاخفش من انه لا يقال فى الخير جعلتهم احاديث واحدوثة وانما يقال جعلت فلانا حديثا انتهى ، ويمكن ان يقال فى البيت ان الاحدوثة الثانية وقعت بطريق المشاكلة { فبعدا لقوم لايؤمنون } [ بست دورى باد از رحمت حق مركروهى راكه نمى كروند بابياء وتصديق ايشان نمى كنند ] وفى اكثر التفاسير بعدوا بعدا اى هلكوا واللام لبيان من قيل له بعدا وخصهم بالنكرة لان القرون المذكورة منكرة بخلاف ما تقدم من قوله فبعدا للقوم الظالمين حيث عرف بالالف واللام لانه فى حق قوم معينين كما سبق ، وفى الآية دلالى على ان عدم الايمان سبب للهلاك والعذاب فى النيران كما ان التصديق مدار للنجاة والتنعم فى الجنان. قال يعقوب عليه السلام للبشير على أى دين تركت يوسف قال على الاسلام قال الآن تمت النعمة على يعقوب وعلى آل يعقوب اذ لا نعمة فوق الاسلام وحيث لا يوجد فجميع النعم عدم وحيث يوجد فجميع النقم عدم ، وسأل رجل عليا رضى اللّه عنه هل رأيت ربك فقال أفاعبد مالا ارى فقال كيف تراه قال لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلب بحقائق الايمان ، وعنه من عرف ربه جل ومن عرف نفسه ذل يعنى عرفان الرب بعطى جلالة فى المعنى وعرفان النفس يعطى ذلة فى الصورة فالكفار وسائر اهل الظلم عدو انفسهم اعزة فذلا صورة ومعنى حيث بعدوا من اللّه تعالى فى الباطن وهلكوا مع الهالكين فى الظاهر والمؤمنون وسائر العدول عدو انفسهم فعزوا صورة ومعنى حيث تقربوا ال اللّه تعالى فى الباطن ونجوا من الهلاك فى الظاهر فجميع التنزل انما يأتى من جهة الجهل بالرب والنفس رونق كار خسان كاسد شود ... همجو ميوه تازه زوفاسد شود فعلى العاقل الانقياد لاهل الحق فان جمع الفيض انما يحصل من مشرب الانقياد وبالانقياد يحصل العرفان التام وشهود رب العباد كى رسانند آن امانت را بتو ... تانباشى بيششان راكع دوتو اللهم اعصمنا من العناد اثبتنا على الانقياد. ٤٥ { ثم ارسلنا موسى وآخاه هارون بآياتنا } هى الآيات التسع من اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص الثمرات والطاعون ولامساغ لعد فلق البحر منها اذ المراد الآيات التى كذبوها { وسلطان مبين } حجة واضحة ملزمة للخصم وهى العصا وخصصها لفضلها على سائر الآيات او نفس الآيات عبر عنها بذلك على طريق العطف تنبيها على جمعها لعنوانين جليلين وتنزيلا لتغيرها منزلة التغاير الذاتى. ٤٦ { الى فرعون وملائه } اى اشراف قومه من القبط خصوا بالذكر لان ارسال بنى اسرائيل منوط بآرائهم لا بأراء اعقابهم { فاستكبروا } عن الايمان والمتابعة وعظم الكبر ان يتهاون العبيد بآيات ربهم وبرسالاته بعد وضوحها وانتقاء الشك عنها ويتعظموا عن امتثالها وتقبلها { وكانوا قوما عالين } متكربين مجاوزين للحد فى الكبر والطغيان اى كانوا قوما عادتهم الاستكبار والتمرد. ٤٧ { فقالوا } عطف على استكبروا وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار اى قالوا فيما بينهم بطريق المناصحة { أتؤمن } الهمزة للانكار بمعنى لا نؤمن وينبغى ان يصدر منا الايمان { لبشرين مثلنا } وصف بالمثل الاثنان لانه فى حكم المصدر العام للافراد والتثنية والجمع المذكر والمؤنث { وقومهما } يعنون بنى اسرائيل { لنا } متعلقة بقوله { عابدون } والجملة حال من فاعل تؤمن اى خادمون منقادون لنا كالعبيد وكأنهم قصدوا بذلك التعرض لشأنهما واحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشر ، قال الكاشفى [ دربعضى تفاسير آورده انده كه بنى اسرائيل فرعون رامى برستيدند نعوذ باللّه واوبت مى برستيد ياكوساله ] اى فتكون طاعتهم لهم عبادة على الحقيقة. ٤٨ { فكذبوهما } اى فاصروا على تكذيب موسى وهارون حتى يئسا من تصديقهم { فكانوا } فصاروا { من المهلكين } بالغرق فى بحر القلزم. ٤٩ { ولقد آتينا موسى } اى بعد اهلاكهم وانجاء بنى اسرائيل من ايديهم { الكتاب } التوراة { لعلهم } لعل بنى اسرائيل { يهتدون } الى طريق الحق بالعمل بما فيها من الشرائع والاحكام. ٥٠ { وجعلنا ابن مريم } ايى عيسى { وامه آية } دالة على عظم قدرتنا بولادته منها من غير مسيس بشر فالآية امر واحد مضاف اليهما او جعلنا ابن مريم آية بان تكلم فى المهد فظهرت منه معجزات جمة وامه آية بانها ولدته من غير مسيس فحذف الاول لدلالة الثانية عليها ، قال فى العيون آية اى عبرة لبنى اسرائيل بعد موسى لان عيسى تكلم فى المهد واحيى الموتى مريم ولدته من غيس مسيس وهما آيتان قطعا فيكون هذا من قبيل الاكتفاء بذكر احداهما انتهى ، وتقديمه عليه السلام لا صالته فيما ذكر من كونه آية كما ان تقديم امه فى قوله { وجعلناها وابنها آية للعالمين } لا صالتها فيما نسب اليها من الاحصان والنفخ وروى ان رسول اللّه عليه السلام صلى الصبح بمكة فقرأ سورة المؤمنين فلما اتى على ذكر عيسى وامه اخذته شرقة فرطع اى شرق بدمعه فعى بالقرآءة { وآويناهما الى ربوة } [ وجاى داديم مادر وبسررا وقتى كه ازيهود فرار كردند وباز آورديم بسوى ربوة از زمين بيت مقدس ] اى انزلناهما الى مكان مرتفع من الارض وجعلناه مأواهما ومنزلهما وهى ايليا ارض بيت المقدس فانها مرتفعة وانها كبد الارض واقربها الى السماء بثمانية عشر ميلا على مايروى عن كعب ، وقال الامام السهيلى اوت مريم بعيسى طفلا الى قرية من دمشق يقال لها ناصرة وبناصرة تمسى النصارى واشتق اسمهم منها ، قال الكاشفى [ آورداندكه مريم بابسر عم خود يوسف بن ماتان دوازده سال دران موضع بشر بردند وطعام عيسى ازبهاى ريسمان بودكه كه مادرش مى رشت وميفروخت ] ، يقول الفقير فيه اشارة الى ان غزل القطن والكتان ونحوهما لكونه من اعمال خيار النساء احب من غزل القز ونحوه على ما أكب عليه اهل بروسة والديارالتى يحصل فيها دود القز مع من زين اهل الدنيا وبه غالبا شهرة اربابها وافتخارهم { ذات قرار } [ خداوند قرار يعنى مقرى منبسط وسهل كه برو آرام توان كرفت ] وقيل ذات ثمار وزروع فان ساكنيها يستقرون فيها لاجلها ، قال الراغب قرّ فى المكان يقر قرارا اذا ثبت ثبوتا خامدا واصله من القر وهو البرد لاجل ان البرد يقتضى السكون والحريقتضى الحركة { معين } وماء معين ظاهر دار فعيل من معن الماء اذا جرى وقيل من العين والميم زائدة ويسمى الماء الجارى معيناً لظهوره وكونه مدركا بالعيون وصف ماء تلك الربوة بذلك للايذان بكونه جامعا لفنون المنافع من الشرب وسقى ما يسقى من الحيوان والنبات بغير كلفة والتنزه بمنظره الحسن المعجب ولولا ان يكون الماء الجارى لكان السرور الاوفر فائتا وطيب المكان مفقودا ولا مرّ ماجاء اللّه بذكر الجنات مشفوعا بذكر الماء الجارى من تحتها مسوقين على قران واحد ومن احاديث المقاصد الحسنة ( ثلاث يجلون البصر النظر الى الخضرة والى الماء الجارى والى الوجه الحسن ) اى ما يحل النظر اليه فان النظر الى الامرد الصبيح ممنوع ، قال الشيخ سعدى فى حق من يديم النظر الى النقاش عند نظر النقش جراطفل يكروزه هوشش نبرد ... كه درصنع ديدن جه بالغ جه خرد محقق همى بيند اندر ابل ... كه در خوب رويان جين وجكل وهما علمان لبلدتين من بلاد الترك يكثر فيهما المحابيب. وفى التأويلات النجمية قوله { وجعلنا ابن مريم وامه آية } يشير به الى عيسى الروح الذى تولد من امركن بلا اب من علام الاسباب وهو اعظم آية من آيات اللّه المخلوقة التى تدل على ذات اللّه ومعرفته لانه خليفة اللّه وروح منه { و آويناهما الى ربوة } اى ربوة القلب فانه مأوى الروح ومأوى الامر بالاوامر والنواهى { ذات قرار ومعين } هو منزلهما ودار قرارهما يعنى ما دام القلب يكون مأوى الروح ومقره يكون مأوى الامر ومقره بان لاتسقط عنه التكاليف واما المعين فهو عين الحكمة الجارية من القلب عل اللسان انتهى ، اللهم يامعين اجعلنا من اهل المعين. ٥١ { يايها الرسل كلوا من الطيبات } خطاب لجميع الرسل لا على انهم خوطبوا بذلك دفعة لانهم ارسلوا متفرقين فى ازمنة مختلفة بل على معنى ان كل رسول منهم خوطب به فى زمانه ونودى ووصى ليلعم السامع ان اباحة الطيبات للرسل شرع قديم وان امرا نودى له جميع الانبياء ووصوا به حقيق ان يؤخذ به ويعمل عليه اى وقلنا لكل رسول كل من الطيبات واعمل صالحا فعبر عن تلك الاوامر المتعدد المتعلقة بالرسل بصيغة الجمع عند الحكاية اجمالا للايجاز ، وقال بعضهم انه خطاب لرسول اللّه وحده على دأب العرب فى مخاطبة الواحد بلفظ الجمع للتعظيم وفيه ابانة لفضله وقيامه مقام الكل فى حيازة كمالاتهم وقد جمع الرحمن فيك لمعاجزا ... آنكه خوبان همه دارند تو تنها دارى ... والطيبات مايستطاب ويستلذ من مابحات المآكل والفواكه { واعملوا صالحا } اى عملا صالحا فانه المقصود منكم والنافع عند ربكم وهذا الامر للوجوب بخلاف الاول وفيه رد وهدم لما قال بعض المبيحين من ان العبد اذا بلغ غاية المحبة وصفا قلبه واختار الايمن على الكفر من غير نفاق سقط عنه الاعمال الصالحة من العبادات الظاهرة وتكون عبادته التفكر هذا كفر وضلال فان اكمل الناس فى المحبة والايمان هم الرسل خصوصا جبيب اللّه مع ان التكاليف بالاعمال الصالحة والعبادات فى حقهم اتم واكمل { انى بما تعملون } من الاعمال الظاهرة والباطنة { عليم } فاجازيكم عليه ، وفى الآية دلالة على بطلان ما عليه الرهابنة من رفض الطيبات يعنى على تقدير اعتقادهم بان ليس فى دينهم اكل الطيبات ، واعلم ان تأخير ذكر العمل الصالح يدل على ان تكون نتيجته اكل الحلال : وفى المثنوى علم وحكمت زايد ازلقمه حلال ... عشق ورقت آيد ازلقمه حلال جون زلقمه توحسد بينى ودام ... جهل وغفلت زايد آنرا دان حرام هيج كندم كارى وجوه بردهد ... ديده اسبى كه كره خر دهد لقمه تخمست وبرش انديشها ... لقمه بحر وكوهرش انديشها زايد ازلقمه حلال اندر دهان ... ميل خدمت عزم رفتن آن جهان قال الراغب اصل الطيب ماتستلذه الحواس والنفس والطعام الطيب فى الشرع ما كان متناولا من حيث ما يجوز وبقدر ما يجوز من المكان الذى يجوز فانه متى كان كذلك كان طيبا عاجلا وآجلا لا يستوخم ولا فاه وان كان طيبا عاجلا لم يطب آجلا وفى الحديث ( ان اللّه طيب لا يقبل الا طيبا ) قال صاحب روضة الاخبار فرموده لقمه كه دراصل نباشد حلال ... زونقتد مرد مكر درضلال قطره باران توجون صاف نيست ... كوهر درياى توشفاف نيسث وكان عيسى عليه السلام يأكل من غزل امه وكان رزق نبينا عليه السلام من الغنائم وهو اطيب الطيبات روى عن خت شداد انها بعثت الى رسول اللّه بقدح من لبن فى شدة الحر عند حظرة وهو صائم فرده اليها وقال من اين لك هذا فقالت من شاة لى ثم رده وقال من اين هذه الشاة فقالت اشتريتها بمالى فاخذه ثم انها جاءته وقالت يا رسول اللّه لم رددته فقال بذلك امرت الرسل ان لا يأكلوا الا طيبا ولا يعملوا الا صالحا ، قال الامام الغزالى رحمه اللّه اذا كان ظاهر الانسان الصلاح والستر فلا حرج عليك فى قبول صلاته وصدقته ولا يلزمك البحث بان تقول قد فسد الزمان فان هذا سوء ظن بذلك الرجل المسلم بل حسن الظن بالمسلمين مأمور به ، قال ابو سليمان الدارانى رحمه اللّه لان اصوم النهار وافطر الليل على لقمة حلال احب الى من قيام الليل وصوم النهار وحرام على شمس التوحيد ان تحل قلب عبد فى جوفه لقمة حرام ثم ان اكل الطيبات وان رخص فيه لكنه قد يترك قطعا للطبيعة عن الشهوات ، قال ابو الفرج بن الجوزى ذكر القلب فى المباحات يحدث له ظلمه فكيف تدبير الحرام اذا غير المسك الماء منع الوضوء به فكيف ولوغ الكلب ولذا قال بعض الكبار من اعتاد بالمباحات حرم لذة المناجاة اللهم اجعلنا من اهل التوجه والمناجاة. ٥٢ { وان هذه } اى ملة الاسلام والتوحيد واشير ليها بهذه للتنبيه على كمال ظهور امرها فى الصحة والسداد وانتظامها بسبب ذلك في سلك الامور المشاهدة { امتكم } اى ملتكم وشريعتكم ايها الرسل ، قال القرطبى الامة هنا الدين ومنه انا وجدنا آباءنا على امة اى على دين مجتمع { امة واحدة } حال من هذه اى ملة وشريعة متحدة فى اصول الشرائع التى لا تتبدل بتبدل الاعصار واما الاختلاف فى الفروع فلا يسمى اختلافا فى الدين فالحائض والطاهر من النساء دينهما واحد وان افترق تكليفهما ، وقيل هذه اشارة الى الامم المؤمنة للرسل المعنى ان هذه جماعتكم واحدة متفقة على الايمان والتوحيد فى العبادة ولا يلائمه قوله تعالى { وانا ربكم } من غير ان يكون لى شريك فى الربوبية { فاتقون } اى فى شق العصا ومخالفة الكلمة والضمير للرسل والامم جميعا على ان الامر فى حق الرسل للتهييج والالهاب وفى حق الامم للتحذير والايجاب ، وفى التفسير الكبير فيه تنبيه على ان دين الجميع واحد فيما يتصل بمعرفة اللّه تعالى واتقاء معاصيه. ٥٣ { فتقطعوا امرهم بينهم } اى جعلوا امر دينهم مع اتحاده قطعا متفرقة واديانا مختلفة { زبرا } حال من امرهم اى قطعا جمع زبور بمعنى الفرقة : وبالفارسية [ بارها يعنى كروه كروه شدند وختلاف كردند ] { كل حزب } اى جماعة من اولئك المتحزبين { بما لديهم } من الدين الذى اختاروه { فرحون } معجبون معتقدون انه الحق ، قال بعض الكبار كيف يفرح العبد با لديه وليس يعلم ماسبق له فى محتوم العلم ولا ينبغى للعارفين ان يفرحوا بما دون اللّه من العرش الى الثرى بل العارف الصادق اذا استغرق فى بحار المعرفة فهمومه اكثر من فرحه لما يشاهد من القصور فى الادراك ، قال الشيخ سعدى [ عاكفان كعبه جلالش بتقصير عبادت معترفندكه ما عبدناك حق عبادك وواصفان حليه جمالش بتحير منسوب كه ما عرفناك حق معرفتك كركسى وصف اوزمن برسد ... بى دل ازبى تشان جه كويد باز عاشقان كشتكان معشوقند ... رنيايد زكشتكان اواز ٥٤ { فذرهم فى غمرتهم } شبه ماهم فيه من الجهالة بالماء الذى يغمر القامة ويسترها لانهم مغمورون فيها لاعبون بها ، قال الراغب اصل الغمر ازالة اثر الشىء ومنه قيل للماء الكثير الذى يزيل اثر مسيله غمر وغامر والغمرة معظم الماء الساترة لمقرها وجعل مثلا للجهالة التى تغمر صاحبها والخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اى اتركهم يعنى الكفار المتفرقة على حالهم ولا تشغل قلبك بهم وبتفرقهم { حتى حين } هو حين قتلهم او موتهم على الكفر او عذابهم فهو وعيد لهم بعذاب الدنيا الآخرة وتسلية لرسول اللّه ونهى له عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخيره. ٥٥ { أيحسبون انما نمدهم به } الهمزة لانكار الواقع واستقباحه وما موصولة اى أيظن الكفرة ان الذى نعطيهم اياه ونجعله مددا لهم { من مال وبنين } بيان للموصول وتخصيص البنين لشدة افتخارهم بهم. ٥٦ { نسارع } به { لهم فى الخيرات } فما فيه خيرهم واكرامهم ، قال الكاشفى [ يعنى كمان ميبرندكه امداد مايشانرا بمال وفرزند مسارعتست ازما براى ايشان درنيكويى واعمال ايشانرا استحقاق آن هست كه ما باداش آن بايشان نيكوبى كنيم ] { بل } [ نه جنين است كه مى بندارند بلكه ] { لايشعرون } [ نميدانندكه اين امداد استدراجست نه مسارعت در خير ] فهو عطف على مقدر أى كلا لانفعل ذلك بل هم لايشعرون بشىء اصلا كالبهائم لافطنة لهم ولا شعور ليتأملوا ويعرفوا ان ذلك الامداد استدراج واستجرار الى زيادة الاثم وهم يحسبونه مساعرة لهم فى الخيرات روى فى الخير ان اللّه تعالى اوحى الى نبى من الانبياء أيفرح عبدى ان ابسط له فى الدنيا فهو ابعد له منى أيجزع عبدى المؤمن ان اقبض عنه الدنيا وهواقرب له منى ثم قال أيحسبون ان ما نمدهم الخ ، قال بعض الكبار ان اللّه تعالى امتحن الممتحنين بزينة الدنيا ولذتها وجاهها ومالها وخيراتها فاستلذوها واحتجبوا بها عن مشاهدة الرحمن وظنوا انهم نالوا جميع الدرجات وانهم مقبولون حين اعطوا هذه الفانيات ولم يعلموا انها استدراج لامنهاج ، قال عبدالعزيز المكى من تزين بزينة فانية فتلك الزينة تكون وبالا عليه الا من تزين بما يبقى من الطاعات والموافقات والمجاهدات فان الانفس فانية والاموال عوارى والاولاد فتنة فمن تسارع فى جمعها وحظها وتعلق قلبه بها قطع عن الخيرات اجمع وما عبداللّه بطاعة افضل من مخالفة النفس والتقلل من الدنيا وقطع القلب عنها لان المسارعة فى الخيرات هو اجتناب الشرور واول الشرور حب الدنيا لانها مزرعة الشيطان فمن طلبها وعمرها فهو حزبه وعبده وشر من الشيطان من يعين الشيطان على عمارة داره : ومن كلمات سلطان ولد بكذار جهان راكه جهان آن تونيست ... وين دم كه همى زنى بفرمان تونيست كرمال جهان جمع كى شاد مشو ... ورتيكه بجان كنى جان آن تونيست قال الشيخ سعدى قدس سره برمرد هشيار دنيا خسست ... كه هر مدتى جاى ديكر كسست برفتندهر كس درود آنجه كشت ... نماند بجزنام نيكو وزشت ٥٧ { ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون } اى من خوف عذابه حذرون والخشية خوف يشوبه تعظيم والاشفاق عناية مختلطة بخوف لان المشفق يحب المشفق عليه وبخاف ما يلحقه وقد سبق تحقيقه فى سورة الانبياء وعن الحسن ان المؤمن جمع احسانا وخشية والكافر جمع اساءة وامنا هركه مرورا ايمن كنند ... ٥٨ { والذين هم بآيات ربهم } المنصوبة فى الآفاق والمنزلة على الاطلاق { يؤمنون } يصدقون مدلولها ولا يكذبونها بقول وفعل. ٥٩ { والذين هم بربهم لا يشركون } غيره شركا جليا ولاخفيا ولذلك عبر عن الايمان بالآيات ، قال الجنيد قدس سره من فتش سره فرأى فيه شيأ اعظم من ربه او اجل منه فقد اشرك به او جعل له مثلا. وفى التأويلات النجمية ومن اعظم الشرك ملاحظة الخلق فى الرد والقبول وهى الاستبشار بمدحهم والانكسار بذمهم وايضا ملاحضة الاسباب فاذا جاء اليقين بحيث ارتقع التوهم اى توهم ان الشىء من الحدثان لامن التقدير فحينئذ يتقى امن الشركك قال الجامى قدس سره جيب خاص است كه كنج كهراخلاص است ... نيست اين در ثمين در بغل هر دغلى ٦٠ { والذين يؤتون ماآتوا } اى يعطون ماعطوه من الزكوات والصدقات وتوسلوا به الى اللّه تعالى من الخيرات والمبرا وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار والماضى على التحقق { وقلوبهم وجلة } حال من فاعل يؤتون اى والحال ان قلوبهم خائفة اشد الخوف ، قال الراغب الوجل استشغار الخوف { انهم الى ربهم راجعون } اى من ان رجوعهم اليه تعالى على ان مناط الوجل ان لايقبل منهم ذلك وان لايقع على الوجه اللائق فيؤاخذوا به حنيئذ لامجرد رجوعهم اليه تعالى والمواصلات الاربعة عبارة عن طائفة واحدة متصفة بما ذكر فى حيز صلاتها من الاوصاف الاربعة لا عن طوائف كل واحدة منها متصفة بواحد من الاوصاف المذكورة كأنه قيل ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون وبآيات ربهم يؤمنون الخ وانما كرر الموصول ايذانا باستقلال الموصوف بها ، قال بعض الكبار وجل العارف من طاعته اكثر من وجله من مخالفته لان المخالفة تمحى بالتوبة والطاعة تطلب بتصحيحها والاخلاص والصدق فيها فاذا كان فاعل الطاعات خائفا مضطربا فكيف لايخاف غيره قال الشيخ سعدى قدس سره. دران روز كزفعل برسند وقول ... اولو العز را تن بلرزد زهول بجايى كه دهشت خرود انبياء ... توعذر كنه را جه دارى بيا ٦١ { اولئك } المنعوتون بما فصل من النعوت الجليلة خاصة دون غيرهم { يسارعون } [ مى شتابند ] { فى الخيرات } اى فى نيل الخيرات التى من جملتها الخيرات العاجلة الموعودة على الاعمال الصالحة كما قال تعالى { فآتاهم اللّه ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة } { وآتيناه اجره في الدينا وانه فى الآخرة لمن الصالحين } لانهم اذا سورع بها لهم فقد سارعوا فى نيلها وتعجلوها فيكون اثبت لهم ما نفى عن لكفار ، قال فى الارشاد ايثار كلمة فى على كلمة الى للايذان بانهم متقلبون فى فنون الخيرات لا انهم خارجون عنها متوجهون اليها بطريق المسارعة كما فى قوله تعالى { وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة } الخ { وهم لها سابقون } اى اياها سابقون متقدمون واللام لتقوية عمل اسم الفاعل اى ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم فى الدينا ، قال بعض الكبار بالمسارعات الى الخيرات تبتغى درجة السابقين ويطلب مكارم الواصلين لا بالدواعى والاهمال وتضييع الاوقات من اراد الوصول الى المقامات من غير آداب ورياضات ومجاهدات فقد خاب وخسر وحرم الوصول اليها. وفى التأيلات النجمية { اولئك يسارعون فى الخيرات } الخ اى هم المتوجهون الى اللّه المعرضون عما سواه المسارعون بقدم الصدق والسعى الجميل على حسب ماسبقت لهم ن اللّه الحسنى { وهم لها سابقون } على قدر سبق العناية انتهى ، يعنى بقدر سبق العناية يسبق العبد على طريق الهداية فلكل سالك حظوه ولذا قال بعض الكبار جنة النعيم لاصحاب العلوم وجنة الفردوس لاصحاب الفهوم وجنة المأوى لاصحاب التقوى وجنة عدن للقائمين بالوزن وجنة الخلد للمقيمين على الودّ وجنة المقامة لاهل الكرامة وليس فى مقدور البشر مراقبة لله تعالى فى السر والعلن مع الانفاس فان ذلك من خصائص الملأ الاعلى واما رسول اللّه عليه السلام فكانت له هذه الرتبة لكونه مسرعا فى جميع احواله فلا يوجد الا فى واجب او مندوب او مباح فهذا هو السبق الاعلى والمسارعة العليا حيث لاقدم فوقه نسأل اللّه تعالى ان يجعلنا من المسارعين الى الخيرات ومراقبى الانفاس مع اللّه فى جميع الحالات كما قال { والذين هم على صلاتهم دائمون } ٦٢ { ولا نكلف نفسا } من النفوس { الا وسعها } قدر طاقتها لا اله الا اللّه والعمل بما يترتب عليه من الاحكام من قبيل ماهو فى الوسع ، قال مقاتل من لم يستطع القيام فليصل قاعدا ومن لم يستطع القعود فليومىء ايماء ، قال الحريرى لم يكلف اللّه العباد معرفته على قدره وانما كلفهم على اقدارهم ولو كلفهم على قدره لما عرفوه لانه لا يعرفه على الحقيقة احد سواه : قال الجامى عمرى خردجوجشمه هاجشمها كشاد ... تابر كمال كنه اله افكند نكاه ليكن كشيد عاقبتش در دو ديده نيل شكل الف كه حرف نخست است ازاله ... { ولدينا } عندنا { كتاب } صحائف اعمال قد اثبت فيها اعمال كل احد على ماهى عليه { ينطق بالحق } بالصدق لا يوجد فيه مايخالف الواقع اى يظهر لحق ويبينه للناظر كما يبينه النطق ويظهر للسامع فنيظر هنالك اعمالهم ويترتب عليها اجزيتها ان خيرا فخير وان شر فشر : وبالفارسية [ ونزد ما ست نامه اعمال هركس كه سخن كويد براستى وكواهى دهد بركردار هركس ] { وهم لا يظلمون } فى الجزاء بنقص ثواب او بزيادة عذاب بل يجزون بقدر اعمالهم التي كلفوها ونطقت بها صحائفها بالحق. ٦٣ { بل قلوبهم فى غمرة من هذا } اى بل قلوب الكفرة فى غفلة غامرة اى ساترة لها من هذا الذى بين فى القرآن من ان لديه كتابا ينطق بالحق ويظهر لهم اعمالهم السيئة على رؤس الاشهاد فيجزون بها { ولهم اعمال } خبيثة كثيرة { من دون ذلك } الذى ذكر من كون قلوبهم فى غفلة عظيمة مما ذكر وهى فنون كفرهم ومعاصيهم التى من جملتها ماسيأتى من طعنهم فى القرآن { هم لها عاملون } معتادون فعلها. ٦٤ { حتى اذا اخذنا مترفيهم } غاية لاعمالهم المذكورة ومبتدأ لما بعده من مضمون الشرطية اى لايزالون يعملون اعمالهم الى حيث اذا اخذنا متنعميهم ورؤساءهم { بالعذاب } الاخروى اذ هو الذى يفاجئون عنده الجؤار فيجابون بالرد والاقناط واما عذاب يوم بدر فلم يوجد لهم عنده جؤار فالضمير فى قوله { اذا هم يجأرون } راجع الى المترفين اى فاجأوا الصراخ بالاستغاثة اى يرفعون اصواتهم بها ويتضرعون فى طلب النجاة فان اصل الجؤار دفع الصوت بالتضرع وجأر الرجل الى اللّه تضرع بالدعاء ، قال الراغب جأر اذا افرط فى الدعاء والتضرع تشبيها بجؤار الوحشيات كالضباء ونحوها وتخصيص المترفين باخذ العذاب ومفاجأة الجؤار مع عمومه لغيرهم ايضا لغاية ظهور انعكاس حالهم وايضا اذا كان لقاؤهم هذه الحالة الفظيعة ثابتا واقعا فما ظنك بحال الاصاغر والخدم ، وقال بعضهم المراد بالمترفين المعذبين ابو جهل واصحابه الذين قتلوا ببدر والذين هم يجأرون اهل مكة فيكون الضمير راجعا الى ما رجع اليه ضمير مترفيهم وهم الكفرى مطلقا. ٦٥ { لا تجأروا اليوم } على اضمار القول اى فيقال لهم وتخصيص اليوم بالذكر وهو يوم القيامة لتهويله والايذان بتفويتهم وقت الجؤار { انكم منا لا تنصرون } اى لايلحقكم من جهتنا نصرة تنجيكم مما دهمكم. ٦٦ { قد كانت آياتى تتلى عليكم } فى الدنيا لتنتفعوا بها { فكنتم على اعقابكم تنكصون } الاعقاب جمع عقب وهو مؤخر الرجل ورجع على عقبه اذا انثنى راجعا والنكوص الرجوع القهقرى اى معرضون عن سماعها اشد الاعراض فضلا عن تصديقها والعمل بها. ٦٧ { مستكبرين به } اى حال كونكم مكذبين بكتابى الذى عبر عنه بآياتى على تضمين الاستكبار معنى التكذيب { سامرا } حال بعد حال وهو اسم جمع كالحاضر ، قال الراغب قيل معناه سمارا فوضع الواحد موضع الجمع وقيل بل السامر الليل المظلم والسمر سواد الليل ومنه قيل للحديث بالليل سمر وسمر فلان اذا تحجث ليلا كانوا يجتمعون حول البيت بالليل ويسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحرا وشعرا { تهجرون } حال اخرى من الهجر بالفتح بمعنى الهذيان او الترك اى تهذون فى شأن القرآن وتتركونه وفيه ذم لمن يسمر فى غير طاعة اللّه تعالى كان عليه السلام يؤخر العشاء الى ثلث الليل ويكره النوم قبلها والحديث بعدها ، قال القرطبى اتفق على كراهية الحديث بعدها لان الصلوات حد كفرت خطايا الانسان فينام على سلامة وقد ختم الحفظة صحيفته بالعبادة فان سمر بعد ذلك فقد لغا وجعل خاتمتها اللغو والباطل ، وكان عمر رضى اللّه عنه لا يدع سامرا بعد العشاء ويقول ارجوا فلعل اللّه يرزقكم صلاة او تهجدوا ، قال الفقيه ابو الليث رحمه اللّه السمر على ثلاثة اوجه . احدها ان يكون فى مذاركة العلم فهو افضل من النوم ويلحق به كل ما فيه خير وصلاح للناس فانه كان سمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعند العشاء فى بيت ابى بكر رضى اللّه عنه ليلا فى الامر الذي يكون من امر المسلمين . والثانيى ان يكون فى اساطير الاولين والاحاديث الكذب والسخرية والضحك فهو مكروه . والثالث ان يتكلموا للمؤانسة ويتجنبوا الكذب وقول الباطل فلا بأس به والكف عنه افضل للنهى الوارد فيه واذا فعلوا ذلك ينبغى ان يكون رجوعهم الى ذكر اللّه والتسبيح والاستغفار حتى يكون رجوعهم بالخير وكان عليه السلام اذا اراد القيام عن مجلسه قال ( سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك ) ثم يقول ( علمنيهن جبريل ) ، قال فى روضة الاخبار ( من قال ذلك قبل ان يقوم من مجلسه كفر اللّه ما كان فى مجلسه ذلك ) كذا فى الحديث انتهى ، وروى عن عائشة رضى اللّه عنها انها قالت لا سمر الا لمسافر او لمصل ومعنى ذلك ان المسافر يحتاج الى ما يدفع عنه النوم للمشى فابيح له ذلك وان لم يكن فيه قربة وطاعة والمصلى اذا سمر ثم صلى يكون نومه على الصلاة وختم سمره بالطاعة ، فعلى العاقل ان يجتنب عن الفضول وعن كل ما يفضى الى البعد عن تحريم القبول وبفى عمره من تضيع الاوقات فى اكتساب ما هو من الآفات : قال الحافظ ما قصه سكندر ودارا بخوانده ايم ... از مابجز حكايت مهر ووفامبرس وقال بعضهم جزياد دوست هرجه كنم جمله ضايعست ... جز سر شوق هرجه بكويم بطالتست ٦٨ { أفلم يدبروا القول } الهمزة لانكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر اى أفعل الكفار ما فعلوا من النكوص والاستكبار والهجرة فلم يتدبروا القرآن ليعرفوا بما فيه من اعجاز النظم وصحة المدلول والاخبار عن الغيب انه الحق من ربهم فيؤمنوا به فضلا عما فعلوا فى شأنه من القبائح ولتدبر احضار القلب للفهم ، قال الراغب التدبر التفكر فى دبر الامور { ام جاءهم ما لم يأت آباءهم الاولين } ام منقطعة مقدرة ببل والهمزة قيل للاضراب والانتقال عن التوبيخ بما ذكر الى التوبيخ بآخر والهمزة لانكار الواقع اى بل أجاءهم من الكتاب مال م يأت آباءهم الاولين حتى استبعدوه فوقعوا فى الكفر والضلال يعنى ان مجيء القرآن على طريقته فمن اين ينكرونه. ٦٩ { ام لم يعرفوا رسولهم } اضراب وانتقال من التوبيخ بما ذكر الى التوبيخ بوجه آخر والهمزة لانكار الوقوع ايضا اى بل ألم يعرفوه عليه السلام بالامانة والصدق وحسن الاخلاق وكمال العلم مع عدم التعلم من احد الىغير ذلك من صفة الانبياء { فهم له منكرون } اى جاهدون بنبوته فحيث انتفى عدم معرفتهم بشأنه عليه السلام ظهر بطلان انكارهم لانه مترتب عليه. ٧٠ { ام يقولون به جنة } انتقال الى توبيخ آخر والهمزة لانكار الواقع اى بل أيقولون به جنون : وبالفارسية [ ياميكويند درو ديوكيست ] مع انه ارجح الناس عقلا وايقبهم ذهنا واتقنهم رأيا واوفرهم رزانة { بل جاءهم بالحق } اى ليس الامر كما زعموا فى حق القرآن والرسول بل جاءهم الرسول بالصدق الثابت الذى لا ميل عنه ولا مدخل فيه للباطل بوجه من الوجوه ، قال الكشافى [ يعنى اسلام ياسخن راست كه قرآنست ] { واكثرهم للحق } من حيث هو حق اى حق كان لا لهذا الحق فقط كما ينبىء عنه الاظهار فى موقع الاضمار { كارهون } لما فى جبلتهم من الزيغ والانحراف المناسب للباطل ولذلك كرهوا هذا الحق الا بلج وزاغوا عن الطريق الانهج وتخصيص اكثرهم بهذا الوصف لا يقتضى الا عدم كرهة الباقين لكل حق من الحقوق وذلك لاينافى كراهتهم لهذا الحق المبين ، يقول الفقير لعل وجه التخصيص ان اكثر القوم وهم الباقون على الكفر كارهون للحق ولذا اصروا واقلهم وهم المختارون للايمان غير كارهين ولذا اقروا فان الحكمة الالهية جارية على ان قوم كل نبى اكثرهم معاند كما قال تعالى { ولقد ضل قبلهم اكثر الاولين } قال الحافظ كوهر باك ببايدكه شود قابل فيض ... ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان تشود فالاقل وهم المستعدون كالجواهر النفيسة والازهار الطيبة والاكثر وهم غير المستعدين كلاحجار الخسيسة والنباتات اليابسة ، واعلم ان الكفار كرهوا الحق المحبوب المرغوب طبعا وعقلا ولو تركوا الطبع والعقل واتبعوا الشرع واحبوه لكان خيرا لهم فى الدنيا والآخرة ، ان قلت هل يعتد فى الآخرة بما يفعل الانسان فى الدنيا من الطاعة كرها ، قلت لا فان اللّه تعالى ينظر الى السرائر ولايرضى الاخلاص ولهذا قال عليه السلام ( انما الاعمال بالنيات ) وقال ( اخلص يكفك القليل من العمل ) عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغز بوست اكرجز بحق ميرود جاده ات ... در ىتش فشانند سجاده ات ومن لطائق المولى الجامى تهيست سبحة زاهد زكوهر اخلاص ... هزار بار من آنرا شمرده ام يك يك ودلت الآية على ان ما هو مكروه عند الانسان لايلزم ان يكون مكروها عند الرحمن واللّه تعالى لا يحمل العباد الا على نعيم الابد وقد علم الحق تعالى قلة نهوض العباد الى معاملته الت لا مصلحة لهم فى الدراين الا بها فاوجب عليهم وجود طاعته ورتب عليها وجود ثوابه وعقوبته فاسقهم اليها بسلاسل الايجاب اذ ليس عندهم من المروءة ما يردهم اليه بلا علة هذا حال اكثر الخلق بخلاف اهل المروءة والصفا وذوى المحبة والوفا الذين لم يزدهم التكليف الاشرفا فى افعالهم وزيادة فى نوالهم ولو لم يكن وجوب لقاموا للحق بحق العبودية ورعوا ما يجب ان يراعى من حرمة الربوبية حتى ان منهم من يطلب لدخول الجنة فيأبى ذلك طلبا للقيام بالخدمة فتوضع فى اعناقهم السلاسل من الذهب فيدخلون بها الجنة قيل ولهذا يشير عليه السلام بقوله ( عجب ربكم من قوم يقادون الى الجنة بالسلاسل ) وفى الحديث اشارة ايضا الى ان بعض الكراهة قد يؤول الى المحبة ألا ترى الى احوال بعض الاسارى فانهم يدخلون دار الاسلام كرها ثم يهديهم اللّه تعالى فيؤمنون طوعا فيساقون الى الجنة بالسلاسل فالعبرة فى كل شىء للخاتمة ، قال بعضهم من طالع الثواب والعقاب فاسلم معرفة ومحبة فهو انما اسلم طوعا وهو الذي يعتد به عند اهل اللّه تعالى ، فعلى العاقل ان يتدبر القرآن فيخلص الايمان ويصل الى العرفان والايقان بل الى المشاهدة والعيان واللّه تعالى ارسل رسوله بالحق فماذا بعد الحق الا الضلال. ٧١ { ولو اتبع الحق } الي كرهوه ومن جملته ما جاء به عليه السلام من القرآن { اهواءهم } مشتهيات الكفرة بان جاء القرآن موافقا لمراداتهم فجعل موافقته اتباعا على التوسع والمجاز { لفسدت السموات والارض ومن فيهن } من الملائكة والانس والجن وخرجت عن الصلاح والانتظام بالكلية لان مناط النظام ومايه قوام العالم ليس الا الحق الذى من جملته الاسلام والتوحيد والعدل ونحو ذلك ، قال بعضهم لولا ان اللّه امر بمخالفة النفوس ومباينتها لاتبع الخلق اهواءهم وشهواتهم ولو فعلوا ذلك لضلوا عنطريق العبودية وتركوا او امر اللّه تعالى واعرضوا عن طاعته ولزموا مخالفته والهوى يهوى بمتابعيه الى الهاوية { بل اتيناهم بذكرهم } انتقال من تشنيعهم بكراهة الحق الذى يقوم به العالم الى تشنيعهم بالاعراض عما جبل عليه كل نفس من الرغبة فيما فيه خيرها والمراد بالذكر القرآن الذى فيه فخرهم وشرفهم فى الدنيا والآخرة كما قال تعالى { وانه لذكر لك ولقومك } اى شرف لك ولقومك والمعنى بل اتيناهم بفخرهم وشرفهم الذى يجب عليهم ان يقبلوا عليه اكمل اقبال ، وفى التأويلات النجمية { بل اتيناهم } بما فيه لهم صلاح فى الحال وذكر فى المأل { فهم } بسوء اختيارهم { عن ذكرهم } عن صلاح حالهم وشرف مآلهم ، وفى الارشاد اى فخرهم وشرفهم خاصة { معرضون } لاعن غير ذلك مما لايوجب الاقبال عليه والاعتناء به. ٧٢ { ام تسألهم } انتقال من توبيخهم بما ذكر من قولهم ام يقولون به جنة الى التوبيخ بوجه اخر كأنه قيل ام يزعمون انك تسألهم على اداء الرسالة { خرجا } اى جعلا واجر فلا جل ذلك لايؤمنون بك { فخراج ربك خير } تعليل لنفى السؤال المستفاد من الانكار اى لا تسألهم ذلك فان رزق ربك فى الدنيا وثوابه فى العقبى خير لك من ذلك لسعته ودوامه ففيه استغناء لك عن عطائهم والخرج بازاء الدخل يقال لكل ما تخرجه الى غيرك والخراج غالب فى الضريبة على الارض ففيه اشعار بالكثرة واللزوم فيكون ابلغ ولذلك عبر به عن عطاء اللّه اياهن قال فى تفسير المناسبات وكأنه سماه خراجا اشاره الى انه اوجب رزق كل احد على نفسه بوعد لاخلف فيه { وهو خير الرازقين } اى خير من اعطى عوضا على عمل لان ما يعطيه لاينقطع ولايتكدر وهو تقدير لخيرية خراجه تعالى ، وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان العلماء باللّه الراسخين فى العلم لا يدنسون وجوه قلوبهم الناضرة بدنس الاطماع الفاسدة والصالحة الدنيوية والاخروية فيما يعاملون اللّه فى دعوة الخلق الى اللّه باللّه لله زيان ميكند مرد تفسيردان ... كه علم وهنر ميفروشدبنان قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات الملكية مذهبنا ان للواعظ اخذ الاجرة على وعظه الناس وهو من احل ما يأكله وان كان ترك ذلك افضل وايضاح ذلك ان مقام الدعوة الى اللّه يقتضى الاجارة فانه مامن نبى دعا الى اللّه الا قال ان اجرى الا على اللّه فأثبت الاجر على الدعاء ولكن اختار ان يأخذه من اللّه لامن المخلوق انتهى. ٧٣ { وانك لتدعوهم الى صراط مستقيم } تشهد العقول السلمية باستقامته لاعوج فيه يوجب اتهامهم لك. ٧٤ { وان الذين لا يؤمنون بالآخرة } وصفوا بذلك تشنيعالهم بماهم عليه من الانهماك فى الدنيا وزعمهم ان لا حياة الا الحياة الدنيا { عن الصراط } المستقيم الذى تدعوهم اليه { لناكبون } مائلون عادلون عنه فان الايمان بالآخرة وخوف ما فيها من الدواهى من اقوى الدواعى الى طلب الحق وسلوك سبيله وليس لهم ايمان وخوف حتى يطلبوا الحق ويسلكوا سبب له ففى الوصف بعدم الايمان بالآخرة اشعار بعلة الحكم ايضا كالتشنيع المذكور ، قال ابو بكر الوراق من لم يهتم لامر معاده ومنقلبه ومايظهر عليه فى الملأ الاعلى والمسند الاعظم فهو ضال عن طريقته غير متبع لرشده واحسن منه حالا من لم يهتم لما جرى له فى السابقة ، ثم فى الآيات اخبار ان الكفار متعنتون محجوجون من كل وجه فى ترك الاتباع والاستماع الى رسول اللّه عليه السلام : قال الشيخ سعدى قدس سره كسى راكه بندار درسر بود ... ميندار هركزكه حق بشنود زعلمش ملال آيد ازوعظ ننك ... شقايق بباران نوريد زسنك قيل لما انصرف هارون الرشيد من الحج اقام بالكوفة اياما فلما خرج وقف بهلول المجنون على طريقه وناداه باعلى صوته يا هارون ثلاثا فقال هارون تعجبا من الذى ينادينى فقيل له بهلول المجنون فوقف هارون وامر برفع الستر كان يكلم الناس وراء الستر فقال له أتعرفنى قال نعم اعرفك فقال من انا قال انت الذى لو ظلم احد فى المشرق وانت فى المغرب سألك اللّه تعالى عن ذلك يوم القيامة فبكى هارون من تأثير كلامه وقال كيف ترى حال قال اعرضه على كتاب اللّه وهى { ان الابرار لفى نعيم وان الفجار لفى جحيم } قال اين اعمالنا قال { انما يتقبل اللّه من المتقين } قال واين قرابتنا من رسول اللّه قال { فاذا نفخ فى الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } قال واين شفاعة رسول اللّه ايانا قال { يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من اذن له الرحمن ورضى له قولا } قال هارون هل لك حاجة قال نعم ان تغفر لى ذنوبى وتدخلنى الجنة قال ليس هذا بيدى ولكن بلغنا ان عليك دينا فنقضيه عنك قال الدين لا يقضى بدين ادّ اموال الناس اليهم قال هارون أنأمر لك برزق يردّ عليك الى ان تموت قال نحن عبد ان اللّه تعالى أترى يذكرك وينسانى فقبل نصحه ومضى الى طريقه واشار بهلول فى قوله الاخير الى مضمون قوله تعالى { فخراج ربك خير } لان ماورد من حيث لا يحتسب خير مما ورد من جهة معينة : قال الحافظ قدس سره كنج زر كرنبود كنج قناعت باقيست ... آنكه آن داد بشاهان بكدايان ابن داد قال الشيخ سعدى قدس سره نيرزد عسل جان من زخم نيش ... قناعت نكوتر بدو شاب خويش اكر بادشاهست اكر بينه دوز ... دوخفتند كردد شب هردو روز ٧٥ { ولو رحمناهم } روى انه لما اسلم ثمامة بن اثال الحنفى ولحق باليمامة ومنع الميرة عن اهل مكة واخذهم اللّه بالسنين حتى اكلوا العلهز وهو شىء يتخذونه من الوبر والدم ، قال الكاشفى [ واهل مكه يحوردن مرده ومردار مبتلا شدند ] جاء ابو سفيان الى رسول اللّه فى المدينة فقال انشدك اللّه والرحم اى اسألك باللّه وبحرمة الرحم القرابة ألست تزعم انك بعثت رحمة للعالمين فقال بلى فقال قتلت الآباء بالسيف والانباء بالجوع فادع ان يكشف عنا هذا القحط فدعا فكشف عنهم فانزل اللّه هذه الآية { وكشفنا } ازلنا عنهم { مابهم } [ آنجه برايشان واقع است ] { من الضر } من سوء الحال يعنى القحط والجدب الذى غلب عليهم واصابهم { للجوا } اللجاج التمادى فى الخصومة والعناد فى تعاطى الفعل المزجور عنه وتمادى تناهى من المدى وهو الغاية والمعنى لتمادوا { في طغيانهم } الطغيان مجاوزة الحد فى الشىء وكل مجاوز حده فى العصيان طاغ اى فى افراطهم فى الكفر والاستكبار وعداوة الرسول والمؤمنين يعنى لارتدوا الى ما كانوا عليه ولذهب عنهم هذا التملق وقد كان ذلك ستيزندكى كار ديور وددست ... ستيزندكى دشمنى باخوداست { يعهمون } العمة التردد فى الامر من التحير اى عامهين عن الهدى مترددين فى الضلالة لا يدرون اين يتوجهون كمن يضل عن الطريق فى الفلاة لا أرى له ولا دراية بالطريق ، قال ابن عطاء الرحمة من اللّه على الاوراح المشاهدة ورحمته على الاسرار المراقبة ورحمته على القلوب المعرفة ورحمته على الابدان آثار الجذبة عليها على سبيل السنة ، وقال ابو بكر بن طاهر كشف الضر هو الخلاص من امانى النفس وطول الامل وطلب الرياسة والعلو وحب الدنيا وهذا كله مما يضر بالمؤمن ، وقال الواسطى للعلم طغيان وهو التفاخربه وللمال طغيان وهو البخل وللعمل والعبادة طغيان وهو الرياء والسمعة وللنفس طغيان وهو اتباع شهواتها. ٧٦ { ولقد اخذناهم بالعذاب } اللام جواب قسم محذوف اى وباللّه لقد اخذناهم اى اهل مكة بالعذاب الدنيوى وهو ما اصابهم يوم بدر من القتل والاسر. وفى التأويلات النجمية اذقناهم مقدمات العذاب شدائده تنبيها لهم { فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } فما وجدت منهم بعد ذلك استكانة ولا تضرع لربهم ومضوا على العتو والاستكبار والاستكانة الخضوع والذلة والتضرع اظهار الضراغة اى الضعف والذلة ووزن استكان استفعل من الكون لان الخاضع ينتقل من كون الى كون كما قيل استحال اذا انتقل من حال الى حال او افتعل من السكون اشبعت فتحة عينه وصيغة المضارع فى وما يتضرعون لرعاية الفواصل ، وفى الارشاد هو اعتراض مقرر لمضمون ماقبله اى وليس من عادتهم اليه تعالى. ٧٧ { حتى اذا } [ ناجون ] { فتحنا عليم بابا ذا عذاب شديد } هو عذاب الآخرة { اذا هم } [ ناكاه ايشان ] { فيه } [ دران عذاب ] { مبلسون } متحيرون آيسون من كل خير أى محناهم بكل محنة من القتل والاسر والجوع وغير ذلك فما رؤى منهم انقياد للحق وتوجه الى الاسلام واما ما اظهره ابو سفيان فليس من الاستكانة له تعالى والتضرع اليه فى شىء وانما هو نوع قنوع الى ان يتم غرضه فحاله كما قيل اذا جاع ضغا واذا شبع طغا واكثرهم مستمرون على ذلك الى ان يروا عذاب الآخرة فحينئذ يبلسون كقوله تعالى { ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون } وقوله تعالى { لايفتر عنهم وهم فيه مبلسون } قال عكرمة هو باب من ابواب جهنم عليه من الخزنة اربعمائة الف سود وجوههم كالحة انيابهم قد قلعت الرحمة من قلوبهم اذا بلغوه فتحة اللّه عليهم نسأل اللّه العافية من ذلك ، قال وهب بن منبه كان يسرج فى بيت المقدس الف قنديل فكان يخرج من طور سيناء زيت مثل عنق البعير صاف يجرى حتى ينصب فى القناديل من غير ان تمسه الايدى وكانت تنحدر نار من السماء بيضاء تسرج بها القناديل وكان القربان والسرج من ابنى هارون شبر وشبير فامر ان الايسرجا بنار الدنيا فاستجلا يوما فاسرجنا بنار الدنيا فوقعت النار فاكلت ابنى هارون فصرخ الصارخ الى موسى عليه السلام فجاء يدعو ويقول يا رب ان بانى هارون قد عملت مكانهما منى فاوحى اللّه اليه يابن عمران هكذا اقعل باوليائى اذا عصونى فكيف باعدائى ، وخرج على سهل الصعلوكى من مستوقد حمام يهودى فى طمر اسود من دخانه فقال ألستم تورن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فقال سهل على البداهة اذا صرت الى عذاب اللّه كانت هذه جنتك واذا صرت الى نعيم اللّه كانت هذه سجنى فتعجبوا من كلامه فعلم منه ان عذاب الآخرة ليس كعذاب الدنيا ومن عرف حقيقة الحال يقع فى خوف المآل وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لجبريل ( مالى لم ار ميكائيل ضاحكا قط ) قال ماضحك ميكائيل منذ خلقت النار ، واعلم ان المجاهدات والرياضات عذاب للنفس والطبيعة لاذابة جوهرهما من حيث الهوى والشهوات وارجاعهما الى الفطرة الاصلية لكن لابد مع ذلك من التضرع والبكاء وتعفير الوجوه بالتراب لانه بالاعتماد على الكسب يصعب طريق الوصول وبالافتقار والذلة ينفتح باب القبول جز خضوع وبندكى واضطرار ... اندرين حضرت ندارد اعتبار وعن ابى يزيد البسطامى قدس سره كابدت العبادة ثلاثين سنة فرايت قائلا يقول لى يا ابا يزيد خزائنه مملوءه من العبادة ان اردت الوصول اليه فعليك بالذلة والافتقار فعلم منه ان العذاب لا ينقطع الا بافراد العبودية لله تعالى والتواضع على وجه ليس فيه شائبة انانية اصلا نسأل اللّه سبحانه ان يكشف عنا ظلمة النفس وينورنا بنور الانس والقدس انه المسئول فى كل امل والمأمول من كل عمل. ٧٨ { وهو الذى انشأ } خلق { لكم } لمنافعكم { السمع } وهى قووة فى الاذن بها تدرك الاصوات والفعل يقال له السمع ايضا ويعبر تارة بالسمع عن الاذن : وبالفارسية [ كوش ] { والابصار } جمع بصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة فيها : وبالفارسية [ والافئدة ] جمع فؤاد : وبالفارسية [ دل ] ن قال الراغب هو كالقلب لكن يقال فؤاد اذا اعتبر فيه معنى التفؤد اى التوقد يقال فادت اللحم شويته ولحم فئيد مشوى وخص هذه الثلاثة بالذكر لان اكثر المنافع الدينية والدنيوية متعلق بها { قليلا ما تشكرون } ماصلة لتأكيد القلة اى شكرا قليلا تشكرون هذه النعم الجليلة لان العمدة فى الشكر استعمالها فيما خلقت لاجله وانتم تخلون بها اخلالا عظيما ، وفى العيون لم تشكروه لا قليلا ولا كثيرا ، يقول الفقير وهذا لان القلة ربما تستعمل فى العدم وهو موافق لحال الكفارن ثم فى الآية اشارة الى معانى ثلاثة . احدها اظهار انعامه العظيم وافضاله الجسيم بهذه النعم الجليلة من السمع والابصار والافئدة ، وثانيهما مطالبة العباد بالشكر على هذه لنعم . وثالثها الشكاية من العباد اذا لشاكر منهم قليل كما قال تعالى { وقليل من عبادى الشكور } وشكر هذه النعم استعمالها فى طاعة المنعم وعبوديته فشكر السمع حفظه عن استماع المنهيات وان لا يسمع الا لله وباللّه وعن الله كذركاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش وشكر البصر حفظه عن النظر الى المحرمات وان ينظر بنظر العبرة لله وباللّه والى الله دوجشم ازبى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فروكيرو دوست وشكر القلب تصفيته عن رين الاخلاق الذميمة وقطع تعلقه عن الكونين فلا يشهد غير اللّه ولا يحب الا الله تابكوهر دل كرده اند مانتدار ... زدزدامانت حق رانكامدار ومخسب ٧٩ { وهو الذى ذرأكم فى الارض } خلقكم وبثكم فيها بالتناسل يقال ذرأ اللّه الخلق اى اوجد اشخاصهم { واليه } تعالى لا الى غيره { تحشرون } تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم فما لكم لا تؤمنون به ولا تشركون. ٨٠ { وهو الذى يحيى ويميت } من غير ان يشاركه فى ذلك شىء من الاشياء اى يعطى الحياة النطف والتراب البيض والموتى يوم القيامة ويأخذ الحياة من الاحياء ولم يقل احيى وامات كما قال انشأكم وذرأكم ولكن جاء على لفظ المضارع ليدل على ان الاحياء والاماتة عادته { وله } خاصة { اختلاف الليل والنهار } اى هو المؤثر فى تعاقبهما لا الشمس او فى اختلافهما ازديادا وانتقاصا { أفلا تعقلون } اى اى أتفعلون عن تلك الآيات فلا تعقلون بالنظر والتأمل ان الكل منا وان قدرتنا تعم الممكنات وان العبث من جملتها. ٨١ { بل قالوا } عطف على مضمر يقتضيه المقام اى لم يعقلوا بل قالوا اى كفار مكة { مثل ماقال الاولون } اى كما قال من قبلهم من الكفار ثم فسر هذا القبول المبهم بقوله ٨٢ { قالوا أئذا متنا } [ أيا جون بميرم ] { وكنا ترابا } [ وباشيم خاك ] { وعظاما } [ واستخوانى خاكى كهنه ] { أئنا لمبعوثون } [ اياما برانكيخته شدكان شويم استفهام برسبيل انكاراست يعنى جون خاك كرديم حشر وبعث جكونه بماراه يابد ] استبعدوا ولم يتأملوا انهم كانوا قبل ذلك ايضا ترابا فخلقوا والعامل فى اذا ما دل عليه لمبعوثون وهو نبعث لان ما بعد ان لا يعمل فيما قبلها. ٨٣ { لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا } اى البعث وهو مفعول ثان لوعدنا { من قبل } متعلق بالفعل من حيث اسناده الى آبائهم لا اليهم اى وعد آباؤنا من قبل محمد فلم يروا له حقيقة : يعنى [ مارا وبدران مارا بوعده حشر ونشر تخويف كرده اند واين وعده راست نشد ] { ان هذا } ما هذا { الا اساطير الاولين } اكاذيبهم التى سطروها من غير ان يكون لها حقيقة . جمع اسطورة لانه يستعمل فيما يتلهى به كالاعاجيب والاضاحيك ، وفيه اشارة الى ان الناس كلهم اهل تقليد من المتقدمين والمتأخرين الا من هداه اللّه بنور الايمان الى التصديق بالتحقيق فان المتأخرين ههنا قلدوا آباءهم المتقدمين فى تكذيب الانبياء والجحود وانكار البعث : قال الجامى قدس سره خواهى بصوت كعبه تحقيق ره برى ... بى بربى مقلد كم كرده ره مرو ٨٤ { قل لمن الارض ومن فيها } من المخلوقات تغليبا للعقلاء على غيرهم { ان كنتم تعلمون } شيأ ما فأخبرونى به فان ذلك كاف فى الجواب وفيه من المبالغة فى وضوح الامر فى تجهيلهم مالا يخفى ٨٥ { سيقولون لله } لان بديهة العقل تضطرهم الى الاعتراف بانه تعالى خالقها { قل } عند اعترافهم بذلك تبكيتا لهم { أفلا تذكرون } اى تقولون ذلك فلا تتذكرون ان من فطر الارض وما فيها ابتداء قادر على اعادتها ثانيا فان البدء ليس باهون من الاعادة بل الامر بالعكس فى قياس العقول. ٨٦ { قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم } ترفى فى الامر بالسؤال من الادنى والاصغر الى الاعلى والاكبر فان السموات والعرش اعظم من الارض ولا يلز منه ان يكون من فى السموات اجل ممن فى الارض حتى تكون الملائكة افضل من جنس البشر كما لايخفى. ٨٧ { سيقولون لله } باللام نظرا الى معنى السؤال فان قولك من ربه ولمن هو فى معنى واحد يعنى اذا قلت من رب هذا افمعناه لمن هذا فالجواب لفلان { قل } توبيخا لهم { أفلا تتقون } اى أتعلمون ذلك فلا تتقون عذابه بعد العمل بموجب العلم حيث تكفرون به وتنكرون البعث وتثبتون له شريكا فى الربوبية قدم التذكر على التقوى لانهم بالتذكر يصلون الى المعرفة وبعد ان عرفوه علموا انه يجب عليهم اتقاء مخالفته. ٨٨ { قل من بيده } اليد فى الاصل اسم موضوع للجارحة من المنكب الى اطراف الاصابع وهو العضو المركب من لحم وعظم وعصب وكل من هذه الثلاثة جسم خصوص بصفة مخصوصة واللّه تعالى متعال عن الاجسام كلها وعن مشابهتها فلما تعذرت وجب الحمل على التجوز عن معنى معقول هو القدرة وبه تفسر قوله عليه السلام ( ان اللّه خمر طينة آدم بيده ) اى بقدرته الباهرة فان العضو المركب منها محال على اللّه ليس كمثله شىء لانه يلزم تركبه وتحيزه وذلك امارة الحدوث المنافى للازلية والقدم وكذلك الاصبعان فى قوله عليه السلام ( ان قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمن ) فان اهل الحق على ان الاصبعين وكذا اليدان فى قوله { لما خلقت بيدى } مجازان عن القدرة فانه شائع اى خلقت بقدرة كاملة ولم يرد بقدرتين { ملكوت كل شىء } مما ذكر ومما يذكر اى ملكه التام فان الملكوت الملك والتاء للمبالغة ، قال الراغب الملكوت مختص بملك اللّه تعالى. وفى التأويلات النجمية يشير الى ان لكل شىء ملكوتا وهو روحه من عالم الملكوت الذى هو قائم به يسبح اللّه تعالى به كقوله { وان من شىء الا يسبح بحمده } وروح ذلك بيد اللّه انتهى ، يقول الفقير وهو الموافق لما قبل الآية فانه لما بين انه يهب كل جسم وجرم بين ان بيده روح ذلك الجسم والجرم { وهو يجير } اى يغيث غيره اذا شاء { ولا يجار عليه } اى ولا يغاث احد عليه اى لا يمنع احد منه بالنصر عليه وتعديته بعلى لتضمين معنى النصرة. وفى التأويلات النجمية وهو يجير الاشياء من الهلاك بالقيومية ولايجار عليه اى لا مانع له ممن اراد هلاكه { ان كنتم تعلمون } ذلك فاجيبونى. ٨٩ { سيقولون لله } اى ملكوت كل شىء وه والذى يجير ولا يجاز عليه { قل فأنى تسحرون } اى فمن اين تخدعون وتصرفون عن الرشد مع علمكم به مع ما انتم عليه من الغى فان لايكون مسحورا مختلا عقله لايكون كذلك والخادع هو الشيطان والهوى اى كه بى نفس وهوى ميروى ... ره اينست خطا ميروى رواه روان زان ره ديكر روند ... بس توبدين راه جراميروى منزل مقصود ازان جانبست ... بس تو ازين سو بكجاميروى ٩٠ { بل اتيناهم بالحق } من التوحيد والوعد بالعبث { ونهم لكاذبون } فيما قاولا من الشرك وانكار البعث بين انهم اصروا على جحودهم واقاموا على عتوهم ونبوهم بعد ان ازيحت العلل فلات حين عذر وليس المساهلة موجب بقاء وقد انتقم اللّه منهم فانه يمهل ولا يهمل ، قال سقراط اهل الدنيا كسطور فى صحيفة كلما نشر بعضها طوى بعضها ، وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضى ستة آلاف سنة وليأتين عليها مئون من سنين ليس عليها موحدين يعنى عند آخر الزمان فكل من السعيد والشقى لايبقى على وجهه الدهر فيموت ثم يبعث فيجازى : وفى المثنوى خاك را ونطفه را ومضغة ... بيش جشم ما همى دارد خدا كز كجا آوردمت اى بدنيت ... كه ازان آيد همى خفر يقيت نو بدان عاشق بدى در دورآن ... منكر اين فضل بودى آن زمان اين كرم جون دفع آن انكارتست ... كه ميان خاك ميكردى نخست حجت انكار شد انشار تو ... از دوا بهتر شاد اين بيمار تو خاك را تصوير اين كار از كجا ... نطفه را خصمى ونكار از كجا جون دران دم بى دل وبى سربدى ... فكرت وانكار را منكر بدى از جمادى جونكه انكارت برست ... هم ازين انكار حشرت شد درست بس مثال تو جو آن حلقه زنيست ... كزدروتش خواجه كويد خواجه نيست حلقه زن زين نيست دريابدكه هست ... بس زحلقه برندارد هيج دست بس هم انكارت مبين ميكند ... كزجماداو حشر صد فن ميكند جند صنعت رفت از انكارتا ... آب وكل انكار زاد از هل اتى آب وكل ميكفت خود انكار نيست ... بانك ميزد بيخبر كاخبار نيست ٩١ { ما اتخذ اللّه من ولد } كما يقول النصارى والقائلون ان الملائكة بنات اللّه لانه لم يجانس احد ولم يمائله حتى يكون من جنسه وشبهه صاحبه فيتوالدا { وما كان معه من اله } يشاركه فى الالوهية كما يقول عبدة الاصنام وغيرهم والآية حجة على من يقول خالق النور وغير خالق الظلمة { اذا } [ آن هنكام ] وهو يدخل على جواب وجزاء وهو { لذهب كل اله بما خلق } ولم يتقدمه شرط لكن قوله وما كان معه من اله يدل على شرط محذوف تقديره ولو كان معه آلهة لانفرد كل اله بما خلقه واستبدّ به دون الاله الآخر وامتاز ملكه عن ملك الآخرك وبالفارسية : [ ببرد خداى آنراكه آفريده بود وردرآن مستقل ومستبد باشد بس مخلوقات اين خداى از مخلوق ديكر ومشاهدة ميرودكه ميان هيج مخلوقات علامات تميز نيست بس ثابت شدكه يا اوهيج خداى نيست وحده لا شريك له. وفى التأويلات النجمية يشير الى ان اتخاذ الولد لا يصح كاتخاذ الشريك والامر ان جميعا داخلان فى حد الاستحالة لان الولد والشريك يوجب المساواة فى القدر والصمدية تتقدس عن جواز ان يكون له مثل اوجنس ولو تصورنا جوزاه اذا لذهب كل اله بما خلق فكل امر نيط باثنين فقد انتفى عن النظام وصحة الترتيب بروحدتش صحيفة لا ريب حجتست ... اينك نوشته ازشهد اللّه بران كواه ٩٢ { عالم الغيب والشهادة } بالجر على انه بدل من الجلالة اى عالم السر والعلانية : وبالفارسية [ بوشيده وآشكار ]. وفى التأويلات النجمية عالم الملك والملكوت والارواح والاجساد انتهى ، ثم ان الغيب بالنسبة الينا لا بالنسبة اليه تعالى فهو عالم به وبالشهادة على سواء وهو دليل آخر على انتقاء الشريك بناء على توافقهم فى تفرده تعالى بذلك ولذلك رتب عليه بالفاء قوله تعالى { فتعالى } اللّه وتنزه { عما يشركون } به مما لايعلم شيأ من الغيب ولايتكامل عليه بالشهادة فان تفرده بذلك موجب لتعاليه عن ان يكون له شريك ، قال الراغب شرك الانسان فى الدين ضربان احدهما الشرك العظيم وهو اثبات شريك اللّه تعالى يقال اشرك فلان باللّه وذلك اعظم كفر والثانى الشرك الصغير وهو مراعاة غير اللّه معه فى بعض الامور وذلك كالرياء والنفاق وفى الحديث ( والشرك فى هذه الامة اخفى من دبيب النمل على الصفا ) مرايى هوكس معبود سازد ... مرايى را ازان كفتند مشرك قال الشيخ سعدى قدس سره منه آب زرخان من بر بشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز قال الشيخ يحيى بن معاذ ان للتوحيد نورا وللشرك نارا وان نور التوحيد احرق سيآت الموحدين كما ان نار الشرك احرقت حسنات المشركين روى ان قائلا قال يا رسول اللّه فبم النجاة غدا قال ( ان تخادع اللّه ) قال وكيف نخادع اللّه قال ( ان لاتعمل بما امرك اللّه وتريد به غير وجه اللّه ) زعمرو اى بسر جشم اجرت مدار ... جو درخانه زيد باشى بكار والعمدة فى هذا الباب التوحيد فانه كما يتخلص من الشرك الاكبر الجلى بالتوحيد كذلك يتخلص من الشرك الاصغر به فينبغى ان يشتغل به ويجتهد قدر الاستطاعة لينال على درجات اهل الايمان والتوحيد من الصديقين ولكن برعاية الشريعة النبوية والاجتناب عن الصفات الذميمة للنفس حتى يتخلق باخلاق اللّه نسأل اللّه سبحانه ان يجعلنا من المنقطعين عما سواه والعاملين باللّه لله فى اللّه. ٩٣ { قل رب } [ اى بروردكار من ] { اما } اصله ان ما وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط كالنون فى قوله { ترينى } اى ان كان لابد من ان ترينى : وبالفارسية [ اكر نمايى مرا ] { مايوعدون } اى المشركون من العذاب الدنيوى المستأصل والوعد يكن فى الخير والشر يقال وعدته بنفع وضر. ٩٤ { رب } يارب { فلا تجعلنى فى القوم الظالمين } اى قرينا لهم فى العذاب واخرجنى من بين ايديهم سالما والمراد بالظلم الشرك وفيه ايذان بكمال فظاعة ماوعدوه من العذاب وكونه بحيث يجب ان يستعيذ منه من لا يكاد يمكن ان يحيق به ورد لانكارهم اياه واستعجالهم به على طريقة الاستهزاء وهذا يدل على ان البلاء ربما يعم اهل الولاء وان للحق ان يفعل مايريد ولو عذب البر لم يكن ذلك منه ظلما ولا قبيحا. ٩٥ { وانا على ان نريك مانعدهم } من العذاب { لقادرون } ولكنا نؤخره لعلمنا بان بعضهم او بعض اعقابهم سيؤمنون اولانا لا نعذبهم وانت فيهم. ٩٦ { ادفع بالتي } بالطريقة التى { هى احسن } اى اسحن طرق الدفع من الحلم والصفح { السيئة } التى تأتيك منهم من الاذى والمكروه وهو مفعول ادفع والسيئة الفعلة القبيحة وهو ضد الحسنة ، قال بعضهم استعمل معهم ما جعلناك عليه من الاخلاق الكريمة والشفقة والرحمة فانك اعظم خطرا من ان يؤثر فيك مايظهرونه من انواع المخالفات. وفى التأويلات النجمية يعنى مكافأة السيئة جائزة لكن العفو عنها احسن ويقال ادفع بالوفاء الجفاء ويقال الاحسن ما اشار اليه القلب بالمعافاة والسيئة ما تدعو اليه النفس للمكافأة ، ويقال [ دفع كن ظلمت خلائق را بنور حقائق ياخظوظ خودرا بحقوق خداطى كن تيه حوادث را بقدم سلوك در طريق معرفت جوطى كشت تيه حوادث ازآنجا ... بملك قدم ران بيك حمله محمل دران قلزم نور شو عوطه زن ... قروشوى ازخويشتن ظلمت ظل بكى خوان يكى دان يكى كويكى جو ... سوى اللّه واللّه زوراست وباطل { نحن اعلم بما يصفون } بما يصفونك به على خلاف ما انت عليه كالسحر والشعر والجنون والوصف ذكر الشىء بحليته ونعته قد يكون حقا وقد يكون باطلا وفيه وعيد لهم بالجزاء والعقوبة وتسلية لرسول اللّه وارشاد له الى تفويض امره اليه تعالى. ٩٧ { وقل رب } يارب { اعوذ بك } العوذ الالتجاء الى الغير والتعلق به { من همزات الشياطين } اى وساوسهم المغوية على خلاف ما امرت به من المحاسن التى من حملتها دفع السيئة بالحسنة واصل الهمز النخس ومنه مهماز الرائض اى معلم الدواب ونحو الهمز الاز فى قوله تؤزهم ازا ، قال الراغب الهمز كالعصر يقال همزت الشىء فى كفى ومنه الهمز فى الحروف انتهى شبه حثهم للناس على المعاصى بهمز الرائض الدواب على الاسراع أو الوثب والجمع للمرات او لتنوع الوساوس او لتعدد المضاف اليه. ٩٨ { واعوذ بك رب ان يحضرون } اصله يحضرونى ويحوموا حولى فى حال من الاحوال صلاة او تلاوة او عند الموت او غير ذلك ، قال الحسن كان عليه السلام يقول عند استفتاح الصلاة ( لا اله الا اللّه ثلاثا اللّه اكبر ثلاثا اللهم انى اعوذ بك من همزات الشياطين من همزها ونفثها ونفخها واعوذ بك رب ان يحضرون ) يعنى بالهمز الجنون وبالنفث الشعر وبالنفخ الكبر روى انه اشتكى بعضهم ارقا فقال عليه السلام اذا اردت النوم فقل ( اعوذ بكلمات اللّه التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وان يحضرون ) وكمالت اللّه كتبه المنزلة على انبيائه او صفات اللّه كالعزة والدقرة وصفها بالتمام لعرائها عن النقص والانقصام ، قال بعضهم هذا مقام من بقى له التفات الى غير اللّه فما من توغل فى بحر التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا اللّه لم يستعذ الا باللّه ولم يلتجىء الا الى اللّه والنبى عليه السلام لما ترقى عن هذا المقام قال ( اعوذ بك منك ) وكان عليه السلام اذا دخل الخلاء قال ( اللهم انى اعوذ بك من الخبث والخبائث ) اى من ذكور الجن واناثهم مما اتصف بالخباثة واجمعت الامة على عصمة النبى عليه السلام فان قرينه من الجن قد اسلم اوانه قد نزع منه مغمز الشيطان فالمراد من الاستعاذة تحذير غيره من شر الشيطان ثم ان الشيطان يوسوس فى صدور الناس فيغوى كل احد من الرجال والنساء ويوقع الاشرار فى البدع والاهواء وفى الحديث ( صنفان من اهل النار لم ارهما ) يعنى فى عصره عليه السلام لطهارة ذلك اصر بل حدثا بعده ( قوم معهم سياط ) يعنى احدهما قوم فى ايديهم سياط جمع سوط تسمى تلك السياط فى ديار العرب بالمقارع جمع مقرعة وهى جلدة طرفها مشدود عرضها كعرض الاصبع الوسطى يضربون بها السارقين عراة قيل هم الطوافون على ابواب الظلمة كالكلاب يطردون الناس عنها بالضرب والسباب ( كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء ) يعنى ثانيهما ( كاسيات ) يعنى فى الحقيقة ( عاريات ) يعنى فى المعنى لانهن يلبسن ثيابا رقاقا تصف ما تحتها او معناه عاريات من لباس التقوى وهن اللاتى يلقين ملاحفهن من ورائهن فتنكشف صدورهن كنساء زماننا او معناه كاسيات بنعم اللّه عاريات عن الشكر يعنى ان نعيم الدنيا لاينفع فى الآخرة اذا خلا عن العمل الصالح وهذا المعنى غير مختص بالنساء ( مميلات ) اى قلوب الرجال الى الفساد بهن او مميلات اكتافهن واكفالهن كما تفعل الراقصات او مميلات مقانعهن عن رؤسهن لتظهر وجوههن ( مائلات ) الى الرجال او معناه متبخترات فى مشيهن ( رؤسهن كاسنمة البخت ) يعنى يعظمن رؤسهن بالخمر والقلنسوة حتى تشبه اسنمة البخت او معناه ينظرن الى الرجال برفع رؤسهن ( المائلة ) لان اعلى السنام يميل لكثرة شحمه ( لايدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وان ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ) اى من مسيرة اربعين عاما. ٩٩ { حتى اذا جاء احدهم الموت } حتى التى يبتدأ بها الكلام دخلت على الجملة الاسمية وهى مع ذلك غاية لما قبلها متعلقة بيصفون اى يستمرون على سواء الذكر حتى اذا جاء احدهم كافرا اى احد كان الموت الذى لامر دله وظهرت له احوال الآخرة { قال } تحسرا على مافرط فيه من الايمان والعمل { رب } يارب { ارجعون } ردنى الى الدنيا والواو لتعظيم المخاطب لان العرب تخاطب الواحد الجليل الشان بلفظ الجماعة وفيه رد على من يقول الجمع للتعظيم فى غير المتكلم انما ورد فى كلام المولدين ثم انه يقول له الى أى شىء تذهب الى جمع المال او غرس الغراس او بناء البنيان او شق النهار. ١٠٠ فيقول { لعلى اعمل صالحا فيما تركت } اى فى الايمان الذى تركته اى لعلى اعمل فى الايمان الذى آتى به البتة عملا صالحا فلم ينظم الايمان فى سلك الرجاء كسائر الاعمال الصالحة بان يقول لعلى او من فاعمل الخ للاشعار بانه امر مقرر الوقوع غنى عن الاخبار بوقوعه فضلا عن كونه مرجو الوقوع ، وقال فى الجلالين { لعلى اعمل صالحا } اى اشهد بالتوحيد { فيما تركت } حين كنت فى الدنيا انتهى ، قال بعضهم الخطاب فى ارجعون لملك الموت واعوانه وذكر الرب للقسم كما فى الكبير واستعان باللّه اولا ثم بهم كما فى الاسئلة المقحمة وكما قال الكشافى [ امام ثعلبى باجمعى مفسران برانندكه خطاب با ملك المت واعوان اوست اول بكلمة رب استعانه مى نمايند بخداى وبكلمه ارجعون رجوع مى نمايند بملائكة ] ، ويدل عليه قوله عليه السلام ( اذا عاين المؤمن الملائكة قالوا أنرجعك الى الدنيا فيقول الى دار الهموم والاحزان بل قدوما الى اللّه تعالى واما الكافر فيقول ارجعون ) وقيل اريد بقوله فيما تركت فيما قصرت فتدخل فيه العبادات البدنية والمالية والحقوق ، قال فى الكبير وهو اقرب كأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا مافسدوه ، يقول الفقير فالمراد بالعمل الصالح هو العمل المبنى على الايمان لانه وان كان عمل عملا فى صورة الصالح لكنه كان فاسدا فى الحقيقة حيث احبطه الكفر فلما شاهد بطلانه رجا أن يرجع الى الدنيا فيؤمن ويعمل عملا صالحا صورة وحقيقة ، وقال القرطبى سؤال الرجعة غير مختص بالكافر اى بل يعمل المؤمن المقصر ، قال فى حقائشق البقلى بين اللّه سبحانه ان من كان ساقطا عن مراتب الطاعات لم يصل الى الدرجات ومن كان محروما من المراقبات فى البدايات كان محجوبا عن المشاهدات والمعاينات فى النهايات وان اهل الدعاوى المزخرفات والترهات تمنوا فى وقت النزع ان لم تمض عليهم اوقاتهم بالغفلة عن الطاعات ولم يشتغلوا بالدعاوى المخالفات والمحالات فاقبل على طاعة مولاك واجتنب الدعاوى واطلاق القول فى الاحوال فان ذلك فتنة عظيمة هلك فى ذلك طائفة من المريدين وما فزع احد الى تصحيح المعاملات الاداء بركة ذلك الى قرب الرب ومقام الامن ولا ترك احد هذه الطريقة الا تعطل وفسد ووقع فى الخوف العظيم وتمنى حين لا ينفع التمنى : قال الحافظ كارى كنيم ورنه خجالت بر آورد ... روزى كه رخت جان بجهان دكر كشيم وقال الخجندى علم وتقوى سر بسر دعويست ومعنى ديكرست ... مرد معنى ديكر وميدان دعوى ديكرست { كلا } ردع عن طلب الرجعة واستبعاد لها اى لا يرد الى الدنيا ابدا { انها } اى قولة رب ارجعون { كلمة } الكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضه مع بعض { هو } اى ذلك الاحد { قائلها } عند الموت لا محالة لتسلط الحزن عليه ولا يجاب لها { ومن ورائهم } فعال ولامه همزة عند سيبويه وابى على الفارسى وياء عند العامة وهومن ظروف المكان تمنى خلف وامام اى من الاضداد. والمعنى امام ذلك الاحد والجمع باعتبار المعنى لانه فى حكم كلهم كما ان الافراد فى قال وما يليه باعتبار اللفظ { برزخ } حائل بينهم وبين الرجعة وهو القبر. وفى التأويلات النجمية وهو مابين الموت الى البعث اى بين الدنيا والآخرة وهو غير البرزخ الذى بين عالم الارواح المثالى وبين هذه النشأة العنصرية { الى يوم يبعثون } يوم القيامة هو اقناط كلى من الرجعة الى الدنيا لما علم ان لا رجعة يوم البعث الى الدنيا واما انرجعة حنيئذ فالى الحياة الاخروية. ١٠١ { فاذا نفخ فى الصور } لقيام الساعة وهى النفخة الثانية التى عندها البعث والنشور والنفخ نفخ الريح فى الشىء والصور مثل قرن ينفخ فيه فيجعل اللّه ذلك سببا لعود الارواح الى اجسادها { فلا انساب بينهم } تنفعهم لزوال التراحم والتعاطف من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه او لا انساب يفتخرون بها والنسب القرابة بين اثنين فصاعدا اى اشتراك من جهة احد الابوين وذلك ضربان نسب بالطول كالاشتراك بين الاباء والابناء ونسب بالعرض كالنسب بين الاخوة وبنى الاعمام { يومئذ } كما بينهم اليوم { ولا يتساءلون } اى لا يسأل بعضهم بعضا فلا يقول له من انت ومن أى قبيلة ونسب انت ونحو ذلك لاشتغال كل منهم بنفسه لشدة الهول فلا يتعارفون ولا يتساءلون كما انه اذا عظم الامر فى الدنيا لم يتعرف الوالد لولده ولا يناقضه قوله تعالى { فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون } لان عدم التساؤل عند ابتداء النفخة الثانية قبل المحاسبة والتساؤل بعد ذلك وايضا يوم القيامة يوم طويل فيه خمسون موطنا كل موطن الف سنة ففى موطن يشتد عليم الهول والفزع بحيث يشغلهم عن التساؤل والتعارف فلا يفطنون لذلك وفى موطن يفيقون افاقة فينساءلون وتتعارفون ، وعن الشعبى قالت عائشة رضى اللّه عنها يا رسول اللّه اما نتعارف يوم القيامة اسمع اللّه يقول { فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } فقال عليه السلام ( ثلاثة مواطن تذهل فيها كل نفس حين يرمى الى كل انسان كتابه وعند الموازين وعلى جسر جهنم ) قال ابن مسعود رضى اللّه عنه يؤخذ بيد العبد والامة يوم القيامة فينصب على رؤس الاولين والآخرين ثم ينادى مناد ألا ان هذا فلان ابن فلان فمن كان له عليه حق فليأت الى حقه فيفرح العبد يومئذ ان يثبت له حق على والده وولده او زوجته واخيه فلا انساب بينهم يومئذ ، وعن قتادة لاشىء ابغض الى الانسان يوم القيامة من ان يرى من يعرفه ان يثبت له عليه شىء ثم تلا { يوم يفر المرء من اخيه } الآية ، قال محمد بن على الترمذى قدس سره الانساب كلها منقطعة الام من كانت نسبته صحيحة فى عبودية ربه فان تلك نسبة لاتنقطع ابدا وتلك النسبة المفتخر بها لانسبة الاجناس من الآباء والامهات والاولاد ، قال الاصمعى كنت اطوف بالكعبة فى ليلة مقمرة فسمعت صوتا حزينا فتبعت الصوت فاذا انا بشاب حسن ظريف تعلق باستار الكعبة وهو يقول نامت العيون وغارت النجوم وانت الملك الحى القيوم وقد غلقت الملوك ابوابها واقامت عليها حرسها وحجابها وبابك مفتوح للسائلين فها انا سائلك ببابك مذنبا فقيرا مسكينا اسيرا جئت انتظر رحمتك يا ارحم الرحمين ثم انشأ يقول يامن يجيب دعا المضطر فى الظلم ... يا كاشف الضر والبلوى مع القسم قد نام وفدى حول البيت وانتبهوا ... وانت ياحى ياقيوم لم تنم ادعوك ربى ومولاى ومستندى ... فارحم بكائى بحق البيت والحرم انت الغفور فجد لى منك مغفرة ... اواعف عنى ياذا الجود والنعم ان كان عفوك لا يرجوه ذو جرم ... فمن يجود على العاصين بالكرم ثم رفع رأسه نحو السماء وهو ينادى يا الهى وسيدى مولاى ان اطعتك فلك المنة على وان عصيتك فبجهلى فلك الحجة على اللهم فباظهار منتك على واثبات حجتك لدىّ ارحمنى واغفر ذنوبى ولا تحرمنى رؤية جدى قرة عينى وحبيبك وصفيك ونبيك محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ثم انشأ يقول ألا ايها المأمول فى كل شدة ... اليك شكوت الضر فارحم شكايتى ألا يارجائى انت كاشف كربتى ... فهب لى ذنوبى كلها واقض حاجتى فزادى قليل ماراه مبلغى ... على الزاد ابكى ام لبعد مسافتى اتيت باعمال قباح رديئة ... وما فى الورى خلق جنى كجنايتى فكان يكرر هذه الابيات حتى سقط على الارض مغشيا عليه فدنوت منه فاذا هو زين العابدين على بن الحسين بن على بن ابى طالب فوضعت رأسه فى حجرى وبكيت لبكائه بكاء شديدا شفقة عليه فقطر من دموعى على وجهه فافاق من غيشته وفتح عينه وقال من الذى شغلنى عن ذكر مولاى فقلت انا الاصمعى يا سيدى ما هذا البكاء وماهذا الجمع وانت من اهل بيت النبوة ومعدن الراسلة أليس يقول اللّه { انما يريد اللّه ليذهب عنك الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا } قال فاستوى جالسا وقال يا اصمعى هيهات ان اللّه تعالى خلق الجنة لمن اطاعه وان كان عبدا حبشيا خلق النار لمن عصاه وان كان ملكا قرشيا اما سمعت قوله تعالى { فاذا نفخ فى الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون }. وفى التأويلات النجمية يشيى الى ان نفخة العناية الربوبية اذا نفخت فى صور القلب قامت القيامة انقطعت الاسباب فلا يلتفت احد الى احد من انسابه لا الى اهل ولا الى ولد لاشتغاله بطلب الحق تعالى واستغراقه فى بحر المحبة فلا يسأل بعضهم بعضا عم تركوا من اسباب الدنيا ولا عن احوال اهاليهم واخدانهم واوطانهم واذا فارقوها كان لكل امرىء منهم يومئذ شأن فى طلب الحق يغنيه عن مطالبة الغير. ١٠٢ { فمن ثقلت موازينه } موزونات حسناته من العقائد والاعمال اى فمن كان له عقائد صحيحة واعمال صالحة يكون لها وزن وقدر عند اللّه فهو جمع موزون بمعنى لعمل الذى له وزن وخطر عند اللّه وباقى الكلام فى هذا المقام سبق فى تفسير سورة الاعراف { فاولئك هم المفلحون } الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مهروب ولما كان حرف من يصلح للواحد والجمع وحد على اللفظ وجمع على المعنى. ١٠٣ { ومن خفت موازينه } اى ومن لم يكن له من العقائد والاعمال ماله وزن وقدر عند اللّه تعالى وهم الكفار لقوله تعالى { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } { فاولئك الذين خسروا انفسهم } ضيعوها بتضييع زمان استكمالها وابطلوا استعدادها لنيل كمالها . والخسر والخسران انتقاص رأى المال كا فى المفردات ، قال الكشافى [ بس كروه آنندكه زيان كرده اند ازنفسهاى يعنى سرمايه عمر بباد غفلت برداند واستعدادات حصول كمال را بطلب آرزوهاى نفس ومتابعت شهوات ضايع ساختند ] { فى جهنم خالدون } بدل من صلة او خبر ثان لاولئك. قال فى التأويلات النجمية الانسان كالبيضة المستعدة لقبول تصرف ولاية الدجاجة وخروج الفروخ منها فما لم تتصرف فيها الدجاجة يكون استعدادها باقيا فاذا تصرف الدجاجة فيها فتغيرت عن حالها الى حال الفروخية ثم انقطع تصرف الدجاجة عنها تفسد البيضة فلا ينفعها التصرف بعد ذلك لفساد الاستعداد ولهذا قالوا مرتد الطريقة شر من مرتد الشريعة وهذا معنى قوله { فى جهنم خالدون } اى فى جهنم انفسهم فلا يخرجون بالفروخية وليس من سنة اللّه اصلاح الاستعداد بعد افساده : قال الجامى آنراكه زمين كشد درون جون قارون ... نى موسيش آورد برون هارون فاسد شده راز روز كار وارون ل ... ايمكن ان يصلحه العطارون ١٠٤ { تلفح وجوههم النار } تحرقها يقال لفحته النار بحرها احرقته كما فى القاموس واللفح كالنفح الا انه اشد تأثيرا كما فى الارشاد وغيره وتخصيص الوجوه بذلك لانها اشرف الاعضاء واعظم ما يصان منها فبيان حالها ازجر عن المعاصى المؤدية الى النار وهو السر فى تقديمها على الفاعل { وهم فيها كالحون } من شدة الاحتراق . الكلوح تقلص الشفتين عن الاسنان كما ترى الرؤس المشوية ، وعن مالك بن دينار كان سبب توبة عتبة الغلام انه مر فى السوق برأس اخرج من التنور فغشى عليه ثلاثة ايام ولياليهن وفى الحديث ( تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخى شفته السفلى حتى تبلغ سرته ) انتهى فيقال لهم تعنيفا وتوبيخا وتذكيرا لما به استحقوا مابتلوا به من العذاب. ١٠٥ { ألم تكن آياتى تتلى عليكم } فى الدنيا { فكنتم بها تكذبون } حينئذ ١٠٦ { قالوا } يا { ربنا غلبت علينا } اى ملكتنا { شقوتنا } التى اقترفناها بسوء اختيارنا فصارت احوالنا مؤدية الى سوء العاقبة ، قال القرطبى واحسن ما قيل فى معناه غلبت علينا لذاتنا واهواؤنا فمسى اللذات والاهواء شقوة لانهما تؤديان اليها ، قال ابو تراب الشقوة حسن الظن بالنفس وسوء الظن بالخلق { وكنا } بسبب ذلك { قوما ظالين } عن الحق ولذلك فعلنا ما فعلنا من التكذيب وسائر المعاصى. ١٠٧ { ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون } متجاوزون الحد فى الظلم لانفسنا ١٠٨ { قال } تعالى بطريق القهر { اخسأوا فيها } اسكتوا فى النار سكوت هوان فانها ليست مقام سؤال وانزجروا انزجار الكلاب اذا زجرت من خسأت الكلب اذا زجرته مستهينا به فخسأ اى انزجر { ولا تكلمون } اى باستدعاء الاخراج من النار والرجع الى الدنيا فانه لايكون ابدا ١٠٩ { انه } تعليل لما قبله من الزجر عن الدعاء اى ان الشان { كان فريق من عبادى } وهم المؤمنون { يقولون } فى الدنيا { ربنا آمنا } صدقنا بك وبجميع ماجاء من عندك { فاغفر لنا } استر ذنوبنا { وارحمنا } وانعم علينا بنعمك التى من جملتها الفوز بالجنة والنجاة من النار { وانت خير الراحمين } لان رحمتك منبع كل رحمة. ١١٠ { فاتخذتموهم سخريا } مهزوا بهم اى اسكتوا عن الدعاء بقولكم رنبا الخ لانكم كنتم تستهزؤن بالداعين بقولهم ربنا آمنا الخ وتتشاغلون { حتى انسوكم } اى الاستهزاء بهم فان انفسهم ليست سبب الانساء { ذكرى } اى ذكركم اياى والخوف منى والعمل بطاعتى من فرط اشتغالكم باستهزائهم { وكنتم منهم تضحكون } وذلك غاية الاستهزاء ، وقال مقاتل نزلت فى بلال وعمار وسلمان وصهيب وامثالهم من فقراء الصحابة كان كفار قريش كابى جهل وعتبة وابى بن خلف واضرابهم يستهزؤن بهم وباسلامهم ويؤذونهم. ١١١ { انى جزيتهم اليوم بما صبروا } بسبب صبرهم على اذيتهم والصبر حبس النفس عن الشهوات { وانهم هم الفائزون } ثانى مفعولى الجزاء اى جزيتهم فوزهم بمجامع مراداتهم مخصوصين به ، وفى التأويلات النجمية وفيه من اللطائف ان اهل السعادة كما ينتفعون بمعاملاتهم الصالحة مع اللّه من اللّه ينتفعون بانكار منكريهم واستخفاف مستهزئيهم وان اهل الشقاوة كما يخسرون بمعاملاتهم الفاسدة مع انفسهم يخسرون باستهزائهم وانكارهم على الناصحين المرشدين. ١١٢ { قال } اللّه تعالى تذكيرا لما لبثوا فيما سألوا الرجوع اليه من الدنيا بعد التنبيه على استحالته بقوله { اخسأوا فيها ولا تكلمون } { كم لبثتم فى الارض } التى تدعون ان ترجعوا اليها يقال لبث بالمكان اقام به ملازما له { عدد سنين } تمييز لكم ١١٣ { قالوا لبثنا يوما او بعض يوم } استفصارا لمدة لبثهم فيها بالنسبة الى دخولهم فى النار او لانها كانت ايام السرور وايام السرور قصار أو لانها منقضية والمنقضى كالمعدوم هردم ازعمر كرامى هست كنج بى بدل ... ميرود كنجى جنين هو لخظه برباد آه آه { فاسأل العادين } اى الذين يعلمون عد ايامها ان اردت تحقيقا فانا لما نحن فيه من العذاب مشغولون عن تذكرها واحصائها . وفى التأويلات النجمية فاسأل العادين يعنى الذين يعدّون انفاسنا وايمانا وليالينا من الملائكة الموكلين علينا. ١١٤ { قال } اللّه تعالى { ان } ما { لبثتم الا قليلا } تصديقا لهم فى تقليلهم لسنى لبثهم فى الدنيا وقليلا صفة مصدر محذوف اى لبثا قليلا او زمان محذوف اى زمانا قليلا { لو انكم كنتم تعلمون } لعلمتم يومئذ قلة لبثكم فيها كما علمتم اليوم ، وفى بحر العلوم اى لو كنتم تعلمون مقدار لبثكم من الطول لما اجبتم بهذه المدة فعلى العاقل ان يتدارك حاله ويصلح اعماله قبل ان تنفد الانفاس وينهدم الاساس : قيل ألا انما الدنيا كظل سحابة ... اظلتك يوما ثم عنك اضمحلت فلاتك فرحانا بها حين اقبلت ... ولا تكك جزعانا بها حين ولت قال ارد شير بن بابك بن ساسان وهو اول ملك من آل ساسان لا تركنن الى الدنيا فانها لا تبقى على احد ولا تتركها فان الآخرة لا تنال الا بها ، قال العلامة الزمخشرى استغنم تنفس الاجل وامكان العمل واقطع ذكر المعاذير والعلل فانك فى اجل محدود وعمر غير ممدود قال الشيخ سعدى قدس سره كنون وقت تخمست اكر برورى ... كر اميد وار اى كه خرمن برى بشهر قيامت مرو تنكدست ... كه وجهى ندارد بغفلت نشست غنيمت شمر اين كرامى نفس ... كه بى مرغ قيمت ندارد قفس مكن عمر ضايع بافسوس و حيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف قال بعض الكبار لو علمت ان ما قات من عمرك لا عوض له لم يصح منك غفلة ولا اهمال ولكنت تأخذ بالعزم والحزم بحيث تبادر الاوقات وتراقب الحالات خوف الفوات عاملا على قول القائل السباق السباق قولا وفعلا ... حذر انلفس حسرة المسبوق وما حصل من عمرك اذا علمت ان لا قيمة له كنت تستغرق اوقاتك فى شكر الحاصل وتحصيل الواصل فقد قال على رضى اللّه عنه بقية عمر المرء مالها ثمن يدرك به منها ما فات ويحيى ما مات وفى الحديث ( ما من ساعة تأتى على العبد لايذكر اللّه فيها الا كانت عليه حسرة يوم القيامة ) ، واعلم ان العباد على قسمين فى اعمارهم فرب عمر اتسعت آماده وقلت امداده كاعمار بعض بنى اسرائيل اذ كان الواحد منهم يعيش الالف ونحوها ولم يحصل على شى مما يحصل لهذه الامة مع قصر اعمارها ورب عمر قليلة آماده كثيرة امداده كعمر من فتح عليه من هذه الامة فوصل الى عناية اللّه بلمحة فمن بورك له فى عمره ادرك فى يسير من الزمان مالا يدخل تحت العبارة فالخذلان كل الخذلان ان تتفرع من الشواغل ثم لاتتوجه اليه بصدق النية حتى يفتح عليك بما لاتصل الهمم اليه وان تقل عوائقك ثم لا ترحل اليه عن عوالم نفسك والاستئناس بيومك وامسك فقد جاء خصلتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ومعناه ان الصحيح ينبغى ان يكون مشغولا بدين او دنيا فهو مغبون فيهما. ١١٥ { أفحسبتم انما خلقناكم عبثا } الهمزة للاستفهام الانكارى والفاء للعطف على مقدر . والحسبان بالكسر الظن وعبثا حال من نون العظمة بمعنى عابثين وهو ما ليس لفاعله غرض صحيح او ارتكاب امر غير معلوم الفائدة . والمعنى أغفلتم وظننتم من فرط غفلتكم انا خلقناكم بغير حكمة { انكم الينا لاترجعون } عطف الى انما خلقناكم كم اى وحسبتم عدم رجوعكم الينا يعنى ان المصلحة من خلقكم الامر بالعمل ثم البعث للجزاء ومعنى الرجوع الى اللّه الرجوع الى حيث لا مالك ولا حاكم سواه ، قال الترمذى انا لله خلق الخلق ليعبدوه فيثيبهم على العبادة ويعاقبهم على تركها فان عبدوه فانهم عبيد احرار كرام من رق الدنيا ملوك فى دارالسلام وان رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد اباق سقاط لئام وغدا اعداء فى السجون بين اطباق النيران. وفى التأويلات النجمية { أفحسبتم انما خلقناكم عبثا } بلا معنى ينفعكم او يضرك حتى عشتم كا يعيش البهائم فما تقربتم الينا بالاعمال الصالحات للتقرب وحسبتم { انكم الينا لا ترجعون } باللطف والقهر . فالرجوع باللطف بان يموت بالموت الاختيارى قبل الموت الاضطرارى وهو بان ترجعوا من اسفل سافلين الطبيعة على قدمى الشريعة والطريقة الى اعلى عليين عالم الحقيقة ، والرجوع بالقهر بان ترجعوا بعد الموت الاضطرارى فتقادون الى النار بسلاسل تعلقاتكم بشهوات الدنيا وزينتها واغلال صفاتكم الذميمة ، وعن بهلول قال كنت يوما فى بعض شوارع البصرة فاذا بصبيان يلعبون بالجوز واللوز واذا أنا بصبى ينظر اليهم ويبكى فقلت هذا صبى يتحسر على مافى ايدى الصبيان ولاشىء معه فيلعب به فقلت اى بنى ما يبكيك اشترى لك من الجوز واللوز ماتلعب به مع الصبيان فرفع بصره الىّ وقال ياقليل العقل ماللعب خلقنا فقلت اى بنى فلماذا خلقنا فقال للعلم والعبادة وفقلت من اين لك ذلك بارك اللّه فيك قال من قوله تعالى { أفحسبتم انما خلنقاكم عبثا وانكم الينا لاترجعون } قلت له اى بنى اراك حكيما فعظنى واوجز فانشأ يقول أرى الدنيا تجهز بانطلاق ... مشمرة على قدم وساق فلا الدنيا بباقية لحى ... ولا حى على الدنيا بباق كأن الموت والحدثان فيها ... الى نفس الفتى فرسا سباق فيا مغرور بالدنيا رويدا ... ومنها خذ لنفسك بالوثاق ثم رمق السماء بعينيه واشار اليها بكفيه ودموعه تنحدر على خديه وهو يقول يامن اليه المبتهل ... يامن عليه المتكل يامن اذا ما آمل ... يرجوه لم يخط الامل قال فلما اتم كلامه خر مغشيا عليه فرفعت رأسه الى حجرى ونفضت التراب عن و جهه بكمى فلما افاق قت له ايى بنى مانزل بكم انت صبى صغير لم يكتب عليكم ذنب قال اليك عنى يا بهلول انى رأيت والدتى توقد النار بالحطب الكبار فلا تقد الا بالصغار وانى اخشى ان اكون من صغار حطب جهنم قال فسألت عنه فقالوا ذاك من اولاد الحسين بن على بن ابى طالب رضى اللّه عنهم قلت قد عجبت من ان تكون هذه الثمرة الا من تلك الشجرة نفعنا اللّه به وبآبائه ، قال الشيخ ابو بكر الواسطى [ روزى اين آيت مى خواند فرمودكه نىنى خلق بعبث نيافريد بلكه خواست كه هستىء وى آشكارا شود وازمصنوعات وى بصفات كماليه اوراه برند. وكفته ند شمارا ببازى نيافريده ايم بلكه براى ظهور نور محمد عليه السلام آفريده ايم جودر ازل مقر رشده بودكه آن كوهر تابان ازصدق جنس انس بيرون آيد بس اواصلست وشما همه فرع اوييد هفت ونه وجاركه برداختند ... خاص بى موكب اوساختند اوست شه وآدميان جمله خيل ... اصلورى وجلمه عالم طفيل دربحر الحقائق كفته كه شمارات براى آن آفريدم تا بر من سود كنيدنه بجهت آنكه من برشما سودكنم كما قال تعالى ( خلقت الخلق ليربحوا علىّ لا لاربح عليهم ) وكويند ملائكة را آفريد تامنظر قدرت باشند وآدميانرا خلق كرد تامخزن جوهر محبت باشند . در بعضى كتب سماوى هست كه اى فرزند آدم همه اشيا برى شما آفريدم وشمارا براى خودسر ( كنت كنزا مخفيا ) اينجا ظهور تمام دارد ] كما اشار اليه المولوى قدس سره فى المثنوى اى ظهور تو بكلى نور نور ... كنج مخفى ازتو آمد در ظهور كنج مخفى بود زبر جاك كرد ... خاك را تابان تر از افلاك كرد كنج مخفى بدزبرى جوش كرد ... خاك را سلطان باطلس بوش كرد خويش را تشناخت مسكين آدمى ... از فزونى آمد وشد دركمى خويشتن را آدمى ارزان فوخت ... بود اطلس خويش را بردلق دوخت اى غلامت عقل تدبيرات هوش ... جون جنينى خويش را ارزان فروش ١١٦ { فتعالى اللّه } ارتفع بذاته وتنزه عن مماثلة المخلوقين فى ذاته وصفاته وافعاله وعن خلو افعاله عن الحكم والمصالح والغايات الجليلة { الملك الحق } الذى يحق له الملك على الاطلاق ايجادا واعداما بدأ واعادة واحياء واماته وعقابا واثابة وكل ما سواه مملوك له مقهور تحت ملكه العظيم ، قال الامام الغزالى رحمه اللّه الملك هو الذى يستغنى فى ذاته وصفاته وافعاله عن كل موجود ويحتاج اليه كل موجود ، وفى المفردات الحق موجد الشىء بسبب ما يقتضيه الحكمة. وفى التأويلات النجمية ذاته حق وصفاته حق وقوله صدق ولا يتوجه لمخلوق عليه حق وما يفعل من احسانه بعباده فليس شىء منها بمستحق { لا اله الا هو } فان كل ما عداه عبديه { رب العرش الكريم } فكيف بما هو تحته ومحاط به من الموجودات كائنا ما كان وانما وصف العرش الكريم لانه مقسم فيض كرم الحق ورحمته منه تنقسم آثار رحمته كرمه الى ذرات المخلوقات. ١١٧ { ومن } [ هركه ] { يدع } يعبد { مع اللّه الها آخر } افرادا او اشتراكا { لابرهان له به } اى بدعائه معه ذلك : وبالفارسية [ هيج حجتى نيست بربر ستنده را بيرستش آن واله ] وهو صفة لازمة لا لها كقوله { يطير بجناحيه } اذ لا يكون فى الآلهة ما يجوز ان يقوم عليه برهان اذا الباطل ليس له برهان جىء بها للتأكيد وبناء الحكم عليها تنبيها على ان الدين بمالا دليل عليه باطل فكيف بما شهدت بداهة العقول بخلافه { فانما حسابه عند ربه } فهو مجازى له على قدر ما يستحقه جواب يدع { انه لايفلح الكفارون } اى الشان لا ينجو من كفر من سوء الحساب والعذاب. ١١٨ { وقل رب اغفر وارحم } امر رسول اللّه بالاستغفار الاسترحام ايذانا بانهما من هرم الامور الدينية حيث امر به من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكيف بمن نعداه كما قال فى التأويلات النجمية الخطاب مع محمد عليه السلام يشير الى انه مع كمال محبوبيته وغاية خصوصيته وربتبة نبوته ورسالته محتاج الى مغرفته ورحمته فكيف بمن دونه وبمن يدعو مع اللّه الها آخر اى فلا بد لامته من الاقتداء به فى هذا الدعاء { وانت خير الراحمين } يشير الى انه يحتمل تغير كل راحم بان يسخط على مرحومه فيعذبه بعد ان يرحمه وان اللّه جل ثناؤه اذا رحم عبده لم يسخط عليه ابد لان رحمته ازلية لا تحمتل التغير ، وفى حقائق البقلى اغفر تقصيرى فى معرفتكم وارحمنى بكشف زيادة المقام فى مشاهدتك وانت خير الراحمين اذ كل الرحمة فى الكونين قطرة مستفادة من بحار رحمتك القديمة ، وعن عبداللّه بن مسعود رضى اللّه عنه مرّ بمصاب مبتلى فقرأ فى اذنه { افحسبتم } حتى ختم السورة فبرىء باذن اللّه فقال عليه السلام ( ماقرأت فى اذنه ) فاخبر فقال ( والذى نفسى بيده لو ان رجلا موقنا على جبل لزال ) روى ان اول هذه السورة وآخرها من كنوز العرش من عمل بثلاث آيات من اولها واتعظ باربع آيات من آخرها فقد نجا وافلح ، وعن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه كان كلام عليه السلام اذا نزل الوحى يسمع عنده دوىّ كدوى النحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يده وقال ( اللهم زدنا ولا تنقصنا واكرمنا ولا تهنا واعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وارضنا ) ثم قال ( لقد انزل علىّ عشر آيات من اقامهن دخل الجنة ) ثمر قرآ { قد افلح المؤمنون } حتى ختم العشر. |
﴿ ٠ ﴾