سُورَةُ فَاطِرٍ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً‏‏

١

{ الحمد لله } اى كل المحامد مختصة باللّه تعالى لا تتجاوز منه الى من سواه وهو وان كان فى الحقيقة حمد اللّه لذاته بذاته لكنه تعليم للعباد كيف يحمدونه

واعلم ان الحمد يتعلق بالنعمة والمحنة اذ تحت كل محنة منحة فمن النعمة العطاس وذلك لانه سبب لانفتاح المسلم اى ثقب الجسد واندفاع الابخرة المحتبسة عن الدماغ الذى فيه قوة التذكر التفكر فهو بحران الرأس كما ان العرق بحران بدن المريض ولذا اوجب الشارع الحمد للعاطس

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما من سبق العاطس بالحمد لله وقى وجع الرأس والاضراس ومن المحنة النجشى وفى الحديث ( من عطس او تجشا فقال الحمد على كل حال دفع اللّه بها عنه سبعين داء اهونها الجذام )

والتجشى تنفس المعدة : وبالفارسية [ بدروغ شدن ] وذلك لان التجشى انما يتولد عليه انه السلام كان يقول عند كل مصيبة ( الحمد لله على كل حال ) ثم رتب الحمد على نعمة الايجاد او لا اذ لا غاية وراءها اذ كل كمال مبنى عليها فقال

{ فاطر السموات والارض } اضافته محضة لانه بمعنى الماضى فهو نعت للاسم الجليل ومن جعلها غير محضة جعله بدلا منه وهو قليل فى المشتق والمعنى مبدعهما وخالقهما ابتداء من غير مثال سبق من الفطر بالفتح بمعنى الشق او الشق طولا كما ذهب اليه الراغب كأنه شق العدم باخراجهما منه والفطر بالكسر ترك الصوم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ما كنت ادرى ما فاطر السموات حتى اختصم الىّ اعرابيان فى بئر فقال احدهما انا فطرتها اى ابتدأت حفرها قال المبرد فاطر خالق مبتدئ

ففيه اشارة الى ان اول كل شئ تعلقت به القدرة سموات الارواح وارض النفوس

واما الملائكة فقد خلقت بعد خلق ارواح الانسان يدل عليه تأخير ذكرهم كما قال

{ جاعل الملائكة رسلا } اضافته محضة ايضا على انه نعت آخر للاسم الجليل ورسلا منصوب بجاعل واسم الفاعل بمعنى الماضى وان كان لا يعمل عند البصريين الا معرفا باللام الا انه بالاضافة اشبه المعرف باللام فعمل عمله فالجاعل بمعنى المصير والمراد بالملائكة جبرائيل واسرافيل وميكائيل وعزرائيل والحفظة ونحوهم

ويقال لم ينزل اسرافيل على نبى الا على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم نزل فاخبره بما هو كائن الى يوم القيامة ثم عرج

وفى انسان العيون نزل عليه ستة اشهر قبل نبوته فكان عليه السلام يسمع صوته ولا يرى شخصه . والرسل جمع رسول بمعنى المرسل والمعنى مصير الملائكة وسائط بينه تعالى وبين انبيائه والصالحين من عباده يبلغون اليهم رسالاته الهىّ ربانى متعلق بالعلوم والمعارف او ملكى روحانى وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى الهاما والفاسد نفسانى وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجسا او شيطانى وهو ما يدعو الى معصية ويسمى وسواسا

{ اولى اجنحة } صفة لرسلا واولوا بمعنى اصحاب اسم جمع لذو كما ان اولاء اسم جمع لذا وانما كتبت الواو بعد الالف حالتى الجر والنصب لئلا يلتبس بالى حرف الجر وانما كتبوه فى الرفع حملا عليهما.

والاجنحة جمع جناح بالفارسية [ بروبال ]

{ مثنى وثلاث ورباع } صفات لاجنحة فهى فى موضع خفض ومعناها اثنين وثلاثة ثلاثة واربعة اربعة اى ذوى اجنحة متعددة متفاوتة فى العدد حسب تفاوت مالهم من المراتب ينزلون بها من السماء الى الارض ويعرجون او يسرعون بها فان ما بين السماء والارض وكذا ما بين السموات مسيرة خمسمائة سنة وهم يقطعونها فى بعض الاحيان فى وقت واحد ففى تعدد الاجنحة اشارة الى كمالية استعداد بعض الملائكة على بعض والمعنى ان من الملائكة خلقا لكل منهم جناحان وخلقا لكل منهم ثلاثة وخلقا آخر لكل منهم اربعة

قال الكاشفى [ مثنى دو دو براى طيران وثلاث سه سه ورباع جهار جهار براى آرايش ] انتهى

روى ان صفنا من الملائكة له ستة اجنحة بجناحين منها يلفون اجسادهم وبآخرين منها يطيرون فيما امروا به من جهته تعالى وجناحان منها مرخيان على وجوههم حياء من اللّه تعالى ويفهم من كلام بعضهم ان الطيران بكل الاجنحة كما قال عرف تعالى الى العباد بافعاله وندبهم الى الاعتبار بها فمنها ما يعلمونه معاينة من السماء والارض وغيرهما ومنها ما سبيل اثباته الخبر والنقل لا يعلم بالضرورة ولا بدليل العقل فالملائكة منه ولا يتحقق كيفية صورتهم واجنحتهم وانهم كيف يطيرون باجنحتهم الثلاثة والاربعة لكن على الجملة يعلم كمال قدرته وصدق حكمته انتهى

روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انه رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح منها اثنان يبلغان من المشرق الى المغرب ودل هذا وكذا كل ما فيه زيادة على الاربع انه تعالى لم يرد خصوصية الاعداد ونفى ما زاد عليها

وذكر السهيلى ان المراد بالاجنحة فى حق الملائكة صفة ملكية وقوة روحانية وليست كاجنحة الطير ولا ينافى ذلك وصف كل جناح منها بانه يسد ما بين المشرق والمغرب هذا كلامه كما فى انسان العيون

يقول الفقير لا يجوز العدول عن الظاهر مع امكان الحمل على الحقيقة وقد تظاهرت الروايات الدالة على اثبات الاجنحة للملائكة وان لم تكن كاجنحة الطير من حيث ان اللّه تعالى باين بين صور المخلوقات والملائكة وان كانوا روحانيين لكن لهم اجسام لطيفة فلا يمنع ان يكون للاجسام اجنحة جسمانية كما لا يمنع ان يكون للارواح اجنخة روحانية نورانية كما ثبت لجعفر الطيار رضى اللّه عنه

والحاصل ان المناسب لحال العلويين ان يكونوا طائرين كما ان المناسب لحال السفليين ان يكونوا سائرين ومن امعن النظر فى خلق الارض والجو عرف ذلك ويؤيد ما قلنا ان البراق وان كان فى صورة البغل فى الجملة لكنه لما كان علويا اثبت له الجناح نعم ان الاجنحة من قبيل الاشارة الى القوة الملكية والاشارة لا تنافى العبارة هذا

وفى كشف الاسرار وردت فى عجائب صور الملائكة اخبار يقال ان حملة العرش لهم قرون وهم فى صورة الاوعال : يعنى [ بزان كوهى ] وفى الخبر

( ان فى السماء ملائكة نصفهم ثلج ونصفهم نار تسبيحهم يا من يؤلف بين الثلج والنار الف بين قلوب المؤمنين )

وقيل لم يجتمع اللّه فى الارض لشئ من خلقه بين الاجنحة والقرون والخراطيم والقوائم الا لا ضعف خلقه وهو البعوض وفيه ايضا [ هرجندكه فرشتكان مقربان دركاه عزت اند وطاوسان حضرت با اين مرتبت خاكيان مؤمنان برايشان شرف دارند ] كما قال عليه السلام ( المؤمن اكرم على اللّه من الملائكة الذين عنده ) فالملائكة ان طاروا من الارض الى السماء فى اسرع وقت فاهل الشهود طاروا الى ما فوق السماء فى لمحة بصر فلهم اجنحة من العقول السليمة والالباب الصافية والتوجهات المسرعة والجذبات المعجلة اجتهدوا وسلكوا ثم صاروا ثم طاروا طيرانا عجز عنده الملائكة وحاروا واليه الاشارة بقوله عليه السلام ( لى مع اللّه وقت لا يستعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل )

بربساط بوريا سير دو عالم ميكنيم ... باوجود نى سوارى برق جولانيم ما

جون باوج حق بريم عاجز شوداز ماملك ... كرد باد لا مكانى طرفه سيرانيم ما

{ يزيد } اللّه تعالى : يعنى [ زياده ميكند ومى افزايد ] فان زاد مشترك بين اللازم والمتعدى وليس فى اللغة ازاد

{ فى الخلق } فى أى خلق كان من الملائكة وغيرهم فاللام للجنس والخلق بمعنى المخلوق

{ ما يشاء } كل ما يشاء ان يزيده بموجب مشيئته ومقتضى حكمته من الامور التى لا يحيط بها الوصف فليس تفاوت احوال الملائكة فى عدد الاجنحة وكذا تفاوت احوال غيرهم فى بعض الامور تستدعيه ذواتهم بل ذلك من احكام المشيئة ومتقضيات الحكم وذلك لان اختلاف الاصناف بالخواص والفصول بالانواع ان كان لذواتهم المشتركة لزم تنافى لوازم الامور المتفقة وهو محال

والآية متناولة لزيادات الصور والمعانى

فمن الاولى حسن الصورة خصوصا الوجه قيل ما بعت اللّه نبيا الاحسن الشكل وكان نبينا عليه السلام املح : يعنى [ بر يوسف عليه السلام مليحتر وشيرين تر بود ] فمن قال كان اسود يقتل كما فى هدية المهديين الا ان لا يريد التقبيح بل الوصف بالسمرة والاسود العرب كما ان الاحمر العجم كما قال عليه السلام ( بعثت الى الاسود والاحمر )

آن سيه جرده كه شير ينئ عالم با اوست ...

ومنها ملاحة العينين واعتدال الصورة وسهولة اللسان وطلاقته وقوة البطش والشعر الحسن والصوت الحسن وكان نبينا عليه السلام طيب النغمة وفى الحديث ( لله اشد اذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب قينة الى قينته ) اى من استماع مالك جارية مغنية اريد هنا المغنية وفى الحديث ( زينوا القرآن باصواتكم ) اى اظهروا زينته بحسن اصواتكم والا فجل كلام الخالق ان يزينه صوت مخلوق ورخص تحسين الصوت والتطريب ما لم يتغير المعنى بزيادة او نقصان فى الحروف

جنانكه ميرود ازجاى دل بوقت سماع ... هم از سماع بمأواى خود كند برواز

خدايرا حدئ عاشقانة سركن ... كه بى حدى نشود قطع راه دور ودراز

ومنها حسن الحظ وفى الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( الخط الحسن يزيد الحق وضحا ) وهو بالفتح الضوء والبياض وفى الحديث ( عليكم بحسن الخط فانه من مفاتيح الرزق )

يقول الفقير حسن الخط مما يرغب فيه الناس فى جميع البلاد فاستكمال صنعة الكتابة من الكمالات البشرية وان كانت من الزيادات لا من المقاصد وقد يتعيش بعض الفقراء بمنافع قلمه ولا يحتاج الى الغير فيكون المنة لله على كل حال

برو بحسن خطت دل فراخ كن يارا ... زتنكدستى مبر شكوه اهل دنيارا

ومن الثانية كمال العقل وجزالة الرأى وجراءة القلب وسماحة النفس وغير ذلك من الزيادات المحمودة [ در حقايق سلمى آورده كه تواضع در اشراف وصخا در اغنيا وتعفف در فقرا وصدق در مؤمنان وشوق در محبان

امام قشيرى فرموده كه علوهمت است همنت عالى كسى را دهدكه خود خواهد ] فالمراد بعلوا الهمة التعلق بالمولى لا بالدنيا والعقبى

همانى جون تو عالى قدر حرص استخوان حيفست ... دريغا ساية همت كه برنا اهل افكندى

ويقال يزيد فى الجمال والكمال والدمامة

يقول الفقير هذا المعنى لا يناسب مقام الامتنان كما لا يخفى على اهل الاذعان

{ ان اللّه على كل شئ قدير } بليغ القدرة على كل شئ ممكن وهو تعليل بطريق التحقيق للحكم المذكور فان شمول قدرته تعالى لجميع الاشياء مما يوجب قدرته على ان يزيد كل ما يشاؤه ايجابا بينا فقد ابان سبحانه ان قدرته شاملة لكل شئ ومن الاشياء الانقاذ من الشهوات والاخراج من الغفلات والادخال فى دائرة العلم والشهود الذى هو من باب الزيادات فمن استعجز القدرة الالهية فقد كفر ألا ترى الى حال ابراهيم بن ادهم حيث تجلى اللّه له بجمال اللطف الصورى اولا واعطاه الجاه السلطنة ثم منّ له باللطف المعنوى ثانيا حيث انقذه من حبس العلاقات وخلصه من ايدى الكدورات وشرفه بالوصول الى عالم الاطلاق والدخول فى حرم الوفاق حكى انه كان سبب خروج ابراهيم بن ادهم عن اهله وماله وجاهه ورياسته وكان من ابناء الملوك انه خرج يوما يصطاد فاثار ثعلبا ثم ارنبا فبينما هو فى طلبه اذ هتف به هاتف ألهذا خلقت ام بهذا امرت ثم هتف به من قربوس سرجه واللّه ما لهذا خلقت ولا بهذا امرت فنزل عن مركوبه وصادف راعيا لابيه فاخذ جبة الراعى من صوف فلبسها واعطاه فرسه وما معه ثم دخل البادية وكان من شأنه ما كان وحكى ان الشيخ ابا الفوارس شاهين بن شجاع الكرمانى رضى اللّه عنه خرج للصيد وهو ملك كرمان فامعن فى الطلب حتى وقع فى برية مقفرة وحده فاذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سبع فلما رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا اليه السلام عليه وقال له يا شاه ما هذه الغفلة عن اللّه اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك انما اعطاك اللّه الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة الى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه اذ خرجت عجوز بيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب ودفع باقيها الى الشاه فشربه فقال ما شربت شيأ الذّ منه ولا ابرد ولا اعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب هذه الدنيا وكلها اللّه الى خدمتى الدنيا قال لها يا دنيا من خدمنى فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه فلما رأى ذلك تاب وكان منه ما كان فهذان الملكان بالكسر صارا ملكين بالفتح بقدرة اللّه تعالى فجاء فى حقهما يزيد فى الخلق ما يشاء واللّه الموفق

﴿ ١