سُورَةُ الصَّافَّاتِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَاثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ آيَةً ١ { والصافات صفا } الواو للقسم والصافات جمع صافة بمعنى جماعة فالصافات بمعنى الجماعات الصافات ولو قيل والصافين وما بعدها بالتذكير لم يحتمل الجماعات . والصف ان يجعل الشئ على خط مستقيم كالناس والاشجار : [ وبالفارسية [ رسته كردن ] ] تقول صففت القوم من باب ردّ فاصطفوا اذا اقمتم على خط مستو لاداء الصلاة او لاجل الحرب . اقسم اللّه سبحانه بالملائكة الذين يصفون للعبادة فى السماء ويتراصون فى الصف اى بطوائف الملائكة الفاعلات للصفوف على ان المراد ايقاع نفس الفعل من غير قصد الى المفعول واللاتى يقفن صفا صفا فى مقام العبودية والطاعة : وبالفارسية [ وبحق فرشتكان صف بركشيده در مقام عبوديت صف بركشيدنى ] او الصافات انفسها اى الناظمات لها فى سلك الصفوف بقيامها فى مواقف الطاعة ومنازل الخدمة وفى الحديث ( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ) قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم قال ( يمتون الصفوف المقدّمة ويتراصون فى الصف ) [ التراص : نيك در يكديكر بايستادن ] وكان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه اذا اراد ان يفتح بالناس الصلاة قال استووا تقدم يا فلان تأخر يا فلان ان اللّه عز وجل يرى لكم بالملائكة اسوة يقول والصافات صفا : يعنى [ خداى تعالى مى نمايد برشمارا به بملائكة اقتدا كويد ] والصافات صفا وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ترد الملائكة صفوفا صفوفا لا يعرف كل ملك منهم من الى جانبه لم يلتفت منذ خلقه اللّه تعالى وفى القاموس والصافات صفا الملائكة المصطفون فى الهواء يسبحون ولهم مراتب يقومون عليها صفوفا كما يصطف المصلون انتهى وقال بعضهم الصافات اجنحتها فى الهواء منتظرة لامر اللّه تعالى فيما يتعلق بالتدبير وقيل غير ذلك وقوله تعالى فى اواخر هذه السورة { وانا لنحن الصافون } يحتمل الكل قال بعض الكبار الملائكة على ثلاثة اصناف مهيمون فى جلال اللّه تعالى تجلى لهم فى اسمه الجليل فهيمهم وافناهم عنهم فلا يعرفون نفوسهم ولا من هاموا فيه وصنف مسخرون ورأسهم القلم الا على سلطان عالم التدوين والتسطير وصنف اصحاب التدبير للاجسام كلها من جميع الاجناس كلها وكلهم صافون فى الخدمة ليس لهم شغل غيرما امروا به وفيه لذتهم وراحتهم وفى الآية بيان شرف الملائكة حيث اقسم بهم وفضل الصفوف وقد صح ان الشيطان يقف فى فرجة الصف فلا بد من التلاصق والانضمام والاجتماع ظاهرا وباطنا ٢ { فالزاجرات زجرا } يقال زجرت البعير اذا حثثته ليمضى وزجرت فلانا عن سوء فانزجر اى نهيته فانتهى فزجر البعير كالحث له وزجر طرد بصوت ثم يستعمل فى الطرد تارة وفى الصوت اخرى وفى تاج المصادر [ الزجر : تهديد كردن وبانك برستور زدن تابرود ] اى الفاعلات للزجر اتو الزاجرات لما نيط بها زجره من الاجرام العلوية والسفلية وغيرها على وجه يليق بالمزجور ومن جملة ذلك زجر العباد عن المعاصى وزجر الشيطان عن الوسوسة والاغواء وعن استراق السمع كما سيأتى قال بعضهم يعنى الملائكة الذين يزجرون السحاب يؤلفونه ويسوقونه الى البلد الذى لا مطر به ٣ { فالتاليات ذكرا } مفعول التاليات واما صفا وزجرا فمصدران مؤكدان لما قبلهما بمعنى صفا بديعا وزجرا بليغا اى التاليات ذكرا عظيم الشأن من آيات اللّه وكتبه المنزلة على الانبياء عليهم السلام وغيرهما من التسبيح والتقديس والتحميد والتمجيد . او المراد بالمذكورات نفوس فى مواطن الحرب كأنهم بنيان مرصوص . او طوائف قوادهم الصافات لهم فيها الزاجرات الخيل للجهاد سوقا والعدو فى المعارك طردا التاليات آيات اللّه وذكره وتسبيحه فى تضاعيف ذلك لايشغلهم عن الذكر مقابلة العدوّ وذلك لكمال شهودهم وحضورهم مع اللّه وفى الحديث ( ثلاثة اصوات يباهى اللّه بهن الملائكة الاذان والتكبير فى سبيل اللّه ورفع الصوت بالتلبية ) او نفوس العابدين الصفات عند اداء الصلاة بالجماعة الزاجرات الشياطين بقراءة اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم التاليات القرآن بعدها ويقال فالتاليات ذكرا اى الصبيان يتلون فى الكتاب فان اللّه تعالى يحول العذاب عن الخلق ما دامت تصعد هذه الاربعة الى السماء اولها اذان المؤذنين . والثانى تكبير المجاهدين . والثالث تلبية الملبين . والرابع صوت الصبيان فى الكتاب [ صاحب تأويلات فرموده كه سوكند ميخورد بنفوس سالكان طريق توحيد كه در مواقف مشاهده صف بركشيده دواعى شيطانى ونوازع شهوات نفسانى را زجرى نمايند وبانواع ذكر لسانى يا قلبى يا سرى يا روحى بحسب احوال خود اشتغال ميفرمايند ] وفى التأويلات النجمية { والصافات صفا } يشير الى صفوف الارواح وجاء انهم لما خلقوا قبل الاجساد كانوا فى اربعة صفوف . كان الصف الاول ارواح الانبياء والمرسلين . وكان الصف الثانى ارواح الاولياء والاصفياء . وكان الصف الثالث ارواح المؤمنين والمسلمين . وكان الصف الرابع ارواح الكفار والمنافقين { فالزاجرات زجرا } هل الالهامات الربانية الزاجرات للعوام عن المناهى والخواص عن رؤية الطاعات والاخص عن الالتفات الى الكونين { فالتاليات ذكرا } هم الذاكرون اللّه تعالى كثيرا والذاكرات انتهى وهذه الصفات ان اجريت ثم للتلاوة او على العكس وان اجريت كل واحدة منهن على طوائف معينة فهو للدلالة على ترتب الموصوفات فى مراتب الفضل بمعنى ان طوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات افضل والتاليات ابهر فضلا او على العكس وفى تفسير الشيخ وغيره وجاء بالفاء للدلالة على ان القسم بمجموع المذكورات ٤ { ان الهكم } يا اهل مكة فان الآية نزلت فيهم اذ كانوا يقولون بطريق التعجب أجعل الآلهة الها واحدا او يا بنى آدم : وبالفارسية [ وبدرستى كه خداى شمادر ذات وحدانيت خود ] { لواحد } لا شريك له فلا تتخذوا آلهة من الاصنام والدنيا والهوى والشيطان . والجملة جواب للقسم والفائدة فيه مع ان المؤمن مقر من غير حلف والكافر غير مقرّ ولو بالحلف تعظيم القسم به واظهار شرفه وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف فى كلامهم وقد انزل القرآن على لغتهم وعلى اسلوبهم فى محاوراتهم وقيل تقدير الكلام فيها وفى مثلها ورب الصافات ورب التين والزيتون وفى المفردات الوحدة الانفراد والواحد فى الحقيقة هو الشئ الذى لا جزء له البتة ثم يطلق على كل موجود حتى انه ما من عدد الا ويصح وصفه به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة فالواحد لفظ مشترك يستعمل فى خمسة اوجه . الاول ما كان واحدا فى الجنس اوفى النوع كقولنا الانسان والفرس واحد فى الجنس وزيد وعمرو واحد فى النوع . والثانى ما كان واحدا بالاتصال اما من حيث الخلقة كقولك شخص واحد واما من حيث الصناعة كقولك حرفة واحدة . والثالث ما كان واحدا لعدم نظيره اما فى الخلقة كقولك الشمس واحدة واما فى دعوى الفضيلة كقولك فلان واحد دهره وكقولك هو نسيج وحده . والرابع ما كاتن واحد الامتناع التجزى فيه اما الصغرة كالهباء واما لصلابته كالماس . والخامس للمبتدأ اما لمبدأ العدد كقولك واحد اثنين واما لمبدأ الخط كقولك النقطة الواحدة والوحدة فى كلها عارضة فاذا وصف اللّه عز وجل بالواحد فمعناه هو الذى لا يصح عليه التجزى ولا التكثر ولصعوبة هذه الوحدة قال اللّه تعالى { واذا ذكر اللّه وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } انتهى قال الغزالى رحمه اللّه الواحد هو الذى لا يتجزى ولا يثنى اما الذى لا يتجزئ فكالجواهر الواحد الذى لا ينقسم فيقال انه واحد بمعنى انه لا جزء له وكذا النقطة لا جزء لها واللّه تعالى واحد بمعنى انه يستحيل تقدير الانقسام على ذاته واما الذى لا يثنى فهو الذى لا نظير له كالشمس مثلا فانها وان كانت قابلة للقسمة بالوهم متجزئة فى ذاتها من قبيل الاجسام فهى لا نظير لها الا انه يمكن لها نظير فما فى الوجود موجود ينفرد بخصوص وجود الا ويتصور ان يشاركه فيه غيره الا اللّه تعالى فانه الواحد المطلق ازلا وابدا فالعبد انما يكون واحدا اذا لم يكن فى ابناء جنسه نظير له فى خصلة من خصال الخير وذلك بالاضافة الى ابناء جنسه وبالاضافة الى الوقت اذ يمكن ان يظهر فى وقت آخر مثله وبالاضافة الى بعض الخصال دون الجميع فلا وحدة على الاطلاق الا اللّه تعالى انتهى. ولا يوحده تعالى حق توحيده الا هو اذ كل شئ وحده اى اثبت وجوده وفعله بتوحيده فقد جحده باثبات وجود نفسه وفعله واليه الاشارة بقول الشيخ ابى عبد اللّه الانصارى قدس سره تعالى ما وحد الواحد من واحد ... اذ كل من ينعته جاحد فاذا فنى الوجود المجازى صح التوحيد الحقيقى الذاتى وكل شئ من الاشياء عين مرآة توحيده كما قالوا ففى كل شئ له آية ... تدل على انه واحد وذلك لان كل شئ واحد بهويته او بانتهائه الى الجزء الذى لا يتجزئ او بغير ذلك تادم وحدت زدى حافظ شوريده حال ... خامة توحيد كش برورق اين وآن قال الشيخ الزروقى فى شرح الاسماء من عرف انه الواحد افرد قلبه له فكان واحدا به وقد فسر قوله عليه السلام ( ان اللّه وتر يحب الوتر ) يعنى القلب المنفرد له وخاصة هذا الاسم الواحد اخراج الكون من القلب فمن قرأه الف مرة خرج الخلائق من قلبه فكفى خوف الخلق وهو اصل كل بلاء فى الدنيا والآخرة وسمع عليه السلام رجلا يقول فى دعائه اللهم انى اسألك باسمك اللّه الواحد الاحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فقال ( سأل اللّه باسمه الا عظم الذى اذا دعى به اجاب واذا سئل به اعطى ) وفى الاربعين الادريسية يا واحد الباقى اول كل شئ وآخره قال السهرودى يذكره من تواليت عليه الافكار الرديئة فتذهب عنه وان قرأه الخائف من السلطان بعد صلاة الظهر خمسمائة مرة فانه يأمن ويفرج همه ويصادقه اعداؤه ٥ { رب السموات والارض وما بينهما } خبر ثان لان اى مالك السموات والارض وما بينهما من الموجودات ومربيها ومبلغها الى كمالاتها { ورب المشارق } اى مشارق الشمس وهى ثلاثمائة وستون مشرقا تشرق كل يوم من مشرق منها وبحسبها تختلف المغارب ولذلك اكتفى بذكرها يعنى اذا كانت المشارق بهذا العدد تكون المغارب ايضا بهذا العدد فتغرب فى كل يوم من مغرب منها واما قوله تعالى { رب المشرقين ورب المغربين } فهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما وقوله رب المشرق والمغرب اراد به الجهة فالمشرق جهة والمغرب جهة واعادة الرب فى المشارق لغاية ظهور آثار الربوبية فيها وتجددها كل يوم كما ذكر آنفا . تلخيصه هو رب جميع الموجودات وربوبيته لذاته لا لنفع يعود اليه بخلاف تربية الخلق والربوبية بمعنى المالكية والخالقية ونحوهما عامة وبمعنى التربية خاصة بكل نوع بحسبه فهو مربى الاشباح بانواع نعمه ومربى الارواح بلطائف كرمه ومربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ومربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ومربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة والرب عنوان الادعية فلا بد للداعى من استحضاره لسانا وقلبا حتى يستجاب فى دعائه اللهم ربنا انك انت الواحد وحدة حقيقة ذاتية لا انقسام لك فيها فاجعل توحيدنا توحيدا حقانيا ذاتيا سريا لامجازية فيه وانك انت الرب الكريم الرحيم فكما انك ربنا وخالقنا فكذا مر بينا ومولينا فاجعلنا فى تقلبات انواع نعمك شاغلين بك فارغين عن غيرك واوصل الينا من كل خيرك ٦ { انا زينا السماء الدنيا } اى القربى منكم ومن الارض واما بالنسبة الى العرش فهى البعدى . والدنيا تأنيث الادنى بمعنى الاقرب { بزينة } عجيبة بديعة { الكواكب } بالجر بدل من زينة على ان المراد بها الاسم اى ما يزان به لا المصدر فان الكواكب بانفسها واوضاع بعضها عن بعض زينة وأى زينة وفيه اشارة الى ان الزينة التى تدرك بالبصر يعرفها الخاصة والعامة والى الزينة التى يختص بمعرفتها الخاصة وذلك احكاماه وسيرها والكواكب معلقة فى السماء كالقناديل او مكوكبة عليها كالمسامير على الابواب والصناديق وكون الكواكب زينة للسماء الدنيا لا يقتضى كونها مركوزة فى السماء الدنيا ولا ينافى كون بعضها مركوزة فيما فوقها من السموات لان السموات اذا كانت شفافة واجراما صافية فالكواكب سواء كانت فى السماء الدنيا او فى سماوات اخرى فهى لا بد وان تظهر فى السماء الدنيا وتلوح منها فتكون سماء الدنيا مزينة بالكواكب والحاصل ان المراد هو التزيين فى رأى العين سواء كانت اصول الزينة فى سماء الدنيا او فى غيرها وهذا مبنى على ما ذهب اليه اهل الهيئة من ان الثوابت مركوزة فى الفلك الثامن وما عدا القمر فى السنة المتوسطة وان لم يثبت ذلك فحقيقة العلم عند اللّه تعالى ٧ { وحفظنا } منصوب بعطفه على زينة باعتبار المعنى كأنه قيل انا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا برمى الشهب { من كل شيطان مارد } اى خارج عن الطاعة متعر عن الخير من قولهم شجر امرد اذا تعرى من الورق ومنه الامرد لتجرده عن الشعر وفى التأويلات النجمية قوله { انا زينا } الخ يشير الى الرأس فانه بالنسبة الى البدن كالسماء مزين { بزينة الكواكب } الحواس وايضا زين سماء الدينا بالنجوم وزين قلوب اوليائه بنجوم المعارف والاحوال وكما حفظ السموات بان جعل النجوم للشياطين رجوعا كذلك زين القلوب بانوار التوحيد فاذا قرب منها الشياطين رجموهم بنور معارفهم كما قال { وحفظنا من كل شيطان مارد } يعنى من شياطين الانس وحكى ان ابا سعيد الخراز قدس سره رأى ابليس فى المنام فاراد ان يضربه بالعصا فقال يا ايا سعيد انا لا اخاف العصا وانما اخاف من شعاع شمس المعرفة بسوزد نور باك اهل عرفان دير نارى را ... ٨ { لا يسمعون الى الملأ الاعلى } اصل يسمعون يتسمعون فادغمت التاء فى السين وشددت والتسمع وتعديته بالى لتضمنه معنى الاصغاء . والملأ جماعة يجتمعون على رأى فيملأون العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء والملأ الاعلى الملائكة او اشرافهم او الكتبة وصفوا بالعلو لسكونهم فى السموات العلى والجن والانس هم الملأ الاسفل لانهم سكان الارض وهذا كلام مبتدأ مسوق لبيان حالهم بعد بيان حفظ السماء منهم مع التنبيه على كيفية الحفظ وما يعتريهم فى اثناء ذلك من العذاب . والمعنى لا يتطلبون السماء والاصغاء الى الملائكة الملكوتية : يعنى [ ملائكة كه مطلع اند بر بعضى از اسرار لوح بايكديكر ميكويند ايشانرا نمى شنوند بلكه طاقت شنودن وكوش فرانهادن ندارند ] { ويقذفون } القذف الرمى البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيف بحجر رميت اليه حجرا ومنه قذفه بالفجور اى يرمون : وبالفارسية [ وانداخته مى شوند ] { من كل جانب } من جميع جوانب السماء اذا قصدوا الصعود اليها ٩ { دحورا } علة للقذف اى للدحور وهو طرد يقال دحره دحرا ودحورا اذا طرده وابعده { ولهم } فى الآخرة غير ما فى الدنيا من عذاب الرجم بالشهب { عذاب واصب } دائم غير منقطع من وصب الامر وصوبا اذا دام قال فى المفردات الوصب السقم اللازم ١٠ { الا من خطف الخطفة } استثناء من واو يسمعون ومن بدل منه . والخطف الاختلاس بسرعة والمراد اختلاس الكلام اى كلام الملائكة مسارقة كما يعرب عنه تعريف الخطفة اى لا يسمع جماعة الشياطين الا الشيطان الذى خطف اى اختلس الخطفة اى المرة الواحدة يعنى كلمة واحدة من كلام الملائكة : وبالفارسية [ وانرا قوت استماع كلام ملائكة نيست مكر كسى كه درربايد يك ربودن يعنى بد زدد سخنى ازفرشته ] { فاتبعه } اى طبعه ولحقه : وبالفارسية [ بس ازبى در آيد اورا ] قال ابن الكمال الفرق بين اتبعه انه يقال اتبعه اتباعا اذا طلب الثانى اللحوق بالاول وتبعه تبعا اذا مر به ومضى معه { شهاب } قال فى القاموس الشهاب ككتاب شعلة من نار ساطعة انتهى والمراد هنا ما يرى منقضا من السماء { ثاقب } قال فى المفردات الثاقب النير المضيء يثقب بنوره واضاءته ما يقع عليه انتهى اى مضئ فى الغاية كأنه يثقب الجو بضوئه يرجم به الشياطين اذا صعدوا لاستراق السمع وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى نفر من اصحابه اذرمى بنجم فاستنار فقال عليه السلام ( ما كنتم تقولون لمثل هذا فى الجاهلية ) فقالوا يموت عظيم او يولد عظيم فقال ( انه لا يرمى لموت احد ولا لحياته ولكن اللّه اذا قضى امرا يسبحه حملة العرش واهل السماء السابعة يقولون ) اى اهل السماء السابعة ( لحملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم فيستخبر اهل كل سماء اهل سماء حتى ينتهى الخبر الى السماء الدنيا فيتخطب الجن فيرمون فما جاؤا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون فيه ويكذبون فما ظهر صدقه فهو من قسم ما سمع من الملائكة وما ظهر كذبه فهو من قسم ما قالوه ) قيل كان ذلك فى الجاهلية ايضا لكن غلظ المنع وشدّد حيث بعث النبى عليه السلام . قيل هيئة استراقهم ان الشياطين يركب بعضهم بعضا الى السماء الدنيا فيسمع من فوقهم الكلام فيلقيه الى من تحته ثم هو يلقيه الى الآخر حتى الى الكاهن فيرمون بالكوكب فلا يخطئ ابدا فمنهم من يقتل ومنهم من يحرق بعض اعضائه واجزائه ومنهم من يفسد وعقله وربما ادركه الشهاب قبل ان يلقيه وربما القاه قبل ان يدركه ولاجل ان يصيبهم مرة ويسلمون اخرى لا يرتدعون عن الاستراق بالكلية كراكب البحر للتجارة فانه قد يصيبه الموج وقد لا يصيبه فلذا يعود الى ركوب البحر رجاء السلامة ولا يقال ان الشيطان من النار فلا يحترق لانه ليس من النار الصرف كما ان الانسان ليس من التراب الخالص مع ان النار القوية اذا استولت على الضعيفة استهلكتها ثم ان المراد بالشهاب شعلة نار تنفصل من النجم لا انه النجم لا انه النجم نفسه لانه قار فى الفلك على حاله وقالت الفلاسفة ان الشهب انما هى اجزاء نارية تحصل فى الجو عند ارتفاع الابخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التى دون الفلك انتهى وقال بعض كبار اهل الحقيقة لولا الاثير الذى هو بين السماء والارض ما كان حيوان ولا نبات ولا معدن فى الارض لشدة البرد الذى فى السماء الدنيا فهو يسخن العالم لتسرى فيه الحياة بتقدير العزيز العليم وهذا الاثير الذى هو ركن النار متصل بالهواء والهواء حار رطب ولما فى الهواء من الرطوبة اذا اتصل بهذا الاثير اثر فيه لتحركه اشتعالا فى بعض اجزاء الهواء الرطبة فبدت الكواكب ذوات الاذنات لانها هواء محترق لا مشتعل وهى سريعة الاندفاع وان اردت تحقيق هذا فانظر الى شرر النار اذا ضرب الهواء النار بالمروحة يتطاير منها شرر مثل الخيوط فى رأى العين ثم تنطفئ كذلك هذه الكواكب وقد جعلها رجوما للشياطين الذين هم كفار الجن كما قال اللّه تعالى انتهى كلامه قدس سره قال بعضهم لما كان كل نير يحصل فى الجو مصابيح لاهل الارض فيجوز ان تنقسم الى ما تكون باقية على وجه الجهر آمنة من التغير والفساد وهى الكواكب المركوزة فى الافلاك والى ما لا تبقى بل تضمحل وهو الحادث بالبخار الصاعد على ما ذهب اليه الفلاسفة او بتحريك الهواء الاثير واشعاله على ما ذهب اليه بعض الكبار فلا يبعد ان يكون هذا الحادث رجما للشيطان يقول الفقير اغناه اللّه القدير قول بعض الكبار يفيد حدوث الكواكب ذوات الاذناب من التحريك المذكور وهى الكواكب المنقضة سواء كانت ذوات اذناب اولا وهذا لا ينافى ارتكاز الكواكب الغير الحادثة فى افلاكها او تعليقها فى السماء او بايدى الملائكة كالقناديل المعلقة فى المساجد او كونها ثقبا فى السماء او عروقا نيرة من الشمس على ما ذهب الى كل منها طائفة من اهل الظاهر والحقيقة قال قتادة جعل اللّه النجوم لئلا زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم كالملأ الا على فى الاشتغال بشانه كاه كويى اعوذ وكه لاحول ... ليك فعلت بود مكذب قول بحقيقت بسوز شيطانرا ... ساز از نور حال درمانرا ١١ { فاستفتهم } خطاب للنبى عليه السلام والضمير لمشركى مكة [ والاسفتاء : فتواى خواستن ] والفتيا والفتوى الجواب عما يشكل من الاحكام يقال استفتيته فافتانى بكذا قال بعضهم الفتوى من الفتى وهو الشاب القوى وسمى الفتوى فتوى لان المفتى يقوى السائل فى جواب الحادثة وجمعه فتاوى بالفتح والمراد بالاستفتاء هنا الاستخبار كما فى قوله تعالى فى قصة اهل الكهف { ولا تستفت فيهم منهم احدا } وليس المراد سؤال الاستفهام بل التوبيخ . والمعنى فاستخبر يا محمد مشركى مكة توبيخا واسألهم سؤال محاجة { أهم } [ آيا ايشان ] { اشد خلقا } اقوى خلقة وامتن بنية او اصعب على الخالق خلقا او اشق ايجادا { ام من } اى ام الذى { خلقنا } من الملائكة والسماء والارض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب والشياطين المردة ومن لتغلب العقلاء على غيرهم { انا خلقناهم } اى خلقنا اصلهم وهو آدم وهم من نسله { من طين لازب } لاصق يلصق ويعلق باليد لا رمل فيه قال فى المفردات اللازب الثابت الشديد الثبوت ويعبر باللازب عن الواجب فيقال ضربة لازب اهو والباء بدل من الميم والاصل لازم مثل مكة وبكة كما فى كشف الاسرار والمراد اثبات المعاد ورد استحالتهم وتقريره ان استحالة المعاد اما لعدم قابلية المادة ومادتهم الاصلية هى الطين اللازب الحاصل من ضم الجزء المائى الى الجزء الارضى وهما باقيان قابلان الانضمام بعد واما لعدم قدرة الفاعل وهو باطل فان من قدر على خلق هذه الاشياء العظيمة قادر على ما يعتد به بالاضافة اليها وهو خلق الانسان واعادته سيما ومن الطين اللازب بدأهم وقدرته ذاتية لا تتغير فهى بالنسبة الى جميع المخلوقات على السواء [ بس هركاه خورشيد قدرت ازافق ارادت طلوع نمايد ذرات مقدورات درهواى ابداع وفضاى اختراع بجلوه در آيند ] قدس سره كاينك زعدم سوى وجود آمده ايم ... قال الشيخ سعدى قدس سره بامرش وجود ازعدم نقش بست ... كه داند جزاو كردن ازنيست هست دكرره بكتم عدم در برد ... واز آنجا بصحراى محشر برد وفى الآية اشارة الى انه تعالى اودع فى الطينة الانسانية خصوصية لزوب ولصوق يلصق بكل شئ صادقة فصادف قوما الدنيا فلصقوا بها وصادف قوما الآخرة فلصقوا بها وصادف قوما نفحات الطاف الحق فلصقوا بها فاذابتهم وجذبتهم عن انانيتهم بهويتها كما تذيب الشمس الثلج وتجذبه اليها فطوبى لعبد لم يتعلق بغير اللّه تعالى : قال الحافظ غلام همت آنم كه زير جرخ كبود ... زهر جه رنك تعلق بذيرد آزادست ١٢ { بل عجبت ويسخرون } قال سعدى المفتى اضاب عن الامر بالاستفتاء اى لا تستفتهم فانهم معاندون ومكابرون لا ينفع فيهم الاستفتاء وانظر الى تفاوت حالك وحالهم انت تعجب من قدرة اللّه تعالى على خلق هذه الخلائق العظيمة ومن قدرته على الاعادة وانكارهم للبعث وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث وقال قتادة عجب نبى اللّه من هذا القرآن حين انزل وضلال بنى آدم وذلك ان النبى عليه السلام كان يظن ان كل من يسمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن فسخروا منه ولم يؤمنوا عجب من ذلك النبى عليه السلام فقال اللّه تعالى { بل عجبت ويسخرون } والسخرية الاستهزاء والعجب والتعجب حالة تعرض للانسان عند الجهل بسبب الشئ ولهذا قال بعض الحكماء العجب ما لايعرف سببه ولهذا قيل لا يصح على اللّه التعجب اذهو علام الغيوب لا يخفى عليه خافية . فى صفة اللّه تعالى قد يكون بمعنى الانكار الشديد والذم كما فى قراءة بل عجبت بضم التاء وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضى كما فى حديث ( عجب ربكم من شاب ليست له صبوة ونخوة ) وفى فتح الرحمن هى عبارة عما يظهره اللّه فى جانب المتعجب منه من التعظيم والتحقير حتى يصير الناس متعجب منه انتهى وسئل الجنيد عن هذه الآية فقال ان اللّه تعالى لا يعجب من شئ ولكن اللّه وافق رسوله فقال { وان تعجب فعجب قولهم } اى هو كما تقوله وفى المفردات بل عجبت ويسخرون اى عجبت من انكارهم البعث لشدة تحققك بمعرفته ويسخرون بجهلهم . وقرأ بعضهم بل عجبت بضم التاء وليس ذلك اضافة التعجب الى نفسه فى الحقيقة بل معناه انه مما يقال عنده عجبت او تكون عجبت مستعارة لمعنى انكرت نحو { أتعجبين من امر اللّه } انتهى ١٣ { واذا ذكروا } اى ودأبهم المستمر انهم اذا وعظوا بشئ من المواعظ : وبالمواعظ : وبالفارسية [ وجون بندداده شو ندبه جيزى { لا يذكرون } لا يتعظون : وبالفارسية [ ياد نكنند آنرا وبدان بند بذير نشوند ] وفيه اشارة الى انهم نسوا اللّه غاية النسيان بحيث لا يذكرونه واذا ذكروا يعنى باللّه تعالى لا يتذكرون ١٤ { آية } اى معجزة تدل على صدق القائل بالبعث { يستسخرون } [ الاستسخار : افسوس داشتن ] والسين والتاء للمبالغة والتأكيد اى يبالغون فى السخرية والاستهزاء او للطلب على اصله اى يستدعى بعضهم من بعض ان يسخر منها : يعنى [ يكديكررا بسخرية مى خوانند ] ١٥ { وقالوا ان هذا } [ نيست اين كه ماديدم ] ان نافية بمعنى ما وهذا اشارة الى ما يرونه من الآية الباهرة { الا سحر مبين } ظاهر سحريته وفيه اشارة الى ان اهل الانكار اذا رأوا رجلا يكون آية من آيات اللّه يسخرون منه ويعرضون عن الايمان به ويقولون لما يأتى به ان هذا الا سحر مبين لانسداد بصائرهم عن رؤية حقيقة الحال بغطاء الانكار ونسبة اهل الهدى الى الضلال جون نباشد جشم ويرانور جان ... كفت وكوى وجه باقى شدخيال ١٦ { أئذا } اى أنبعث اذا { متنا } وبالفارسية [ آيا برانكيختان باشيم جون ميريم ما ] { وكنا ترابا } [ وباشيم خاك ] { وعظاما } [ واستخوانهاى بى كوشت وبوست ] اى كان بعض اجزائنا ترابا وبعضها عظاما وتقديم التراب لانه منقلب من الاجزاء البالية { أئنا لمبعوثون } اى لا نبعث فان الهمزة للانكار الذى يراد به النفى وتقديم الظرف لتقوية الانكار للبعث بتوجيهه الى حالة منافية له غاية المنافاة ١٧ { أو آباؤنا الاولون } الهمزة للاستفهام والواو للعطف وآباؤنا رفع على الابتداء وخبره محذوف عند سيبوية اى وآباؤنا الاولون اى الاقدمون ايضا مبعوثون ومرادهم زيادة الاستبعاد بناء على انهم اقدم فبعثهم ابعد على زعمهم ١٨ { قل } تبكيتا لهم { نعم وانتم داخرون } نعم بفتحتين يقع فى جواب الاستخبار المجرد من النفى ورد الكلام الذى بعد حرف الاستفهام والخطاب لهم ولآبائهم على التغليب . والدخول اشد الصغار والذلة يقال ادخرته فدخر أى اذللته فذل والجملة حال من فاعل ما دل عليه نعم اى كلكم مبعوثون والحال انكم صاغرون اذلاء على رعم منكم ١٩ { فانما هى زجرة واحدة } لا تحتاج الى نعم الاخرى وهى اما ضمير مبهم يفسره خبره او ضمير البعثة المذكورة فى ضمن نعم لان المعنى مبعوثون والجملة جواب شرط مضمر او تعليل لنهى مقدر اى اذا امر اللّه بالبعث فانما هى الخ او لا تستصعبوه فانما هى الخ . والزجرة الصيحة من زجر الراعى غنمه او ابله اذا صاح عليها وهى النفخة الثانية { فاذا هم } اذا للمفاجأة والضمير للمشركين وفى بعض التفاسير للخلائق كلهم اى فاذا هم قائمون من مراقدهم احيا { ينظرون } حيارى او يبصرون كما كانوا او ينتظرون ما يفعل بهم ٢٠ { وقالوا } اى المبعوثون وصيغة الماضى للدلالة على التحقق والتقرر { يا ويلنا } الويل الهلاك اى يا هلاكنا احضر فهذا او ان حضورك وقال الكاشفى [ اى واى برما ] { هذا يوم الدين } تعليل لدعائهم الويل بطريق الاستئناف اى اليوم الذى نجازى باعمالهم فلما شاهدوا البعث ايقنوا بما بعده ايضا فتقول لهم الملائكة بطريق التوبيخ والتقريع ٢١ { هذا يوم الفصل } اى القضاء او الفرق بين فريقى الهدى والضلال { الذى كنتم به تكذبون } اى كنتم على الاستمرار تكذبون به وتقولون انه كذب ليس له اصل ابدا فيقول اللّه تعالى للملائكة ٢٢ { احشروا الذين ظلموا } الحشر يجيئ بمعنى البعث وبمعنى الجمع والسوق وهو المراد ههنا دون الاول كما لا يخفى والمراد بالظالمين المشركون من بنى ادم [ جمع كنيدوبهم آريد آنانرا كه ستم كردند برخود بشرك ] { وازواجهم } اى اشباههم من اهل الشرك والكفر والنفاق والعصيان عابد الصنم مع عبدته وعابد الكواكب مع عبدتها واليهود مع اليهود والنصارى مع النصارى والمجوس مع المجوس وغيرهم من الملل المختلفة ويجوز ان يكون المراد بالازواج نساءهم اللاتى على دينهم او قرناءهم من الشياطين كل كافر مع شيطانه فى سلسلة { وما كانوا يعبدون } ٢٣ { من دون اللّه } من الاصنام ونحوها زيادة فى تحسرهم وتخجيلهم { فاهدوهم الى صراط الجحيم } الضمير للظالمين وازواجهم ومعبوديهم اى فعرّفوهم طريق جهنم ووجهوهم اليها وفيه تهكم بهم ويقال الظالم فى الآية عام على من ظلم نفسه وغيره فيحشر كل ظالم مع من كان معينا له اهل الخمر مع اهل الخمر الزنى مع اهل الزنى واهل الربا مع اهل الربا وغيرهم كل مع مصاحبه [ درقوت القلوب آورده كه يكى از عبد اللّه بن مبارك قدس سره برسيدكه من خياطم واحيانا براى ظلمه جامه مى دورم ناكاه ازعوان اشان نباشيم ابن مبارك فرمودنى توكه ازاعوان نيستى بلكه از ظلمانى اعوان ظلمه آنهاند كه سوزن ورشته بتو ميفروشند ] وفى الفروع ويكره للخفاف والخياط ان يستأجر على عمل من زى الفساق ويأخذ فى ذلك اجرا كثيرا لانه اعانة على المعصية [ نقليست كه يكبار امام اعظم رضى اللّه عنه را محبوس كردند يكى از ظلمة بيامدكه مراقلمى تراش كن كفت ترسم كه ازان قوم باشم كه حق تعالى ميفرمايد ] { احشروا الذين وظلموا وازواجهم } اى اتباعهم واعوانهم واقرانهم المقتدين بهم فى افعالهم وفى الحديث ( امرؤ القيس قائد لواء الشعراء الى النار ) كما فى تذكير القرطبى يار ظالم مباش تانشوى ... روز حشر ازشمارة ايشان ويروى ان ابن المبارك رؤى فى المنام فقيل له ما فعل بك ربك فقال عاتبنى واوقفنى ثلاث سنة بسبب انى نظرت باللطف يوما الى مبتدع فقال انك لم تعاد عدوى فكيف حال القاعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وفى الروضة يجيب دعوة الفاسق والورع ان لا يجيب ويكره للرجل المعروف الذى يقتدى به ان يتردد الى رجل من اهل الباطل وان يعظم امره بين الناس فانه يكون مبتدعا ايضا ويكون سببا لترويج امره الباطل واتباع الناس له فى اعتقاده الفاسد وفعله الكاسد . والحاصل ان ارباب النفوس الامارة كانوا يدلون فى الدنيا على صراط الجحيم من حيث الاسباب من الاقوال والافعال والاخلاق فلذا يحشرون على ما ماتوا وكذلك من اعان صاحب فترة فى فترته او صاحب زلة فى زلته كان مشار كاله فى عقوبته واستحقاق طرده واهانته كما اشتركت النفوس والاجساد فى الثواب والعقاب نسأل اللّه العمل بخطابه والتوجه الى جنابه والسلوك بتوفيقه والاهتداء الى طريقه انه المعين ٢٤ { وقفوهم } قفوا امر من وقفه وقفا بمعنى حبسه لا من وقف وقوفا بمعنى دام قائما فالاول متعد والثانى لازم . والمعنى احبسوا المشركين ايها الملائكة عند الصراط كما قال بطريق التعليل { انهم مسئولون } عما ينطق به ٢٥ { مالكم } [ جيست بشماكه ] { لا تناصرون } حال من معنى الفعل فى مالكم اى ما تصنعون حال كونكم غير متناصرين وحقيقته ما سبب عدم تناصركم وان لا ينصر بعضكم بالتخليص من العذاب كما كنتم تزعمون فى الدنيا كما قال ابو جهل يوم بدر نحن جميع منتصر : يعنى [ ما همه هم يشتيم يكديكرراتا كين كشيم از محمد ] وتأخير هذا السؤال الى ذلك الوقت لانه وقت تنجز العذاب وشدة الجاجة الى النصرة وحالة انقطاع الرجاء منها بالكلية فالتوبيخ والتقريع حينئذ اشد وقعا وتأثيرا وفى الحديث ( لا تزال قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن اربعة عن شبابه فيم ابلاه وعن عمره فيم افناه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم انفقه وعن عمله ماذا عمل به ) قال بعض الكبار مقام السؤال صعب قوم يسألهم الملك وقوم يسألهم الملك فالذين تسألهم الملائكة اقوام لهم اعمال صالحة تصلح للعرض والكشف واقوام لهم اعمال لا تصلح للكشف وهم قسمان الخواص يسترهم الحق عن اطلاع الخلق عليهم فى الدنيا والآخرة واقوام هم اهل الزلات يخصهم اللّه تعالى برحمته فلا يفضحهم واما الاغيار والاجانب فيقال لهم كفى بنفسك اليوم عليك حسبا فاذا قرأوا كتابهم يقال لهم فما جزاء من عمل هذا فيقولون جزاؤه النار فيقال لهم ادخلوا بحكمكم كما ان جبرائيل جاء فى الصورة البشر الى فرعونوقال ما جزاء عبد عصى سيده وادعى العلو عليه وقد رباه بانواع نعمه قال جزاؤه الغرق قال اكتب لى فكتب له صورة فتوى فلما كان يوم الغرق اظهر الفتوى وقال كن غريقا بحكمك على نفسك . ويجوز ان يقال لهم فى بعض احوال استيلاء الفزع عليهم ما لكم لا تناصرون فيكون منقطعا عما قبله قال فى بحر العلوم والآية نص قاطع ينطق بحقية الصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم ادق من الشعر واحد من السيف يعبره اهل الجنة وتزل به اقدام اهل النار وانكره بعض المعتزلة لانه لا يمكن العبور عليه وان امكن فهو تعذيب للمؤمنين واجيب بان اللّه قادر ان يمكن من العبور عليه ويسهله على المؤمنين حتى ان منهم من يجوزه كالبرق الخاطف ومنهم كالريح الهابّة ومنهم كالجود الى غير ذلك : وفى سلسلة الذهب للمولى الجامى هركه باشد زمؤمن وكافر ... بر سريل كنند شان حاضر هركه كافر بود جو بنهد باى ... قعر دوزخ بود مرا وراجاى مؤمنانرا زحق رسد تأييد ... ليك بر قدر قوت توحيد هركرا بر طريقت نبوى ... ره نبود دست غير راست روى دوزخ از نور او كند برهيز ... بكذرد همجو برق خاطف تيز ياجو مرغ بران وباد وزان ... ياجو جيزى دكر سبكترازان وانكه ضعفى بود در ايمانش ... نبود زان كذشتن آسانش بلكه دريخ آن كذركه تنك ... باشد اورا بقدر ضعف درنك ليك يابد خلاص آخر كار ... كرجه بيند مشقت درنك وفى الحديث ( اذا اجتمع العالم والعابد على الصراط قيل للعابد ادخل الجنة وتنعم بعبادتك وقيل للعالم قف ههنا فاشفع لمن احببت فانك لا تشفع لاحد الا شفعت فقام مقام الانبياء ) وقد جاء فى الفروع رجلان تعلما علما كعلم الصلاة او نحوها احدهما يتعلم ليعلم الناس والآخر يتعلم ليعمل به فالاول افضل لان منفعة تعليم الخلق اكثر لكونه خيرا متعديا فكان هو افضل من الخير اللازم لصاحبه وقد جاء فى الآثار ( ان مذاكرة العلم ساعة خير من احياء الليلة ) خصوصا اذا كان مما يتعلق بالعلم باللّه وقد قل اهله فى هذا الزمان وانقطعت مذاكرته عن اللسان لانقطاع ذوق الجنان وانسداد البصيرة والعياذ باللّه من الخذلان والحرمان ٢٦ { بل هم اليوم مستسلمون } [ الاستسلام : كردن نهادن ] يقال استسلم للشئ اذا انقاد له وخضع واصله طلب السلامة . والمعنى منقادون ذليلون خاضعون بالاضطرار لظهور عجزهم وانسداد باب الحيل عليهم اسلم بعضهم بعضا وخذله عنه عجز فكل مستسلم غير منتصر كقوم متحابين انكسرت سفينتهم فوقعوا فى البحر فاسلم كل واحد منهم صاحبه الى الهلكة لعجزه عن تنجية نفسه فضلا عن غيره بخلاف حال المتحابين فى اللّه : قال الحافظ يار مردان خدا باش كه در كشئ نوح ... هست خاكى كه بآبى نخرد طوفانرا ٢٧ { واقبل } حينئذ [ والاقبال : بيش آمدن وروى فراكسى كردن ] يقال اقبل عليه بوجهه وهو ضد الادبار { بعضهم } هم الاتباع او الكفرة { على بعض } هم الرؤساء او القرناء حال كونهم { يتساءلون } يسأل بعضهم بعضا سؤال توبيخ بطريق الخصومة والجدال ولذا فسر بيتخاصمون كأنه قيل كيف يتساءلون فقيل ٢٨ { قالوا } اى الاتباع للرؤساء او الكفرة للقرناء { انكم كنتم تأتوننا } فى الدنيا { عن اليمين } عن القوة والاجبار فنتجبروننا على الغى والضلال فاتبعناكم خوفا منكم بسبب القهر والقوة وبها يقع اكثر الاعمال . او عن الناحية التى كان منها الحق فتصرفوننا عنها كمات فى المفردات . او عن الجهة التى كنا نأمنكم منها لحلفكم انكم على الحق فصدقناكم فانتم اضللتمونا كما فى فتح الرحمن فاليمين اذا بمعنى الحلف والاول اوفق للجواب الآتى كما فى الارشاد ويقال من اتاه الشيطان من جهة اليمين اتاه من قبل الدين لتلبيس الحق عليه . ومن اتاه من جهة الشمال اتاه من قبل الشهوات . ومن اتاه من بين يديه اتاه من قبل تكذيب القيامة . ومن اتاه من خلفه اتاه من قبل تخويفه بالفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده فلم يصل رحما ولم يؤد زكاة فى الآية اشارتان . الالوى ان دأب اهل الدنيا انهم يلقون ذنب بعضهم على بعض ويدفعون عن انفسهم ويبرئون اعراض الاخوان من تهمة الذنوب ويتهمون انفسهم بها كما كان عيسى عليه السلام اذا رأى قد سرق شيأ يقول له اسرقت فيقول لا والذى لا اله الا هو فيقول عيسى صدقت وكذبت عيناى . والثانية ان من كان مؤمنا حقيقيا لا يقدر احد على اضلاله ومن كان مؤمنا تقليديا يضل باضلال اهل الهوى والبدع ويزول ايمانه بادنى شبهة كما اشار بنفى الايمان فى الجواب الآتى ٢٩ { قالوا } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قال الرساء او القرناء فقيل قالوا { بل لم تكونوا مؤمنين } اى لم نمنعكم من الايمان بالقوة والقهر او بنحو ذلك بل لم تؤمنوا باختياركم واعرضتم عنه مع تمكنكم منه وآثرتم الكفر عليه ٣٠ { وما كان لنا عليكم من سلطان } من قهر وتسلط نسلب به اختياركم . والسلاطة ايضا منه ما فى الآية ونظائرها { بل كنتم قوما طاغين } مختارين للطغيان مصرين عليه والطغيان مجاوزة الحد فى العصيان ٣١ { فحق علينا } اى لزم وثبت علينا { قوم ربنا } وهو قوله { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين } { انا لذائقون } اى الساب الذى ورد به الوعيد : وبالفارسية [ بدرستى كه جشندكانيم عذار را دران روز ] ٣٢ { فاغويناكم } فدعونا الى الغى والضلال دعوة غير ملجئة فاستجبتم لنا باختياركم الغى على الرشد : وبالفارسية [ بس ما شمارا دعوت كرديم بكمراهى وكثر راهى بجهت آنكه ] { انا كنا غاوين } ثابتين على الغواية فلا عتب علينا فى تعرضنا لاغوائكم بتلك المرتبة من الدعوة لتكونوا امثالنا فى الغواية : وبالفارسية [ ما بوديم كمراهان خواستيم كه شما نيز ما باشيد در مثل است كه خر من سوخته خر من سوخته طلبد ] من مستم وخواهم كه توهم مست شوى ... تا همجو من سوخته همدست شوى ٣٣ { فانهم } اى الاتباع والمتبوعين { يومئذ } [ آنروز ] { فى العذاب } متعلق بقوله { مشتركون } حسبما كانوا مشركين فى الغواية ٣٤ { انا كذلك } اى مثل ذلك الفعل البديع الذى تقتضيه الحكمة التشريعية وهو الجمع بين الضالين والمضلين فى العذاب { نفعل بالمجرمين } المتناهين فى الاجرام وهم المشركون كما يعرب عنه التعليل ٣٥ بقوله تعالى { انهم كانوا اذا قيل لهم } بطريق الدعوة والتلقين بان يقال قولوا { لا اله الا اللّه يستكبرون } يتعظمون عن القول وقع ذكر لا اله الا اللّه فى القرآن فى موضعين . احدهما فى هذه السورة . والثانى فى سورة القتال فى قوله { فاعلم انه لا اله الا اللّه } وليس فى القرآن لهما ثالث وفى التلويح لا يخفى ان الاستثناء ههنا بدل من اسم لا على المحل والخبر محذوف اى لا اله موجود فى الوجود الا اللّه انتهى قال الهندى ويجوز فى المستثنى النصب على الاستثناء ولا يضعف الا فى نحو لا اله الا اللّه من حيث انه يوهم وجها ممتنعا وهو الابدال من اللفظ انتهى قال العصام لان ايهام البدل ههنا من اللفظ ايهام الكفر وبينه وبين قصد المخبر بالتوحيد تناف ٣٦ { ويقولون ائنا } [ آياما ] { لتاركوا آلهتنا } [ ترك كنند كانيم عبادات خداى خودرا ] { لشاعر مجنون } اى لاجل قول شاعر مغلوب على عقله يعنون محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم وهمزة الاستفهام للانكار اى ما نحن بتاركى عباة آلهتنا وفى الاصنام : وبالفارسية [ ما بسخن او ترك عبادت اصنام نكنيم ] ولقد كذبوا فى ذلك حيث جننوه وشعروه وقد علموا انه ارجح الناس عقلا واحسنهم رأيا واشدهم قولا واعلاهم كعبا فى المآثر والفضائل كلها واطولهم باعا فى العلوم والمعارف باسرها ويشهد بذلك خطبة ابى طالب فى تزويج خديجة الكبرى فى محضر بنى هاشم ورؤساء مضر على ما سبق فى سورة آل عمران ان عند قوله تعالى { ولقد منّ اللّه } الآية ٣٧ { بل جاء الحق } اى ليس الامر على ما قالوه من الشعر والجنون بل جاء محمد بالحق وهو التوحيد { وصدق المرسلين } جميعا فى مجيئهم بذلك فما جاء به هو الذى اجمع عليه كافة الرسل فاين الشعر والجنون من ساحته الرفيعة هركرا در عقل كل باشد كمال ... نيست او مجنون اى شوريده حال ٣٨ { انكم } بما فعلتم من الاشراك وتكذيب الرسول والاستكبار { لذائقون العذاب الاليم } والالتفات الى الخطاب لاظهار كمال الغضب عليهم ٣٩ { وما تجزون الا ما كنتم تعملون } اى الاجزاء ما كنتم تعملونه من السيآت او الا ما كنتم تعملونه منها قال ابن الشيخ ولما كان المقام مظنة ان يقال كيف يليق بالكريم الرحيم المتعالى عن النفع والضر ان يعذب عباده اجاب عنه بقوله { وما تجزون } الخ وتقريره ان الحكمة تقتضى الامر بالخير والطاعة والنهى عن القبيح والمعصية ولا يكمل المقصود من الامر والنهى الا فى الترغيب فى الثواب والترهيب بالعقاب ولما وقع الاخبار بذلك وجب تحقيقه صونا للكلام عن الكذب فلهذا السبب وقعوا فى العذاب انتهى فعلى العاقل ان يحذر من يوم القيامة وجزائه فينتقل من الانكار الى الاقرار ومن الشك الى اليقين ومن الكبر الى التواضع ومن الباطل الى الحق ومن الفانى الى الباقى ومن الشرك الى التوحيد ومن الرياء الى الاخلاص وسئل عن على رضى اللّه عنه ما علامة المؤمن قال اربع . ان يطهر قلبه من الكبر والعداوة . وان يطهر لسانه من الكذب والغيبة . وان يطهر قلبه من الرياء والسمعة . وان يطهر جوفه من الحرام والشبهة واعظم الكبر ان يتكبر عن قول لا اله الا اللّه الذى هو اساس الايمان وخير الاذكار وكلمة الاخلاص وبه يترقى العبد الى جميع المراتب الرفيعة لكن بشرائطه واركانه [ حسن بصرى را برسيدندكه جه كريى درين خبر كه ] ( من قال لا اله الا اللّه دخل الجنة ) قال لمن عرف حدها وادى حقها هركرا از خدا بود تأييد ... نشود كار او بجز توحيد ذكر توحيد ماية حالست ... جون ازان بكذرى همه قالست ٤٠ { الا عباد اللّه المخلصين } استثناء منقطع من ضمير ذائقون وما بينهما اعتراض جيئ به مسارعة الى تحقيق الحق بيان ان ذوقهم العذاب ليس الا من جهتهم لا من جهة غيرهم اصلا ولكون الاستثناء منقطعا والا بمعنى لكن قال فى كشف الاسرار تم الكلام ههنا اى عند قوله تعالى { الا ما كنتم تعملون } والمعنى انكم لذائقون العذاب الاليم لكن عباد اللّه المخلصين لا يذوقونه . والمخلصون بالفتح من اخلصه اللّه لدينه وطاعته واختاره لجناب حضرته كقوله تعالى { وسلام على عباده الذين اصطفى } اى اصطفاهم اللّه تعالى فلهم سلامة من الازل الى الابد . والمخلص بالكسر من اخلص عبادته لله تعالى ولم يشرك بعبادته احدا كقوله تعالى { واخلصوا دينهم اللّه } وحقيقة الفرق بينهما على ما قال بعض العارفين ان الصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو من تخلص من شوائب الغيرية ايضا والثانى اوسع فلكا واكثر احاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير فرحم اللّه حفصا حيث قرأ بالفتح حيثما وقع فى القرآن ٤١ { اولئك } الخ استئناف فكأن سائلا سأل ما لهؤلاء المخلصين من الاجر والثواب فقيل اولئك الممتازون عما عداهم بالاضافة والاخلاص { لهم } بمقابلة اخلاصهم فى العبودية { رزق } لا يدانية رزق ولا يحيط به وصف على ما يفيده التنكير والرزق اسم لما يسوقه اللّه الى الحيوان فيأكله { معلوم } الخصائص من حسن المنظر ولذة الطعم وطيب الرائحة ونحوها من نعوت الكمال والظاهر ان معناه معلوم وجودا وقدرا وحسنا ولذة وطيبا ووقتا بكرة وعشيا او دواما كل وقت اشتهوه فان فيه فراغ الخاطر وانما يضطرب اهل الدنيا فى حق الرزق لكون ارزاقهم غير معلومة لهم كما فى الجنة تشنكانرا نمايد اندر خواب ... همه عالم بجشم جشمة آب هركرا جشمه شد جدا لب او ... كى بماند بآنكه در لب جو ٤٢ { فواكه } بدل من رزق جمع فاكهة وهى كل ما يتفكه به اى يتنعم باكله من الثمار كلها رطبها ويابسها وتخصيصها بالذكر لان ارزاق اهل الجنة كلها فواكه اى ما يأكل بمجرد التلذذ دون الاقتياب : وبالفارسية [ قوت كرفتن ] لانهم مستغنون عن القوت لكنون خلقتهم على حالة تقتضى البقاء فهى محكمة محفوظة من التحلل المحوج الى البدل بخلاف خلقة اهل الدنيا فانها على حالة تقتضى الفناء فيه ضعيفة محتاجة الى ما يحصل به القوام اللهم الا خلقة بعض الافراد المصونة من التحلل والتفسخ دنيا وبرزخا وقال بعضهم لان الفواكه من اتباع سائر الاطعمة فذكرها مغن عن ذكرها يقول الفقير والظاهر ان الاقتصار على الفواكه للترغيب والتشويق من حيث انه لا يوجد فى اغلب ديار العرب خصوصا فى الحجاز انواع الفواكه { وهم مكرمون } عنده لا يلحقهم هوان وذلك اعظم المثوبات واليقها باولى الهمم وقال بعضهم لما فصل خصائص رزقهم بين ان ذلك الرزق يصل اليهم بالتعظيم والاكرام لان مجرد المطعوم من غير اعزاز واكرام يليق بالبهائم ولما ذكر مأكولهم وصف مساكنهم ٤٣ { فى جنات النعيم } النعيم النعمة اى فى جنات ليس فيها الا النعيم فالاضافة للاختصاص والظرف يقرر محل الرزق والاكرام او خبر آخر لقول هم مثل ٤٤ { على سرر } [ برتختهاى آراسته ] جمع سرير وهو الذى يجلس عليه من السرور اذ كان كذلك لاولى النعمة وسرير الميت يشبه به فى الصورة وللتفاؤل بالسرور الذى يلحق بالميت برجوعه الى اللّه وخلاصه من السجن المشار اليه بقوله عليه السلام ( الدنيا سجن المؤمن ) ويجوز ان يتعلق على سرر بقوله { متقابلين } اى حال كونهم متقابلين على سرر وهو حال من الضمي فى قوله على سرر : والمعنى بالفارسية [ روى در روى يكديكر تابديدار هم شاد وخرم باشند ] والتقابل وهو ان ينظر بعضهم وحبه بعض اتم للسرور والانس وقيل لا ينظر بعضهم الى قفا بعض لدوران الاسرة بهم ثم ان استئناس بعضهم برؤية بعض صفة الابرار فان من صفة الاحرار ان لا يستأنسوا الا بمولاهم وسئل يحيى بن معاذ رضى اللّه عنه هل يقبل الحبيب بوجهه على الحبيب فقال وهل يصرف الحبيب وجهه عن الحبيب وذلك لكون احدهما مرآة للآخرة فاللّه تعالى يتجلى للمقربين كل لحظة فيدوم عليهم انسهم الباطن حال كومن ظواهرهم مستغرقة فى نعيم الجنان : قال الكمال الخجندى دولت آن نيست كه يابم دو جهان زير نكين ... دولت اينست وسعادت كه ترا يافته ام ولما ذكر مأكل المخلصين ومسكنهم ذكره بعده صفة شربهم ٤٥ { يطاف عليهم } استئناف مبنى على ما نشأ عن حكاية تكامل مجالس انسهم . والطواف الدوران حول الشئ وكذا الاطافة كما قال فى التهذيب [ الاطافة : كرد جيزى بركشتن ] : والمعنى بالفارسية [ كردانيده ميشود برايشان يعنى ساقيان بهشت وخادمان برسرايشان مى كردانند ] { بكأس } [ جامى تر ] اى باناء فيه خمر فان الكأس يطلق على الزجاجة ما دام فيها خمر والا فهو قدح واناء { من معين } صفة كأس اى كائنة من شراب معين اى ظاهر للعين او من نهر معين اى جار على وجه ارض الجنة فان الجنة انهارا جارية من خمر كأنهار جارية من ماء قال فى المفردات هو من قولهم معن الماء جرى فهو معين وقيل ماء معين هو من العين والميم زائدة فيه انتهى وفى الآية اشارة الى ان قوما شربوا ومشربهم الشراب بالكأس والشراب معين محسوس وقوما شربوا ومشربهم الحب والحب مغيب مستور وقوما شربوا ومشربهم المحبوب هو سر مكنون نسيم الحب يحييكم ... رحيق الحب يهيكم من المحبوب يأتيكم ... الى المحبوب ينهيكم ٤٦ { بيضاء } لونا اشد من لون اللبن والخمر البيضاء لم تر فى الدنيا ولن ترى وهذا من جملة مالا عين رأت ولا اذن سمعت . وبيضاء تأنيث ابيض صفة ايضا لكأس وكذا قوله { لذة للشاربين } لكل من يشرب منها . ووصفها بلذة اما للمبالغة اى كأس لذيذة عذبة شهية طيبة صارت فى لذتها كأنها نفس اللذة او لانها تأنيث اللذ بمعنى اللذيذ وصفها باللذة بيانا لمخالفتها لخمور الدنيا لانقطاع اللذة عن خمور الدنيا كلها رأسا بالكلية ٤٧ { لا فيها غول } بخلاف خمور بالدنيا فان فيها غول كالصداع ووجع البطن وذهاب العقل والاثم فهو من قصر المسند اليه على المسند . يعنى ان عدم الغول مقصور على الاتصاف بفى اذ خمور الجنة لا تتجاوز الاتصاف بفى كخمور الدنيا : وبالفارسية [ نيست دران شراب آفتى وعلتى كه بر خمر دنيا مرتب است جون فساد حال وذهاب عقل وصداع سر وخواب وجزآن ] وهى صفة لكأس ايضا وبطل عمل لا وتكررت لتقدم خبرها . والغول اسم بمعنى الغائلة يطلق على كل اذية ومضرة قال فى المفردات قال تعالى فى صفة خمر الجنة { لا فيها غول } نفيا لكل مانبه عليه بقوله { واثمهما اكبر من نفعمها } وبقوله { رجس من عمل الشيطان } انتهى يقال غاله الشئ اذا اخذه من حيث لم يدر وهلكه من حيث لا يحس به ومنه سمى السعلاة غولا بالضم والسعلاة سحرة الجن كما سبق فى سورة الحجر قال فى بحر العلوم ومنه الغول الذى يراه بعض الناس فى البوادى ولا يكذبه ولا ينكره الا المعتزلة من جميع اصناف الناس حتى جعلوه من كذبات العرب مع انه يشهد بصحته قوله عليه السلام ( اذ تغولت الغيلان فنادوا بالاذان ) انتهى قال ابن الملك عند قوله عليه السلام ( لا عدوى ولا طيرة ولا غول ) هو واحد الغيلان وهى نوع من الجن كانت العرب يعتقدون انه فى الفلاة يتصرف فى نفسه ويتراءى للناس بالوان مختلفة واشكال شتى ويضلهم عن الطريق ويهلكهم فان قيل ما معنى النفى وقد قال عليه السلام ( اذا تفولت الغيلان ) اى تلونت لونا بصور شتى ( فعليكم بالاذان ) اجيب بانه كان ذلك فى الابتداء ثم دفعه اللّه عن عباده . او يقال المنفى ليس وجود الغول بل ما يزعمه العرب من تصرفه فى نفسه انتهى اى من تلونه بالصور المختلفة واغتيال اى اضلاله واهلاكه والغول يطلق على ما يهلك كما فى المفرادات : وفى المثنوى ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز ... اخذ ذكر الحق من الاذان فى الحديث واراد بالغيلان ما يضل السالك ايا كان { ولا هم } اى المخلصون { عنها } اى عن خمر الجنة { ينزفون } يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف اذا ذهب عقله من السكر وبالكسر من انزف الرجل اذا سكر وذهب عقله او نفد شرابه وفى المفردات نزف الماء نزحه كله من البئر شيأ بعد شئ ونزف دمه ودمعه اى نزح كله ومنه قيل سكران نزف اى نزف فمه بسكره . وقرئ ينزفون اى بالكسر من قولهم انزف القوم اذا نزف ماء بئرهم انتهى ثم انه افرد هذا بالنفى مع اندراجه فيما قبله من نفى الغول عنها لما انه من معظم مفاسد الخمر كأنه جنس برأسه. والمعنى لا فيها نوع من انواع الفساد من مغص اى وجع فى البطن او صداع او حمى او عربدة اى سوء خلق والمعربد مؤذ نديمه فى سكره قاموس اى لالفو ولا تأثيم ولا هم يسكرون وفى بحر العلوم وبالجملة ففى خمر الدنيا انواع من الفساد من السكر وذهاب العقل ووقوع العداوة والبغضاء والصداع والخسارة فى الدين والدنيا حتى جعل شاربها كعابد الوثن ومن القيئ والبول وكثيرا ما تكون سببا للقتال والضراب والزنى وقتل النفس بغير حق كما شوهد من اهلها ولا شئ من ذلك كله فى خمر الجنة قال بعض العرفاء جميع البلاء والاتكابات ليس الا لكثافتنا فلولا هذه الكثافة لما عرض لنا الامراض والاوجاع ولم يصدر منا ما يقبح فى العقول والاوضاع ألا يرى انه لا مرض فى عالم الآخرة ولا شئ مما يتعلق بالكثافة ولكن معرفة اللّه تعالى لا تحصل لو لم تكن تلك الكثافة فهى مدار الترقى والتنزل ولذلك لا يكون للملائكة ترق وتدل فهم على خلقتهم وجبلتهم الاصلية ٤٨ { عندهم } اى عند المخلصين { قاصرات الطرف } القصر الحبس والمنع وطرف العين جفنه والطرف تحريك الجفن وعبر به عن النظر لان تحريك الجفن يلازمه النظر . والمعنى حور قصرن ابصارهن على ازواجهن لا يمددن طرف الى غيرهم ولا يبغين بهم بدلا لحسنهم عندهن ولعفتهن كما فى بعض التفاسير { عين } صفة بعد صفة لموصوف ترك ذكره للعلم به . جمع عيناء بمعنى واسعة العين واصله فعل بالضم كسرت الفاء لتسلم الياء والمعنى حسان الاعين وعظامها قال فى المفردات يقال للبقر الوحشى عيناء واعين لحسن عينه وبها شبه الانسان ٤٩ { كأنهن } اى القاصرات { بيض } بفتح الباء جمع بيضة وهو المعروف سمى البيض لبياضه والمراد به هنا بيض النعام : يعنى [ خاية شتر مرغ ] { مكنون } ذكر المكنون مع انه وصف به الجمع فينبغى ان يؤنث اعتبارا للفظ الموصوف ومكنون اى مستور من كننته اى جعلته فىكن وهو السترة شبهن بيض النعام المصون من الغبار ونحوه فى الصفاء والبياض المخلوط بادنى صفرة فان ذلك احسن ألوان الابدان اى لم تنله الايدى فان ما مسته الايدى يكون متدنسا وقال الطبرى اولى الاقاويل ان يقال ان البيض هو الجلدة التى فى داخل القشرة قبل ان يمسها شئ لانه مكنون يعنى هو البيض اول ما ينحى عنه قشره يقول الفقير اغناه اللّه القدير ذكر اللّه تعالى فى هذه الآيات ما كان لذة الجسم ولذة الروح . اما لذة الجسم فالتنعم بالفواكه وانواع النعم والخمر التى لم يكن عند العرب احب منها والتمتع بالازواج الحسان . واما لذة الروح فالسرور الحاصل من الاكرام والانس الحاصل من صحبة الاخوان والانبساط الحاصل من النظر الى وجوه الحسان وفى الحديث ( ثلاث يجلين البصر النظر الى الخضرة والى الماء الجارى والى الوجه الحسن ) قال ابن عباس رضى اللّه عنهما والاثند عند النوم نسأل اللّه لقاءه وشهوده ونطلب منه فضله وجوده دارم اندك روشنايى در بصر ... بى جمال او ولى فيه النظر قال بعض العرفاء البيضة حلال لطيف ولكن اهل التصوف لا يأكلها لانها ناقصة وانما كمالها اذا كانت دجاجة وكذا لا يحصل منها الشبع التام وكذا من مرق العمارة لعدم طهارته فلتكن هذه المسألة نقلا وفاكهة لاهل الارادة ومن اللّه الوصول الى اسباب السعادة ٥٠ { فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون } معطوف على يطاف اى ليشرب عباد اللّه المخلصون فى الجنة فيتحادثون على الشراب كما هو عادة الشرب فى الدنيا فيقبل بعضهم على بعض حال كونهم يتساءلون عن الفضائل والمعارف وعما جرى عليهم ولهم فى الدنيا : وبالفارسية [ مى برسند از احوال دنيا وما جراى ايشان بادوست ودشمن ] فالتعبير عنهم بصيغة الماضى للتأكيد والدلالة على تحقق الوقوع حتما وفى الآية اشارة الى ان اهل الجنة هم الذين كانوا ممن لم يقبلوا على اللّه بالكلية وان كانوا مؤمنين موحدين والا كانوا فى مقعد صدق مع المقربين ٥١ { قال قائل منهم } فى تضاعيف محاوراتهم واثناء مكالماتهم { انى كان لى } فى الدنيا { قرين } مصاحب وجليس : وبالفارسية [ مرايارى وهمنشينى بود ] ٥٢ { يقول } لى على طريقة التوبيخ بما كنت عليه من الايمان والتصديق بالبعث { ائنك } [ آياتو ] { لمن المصدقين } المعتقدين والمقرين بالبعث ٥٣ { أئذا متنا } [ آيا جون بميريم ] { وكنا ترابا } [ وخاك كرديم ] { وعظاما } [ واستخوانهاى كهنه ] { أأئنا لمدينون } جمع مدين من الدين بمعنى الجزاء ومنه كما تدين اى لمبعوثون ومحاسبون ومجزيون اى لانبعث ولا نجزى ٥٤ { قال } اى ذلك القائل بعد ما حكى لجلسائه مقالة قرينه فى الدنيا { هل انتم } [ آياشما ] { مطلعون } [ الاطلاع : ديده ور شدن ] اى ناظرون الى اهل النار لاريكم ذلك القرين المكذب بالبعث يريد بذلك بيان صدقه فيما حكاه فقال جلساؤه انت اعرف به منا فاطلع انت ٥٥ { فاطلع } عليه : يعنى [ فرونكيرد برايشان ] { فرآه } اى قرينه { فى سواء الجحيم } فى وسط جهنم : وبالفارسية [ درميان آتش دوزخ ] وسمى وسط الشئ سواء لاستواء المسافة منه الى جميع الجوانب قال ابن عباس رضى اللّه عنهما فى الجنة كوى ينظر منها اهلها الى اهل النار ويناظرونهم لان لهم فى توبيخ اهل النار لذة وسروروا يقول الفقير لاشك ان الجنة فى جانب الاوج والنار فى طرف الحضيض فلاهل الجنة النظر الى النار واهلها كما ينظر اهل الغرف الى من دونهم واما سرورهم لعذابهم مع كونهم مؤمنين رحماء فلان يوم القيامة يوم ظهور اسم المنتقم والقهار ونحوهما فكما انهم فى الدنيا رحماء بينهم اشداء على الكفار كذلك لا يرحمون الاعداء كما لا يرحمهم اللّه اذ لو رحمهم لادخلهم الجنة نسأل اللّه ثوابه وجنته ٥٦ { قال } اى القائل مخاطبا لقرينه متشمتا به حين رآه على صورة قبيحة { تاللّه ان } اى ان الشان { كدت } قاربت : وبالفارسية [ بخداى كه نزديك توبودى كه ] { لتردين } [ كرتخلتط كردى وتباه ] اى لتهلكنى بالاغواء والردى الهلاك والارداء الاهلاك واصله تردينى بياء المتكلم فحذفت اكتفاء بالكسرة ٥٧ { ولولا نعمة ربى } بالهداية والعصمة { لكنت من المحضرين } الاحضار لا يستعمل الا فى الشر كما فى كشف الاسرار اى من الذين احصروا العذاب كما احضرته انت وامثالك وفى التأويلات النجمية { ولولا نعمة ربى } حفظه وعصمته وهدايته { لكنت من المحضرين } معكم فيما كنتم فيه من الضلالة فى البداية وفيما انتم فيه من العذاب والبعد فى النهاية وانما اخبر اللّه تعالى عن هذه الحالة قبل وقوعها ليعلم ان غيبة الاشياء وحضورها عند اللّه سواء لا يزيد حضورها فى علم اللّه شيأ ولا ينقص عيبتها من علمه شيأ سواء فى علمه وجودها وعدمها بل كانت المعدومات فى علمه موجودة برو علم يك ذره بوشيده نيست ... كه ييدار وبنهان بنزدش يكيست ٥٨ { أفما نحن بميتين } رجوع الى محاورة جلسائه بعد اتمام الكلام مع قرينه سرورا بفضل اللّه العظيم والنعيم المقيم فان تذكر الخلود فى الجنة لذة عظيمة والهمزة للتقرير وفيها معنى التعجب والفاء للعطف على مقدر يقتضيه نظم الكلام اى أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين اى بمن شأنه الموت ٥٩ { الا موتتنا الاولى } التى كانت فى الدنيا وهى متناولة لما فى القبر بعد الاحياء للسؤال قاله تصدبقا لقوله تعالى { لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الاولى } اى لا نموت فى الجنة ابدا سوى موتتنا الاولى فى الدنيا ونصبها على المصدر من اسم الفاعل يعنى انه مستثنى مفرغ معرب على حسب العوامل منصوب بميتين كما ينصب المصدر بالفعل المذكور قبله فى مثل قولك ما ضربت زيدا الاضربة واحدة كأنه قيل وما نحن نموت موتة الا موتتنا الاولى وقيل نصبها على الاستثناء المنقطع بمعنى لكن الموتة الاولى قد كانت فى الدنيا وقيل الا هنا بمعنى بعد وسوى { وما نحن بمعذبين } كالكفار فان النجاة من العذاب ايضا نعمة جليلة مستوجبة للتحدث بها كما ان العذاب محنة عظيمة مستدعية لتمنى الموت كل ساعة وعن ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه الموت اشد مما قبله واهون مما بعده وفى الآية اشارة الى ان من مات الموتة الاولى وهى الموتة الارادية عن الصفات النفسانية الحيوانية فقد حيى بحياة روحانية ربانية لا يموت بعدها ابدا بل ينقل المؤمن من دار الى دار فى جوار الحق ولا يعذب بنار الهجران وآفة الحرمان هركه فانى شداز ارادت خويش ... زندكى يافت اوز مهجت خويش از عذاب والم مسلم كشت ... درجوار خدا منعم كشت ٦٠ اى الامر العظيم الذى نحن فيه من النعمة والخلود والامن من العذاب { لهو الفوز العظيم } الفوز الظفر مع حصول السلامة اى لهو السعادة والظفر بكل المراد اذا الدنيا وما فيها تحتقر دونه كما تحتقر القطرة من البحر المحيط والحبة من البيدر الكبير ٦١ { لمثل هذا فليعمل العاملون } اى لنيل هذا المرام الجليل يجب ان يعمل العاملون ويجتهد المجتهدون لا للحظوظ الدنيوية السريعة الانقطاع المشوبة بفنون الآلام والبلايا والصداع قال الكاشفى [ ازبراى نعمتها بس بايدكه عمل كنند كان نه براى مال وجاه دنياكه برشرف زوال وصدد انتقال است ] كربار كشى بار نكارى بارى ... وركار كنى براى يارى بارى وروى بخا كراهى خواهى ماليد ... برخاك ره طرفه سوارى بارى ويحتمل ان يكون قوله ان هذا الخ من كلام رب العزة فهو ترغيب فى طلب ثواب اللّه بطاعته ويقال فليحتمل المحتملون الاذى لانه قد حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات كما قال جلال الدين الرومى قدس سره حفت الجنة بمكروهاتنا ... حفت النيران من شهواتنا يعنى جعلت الجنة محفوفة بالاشياء التى كانت مكرهة لنا وجعلت النار محاطة بالاشياء التى محبوبة لنا فما بين المرء وبين الجنة حجاب الا المكاره وهو حجاب عظيم صعب خرقه وما بين النار وبينه حجاب الا الشهوات وهو حجاب حقير سهل لاهل والعياذ باللّه من الاقبال على الشهوات والادبار عن الكرامات فى الجنات قال فى كشف الاسرار [ بس عارفان سزاتراندكه براميد ديدار جلال احديث ويافت حقائق قربت وتباشير صبح وصلت ديده ديده ودل فرا كنند وجان وروان درين بشارت نثار كنند ] يعنى ان هبت نفحة من نفحات الحق من جنات القدس او شم رائحة من نسيم القرب او بدت شطبة من الحقائق وتباشير الوصلة حق للعارف ان يقول ان هذا لهو الفوز العظيم وبالحرى ان يقول { لمثل هذا فليعمل العاملون } بل لمثل هذه الحالة تبذل الارواح وتفدى الاشباح كما قيل على مثل ليلى بقتل المرء نفسه ... وان بات من سلمى على اليأس طاويا والحاصل ان لكل من العابدين والعارفين حصة من اشارة هذا فى الآية وكان بعض الصلحاء يصلى الضحى مائة ركعة ويقول لهذا خلقنا وبهذا امرنا يوشك اولياء اللّه ان يكون ويحمدوا اى على ما آتاهم اللّه فى مقابلة مجاهداتهم وطاعاتهم من الاجر الجزيل والثواب الجميل . وقد ثبت ان كثيرا من الصلحاء تلوا عند النزع قوله تعالى لمثل هذا الى آخر ما اشير اليه لما شاهده من حيث مقامه فنسأل اللّه القلب السليم فى الدنيا والنعيم المقيم فى العقبى ولله تعالى ألطاف لا تحويها الافكار حكى ان موسى عليه السلام سأل ربه تعالى من ادنى اهل الجنة منزلة فقال رجل يجيئ بعدما دخل اهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول رب وكيف وقد نزل الناس منازلهم واخذوا اخذهم فيقال له أترضى ان يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت يا رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله فيقول فى الخامسة رضيت يا رب فيقول هذا لك وعشرة امثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت يا رب قال موسى عليه السلام فمن اعلاهم منزلة فقال اولئك الذين اردت غرس كرامتهم بيدى وختمت عليها فلم ترعين ولم تسمع اذن ولم يخطر على قلب بشر والكل فوز لكن الفوز بالاعلى فوز عظيم ألا ترى انه لا تستوى الرعية والسلطان فالدنيا فان كان للرعية عباء فللسلطان قباء وان كان لهم حجرة فله غرفة وان كان لهم كسرة خبز فله الوان نعمة وهكذا فقد تفاوتت الهمم فى الدنيا واختلف الاغراض ولذا تفاوت المراتب فى العقبى وتباين الاعواض فمن وجه اللّه تعالى وجد الجنة ايضا بكل ما فيها ولكن ليس كل من يجد الجنة باسرها يصل الى اللّه تعالى والانس به والاحتظاظ بلقائه المستغرق جميع الاوقات وشهوده المستوعب لكل الحالات فكن عالى الهمة فان علو الهمة من الايمان وغاية الايمان الاحسان ونهايته الاستغراق فى شهود المنان ٦٢ { أذلك خير نزلا ام شجرة الزقوم } الهمزة للتقرير والمراد حمل الكفار على اقرار مدخولها وذلك اشارة الى نعيم الجنة . وخير وارد على سبيل النهكم والاستهزاؤ بهم وانتصاب نزلا على الحالية وهو ما يهيأ من الطعام الحاضر للنازل اى الضيف ومنه انزال الاجناد لارزاقهم . والزقوم اسم شجرة صغيرة الورق مرة كريهة الرائحة تكون بتهامة يعرفها المشركون سميت بها الشجرة الموصوفة بقوله انها شجرة الخ وفى المفردات شجرة الزقوم عبارة عن اطعمة كريهة فى النار ومنه استعير زقم فلان وتزقم اذا ابتلع شيأ كريها . والمعنى ان نعم الجنة والرزق المعلوم للمؤمنين فيها خير طعاما يعنى ان الرزق المعلوم نزل اهل الجنة واهل النار نزلهم شجرة الزقوم اى ثمرها فايهما خير فى كونهما نزلا وفى ذكره دلالة على ان ما ذكره من النعيم لاهل الجنة بمنزلة ما يعد ويرفع للنازل ولهم وراء ذلك ما تقصر عنه الافهام وكذلك الزقوم لاهل النار ويقال اصل النزل الفضل والزيادة والريع ومنه قولهم العسل ليس من انزال الارض اى من ريعها وما يحصل منها فاستعير للحاصل من الشئ فانتصاب نزلا على التمييز . والمعنى أذلك الرزق المعلوم الذى حاصله اللذة والسرور خير حاصلا ام شجرة الزقوم التى حاصلها الالم والغم ٦٣ { انا جعلنا فتنة للظالمين } محنة وعذابا لهم فى الآخرة فان الفتن فى اللغة الاحراق او ابتلاء فى الدنيا حيث فتنوا وضلوا عن الحق بسببه فان الفتن قد يطلق على المضل عن الحق فان الكفار لما سمعوا كون هذه الشجرة فى النار فتنوا به فى دينهم وتوسلوا به الى الطعن فى القرآن والنبوة والتمادى فى الكفر وقالوا كيف يمكن ذلك والنار تحرق الشجر ولم يعلموا ان من قدر على خلق حيوان يعيش فى النار ويتلذذ به اقدر على خلق الشجر فى النار وحفظه من الاحراق ٦٤ { انها شجرة تخرج فى اصل الجحيم } اى تنبت فى قعر جهنم فمنبتها فى قعرها واغصانها ترتفع الى دركاتها ولما كان اصل عنصرها النار لم تحرق بها كسائر الاشجار ألا ترى ان السمك لما تولد فى الماء لم يغرق بخلاف ما لم يتولد فيه ولعله رد على ابن الزبعرى وصناديد قريش وتجهيل لهم حيث قال ابن الزبعرى لهم ان محمدا يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان البربر الزبد والتمر فادخلهم ابو جهل بيته وقال يا جارية زقمينا فاتتهم بالزبد والتمر فقال استهزاء تزقموا فهذا ما توعدكم به محمد فقال تعالى { انها شجرة تخرج فى اصل الجحيم } فليس الزقوم ما فهم هؤلاء الجهلة الضلال ٦٥ { طلعها } اى حملها وثمرها الذى يحرج منها ويطلع مستعار من طلع النخلة لمشاركته له فى الشكل . والطلع شئ يخرج من النخل كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود { كأنه } [ كويا او ] { رؤوس الشياطين } فى تناهى القبح والهول لان صورة الشيطان اقبح الصوروا كرهها فى طباع الناس وعقائدهم ومن ثمة اذا وصفوا شيأ بغاية القبح والكراهة قالوا كأنه شيطان وان لم يروه فتشبيه الطلع برؤس الشياطين تشبيه بالمخيل كتشبيه الفائق فى الحسن بالملك قال تعالى حكاية { ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم } وفيه اشارة الى ان من كان ههنا معلوماته فى قبح صفات الشياطين يكون هناك مكافاته فى قبح صورة الشياطين ٦٦ { فانهم } [ بس دوز خيان ] { لآكلون منها } اى من الشجرة ومن طلعها فالتأنيث مكتسب من المضاف اليه { فمالئون منها البطون } لغلبة الجوع او للقسر على اكلها وان كرهوها ليكون ذلك نوعا آخر من العذاب وفيه اشارة الى انهم كانوا لها فى مزرعة الآخرة اعنى الدنيا زارعين فما حصدوا الا ما زرعوا . والمالئ اسم فاعل من ملأ الاناء ماء يملؤه فهو مالئ ومملوء . والبطون جمع بطن وهو خلاف الظهر فى كل شئ ٦٧ { ثم ان لهم عليها } اى على الشجرة التى ملأوها منها بطونهم بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم كما ينبئ عنه كلمة ثم فتكون للتراخى الزمانى ويجوز ان تكون للرتبى من حيث ان كراهة شرابهم وبشاعته لما كانت اشد واقوى بالنسبة الى كراهة طعامهم كان شرابهم ابعد من طعامهم من حيث الرتبة فيكونون جامعين بين اكل الطعام الكريه البشيع وشرب شراب الكره الابشع { لشوبا من حميم } الشوب الخلط والحميم الماء الحار الذى قد انتهى حره اى شرابا من دم او قيح اسود او صديد ممزوجا مشوبا بماء حار غاية الحرارة يقطع امعاءهم ٦٨ { ثم ان مرجعهم } اى مصيرهم { لالى الجحيم } اى الى دركاتها او الى نفسها فان الزقوم والحميم نزل يقدم اليهم قبل دخولها وقيل الجحيم خارج عنها لقوله تعالى { هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن } يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم من الجحيم الى شجره الزقوم فيأكلون منها الى يتملئوا ثم يسقون من الحميم ثم يردون الى الجحيم كما يرد الابل عن موارد الماء ويؤيده قراءة ابن مسعود ( ثم ان منقلبهم ) وفى الحديث ( يا ايها الناس اتقوا اللّه ولا تموتن الا وانتم مسلمون فلو ان قطرة من الزقوم قطرت لامرّت على اهل الدنيا معيشتها فكيف بمن هو طعامه وشرابه وليس له طعام غيره ) ٦٩ { انهم الفوا آباءهم ضالين } تعليل لاستحقاقهم ما ذكر من فنون العذاب بتقليد الآباء فى الدين من غير ان يكون لهم ولآبائهم شئ يتمسك به اصلا . والالفاء بالفاء الوجدان : وبالفارسية [ يافتن ] وضالين مفعول ثان لقوله الفوا بمعنى وجدوا . والمعنى وجدوهم ضالين فى نفس الامر عن الهدى وطلب الحق ليس لهم ما يصلح شبهة فضلا عن صلاحية الدليل ٧٠ { فهم } اى الكافرين الظالمون { على آثارهم } اى آثار الآباء جمع اثر بالفارسية [ بى ] { يهرعون } يسرعون من غير ان يتدبروا انهم على الحق او لا مع ظهور كونهم على الباطل بادنى تأمل والاهراع . الاسراع الشديد كأنهم يزعجون ويحثون حثا على الاسراع على آثارهم ٧١ { ولقد } جواب قسم اى وباللّه لقد { ضل } [ كمراه شد ] { قبلهم } اى قبل قومك قريش { اكثر الاولين } من الامم السابقة اضلهم ابليس ولم يذكر لان فى الكلام دليلا فاكتفى بالاشارة ٧٢ { ولقد ارسلنا فيهم } [ وبتحقيق مافرستاديم درميان ايشان ] يعنى الاكثرين { منذرين } اى انبياء اولى عدد كثير ذوى شأن خطير بينوا لهم بطلان ما هم عليه وانذروهم عافبته الوخيمة ٧٣ { فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } اى آخر امر الذين انذروا من الهول والفظاعة والهلاك لما لم يلتفتوا الى الانذار ولم يرفعوا لهم رأسا . والخطاب اما للرسول او لكل احد ممن يتمكن من مشاهدة آثارهم وسماع اخبارهم وحيث كان المعنى انهم اهلكوا هلاكا فظيعا استثنى منهم المخلصون ٧٤ { الا عباد اللّه المخلصين } اى الذين اخلصهم اللّه بتوفيقهم للايمان والعمل بموجب الانذار يعنى انهم نجوا مما اهلك به كفار الامم الماضية وفى الآية تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيان اللّه تعالى ارسل قبله رسلا الى الامم الماضية فانذروهم بسوء عاقبة الكفر والضلال فكذبهم قومنهم ولم ينتهوا بالانذار واصروا على الكفر والضلال فصبر الرسل على اذاهم واستمروا على دعوتهم الى اللّه تعالى فاقتدبهم وما عليك الا البلاغ ثم ان عاقبة الاصرار الهلاك وغاية الصبر النجاة والفوز بالمراد فعلى العاقل تصحيح العمل بالاخلاص وتصحيح القلب بالتصفية قال الواسطى مدار العبودية على ستة اشياء التعظيم والحياء والخوف والرجاء والمحبة والهيبة . فمن ذكر التعظيم يهيج الاخلاص . ومن ذكر الهيبة يدع التملك والاختيار ويكون تابعا فى ارادته لارادة اللّه تعالى ولا يقول الا سمعنا واطعنا وقد صح ان ذا القرنين لما دخل الظلمات قال لعسكره ليرفع كل منكم من الاحجار التى تحت اقدام الافراس فانها جواهر فمن رفع بلغ نهاية الغنى ومن خالف وانكر ندم وبقى فى التحسر ابدا كاشكى بهر امتحان بارى ... كرد مى نان ذخيره مقدارى تاكنون نقد وقت من كشتى ... وقتم اينسان بمقت نكذشتى كاشكى كزكهر بكردم بار ... برسكندر نكردمى انكار تانيفتا دمى ازان تقصير ... در حجاب وخجالت وتشوير آين بود حال كافر ومسلم ... كاو درين تنك موطن ومظلم جون رشيدا ازخدا كتاب ورسول ... آن برد ييش رفت اين بقبول نزدند از سر فساد وغلو ... كافران جز در عناد وعتو مؤمنان كرده در ييمبر روى ... هم سمعنا وهم اطعنا كوى شد بلايا نهايت انكار ... شد عطايا نهايت اقرار ومن اللّه التوفيق بطريق التحقيق ٧٥ { ولقد نادينا نوح } نوع تفصيل لحسن عاقبة المنذرين الكسر وسوء خاتمة المنذرين بالفتح . والنداء الدعاء بقرينة فلنعم المجيبون . والمعنى وباللّه لقد دعانا نوح وهو اول المرسلين حين ئيس من ايمان قومه بعد ما دعاهم اليه احقابا ودهورا فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا ونفورا فاجبناه احسن الاجابة حيث اوصلناه الى مراده من نصرته على اعدائه والانتقام منهم بابلغ ما يكون { فلنعم المجيبون } اى فواللّه لنعم المجيبون نجن فحذف ما حذف ثقة بدلالة ما ذكر عليه والجمع دليل العظمة والكبرياء [ التنجية : نجات دادن ] ٧٦ { واهله } [ وكسان او ] { من الكرب العظيم } [ ازندوه بزرك ] اى من الغرق او من اذى قومه دهرا طويلا . والكرب الغم الشديد والكربة كالغمة واصل ذلك من كرب الارض وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس اثارة ذلك ويصح ان يكون الكرب من كربت الشمس اذا دنت للمغيب ٧٧ { وجعلنا ذريته } نسله { هم } فحسب { الباقين } حيث اهلكنا الكفرة بموجب دعائه رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا وقد روى انه مات كل من كان معه فى السفينة غير ابنائه وازواجهم وهم الذين بقوا منتاسلين الى يوم القيامة قال قتادة انهم كلهم من ذرية نوح وكان له ثلاثة اولاد سام وحام ويافت . فسام ابو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى . وحام ابو السودان من المشرق الى المغرب والسند والهند والنوبة والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم . ويافث ابو الترك والخزر ويأخوج ومأجوج وما هنالك قال فى كشف الاسرار [ اصحاب التواريخ كفتند فرزاندن يافت هفت بودند نامهاى ايشان ترك وخزر وصقلاب وتاريس ومنسلك وكمارى وصين ومسكن ايشان ميان مشرق ومهب شمال بود وهرجه ازين جنس مردم اند از فرزندان اين هفت برادرانند وهمجنين فرزندان حام بن نوح هفت ازين جنس مردم اند از فرزندان اين هفت برادرانند وهمجنين فرزندان حام بن نوح هفت بودند نامهاى ايشان سند وهند وزنج وقبط وحبش ونوب وكنعان ومسكن ايشان ميان جنوب ودبور وصبابود وجنس سياهان همه ازفرزندان اين هفت برادرانند اما فرزندان سام ميكويند بنج بودند وقومى ميكويند كه هفت بودندارم وارفخشد وعالم ويفر واسود وتارخ وتورخ ارم بدر عاد وثمود بودار فحشد بدر عرب بود از ايشان فالغ وقحطان بود فالغ جد ابراهيم عليه السلام قحطان ابو اليمن بود وعالم بدر خراسان واسود بدر فارس ويفر بدر روم بود وتورخ بدر ارمين بود صاحب ارمينيه وتارخ بدر كرمان بود اين ديار واقطاع همه بنام ايشان باز ميخوانند وبعد ازنوع خليفة وى سام بود برسر فرزندان نوح فرمانده بود وكارساز ومسكن وى زمين عراق بود وايران شهر ] وقيل يشتوا بارض خوخى ويصيف بالموصل [ ونوح رابسر جها رمين بود نام او يام ] وهو الغريق ولم يكن له عقب ٧٨ { وتركنا عليه } ابقينا على نوح { فى الآخرين } من الامم : وبالفارسية [ درميان بسينيان ] ٧٩ { سلام على نوح } اى هذا الكلام بعينه وهو وارد على الحكاية كقولك قرأت سورة انزلنا فلم ينتصب السلام لان الحكاية لا تزال عن وجهها . والمعنى يسلمون عليه تسليما ويدعون له على الدوام امة بعد امة { فى العالمين } بدل من قوله فى الآخرين لكونه ادل منه على الشمول والاستغراق لدخول الملائكة والثقلين فيه . والمراد الدعاء بثبات هذه التحية واستمرارها ابدا فى العالمين من الملائكة والثقلين فيه . وفى تفسير القرطبى جاءت الحية والعقرب لدخول السفينة فقال نوح لا احملكما لانكما سبب الضر والبلاء فقالا احملنا فنحن نضمن لك ان لا نضر احدا ذكرك فمن قرأ حين يخاف مضرتهما { سلام على نوح فى العالمين } لم يضره ذكره القشيرى وفى التأويلات النجمية يشير بهذا الى ان المستحق لسلام اللّه هو نوح روح الانسان لانه ما جاء ان اللّه سلم على شئ من العالمين غير الانسان كما قال تعالى ليلة المعراج ( السلام عليك ايها النبى ورحمة اللّه وبركاته ) فقال عليه السلام ( السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ) وما قال وعلى الملائكتك المقربين . وانما كان اختصاص الانسان بسلام من بين العالمين لانه حامل الامانة الثقيلة التى اعرض عنها غيره فكان احوج شئ الى سلام اللّه ليعبر بالامانة على الصراط المستقيم الذى هو ادق من الشعرة واحد من السيف ولهذا قال النبى عليه السلام ( تكون دعوة الرسل حينئذ رب سلم سلم ) وهل سمعت ان يكون لغير الانسان العبور على الصراط وانما اختصوا بالعبور على الصراط لانهم يؤدون الامانة الى اهلها وهو اللّه تعالى فلا بد من العبور على صراط اللّه الموصل اليه لاداء الامانة ٨٠ { انا كذلك نجزى المحسنين } الكاف متعلقة بما بعدها اى مثل ذلك الجزاء الكامل من اجابة الدعاء وابقاء الذرية والذكر الجميل وتسليم العالمين ابدا نجزى الكاملين فى الاحسان لاجزاء ادنى منه فهو تعليل لما فعل بنوح من الكرامات السنية بانه مجازاة له على احسانه ٨١ { انه من عبادنا المؤمنين } تعليل لكونه من المحسنين بخلوص عبوديته وكمال ايمانه وفيه اظهار لجلالة قدر الايمان واصالة امره وترغيب فى تحصيله والثبات عليه وفى كشف الاسرار خص الايمان بالذكر والنبوة اشرف منه بيانا لشرف المؤمنين لا لشرف نوح كما يقال ان محمدا عليه السلام من بنى هاشم قال عباس بن عطاء ادنى مراتب الصديقين اعلى مراتب المؤمنين ٨٢ { ثم اغرقنا الآخرين } اى المغايرين لنوح واهله وهم كفار قومه اجمعين [ والاغراق : غرقه كردن يعنى آنكه ديكرانرا بآب كشتيم ] وهو عطف على نجيناه . وثم لما بين الانجاء والاغراق من التفاوت وكذا اذا كان عطفا على تركنا وليس للتراخى لان كلا من النجاء والابقاء انما هو بعد الاغراق دون العكس كما يقتضيه التراخى ٨٣ { وان من شيعته } اى ممن شايع نوحا وتابعه فى اصول الدين { لابراهيم } وان اختلفت فروع شريعتيهما ويجوز ان يكون بين شريعتيهما اتفاق كلى او اكترى وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما من اهل دينه وعلى سنته او ممن شايعه على التصلب فى دين اللّه ومصابرة المكذبين وما كان بينهما الانبياء هود وصالح وكان بين نوح وابراهيم الفان وستمائة واربعون سنة وفى بعض التفاسير ان الضمير عائد الى حضرة صاحب الرسالة صلّى اللّه عليه وسلّم وان كان غير مذكور فابراهيم وان كان سابقا فى الصورة لكنه متابع لرسول اللّه فى الحقيقة ولذا اعترف بفضله ومدح دينه ودعا فيه حيث قال { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم } الآية ييش آمدند بسى انبيا وتو ... كر آخر آمدى همه را ييشوا تويى خوان خليل هست نمدان خوان تو ... برخوان اصطفا نمك انبيا تويى ٨٤ { اذ جاء ربه } منصوب باذكر { بقلب سليم } الباء للتعدية اى بقلب سليم من آفات القلوب بل من علاقة من دون اللّه مما يتعلق بالكونين ومعنى مجيئة به ربه اخلاصه له كأنه جاء به متحضنا اياه بطريق التمثيل والافليس القلب مما ينقل من مكان الى مكان حتى يجاء به ٨٥ { اذ قال } الخ بدل من اذ الاولى { لابيه } آزر بن باعر بن ناحور بن نافع بن سالح بن ارفخشد ابن سام بن نوح { وقومه } وكانوا عبدة الاصنام { ماذا تعبدون } استفهام انكارى وتوبيخ اى أى شئ تعبدون ٨٦ { أفكا آلهة دون اللّه تريدون } الافك اسوء الكذب اى أتريدون آلهة من دون اللّه افكا اى للافك فقدم المفعول على الفعل للعناية ثم المفعول له على المفعول به لان الاهم مكافحتهم بانهم على افك آلهتهم وباطل شركهم ٨٧ { فما ظنكم } اى أي شئ ظنكم فما مبتدأ خبره ظنكم { برب العالمين } اذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ان يغفل عنكم اولا يؤاخذكم بما كسبت ايديكم اى لاظن فكيف القطع قال فى كشف الاسرار [ دردل ابراهيم بود كه بتان ايشان را كيدى سازد تاحجت برايشان الزام كنند وآشكارا نمايد كه ايشان معبودى را نشايند روزى وياران وى كفتند كه اى ابراهيم بيا تابصحرا بيرون شويم وبعيد كاه ما برويم ] ٨٨ { فنظر } ابراهيم { نظرة فى النجوم } جمع نجم وهو الكوكب الطالع اى فى علمها وحسابها اذ لو نظر الى النجوم انفسها لقال الى النجوم وكان القوم يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه واعتل فى التخلف عز عيدهم اى عن الخروج معهم الى معبدهم ٨٩ { فقال انى سقيم } قال فى المفردات السقم والسقم المرض المختص بالبدن والمرض قد يكون فى البدن وفى النفس . وقوله انى سقيم فمن التعريض والاشارة به اما الى ماض واما الى مستقبل واما الى قليل مما هو موجود فى الحال اذ كان الانسان لا ينفك من خلل يعتريه وان كان لا يحس به ويقال مكان سقيم اذا كان فيه خوف انتهى وقال ابن عطاء انى سقيم من مخالفتكم وعبادتكم الاصنام او بصدد الموت فان من فى عنقه الموت سقيم وقد فوجئ رجل فاجتمع عليه الناس وقالوا مات وهو صحيح فقال اعرابى أصحيح من الموت فى عنقه وايا ما كان فلم يقل الا عن تأول فان العارف لا يقع فى انهتاك الحرمة ابدا وكان ذلك من ابراهيم لذب عن دينه وتوسل الى الزام قومه قال عز الدين بن عبد السلام الكلام وسيلة الى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل اليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام فان امكن التوصل اليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح ان كان تحصيل ذلك المقصود مباحا . وواجب ان كان ذلك المقصود واجبا فهذا ضابطه وفى الاسئلة المقحمة ومن الناس من يجوّز الكذب فى الحروب لاجل المكيدة والخداع وارضاء الزوجة والاصلاح بين المتهاجرين والصحيح ان ذلك لا يجوز ايضا فى هذه المواضع لان الكذب فى نفسه قبيح والقبيح فى نفسه لا يصير حسنا باختلاف الصور والاحوال وانما يجوز فى هذه المواضع بتأويل وتعريض لا بطريق التصريح . ومثاله يقول الرجل لزوجته اذا كان لا يحبها كيف لا احبك انت حلالى وزوجتى وقد صحبتك وامثال هذه فاما اذا قال صريحا بانى احبك وهو يبغضها فيكون كذبا محضا ولا رخصة فيه . مثاله كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اذا اراد النهضة نحو يمينه كان يسأل عن منازل اليسار ليشبه على العدو من أى جانب يأتيه واما اذا كان يقصد جانبا ويقول امضى الى جانب آخر فهذه من قبيلها انتهى. وكان القوم يتطيرون من المريض فلما اسمعوا من ابراهيم ذلك هربوا منه الى معبدهم وتركوه فى بيت الاصنام فريدا ليس معه احد ٩٠ وذلك قوله تعالى { فتولوا عنه } فاعرضوا وتفرقوا عن ابراهيم { مدبرين } هاربين مخافة العدوى اى السراية وقال بعضهم ان المراد بالقسم هو الطاعون وكان اغلب الاسقام وكانوا يخافون العدوى يقول الفقير المشهور ان الطاعون قد فشا فى بنى اسرائيل ولم يكن قبلهم الا على رواية كما قال عليه السلام ( الطاعون رجز ارسل على بنى اسرائيل او على من كان قبلكم ) ٩١ { فراغ الى آلهتهم } اى ذهب اليها فى خفية واصله الميل بحيلة من روغة الثعلب وهو ذهابه فى خفية وحيلة قال فى القاموس راغ الرجل والثعلب روغا وروغانا مال وحاد عن الشئ وفى تاج المصادر [ الروغ والروغان : روباهى كردن ] [ والروغ : بنهان سوى جيزى شدن ] وفى التهذيب [ الروغ والروغان : دستان كردن ] { فقال } للاصنام استهزاء [ جون ديد ايشانرا آراسته وخوانهاى طعام عند الاصنام لتحصل له البركة بسببها ] ٩٢ { ما لكم لا تنطقون } اى ما تصنعون غير ناطقين بجوابى : وبالفارسية [ جيست شمارا كه سخن نمى كوييد ومرا جوابى ندهيد ] ٩٣ { فراغ عليهم } فمال مستعليا عليهم حال كونه يضربهم { ضربا باليمين } او حال كونه ضاربا باليمين اقوى الجارحتين واشدهما وقوة الآلة تقتضى قوة الفعل وشدته وقيل بالقوة والمتانة وعلى ذلك مدار تسمية الحلف باليمين لانه يقوى الكلام ويؤكده وقيل بسبب الحلف وهو قوله { وتاللّه لأكيجن اصنامكم } فلما رجعوا من عيدهم الى بيت الاصنام وجدوها مكسورة : يعنى [ باره باره كشته ] فسألوا عن الفاعل فظنوا عن ابراهيم عليه السلام فعله فقيل فاثبوا به ٩٤ { فاقبلوا } اى توجه المأمورون باحضاره { اليه } الى ابراهيم قال ابن الشيخ اليه يجوز ان يتعلق بما قبله وبما بعده { يزفون } حال من واو اقبلوا اى يسرعون من زفيف النعام وهو ابتداء عدوها قال فى المفردات اصل الزفيف فى هبوب الريح وسرعة النعامة التى تخلط الطيران بالمشى وزفزف النعام اذا اسرع ومنه استعير زف العروس استعارة ما تقتضى السرعة لالاجل مشيها ولكن للذهاب بها على خفة من السرور ٩٥ { قال } اى بعدما وتوا به وجرى بينهم وبينه من المحاورات ما نطق به قوله تعالى { قالوا أانت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم } الى قوله { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } { أتعبدون } همزة الاستفهام للانكار { ما تنحتون } ما تنحتونه من الاصنام فما موصولة . والنحت نحت الشجر والخشب ونحوهما من الاجسام : وبالفارسية [ تراشيدن يعنى آيامى يرستيند آنجه مى تراشيد ازسنك وجوب بدست خود ] ٩٦ { واللّه خلقكم } حال من فاعل تعبدون مؤكدة للانكار والتوبيخ اى الحال انه تعالى خلقكم والخالق هو الحقيق بالعبادة دون المخلوق { وما تعملون } اى وخلق ما تعملونه من الاصنام وغيرها فان جواهر اصنامهم ومادتها بخلقه تعالى وشكلها وان كان بفعلهم لكنه باقدار اللّه تعالى اياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعى والعدد والاسباب فلم يلزم ان يكون الشئ مخلوقا لله تعالى ومعمولا لهم وظهر من فحوى الآية ان الافعال مخلوقة لله تعالى مكتسبة للعباد حسبما قالته اهل السنة والجماعة وبالاكتساب يتعلق الثواب والعقاب : قال المولى الجامى فعل ماخواه زشت وخواه نكو ... يك بيك هست آفريدة او نيك وبد كرجه مقتضاى قضاست ... اين خلاف رضا وآن برضاست ٩٧ { قالوا } [ كفت نمردود وخواص او ] وقال السهيلى فى التعريف قائل هذه المقالة لهم فيما ذكر الطبرى اسمه الهيزن رجل من اعراب فارس وهم الترك وهو الذى جاء فى الحديث ( بينا رجل يمشى فى حلة يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل فى الارض الى يوم القيامة ) { ابنوا له بنيانا } [ بنا كنيد براى سوختن ابراهيم بنايى واز هيزم برساخته آتش دران زنيد ] روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال بنوا حائطا من حجر طوله فى السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وملأوه حطبا واشعلوه نارا وطرحوه فيها كمال قال { فالقوه فى الجحيم } فى النار الشديدة الايقاد : وبالفارسية [ بس طرح كنيد ودر افكنيد اورا در آتش سوزان ] من الجمجمة وهى شدة التأجج والالتهاب واللام عوض عن المضاف اليه اى ذلك البنيان ٩٨ { فارادوا به كيدا } اى شرا وهو ان يحرقوه بالنار عليه السلام لما قهر لهم بالحجة وألقمهم الحجر قصدوا ان يكيدوا به ويحتالوا لاهلاكه كما كاد اصنامهم بكسره اياهم لئلا يظهر للعامة عجزهم والكيد ضرب من الاحتيال كما فى المفردات { فجعلناهم الاسفلين } الاذلين بابطال كيدهم وجعله برهانا نيرا على علو شانه عليه السلام بجعل النرا عليه بردا وسلاما على ما سبق تفصيل القصة فى سورة الانبياء فان قلت لم ابتلاه تعالى بالنار فى نفسه قلت لان كل انسان يخاف بالطبع من ظهور صفة القهر كما قيل لموسى عليه السلام { ولا تخف سنعيدها سيرتها الاولى } فاراه تعالى ان النار لا تضر شيأ الا باذن اللّه تعالى وان ظهرت بصورة القهر وصفته وكذلك اظهر الجمع بين المتضادين بجعلها بردا وسلاما وفيه معجزة قاهرة لاعدائه فانهم كانوا يعبدون النار والشمس والنجوم ويعتقدون وف الربوبية لها فاراهم الحق تعالى انها لا تضر الا باذن اللّه تعالى وقد ورد فى الخبر ان النمردود لما شاهد النار كانت على ابراهيم بردا وسلاما قال ان ربك لعظيم نتقرب اليه بقرابين فذبح تقربا اليه آلافا كثيرة فلم ينفعه لاصراره على اعتقاد وعمله وسوء حاله : قال المولى الجامى يافت ناكان آن حكيمك راه ... ييش جمعى زاو لياء الله فصل دى بود ومنقل آتش ... شعله ميزد ميان ايشان خوش شد بتقريب آتش ومنقل ... از خليل برى زنقص وخلل ذكر آن قصة كهن بتمام ... كه برونار كشت برد وسلام آن حكيمك زجهل واستكبار ... كفت بالطبع محرق آمدنار آنجه بالطبع محرقست كجا ... كردد از متقضاى طبع جدا يكى از حاضران زغيرت دين ... كفت هين دامنت بيار وببين منقل آتشش بدامان ريخت ... آتش خجلتش زجان آنكيخت كفت دركن ميان آتش دست ... هيج كرمى ببين در آتش هست جون نه دستش بسوخت نى دامن ... شد ازان جهل اوبرو روشن طبع راهم مسخر حق ديد ... جانش ازتيركئ عقل رهيد اكر آن علم او يقين بودى ... قصة اوكى اينجنني بودى علم كامد يقين زبيم زوال ... بيقين ايمن است درهمه حال ٩٩ { وقال } ابراهيم بعدما انجاه اللّه تعالى من النار قاله لمن فارقه من قومه فيكون ذلك توبيخا لهم او لمن هاجر معه من اهله فيكون ذلك ترغيبا لهم { انى ذاهب الى ربى } اى مهاجر من ارض حرّان او من بابل او قرية بين البصرة والكوفة يقال لها هرمز بحره الى حيق امرنى ربى وهو الشام او الى حيث اتجرد فيه لعبادته تعالى أى موضع كان فان الذهاب الى ذات الرب محال اذ ليس فى جهة وفى بحر العلوم ولعله امره اللّه تعالى بان يهجر دار الكفر ويذهب الى موضع يقدر على زيادة الصخرة التى هى قبلته وعلى عمارة المسجد الحرام او هى القرية التى دفن فيها كما امر نبينا بالجهرة من مكة الى المدينة وفى بعض التواريخ دفن ابراهيم بارض فلسطين وهى بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة البلاد التى بين الشام وارض مصر منها الرملة وغزة وعسقلان وغيرها { سيهدين } الى مقتصدى الذى اردت وهو تعالى معه ولم يكن كذلك حال موسى حيث قال { عسى ربى ان يهدينى سواء السبيل } ولذلك اتى بصيغة التوقع وهذه الآية اصل فى الهجرة من ديار الكفر الى ارض يتمكن فيها من اقامة وظائف الدين والطاعة واول من فعل ذلك ابراهيم هاجر مع لوط وصار الى الارض المقدسة قال فى كشف الاسرار [ برذوق اهل معرفت { انى ذاهب الى ربى } اشارتست بانقطاع بنده ومعنى انقطاع باحق بريدنست در بدايت بجهد ودر نهايت بكل بدايت تن درسعى وزبان در ذكر وعمر در جهد ونهايت باخلق عاريت وباخود بيكانه واز تعلق آسوده ] وصل ميسر نشود جز بقطع ... قطع نخست از همه ببريدنست فمن بقى له فى القلب لمحة للعالم باسره الملك والملكوت لم ينفتح له باب العلم باللّه من حيث المشاهدة ولم يدخل عالم الحقيقة واسطى [ كفت خليل ازخلق بحق مى شد وحبيب ازحق بخلق مى آمد اوكه ازخلق بحق شود حق را بدليل شناسد واوكه ازحق بخلق آيد دليل را بحق شناسد ] روى ان ابراهيم عليه السلام لما جعل اللّه النار عليه بردا وسلاما واهلك عدوه النمردود وتزوج بسارة وكانت احسن النساء وجها وكانت تشبه حواء فى حسنها عزم الانتقال من ارض بابل الى الشام [ بس روى مبارك بشام نهاد ودران راه هاجر بدست ساره خاتون افتاد وآنرا بابراهيم بخشيد وجون هاجر ملك يمين وى شد دعا كرده كه ] ١٠٠ { رب } [ اى برودكار من ] { هب لى من الصالحين } المراد ولد كامل الصلاح عظيم الشأن فيه اى بعض الصالحين يعيننى على الدعوة والطاعة ويؤنسنى فى الغربة يعنى الولد لان لفظ الهبة على الاطلاق خاصا به وان كان قدورد مقيدا بالاخ فى قوله { ووهبنا له من رحمتنا اخاه هرون نبيا } ١٠١ ولقوله تعالى { فبشرناه بغلام حليم } فانه صريح فى ان المبشر به غيرما استوهبه عليه السلام . والغلام الطارّ الشارب والكهل ضد او من حين يولد الى ان يشيب كما فى القاموس وقال بعض اهل اللغة الغلام من جاوز العشر واما من دونها فصبى والحليم من لا يعجل فى الامور ويتحمل المشاق ولا يضطرب عند اصابة المكروه ولا يحركه الغضب بسهولة . والمعنى بالفارسية [ يس مرده داديم اورا يفرزندى بردبار يعنى جون ببلوغ رسد حليم بود ] ولقد جمع فيه بشارات ثلاث بشارة انه غلام وانه يبلغ اوان الحلم فان الصبى لا يوصف بالحلم وانه يكون حليما وأى حلم يعادل حلمه حين عرض عليه ابوه الذبح وهو مراهق فاستسلم قال الكاشفى [ بس خداى تعالى اسماعيل را ازهاجر بوى ارزانى داشت وبحكم سبحانه از زمين شام هاجر يسر آورده را بمكة برد واسماعيل آنجا نشو ونمايافت ] ١٠٢ { فلما بلغ } الغلام { معه } مع ابراهيم { السعى } الفاء فصيحة معربة عن مقدر اى فوهبنا له فنشأ فلما بلغ رتبة ان يسعى معه فى اشغاله وحوائجه ومصالحه ومعه متعلق بالسعى وجاز لانه طرف فيكفيه رائحة من الفعل لا يبلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعى ولم يكن معا كذا فى بحر العلوم . وتخصيصه لان الادب اكمل فى الرفق والاستصلاح فلا نستسعيه قبل اوانه لانه استوهبه لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة { قال } ابراهيم { يا بنى } [ اى بسرك من تصغيرشفقت است ] { انى ارى فى المنام انى اذبحك } قربانا لله تعالى اى ارى هذه الصورة بعينها او ما هذه عبارته وتأويله وقيل انه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقوله له ان اللّه يأمرك بذبح ابنك هذا فلما اصبح روّى فى ذلك من الصباح الى الرواح أمن اللّه تعالى هذا الحلم ام من الشيطان فمن ثمة سمى يوم التروية فلما امسى رأى مثل ذلك فعرف انه من اللّه تعالى فمن ثمة سمى يوم عرفة ثم رأى فى الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر { فانظر ماذا } منصوب بقوله { ترى } من الرأى فيما القيت اليك : وبالفارسية [ بس در نكر درين كارجه جيزى بينى رأى توجه تقاضا ميكند ] فانما يسأله عما يبديه قلبه ورأيه أى شئ هل هو الامضاء او التوقف فقوله ترى من الرأى الذى يخطر بالبال لا من رؤية العين وانما شاوره فيه وهو امر محتوم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء اللّه تعالى فتثبت قدمه ان جزع ويأمن ان سلم ويكتسب المثوبة عليه بالانقياد له قبل نزوله وتكون سنة فى المشاورة . فقد قيل لو شاور آدم الملائكة فى اكله من الشجرة لما فرط منه ذلك { قال يا ابت افعل } [ كفت اى بدربكن ] { ما تؤمر } [ آنجه فرموده شد بدان ] اى ما تؤمر به فحذف الجار او لا على القاعدة المطردة ثم حذف العائد الى الموصول بعد انقلابه منصوبا بايصاله الى الفعل او حذفا دفعة او افعل امرك اضافة المصدر الى المفعول وتسمية المأمور به امرا وصيفة المضارع حيث لم يقل ما امرت للدلالة على ان الامر متعلق به متوجه اليه مستمر الى حين الامتثال به ولعله فهم من كلامه انه رأى ذبحه مأمورا به ولذا قال ما تؤمر وعلم ان رؤيا الانبياء حق وان مثل ذلك لا يقدمون عليه الا بامر وانما امر به فى المنام دون اليقظة مع ان غالب وحى الانبياء ان يكون فى اليقظة ليكون مبادرتهما الى الامتثال ادل على كمال الانقياد والاخلاص . قالوا رؤيا الانبياء حق من قبيل الوحى فانه يأتيهم الوحى من اللّه ايقاظا اذ لا تنام قلوبهم ابدا ولانه لطهارة نفوسهم ليس للشيطان عليهم سبيل وفى اسئلة الحكم لم امر اللّه تعالى ابراهيم بذبح ولده فى المنام ورؤيا الانبياء حق وقتل الانسان بغير حق من اعظم الكبائر قيل امره فى المنام دون اليقظة لانه ليس شئ ابغض الى اللّه من قتل المؤمن { ستجدنى } [ زود باشد كه يابى مرا ] ثم استعان باللّه فى الصبر على بلائه حيث استثنى فقال { ان شاء اللّه } ومن اسند المشيئة الى اللّه تعالى والتجأ اليه لم يعطب { من الصابرين } على الذبح او على قضاء اللّه تعالى قال الذبيح من الصابرين ادخل نفسه فى عداد الصابرين فرق عليه وموسى عليه السلام تفرد بنفسه حيث قال للخضر { ستجدنى ان شاء اللّه صابرا } فخرج . والتفويض اسلم من التفرد واوفق لتحصيل المرام ولما كان اسماعيل فى مقام التسليم والتفويض الى اللّه تعالى وقف وصبر ولما كان موسى فى صورة المتعلم ومن شأن المتعلم ان يتعرض لاسناذه بالاعتراض فيما لم يفهمه خرج ولم يصبر وقال بعضهم ظاهر موسى تعرض وباطنه تسليم ايضا لانه انما اعترض على الخضر بغيره الشرع ١٠٣ { فلما اسلما } اى استسلم ابراهيم وابنه لامرا اللّه وانقادا وحضعا له : وبالفارسية [ بس هنكام كه كردن نهادند خدايرا ] يقال سلم لامر اللّه واسلم واستسلم بمعنى واحد قرئ بهن جميعا واصلها من قولك سلم هذا لفلان اذا خلص له ومعناه سلم ان ينازع فيه وقولهم سلم لامر اللّه واسلم له منقولان منه ومعناهما اخلص نفسه لله وجعلها سالمة وكذلك معنى استسلم استخلص نفسه لله تعالى وعن قتادة فى اسلما اسلم ابراهيم ابنه واسماعيل نفسه { وتله للجبين } قال فى القاموس تله صرعه والقاه على عنقه وخده . والجبين احد جانبى الجبهة فللوجه فوق الصدغ جبينان عن يمين الجبهة وشمالها قال الراغب اصل التل المكان المرتفع والتليل العنق وتله للجبين اسقطه على التل او على تليله وقال غيره صرعه على شقه فوقع جبينه على الارض لمباشرة الامر بصبر وجلد ليرضيا الرحمن ويحزنا الشيطان وكان ذلك عند الصخرة من منى او فى الموضع المشرف على مسجد منى او فى المنحر الذى ينحر فيه اليوم وروى ان ابليس عرض لابراهيم عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب تم مضىبراهيم لامر اللّه تعالى وعزم على الذبح ومنه شرع رمى الجمرات فى الحج فهو من واجبات الحج يجب بتركه الفدية باتفاق الائمة قال فى التأويلات النجمية ومن دقة النظر فى رعاية آداب العبودية فى حفظ حق الربوبية فى القصة ان اسماعيل امر اباه ان يشد يديه ورجليه لئلا يضطرب اذا مسه ألم الذبح فيعاتب ثم لما هم بذبحه قال افتح القيد عنى فانى اخشى ان اعاتب فيقال لى أمشدود اليد حبيبى يطيعنى ولوبيد الحبيب سقيت سما ... لكان السم من يده يطيب وقد قيل ضرب الحبيب يطيب ازدست تومشت بردهان خوردن ... خوشتركه بدست خويش نان خوردن ١٠٤ { وناديناه ان } مفسرة لمفعول ناديناه المقدر اى ناديناه بلفظ هو قولنا { يا ابراهيم } ١٠٥ { قد صدقت الرؤيا } بالعزم على الاتيان بالمأمور به وترتيب مقدماته : وبالفارسية [ بدرستى كه راست كردى خوابى كه ديده بودى ] وفى شرح الفصوص للمولى الجامى اى حققت الصورة المرئية وجعلتها صادقة مطابقة للصورة الحسية الخارجية بالاقدام على الذبح والتعرض لمقدماته وقد قيل انه امر السكين بقوته على حلقه مرارا فلم يقطع ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين آن توكل توخليلانه ترا ... تانبرد تيغت اسماعيل را فعند ذلك وقع النداء وفى الخبر سأل نبينا عليه السلام جبريل هل اصابك مشقة وتعب فى نزولك من السماء قال نعم فى اربعة مواضع . الاول حين القى ابراهيم فى النار كنت تحت العرش قال اللّه تعالى ادرك عبدى فادركته وقلت له هل لك من حاجة فقال اما اليك فلا . والثانى حين وضع ابراهيم السكين على حلق اسماعيل كنت تحت العرش قال اللّه تعالى ادرك عبدى فادركته طرفة عين فقلبت الكسين . والثالث حين شبحك الكفار وكسروا رباعيتك يوم احد قال اللّه تعالى ادرك دم حبيبى فانه لوسقطن من دمه على الارض قطرة ما اخرجت منها نباتا ولا شجرا فقبضت دمك بكفى ثم رميته فى الهواء . والرابع حين القى يوسف فى الجب قال اللّه تعالى ادرك عبدى فادركته قبل ان وصل الى قعر الجب واخرجت حجرا من اسفل البئر فاجلسته عليه . وجواب لما محذوف ايذانا بعدم وفاء التعبير بتفاصيل كأنه قيل كان ما كان مما لا يحيط به نطاق البيان من استبشارهما وشكر هما لله تعالىعلى ما انعم اللّه به عليهما من رفع البلاء بعد حلوله والتوفيق سلما لم يوفق احد لمثله واظهار فضلهما بذلك على العالمين مع احراز الثواب العظيم الى غير لك قال بعض العارفين الانسان مجبول على حب الولد فاقتضت غيره الخلة ومقام المحبة ان يقطع علاقة القلب عن غيره فامر بذبح ولده امتحانا واختبارا له ببذل احب الاشياء فى سبيل اللّه من غير توقف واشعارا للملائكة بانه خليل اللّه لا يسعه غير الحق فليس المبتغى منه تحصيل الذبح انما هو اخلاء السر عنه وترك عادة الطبع وقال المولى الجامى غلبت عليه محبة الحق حتى تبرأ من ابيه فى الحق ومن قومه وتصدى لذبح ابنه فى سبيل اللّه وخرج عن جميع ماله مع كثرته المشهورة لله تعالى ورد فى الخبر انه كان له خمسة آلاف قطيع من الغنم فتعجب الاغنام عليها اطواق الذهب فطلع ملك فى صورة آدمى على شرف الوادى فسبح قائلا سبوح قدوس رب الملائكة والروح فلما سمع الخليل تسبيح حبيبه اعجبه وشوّقه نحو لقائه فقال يا انسان كرر ذكر ربى فلك نصف مالى فسبح بالتسبيح المذكور فقال كرر تسبيح خالقى فلك جميع اموالى مما ترى من الاغنام والغلمان وكانوا خسمة آلاف غلام فانصفت الملائكة وسلمت بخلته كما سلمت بخلافة آدم وهذا من جملة الاسرار التى جعل بها ابا ثانيا لنا يقول الفقير اغناه اللّه القدير سمعت من شيخى قدس سره انه قال ان ابراهيم له الاحراز بجميع مراتب التوحيد مراتب التوحيد من الافعال والصفات والذات وذلك لان الحجب الكلية ثلاثة هى المال والولد والبدن فتوحيد الافعال انما يحصل بالفناء عن المال وتوحيد الصفات بالفناء عن الولد وتوحيد الذات بالفناء عن الجسم والروح فتلك الحجب على الترتيب بمقابلة هذه المقامات من التوحيد فاخذت اللّه من ابراهيم المال تحقيقا للتوحيد الاول وابتلاه بذبح الولد تحقيقا للتوحيد الثانى وبجسمه حين رمى به فى نار نمرود تحقيقا للتوحيد الثالث فظهر بهذا كله فناؤه فى اللّه وبقاؤه باللّه حققنا اللّه وايكم بحقيقة التوحيد واوصلنا واياكم الى سر التجريد والتفريد { انا كذلك نجزى المحسنين } تعليل لتفريج تلك الكربة عنهما باحسانهما واحتج به من جوز النسخ قبل وقوع المأمور به فانه عليه السلام كان مأمورا بالبذبح ولم يحصل قال فى اسئلة المقحمة وهذه القصة حجة على المعتزلة فان الآية تدل على ان اللّه تعالى قد يأمر بالشئ ولا يريده فانه تعالى امر ابراهيم بذبح ولده ولم يرد ذلك منه والمعتزلة لا يجوزون اختلاف الامر والارادة ١٠٦ { ان هذا } [ بدرستى كه اين كار ] { لهو البلؤا المبين } الابتلاء البين الذى يتميز فيه المخلص من غيره او المحنة البينة الصعوبة اذ لا شئ اصعب منها قال البقلى اخبر سبحانه وتعالى ان هذا بلاء فى الظاهر ولا يكون بلاء فى الباطن لان فى حقيقته بلوغ منازل المشاهدات وشهود اسرار حقائق المكاشفات وهذا من عظائم القربات واصل البلاء ما يحجبك عن مشاهدة الحق لحظة ولم يقع هذا البلاء بين اللّه وبين احبابه قط فالبلاء لم عين الولاء قال الحريرى البلاء على ثلاثة اوجه على المخالفين نقم وعقوبات وعلى السابقين تمحيص وكفارات وعلى الاولياء والصديقين نوع من الاختبارات جاميا دل بغم ودرد نه اندرره عشق ... كه مردره آنكس كه نه اين درد كشيد ١٠٧ { وفديناه بذبح } بما يذبح بدله فيتم به الفعل المأمور وهر فرى الاوداج وانهار الدم اى جعلنا الذبح بالكسر اسم لما يذبح فداء له وخصلناه به من الذبح : وبالفارسية [ وفدا داديم اسماعيل را بكبشى ] والفادى فى الحقيقة هو ابراهيم وانما قال وفديناه لانه تعالى هو المعطى له والآمر به على التجوز فى الفداء او الاسناد { عظيم } اى عظيم الجثة سمين وهى السنة فى الاضاحى كما قال عليه السلام ( عظموا ضحاياكم فانها على الصراط مطاياكم ) او عظيم القدر لانه يفدى به اللّه نبيا نبيين عظيمين احدهما اعظم من الآخر وهما اسماعيل ومحمد عليهما السلام لانه كان محمد فى صلب اسماعيل انتهى وفى اسئلة الحكم لم عظم اللّه الذبح مع ان البدن اعظم فى القربان من الكبش لانها تنوب عن سبعة الجواب لشدة المناسبة بين الكبش وبين النفس المسلمة الفانية فى اللّه فانه خلق مستسلما للذبح فحسب فيكون الكبش فى الآخرة صورة الموت يذبح على الصراط كما كان صورة الفناء الكلى والتسليم والانقياد ولذلك المعنى عظمه اللّه تعالى لان فضل كل شئ بالمعنى لا بالصورة اذ فضل الصورة تابع لفضل المعنى بخلاف البدنة فان المقصود الاعظم منها الركوب وحمل الاثقال عليها قيل كان ذلك كبشا من الجنة وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه الكبش الذى قربه هابيل فتقبل منه وكان يرعى فى الجنة حتى فدى به اسماعيل وحينئذ تكون النار التى نزلت فى زمن هابيل لم تأكله بل رفعته الى السماء وحينئذ يكون قول بعضهم فنزلت النار فاكلته محمولا على التسمح كما فى انسان العيون . ويحتمل ان تتجسم الروح كما تتجسم المعانى وتبقى ابدا فلا ينافى ان تأكله النار فى زمن هابيل ان يذبحه ابراهيم ثانيا وروى انه هرب من ابراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى اخذه فبقى سنة فى الرمى وروى انه رمى الشيطان حين تعرض له بالوسوسة عند ذبح ولده كما سبق وروى انه لما ذبحه قال جبريل ( اللّه اكبر اللّه اكبر ) فقال الذبح ( لا اله الا اللّه واللّه اكبر ) فقال ابراهيم ( اللّه اكبر ولله الحمد ) فبقى سنة واعلم ان الذبح ثلاثة وهو ذبح هابيل ثم ذبح ابراهيم ثم ذبح الموت فى صورة الكبش . وكذا الفداء فانه فداء اسماعيل بكبش هابيل وفداء المؤمنين يوم القيامة يفدى عن كل مؤمن بكافر يأخذ المؤمن بناصيته فيلقيه فى النار وفداء اللّه عن الحياة الابدية بالموت يذبح فى صورة الكبش على الصراط فيلقى به فى النار بشارة لاهل الجنة بالخلود الدائم وتبكيتا لاهل النار بالعقوبة الدائمة ففيه اشارة الى مراتب التوحيد فذبح هابيل اشارة الى توحيد الذات والفناء الكلى فى ذات اللّه تعالى فذبحه اعظم من كل ذبح وفداؤه اتم من كل فداء قالوا ان الدم اذا تعين على الحاج فلا يسقط عمن تعين عليه ولما تعين ذبح ولد ابراهيم لم يسقط عنه الدم اصلا ففداه اللّه تعالى بكبش عظيم حيث جعله بدل افساد نبى مكرم فحصل الدم ان وجب فلا يرتفع ولذا من نذر بذبح ولده لزمه شاة عند الحنفية فصارت صورة ولد ابراهيم صورة الكبش يساق الى الجنة يدخل فيها فى أى صورة شاء فذبحت صورة الكبش ولبست صورة ولد ابراهيم صورة الكبش وهذا سبب العقيقة التى كل انسان مرهون بعيقته ولو لم يفد اللّه بالكبش لصار ذبح الناس واحدا من ابنائهم سنة الى يوم القيامة وتحقيق المقام انه كان كبش ظهر فى صورة ابن ابراهيم فى المنام لمناسبة واقعة بينهما وهى الاستسلام والانقياد فكان مراد اللّه الكبش لا ابن ابراهيم فما كان ذلك المرئى عند اللّه الا الذبح العظيم متمثلا فى صورة ولده ففدى الحق ولده بالذبح العظيم وهذا كمال ان العلم يرى فى صورة اللبن فليس ما يرى فى حضرة الخيال عين اللبن وحقيقته فلو تجاوز ابراهيم عليه السلام عما رآه فى حضرة الخيال الى المعنى المقصود منه بان يعبر ذبح ابنه فى منامه بذبح الكبش الذى فى صورته لما ظهر لاهل الآفاق كمال فنائه وتمام استسلامه وكذلك انقياد ابنه لكن اللّه سبحانه اراد اراءة استسلامهما واظهار انقيادهما لامره تعالى فاخفىعليه تعبير رؤياه وستر المقصود من المنام حتى صدق الرؤيا وفعل ما فعل لتلك الحكمة العيلة واختلف فى ان الذبيح اسماعيل او اسحاق فذهب اكثر المفسرين الى الاول لوجوده ذكرت فى التفاسير ولان قرنى الكبش كانا معلقين بالكعبة الى ان احترق البيت واحترق القرنان فى ايام ابن الزبير والحجاج ولم يكن اسحاق ثمة وفى فضائل القدس كان فى السلسة التى فى وسط القبة على صخرة اللّه درة يتيمة وقرنا كبش ابراهيم وتاج كسرى معلقات فيها ايام عبد الملك بن مروان فلما صارت الخلافة الى بنى هاشم حولوا الى الكعبة حرسها اللّه انتهى يقول الفقير هذا يقتضى ان لا تأكل النار الكبش الذى جاء فداء لان بقاء القرن من موجبات ذلك واكل النار القربان كان عادة الهية من لدن آدم الى زمان نبينا عليه السلام ثم رفع عن قربان هذه الامة اللهم الا ان يحمل على احد وجوه. الاول ان معنى اكل النار القربان احراقه بحيث يخرج عن الانتفاع به وهذا لا يوجب كون القرنين حريقين بالكلية . والثانى ان الذى كان يحرقه النار ليس جثة القربان بمجموعها من القرن الى القدم بل ثروبه واطايب لحمه كما روى ان بنى اسرائيل كانوا اذا ذبحوا قربانا وضعوا ثروبه واطايب لحمه فى موضع فيدعو النبى فتأتى نار فتأكله فلا يلزم ان يكون جميع اجزائه مأكولة محروقة. والثالث انه محمول على التمسح كما سب فى قربان هابيل فان قلت قد صح ان عبد المطلب نذر ان يذبح ولدا ان سهل اللّه حفر بئر زمزم او بلغ بنوه عشرة فلما سهل اللّه فخرج السهم على عبد اللّه والد رسول اللّه منعه اخواله ففداه بمائة من الابل ولذلك سنت الدية بمائة فقد روى انه فرق لحوم القرابين المذكورة الى الفقراء ولم تأكلها النار فكيف كان سنة الهية بين جميع الملل قلت المتقرب ان كان جاهليا فلا شك ان قربانه غير معتد به وان كان اسلاميا فلا بد ان يكون فى محضر بنى من الانبياء اذ هو الذى يدعو فتأتى النار كما لا يخفى على من له حظ او فى من علم التفسير والتأويل ) وذهب ( الى الثانى بعض ارباب الحقائق والتوفيق بين الروايتين عند التحقيق ان صورة الذبح جرى فى الظاهر الى حقيقة اسماعيل اولا ثم سرى ثانيا الى حقيقة اسحاق لتحققه ايضا بمقام الارث الا براهيمى من التسليم والتفويض والانقياد الذى ظهر فى صورة الكبش ولهذا السر اشتركا فى البشارة الالهية { وبشرناه بغلام حليم : وبشرناه باسحق } فكان اسماعيل واسحاق مختلفين فى الصورة والتشخيص متفقين فى المعنى والحقيقة فان شئت قلت ان الذبيح هو اسماعيل وان شئت قلت انه اسحاق فانت مصيب فى كل من القولين فى الحقيقة لما عرفت ان احدهما عين الآخر فى التحقق بسر ابراهيم عليه وعليهما السلام الى يوم القيام ١٠٨ { وتركنا عليه } اى ابقينا على ابراهيم { فى الآخرين } من الامم ١٠٩ { سلام على ابراهيم } اى هذا الكلام بعينه كما سبق فى قصة نوح ١١٠ { كذلك نجزى المحسنين } الكاف متعلقة بما بعدها وذلك اشارة الى ابقاء ذكره الجميل فيما بين الامم الى ما اشير اليه فيما سبق فلا تكرار اى مثل ذلك الجزاء الكامل نجزى المحسنين لا جزاء ادنى منه يعنى ان ابراهيم من المحسنين وما فعلناه به مما ذكر مجازاة له على احسانه ١١١ { انه من عبادنا المؤمنين } الراسخين فى الايمان على وجه الايقان والاطمئنان وفى التأويلات النجمية اى من عبادنا المخلصين لا من عباد الدنيا والهوى والسوى ١١٢ { وبشرناه } اى ابراهيم : والتبشير بالفارسية [ مزده دادن ] وهو الاخبار بما يظهر سرورا فى المخبر به ومنه تباشير الصبح لما ظهر من اوائل ضوئه { باسحق } من سارة رضى اللّه عنها { نبيا من الصالحين } اى مقضيا بنبوته مقدرا كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة الى وجود المبشر به وقت البشارة فان وجود ذى الحال ليس بشرط وانما الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار معنى الحال وفى التاويلات النجمية { نبيا } اى ملهما من الحق تعالى كما قال بعضهم حدثنى قلبى عن ربى { من الصالحين } اى من المستعدين لقبول الفيض الالهى بلا واسطة انتهى. وفى ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وايماء الى انه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الاطلاق وقد سبق الكلام المشبع فيه فى اواخر سورة يوسف ١١٣ { وباركنا عليه } على ابراهيم فى اولاده : وبالفارسية [ وبركت داديم بر ابراهيم ] { وعلى اسحق } بان اخرجنا من صلبه انبياء من بنى اسرائيل وغيرهم كايوب وشعيب او افضنا عليهما بركات الدين والدنيا { ومن ذريتهما محسن } فى عمله او لنفسه بالايمان والطاعة { وظالم لنفسه } بالكفر والمعاصى { مبين } ظاهر ظلمه وفيه تنبيه على ان الظلم فى اولادهما وذريتهما لا يعود عليهما بعيب ولا نقيصة وان المرء يجازى بما صدر من نفسه طاعة او معصية لا بما صدر من اصله وفرعه كما قال { ولا تزر وازرة وزر اخرى } وان النسب لا تأثير له فى الصلاح والفساد والطاعة والعصيان فقد يلد الصالح العاصى والمؤمن الكافر وبالعكس ولو كان ذلك بحسب الطبيعة لم يتغير ولم يتخلف وفيه قطع لاطماع اليهود المفاخرين بكونهم اولاد الانبياء وفى الحديث ( يا بنى هاشم لا يأتينى الناس باعمالهم وتأتونى بانسابكم ) الواو فى وتأتونى واو الصرف ولهذا نصب وتأتونى حذف نون تأتون علامة للنصب وهذه النون نون الوقاية اى لا يكون اعمال الناس وانسابكم مجتمعين فائتونى بالاعمال والغرض تقبيح افتخارهم لديه عليه السلام بالانساب حين يأتى الناس بالاعمال أتفخر باتصالك من علىّ ... واصل البولة الماء القراح وليس بنافع نسب زكى ... تدنسه صنائعك القباح وقال بعضهم وما ينفع الاصل من هاشم ... اذا كانت النفس من باهله وقبيلة باهلة عرفوا بالدناءة لانهم كانوا يأكلون بقية الطعام مرة ثانية ويأكلون نقى عظام الميتة كر بنكرى باصل همه بنى آدمند ... زان اعتبار جملة عزيز ومكرمند بيش اند ناس صورة نسناس سيرتان ... خلقى كه آدمند بخلق وكرم كمند وفى المثل ( ذهب الناس وما بقى الا النسناس ) وهم الذين يتشبهون بالناس وليسوا بالناس او هم خلق فى صورة الناس وقال بعضهم اصل را اعتبار جندان نيست ... روى همجوورد خندان نيست مى زغوره شود شكر ازنى ... عسل از نحل حاصلست بقى فعلى العاقل ترك الاغترار بالانساب والاحساب والاجتهاد فيما ينفعه يوم الحساب وكان زين العابدين رضى اللّه عنه يقول اللهم انى اعوذ بك ان تحسن فى لوامع العيون علانيتى وتقبح سريرتى ومن اللّه التوفيق ١١٤ { ولقد مننا على موسى وهرون } المنان فى صفة اللّه تعالى المعطى ابتداء من غير ان يطلب عوضا يقال منّ عليه منا اذا اعطاه شيأ ومنّ عليه منة اذا اعد نعمته عليه وامتن وهو مذموم من الخلق لا من الحق كما قال تعالى { بل اللّه يمن عليكم } والمعنى وباللّه لقد انعمنا على موسى واخيه هارون بالنبوة وغيرها من النعم الدينية والدنيوية ١١٥ { ونجيناهما وقومهما } وهم بنو اسرائيل { من الكرب العظيم } من تعذيب فرعون واذى قومه القبط وقد سبق معنى الكرب فى هذه السورة ولما كانت النتيجة عبارة عن التخليص من المكروه وهى لا تقتضى الغلبة اتبعها بقوله ١١٦ { ونصرناهم } اى موسى وهارون وقومهما { فكانوا } بسبب ذلك { هم } فحسب { الغالبين } على عدوهم فرعون وقومه غلبة لا غاية وراءها بعد ان كان قومهما فى اسرهم وقسرهم مقهورين تحت ايديهم وفيه اشارة الى تنجية موسى القلب وهارون السر من غرق بحر الدنيا وماء شهواتها ونصرتهما مع صفاتهما على فرعون النفس وصفاتها فليصبر المجاهدون على انواع البلاء الى ان تظهر آثار الولاء فان آخر الليل ظهور النهار وغاية الخريف والشتاء طلوع الازهار والانوار : قال الحافظ جه جورها كه كشيدند بلبلان ازدى ... ببوى آنكه دكر نوبهار باز آمد ١١٧ { وآتيناهما } بعد ذلك المذكور من النتيجة { الكتاب المستبين } اى البليغ والمتناهى فى البيان والتفصيل وهو التوراة فانه كتاب مشتمل على جميع العلوم التى يحتاج اليها فى مصالح الدين والدنيا قال تعالى { انا انزلنا التورة فيها هدى ونور } فاستبان مبالغة بان بمعنى ظهر ووضح وجعل الكتاب بالغا فى بيانه من حيث انه لكماله فى بيان الاحكام وتمييز الحلال عن الحرام كأنه يطلب من نفسه ان يبينها ويحمل نفسه على ذلك وقيل هذه السين كهى فى قوله يستسخرون فان بان واستبان وتبين واحد نحو عجل واستعجل وتعجل فيكون معناه الكتبا المبين ١١٨ { وهديناهما } بذلك الكتاب { الصراط المستقيم } الموصل الى الحق والصواب بما فيه من تفاصيل الشرائع وتفاريع الاحكام وفى كشف الاسرار وهديناهما دين اللّه الاسلام اى ثبتناهما عليه واستعير الصراط المستقيم من معناه الحقيقى وهو الطريق المستوى للدين الحق وهو ملة الاسلام وهذا امر تحقق عقلا فقد نقل اللفظ الى امر معلوم من شانه ان ينص عليه ويشار اليه اشارة عقلية ولاجل تحققه سميت هذه الاستعارة بالتحقيقية وفيه اشارة الى ايتاء العلوم الحقيقة والالهامات الربانية والهداية بذلك الى الحضرة الواحدية والاحدية ١١٩ انظر تفسير الآية:١٢٠ ١٢٠ { وتركنا عليهما فى الآخرين * سلام على موسى وهارون } اى ابقينا عليهما فيما بين الامم الآخرين هذا الذكر الجميل والثناء الجزيل فهم يسلمون عليهما ويقولون سلام على موسى وهارون ويدعون لهما دعاء دائما الى يوم الدين ١٢١ { انا كذلك } اى مثل هذا الجزاء الكامل { نجزى المحسنين } لذين هما من جملتهم لاجزاء قاصرا عنه ١٢٢ { انهما من عبادنا المؤمنين } يشير الى ان طريق الاحسان هو الايمان فالايمان هو مرتبة الغيب والاحسان هو مرتبة المشاهدة ولما كان الايمان ينشأ عن المعرفة كان الاصل معرفة اللّه والجرى على مقتضى العلم فالانسان من حيث ما يتغذى نبات ومن حيث ما يحس ويتحرك حيوان ومن حيث الصورة التخطيطية فكصورة فى جدار وانما فضيلته بالنطق والعلم والفهم وسائر الكمالات البشرية وفى الحديث ( ما فضلكم ابو بكر بكثير صوم ولا صلاة ولكن بسرّ وقر فى صدره ) ومن آثار هذا السر الموقور ثباته يوم موت الرسول عليه السلام وعدم تغيره كسائر الاصحاب حيث صعد المنبر وقرأ { وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية فكان ايمانه اقوى وثباته اوفى ومشاهدته اعلى ١٢٣ { وان الياس لمن المرسلين } اى الى بنى اسرائيل وهو الياس بن ياسين بن شير بن فخاص بن الغيرار بن هارون ابن عمران وهو من سبط هارون اخى موسى بعث بعد موسى هذا هو المشهور وعليه الجمهور ودل عليه ما فى بعض المعتبرات ان الموجود من الانبياء بابدانهم العنصرية اربعة اثنان فى السماء ادريس وعيسى واثنان فى الارض الخضر والياس فادريس والياس اثنان من حيث الهوية والتشخيص وقال جماعة من العلماء منهم احمد بن حنبل ان الياس هو ادريس ويعقوب هو اسرائيل ويونس هود والنون وعيسى هو المسيح ومحمد هو احمد صلوات اللّه عليهم اجمعين ووافقهم فى ذلك بعص اكابر المكاشفين فعلى هذا معناه ان هوية ادريس مع كونها قائمة فى انيته الياس الباقى الى الآن فتكون من حيث العين والحقيقة واحدة ومن حيث التعين الصورى اثنتين كنحو جبرائيل وميكائيل وعزرائيل يظرهون فى الآن الواحد فى مائة الف مكان بصور شتى كلها قائمة بهم وكذلك ارواح الكمل كما يروى عن قضيب البان الموصلى قدس سره انه كان يرى فى زمان واحد فى مجالس متعددة مشتغلا فى كل بامر غير ما فى الآخر وليس معناه ان العين خلع الصورة الادريسية ولبس الصورة الالياسية والالكان قولا بالتناسخ ١٢٤ { اذ قال } اى اذكر وقت قوله { لقومه ألا تتقون } اى عذاب اللّه تعالى : وبالفارسية [ آيانمى ترسيد ازعذاب الهى ] ١٢٥ { أتدعون بعلا } أتعبدونه اى لا تعبدوه ولا تطلبوه منه الخير . والبعل هو الذكر من الزوجين ولما تصور من الرجل استعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها شبه كل مستعل على غيره به فسمى باسمه فسمى العرب معبودهم الذى يتقربون به الى اللّه بعلا لاعتقادهم ذلك . فالبعل اسم صنم كان لاهل بك من الشام وهو البلد المعروف اليوم ببعلبك وكان من ذهب طوله عشرون ذراعا وله اربعة اوجه وفى عينيه ياقوتتان كبيرتان فتنوا به وعظموه حتى اخدموه اربعمائة سادن وجعلوهم انبياءه فكان الشيطان يدخل جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس { وتذرون احسن الخالقين } وتتركون عبادته ١٢٦ { اللّه ربكم ورب آبائكم الاولين } بالنصب على البدلية من احسن الخالقين والتعرض لذكر ربوبيته تعالى لآبائهم للاشعار ببطلان آرائهم ايضا . ثم ان الخلق حقيقة فى الاختراع والانشاد والابداع ويستعمل ايضا بمعنى التقدير والتصوير وهو المراد به ههنا لان الخلق بمعنى الاختراع لا يتصور من غير اللّه حتى يكون هو احسنهم كما قال الراغب ان قيل قوله { فتبارك اللّه احسن الخالقين } يدل على انه يصح ان يوصف غيره بالخلق قيل ذلك معناه احسن المقدرين او يكون على تقدير ما كانوا يعبدون ويزعمون ان غير اللّه يبدع فكأنه قيل وهب ان ههنا مبدعين وموجدين فاللّه تعالى احسنهم ايجادا على ما يعتقدون كما قال خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم انتهى. وعبد الخالق عند الصوفية المتحققين هو الذى يقدر الاشياء على وفق مراد الحق لتجليه له بوصف الخلق والتقدير فلا يقدر الا بتقديره له تعالى قال الامام الغزالى رحمه اللّه اذا بلغ العبد فى مجاهدة نفسه بطريق الرياضة فى سياستها وسياسة الخلق مبلغا ينفرد فيه باستنباط امور لم يسبق اليها ويقدر مع ذلك على فعلها والترغيب فيها كان كالمخترع لما لم يكن له وجود قبل اذ يقال لواضع الشطرنج انه الذى وضعه واخترعه حيث وضع ما لم يسبق اليه انتهى. يقول الفقير ان بعض الكمل كانوا يتركون فى مكانهم بدلا منهم على صورتهم وشكلهم ويكونون فى امكنة فى آن واحد كما روى عن قضيب البان فيما سبق فهو من اسرار هذا المقام لانه انما يقدر عليه بعد المظهرية للاسم الخالق والوصول الى سره فاعرف واكتم وصن وصم ١٢٧ { فكذبوه } اى الياس { فانهم } بسبب تكذيبهم اياه { لمحضرون } لمدخلون فى النار والعذاب لا يغيبون منها ولا يخفف عنهم كقوله { وما هم بمخرجين } لان الاحضار المطلق مخصوص بالشر عرفا ١٢٨ { الا عباد اللّه المخلصين } استثناء متصل من فاعل كذبوه وفيه دلالة على ان من قومه من لم يكذبه ولم يحضر فى العذاب وهم الذين اخلصهم اللّه تعالى بتوفيقهم للايمان والعمل بموجب الدعوة والارشاد ١٢٩ { وتركنا عليه } وابقينا على الياس { فى الآخرين } من الامم ١٣٠ { سلام على الياسين } اى هذا الكلام بعينه فيدعون له ويثنون عليه الى يوم القيامة وهو لغة فى الياس كسيناء فى سينين فان كل واحد من طور سيناء وطور سينين بمعنى الآخر زيد فى احدهما الياء والنون فكذا الياس والياسين وقرئ باضافة آل الى ياسين لانهما فى المصحف مفصولان فيكون ياسين ابا الياس والياسين وقرئ باضافة آل الى ياسين لانهما فى المصحف مفصولان فيكون ياسين ابا الياس والآل هو نفس الياس ١٣١ { انا كذلك } مثل هذا الجزاء الكامل { نجزى المحسنين } احسانا مطلقا ومن جملتهم الياس ١٣٢ { انه } لا شبهة ان الضمير لالياس فيكون الياس والياسين شخصا واحدا وليس الياسين جمع الياس كما دل عليه ما قبله من قوله سلام على نوح وسلام على ابراهيم وسلام على موسى وهرون { من عبادنا المؤمنين } قال الكاشفى [ ايمان اسميست من جميع كمالات صورى ومعنوى ونام بندكى بتشريفيست خاص ازبراى اهل اختصاص ] اكر بندة خويش خوانى مرا ... به از مملكت جاودانى مرا شهانى كه بابخت فرخنده اند ... همه بندكاز ترا بنده اند روى انه بعث بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون ثم كالب بن يوقنا ثم حزقيل ثم لما قبض اللّه حزقيل النبى عظمت الاحداث فى بنى اسرائيل ونسوا عهد اللّه وعبدوا الاوثان وكانت الانبياء من بنى اسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة وبنوا اسرائيل كانوا متفرقين بارض الشام وكان سبط منهم حلوا ببعلبك ونواحيها من ارض الشام وهم السبط الذين كان منهم الناس فلما اشركوا وعبدوا الصنم المذكور وتركوا العمل بالتوراة بعث اللّه الياس اليهم نبيا وتبعه يسع بن اخطوب وآمن به وكان على سبط الياس ملك اسمه اجب وكان له امرأة يقال لها ازبيل يستخلفها على رعيته اذا غاب عنهم وكانت تبرز للناس وتقضى بينهم وكانت قتالة للانبياء والصالحين يقال انها هى التى قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام وقد تزوجت سبعة من ملوك بنى اسرائيل وقتلتهم كلهم غيلة وكانت معمرة يقال انها ولدت سبعين ولدا وكان لزوجها اجب جار صالح يقال له مزدكى وكانت له جنينة يعيش فى جنب قصرهما فحسدته فى ذلك حتى اذا خرج الملك الى سفر بعيد امرت جمعا من الناس ان يشهدوا على مزدكى انه سب زوجها اجب فاطاعوها فيه وكان فى حكم ذلك الزمان يحل قتل من سبب الملك اذا قامت عليه البينة فاحضرته فقالت له بلغنى انك شتمت الملك فانكر فاحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور فامرت بقتله واخذت جنينة غصبا ثم لما قدم الملك اوحى اللّه الى الياس ان يخبرهما بان اللّه قد غضب عليهما لوليه مزدكى حين قتلاه ظلما وآلى على نفسه انهما ان لم يتوبا عن صنيعهما ولم يردا الجنينة على ورثة مزدكى ان يهلكهما فى جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين حتى تتعرى عظامهما من لحومهما فلما سمعا ذلك اشتد غضبهما الى الياس ولم يظهر منهما ولا من قومهما الا المخالفة والعصيان والاصرار الى ان هم الملك بتعذيب الياس وقتله فلما احس الياس بالشر خرج من بينهم لان الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين وارتقى الى اصعب جبل وارفعه فدخل مغارة فيه يقال انه بقى فيها سبع سنين يأكل من نبات الارض وثمار الشجر وهم فى طلبه قد وضعوا عليه العيون واللّه تعالى ستره كما وقع مثله لاصحاب الكهف فلما طال عصيانهم دعا عليهم بالقحط والجوع سبع سنين فقال اللّه تعالى الياس انا ارحم بخلقى من ذلك وان كانوا ظالمين ولكن اعطيك مرادك ثلاث سنين فقحطوا بتلك المدة فلم يقلعهم ذلك عن الشرك ولما رأى ذلك منهم الياس دعا اللّه تعالى بان يريحه منهم فقيل له اخرج يوك كذا الى موضع كذا فما جاءك من شئ فاركبه ولا تهبه فخرج الياس فى ذلك اليوم ومعه خادمه أليسع فوصل الموضع الذى امر فاستقبله فرس من نار وجميع الآلة من النار حتى وقف بين يديه فركب عليه فانطلق به الفرس الى جانب السماء فناداه أليسع ما تأمرنى فقذف اليه الياس بكسائه من الجو الاعلى : يعنى [ كه ترا خليفة خويش كردم بر بنى اسرائيل ] ورفع اللّه الياس من بين اظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وكساه الريش فكان انسيا ملكيا ارضيا سماويا قال بعضهم كان قد مرض واحس بالموت فبكى فاوحى اللّه اليه لم تبكى أحرصا على الدنيا ام جزعا من الموت ام خوفا من النار قال لا ولكن وعزتك جلالك انما جزعى كيف يحمدك الحامدون بعدى ولا احمدك ويذكرك الذاكرون بعدى ولا اذكرك ويصوم الصائمون بعدى ولا اصوم ويصلى المصلون بعدى ولا اصل فقيل له ايا الياس لاؤخرنك الى وقت لا يذكرنى ذاكر يعنى يوم القيامة وسلط اللّه على قومه عدوا لهم من حيث لا يشعرون فاهلكم وقتل اجب وامرأته ازبيل فى جنبنة مزدكى فلم تزل جيفتاهما ملقاتين فيها الى ان بليت لحومهما ورمت عظامهما ونبأ اللّه أليسع وبعثه الى بنى اسرائيل وايده فآمنت به بنوا اسرائيل وكانوا يعظمونه ويطيعونه وحكم اللّه فيهم قائم الى ان فارقهم أليسع روى ان الياس والخضر عليهما السلام يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم فى كل عام وهما آخر من يموت من بنى آدم وقيل ان الياس موكل بالفيافى جمع فيفاة بمعنى الصحراء والحضر موكل بالبحار وذكر انهما يقولان عند افتراقهما من الموسم ما شاء اللّه لا يسوق الخير الا اللّه. ما شاء اللّه لا يصرف السوء الا اللّه . ما شاء اللّه ما يكون من نعمة فمن اللّه . ما شاء اللّه توكلنا على اللّه حسبنا اللّه ونعم الوكيل [ محمد بن احمد العابد كويد رد مسجد اقصى نشسته بودم ورز آزينه بعد ازنماز ديكر كه دو مرد ديدم يكى برصف وهيئت ما وآن ديكر شخصى عظيم بود قدى بلند وييشانى فراخ بهن صدر وذارعين اين شخص عظيم ازمن دور نشست وآن ييركه برصفت وقد ما بود فراييش آمد وسلام كرد جواب سلام دادم وكفتم ( من انت رحمك اللّه ) توكيستى وآنكه ازما دور نشسته است كيست كفت من خضرم واو برادرم الياس از كفتار ايشان دردل من هراس آمد وبلرزيدم خضر كفت ( لا بأس عليك نحن نحبك ) ماترا دوست داريم جه انديشه برى. آنكه كفتيا هركه روز آزينه نماز ديكر بكزارد وروى بسوى قبله كند وتا بوقت فروشدن آفتاب همى كويد ( يا اللّه يا رحمن ) رب العزة دعاى وى مستجاب كرداند وحاجت وى روا كند كفتم ( آنستنى آنسك اللّه بذكره ) كفتم طعام توجه باشد كفت كرفس وكماءة كفتم طعام الياس جه باشد كفت دو رغيف خوارى هرشب وقت افطار كفتم مقام او كجا باشد كفت در جزار دريا كفتم شما كى فراهم آييد كفت جون يكى از اولياء اللّه از دنيا بيرون شود هردو بروى نماز كنيم ودر موسم عرفات فراهم آييم وبعد از فراغ مناسك او موى من باز كند ومن هوى اوباز كنم كفتم اولياء اللّه را همه شناسى كفت قومى معدودرا شناسم كفت جون رسول خدا صلوات اللّه عليه ازدنيا بيرون شد زمين اللّه ناليدكه ( بقيت لا يمشى على نبى الى يوم القايمة ) رب العالمين كفت من از اين امت مردانى را بديدارم دلها انبيا باشد . آنكه خضر برخاست تارود من نيز برخاستم تاباوى باشم كفت توبا من نتوانى بود من هر روز نمازا بامداد بمكة كزارم در مسجد حرام وهمجنان نشينم نزديك ركن شامى در حجرتا آفتاب برآيد آنكه طواف كنم ودر ركعت خلف المقام بكزارم ونماز ييشين بمدينة مصطفى عليه السلام كزارم ونماز شام بطور سينا ونماز خفتن برسد ذو القرنين وهمة شب آنجا باس دارم جون وقت صب باشد نماز بامداد بامكه برم در مسجد حرام ] ١٣٣ { وان لوطا } هو لوط بن هاران اخى ابراهيم الخليل عليه السلام { لمن المرسلين } الى قومه وهم اهل سدوم بالدال المهملة فكذبوه وارادوا اهلاكه فقال رب نجنى واهلى مما يعملون فنجاه اللّه واهله ١٣٤ { اذ نجيناه } اى اذكر وقت تنجيتنا اياه ولا يتعلق بما قبله لانه لم يرسل اذ نجى { واهله اجمعين } [ وهمه اهل بيت اورا ازدختران وغير ايشان ] ١٣٥ { الا عجوزا } هى امرأة الخائنة واهلة كانت كافرة وكان نكاح الوثنيات والاقامة عليهن جائزا فى شريعته وسميت المرأة المسنة عجوزا لعجزها عن كثير من الامور يكن صفتها وقت تنجيتهم فلم يكن بد من تقدير مقدر أى الباقين فى العذاب والهلاك وقيل للباقى غابر تصورا بتخلف الغبار عن الذى يعدو فيخلفه او الماضين الهالكين وقيل غابر تصور المضى الغبار عن الارض . والمعنى بالفارسية [ مكر ييرده زنى كه اوبودجه او اقرار كرفت در بازار ماندكاه يعذاب وبالوط همراهى نكرد : قال الشيخ سعدى بابدان يار كشت همسر لوط ... خاندان نبوتش كم شد سك اصحاب كهف روزى جند ... بى نيكان كرفت ومردم شد ١٣٦ { ثم دمرنا } التدمير ادخال الهلاك على الشئ اى اهلكنا { الآخرين } بالائتفاك بهم وامطار الحجارة عليهم فانه تعالى لم يرض بالائتفاك حتى اتبعه مطرا من حجارة : وبالفارسية [ بس هلاك كردم ديكر انرا ار قوم وى ديار ايشان وقتى زير وزبر ساختيم ] فان فى ذلك شواهد على جلية امره وكونه من جملة المرسلين وتقدم ذكر قصته فى سورة هود والحجر فارجع ١٣٧ { وانكم } يا اهل مكة { لتمرون عليهم } اى على ديار قوم لوط المهلكين ومنازلهم فى متاجركم الى الشام وتشاهدون آثار هلاكهم فان سدوم فى طريق الشام وهو وقوله تعالى { وانها لبسبيل مقيم } { مصبحين } حال من فاعل تمرون اى حال كونكم داخلين فى الصباح ١٣٨ { وبالليل } اى وملتبسين بالليل اى مساء ولعلها وقعت بقرب منزل يمر به المرتحل عنه صباحا والقاصد له سماء ويجوز ان يكون المعنى نهارا وليلا على ان يعمم المرور للاوقات كلها من الليل والنهار ولا يخصص بوقتى الصباح والمساء { أفلا تعقلون } اى أفتشاهدون ذلك فلا تعقلون حتى تعتبروا به وتخافوا ان يصيبكم مثل ما اصابهم فان من قدر على اهلاك اهل سدوم واستئصالهم بسبب كفرهم وتكذيبهم كان قادرا على اهلاك كفار مكة واستئصالهم لاتحاد السبب ورجحانه لانهم اكفر من هؤلاء واكذب كما يشهد به قوله { أكفاركم خير من اولئكم } وكان النبى عليه السلام يقول لابى جهل ( ان هذا اعتى على اللّه من فرعون ) فعلى العاقل ان يعتبر ويؤمن بوحدانية الحق ويرجع الى ابواب فضله وكرمه ورحمته ويؤدب عجوز نفسه الامارة ويحملها على التسليم والامتثال كى لا تهلك مع اهل القهر والجلال قال بعض الكبار لابد من نصرة لكل داخل طريق اهل اللّه عز وجل ثم اذا حصلت فاما ان يعقبها رجوع الى الحال الاول من العبادة والاجتهاد وهم اهل العناية الآلهية اما ان لا يعقبها رجوع الى الحال الاول من العبادة والاجتهاد وهم اهل العناية الآلهية واما ان لا يعقبها رجوع فلا يفلح بعد ذلك ابدا انتهى اى فيكون كالمصر على ذنبه ابتداء ثم ان اللّه تعالى ركب العقل فى الوجود الانسانى ومن شأنه ان يرى ويختار ابدا الاصلح والافضل فى العواقب وان كان على النفس فى المبدأ مؤونة ومشقة واما الهوى فهو على ضد ذلك فانه يؤثر ما يدفع به المؤذى فى الوقت وان كان يعقبه مضرة من غير نظر منه فى العواقب كالصبى الرمد الذى يؤثرا اكل الحلاوات واللعب فى الشمس على اكل الاهليلج والحجامة ولهذا قال النبى عليه السلام ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) تو بركرة در كمر ... نكر تانييجد زحكم توسر اكر بالهنك از كفت در كسيخت ... تن خويشتن كشت وخونت بريخت ففيه اشارة الى فكر العواقب وجاء فى الامثال [ وقتى زنبورى مورى را ديدكه بهزار حيله دانه بخانه مكشيد ودران رنج بسيارى ديد اورا كفت اى مور اين جه رنجست كه برخود نهادة واين جه بارست كه اختيار كردة بيا مطعم ومشرب من ببين كه هر طعام كه لطيف ولذيذ ترست تا ازمن زياده نيايد بيادشاهان نرسد هر آنجا كه خواهم كزينم وخورم درين سخن بودكه بربريد وبدكان قصابى برمسلوخى نشست قصاب كارد كه دردست داشت بران زنبور مغرور زد ودوباره كرد وبرزمين انداخت ومور بيامد وباى كشان اورامى برد وكفت ( رب شهوة ساعة اورثت صاحبها حزنا طويلا ) زنبور كفت مرا بجايى مبركه نخواهم مور كفت هركه از روى حرص وشهوت جايى نشيندكه خواهد بجايى كشندش كه نخواهد ] نسأل اللّه ان يوفقنا لاصلاح الطبيعة والنفس ويجعل يومنا خيرا من الامس فى التوجه الى جنابه والرجوع الى بابه انه هادى القلوب الراجعة فى الاوقات الجامعة ومنه المدد كل يوم لكل قوم ١٣٩ { وان يونس } ابن متى بالتشديد وهم اسم ابيه او امه وفى كشف الاسرار اسم ابيه متى واسم امه تنجيس كان يونس من اولاد هود كما فى انوار المشارق وهو ذو النون وصاحب الحوت لانه التقمه . وامان ذو النون المصرى من اولياء هذه الامة فقيل انما سمى به لانه ركب سفينة مع جماعة فقد واحد منهم ياقوتا فلم يجده فآل رأيهم الى ان هذا الرجل الغريب قد سرقه فعوتب عليه فانكر الشيخ فحلف فلم يصدقوه بل اصروا على انه ليس الا فيه فلما اضطر توجه ساعة فاتى جميع الحوت من البحر فى فيها يواقيت فلما رأوا ذلك اعتذروا عن فعلتهم فقام وذهب الى البحر ولم يغرق باذن اللّه تعالى فسمى ذا النون { لمن المرسلين } الى بقية ثمود وهم اهل نينوى بكسر النون الاولى وفتح الثانية وقيل بضمها قرية على شاطئ دجلة فى ارض الموصل وفى كلام الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قد اجتمعت بجماعة من قوم يونس سنة خمس وثمانين وخمسمائة بالاندلس حيث كنت فيه وقست اثر رجل واحد منهم فى الارض فرأيت طول قدمه ثلاثة اشبار وثلثى شبر انتهى ولما بعث اليهم دعاهم الى التوحيد اربعين سنة وكانوا يعبدون الاصنام فكذبوه واصروا على ذلك فخرج من اظهرهم واوعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث او بعد اربعين ليلة ثم ان قومه لما اتاهم امارات العذاب بان اطبقت السماء غيما اسود يدخن دخانا شديدا ثم يهبط حتى يغشى مدنيتهم حتى صار بينهم وبين العذاب قدر ميل اخلصوا اللّه تعالى بالدعاء والتضرع بان فرقوا بين الامهات والاطفال وبين الاتن والجحوش وبين البقر والعجول وبين الابل والفصلان وبين الضأن والحملان وبين الخيل والافلاء ولبسوا المسوح ثم خرجوا الى الصحراء متضرعين ومستغفرين حتى ارتفع الضجيج الى السماء فصرف اللّه عنهم العذاب وقبل توبتهم ويونس ينتظر هلاكهم فلما امسى سأل محتطبا مر بقومه كيف كان حالهم فقال هم سالمون وبخير وعافية وحدثه بما صنعوا فقال لا ارجع الى قوم قد كذبتهم وخرج من ديارهم مستنكفا خجلا منهم ولم ينتظر الوحى وتوجه الى جانب البحر ١٤٠ وذلك قوله تعالى { اذ ابق } اى اذكر وقت اباقه اى هربه واصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير اذن ربه حسن اطلاقه عليه بطريق المجاز تصويرا لقبحه فانه عبد اللّه فكيف يفر بغير الاذن والى اين يفر واللّه محيط به وقد صح انه لا يقبل فرض الآبق ولا نفله حتى يرجع فاذا كان الادنى مأخوذا بزلة فكيف الاعلى { الى الفلك المشحون } اى المملوء من الناس والدواب والمتاع ويقال المجهز الذى فرغ من جهازه يقال شحن السفينة ملأها كما فى القاموس روى ان يونس لما دخل السفينة وتوسطت البحر احتسبت عن الجرى ووقفت فقال الملاحون هنا عبد آبق من سبده وهذا رسم السفينة ما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر وقال التجار قد جربنا مثل هذا فاذا رأينا نقترع فمن خرج سهمه نرميه فى البحر لان غرق الواحد خير من غرق الكل فاقترعوا ثلاث مرات فخرجت القرعة على يونس فى كل مرة ١٤١ { فساهم } المساهمة المقارعة : يعنى [ باكسى قرعه زدن ] والسهم ما يرمى به من القداح ونحوه . والمعنى فقارع اهل الفلك من الآبق والقوا السهام على وجه القرعة . والمفهوم من تفسير الكاشفى ان الضمير الى يونس : [ يونس قرعه زد باهل كشتى سه نوبت ] { فكان من المدحضين } فصار من المغلوبين بالقرعة واصله المزلق عن مقام الظفر والغلبة قال فى القاموس دحضت رجله زلقت والشمس زالت والحجة دحوضا بطلت انتهى . فالادحاض بالفارسية [ باطل كردن حجت ] وحين خرجت القرعة على يونس قال انا العبد الآبق او يا هؤلاء انا واللّه العاصى فتلفف فى كسائه ثم قام على رأس السفينة فرمى بنفسه فى البحر : يعنى [ يونس كليم درسر خود كشيده خود رادر بحر افكند ] ١٤٢ { فالتقمه الحوت } الالتقام الابتلاع : يعنى [ لقمه كردن وفرو بردن ] يقال لقمت اللقمة والتقمتها اذا ابتلعتها اى فابتلعه السمك العظيم قال الكاشفى [ حق تعالى وحى فرستاد بما هى كه در آخرين ديارها باشد تاييش كشتى آمده دهن بازكرده ] وقال فى كشف الاسرار فصادفه حوت جاء من قبل اليمن فابتلعه فسفل به الى قرار الارضين حتى سمع تسبيح الحصى { وهو مليم } حال من مفعول التقمه اى داخل فى الملامة ومعنى دخوله فى الملامة كونه يلام سواء لاموه ام لا يقال الام الرجل اذا اتى او آتى بما يلام عليه فيكون المليم بمعنى من يستحق اللوم سواء لاموه ام لا يقال الام الرجل اذا اتى بما يلام عليه او يلوم نفسه : يعنى [ واو ملامت كننده بود نفس خودرا كه جرا ازقوم كر يختى ] فالهمزة على هذا للتعدية لا على التقديرين الاولين روى ان اللّه تعالى اوحى الى السكمة انى لم اجعله لك رزقا ولكن جعلت بطنك له وعاء فلا تكسرى منه عظما ولا تقطعى منه وصلا فمكث فى بطن الحوت اربعين ليلة كما دل عليه كونه منبوذا على الساحل وهو سقيم قال الكاشفى [ سه روز ياهفت روز اشهر آنست كه جهل روز درشكم ما هى بود وآن ما هى هفت دريارا بكشت وحق سبحانه وتعالى كوشت وبوست او را نازك وصافى ساخته بود جون آبكينه تايونس عجائب وغرائب بحر را مشاهده كرد وييوسته بذكر حق سبحانه وتعالى اشتغال داشت ] ١٤٣ { فلولا انه } [ بس اكرنه آنست كه يونس ] { كان من المسبحين } فى بطن الحوت وهو قوله { لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } او من الذاكرين اللّه كثيرا بالتسبيح مدّة عمره وعن سهل من القائمين بحقوق اللّه قبل البلاء ذكرا او صلاة او غيرهما ١٤٤ { للبث } لمكث حيا او ميتا { فى بطنه } اى فى بطن الحوت { الى يوم يبعثون } يعنى [ تا آن روز كه خلق را برانكيزند از قبور ] قال فى كشف الاسرار فيه ثلاثة اوجه . احدها يبقى هو والحوت الى يوم البعث . والثانى يموت الحوت ويبقى هو فى بطنه . والثالث يموتان ثم يحشر يونس من بطنه فيكون بطن الحوت قبرا له الى يوم القيامة فلم يلبث لكونه من المسبحين وفيه حث على اكثار الذكر وتعظيم لشأنه واشارة الى ان خلاص يونس القلب اذا التقمه حوت النفس لا يكون الا بملازمة ذكر اللّه ومن اقبل عليه فى السراء اخذ بيده عند الضراء والعمل الصالح يرع صاحبه اذا عثر واذا صرع يجد متكئا وفى الوسيط كان يونس عبدا صالحا ذاكر اللّه فلما وقع فى بطن الحوت قال اللّه { فلولا انه كان من المسبحين } الآية وان فرعون كان عبدا طاغيا ناسيا ذكر اللّه { فلما ادركه الغرق قال آمنت بالذى آمنت به بنو اسرائيل } قال اللّه تعالى { آلآن وقد عصيت قبل } وعن الشافعى انفس ما يداوى به الطاعون التسبيح لان الذكر يرفع العقوبة والعذاب كما قال اللّه تعالى { فلولا انه كان من المسبحين } وعن كعب قال سبحان اللّه يمنع العذاب وعن عمر رضى اللّه عنه انه امر بجلد رجل فقال فى اول جلده سبحان اللّه فعفا عنه ذكر حق شافع بود دركاه را ... راضى وخشنود كند اللّه را قال فى كشف الاسرار [ خداوند كريم جون يونس را درشكم ما هى بزندان كرد نام اللّه جراغ ظلمت او بود يا اللّه انس ورحمت او بود هرجندكه ازروى ظاهر ما هى بلاى يونس بود اما ازروى باطن خلوتكاه ساختند خليل را درمبان آتش نمرود خلوتكاه ساختند وصديق اكبررا بامهتر عالم دران كوشة غار خلوتكاه ساختند همجنين هركجا مؤمنين وموحدين است اورا خلوتكاهى است وآن سينة عزيز وى است وغار سروة نزول كاه لطف الهى وموضع نظر ربانى ] روى ابو هريرة رضى اللّه عنه عن النبى صلّى اللّه عليه وسلّم انه قال ( سبح يونس فى بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بارض غربية فقال تعالى ذلك عبدى يونس هصتمة فحبسته فى بطن الحموت فى البحر قالوا العبد الصالح الذى كان يصعد اليك منه فى يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا له فامر الحوت فقذفه بالسالح فى ارض نصيبين ) وهى بلدة قاعدة ديار ربيعة ١٤٥ { فنبذناه بالعراء } النبذ القاء الشئ الخالى عن البناء والاشجار المظلة لتعريه عما يستر اهله ومعارى الانسان الاعضاء التى من شأنها ان تعرى كاليد والوجه والرجل . والاسناد المعبر فى قوله فنبذناه من قبيل اسناد الفعل الى السبب الحامل على الفعل فالمعنى فحملنا الحوت على لفظه ورميه بالمكان الخالى عما يغطيه من شجرا ونبت { وهو سقيم } اى عليل البدن من اجل ما ناله فى بطن الحوت من ضعف بدنه فصار كبدن الطفل ساعة يولد لا قوة له او بلى لحمه ونتف شعره حتى صار كالفرخ ليس عليه شعر وريش ورق عظمه وضعف بحيث لا يطيق حر الشمس وهبوب الرياح وفيه اشارة الى ان القلب وان تخلص من سجن النفس وبحر الدنيا يكون سقيما بانحراف مزاجه القلبى بمجاورة صحبة النفس واستراق طبعها ١٤٦ { وانبتنا عليه } اى فوقه مظللة عليه { شجرة من يقطين } يفعيل مشتق من قطن بالمكان اذا اقام به كاشتقاق الينبوع من نبع فهو موضوع لمفهوم كلى متناول للقرع والبطيخ والقثاء والقثد والحنظل ونحوها مما كان ورقه كله منبسطا على وجه الارض ولم يقم على ساق واحدته يقطينة وفى القاموس اليقطين مالا ساق له من النبات ونحوه وبهاء القرعة الرطبة انتهى اطلق هنا على الفرع استعمالا للعام فى بعض جزئياته قال ابن الشيخ ولعل اطلاق اسم الشجر على القرع مع ان الشجر فى كلامهم اسم لكل نبات يقوم على ساقه ولا ينبسط على وجه الارض مبنى على انه تعالى انبت عليه شجرة صارت عريشا لما نبت تحتها من القرع بحيث استولى القرع على جميع اغضانها حتى صارت كأنها شجرة من يقطين وكان هذا الانبات كالمعجزة ليونس فاستظل بظلها وغطته باوراقها عن الذباب فانه لا يقع عليها كما يقع على سائر العشب وكان يونس حين لفظه البحر متغيرا يؤلمه الذباب فسترته الشجرة بورقها . قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انك تحب القرع قال ( اجل هى شجرة اخى يونس ) وعن ابى يوسف لو قال رجل ان رسول اللّه كان يحب القرع مثلا يقال الآخر انا لا احبه فهذا كفر يعنى اذا قاله على وجه الاهانة والاستخفاف والا فلا يكفر على ما قاله بعض المتأخرين وروى انه تعالى قيض له اروية وهى الانثى من الوعل تروح عليه بكرة وغشية فيشرب من لبنها حتى اشتد لحمه ونبت شعره وعادت قوته ١٤٧ { وارسلناه الى مائة الف } هم قومع الذين هرب منهم والمراد ارساله السابق وهو ارساله اليهم قبل ان خرج من بينهم والتقمه الحوت . اخبر او لا بانه من المرسلين على الاطلاق ثم اخبر بانه قد ارسل الى مائة الف جمة وكان توسيط تذكير وقت هربه الى الفلك وما بعده بينهما لتذكير سببه وهو ما جرى بينه وبين قومه من انذاره اياهم عذاب اللّه وتعيينه لوقت حلوله وتعللهم وتعليقهم لايمانهم بظهور اماراته ليعلم ان ايمانهم الذى سيحكى بعد لم يكن عقيب الارسال كما هو المتبادر من ترتب الايمان عليه بالفاء بل بعد اللتيا والتى { او يزيدون } اى فى مرأى الناظر فانه اذا نظر اليهم قال انهم مائة الف او يزيدون عليها عشرين الفا او ثلاثين او سبعين فاو التى للشك بالنسبة الى المخاطبين اذ الشك على اللّه محال والغرض وصفهم بالكثرة وهذا هو الجواب عن كل ما يشبه هذا كقوله { عذرا او نذرا . لعله يذكر او يخشى . لعلهم يتقون او يحدث لهم ذكرى } وغير ذلك ١٤٨ { فآمنوا } اى بعد ما شاهدوا علائم حلول العذاب ايمانا خاصا { فمتعناهم } اى بالحياة الدنيا وابقيناهم { الى حين } قدره اللّه سبحانه لهم وهذا كناية عن رد العذاب عنهم وصرف العقوبة روى ان يونس عليه السلام نام يوما تحت الشجرة فاستيقظ وقد يبست فخرج من ذلك العراء ومر بجانب مدينة نبنوى فرأى هنالك غلاما يرعى الغنم فقال له من انت يا غلام فقال من قوم يونس قال فاذا رجعت اليهم فاقرأ عليهم منى السلام واخبرهم انك قد لقيت يونس ورأيته فقال الغلام ان تكن يونس فقد تعلم ان من يحدث ولم يكن له بينة قتلوه وكان فى شرعهم ان من كذب قتل فمن يشهد لى فقال له يونس تشهد لك هذه الشجرة وهذه البقعة فقال الغلام ليونس مرهما بذلك فقال لهما اذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له قالتا نعم فرجع الغلام الى قومه فاتى الملك فقال انى لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام فامر الملك ان يقتل فقال ان لى بينة فارسل معه جماعة فانتهوا الى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام انشد كما اللّه عز وجل اى اسألكما باللّه تعالى هل اشهد كما يونس قالتا نعم فرجع القوم مذعورين فاتوا الملك فحدثوه بما رأوا فتناول الملك يد الغلام فاجلسه فى منزله وقال له انت احق منى بهذا المقام والملك فاقام بهم الغلام اربعين سنة روى فى بعض التفاسير ان قومه آمنوا فسألوه ان يرجع اليهم فابى يونس لان النبى اذا هاجر لم يرجع اليهم مقيما فيهم وروى انه لما استيقظ فوجد انه قد يبست الشجرة فاصابته الشمس حزن لذلك حزنا شديدا فجعل يبكى فبعث اللّه اليه جبرائيل وقال قل له أتحزن على شجرة لم تخلقها انت ولم تنبتها ولم تربها وانا الذى خلقت مائة الف من الناس او يزيدون تريد منى ان استأصلهم فى ساعة واحدة وقد تابوا وتبت عليهم فاين رحمتى يا يونس وانا ارحم الراحمين وما احسن ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ترغيبا للعبد فيما يوصله الى ما خلق له وتفضيلا لهذا الموصل على هدم النشأة الانسانية وان كان ذلك الهدم واقعا بموجب الامر وكان للهادم رتبة اعلاء كلمة اللّه وثواب الشهادة ( ألا انبئكم بما هو خير لكم وافضل من ان تلقوه عهدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم ذكر اللّه ) اى ما هو خير لكم ما ذكر اللّه تعالى فابقاه هذه النشأة افضلمن هدمها وان كان بالامر وفى كشف الاسرار [ در قصه آورده اندكه جون يونس عليه السلام ازان ظلمت نجات يافت وازان نحنت برست وباميان قوم خودشد وحى آمد بوى كه فلان مرد فخارى را كوى تا آ ، خنورهاى ويرانها كه باين يكسال ساخته فخار بخشايشى كرد وكفت بار خدايا مرا رحمت مى آيد بارن مرد كه يكساله عمل وى تباه خواهى كرد ونيست ميشود وبرصد هزار مرد از بندكان من بخشايش ننمودى وهلاك وعذاب ايشان خواستى ( يا يونس لم تخلقهم ولو خلقتهم لرحمتهم ) بشر حافى را رحمه اللّه بخواب ديدند كفتند حق تعالى باتونجه كرد كفت بامن عتاب كرد كفت اى بشر آن همه خوف ووجل در دنيا ترا از بهر جه بود ( اما علمت ان الرحمة والكرم صفتى ) فردا مصطفى عربى را عليه السلام دركنهكاران امت شفاعت دهد تا آنكه كه كويد خداوند مرا درحق كسانى شفاعت ده كه هرنيكى نكرده اند فيقول اللّه عز وجل يا محمد اين يكى مراست حق من وسزاى منست آنكه خطاب آيدكه ( اخرجوا من النار من ذكرنى مرة فى مقام او خاف منى فى وقت ) اين آن رحمتست كه سؤال دروى كم كشت اين آن لطف است كه انديشه دروى نيست كشت اين آن كرم است كه وهم درو متحير كشت اين آن فضلست كه حد آن ازغايت اندازه د ركذشت. اى بنده اكر طاعت كنى قبول بر من . ورسؤال كنى عطا بر من . وركناه كنى عفو بر من . آب در جوى من . راحت دركوى من . طرب در طلب من . انس باجمال من . سرور ببقاى من . شادى بلقاى من ] قال الكاشفى { فمتعناهم الى حين } [ بس برخور دارى داديم ايشانرا تاهنكام اجل ايشان وبعد ازانكه متقاضى اجل باسترداد وديعت روح متوجه كردد نه بمدافعت ابطال منع او ميسر است ونه ببذل اموال دفع او متصور ] روزى كه اجل دست كشايد بستيز ... وزبهر هلاك بركشد خنجرتيز نه وقت جدل بود نه هنكام دخيل ... نه روى مقاومت نه يا راى كريز وصارت قصة يونس آخر القصص لما فيها من ذكر عدم الصبر على الاذى والاباق كما انهم اخروا ذكر الحلاج فى المناقب لما صدر منه من الدعوى على الاطلاق ولعل عدم ختم هذه القصة وقصة لوط بما ختم به سائر القصص من ذكر السلام وما يتبعه للتفرقة بينهما وبين ارباب الشرائع الكبار واولى العزم من الرسل او اكتفاء بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكورين فى آخر السورة قاله البيضاوى والشيخ رشيد الدين فى كشف الاسرار واورده المولى ابو السعود فى تفسير بصيغة التمريض يقول الفقير وجهه ان الياس ويونس سواء فى ان كلا منهما ليس من ارباب الشرائع الكبار واولى العزم من الرسل فلا بد لتخصيص احدهما بالسلام من وجه وان التسليم المذكور فى آخر السورة شامل لكل من ذكر هنا ومن لم يذكر فحينئذ كان الظاهر ان يقتصر على ذكر سلام نوح ونحوه ثم يعمم عليهم وعلى غيرهم ممن لم يكن فى درجتهم ١٤٩ { فاستفتهم } [ بس برس از ايشان ] اى اذا كان اللّه موصوفا بنعوت الكمال والعظمة والجلال متفردا بالخلق والربوبية وجميع الانبياء مقرين بالعبودية داعين للعبيد الى حقيقة التزنه والتوحيد فاستخبر على سبيل التوبيخ والتجهيل قريشا وبعض طوائف العرب نحو جهينة وبنى سلمة وخزاعة وبنى مليح فانهم كانوا يقولون ان اللّه تعالى تزوج من الجن فخرجت منها الملائكة فهم بنات اللّه ولذا يسترهن عن العيون فاثبتوا الاولاد لله تعالى ثم زعموا انها من جنس الاناث لا من جنس الذكور وقسموا القسمة الباطلة حيث جعلوا الاناث لله تعالى وجعلوا الذكور لانفسهم فانهم كانوا يفتخرون بذكور الاولاد ويستنكفون من البنات ولذا كانوا يقتلونهن ويدفنونهن حياء قال تعالى { واذا بشر احدكم بالانثى ظل وجه مسودا وهو كظيم } الآية ومن هنا انه من رأى فى المنام انه اسود وجهه فنه يولد له بنت والذى يستنكف منه المخلوق كيف يمكن اثباته للخالق كما قال تعالى { ألربك البنات } اللاتى هن اوضع الجنسين { ولهم البنون } الذين هم ارفعهما وفيه تفضيل لانفسهم على ربهم وذلك مما لا يقول به من له ادنى شئ من العقل وهذا كقوله { ألكم الذكر وله الانثى تلك الذا قسمة ضيزى } اى قسمة جائرة غير عادلة وفيه اشارة الى كمال جهالة الانسان وضلالته اذا وكل الى نفسه الخسيسة وخلى الى طبيعته الركيكة انه يظن بربه ورب العالمين نقائص لا يستحقها ادنى عاقل بل غافل من اهل الدنيا برى ذاتش او تهمت ضد وجنس ... غنى ذاتش از تهمت جن وانس نه مستغنى از طاعتش بشت كست ... نه برحرف او جاى انكشت كس ثم انتقل الى تبكيت آخر ١٥٠ { ام خلقنا الملائكة اناثا } الاناث ككتاب جمع الانثى اى بل ام خلقنا الملائكة الذين هم من اشرف الخلائق وابعدهم من صفات الاجسام ورذائل الطبائع اناثا والانوثة من اخس صفات الحيوان ولو قيل لادناهم فيك انوثة لتمزقت نفسه من الغيظ لقائله ففى جعلهم الملائكة اناثا استهانة شدية بهم { وهم شاهدون } حال من فاعل خلقنا مفيد للاستهزاء والتجهيل اى والحال انهم حاضرون حينئذ فيقدمون على ما يقولون فان امثال هذه الامور لا تعلم الا بالمشاهدة اذ لا سبيل الى معرفتها بطريق العقل الصرف بالضرورة او بالاستدلال اذ الانوثة ليست من لوازم ذاتهم بل من اللوازم الخارجية وانتفاء النقل مما لا ريب فيه لا بد ان يكون القائل بانوثتهم شاهدا اى حاضرا عند خلقهم اذ اسباب العلم هذه الثلاثة فكيف جعلوهم اناثا ولم يشهدوا خلقهم ثم استأنف ١٥١ { ألا } حف تنبيه : يعنى [ بدانكه ] { انهم من افكهم } اى من اجل كذبهم الاسوء وهو متعلق بقوله { ليقولون } ١٥٢ { ولد اللّه } [ بزاد خداى تعالى يعنى براى او بزادند آن ] يعنى مبنى مذهبهم الفاسد لسي الا الافك الصريح والافتراء القبيح من غير ان يكون لهم دليل او شبهة قطعا . والولد يعم الذكور والاناث والقليل والكثير وفيه تجسيم له تعالى وتجويز الفناء عليه لان الولادة مختصة بالاجسام القابلة للكون والفسادن { وانهم لكاذبون } فى قولهم ذلك كذبا بينا لا ريب فيه ١٥٣ { أصطفى البنات على البنين } بفتح الهمزة على انها همزة استفهام للانكار والاستبعاد دخلت على الف الافتعال اصله أصطفى فحذفت همزة الافتعال التى هى همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام . والاصطفاء اخذ صفوة الشئ لنفسه اى أتقولون انه اختار البنات على البنين مع نقصانهن رضى بالاخص الادنى : وبالفارسية [ آيا بركزيد خداى تعالى دخترانرا كه مكروه طباع شماند به بسران كه مادة افتخار واستظهار شما ايشانند ] ١٥٤ { ما لكم } أى شئ لكم فى هذه الدعوى وقال الكاشفى [ جيست شمارا قسمت ] { كيف تحكمون } على الغنى عن العالمين بهذا الحكم الذى تقضى ببطلانه بديهة العقول ارتدعوا عنه فانه جور : وبالفارسية [ جكونه حكم ميكنيد ونسبت ميدهيد بخداى آنرا كه براى خود نمى بسنديد ] قال ابن الشيخ جملتان استفهاميتان ليس لاحديهما تعلق بالاخرى من حيث الاعراب استفهم او لا عما استقر لهم وثبت استفهام انكار ثم استفهم تعجب من حكمهم هذا الحكم الفاسد وهو ان يكون احسن الجنسين لانفسهم واخسهما لربهم ١٥٥ { أفلا تذكرون } بحذف احدى التائبين فانه مركوز فى عقل زكى وغبى ثم انتقل الى تبكيت آخر ١٥٦ { ام لكم سلطان مبين } اى هل لكم حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بان الملائكة بنات اللّه ضرورة ان الحكم بذلك لا بد له من سند حسى او عقلى وحيث انتفى كلاهما فلا بد من سند نقلى ١٥٧ { فائتوا بكتابكم } الناطق بصحة دعواكم : وبالفارسية [ بس بياريد آن كتاب منزل را ] فالباء للتعدية { ان كنتم صادقين } فيها فاذا لم ينزل عليكم كتاب سماوى فيه ذكر ذلك الحكم فلم تصرون على الكذب ثم التفت الى الغيبة للايذان بانقطاعهم عن الجواب وسقوطهم عن درجة الخطاب واقتضاء حالهم ان يعرض عنهم ويحكى جناياتهم لآخرين ١٥٨ { وجعلوا بينه } تعالى { وبين الجنة } الجنة بالكسر جماعة الجن والملائكة كما فى القاموس والمراد هنا الملائكة وسموا جنة لاجتنانهم واستتارهم عن الابصار ومنه سمى الجنين وهو المستور فى بطن الام والجنون لانه خفاء العقل . والجنة بالضم الترس لانه يجن صاحبه ويستره . والجنة بالفتح لانها كل بستان ذى شجر يستر باشجاره الارض فمن له اجتنان عن الاعين جنس يندرج تحته الملائكة والجن المعروف قالوا الجن واحد ولكن من خبث من الجن ومرد وكان شرا كله فهو شيطان ومن طهر منهم ونسك وكان خيرا فهو ملك قال الراغب الجن يقال على وجهين احدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بازاء الانس فعلى هذا يدخل فيه الملائكة والشياطين فكل ملائكة جن وليس كل جن ملائكة وقيل بل الجن بعض الروحانيين وذلك ان الروحانيين ثلاثة اخيار وهم الملائكة واشرار وهم الشياطين واوساط فهم اخيار واشرار وهم الجن ويدل على ذلك قوله تعالى { قل اوحى الىّ انه استمع نفر من الجن } الى قوله { ومنا القاسطون } { نسبا } النسب والنسبة اشتراك من جهة الابوين وذلك ضربان نسب بالطول كالاشتراك بين الآباء والابناء ونسب بالعرض كالنسبة بين الاخوة وبنى العم وقيل فلان نسيب فلان اى قريبة . والمعنى وجعل المشركون بما قالوا نسبة بين اللّه وبين الملائكة واثبتوا بذلك جنسية جامعة له وللملائكة وفى ذكر اللّه الملائكة بهذا الاسم فى هذا الموضع اشارة الى ان من صفته الاجتنان وهو من صفات الاجرام لا يصلح ان يناسب من لا يجوز عليه ذلك وفيه اشارة الى جنة الانسان وقصور نظر عقله عن كمال احدية اللّه وجلال صمديته اذا وكل الى نفسه فى معرفة ذات اللّه وصفاته فيقيس ذاته على ذاته وصفاته على صفاته فيثبت له نسبا كما له نسب ويثبت له زوجة وولدا كما له زوجة وولد ويثبت له جوارح كما له جوارح ويثبت له مكانا كما له مكان تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا وهو يقول تبارك وتعالى { ليس كمثله شئ وهو السميع البصير } جهان متفق بر الهيتش ... فرومانده از كنه ما هيتش بشر ما وراى جلالش نيافت ... بصر منتهاى كمالش نيافت نه ادراك در كنه ذاتش رسد ... نه فكرت بنور صفاتش رسد ثم ان هذا وهو قوله تعالى { وجعلوا بينه } الخ عبارة عن قولهم الملائكة بنات اللّه وانما اعيد ذكره تمهيدا لما يعقبه من قوله { ولقد علمت الجنة } اى وباللّه لقد علمت الجنة التى عظموها بان جعلوا بينها وبينه تعالى نسبا وهم الملائكة { انهم } اى الكفرة { لمحضرون } النار معذبون بها لا يغيبون عنها لكذبهم وافرائهم فى ذلك والمراد به المبالغة فى التكذيب ببيان ان الذى يدعى هؤلاء المشركون لهم تلك النسبة ويعلمون انهم اعلم منهم بحقيقة الاحل يكذبونهم فى ذلك ويحكمون بانهم معذبون لاجله حكما مؤكدا قال فى كشف الاسرار [ نحويان كفتند جون ان از قفاى علم وشهادت آيد مفتوح بايد مكر كه در خبر لام آيد آنكه مكسور باشد ] كقول العرب اشهد ان فلانا عاقل وان فلانا لعاقل وجهه ان ان المكسور لا تغير معنى الجملة واللام الداخلة على الخبر لتأكيد معنى الجملة ثم ان اللّه تعالى نزه نفسه عما قالوه من الكذب ١٥٩ { سبحان اللّه } اى تنزه تعالى تنزها لائقا بجنابه { عما يصفون } به من الولد والنسب او نزهوه تنزيها عن ذلك او ما ابعد وما انزه من هؤلاء خلقه وعبيده عما يضاف اليه من ذلك فهو تعجب من كلمتهم الحمقاء وجعلتهم العوجاء ١٦٠ { الا عباد اللّه المخلصين } استثناء منقطع من الواو فى يصفون اى يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصين الذين اخلصهم اللّه بلطفه من الواث الشكوك والشبهات ووفقهم للجريان بموجب اللب برءا من ان يصفوه به وجعل ابو السعود قوله سبحان اللّه عما يصفون بتقدير قول معطوف على علمت الملائكة ان المشركين لمعذبون لقولهم ذلك وقالوا سبحان اللّه عما يصفون به من الولد والنسب لكن عباد اللّه المخلصين الذين نحن من جملتهم برءاء من ذلك الوصف بل نصفه بصفات العلى فيكون المستثنى ايضا من كلام الملائكة ١٦١ { فانكم } ايها المشركون عود الى خطابهم لاظهار كمال الاعتناء بتحقيق مضمون الكلام { وما تعبدون } ومعبوديكم وهم الشياطين الذين اغووهم ١٦٢ { ما انتم } ما نافية وانتم خطاب لهم ولمعبوديهم تغليبا للمخاطب على الغائب { عليه } الضمير لله وعلى متعلقة بقوله { بفاتنين } الفاتن هنا بمعنى المضل والمفسد يقال فتن فلان على فلان امرأته اى افسدها عليه واضلها حاملا اياها على عصيان زوجها فعدى الفاتن بعلى لتضمينه معنى الحمل والبعث . والمعنى ما انتم بفاتنين احدا من عباده اى بمضلين ومفسدين بحمله على المعصية والخلاف فمفعول فاتنين محذوف ١٦٣ { الا من هوصال الجحيم } منهم اى داخلها لعلمه تعالى بانه يصر على الكفر بسوء اختياره ويصير من اهل النار لا محالة فيضلون بتقدير اللّه من قدر اللّه ان يكون من اهل النار واما المخلصون منهم فانهم بمعزل عن افسادهم واضلالهم فهم لا جرم برءاء من ان يفتنوا بكم ويسلكوا مسلككم فى وصفه تعالى بما وصفتموه به . قوله صال بالكسر اصله صالى على وزن فاعل من الصلى وهو الدخول فى النار يقال صلى فلان النار يصلى صليا من الباب الرابع دخل فيها واحترق فاعل كقاض فلما اضيف الى الجحيم سقط التنوين وافرد حملا على لفظ من واحتج اهل السنة والجماعة بهذه الآية وهى قوله { فانكم } الخ على انه لا تأثير لالقاء الشيطان ووسوسته ولا لاحوال معبودهم فى وقوع الفتنة وانما المؤثر هو قضاء اللّه وتقديره وحكمه بالشقاوة ولا يلزم منه الجبر وعدم لوم الضال بما كسبا لما اشير اليه من انهم لا يقدرون على اضلال احد الا اضلال من علم اللّه منه اختيار الكفر والاصرار عليه وعلم اللّه وتقديره وقضاؤه فعلا من افعال المكلفين لا ينافى اختيار العبد وكسبه هركه در فعل خود بود مختار ... فعل او دور باشد از اجبار بهر آن كرد امر ونهى عباد ... تاشود ظاهر انقياد وعناد زايد از انقياد حب ورضا ... وزخلاف وعناد سوء قضا بس بود امر ونهى شرط ظهور ... فعلها را ز بندة مأمور ١٦٤ { وما منا } حكاية اعتراف الملائكة للرد على عبدتهم كأنه قيل ويقول الملائكة الذين جعلتموهم بنات اللّه وعبدتموهم بناء على ما زعمتم من ان بينهم وبينه تعالى مناسبة وجنسية جامعة وما منا احد اى ملك على حذف الموصوف واقامة الصفة مقامه فالموصوف المقدر فى الآية مبتدأ وقوله { الا له مقام معلوم } صفة وما مقدم خبره اى احد استثنى منه من له مقام معلوم ليس منا يعنى لكل واحد منا مرتبة فى المعرفة والعبادة والانتهاء الى امر اللّه فى تدبير العالم مقصور عليها لا يتجاوزها ولا يستطيع ان ينزل عنها قدر ظفر خضوعا لعظمته وخشوعا لهيبته وتواضعا لجلاله كما روى فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه ففيه تنبيه على فساد قول المشركين انهم اولاد اللّه لان مبالغتهم فى اظهار العبودية تدل على اعترافهم بالعبودية فكيف يكون بينه تعالى وبينهم جنسية قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ما فى السموات موضع شبر الا وعليه ملك يصلى او يسبح بل والعالم مشحون بالارواح فليس فيه موضع بيت ولا زاوية الا وهو معمور بما لا يعلمه الا اللّه ولذا امر النبى عليه الصلاة والسلام بالتستر فى الخلوة وان لا يجامع الرجل امرأته عريانين وقال السدى { الا له مقام معلوم } فى القربة والمشاهدة وقال ابوبكر الوراق قدس سره { الا له مقام معلوم } يعبد اللّه عليه كالخوف والرجاء والمحبة والرضى : يعنى [ مراد مقامات سنيه است جون خوف ورجا ومحبت ورضا كه هريك از مقربان حظائر ملكوت ومقدسان صوامع جبروت در مقامى ازان ممكن اند ] وفى التأويلات النجمية يشير الى ان للملك مقاما معلوما لا يتعدى حده وهو مقام الملك الروحانى او الكروبى فالروحانى لا يعبر عن مقامه الى مقام الكروبى لا يقدم على مقام الروحانى فلا عبور لهم من مقامهم الى مقام فوق مقامهم ولا نزول لهم الى مقام دون مقامهم ولهم بهذا فضيلة على انسان بقى فى اسفل سافلين فى الدرك الاسفل من النار وللذين عبروا منهم عن اسفل سافلين بالايمان والعمل الصالح وصعدوا على اعلى عليين بل ساروا الى مقام قاب قوسين بل طاروا الى منزل او أدنى فضيلة عليهم ولهذا امروا بسجدة اهل الفضل منهم فقعوا له ساجدين فللانسان ان يتنزل من مقام الانسانية الى دركة الحيوانية كقوله تعالى { اولئك كالانعام بل هم اضل } وله ان يترقى بحيث يعبر عن المقام الملكى ويقال له تخلقوا باخلاق اللّه انتهى وقال جعفر رضى اللّه عنه الخلق مع اللّه على مقامات شتى من تجاوز حده هلك فللانبياء مقام المشاهدة والمرسل مقام العيان وللملائكة مقام الهيبة وللمؤمنين مقام الدنو وللعصاة مقام التوبة وللكفار مقام الغفلة والطرد واللعنة وقال الحسين قدس سره المرديون يتحولون من مقام الى مقام والمرادون يتجاوزون المقامات الى رب المقامات وقال بعضهم العارف يأكل فى هذه الدار الحلوى والعسل فهذا مقامه والكامل المحقق يأكل فيها الحنظل لا يتلذذ فيها بنعمة لاشتغال بما كلفه اللّه تعالى من الشكرعليها وغير ذلك من تحمل هموم الناس فكم من فرق بين المقامين واهل الفناء وان تألموا هنا ولكن ذلك ليس بالم بل اشد العذاب والالم فيما اذا رأى اهل الذوق مراتب اهل الفناء فوقهم واقله التألم من تقدمهم باش تافانى شود احوال تو ... بكزرد از حال كل تا حال تو از مقامى ساز بقعه خويش را ... كه بماند جمله زير بال تو ١٦٥ { وانا لنحن الصافون } فى مواقف الطاعة ومواطن الخدمة : وبالفارسية [ وبدرستى كه ما صف كشيد كانيم در مواقف در طاعات ومواضع خدمت ] قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر ليس للملائكة نافلة انما هم دائما فى فرائض بعدد انفاسهم فلا نفل لهم بخلاف البشر انتهى قيل ان المسلمين انما اصطفوا فى الصلاة منذ نزلت هذه الآية وليس يصطف احد من اهل الملل فى صلاتهم غير المسلمين يقول الفقير الاصطفاف فى الصلاة حصل بفعل النبى صلّى اللّه عليه وسلّم فى اول ما صلى من الصلوات وهى صلاة الظهر فانه لما نزل من المعراج وزالت الشمس امر فصيح باصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى به عليه السلام جبريل وصلى النبى عليه السلام بالناس الا ان يتفق نزول الآية فى ذلك الوقت ولكن كلام القائل يقتضى كونهم مقيمين للصلاة فرادى قبل نزولها كما قال قتادة كان الرجال والنساء يصلون معا حتى نزلت { وما منا الا له مقام معلوم } فتقدم الرجل وتأخر النساء فكانوا يصلون منفردين حتى نزلت { وانا لنحن الصافون } ١٦٦ { وانا لنحن المسبحون } المقدسون لله تعالى عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه وتحلية كلامهم بفنون التأكيد لابراز صدوره عنهم بكمال الرغبة والنشاط قال البيضاوى ولعل الاول اشارة الى درجاتهم فى الطاعات وهذا فى المعارف انتهى قال بعض الكبار للملائكة الترقى فى العلم لافى العمل فلا يترقون بالاعمال كما لا نترقى باعمال الآخرة اذا انتقلنا اليها واما الانسان فله الترقى فى العلم والعمل ولو ان الملائكة ما كان لها الترقى فى العلم ما قبلت الزيادة حين علمه الاسماء كلها فانه زادهم علما بالاسماء لم يكن عندهم قال البقلى رحمه اللّه لما كانوا من اهل المقامات افتخروا بمقاماتهم فى العبودية من الصلاة والتسبيح ولو كانوا من اهل الحقائق فى المعرفة لفنوا عن ملاحظة طاعاتهم من استيلاء انوار مشاهدة الحق وفى التأويلات النجمية ولو كان من مفاخر الملك ان يقولوا وانا لنحن الصافون يعنى فى الصلاة والعبودية فان للانسان معه شركة فى هذا وللانسان صف يحبه اللّه وليس للملك فيه شركة وذلك قوله { ان اللّه يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بينان مرصوص } وان يقولوا { وانا لنحن المسبحون } ايضا للانسان معهم شركة ومن مفاخر الانسان ان يقولوا انا لنحن المحبون وانا لنحن المحبوبون وهم المخصوصون به فى الترقى من مقام المحبية الى مقام المحبوبية انتهى وهذا بالنسبة الى اكاملهم وافاضلهم لفظ انسان يكى ولى هركس ... زده ازوى بقدر خويش نفس جنبش هركسى زجاى ويست ... روى هركس بفكر ورأى ويست تابر اهل طلب خداى مجيد ... متجلى نشد باسم مريد يا رادت كسى نشد موصوف ... بمحبت كسى نشد معروف ١٦٧ { وان كانوا ليقولون } ان هى المخففة من الثقيلة وضمير الشان محذوف واللام هى الفارقة بينها وبين النافية وفى الاتيان بان المخففة واللام اشارة الى انهم كانوا يقولون ما قالوه مؤكدين جادّين فيه فكم بين اول امرهم وآخره . والمعنى وان الشان كان قريش تقول قبل المبعث ١٦٨ { لو ان عندنا ذكرا من الاولين } اى كتابا من كتب الاولين من التوراة والانجيل : وبالفارسية [ اكر بودى نزديك ما كتابى كه سبب بند ونصيحت بودى ] ١٦٩ { لكنا عباد اللّه المخلصين } اى لاخلصنا العبادة لله ولما خالفنا كما خالفوا ١٧٠ { فكفروا به } الفاء فصيحة اى فجاءهم ذكر أى ذكر سيد الاذكار وكتاب مهيمن على سائر الكتب والاسفار وهو القرآن فكفروا به وانكروه وقالوا فى حقه وفى حق من انزل عليه ما قالوا { فسوف يعلمون } اى عاقبة كفرهم وغائلته من المغلوبية فى الدنيا والعذاب العظيم فى العقبى وهو وعيد لهم وتهديد وفيه اشارة الى تنزل الانسان الى الدرك الاسفل والى ان مآل الدعوى بلا تطبيق للصورة بالمعنى خزى وقهر لا يصلون مع الفرائض الا ما لا بد منه من مؤكدات النوافل خوفا ان يقوم بهم دعوى انهم اتوا بالفرائض على وجه الكمال الممكن وزادوا على ذلك فانه لا نفل الا عن كمال فرض ونعم ما فهموا ولكن ثم ما هو اعلى وهو ان يكثروا من النوافل توطئة لمحبة اللّه لهم عن كمال فرض ونعم ما فهموا ولكن ثم ما هو اعلى وهو ان يكثروا من النوافل توطئة لمحبة اللّه لهم ثم يرون ذلك جبرا لبعض ما فى فرائضهم من النقص وفى الحديث ( حسنوا نوافلكم فبها تكمل فرائضكم ) وفى المرفوع ( النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن احدكم هديته وليطيبها ) ولكون الهدية سببا للمحبة قال عليه السلام ( تهادوا تحابوا ) واعلم ان القرآن ذكر جليل انزل تذكيرا للناس وطردا للوسواس الخناس فانه كلما ذكر الانسان خنس الشيطان اى تأخر والقرآن وان كان كله ذكرا لكن ما كل آى القرآن يتضمن ذكر اللّه فان فيه حكاية الاحكام المشروعة وفيه قصص الفراعنة وحكايات اقوالهم وكفرهم وان كان فى ذلك الاجر العظيم من حيث هو قرآن بالاصغاء الى القارئ اذا قرأه من نفسه وغيره فذكر اللّه اذا سمع فى القرآن اتم من استماع قول الكافرين فى اللّه ما لا ينبغى فالاول من قبيل استماع القول الاحسن والثانى من استماع قول الحسن والثانى من استماع القول الحسن فاعرف ذلك . ويستحب لقارئ القرآن فى المصحف ان يجهر بقراءته ويضع يده على الآية يتتبعها فيأخذ اللسان حظه من الرفع ويأخذ البصر حظه من النظر واليد حظها من المس وكان كبار السلف يقرأون على سبيل التأنى والتدبر للوقوف على اسراره وحقائقه كما حكى ان الشيخ العطار قدس سره كان يختم فى اوائله فى كل يوم ختمة وفى كل ليلة ختمة ثم لما آل الامر الى الشهود واخذ الفيض من اللّه ذى الجود بقى فى السبع الاول من القرآن اكثر من عشرين سنة ومن اللّه العناية والهداية ١٧١ { ولقد سبقت } اى وباللّه لقد تقدمت فى الازل او كتبت فى اللوح المحفوظ ثم ان السبق والتقدم الموقوف على الزمان انما هو بالنسبة الى الانسان والا فالامر بالاضافة الى اللّه كائن على ما كان { كلمتنا } وعدنا على ما لنا من العظمة { لعبادنا } الذين اخلصوا لنا العبادة فى كل حركة وسكون { المرسلين } الذين زدناهم على شرف الاخلاص فى العبودية شرف الرسالة ثم فسر ذلك الوعد بطريق استئناف ١٧٢ { انهم لهم } خاصة { المنصورون } فمن نصرناه فلا يغلب كما ان من خذلناه لا يغلب ثم عمم ١٧٣ فقال { وان جندنا } اى من المرسلين واتباعهم المؤمنين والجند العسكر { لهم } اى لا غيرهم { الغالبون } على اعدائهم فى الدنيا والآخرة وان رؤى انهم مغلوبون فى بعض المشاهد لان العاقبة لهم والحكم للغالب والنادر كالمعدوم والمغلوبية لعارض كمخالفة امر الحاكم وطمع الدنيا والعجب والغرور ونحو ذلك لا تقدح فى النصر المقضى بالذات . والنصر منصب شريف لا يليق الا بالمؤمن واما الكافر فشأنه الاستدراج وغاية الخذلان وقال بعضهم لم يرد بالنصر هذا النصر المعهود بل الحجة لان الحق انما يتبين من الباطل بالحجة لا بالسيف فاراد بذلك ان الحجة تكون للانبياء على سائر الامم فى اختلاف الاطوار والاعصار وقال الحسن البصرى رحمه اللّه اراد بالنصرة هذه النصرة بعينها دون الحجة ثم قال ما انتهى الى ان نبيا قتل فى حرب قط يقول الفقير اراد الحسن المأمور بالحرب منصور لا محالة بخلاف غير المأمور وهو التوفيق بين قوله تعالى { وتقتلون النبيين } ونظائره وبين هذه الآية وامثالها والحاصل ان المؤمنين المخلصين هم المنصورون والغالبون لان المستند الى المولى الغالب العزيز هو المنصور المظفر الغالب القاهر واعداءهم هم المنهزمون المغلوبون لان المستند الى غير اللّه خصوصا الى الحصون والقلاع المبنية من الاحجار هو المنهزم المدمر المغلوب المقهور تكيه برغير بود جهل وهوى ... نيست آنجام اعتماد سوى ثم ان جنده تعالى هم مظاهر اسمه العزيز والمنتقم ومظاهر قوله { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق } وفى التأويلات النجمية جنده الذين نصبهم لنشر دينه واقامهم لنصر الحق وتبيينه فمن اراد اذلالهم فعلى اذ قانه يخرّ والجند كما ورد فى الحديث جندان جند الوغى وجند الدعاء فلا بد لجند الوغى من عمل الوغى وشغل الحرب ولجند الدعاء من عمل الدعاء وشغل الادب فمن وجد فى قلبه الحضور واليقظة فليطمع فى الاجابة ومن وجد الفتور والغفلة فليخف عدم الاصابة كة دعاى تو مستجاب شود كه بيك روى درد ومحراب وفى الحديث ( لا تزال طائفة من امتى يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم ) اى عاداهم ( حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ) ولا شك ان الملوك العثمانية خاتمة هذه الطائفة وعيسى والمهدى عليهما السلام خاتمة الخاتمة والصيحة الواحدة الآخذة كل من بقى على الارض عند قيام الساعة من الكفرة الفجرة خاتمة خاتمة الخاتمة ١٧٤ { فتول عنهم } اى اذا علمت ان النصرة والغلبة لك ولا تباعك فاعرض عن كفار مكة واصبر على اذاهم { حتى حين } اى مدة يسيرة وهى مدة الكف عن القتال فالآية محكمة لا منسوخة بآية القتال ١٧٥ { وابصرهم } على اسوء حال وافظع نكال حل بهم من القتل والاسر والمراد بالامر بابصارهم الايذان بغاية قربه كأنه بين يديه يبصره فى الوقت والا فمتعلق الابصار لم يكن حاضرا عند الامر { فسوف يبصرون } ما يقع حينئذ من الامور وفى التأويلات وابصر احوالهم فسوف يبصرون جزاء ما عملوا من الخير والشر انتهى. وسوف للوعيد ليتوبوا ويؤمنوا دون التبعيد لان تبعيد الشئ المحذر منه كالمنافى لارادة التخويف به ولما نزل { فسوف يبصرون } قالوا استعجالا واستهزاء لفرط جهلهم متى هذا ١٧٦ {أَفَبِعَذَابِنَا يستعجلون } اى أبعد هذا التكرير من الوعيد يستعجلون بعذابنا والهمزة للانكار والتعجب يعنى تعجبوا من هذا الامر المستنكر : وبالفارسية [ آيا بعذاب ما شتاب ميكنند ووقت نزول آن مى برسند ] وفى التوراة أبى يغترون ام علىّ يجترئون : يعنى [ بمهلت دادن وفرا كذشتن من فريفته شوند يا بر من ديرى كنند ونمى ترسند ] ١٧٧ { فاذا نزل } العذاب الموعود { بساحتهم } قال فى المفردات الساحة المكان الواسع ومنه ساحة الدار انتهى وفى حواشى ابن الشيخ الساحة الفناء الخالى عن الابنية وفناء الدار بالكسر ما امتد من جوانبها معدا لمصالحها : وبالفارسية [ ييشكاه منزل ] والمعنى بفنائهم وقربهم وحضرتهم كأنه جيش قد هزمهم فاناخ بفنائهم بغتة { فساء صباح المنذرين } فبئس صباح المنذرين صباحهم اى صباح من انذر بالعذاب وكذبه فلم يؤمن واللام للجنس فان افعال المدح والذم تقتضى الشيوع والابهام والتفصيل فلا يجوز ان تكون للعهد . والصباح مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثرت منهم الاغارة فى الصباح سموها صباخحا وان وقعت ليلا قال الكاشفى [ آورده اندكه درميان عرب قتل وغارت واسر بسيار بود هر لشكر كه قصد قبيلة داشتندى شب همه شب راه ييموده وقت سحر كه خواب كرانيست بحوالة ايشان آمدندى ودست بقتل وغارت واسر وتاراج بركشاده قوم را مستأصل كردندى وبدين سبب كه اغلب غارت در صباح واقع مى شد غارت را صباح نام نهادند وهرجند در وقتى ديكر وقوع يا فتى همان صباح كفتندى ] ١٧٨ انظر تفسير الآية: ١٧٩ ١٧٩ { وتول عنهم حتى حين * وابصر فسوف يبصرون } تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اثر تسلية وتأكيد لوقوع الميعاد تأكيد مع ما فى اطلاق الفعلين عن المفعول من الايذان بان ما يبصره عليه السلام من فنون المسار وما يبصرون من انواع المضار لا يحيط به الوصف والبيان وفى البرهان حذف الضمير من الثانى اكتفاء بالاول ١٨٠ { سبحان ربك } خطاب للنبى عليه السلام وقوله { رب العزة } بدل من الاول { عما يصفون } اى نزه يا محمد من هومر بيك ومكر ومالك العزة والغلبة على الاطلاق عما يصفه المشركون به مما لا يليق بجناب كبريائه من الاولاد والازواج والشركاء وغير ذلك من الاشياء التى من جملتها ترك نصرتك عليهم كما بدل عليه استعجالهم بالعذاب قال فى بحر العلوم اضاف الرب الى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذى العزة كقولك صاحب صدق لاختصاصه بالصدق فلا عزة الا له على ان العزة ذاتية او لمن اعزه من الانبياء وغيرهم فالعزة حادثة كائنة بين خلقه وهى وان كانت صفة قائمة بغيره تعالى الا انها مملوكة له مختصة به يضعها حيث يشاء كما قال تعالى { تعز من تشاء } وفيه اشعار بالسلوب والاضافات كما فى قوله تعالى { تبارك اسم ربك ذى الجلال والاكرام } وذلك ان قوله سبحان اشارة الى السلوب كالجلال فان كل منهما يفيد ما افاد الآخر فى قولنا سبحان ربنا عن الشريك والشبيه وجل ربنا عنهما . وقوله ربك رب العزة اشارة الى الاضافات كالاكرام وانما قدم السلب على الاضافة لان السلوب كافية فيها ذاته من حيث هو هو بخلاف الاضافات فانه لابد من تحققها من غيره لان الاضافة لا توجد الا عند وجود المضافين قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام سبحان اللّه كلمة مشتملة على سلب النقص والعيب عن ذات اللّه وصفاته فما كان من اسمائه سلبا فهو مندرج تحت هذه الكلمة كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب والسلام وهو الذى سلم من كل آفة فنفينا بسبحان اللّه كل عيب عقلناه وكل نقص فهمناه . ثم ان المرسلين لما كانوا وسائط بين اللّه وبين عباده نبه على علو شانهم ١٨١ { وسلام } وسلامة ونجاة من كل المكاره وفوز بجميع المآرب { على المرسلين } الذين يبلغون رسالات اللّه الى الامم ويبينون لهم ما يحتاجون اليه من الامور الدينية والدنيوية او لهم وآخرهم محمد عليهم السلام فهو تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم فيما سبق لان تخصيص كل واحد بالذكر يطول وفى الحديث ( اذا سلمتم علىّ فسلموا على المرسلين فانما انا احدهم ) كما فى فتح الرحمن وحواشى ابن الشيخ وغيرهما وفى الحديث ( اذا صليتم علىّ فعمموا ) اى للآل والاصحاب قال فى المقاصد الحسنة لم اقف عليه بهذا اللفظ ويمكن ان يكون بمعنى صلوا علىّ وعلى انبياء اللّه فان اللّه بعثهم كما بعثنى انتهى ١٨٢ { الحمد لله رب العالمين } قال الشيخ عز الدين الحمد لله كلمة مشتملة على اثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته تعالى فما كان من اسمائه متضمنا للانبات كالعليم والقدير والسميع والبصير فهو مندرج تحتها فاثبتنا بالحمد لله كل كمال عرفناه وكل جلال ادركناه قال المولى ابو السعود هذا اشارة الى وصفه تعالى بصفاته الكريمة الثبوتية بعد التنبيه على اتصافه بجميع صفاته السلبية وايذان باستتباعها للافعال الجميلة التى من جملتها افاضته عليهم من فنون الكرامات السنية والكمالات الدينية والدنيوية واسباغه عليهم وعلى من اتبعهم من فنون النعماء الظاهرة والباطنة الموجبة لحمده تعالى واشعار بان ما وعده من النصرة والغلبة قد تحقق . والمراد تنبيه المؤمنين على كيفية تسبيحه وتحميده والتسليم على رسله الذين هم وسائط بينهم وبينه عز وجل فى فيضان الكمالات الدينية والدنيوية عليهم ولعل توسط التسليم على المرسلين بين تسبيحه تعالى وتحميده لختم السورة الكريمة بحمده مع ما فيه من الاشعار بان توفيقه عليهم من جملة نعمه الموجبة للحمد انتهى وقال بعضهم والحمد لله على اهلاك الكافرين وانجاء المؤمنين وعلى كل حال يعنى هو المحمود فى كل من الحالات ساء ام سرّ نفع ام ضرّ در بلا ودر ولا الحمد خوان ... اين بود آيين باك عاشقان وعن على رضى اللّه تعالى عنه من احب ان يكتال بالمكيال الا وفى من الاجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه سبحان ربك الخ وفى بعض النسخ من احب ان يكال له واليه الاشارة بقوله الكاشفى [ هركه دوست ميداردكه برو ييمايند مزد ثواب را به ييمانة بزر ركتر بايد كه آخر كلام او از مجلس اين آيت باشد ] يقول الفقير اصلحه اللّه القدير فللمؤمن ان يتدارك حاله بشيئين قبل ان يقوم من مجلسه احدهما بجلب الاجر الجزيل وهو بالآية المذكورة . والثانى بالكفارة وهو بما اشار اليه النبى عليه السلام فى قوله ( من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك فقد غفر له ) يعنى من الصغائر ما لم يتعلق بحق آدمى كالغيبة كما فى شرح الترغيب المسمى بفتح القريب فعلى العاقل ان لا يغفل فى مجلسه بل يذكر ربه لانسه ويختمه بما هو من باب التخلية والتحلية والتصقية والتجلية وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين |
﴿ ٠ ﴾