سُورَةُ الشُّورَى مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثٌ وَخَمْسُونَ آيَةً

١

{ حم عسق } اسمان للسورة ولذلك فصل بينهما فى الكتابة وعد آيتين بخلاف كهيعص والمص والمر فانها آية واحدة وان اسما واحدا او آية واحدة فالفصل لتطابق سائر الحواميم وفى القاموس آل حاميم او قسم او حروف الرحمن مقطعة وتمامه الرون انتهى روى الطبرى أنه جاء رجل الى ابن عباس رضى اللّه عنهما وعنده حذيفة اليمانى رضى اللّه عنه فسأله عن تفسير حم عسق فأطرق واعرض عنه حتى اعاد عليه ثلاثا فاعرض فقال له حذيفة انا انبئك بها قد عرفت لم كرهها وتركها نزلت فى رجل من اهل بيته يقال له عبد اللّه او عبد الاله ينزل على نهر من انهار المشرق فيبنى عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا فاذا اراد اللّه زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ينزل على احداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت كأنها لم تكن مكانها وتصبح صاحبتها سالمة متعجبة كيف افلتت فما هو الا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم اى من اهل المدينتين ثم يخسف اللّه بها وبهم جميعا فى الليلة القابلة فذلك قوله تعالى حم عسق اى عزمة من عزمات اللّه وفتنة حم اى قضى وقدر عدلا منه سيكون واقعا فى هاتين المدينتين ونظير هذا التفسير ما روى جرير بن عبد اللّه البجلى رضى اللّه عنه سمعت رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم يقول ( تبنى مدينتان بين دخلة ودجيل وقطربل والصراة يجتمع فيهما جبابرة الارض يجبى اليهما الخزآئن يخسف بهما ) وفى رواية باهلهما ( فلهما اسرع ذهابا فى الارض من الوتد الحديد فى الارض الرخوة ) قوله دخلة بالخاء المعجمة على وزن حمزة قرية كثيرة التمر ودجيل بالجيم كزبير شعب من دجلة نهر بغداد وقطربل بالضم وتشديد الباء الموحدة او بتخفيفها موضعان احدهما بالعراق ينسب اليه الخمر والصراة بالفتح نهر بالعراق وقال الضحاك قضى عذاب سيكون واقعا وارجو ان يكون قد مضى يوم بدر وذكر الثعلبى والقشيرى أن النبى عليه السلام لما نزلت هذه الآية عرف الكآبة فى وجهه اى اثر الحزن والملالة فقيل يا رسول اللّه ما احزنك قال ( اخبرت ببلايا تنزل بامتى من خسف ومسخ ونار تحشرهم وريح تقذفهم فى البحر وآيات متتابعات متصلات بنزول عيسى وخروج الدجال )

كفته اند حاحرفست وميم مهلكه وعين عذاب وسين مسخ وقاف قذف وثعلبى كويد ابن عباس رضى اللّه عنهما حم عسق خواندى وكفتى على رضى اللّه عنه فتنهارا باين دو لفظ دانست

وروى عن على رضى عنه أنه كان يستفيد علم الفتن والحروب من هذه الحروف التى فى اوآئل السور وقال شهر بن حوشب حم عسق حرب يذل فيها العزيز ويعز فيها الذليل من قريش ثم تفضى الى العرب الى العجم ثم هى متصلة الى خروج الدجال

يقول الفقير الفتن المتصلة بخروج الدجال بعضها قد مضى وبعضها سيقع فيما بين المائتين بعد الالف دل عليه حم وهو ثمان واربعون والعين وهو سبعون والسين وهو ستون والقاف وهو مائة لأنه قد صح أن الدجال متأخر عن المهدى وان المهدى يخرج على رأس لمائة الثالثة او على اربعة ومائتين فيقع قبيل ظهور المهدى الطامات الكبرى وقال عطاء الحاء حرب وهو موت ذريع فى الناس وفى الحيوان حتى يبيدهم ويفنيهم والميم تحويل ملك من قوم الى قوم والعين عدو لقريش يقصدهم ثم ترجع اليهم الدولة لحرمة البيت والسين هو استئصال بالسنين كسنى يوسف عليه السلام وسبى يكون فيهم والقاف قدرة اللّه نافذة فى ملكوت الارض لا يخرجون من قدرة اللّه وهى نافذة فيهم وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما الحاء حكم اللّه والميم ملك اللّه والعين علوم اللّه والسين سنا اللّه والقاف قدرة اللّه اقسم اللّه بها فكأنه يقول فبحكمى وملكى وعلوى وسناى وقدرتى لا اعذب عبدا قال لا اله اللّه مخلصا فلقينى بها ومعناه على ما قال ابو الليث فى تفسيره لا يعذبه عذابا دآئما خالدا وفى الحديث ( افتتحوا صبيانكم لا اله الا اللّه ولقنوا امواتكم لا اله الا اللّه ) والحكمة فى ذلك أن حال الصبيان حال حسن لا غل ولا غش فى قلوبهم وحال الموتى حال الاضطرار فاذا قلتم فى اول ما يجرى عليكم القلم وآخر ما يجف عليكم القلم فعسى اللّه ان يتجاوز ما بين ذلك ويقال الحاء من الرحمن والميم من المجيد والعين من العليم والسين من القدوس والقاف من القاهر ويقال الحاء حلمه والميم مجده والعين عظمته والسين سناه والقاف قدرته ويقال ان القاف اسم لجبل يحيط بالدنيا

دركشف اسرار آورده كه اين حروف ايمائيست بان عطايا كه حق سبحانه وتعالى بحضرت رسالت ارزانى داشت جاء حوض مورود اوست يعنى حوض كوثركه تشنه لبان امت را ازان سيراب كردانند وميم ملك ممدود اوكه ازمشرق تابمغرب بتصرف امت اودر آيدو عين عزموجود اوكه اعزهمه اشيا نزدحق سبحانه بوده وسين سناء مشهود اوكه مرتبه هيجكس برتبه رفعت او همه نرسيد وقاف مقام محمود اوكه درشب معراج درجه اوادناست ودر روز ميامت شفاعت كبرى

مقام تو محمود ونامت محمد ... بدين سان مقامى ونامى كه دارد

وفى التأويلات النجمية يشير الى القسم بحاء حبه وميم محبوبه محمد وعين عشقه على سيده وقاف قربه الى سيده بكمال لا يبلغه احد من خلقه

يقول الفقير الحاء هو الحجر الاسود ساد سيادة معنوية ومن صلى خلف المقام اكرم اللّه بالخلة ومن دعا عند زمزم اجابه اللّه ومن شرب من زمزم سقاه اللّه شرابا طهورا لا يبقى فيه وجعا ولا مرضا

٣

{ كذلك يوحى اليك والى الذين من قبلك اللّه العزيز الحكيم } الكاف فى حيز النصب على أنه مفعول ليوحى والجلالة فاعلة اى مثل ما فى هذه السورة من المعانى يوحى اللّه العزيز الحكيم اليك فى سائر السور والى من قبلك من الرسل فى كتبهم على أن مناط المماثلة هو الدعوة الى التوحيد والارشاد الى الحق وما فيه صلاح العباد فى المعاش والمعاد ويجوز ان يكون الكاف فى حيز النصب على انه نعت لمصدر مؤكد ليوحى اى مثل ايحاء هذه السورة يوحى اللّه العزيز الحكيم اليك عند ايحاء سائر السور والى سائر الرسل عند ايحاء كتبتهم اليهم لا ايحاء مغايرا على أن مدار المثلية كونه بواسطة الملك وانما ذكر بلفظ المضارع مع أن مقتضى المقام ان يذكر بلفظ الماضى ضرورة ان الوحى الى الذين من قبله قد مضى دلالة على استمرار الوحى وتجدده وقتا فوقتا وان ايحاء مثله عادته تعالى ويجوز ان يكون ايذانا ان الماضى والمستقبل بالنسبة اليه تعالى واحد كما فى الكواشى والعزيز الحكيم صفتان مقررتان لعلو شان الموحى به لأنه اثر من اتصف بكمال القدرة والعلم

٤

{ له ما فى السموات وما فى الارض } اى ان اللّه تعالى يختص به جميع ما فى العوالم العلومية والسفلية خلقا وملكا وعلما

{ وهو العلى } الشان

{ العظيم } الملك والقدرة والحكمة او هو العلى اى المرتفع عن مدارك العقول اذ ليس كذاته ذات ولا كصفاته صفات ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل وهو العظيم الذى يصغر عند ذكره وصف كل شىء سواه والعظيم من العباد الانبياء والعلماء الوارثون لهم فالنبى عظيم فى حق امته والشيخ عظيم فى حق مريده والاستاذ فى حق تلميذه وانما العظيم المطلق هو اللّه تعالى

٥

{ تكاد السموات } نزديك شدكه آسمانها

{ يتفطرن } التفطر شكافته شدن

واصل الفطر الشق طولا اى يتشققن من عظمة اللّه وخشيته واجلاله كقوله تعالى

{ لو انزلنا هذا القرءآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية اللّه } { من فوقهن } اى يبتدئ التفطر من جهتهن الفوقانية الى جهتهن التحتانية وتخصيصها لما أن اعظم الآيات وادلها على العظمة والجلال من تلك الجهة من العرش والكرسى وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل حول العرش وما لا يعلم كنهه الا اللّه من آثار الملكوت العظمى فكان المناسب ان يكون تفطر السموات مبتدأ من تلك الجهة بان يتفطر اولا أعلى السموات ثم وثم الى ان ينتهى الى اسفلها بان لا تبقى سماء الا سقطت على الاخرى ويقال تتشققن من دعاء الولد له كما قال تعالى فى سورة مريم

{ تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا } فتخصيصها للدلالة على التفطر من تحتهن بالطريق الاولى لأن تلك الكلمة الشنعاء الواقعة فى الارض اذا اثرت فى جهة الفوق فلأن تؤثر فى جهة التحت اولى

وقيل لنزول العذاب منهن

{ والملائكة يسبحون بحمد ربهم } ينزهونه تعالى عما لا يليق به من الشريك والولد وسائر صفات الاجسام ملتبسين بحمده تعالى

يعنى تسبيح وحمد باهم ميكويند جه يكى نفى ناسزاست ويكى اثبات سزا فقدم التسبيح على الحمد لان التخلية مقدمة على التحلية وهذا جانب الاستفاضة من اللّه والقبول ثم اشارا جانب الافاضة والتأثير بقوله

{ ويستغفرون لمن فى الارض } اى للمؤمنين بالشفاعة لقوله تعالى

{ ويستغفرون للذين آمنوا } المطلق محمول على المقيد او للمومن والكافر بالسعى فيما يستدعى مغفرتهم من الشفاعة والالهام وترتيب الاسباب المقربة الى الطاعة واستدعاء تأخير العقوبة جمعا فى ايمان الكافر وتوبة الفاسق وهذا لا ينافى كون الملائكة لاعنين للكفار من وجه آخر كما قال تعالى

{ اولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين } وفى الحديث ( ما فيها موضع اربع اصابع الا وملك واضع جبهته ساجدا لله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن فى الارض ) وهذا يدل على ان المراد بالملائكة فى الآية ملائكة السموات كلها وقال مقاتل حملة العرش واليه ذهب الكاشفى فى تفسيره ويدل عليه قوله تعالى فى اوآئل حم المؤمن

{ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } يقول الفقير تخصيص ملائكة العرش لا ينافى من عداهم فلعله من باب الترقى لان آية حم المؤمن مقيدة بحملة العرش واستغفار المؤمنين وهذه الآية مطلقة فى حق كل من الملائكة والاستغفار

{ الا } اعلموا

{ ان اللّه هو الغفور } يغفر ذنوب المقبلين

{ الرحيم } يرحم بان يرزقهم جنته وقربه ووصاله وبرحمته يأمر الملائكة بالاستغفار لبنى آدم مع كثرة عصيانهم والكفار الذين يرتكبون الشرك والذنوب العظام لا يقطع رزقهم ولا صحتهم ولا تمتعاتهم من الدنيا وان كان يريد ان يعذبهم فى الآخرة

يقول الفقير ان الملائكة وان كانوا يستغفرون للمؤمنين فالمؤمنون يسلمون عليهم كما يقولون فى التشهد السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين اذ لا يعصون ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون فالمنة لله تعالى على كل حال وفى الآية اشارة الى ان قوما من الجهلة يقولون على اللّه مالا يعلمون ومن عظم افترآئهم تكاد السموات تنشق من فوقهم لان اللّه تعالى البسها انوار قدرته وادخلها روح فعله حتى عقلت عبوديته صانعها وعرفت قدسه وطهارته عن قوال الزآئغين واشارة الملحدين والملائكة يقدسون اللّه عما يقولون فيه من الزور والبهتان والدعاوى الباطلة ويستغفرون للمؤمنين الذين لم يبغلوا حقيقة عبوديته فانهم هم القابلون للاصلاح لاعترافهم بعجزهم وقصورهم دون المصرين المبتدعين

فاسد شده راز روزكار وارون ... لا يمكن ان يصلحه العطارون

٦

{ والذين اتخذوا من دونه اولياء } شركاه واندادا واشركوهم معه فى العبادة

{ اللّه حفيظ عليهم } رقيب على احوالهم واعمالهم مطلع ليس بغافل فيجازيهم لا رقيب عليهم الا هو وحده ومعنى الحفيظ بالفارسية نكهبان وقال فى المفردات معناه محفوظ لا يضيع كقوله

{ علمها عند ربى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى } { وما انت عليهم بوكيل } بموكول اليه امرهم حتى تسأل عنهم وتؤخذ بهم وانما وظيفتك الانذار وتبليغ الاحكام وفيه اشارة الى ان كل من عمل بمتابعة هواه وترك لله حدا او نقض له عهدا فهو متخذ الشياطين اولياء لانه يعمل باوامرهم وافعاله موافقة لطباعهم اللّه حفيظ عليهم باعمال سرهم وعلانيتهم ان شاء عذبهم وان شاء عفا عنهم وما انت عليهم بوكيل لتمنعهم عن معاملاتهم فعلى العاقل أن لا يتخذ من دون اللّه اولياء بل يتفرد بمحبة اللّه وولايته كما قال تعالى

{ قل اللّه ثم ذرهم } حتى يتولاه فى جميع اموره وما احوجه الى احد سواه وقال الاستاذ ابو على الدقاق قدس سره ظهرت علة بالملك يعقوب بن الليث اعيت الاطباء فقالوا له فى ولايتك رجل صالح يسمى سهل ابن عبد اللّه لو دعا لك لعل اللّه يستجيب له فاستحضره فقال ادع اللّه لى فقال كيف يستجاب دعائى فيك وفى حبسك مظلومون فاطلق كل من حبسه فقال سهل اللهم كما اريته ذل المعصية فأره عز الطاعة وفرج عنه فعوفى فعرض مالا على سهل فأبى ان يقبله فقيل له لو قبلته ودفعته الى الفقرآء فنظر الى الحصباء فى الصحرآء فاذا هى جواهر فقال من يعطى مثل هذا يحتاج الى مال يعقوب بن الليث فالمعطى والمانع والضار والنافع هو اللّه الولى الوكيل الذى لا اله غيره

نقش اوكردست ونقاش من اوست ... غيراكر دعوى كند اوظلم جوست

٧

{ وكذلك اوحينا اليك قرءآنا عربيا } ذلك اشارة الى مصدر اوحينا ومحل الكاف النصب على المصدرية وقرءآنا عربيا مفعول لأوحينا اى ومثل ذلك الايحاء البديع البين المفهم اوحينا اليك ايحاء لا لبس فيه عليك وعلى قومك ( وقال الكاشفى ) وهمجانكه وحى كرديم بهر بيغمبر بزبان قوم او ووحى كرديم بتو قرآنى بلغت عرب كه قوم تواند تاكه فهم حاصل شود

{ لتنذر أم القرى } اى لتخوف اهل مكة بعذاب اللّه على تقدير اصرارهم على الكفر والعرب تسمى اصل كل شىء بالام وسميت مكة ام القرى تشريفا لها واجلالا لاشتمالها على البيت المعظم ومقام ابرهيم ولما روى من أن الارض دحيت من تحتها فمحل القرى منها محل البنات من الامهات

{ ومن حولها } من العرب وهذا اى التبيين بالعرب لا ينافى عموم رسالته لأن تخصيص الشىء بالذكر لا ينافى حكم ما عداه

وقيل من اهل الارض كلها وبذلك فسره البغوى فقال قرى الارض كلها وكذا القشيرى حيث قال العالم محدق بالكعبة ومكة لأنهما سرة الارض

بس همه اهالئ بلاد برحوالى ويند ... قال فى التأويلات النجمية يشير الى انذار نفسه الشريفة لانها ام قرى نفوس آدم واولاده لأنه صلى اللّه تعالى عليه وسلم هو الذى تعلقت القدرة بايجاده قبل كل شىء كما قال ( اول ما خلق اللّه روحى ومنه تنشأ الارواح والنفوس ) ولهذا المعنى قال ( آدم ومن دونه تحت لوائى يوم القيامة ) فالمعنى كما يوحى اليك والى الذين من قبلك اللّه العزيز الحكيم لينذروا الامم كذلك اوحينا قرءآنا عربيا لتنذر نفسك الشريفة بالقرءآن العربى لأن نفسك عربية ومن حولها من نفوس اهل العالم لأنها محدقة بنفسك الشريفة ولذلك قال تعالى

{ وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } وقال عليه السلام ( بعثت الى الخلق كافة )

مه طلعتى كه برقدقددرش بريده اند ... ديباى قم فانذر واستبرق دنا

{ وتنذر } اهل مكة ومن حولها

{ يوم الجمع } اى بيوم القيامة وما فيه من العذاب لأنه يجمع فيه الخلائق من الاولين والاخرين واهل السموات واهل الارض والارواح والاشباح والاعمال والعمال فالباء محذوف من اليوم كما قال لتنذر بأسا شديدا اى ببأس شديد كما قاله ابو الليث فيكون مفعولا به لا ظرفا كما فى كشف الاسرار وقد سبق غير ذلك فى حم المؤمن عند قوله تعالى

{ لتنذر يوم التلاق } { لا ريب فيه } اعتراض لا محل له اى لا بد من مجيىء ذلك اليوم وليس بمرتاب فيه فى نفسه وذاته لانه لا بد من جزآء العاملين من المنذرين والمنذرين واهل الجنة واهل النار وارتياب الكفار فيه لا يعتد به او لا شك فى الجمع انه كائن ولا بد من تحققه

{ فريق } وهم المؤمنون

{ فى الجنة وفريق } وهم الكافرون

{ فى السعير } اى النار سميت بهالالتها بها وذلك بعد جمعهم فى الموقف لأنهم يجمعون فيه اولا ثم يفرقون بعد الحساب والتقدير منهم فريق على أن فريق مبتدأ حذف خبره وجاز الابتدآء بالنكرة لأمرين تقديم خبرها وهو الجار والمجرور المحذوف ووصفها بقوله فى الجنة والضمير المجرور فى منهم للمجموعين لدلالة لفظ الجمع عليه فان المعنى يوم يجمع الخلائق فى موقف الحساب وفى التأويلات النجمية وتنذر يوم الجمع بين الارواح والاجساد لا شك فى كونه وكما أنهم اليوم فريقان فريق فى جنة القلوب وراحات الطاعات وحلاوات العبادات وتنعمات القربات وفريق فى سعير النفوس وظلمات المعاصى وعقوبات الشرك والجحود فكذلك غدا فريق هم اهل اللقاء فريق هم اهل الشقاء والبلاء وفى الحديث

( ان اللّه خلق للجنة خلقا وهم فى اصلاب آبائهم ) وعنه عليه السلام ( ان اللّه خلق الخلق وقضى القضية واخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء فاهل الجنة اهلها واهل النار اهلها ) وروى عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضى اللّه عنه قال خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم وفى يده كتابان وفى رواية خرج ذات يوم قابضا على كفيه ومعه كتابان فقال ( اتدرون ما هذان الكتابان ) قلنا لا يا رسول اللّه فقال للذى فى يده اليمنى ( هذا كتاب من رب العالمين باسماء اهل الجنة واسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل ان يستقروا نطفا فى الاصلاب وقبل ان يستقروا نطفا فى الارحام اذ هم فى الطينة منجدلون فليس بزآئد فيهم ولا بناقص منهم اجمال من اللّه عليهم الى يوم القيامة ) فقال عبد اللّه بن عمرو ففيم العمل اذا فقال ( اعملوا وسددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل اهل الجنة وان عمل اى عمل وان صاحب النار يختم له بعمل اهل النار وان عمل اى عمل ) ثم قال ( فريق فى الجنة وفريق فى السعير ) عدل من اللّه تعالى قوله سددوا وقاربوا اى اقصدوا السدادى الصواب ولا تفرطوا فتجهدوا انفسكم فى العبادة لئلا يفضى ذلك بكم الى الملال فتتركوا العمل كما فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى ونظيره قوله عليه السلام ( ان هذا الدين يسر ولن يشاد الدين احد الا غلبه ) يعنى ان الدين يشتمل على اعمال سهلة فمن تكلف والتزم فى عبادات شاقة وتكلفات لربما لم يتيسر اقامتها عليها فتغلب عليه فالكسب طريق الجنة ولا بد منه وان علم أنه من اهل الجنة

كسب راهمجون زراعت دان عمو ... تانكارى دخل نبود آن تو

٨

{ ولو شاء اللّه لجعلهم } اى فى الدنيا والضمير لجميع الناس المشار اليهم بالفريقين

{ امة واحدة } فريقا واحدا وجماعة واحدة مهتدين او ضالين وهو تفصيل لما اجمله ابن عباس رضى اللّه عنهما فى قوله على دين واحد

{ ولكن يدخل من يشاء } ان يدخله

{ فى رحمته } وجنته ويدخل من يشاء ان يدخله فى عذابه ونقمه ولا ريب فى أن مشيئته تعالى لكل من الادخالين تابعة لاستحقاق كل من الفريقين لدخول مدخله ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب اختلاف حال الداخلين فيهما قطعا فلم يشأ جعل الكل امة واحدة بل جعلهم فريقين

{ والظالمون } اى المشركون

{ ما لهم من ولى } اى مالهم ولى ما يلى امرهم ويغنيهم وينفعهم فمن مزيدة لاستغراق النفى

{ ولا نصير } يدفع العذاب عنهم ويخلصهم منه وفيه ايذان بان الادخال فى العذاب من جهة الداخلين بموجب سوء اختيارهم لا من جهته تعالى كما فى الادخال فى الرحمة قال سعدى المفتى فى حواشيه لعل تغيير المقابل حيث لم يأت المقابل ويدخل من يشاء فى نقمته بل عدل الى ما فى النظم للمبالغة فى الوعيد فان فى نفى من يتولاهم وينصرهم فى دفع العذاب عنهم دلالة على ان كونهم فى العذاب امر معلوم مفروغ عنه وايضا فيه سلوك طريق واذا مرضت فهو يشفين وايضا ذكر السبب الاصلى فى جانب الرحمة ليجتهدوا فى الشكر والسبب الظاهرى فى جانب النقمة ليرتدعوا عن الكفر وفى التأويلات النجمية ولو شاء اللّه لجعلهم امة واحدة كالملائكة المقربين لا يعصون اللّه ما امرهم الآية او جعلهم كالشياطين المبعدين المطرودين المتمردين ولكن الحكمة الالهية اقتضت ان يجعلهم مركبين من جوهر الملكى والشيطانى ليكونوا مختلفين بعضهم الغالب عليه الوصف الملكى مطيعا لله تعالى وبعضهم الغالب عليه الوصف الشيطانى متمردا على اللّه تعالى ليكونوا مظاهر صفات لطفه وقهره مستعدين لمرءآتية صفات جماله وجلاله متخلقين باخلاقه وهذا سر قوله تعالى

{ وعلم آدم الاسماء كلها } ومن ههنا قالت الملائكة سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا ويدل على هذا التأويل قوله

{ ولن يدخل من يشاء فى رحمته } اى ليكون مظهر صفات لطفه والظالمون مالم من ولى ولا نصير اى ليكونوا مظاهر صفات قهره

٩

{ ام اتخذوا من دونه اولياء } ام منقطعة مقدرة ببل والهمزة وما فيها من بل للانتقال من بيان ما قبلها الى بيان ما بعدها والهمزة لانكار الوقوع ونفيه على ابلغ وجه واكده لا لانكار الواقع واستقباحه كما قيل اذ المراد بيان أن ما فعلوا ليس من اتخاذ الاولياء فى شىء لأن ذلك فرع كون الاصنام اولياء وهو أظهر الممتنعات اى بل اتخذوا متجاوزين اللّه اولياء من الاصنام وغيرها

ءلاف دوستى ايشان مىزند هيهات ... { فاللّه هو الولى } جواب شرط محذوف كأنه قيل بعد ابطال ولاية ما اتخذوه اولياء ان ارادوا اولياء فى الحقيقة فاللّه هو الولى الذى يجب ان يتولى ويعتقد أنه المولى والسيد لا ولى سواه وهو متولى الامور من الخير والشر والنفع والضر ( قال فى كشف الاسرار ) اللّه اوست كه يار فرياد رس است قال سعد المفتى ولك ان تحمل الفاء على السببية الداخلة على السبب لكون ذكره مسببا عن ذكر السبب فانحصار الولى فى اللّه سبب لانكار اتخاذ الاولياء من دون اللّه كما يجوز ان يقال اتضرب زيدا فهو اخوك على معنى لا ينبغى ان تضربه فانه اخوك

{ وهو يحيى الموتى } اى من شأنه ذلك ليس فى السماء والارض معبود يحيى الموتى غيره وهو قول ابراهيم عليه السلام ربى الذى يحيى ويميت ولما نزل العذاب بقوم يونس عليه السلام لجأوا الى عالم فيهم كان عنده من العلم شىء وكان يونس ذهب مغاضبا فقال لهم قولوا يا حى حين لا حى يا حى محيى الموتى يا حى لا اله الا انت فقالوها فكشف عنهم العذاب

يقول الفقير سره أن اللّه تعالى انما يرسل العذاب للاماتة والاهلاك وفى الحى والمحيى ما يدفع ذلك اذ لا تجتمع الحياة والموت فى محل واحد وفيه اشارة الى غلبة الرحمة والشفقة

{ وهو على كل شىء قدير } فهو الحقيق بان يتخذ وليا فليتحصوه بالاتخاذ دون من لا يقدر على شىء

اوست قادر بحكم كن فيكون ... غير او جمله عاجزند وزبون

عجزراسوى قدرتش ره نيست ... عقل ازين كارخانه آكه نيست

وفى التأويلات النجمية وهو يحيى الموتى اى النفوس والقلوب الميتة ويميت النفوس والقلوب اليوم وغدا وهو على كل شىء قدير من الايجاد والاعدام وقال الواسطى رحمه اللّه يحيى القلوب بالتجلى ويميت الانفس بالاستتار وقال سهل لا يحيى النفوس حتى تموت اى من اوصافها وقال بعضهم فيه شكاية من المشغولين بغيره الباقين فى حجاب الوسائط يعرض نفسه بالجمال والحلال على المقصرين ليجذب بحسنه وجماله قلوبهم الى محبته وعشقه ويحييها بنور انسه وسنا قدسه فلا بد للمرء من الاجتهاد والتضرع الى رب العباد ليصل الى المطلوب ويعانق المحبوب ( قال فى المثنوى )

بيش يوسف نازش وخوبى مكن ... جزنياز واه يعقوبى مكن

ازبهاران كىشود سرسبزسنك ... خاك شوبا كل بروى رنك رنك

سالها توسنك بودى دلخراش ... آزمون رايك زمانى خاك باش

ففى هذا الفناء حياة عظيمة ألا ترى أن الارض تموت عن نفسها وقت الخريف فيحييها اللّه تعالى وقت الربيع بما لا مزيد عليه

١٠

{ وما اختلفتم فيه من شىء } حكاية لقول رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم للمؤمنين لقوله بعده ذلكم اللّه ربى الخ اى ما خالفكم الكفار فيه من امور الدين فاختلفتم انتم وهم

{ فحكمه } راجع

{ الى اللّه } وهو اثابة المحقين وعقاب المبطلين يوم الفصل والجزآء فعلى هذا لا يجوز ان يحمل على الاختلاف بين المجتهدين لأن الاجتهاد بحضرته عليه السلام لا يجوز وفى لتأيلات النجمية يشير الى اختلاف العلماء فى شىء من الشرعيات والمعارف الالهية فالحكم فى ذلك الى كتاب اللّه وسنة نبيه عليه السلام واجماع الامة وشواهد القياس او الى اهل الذكر كما قال تعالى فسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ولا يرجعون الى العقول المشوبة باقة الوهم والخيال فان فيها للنفس والشيطان مدخلا بالقاء الشبهات وادنى الشبهة فى التوحيد كفر وقد زلت اقدام جميع اهل الاهوآء والبدع والفلاسفة عن الصراط المستقيم والدين القويم بهذه المزلة

{ ذلكم } الحاكم العظيم الشان وهو مبتدأ

{ اللّه } خبر

{ ربى } ومالكى لقب لله

{ عليه } خاصة لا على غيره

{ توكلت } فى كل امورى التى من جملتها رد كيد أعداء الدين

{ واليه } لا الى أحد سواه

{ انيب } ارجع فى كل ما يعن لى من معضلات الامور التى منها كفاية شرهم والنصر عليهم وحيث كان التوكل امرا واحدا مستمرا والانابة متعددة متجددة حسب تجدد موادها اوثر فى الاول صيغة الماضى وفى الثانى صيغة المضارع وفيه اشارة الى أنه اذا اشتغلت قلوبكم بحديث نفوسكم لا تدرون أبالسعادة جرى حكمكم ام بالشقاوة مضى اسمكم فكلوا الامر فيه الى اللّه واشتغلوا فى الوقت بامر اللّه دون التفكر فيما ليس لعقولكم سبيل الى معرفته وعلمه من عواقبكم

١١

{ فاطر السموات والارض } خبر آخر لذلكم اى خالق الآفاق من العلويات والسفليات ويدخل فيه بطريق الاشارة الارواح والنفوس

{ جعل لكم من انفسكم } اى من جنسكم

{ ازواجا } نساء وحلائل وبالفارسية جفتال

{ ومن الانعام } اى وجعل للانعام من جنسها

{ ازواجا } او خلق لكم من الانعام اصنافا يعنى خلق كرد ازجهار بايان صنفهاى كونا كون اكراما لكم لترتفقوا بها اذ يطلق الزوج على معنى الصنف كما فى قوله تعالى

{ وكنتم ازواجا ثلثة } او ذكورا واناثا فانه يطلق على مجموع الزوجين وهو خلاف الفرد

{ يذرؤكم } يكثركم ايها الناس والانعام من الذرء وهو البث قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق والشىء كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين

{ فيه } اى فى هذا التدبير وهو جعل الناس والانعام ازواجا يكون بينهم توالد فاختير فيه على به مع أن التدبير ليس ظرفا للبث والتكثير بل هو سبب لهما لأن هذا التدبير كالمنبع والمعدن لهما ففيه تغليبان تغليب المخاطب على الغائب حيث لم يقل يذرأكم واياهن لأن الانعام ذكرت بلفظ الغيبة وتغليب العقلاء على غيرهم حيث لم يقل يذرأها واياكم فان كم مخصوص بالعقلاء

{ ليس كمثله شىء } المثل كناية عن الذات كما فى قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة فى نفيه عنه فانه اذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه اولى وهذا لا يتوقف على ان يتحقق مثل فى الخارج بل يكفى تقدير المثل ثم سلكت هذه الطريقة فى شأن من لا مثل له والشىء عبارة عن الموجود وهو اسم لجميع المكونات عرضا كان او جوهرا وعند سيبويه الشىء ما يصح ان يعلم ويخبر عنه موجودا او معدوما والمعنى ليس كذاته شىء من شأن من الشؤون التى من جملتها هذا التدبير البديع لأن ذاته لا يماثل ذات احد بوجه من الوجوه ولا من جميع الوجوه لأن الاشياء كلها اما اجسام او اعراض تعالى ربنا عن ذلك ولا كاسمه اسم كما قال تعالى

{ هل تعلم له سميا } ولا كصفته صفة الا من جهة موافقة اللفظ ولمحال كل المحال ان تكون الذات القديمة مثلا للذات الحادثة وان يكون لها صفة حادثة كما استحال ان تكون للذات المحدثة صفة قديمة

ذات تراصورت اوبيونند ... توبكس وكس بتو مانندند

جل المهيمن ان تدرى حقيقته ... من لاله المثل لا تضرب له مثلا

وفى المثنوى

ذات اورا درتصور كنج كو ... تادر آيى درتصور مثل او

هذا ما عليه المحققون والمشهور عند القوم ان الكاف زآئدة فى خبر ليس وشىء اسمها والتقدير ليس مثله شىء والا كان المعنى ليس مثل مثله شىء وهو محال

قال بعضهم لعل من قال الكاف زآئدة اراد أنه يعطى مغنى ليس مثله شىء غير انه آكد لما ذكر من انه اذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه اولى وقال بعضهم كلمة مثل هى الزآئدة والتقدير ليس كهو شىء ودخول الكاف على الضمائر لا يجوز فالوجه الرجوع الى طريق الكناية لأن القول بزيادة ماله فائدة جليلة وبلاغة مقبولة بعيد كل البعد قال فى بحر العلوم ومما يجب التنبه له ان المثل عبارة عن المساوات فى بعض الصفات لا فى جميعها كما زعم كثير من المحققين فانه سهو بدليل قول تعالى

{ قل انما بشر مثلكم يوحى الى } الآية فانه ثبت مماثلته بالاشتراك والمساواة فى وصف البشرية فقط لا فى جميع الاوصاف كما لا يحفى للقطع بأن بينه وبينهم مخالفة بوجوه كثيرة من اختصاصه بالنبوة والرسالة والوحى الى غير ذلك ألا يرى ألى قوله يوحى الى كيف اثبت المخالفة بان خصصه بالايحاء اليه ذكرا فظهر أن ما ذكره الامام الغزالى رحمه اللّه من أن المثل عبارة عن المساوى فى جميع الصفات ليس كما ينبغى انتهى يقول الفقير انما جاء التخصيص من قبل قوله بشر كما فى قوله زيد مثل عمرو فى النحو والا فلو قال انا مثلكم لأفادت المماثلة فى جميع الصفات كما فى قوله زيد مثل عمرو اى من كل الوجوه قال الامام الراغب فى المفردات المثل عبارة عن المشابه لغيره فى معنى من المعانى اى معنى كان وهو اعم الالفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك أن الند يقال لما يشارك فى الجوهر فقط والشبه يقال فيما يشاركه فى القدر والمساحة فقط والمثل عام فى جميع ذلك ولهذا لما اراد اللّه سبحانه وتعالى نفى التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال تعالى ليس كمثله شىء انتهى وحيث ترى فى مرءآة القلب صورة او خطر بالخاطر مثال وركنت النفس الى كيفيته فليجزم بأن اللّه بخلافه اذ كل ذلك من سمات الحدوث لدخوله فى دآئرة التحديد والتكييف اللازمين للمخلوقين المنزه عنهما الخالق ولقد اقسم سيد الطائفة الجنيد قدس سره بانه ما عرف اللّه الا اللّه وقال بعض سادات الصوفية قدس اللّه اسرارهم المثل ليس بزآئد عند اهل الحقيقة فان الهاء كناية عن الهوية الذاتية والمثل اشارة الى التجلى الالهى والمعنى ليس كالتجلى الالهى الذى هو اول التجليات شىء اذ هو محيط بكل التجليات الباقية المرتبة عليه قال الواسطى قدس سره امور التوحيد كلها خرجت من هذا الاية ليس كمثله شى لأنه ما عبر عن الحقيقة بشىء الا والعلة مصحوبة والعبارة منقوضة لأن الحق تعالى لا ينعت على اقداره لان كل ناعت مشرف على المنعوت وجل ان يشرف عليه المخلوق ( قال الشيخ سعدى )

نه بر اوج ذاتش برد مرغ وهم ... نه در ذيل وصفش رسد دست فهم

توان در بلاغت بسحبان رسيد ... كنه درنه بيجون سبحان رسسيد

جه خاصان درين ره فرس رانده اند ... بلا احصى ازتك فرومانده اند

{ وهو السميع البصير } المبالغ فى العلم بكل ما يسمع ويبصر قال الزروقى السميع الذى انكشف كل موجود لصفة سمعه فكان مدركا لكل مسموع من كلامه وغيره والبصير الذى يدرك كل موجود برؤيته والسمع والبصر صفتان من صفاته المنعوتة نابتتان له تعالى كما يليق بوصفه الكريم ورده بعضهم للعلم ولا يصح انتهى قال الغزالى رحمه اللّه السمع فى حقه عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات والبصر عبارة عن الوصف الذى به ينكشف كمال نعوت والمبصرات وسمع العبد قاصر فانه يدرك ما قرب لا ما بعد بجارحة وربما بطل السمع بعظم الصوت وانما حظ العبد منه امران احدهما ان يعلم أن اللّه سميع فيحفظ لسانه والثانى ان يعلم أن اللّه لم يخلق له السمع الا ليسمع كلامه وحديث رسوله فيستفيد به الهداية الى طريق اللّه فلا يستعمل سمعه الا فيه واستماع صوت الملاهى حرام وان سمع بغتة فلا اثم عليه والواجب عليه ان يجتهد حتى لا يسمع لأنه عليه السلام ادخل اصبعه فى اذنه كما فى البزازية وفى الحديث ( استماع صوت الملاهى معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر ) على وجه التهديد وبصر العبد قاصر اذ لا يمتد الى ما بعد ولا يتغلغل الى باطن ما قرب منه وحظه الدينى امران ان يعلم أنه خلق له البصر لينظر الى الآيات الآفاقية والانفسية وان يعلم أنه بمرأى من اللّه ومسمع اى بحيث يراه ويسمعه فمن قارف معصية وهو يعلم ان اللّه يراه فما اجسره واخسره ومن ظن أنه لا يراه فما اكفره قال فى كشف الاسرار ثم قال وهو السميع البصير لئلا يتوهم أنه لا صفات له كما لا مثل له فقد تضمنت الآية اثبات الصفة ونفى التشبيه والتوحيد كله بين هذين الحرفين اثبات صفة من غير تشبيه ونفى تشبيه من غير تعطيل فمن نزل عن الاثبات وادعى اتقاء التشبيه وقع فى التعطيل ومن ارتقى عن الظاهر وادعى اتقاء التعطيل حصل على التشبيه واخطأ وجه الدليل وعلى اللّه قصد السبيل وفى التاويلات النجمية أن قوما وقعوا فى تشبيه ذاته بذات المخلوقين فوصفوه بالحد والنهاية والكون والمكان واقبح قولا منهم من وصفه بالجوارح والالات وقوم وصفوه بما هو تشبيه فى الصفات فظنوا أن بصره فى حدقة وسمعه فى عضو وقدرته فى يد الى غير ذلك وقوم قاسوا حكمه على حكم عباده فقالوا ما يكون من الحق قبيحا فمنه قبيح وما يكون من الخلق حسنا فمنه حسن فهؤلاء كلهم اصحاب التشبيه والحق تعالى مستحق التنزيه لا التشبيه محقق بالتحصيل دون التعطيل والتمثيل مستحق التوحيد دون التحديد موصوف بكمال الصفات مسلوب عن العيوب والنقصان

١٢

{ له مقاليد السموات والارض } قال الجواليقى فى كتابه المعرب المقليد المفتاح وهى كناية عن الخزآئن وقدرته عليها وحفظه لها وفيه مزيد دلالة على الاختصاص لأن الخزآئن لا يدخلها ولا يتصرف فيها الا من بيده مفاتيحها ( وقال الكاشفى ) كليدهاى آسمانها وزمينها يعنى مفاتيح رزق جه خزانه آسمان مطراست وكنجينه زمين نبات

قال ابن عطاء مقاليد الارزاق صحة التوكل ومقاليد القلوب صحة المعرفة باللّه ومقاليد العلوم فى الجوع

ندارندتن بروران آكهى ... كه بر معده باشدزحكمت تهى

وقال بعضهم مقاليد سمواته ما فى قلوب ملائكته من احكام الغيوب ومقاليد ارضه ما اودع الحق صدور اوليائه من عجائب القلوب

{ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } يوسع ويضيق

{ انه بكل شىء عليم } مبالغ فى الاحاطة به فيفعل كل ما يفعل على ما ينبغى ان يفعل عليه فلا يوسع الرزق الا اذا علم أن سعته خير للعبد وكذا التضييق وفى التأويلات النجمية له مفاتيح سموات القلوب وفيها خزآئن لطفه ورحمته وارض النفوس وفيها خزآئن قهره وعزته فكل قلب مخزن لنوع من الطافه فبعضها مخزن المعرفة وبعضها مخزن المحبة وبعضها مخزن الشوق وبعضها مخزن الارادة وغير ذلك من الاحوال كالتوحيد والتفريد والهيبة والانس والرضى وغير ذلك وكل نفس مخزن لنوع من اوصاف قهره فبعضها مخزن النكرة وبعضها مخزن الجحود وبعضها مخزن الانكار وغير ذلك من الاخلاق الذميمة كالشرك والنفاق والحرص والكبر والبخل والشره والغضب والشهوة وغير ذلك وفائدة التعريف أن المقاليد له قطع افكار العباد من الخلق اليه فى جلب ما يريدونه ودفع ما يكرهونه فانه تعالى يوسع ويضيق رزق النفوس ورزق القلوب والخلق بمعزل عن هذا الوصف وفى الحديث ( لا اله الا اللّه مفتاح الجنة ) ولا شك أن الجنة جنتان جنة صورية هى دار النعيم وجنة معنوية هى القلب ومفتاح كليتهما هو التوحيد وهو بيد اللّه يعطيه من يشاء من عباده ويجعله من اهل النعيم مطلقا ثم ان الرزق الصورى هى المأكولات والمشروبات الحسية والرزق المعنوى هى العلوم الحقيقية والمعارف الالهية فالاول داخل فى الآية بطريق العبارة والثانى بطريق الاشارة ( وفى المثنوى )

فهم نان كردن نه حكمت اى رهى ... زنكه حق كفتت كلومن رزقه

رزق حق حكمت بود درمرتبت ... كان كلو كيرت نباشد عاقبت

اين دهان بستى دهانى بازشد ... كه خورنده لقمهاى رازشد

كر زشير ديوتن را وا برى ... در فطام اوبسى حكمت خورى

نسأل اللّه فيضه وعطاه بحق مصطفاه

١٣

{ شرع لكم من الدين } شرع بمعنى سن وجعل سنة وطريقا واضحا اى سن اللّه لكم يا امة محمد من التوحيد ودين الاسلام واصول الشرائع والاحكام وبالفارسية وراه روشن ساخت شمار ازدين

{ ما وصى به نوحا } التوصية وصيت كردن مؤكدا فان التوصية معربة عن تأكيد الامر والاعتناء بشأن المأمور به قدم نوح عليه السلام لأنه اول انبياء الشريعة فانه اول من اوحى اليه الحلال والحرام واول من اوحى اليه تحريم الامهات والاخوات والبنات وسائر ذوات المحارم فبقيت تلك الحرمة الى هذا الآن

{ والذى اوحينا اليك } اى وشرع لكم الذى اوحينا الى محمد عليه السلام وتغيير التوصية الى الايحاء فى جانب النبى صلى اللّه وسلم للتصريح برسالته القامع لانكار الكفرة والالتفات الى نون العظمة لاظهار كمال الاعتناء بايحائه وهو السر فى تقديمه على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا وتقديم توصية نوح للمسارعة الى بيان كون المشروع لهم دينا قيما والتعبير بالاصل فى الموصولات وهو الذى للتعظيم وتوجيه الخطاب اليه عليه السلام بطريق التلوين للتشريف والتنبيه على أنه تعالى شرعه لهم على لسانه

{ وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى } وجه تخصيص هؤلاء الخمسة بالذكر انهم اكابر الانبياء ومشاهيرهم من اولى العزم واصحاب الشرآئع العظيمة والاتباع الكثيرة

{ ان اقيموا الدين } محله النصب على أنه بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه او رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع المشترك بين هؤلاء الرسل فقيل هو اقامة الدين اى دين الاسلام الذى هو توحيد اللّه وطاعته والايمان بكتبه ورسله وباليوم الآخر وسائر ما يكون الرجل به مؤمنا والمراد باقامته تعديل اركانه وحفظه من ان يقع فيه زيغ او المواظبة عليه والتشمر له

{ ولا تتفرقوا فيه } فى الدين الذى هو عبارة عن الاصول والخطاب متوجه الى امته عليه السلام فهذه وصية لجميع العباد

واعلم أن الانبياء عليهم السلام مشتركون ومتفقون فى اصل الدين وجميعهم اقاموا الدين وقاموا بخدمته وداموا بالدعوة اليه ولم يتخلفوا فى ذلك وباعتبار هذا الاتفاق والاتحاد فى الاصول قال اللّه تعالى

{ ان الدين عند اللّه الاسلام } من غير تفرقة بين نبى ونبى ومختلفون فى الفروع والاحكام قال تعالى

{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } وهذا لاختلاف الناشئ من اختلاف الامم وتفاوت طبائعهم لا يقدح فى ذلك الاتفاق ثم امر عباده باقامة الدين والاجتماع عليه ونهاهم عن التفرق فيه فان يد اللّه ونصرته مع الجماعة وانما يأكل الذئب الشاة البعيدة النافرة والمنفردة عن الجماعة اوصى حكيم اولاده عند موته وكانوا جماعة فقال لهم ائتونى بعضى فجمعها فقال لهم اكسروها وهى مجموعة فلم يقدروا على ذلك ثم فرقها فقال خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها فقال لهم هكذا انتم بعدى لن تغلبوا ما اجتمعتم فاذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فاهلككم وكذا القائمون بالدين اذا اجتمعوا على اقامته ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدو وكذا الانسان فى نفسه اذا اجتمع فى نفسه على اقامة الدين لم يغلبه شيطان من الانس والجن بما يوسوس به اليه مع مساعدة الايمان والملك باقامته له قال على رضى اللّه عنه لا تتفرقوا فان الجماعة رحمة والفرقة عذاب وكونوا عباد اللّه اخوانا قال سهل الشرآئع مختلفة وشريعة نوح هو الصبر على اذى المخالفين انتهى فعلى هذا فشريعة ابراهيم عليه السلام هو الانقياد والتسليم وشريعة موسى عليه السلام هو الاشتياق الى جمال الرب الكريم وشريعة عيسى عليه السلام هو الزهد والتجرد العظيم وشريعة نبينا عليه السلام هو الفقر الحقيقى المغبوط عند كل ذى قلب سليم كما قال اللهم اغننى بالافتقار اليك وهذه الشرآئع الباطنة باقية ابدا ومن اصول الدين التوجه الى اللّه تعالى بالكلية فى صدق الطلب وتزكية النفس عن الصفات الذميمة وتصفية القلب عن تعلقات الكونين وتخلية الروح بالاخلاق الربانية ومراقبة السر لكشف الحقائق وشواهد الحق وكان نبينا عليه السلام قبل البعثة متعبدا فى الفروع بشرع من قبله مطلقا آدم وغيره وفى كلم الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر تعبده عليه السلام قبل نبوته كان بشريعة ابراهيم عليه السلام حتى جاءه الوحى وجاءته الرسالة ولم يكن على ما كان عليه قومه باتفاق الائمة واجماع الامة فالولى الكامل يجب عليه متابعة العمل بالشريعة المطهرة حتى يفتح اللّه له فى قلبه عين الفهم عنه فيلهم معانى القرءآن ويكون من المحدثين بفتح الدال ثم يصير الى ارشاد الخلق ( وفى المثنوى )

لوح محفوظشت اورا بيشوا ... ازجه محفوظست محفوظ ازخطا

نى بجومست ونه رملست ونه خواب ... وحى حق واللّه اعلم بالصواب

{ كبر على المشركين } اى عظم وشق عليهم

{ ما تدعوهم اليه } يا محمد من التوحيد ورفض عبادة الاصنام واستبعدوه حيث قالوا أجعل الآلهة الها واحدا ان هذا لشىء عجاب وقال قتادة شهادة ان لا اله الا اللّه وحده ضاق بها ابليس وجنوده فابى اللّه الا ان يظهرها على من ناواها اى عاداها

{ اللّه يجتبى اليه من يشاء } قال الراغب جبيت الماء فى الحوض جمعته والحوض الجامع له جابية ومنه استعير جبيت الخراج جباية والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء وهو هنا مأخوذ من الجباية وهى جلب الخراج وجمعه لمناسبة النهى عن التفرق فى الدين ولأن الاجتباء بمعنى الاصطفاء لا يتعدى بالى الا باعتبار تضمين معنى الضم والصرف والمعنى اللّه يجتلب الى ما تدعوهم اليه من يشاء ان يجتلبه اليه وهو من صرف اختياره الى ما دعى اليه

{ ويهدى اليه } بالارشاد والتوفيق وامداد الالطاف

{ من ينيب } يقبل اليه ويجوز ان يكون الضمير لله فى كلا الموضعين فالمعنى اللّه يجمع الى جنابه على طريق الاصطفاء من يشاء من عباده بحسب استعداده ويهدى اليه بالعناية من ينيب واجتباء اللّه تعالى العبد تخصيصه اياه بفيض الهى يتحصل منه انواع من النعم بلا سعى من العبد وذلك للانبياء عليم السلام ولبعض من يقاربهم من الصديقين والشهدآء ( قال الكاشفى ) يعنى هركه ازهمه اعراض كندوحتى راخواهد حق سبحانه راء راست بد ونمايد

نخست از طالبى ازجمله بكذر روبدو آور ... كرآن حضرت نداآردكه اى سر كشته راه اينك

وفى التأويلات النجمية يشير بقوله اللّه يجتبى اليه الآية الى مقامى المجذوب والسالك فان المجذوب من الخواص اجتباه اللّه فى الازل وسلكه فى سلك من يحبهم واصطنعه لنفسه وجذبه عن الدارين بجذبة توازى عمل الثقلين فى مقعد صدق عند مليك مقتدر والسالك من العوام الذين سلكهم فى سلك من يحبونه موفقين للهداية على قدمى الجهد والانابة الى سبيل الرشاد من طريق العناد انتهى والانابة نتيجة التوبة فاذا صحت التوبة حصلت الانابة الى اللّه تعالى قال بعض الكبار من جاهد فى اقامة الدين فى مقام الشريعة والطبيعة يهديه اللّه الى اقامته فى مقام الطريقة والنفس ومن اقامه فى هذا المقام يهديه اللّه الى اقامته فى مقام المعرفة والروح ومن اقامه فى هذا المقام يهديه اللّه الى اقامته فى مقام الحقيقة والسر ومن اقامه فى هذا المقام تم امره وكمل شأنه فى العلم والعرفان والذوق والوجدان والشهود والعيان واليه يشير قوله تعالى

{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } فعليك باتيان جميع القرب قدر الاستطاعة فى كل زمان وحال فان المؤمن لن تخلص له معصية ابدا من غير ان تخالطها طاعة لأنه مؤمن بها انها معصية فان اضاف الى هذا التخليط استغفارا وتوبة فطاعة على طاعة وقربة على قربة فيقوى جزآء الطاعة التى خالطها العمل السيىء وهو الايمان بانها معصية والايمان من اقوى القرب واعظمها عند اللّه فانه الاساس الذى ابتنى عليه جميع القرب وقال تعالى فى الخبر الصحيح ( وان تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا وان تقرب الى ذراعا تقربت منه باعا وان اتانى يمشى اتيته هرولة ) وكان قربه تعالى من العبد ضعف قرب العبد منه وعلى كل حال لا يخلو المؤمن من الطاعة والقرب والعمل الصالح يمحو الخطايا فان العبد اذا رجع عن السيئة واناب الى اللّه واصلح عمله اصلح اللّه شأنه واعاد عليه نعمه الفائتة ( عن ابراهيم بن ادهم قدس سره ) بلغنى أن رجلا من بنى اسرائيل ذبح عجلا بين يدى امه فيبست يده فبينما هو جالس اذ سقط فرخ من وكره وهو يتبصبص فأخذه ورده الى وكره فرحمه اللّه تعالى لذلك ورد عليه يده بما صنع والوكر بالفتح عش الطائر بالفارسية آشيان

والتبصبص التملق وتحريك الذنب وفى الآية اشارة الى اهل الوحدة والرياء والسمعة فكما أن المشركين بالشرك الجلى يكبر عليهم امر التوحيد فكذا المشركون بالشرك الخفى يكبر عليهم امر الوحدة والاخلاص نسأل اللّه سبحانه ان يجذبنا اليه بجذبة عنايته ويشرفنا بخاص هدايته

١٤

{ وما تفرقوا } اى وما تفرق اليهود والنصارى فى الدين الذى دعوا اليه ولم يؤمنوا كما آمن بعضهم فى حال من الاحوال او فى وقت من الاوقات

{ الا من بعد ما جاءهم العلم } اى الا حال مجيئ العلم او الا وقت مجيئ العلم بحقية ما شاهد وافى رسول اللّه والقرءآن من دلائل الحقية حسبما وجدوه فى كتابهم او العلم بمبعثه

{ بغيا بينهم } من بغى بمعنى طلب وحقيقة البغى الاستطالة بغير حق كما فى المفردات اى لابتغاء طلب الدنيا وطلب ملكها وسياستها وجاهها وشهرتها وللحمية الجاهلية لا لأن لهم فى ذلك شبهة

{ ولولا كلمة سبقت من ربك } وهى العدة بتأخيرة العقوبة

{ الى اجل مسمى } اى وقت معين معلوم عند اللّه هو يوم القيامة او آخر اعمارهم المقدرة

{ لقضى بينهم } لأوقع القضاء بينهم باستئصالهم لاستيجاب جنايتهم لذلك قطعا

{ وان الذين اوروثوا الكتاب من بعدهم } اى وان المشركين الذين اوتو الكتاب اى القرءآن من بعد ما اوتى اهل الكتاب كتابهم والايراث فى الاصل ميراث دادن

{ لفى شك منه } اى من القرءآن والشك اعتدال النقيضين عند الانسان وتساويهما

{ ومريب } موقع فى القلق اى الاضطراب ولذلك لا يؤمنون الا لمحض البغى والمكابرة بعدما علموا بحقيته كدأب اهل الكتابين والريبة قلق النفس واضطرابها ويسمى الشك بالريب لأنه يقلق النفس ويزيل الطمأنينة والظاهر أن شك مريب من باب جد جده اى وصف الشك بمريب بمعنى ذى ريب مبالغة فيه وفى القاموس اراب الامر صار ذا ريب

١٥

{ فلذلك } اى فلاجل ما ذكر من التفرق والشك المريب او فلأجل أنه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيق بان يتنافس فيه المتنافسون

{ فادع } الناس كافة الى اقامة ذلك الدين والعمل بموجبه فان كلا من تفرقهم وكونهم فى شك مريب ومن شرع ذلك الدين لهم على لسان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم سبب للدعوة اليه والامر بها وليس المشار اليه ما ذكر من التوصية والامر بالاقامة والنهى عن التفرق حتى يتوهم شائبة التكرار وفيه اشارة الى افتراق اهل الاهواء والبدع ثنتين وسبعين فرقة ودعوتهم الى صراط مستقيم السنة لابطال مذاهبهم وفى الحديث ( من انتهر ) اى منع بكلام غليظ ( صاحب بدعة ) سيئة مما هو عليه من سوء الاعتقاد والفحش من القول والعمل ( ملأ اللّه قلبه امنا وايمانا ومن اهان صاحب بدعة آمنه اللّه يوم القيامة من الفزع الاكبر ) وهو حين الانصراف الى النار كما قال ابن السماك ان الخوف المنصرف للمتفرقين قطع نياط قلوب العارفين وقال فى البزازية روى ان ابن المبارك رؤى فى المنام فقيل له ما فعل ربك بك فقال عاتبنى واوقفنى ثلاثين سنة بسبب انى نظرت باللطف يوما الى مبتدع فقال انك لم تعاد عدوى فى الدين فكيف حال القاعد بعد الذكر مع القوم الظالمين

{ واستقم } عليه وعلى الدعوة اليه

{ كما امرت } واوحى اليك من عند اللّه تعالى والمراد الثبات والدوام عليهما لأنه كان مستقيما فى هذا المعنى وفى الحديث ( شيبتنى هود واخواتها ) فقيل له لم ذلك يا رسول اللّه فقال ( لأن فيها فاستقم كما امرت ) وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته فى امر اللّه وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا ولن تحصوا اى لن تطيقوا الاستقامة التى امرت بها فحقيقة الاستقامة لا يطيقها الا الانبياء واكابر الاولياء لانها الخروج من المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدى الحق على حقيقة الصدق ( قال الكاشفى ) درتبيان آورده كه وليد مغيره بآن حضرت كفت ازدين ودعوى كه دارى رجوع كن تا من نصفى ازاموال خودبتودهم وشيبه وعده كرده كه اكر بدين بدران بازآيى دختر خود درعقد توارم اين آيت نازل شدكه بردعوت خود مقيم ودر دين وملت خودمسنقيم باش

{ ولا تتبع اهوآءهم } المختلفة الباطلة والضمير للمشركين وكانوا يهوون ان يعظم عليه السلام آلهتهم وغير ذلك وفى الخبر ( لكل شىء آفة وآفة الدين الهوى )

هواوهوس رانماند ستيز ... جو بيند سربجه عقل تيز

{ وقل آمنت بما انزل اللّه من كتاب } اى كتاب كان من الكتب المنزلة لا كالذين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض وذلك فان كلمة ما من الفاظ العموم وفيه اشارة الى وجوب الايمان بجميع الحقائق وان اختلف مظاهرها فان كلها الهام صحيح من اللّه تعالى

{ وامرت } بذلك

{ لأعدل بينكم } بين شريفكم ووضيعكم فى تبليغ الشرآئع والاحكام وفصل القضايا عند المحاكمة والمخاصمة الى فاللام على حقيقتها والمأمور به محذوف او زائدة والباء محذوفة اى امرت بأن اعدل واسوى بين شريفكم ووضيعكم فلا اخص البعض بامر او نهى قوله وقل آمنت الخ تعليم من اللّه لاستكمال القوة النظرية وقوله وامرت الخ لاستكمال القوة العملية روى أن داود عليه السلام قال ثلاث خصال من كن فيه فهو الفائز القصد فى الغنى والفقر والعدل فى الرضى والغضب والخشية فى السر والعلانية وثلاث من كن فيه اهلكته شح مطاع وهوى متبع واعجاب المرء بنفسه واربع من اعطيهن فقد اعطى خير الدنيا والآخرة لسان ذاكر وقلب شاكر وبدن صابر وزوجة مؤمنة وفى التأويلات النجمية لأعدل بينكم اى لأسوى بين اهل الاهوآء وبين اهل السنة بترك البدعة ولزوم الكتاب والسنة ليندفع الافتراق ويكون الاجتماع

{ اللّه ربنا وربكم } اى خالقنا جميعا ومتولى امورنا لا الاصنام والهوى

{ لنا اعمالنا } لا يتخطانا جزآؤها ثوابا كان او عقابا

{ ولكم اعمالكم } لا يجاوزكم آثارها لا نستفيد بحسناتكم ولا نتضرر بسيئاتكم

{ لا حجة بيننا وبينكم } الحجة فى الاصل البرهان والدليل ثم يقال لا حجة بيننا وبينكم اى لا ايراد حجة بيننا ويراد به لا خصومة بيننا بناء على أن ايراد الحجة من الجانبين لازم للخصومة فيكنى بذكر اللازم عن الملزوم فالمعنى لا محاجة ولا خصومة لأن الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة حاجة ولا للمخالفة محمل سوى المكابرة وفيه اشارة الى أنه لا خصومة بالاهدآء والمعصية

{ اللّه يجمع بيننا } يوم القيامة

{ واليه المصير } مرجع الكل لفصل القضاء فيظهر هناك حالنا وحالكم وليس فى الآية الا ما يدل على المتاركة فى المقاولة لا مطلقا حتى لا تكون منسوخة بآية القتال يعنى هذه الآية انما تدل على المتاركة القولية لحصول الاستغناء عن المحاجة القولية معهم لأنهم قد عرفوا صدقه من الحجج وانما كفروا عنادا وبعد ما ظهر الحق وصاروا محجوبين كيف يحتاج الى المحاجة القولية فلا يبقى بعد هذا الا السيف او الاسلام وقد قوتلوا بعد ذلك فعلى العبد قبول الحق بعد ظهوره والمشى خلف النصح بعد اضاءة نوره فان المصير الى اللّه والدنيا دار عبور وان الحضور فى الآخرة والدنيا دار التفرق والفتور فلا بد من التهيئ للموت قال ابراهيم بن ادهم قدس سره لرجل فى الطواف اعلم انك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات اولاها تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة والثانية تغلق باب العز وتفتح باب الذل والثالثة تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد والرابعة تغلق باب النوم وتفتح باب السهر والخامسة تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر والسادسة تغلق باب الامل وتفتح باب الاستعداد للموت وانشدوا

ان لله عبادا فطنا ... طلقوا النيا وخافوا الفتنا

نظروا فيها فلما علموا ... انها ليس لحى وطنا

جعلوها لجة واتخذوا ... صالح الاعمال فيها سفنا

( وفى المثنوى )

ملك برهم زن تو آدم وارزود ... تبابيابى همجو او ملك خلود

اين جهان خودحبس جانهاى شماست ... هين رويدان سوكه صحراى شماست

١٦

{ والذين يحاجون فى اللّه } اى يخاصمون فى دينه نبيه وهو مبتدأ

{ من بعد ما استجيب له } اى من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا فيه لظهور حجته ووضح محجته والتعبير عن ذلك بالاستجابة باعتبار دعوتهم اليه وفيه اشارة الى أنهم استجابوا له تعالى يوم الميثاق بقولهم بلى حين قال لهم الست بربكم ثم لما نزلوا من عالم الارواح الى عالم الاجسام نسوا الاقرار والعهد فأخذوا فى المحاجة والانكار بخلاف المؤمنين فانهم ثبتوا على التصديق والاقرار ( قال الحافظ )

ازدم صبح ازل تا آخر شام ابد ... دوستى ومهر بريك عهد ويك ميثاق بود

{ حجتهم } متبدأ ثان

{ داحضة عند ربهم } خبر الثانى والجملة خبر الاول اى زالة زآئلة باطلة

يعنى ناجيز ونابر جاى

بل لا حجة لهم اصلا وانما عبر عن اباطيلهم بالحجة مجاراة معهم على زعمهم الباطل والمجاراة بالفارسية رفتن وباكسى جيزى واراندن

{ وعليهم غضب } عظيم لمكابرتهم الحق بعد ظهوره

{ ولهم عذاب شديد } على كفرهم الشديد وضلالهم البعيد لا يعرف كنهه وهو عذاب النار

يقول الفقير وجه الغضب والعذاب ان الدين الحق وما جاء به من القرءآن سبب الرحمة والنعمة فاذا اعرضوا عنهما وجدوا عند اللّه الغضب والنقمة بدلهما نعوذ باللّه من ذلك وهذا من نتائج احوالهم وثمرات اعمالهم

ابرا كرآب زندكى بارد ... هركز ازشاخ بيد بر نخورى

بافر ومايه روزكار مبر ... كزنى بور يا شكر نخورى

١٧

{ اللّه الذى انزل الكتاب } اى جنس الكتاب حال كونه ملتبسا

{ بالحق } فى احكامه واخباره بعيدا من الباطل او بما يحق انزاله من العقائد والاحكام

{ والميزان } اى وانزل الميزان اى الشرع الذى يوزن به الحقوق ويسوى بين الناس على ان يكون لفظ الميزان مستعارا للشرع تشبيها له بالميزان العرفى من حيث يوزن به الحقوق الواجبة الادآء سوآء كان من حقوق اللّه او من حقوق العباد او انزل نفس العدل والتسوية بان انزل الامر به فى الكتب الالهية فيكون تسمية العدل بالميزان تسمية المسمى باسم آلته فان الميزان آلة العدل او انزل آلة الوزن والوزن معرفة قدر الشىء

يعنى منزل كردانيد ترازورا كه موزونات رابان سنجدتادر باره خزنده وفروشنده ستم نرود

فيكون المراد بالميزان معناه الاصلى وانزاله اما حقيقة لما روى أن جبرائيل عليه السلام نزل بالميزان فدفعه الى نوح عليه السلام فقال له مر قومك يزنوا به

وقيل نزل آدم عليه السلام بجميع آلات الصنائع

واما مجاز عن انزال الامر به واستعماله فى الايفاء والاستيفاء

ودرعين المعانى آورده كه مراد از ميزان حضرت بهتر كائنات محمد است صلى اللّه تعالى عليه وسلم قانون عدل بدل وتمهيدمىبايد ونزال وارسال اوست

وفى التأويلات النجمية يشير الى كتاب الايمان الذى كتب اللّه فى القلوب وميزان العقل يوزن به احكام الشرع والخير والشر والحسن والقبح فانهما قرينان متلازمان لا بد لاحدهما من الآخر وسماهما البصيرة فقال

{ قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمى فعليها } ففى انتفاء احدهما انتفاء الآخر كما قال تعالى

{ صم بكم عمى فهم لا يعقلون } فنفى العقل والبصيرة بانتفاء الايمان

{ وما يدريك } الدرآء بمعنى الاعلام اى اى شىء يجعلك داريا اى عالما بحال الساعة التى هى من العظم والشدة والخفاء بحيث لا يبلغه دراية احد وانما يدرى ذلك بوحى منا وبالفارسية وجه جيز دانا كرد برواجه دانى

قال الراغب كل موضع ذكر فى القرءآن وما ادراك فقد عقب ببيانه نحو

{ وما ادراك ماهيه نار حامية } وكل موضع ذكر فيه وما يدريك لم يعقبه بذلك نحو وما يدريك لعل الساعة قريب

{ لعل الساعة } التى يخبر بمجيئها الكتاب الناطق بالحق

{ قريب } اى شىء قريب او قريب مجيئها والا فالفعيل بمعنى الفاعل لا يستوى فيه المذكر والمؤنث عند سيبويه فكان الظاهر ان يقال قريبة لكونه مسند الى ضمير الساعة الا أنه قد ذكر لكونه صفة جارية على غير من هى له

وقيل القريب بمعنى ذات قرب على معنى النسب وان كان على صورة اسم الفاعل كلابن وتامر بمعنى ذو لبن وذو تمر اى لبنى وتمرى لا على معنى الحدث كالفعل فلما لم يكن فى معنى الفعل حقيقة لم يلحقه تاء التأنيث او الساعة بمعنى البعث تسمية باسم ما حل فيه وقال الزمخشرى لعل مجيئ الساعة قرب بتقدير المضاف والمعنى أن القيامة على جناح الاتيان فاتبع الكتاب يا محمد واعمل به وواظب على العدل قبل ان يفاجئك اليوم الذى يوزن فيه الاعمال ويوفى جزآؤها امام زاهدى فرموده كه لعل براى تحقيق است يعنى البتة ساعتى كه بدان قيامت قائم شود نزديكست

وفيه زجرهم عن طول الامل وتنبيههم على انتظار الاجل وهجومه نبهنا اللّه تعالى واياكم اجمعين آمين

١٨

{ يستعجل بها } شتاب ميكنند بساعت يعنى بامداو

{ الذين لا يؤمنون بها } استعجال انكار واستهزآء ولا يشفقون منها ويقولون متى هى ليتها قامت حتى يظهر لنا الحق اهو الذى نحن عليه ام الذى عليه محمد واصحابه فانهم لما لم يؤمنوا بها لم يخافوا ما فيها فهم يطلبون وقوعوها استبعادا لقيامها والعجلة طلب الشىء وتحريه قبل آوانه

{ والذين آمنوا } بها

{ مشفقون منها } خائفون منها مع اعتنائها لتوقع الثواب فان المؤمنين يكونون ابدا بين الخوف والرجاء فلا يستعجلون بها

يعنى ترسانداز قيامت جه ميدانندكه خداى تعالى بايشان جه كند ومحاسبه ومجازات برجه وجه بود

فالآية من الاحتباك ذكر الاستعجال اولا دليل على حذف ضده ثانيا والاشفاق ثانيا دليلا على حذف ضده اولا

{ ويعلمون انها الحق } اى الكائن لا محالة وفيه اشارة الى ان المؤمنين لا يتمنون الموت خوف الابتلاء بما بعده فيستعدون له واذا ورد لم يكرهوه وذلك ان الموت لا يتمناه الا جاهل او مشتاق

{ ألا ان الذين يمارون فى الساعة } يجادلون فيها وينكرون مجيئها عنادا من المرية فمعناه فى الاصل تداخلهم المرية والشك فيؤدى ذلك الى المجادلة ففسر المماراة بلازمها قال الراغب المرية التردد فى الامر وهو اخص من الشك والمماراة المحاجة فيما فيه مرية انتهى ويجوز ان يكون من مريت الناقة اذا مسحت ضرعها بشدة الحلب فيكون تفسيره بيجادلون حملا له على الاستعارة التبعية بأن شبه المجادلة بمماراة الحالب للضرع لاستخراج ما فيه من اللبن من حيث أن كلا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة

{ لفى ضلال بعيد } عن الحق فان البعث اشبه الغائبات بالمحسوسات لأنه كاحياء الارض بعد موتها فمن لم يهتد الى تجويزه فهو من الاهتدآء الى ما ورآءه ابعد وابعد وصف الضلال بالبعد من المجاز العقلى لأن العبد فى الحقيقة للضال لأنه هو الذى يتباعد عن الطريق فوصف به فعله ويحتمل ان يكون المعنى فى ضلال ذى بعد او فيه بعد لأن الضال قد يضل عن الطريق مكانا قريبا وبعيدا وفى التأويلات النجمية لفى ضلال بعيد لأنه ازلى وفى الآية امور الاول ذم الاستعجال ولذا قيل العجلة من الشيطان الا فى ستة متواضع ادآء الصلاة اذا دخل الوقت ودفن الميت اذا حضر وتزويج البكر اذا ادركت وقضاء الدين اذا وجب واطعام الضيف اذا نزل وتعجيل التوبة اذا اذنب والثانى الايمان والتصديق فانه الاصل وذلك بجميع ما يكون به المرء مؤمنا خصوصا الساعة وكذا الاستعداد لها بالاعمال الصالحات روى أن رجلا من الاعراب قال للنبى صلّى اللّه عليه وسلّم متى الساعه فقال عليه السلام ( وما اعددت لها )

قال لا شىء الا انى احب اللّه ورسوله فقال ( انت مع من احببت ) ولا شك أن من احب رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم احب الاقتدآء به فى جميع الاحوال فاذا كان محبا لرسول اللّه والاقتدآء به كان رسول اللّه محبا له كما قال عليه السلام ( متى ألقى احبائى ) فقال له اصحابه بآبائنا وامهاتنا يا رسول اللّه اولسنا احباءك فقال ( انتم اصحابى احبائى قوم لم يرونى وآمنوا بى انا اليهم بالاشواق ) وخصهم بالاخوة فى الحديث الآخر فقال اصحابه نحن اخوانك يا رسول اللّه قال ( لا انتم اصحابى واخوانى الذين يأتون بعدى آمنوا بى ويرونى ) وقال ( للعامل منهم اجر خمسين منكم ) قالوا بل منهم يا رسول اللّه قال ( بل منكم ) رددها ثلاثا ثم قال ( لأنكم تجدون على الخير اعوانا ) والثالث مدح العلم لكن اذا قرن بالخوف والخشية والعمل كان امدح فان العلم ليس جالبا للسودد الا من حيث طرده الجهل فلا تعجب بعلمك فان فرعون علم بنبوة موسى وابليس علم حال آدم واليهود علموا بنبوة محمد وحرمو التوفيق للايمان والرابع ذم الشك والتردد فلا بد من اليقين الصريح بل من العيان الصحيح كما قال على كرم اللّه وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا

حال خلدوجحيم دانستم ... بيقين آنجنانكه مى بايد

كرحجاب ازميانه بر كيرند ... آن يقين ذره نيفزايد

والخامس ان السعادة والشقاوة ازليتان وانما يشقى السعيد لكون سعادته عارضة وانما يسعد الشقى لكون شقاوته عارضة فكل يرجع الى اصله فنسأل اللّه الهدى ونعوذ به من الهوى

١٩

{ اللّه لطيف بعباده } اى بر بليغ البر بهم يفيض عليهم من فنون الطافه ما لا يكاد يناله ايدى الافكار والظنون قوله من فنون الطافه يؤخذ ذلك من صيغة لطيف فانها للمبالغة وتنكيره ايضا وقوله ما لا يكاد الخ مأخذه مادة الكلمة فان اللطف ايصال نفع فيه دقة

{ يرزق من يشاء } أن يرزقه كيفما يشاء فيخص كلا من عباده الذين عمهم جنس لطفه بنوع من البر على ما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة فلا مخالفة بين عموم جنس لطفه بنوع من البر على ما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة فلا مخالفة بين عموم الجنس وخصوص النوع يعنى أن المخصوص بمن يشاء هو نوع البر وصنفه وذلك لا ينافى عموم جنس بره بجميع عباده على ما افادته اضافة العباد الى ضميره تعالى حتى يلزم التناقص بين الكلامين فاللّه تعالى يبرهم جميعا لا بمعنى ان جميع انواع البر واصنافه يصل الى كل احد فانه مخالف للحكمة الالهية اذ لا يبقى الفرق حينئذ بين الاعلى والادنى بل يصل بره اليهم على سبيل التوزيع بان يخص احد بنعمة وآخر باخرى فيرجع بذلك كل واحد منهم الى الآخرة فيما عنده من النعمة فينتظم به احوالهم ويتم اسباب معاشهم وصلاح دنياهم وعمارتها فيؤدى ذلك الى فراغهم لاكتساب سعادة الآخرة وقال بعضهم يرزق من يشاء بغير حساب اذ الآيات القرءآنية يفسر بعضها بعضا

{ وهو القوى } الباهر القدرة الغالب على كل شىء وهو يناسب عموم لطفه للعباد والقوة فى الاصل صلابة البنية وشدتها المضادة للضعف ولما كانت محالا فى حق اللّه تعالى حملت على القدرة لكونها مسببة عن القوة

{ العزيز } المنيع الذى لا يغلب وهو يلائم تخصيص من يشاء بما يشاء قال بعض الكبار لطفه بعباده لطف الفطرة التى فطر الناس عليها فى احسن تقويم مستعدة لقبول الفيض الالهى بلا واسطة ولطف الجذبة للوصلة وايضا لطيف بعباده بأن جعلهم عباده لا عباد الدنيا ولا عباد النفس والهوى والشيطان خاطب العابدين بقوله لطيف بعباده اى يعلم غوامض احوالكم من دقيق الرياء والتصنع لئلا يعجبوا باحوالهم واعمالهم وخاطب العصاة بقوله لطيف لئلا ييأسوا من احسانه وخاطب الفقرآء بقوله لطيف اى انه محسن بكم لا يقتلكم جوعا فانه محسن بالكافرين فكيف بالمؤمنين

اديم زمين سفره عام اوست ... بر ين خوان يغماجه دشمن جه دوست

وخاطب الاغنياء بقوله لطيف ليعلمو أنه يعلم دقائق معاملاتهم فى جميع المال من غير وجه بنوع تأويل ومن لطفه بعباده انه جعلهم مظهر صفات لطفه ومن لطفه بعباده انه عرفهم انه لطيف ولولا لطفه ما عرفوه ومن لطفه بعباده انه زين اسرارهم بانوار العرفان وكاشفهم بالعين والعيان

در فصول آورده كه لطيف جندمعنى دارداول مهربان امام قشيرى فرموده كه لطف اوست كه بيشتر ازكفايت بدهد وكمتر ازقوت كار فرمايد دوم توازنده وكذا نوازندكى سوم بوشيده كار كسى برقضا وقدر اوراه نبرد ودركاه اوجه وجون دخل ندارد

كسى زجون وجرادم تواندزد ... كه نقش كارحوادت وراى جون وجراست

جرا مكوكه جرادست بسته قدرست ... زجون ملاف كه جون تير بايمال قضاست

در موضح آورده كه لطيف آنست كه عوامض اموررابعلم داند وجرائم مجهوررا بحلم كذراند دركشف الاسرار آورده كه لطيف آنست كه نعمت بقدر خود داد وشكر بقدر بنده خواست

وقال بعضهم اللطيف الذى ينسى العباد ذنوبهم فى الآخرة لئلا يتشوشوا وقال ابو سعيد الخراز قدس سره اللّه لطيف بعباده موجود فى الظاهر والباطن والاشياء كلها موجودة به لكن يوجد ذكره فى قلب العبد مرة ويفقد مرة ليجدد بذلك افتقاره اليه وقال جعفر الصادق رضى اللّه عنه لطفه فى الرزق الحلال وتقسيمه على الاحوال يعنى انه رزقك من الطيبات ولم يدفعه اليك مرة واحدة وقال على بن موسى رضى اللّه عنه هو تضعيف الاجر وقال الجنيد قدس سره هو الذى لطف باوليائه فعرفوه ولو لطف باعدآئه ما جحدوه

وقيل هو الذى ينشر المناقب ويستر المثالب وقال بعضهم لطف وى بوداز توطاعات موقت خواست ومثوبات مؤبد داد خدايرا لطف است وهم قهر بلطف او كعبه ومسجدها رابنا كردند وبقهرا وكليساها وبتكدها برآوردند بس بعضى بطريق لطف سلوك ميكند بسبب توفيق وبعضى بطريق قهرميرودبمقتضاى خذلان مؤذنى بودجندين سال بانك نماز كفته روزى برمناره رفت ديده وى برزنى ترسا افتاد تعشق كردجون ازمناره فروآمد بدرسرايش رفت قصه باوى بكفت آن زن كفت اكر دعوى راستست ودر عشق صادقى موافقت شرطست زنار بر ميان بايدبست آن بدبخت بطمع آن زن زنار ترسايى بربست وخمر خورد وجون مست كشف قصدآن زن كرد زن بكريخت ودرخانه شدآن بدبخت بربام رفت تابحيلتى خويشتزا در ان خانه افكند بخذلان ازلى ازبام درفتاد وبترسايى هلاك شد جند بن سال مؤذنى كرد درشرآئع اسلام ورزيد وبعاقبت برتسايى هلاك شد وبمقصود نرسد ( قال الحافظ )

حكم مستورى ومستى همه بر خاتمتست ... كس نداست كه آخربجه حالت برود

وقال الامام الغزالى رحمه اللّه اللطيف من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك فى ايصالها الى المستصلح سبيل الرفق دون العنف واذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى العلم والادراك ثم معنى اللطف ولا يتصور كمال ذلك فى العلم والفعل الا لله وحده ومن لطفه خلقه الجنين فى بطن امه فى ظلمات ثلاث وحفظه فيها وتغديته بواسطة السرة الى ان ينفصل فيستقل بالتناول للغذآء بالفم ثم الهامه اياه عند الانفصال التقام الثدى وامتصاصه ولو فى ظلمات الليل من غير تعليم ومشاهدة بل تتفتق البيضة عن الفرخ وقد ألهمه التقاط الحب فى الحال ثم تأخير خلق السن من اول الخلقة الى وقت انباته للاستغناء باللبن عن السن ثم انباته السن بعد ذلك عند الحاجة الى طحن الطعام ثم تقسيم الاسنان الى عريضة للطحن والى انياب للكسر والى ثنايا حادة الاطراف للقطع ثم استعمال اللسان الذى الغرض الاظهر منه النطق ورد الطعام الى المطحن كالمجرفة فيكون الانسان فى زمرة الجمادات واول نعمة عليه أن اللّه تعالى كرمه فنقله من عالم الجماد الى عالم النبات ثم عظم شأنه فنقله من عالم النبات الى عالم الحيوان فجعله حساسا متحركا بالارادة ثم نقله الى عالم الانسان فجعله ناطقا وهى نعمه اخرى اعظم مما سبق ومن لطفه أنه يسر لهم الوصول الى سعادة الابد بسعى خفيف فى مدة قصيرة وهو العمر القليل ومن لطفه اخراج اللبن الصافى من بين فرث ودم واخراج الجواهر النفيسة من الاحجار الصلبة واخراج العسل من النحل والابريسم من الدود والدر من الصدف الى غير ذلك وحظ العبد من هذا الوصف الرفق بعباد اللّه والتلطف بهم فى الدعوة الى اللّه والهداية الى سعادة الآخرة من غير ازرآء وعنف ومن غير تعصب وخصام واحسن وجوه اللطف فيه الجذب الى قبول الحق بالشمائل والسير المرضية والاعمال الصالحة فانها اوقع والطف من الالفاظ المزينة ولذلك قال عليه السلام

( صلوا كما رأيتمونى اصلى ) ولم يقل صلوا كما قلت لكم لأن الفعل ارجح فى نفس المقتدى من القول ( وفى المثنوى )

بند فعلى خلق را جذاب تر ... كه رسددرجان هربا كوش كر

ثم أن الارزاق صورية ومعنوية فالصورية ظاهرة والمعنوية هى علم التوحيد والمعارف الالهية التى تتغذى بها الارواح يقال غذآء الطبيعة الاكل والشرب وغذآء النفس التكلم بما لا يعنى وغذآء القلب الفكر وغذآء الروح علم التوحيد من حيث الافعال والصفات والذات وسائر المعارف الالهية مما لا نهاية لها والمنظر الالهى فى الوجود الانسانى هو القلب فاذا صلح هو بالتوحيد والذكر ونور الايمان والعرفان صلح سائر الاحوال ومن اللّه البر واللطف والاحسان والنوال والافضال

٢٠

{ من } هركه

{ كان يريد حرث الآخرة } الحرث فى الاصل القاء البذر فى الارض يطلق على الزرع الحاصل منه ويستعمل فى ثمرات الاعمال ونتائجها بطريق الاستعارة المبنية على تشبيهها بالغلال الحاصلة من البذور المتضمن لتشبيه الاعمال بالبذور من حيث انها فائدة تحصل بعمل الدنيا ولذلك قيل الدنيا مزرعة الآخرة والمعنى من كان يريد باعماله ثواب الآخرة

{ نزد له فى حرثه } تضاعف له ثوابه بالواحد عشرة الى سبعمائة فما موقها ( قال الكاشفى ) جنانكه كشت دانه مى افزايد تايكى ازان بسيار ميشود همجنين عمل مؤمن روز بروز افزونى ميكيرد تاحدى كه يك ذره برابر كوه احد ميشود ولم يقل فى حقه وله فى الدنيا نصيب مع أن الرزق المقسوم له يصل اليه لا محالة للاستهانة بذلك والاشعار بأنه فى جنب ثواب الآخرة ليس بشىء ولذلك قال سليمان عليه السلام لتسبيحة خير من ملك سليمان كفته اند كه بر سليمان عليه السلام مال وملك وعلم عرضه كردندكه زين سه يكى اختياركن سليمان علم اختيار كرد مال وملك فرا فرودنداد

دنيا طلبى بهره دنيات دهند ... عقبى طلبى هردوبيك جات دهند

فان قيل ظاهر اللفظ يدل على أن من صلى لاجل طلب الثواب او لاجل دفع العقاب فانه تصح صلاته واجمعوا على انها لا تصح لأن الرغبة فى الايمان والطاعة لا تنفع الا اذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه لكونه ايمانا وطاعة

واما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيد لأنه يكون عليلا مريضا والجواب أن الحرث لا يتأتى الا بالقاء البذر الصحيح فى الارض والبذر الصحيح الجامع للخيرات والسعادات ليس الا عبودية اللّه تعالى فلا يكون العمل اخرويا الا بان يطلب فيه رضى اللّه

{ ومن كان يريد } باعماله

{ حرث الدنيا } وهو متاعها وطيباتها والمراد الكافر أو المنافق حيث كانوا مع المؤمنين فى المغازى وغرضهم الغنيمة ودخل فيه اصحاب الاغراض الفاسدة جميعا

{ نؤته منها } اى شيأ منها حسبما قسمنا له لا ما لا يريده ويبتغيه فمنها متعلق بكائنا المحذوف الواقع صفة للمفعول الثانى ويجوز أن يكون كلمة من للتبعيض اى بعضها ومآل المعنى واحد دلت الآية على أن طالب الدنيا لا ينال مراده من الدنيا وفى الحديث ( من كانت نيته الاخرة جمع اللّه شمله وجعل غناه فى قلبه واتته الدنيا وهى راغمة ومن كانت نيته الدنيا فرق اللّه عليه امره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب اللّه له )

{ وما له فى الآخرة من نصيب } من مزيدة للاستغراق اى ماله نصيب ما فى الاخرة اذ كانت همته مقصورة على الدنيا ولكل امرئ ما نوى فيكون محروما من ثواب الاخرة بالكلية وقال الامام الراغب ان الانسان فى دنياه حارث وعمله حرثه ودنياه محرثه ووقت الموت وقت حصاده والآخرة بيدره ولا يحصد الا ما زرعه ولا يكيل الا ما حصده ( حكى ) أن رجلا ببلخ امر عبده ان يزرع حنطة فزرع شعيراً فرآه وقت الحصاد وسأله فقال العبد زرعت شعيرا على ظن أن ينبت حنطة فقال مولاه يا احمق هل رأيت احدا زرع شعيرا فحصد حنطة فقال العبد فكيف تعصى انت وترجو رحمته وتغتر بالامانى ولا تعمل العمل الصالح

ازرباط تن جوبكذشتى دكر معموره نيست ... زاد راهى بر نميدارى ازين منزل جرا

وكما ان فى البيدر مكيالا وموازين وامناء وحفاظا وشهودا كذلك فى الآخرة مثل ذلك وكما أن للبيدر تذرية وتمييزا بين النقاوة والحطام كذلك فى الآخرة تمييز بين الحسنى والآثام فمن عمل لآخرته بورك له فى كيله ووزنه وجعل له منه زاد الابد ومن عمل لدنياه خاب سعيه وبطل عمله فاعمال الدنيا كشجرة الخلاف بل كالدفلى والحنظل فى الربيع يرى غض الاوراق حتى اذا جاء حين الحصاد لم ينل طائلا واذا حضر مجتناه فى البيدر لم يفد نائلا ومثل اعمال الاخرة كشجرة الكرم والنخل المستقبح المنظر فى الشتاء فاذا حان وقت القطاف والاجتناء افادتك زادا وادخرت عدة وعتادا ولما كانت زهرات الدنيا رآئقة الظاهر خبيثة الباطن نهى اللّه تعالى عن الاغترار بها فقال

{ ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى } فالقذر قذر وان كان فى ظرف من الذهب فالعاقل لا يتناوله وفى التأويلات النجمية من كان يريد حرث الآخرة بجهده وسعيه نزد له فى حرثه بهدايتنا وتوفيق مزيد طاعتنا وصفاء الاحوال فى المعارف بعنايتنا اليوم ونزيده فى الآخرة قربة ومكانة ورفعة فى الدرجات وشفاعة الاصدقاء والقرابات ومن كان يريد حرث الدنيا مكتفيا به نؤته منها اى من آفات حب الدنيا من عمى القلب وبكمه وصممه وسفهه والحجب التى تتولد منها الاخلاق الذميمة النفسانية والاوصاف الرديئة الشيطانية والصفات السبعية والبهيمية الحيوانية وماله فى الآخرة مشاهدته ووصاله وقربه وهذا للعارفين وحرث الدنيا الكرامات الظاهرة ومن شغلته الكرامات احتجب بها عن الحق وما يريد من حرث الدنيا فهو معرفة اللّه ومحبته وخدمته والا فلا يزن الكون عند اهل المعرفة ذرة

قال بعضهم فى هذه الآية من عمل لله محبة له لا طلبا للجزآء صغر عنده كل شىء دون اللّه ولا يطلب حرث الدنيا ولا حرث الآخرة بل يطلب اللّه عن الدنيا والآخرة وقال سهل حرث الدنيا القناعة وحرث الآخرة الرضى وقال ايضا حرث الآخرة القناعة فى الدنيا والمغفرة فى الآخرة والرضى من اللّه فى كل الاحوال وحرث الدنيا قضاء الوطر منها والجمع منها والافتخار بها ومن كان بهذه الصفة فماله فى الاخرة من نصيب قال الشيخ العطار قدس سره

همجو طفلان منكراندر سرخ وزرد ... جون زنان مغرور رنك وبو مكرد

فالدنيا امرأة عجوز ومن افتخر بزينتها وزخارفها فهو فى حكم المرأة فعلى العاقل تحصيل الجاه الاخروى بالاعمال الصالحة الباقية فان الدنيا وما فيها باسرها زآئلة فانية كما قال لبيد

ألا كل شىء ما خلا اللّه باطل ... وكل نعيم لا محالة زآئل

والمراد نعيم الدنيا

٢١

{ أم لهم شركاء } ام منقطعة مقدرة ببل والهمزة قيل للاضطراب عن قوله شرع لكم من الدين والهمزة للتقرير والتحقيق وشركاؤهم شياطينهم من الانس والجن والضمير للمشركين من قريش والاضافة على حقيقتها والمعنى بل لهم شركاء من الشياطين اى نظرآء يشاركونهم فى الكفر والعصيان ويعاونونهم عليه بالتزيين والاغرآء

{ شرعوا لهم } بالتسويل وبالفارسية نهاده اند براى ايشان يعنى بيار استه انددردل ايشان

{ من الدين } الفاسد

{ ما لم يأذن به اللّه } كالشرك وانكار البعث والعمل للدنيا وسائر مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة لأنهم لا يعلمون غيرها وتعالى اللّه عن الاذن فى مثل هذا والامر به والدين للمشاكلة لأنه ذكر فى مقابلة دين اللّه او للتهكم

وقيل شركاؤهم اوثانهم فالهمزة للانكار فان الجماد الذى لا يعقل شيأ كيف يصح ان يشرع دينا والحال أن اللّه تعالى لم يشرع لهم ذلك الدين الباطل واضافتها اليهم لأنهم الذين جعلوها شركاء لله واسناد الشرع اليها مع كونها بمعزل عن الفاعلية اسناد مجازى من قبيل اسناد الفعل الى السبب لأنها سبب ضلالتهم وافتنانهم كقوله تعالى

{ انهن اضللن كثيرا من الناس } { ولولا كلمة الفصل } اى القضاء السابق بتأخير العذاب او العدة بان الفصل يكون يوم القيامة والفصل القضاء بين الحق والباطل كما فى القاموس ويوم الفصل اليوم الذى فيه يبين الحق من الباطل ويفصل بين الناس بالحكم كما فى المفردات

{ لقضى بينهم } حكم كرده شده بودى ميان كافران ومؤمنان ياميان مشركان وشركاء وهريك جزا بسزا يافته بودندى اما وعده فصل ميان ايشان درقيامتست

{ وان الظالمين لهم عذاب اليم } فى الآخرة اى نوع من العذاب متفاقم المه وبالفارسية عذابى درونان دآئم وبى انقطاع بود

واقام المظهر مقام المضمر تسجيلا عليهم بالظلم ودلالة على ان العذاب الاليم الذى لا يكتنه كنهه انما يلحقهم بسبب ظلمهم وانهما كهم فيه وفى الآية اشارات منها ان كفار النفوس شرعوا عند استيلائهم على الدين بالهوى للارواح والقلوب ما لم يرض به اللّه من مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة كاهل الحرب شرعوا لاسارى المسلمين عند استيلائهم عليهم ما ليس فى دينهم من اكل لحم الخنزير وشرب الخمر وعقد الزنار ونحوها فلا بد من التوجه الى اللّه ليندفع الشر وينعكس الامر ( روى ) ان سالم بن عوف رضى اللّه عنه اسره العدو فشكاه ابوه الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال عليه السلام ( اتق اللّه واكثر قول لا حول ولا قوة الا باللّه ) ففعل فجاء ابنه ومعه مائة من الابل ( قال الحافظ )

سروش عالم غيبم بشارتى خوش داد ... كه كس هميشه بكيتى دزم نخواهد ماند

ومنها أن اللّه تعالى لم يقض بين الخلق بالتكاليف والمجاهدات قبل البلوغ لضعف البشرية وثقل حمل الشريعة واخر بحكمته تكاليف الشرع تربية للقالب ليحصل القوة لقمع الطبع ( قال الصائب )

تاجه آيدروشن است ازدست اين يك قطعه خاك ... جرخ نتوانست كردن زه كمان عشق را

ومنها أن من ظلم نفسه بمتابعة الهوى فله عذاب اليم بعد البلوغ من الفطام عن المألوفات الطبيعية بالاحكام الشرعية وهذا العذاب للنفس والطبيعة رحمة عظيمة للقلب والروح ولذا من قال هذه الطاعات جعلها اللّه عذابا علينا من غير تأويل كفر فان اول مراده بالتعب لا يكفر ولو قال لو لم يفرض اللّه لكان خيرا لنا بلا تأويل كفر لأن الخير فيما اختاره اللّه الا ان يؤول ويريد بالخير الاهون والاسهل وفى القصيدة البردية

وراعها وهى فى الاعمال سائمة ... وان هى استحلت المرعى فلا تسم

اى راع النفس فى اشتغالها بالاعمال عما هو مفسد ومنقص للكمال من الرياء والعجب والغفلة والضلال وان عدت النفس بعض التطوعات حلوا واعتادت به والفت فاجتهد فى ان تقطع نفسك عنها واشتغل بما هو أشق عليها لأن اعتبار العبادة انما هو بامتيازها عن العادة وانما ترتفع الكلفة مطلقا عن العارفين

كم حسنت لذة للمرء قاتلة ... من حيث لم يدر ان السم فى الدسم

يعنى كثيرا من المرات زينت النفس لذة للمرء من اللذات قاتلة للمرء كالدسم والمرء لا يدرى أن السم فى الدسم لا سيما اذا كان المرء من اهل المحبة والوداد فهلاكه فى لذة الطعم وطيب الرقاد ومن اللّه التوفيق لاصلاح النفس وتزكيتها

٢٢

{ ترى الظالمين } اى المشركين يوم القيامة يا من بصلح للرؤية

{ مشفقين } خائفين

{ مما كسبوا } اى اشفاقا ناشئا من السيئات التى عملوها فى الدنيا ومن اجلها فكلمة من للتعليل وليست صلة مشفقين حتى يحتاج الى تقدير المضاف هنا مع أنه ايضا معنى صحيح لأن الاول ابلغ وادخل فى الوعيد

{ وهو واقع بهم } اى وباله وجزآؤه لاحق بهم لا محالة اشفقوا أولم يشفقوا والجملة حال من ضمير مشفقين او اعتراض قال سعدى المفتى يعنى ينعكس الحال فى الآخرة فالآمنون فى الدنيا يشفقون فى الآخرة والمشفقون فى الدنيا يأمنون فى الآخرة ( وفى المثنوى )

لا تخافوا هست نزل خائقان ... هست درخوراز براى خائف آن

هركه ترسد مرورا ايمن كنند ... هردل ترسنده راسا كن كنند

آنكه خوفش نيست جون كويى مبرس ... درس جه دهى نيست اومحتاج درس

وفيه اشارة الى أن عذاب اهل الهوى والشهوات واقع بهم اما فى الدنيا بكثرة الرياضات وانواع المجاهدات لتزكية النفس من اوصافها وتحليتها باضدادها

واما فى الآخرة بورودها النار لتنقيتها وعذاب الدنيا اهون فلا بد من الاجتهاد قبل فوات الوقت

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات } اى استعملوا تكاليف الشرع لقمع الطبع وكسر الهوى وتزكية النفس وتصفية القلب وتحلية الروح

{ فى روضات الجنات } مستقرون فى اطيب بقاعها وانزهها فان روضة الارض تكون كذلك وبالفارسية اندرمر غزار هاى بهشت انديعنى خوشترين بقعها ونزهت فزاى ترين آن قال فى حواشى الكشاف الروضة اسم لكل موضع فيه ماء وعشب وفى كشف الاسرار هى الاماكن المتسعة المونقة ذات الرياحين والزهر انتهى وفى الحديث ( ثلاث يجلون البصر النظر الى الخضرة والى الماء الجارى والى الوجه الحسن ) قال ابن عباس رضى اللّه عنهما والاثمد عند النوم قال الراغب قوله فى روضات الجنات اشارة الى ما اعد لهم فى العقبى من حيث الظاهر

وقيل اشارة الى ما اهلهم له من العلوم والاخلاق التى من تخصص بها طاب قلبه

{ لهم ما يشاؤون عند ربهم } اى ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل لهم عند ربهم على ان عند ربهم ظرف للاستقرار العامل فى لهم

وقيل ظرف ليشاؤون على ان يكون عبارة عن كونهم عند اللّه والآية من الاحتباك انبت الاشفاق اولا دليلا على حذف الامن ثانيا والجنات ثانيا دليلا على حذف النيران اولا

{ ذلك } المذكور من اجر المؤمنين

{ هو الفضل الكبير } الذى يصغر دونه ما لغيرهم من الدنيا او تحقر عنده الدنيا بحذافيرها من اولها الى آخرها وهذا فى حق الامة

واما النبى عليه السلام فمخصوص بالفضل العظيم كما قال تعالى { وكان فضل اللّه عليك عظيما }

٢٣

{ ذلك } اى الفضل الكبير وهو مبتدأ خبره قوله

{ الذى } اى الثواب الذى

{ يبشر اللّه عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات } اى يبشرهم به على لسان النبى عليه السلام فحذف الجار ثم العائد الى الموصول لأنهم لا يجوزون حذف المفعول الجار والمجرور الا على التدريج بخلاف مثل السمن منوان بدرهم اى منه ( قال الكاشفى ) وتقديم خبرباين كرامتها جهت ازدياد سرور مؤمنانست وآنكه دانندكه عمل ايشان ضائع نيست بس در مراسم عبوديت اجتهاد نمايند وبروظائف عبادت بيفزايند

كار نيكوكن اكر مردنكو ميطلبى ... كز جراهركه نكوتر بنكوكار دهند

كار اكرنيست ترادر طمع اجر مباش ... مزد مزدور باندازه كردار دهند

يقول الفقير وجه تخصيص الروضة وتعميم المشيئة أن اكثر بلاد العرب خالية عن الانهار الجارية والروضات وانهم لا يجدون كل المشتهيات فيشوقهم بذلك ليكونوا على اهبة وتدارك ولا يقيسوا الآخرة على الدنيا فان الدنيا محل البلاء والآفات والآخرة دار النعيم والضيافات وتدارك كل ما فات فمن احب مولاه اجتهد فى طريق رضاه قال شقيق البلخى قدس سره رأيت فى طريق مكة مقعدا يزحف على الارض فقلت له من اين اقبلت قال من سمرقند قلت وكم لك فى الطريق فذكر اعواما تزيد على العشرة فرفعت طرفى انظر اليه متعجبا فقال لى يا شقيق مالك تنظر الى فقلت متعجبا من ضعف مهجتك وبعد سفرتك فقال لى يا شقيق اما بعد سفرتى فالشوق يقربها

واما ضعف مهجتى فمولاها يحملها يا شقيق اتعجب من عبد ضعيف يحمله المولى اللطيف فمن وصل اليه بشارة اللّه بفضله وجوده هان عليه بذل وجوده

{ قل لا اسالكم عليه } روى أنه اجتمع المشركون فى مجمع لهم فقال بعضهم اترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه اجرا يعنى هيج دريافته آيدكه محمد عملىكه مباشر آنست ازابلاغ مزدى ميخوا هديانى فنزلت والمعنى لا اطلب منكم على ما انا عليه من التبليغ والبشارة كما لم يطلب الانبياء من قبلى

{ اجرا } اى نفعا قال سعدى المفتى فسر الاجر بالنفع ليظهر جعل استثناء المودة منه متصلا مع أن ادعاء كونها من افراد الاجر يكفى فى ذلك كما فى قوله ( وبلدة ليس بها انيس * الا اليعافير والا العيس ) وفى التأويلات النجمية قل يا محمد لا اسألكم على التبشير أجرا لأن اللّه ليس يطلب منكم على الفضل عوضا فانا ايضا لا اسألكم على التبشير أجرا فان المؤمن اخذ من اللّه خلقا حسنا فكما أن اللّه تعالى بفضله يوفق العبد للايمان ويعطى الثواب لمن آمن به وليس يرضى بان يعطيك فضله مجانا بل يعطيك عليه اجرا كذلك ليس يرضى لرسوله صلى اللّه تعالى عليه وسلم بان يطلب منك اجرا على التبليغ والتبشير بل يشفع لك ايضا

{ الا المودة فى القربى } المودة مودة الرسول عليه السلام والقربى مصدر كالزلفى بمعنى القرابة التى هى بمعنى الرحم وفى للسببية وبمعنى اللام متعلقة بالمودة ومودته كناية عن ترك اذيته والجرى على موجب قرابته سمى عليه السلام المودة اجرا واستثناها منه تشبيها لها به والاستثناء من قبيل قول من قال

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

وذلك لأنه لا يجوز من النبى عليه السلام ان يطلب الاجر ايا كان على تبليغ الرسالة لأن الانبياء لم يطلبوه وهو اولى بذلك لأنه افضل ولأنه صرح بنفيه فى قوله قل ما اسألكم عليه من اجر ولأن التبليغ واجب عليه لقوله تعالى

{ بلغ ما انزل اليك } وطلب الاجر على اداء الواجب لا يليق ولأن متاع الدنيا اخس الاشياء فكيف يطلب فى مقابلة تبليغ الوحى الالهى الذى هو أعز الاشياء لأن العلم جوهر ثمين والدنيا خزف مهين ولأن طلب الاجر يوهم التهمة وذلك ينافى القطع بصحة النبوة فمعنى الآية لا اسألكم على التبليغ اجرا اصلا الا ان تودونى لاجل قرابتى منكم وبسببها وتكفوا عنى الاذى ولا تعادونى ان كان ذلك اجرا يختص بى لكنه ليس باجر لأنه لم يكن بطن من بطونكم يا قريش الا وبينى وبينها قرابة فاذا كانت قرابتى قرابتكم فصلتى ودفع الاذى عنى لازم لكم فى الشرع والعادة والمروءة سوآء كان منى التبليغ او لا وقد كنتم تتفاخرون بصلة الرحم ودفع الاذى عن الاقارب فما لكم تؤذوننى والحال ما ذكر ويجوز ان يراد بالقربى اهل قرابته عليه السلام على اضمار المضاف وبالمودة مودة اقربائه وترك اذيتهم فكلمة فى على هذا للظرفية والظرف حال من المودة والمعنى الا ان تودوا اهل قرابتى مودة ثابتة متمكنة فيهم روى أنها لما نزلت قيل يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال ( على وفاطمة وابناى ) اى الحسن والحسين رضى اللّه عنهم ويدل عليه ما روى عن على رضى اللّه عنه أنه قال شكوت الى رسول اللّه عليه السلام حسد الناس لى فقال ( اما ترضى ان تكون رابع اربعة ) اى فى الخلافة ( اول من يدخل الجنة انا وانت والحسن والحسين وازواجنا عن ايماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف ازواجنا ) قال سعدى المفتى فيه ان السورة مكية من غير استثناء منها ولم يكن لفاطمة حينئذ اولاد وعنه عليه السلام ( حرمت الجنة على من ظلم اهل بيتى وآذانى فى عترتى ومن اصطنع صنيعة الى احد من ولد عبد المطلب ولم يجازه فأنا اجازيه عليها غدا اذا لقينى يوم القيامة ) وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( من مات على حب آل محمد مات شهيدا الا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له الا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا الا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الايمان الا ومن تاب على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير الا ومن مات على حب آل محمد يزف الى الجنة كما تزف العروس الى بيت زوجها الا ومن مات على حب آل محمد فتح له فى قبره بابان الى الجنة الا ومن مات على حب آل محمد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة الا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة الا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه الا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً الا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة )

وآل محمد هم الذين يؤول امرهم اليه عليه السلام فكل من كانه مآل امرهم اليه اكمل واشد كانوا هم الآل ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول اللّه اشد التعلقات بالنقل المتاتر فوجب ان يكونوا هم الآل

درتفسير ثعلبى آورده كه ه خويشان حضرت رسول اللّه بنوهاشم اند وبنوا المطلب كه خمس برايشان قسمت بايد كرد

وفى الكواشى قرابته عليه السلام فاطمة وعلى وابناهما او آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس او من حرمت عليهم الصدقة وهم بنوا هاشم ووبنوا المطلب

وقيل آل الرسول امته الذين قبلوا دعوته قال ابن عطاء لا اسألكم على دعوتكم اجرا الا ان تتوددوا الى بتوحيد اللّه وتتقربوا اليه بدوام طاعته وملازمة اوامره وقال الحسين كل من تقرب الى اللّه بطاعته وجبت عليكم محبته اى فان المحب يحب المحب لكونهما محبين لمحبوب واحد وكذ المطيع مع المطيع لشركتهما فى الاطاعة والانقياد ( حكى ) عن الشيخ ابن العربى قدس سره أنه قال بلغنى عن رجل انه يبغض الشيخ ابا مدين فكرهت ذلك الشخص لبغضه الشيخ ابا مدين فرأيت رسول اللّه فى المنام فقال لى ( لم تكره فلانا ) فقلت لبغضه فى ابى مدين فقال ( اليس يحب اللّه ورسوله ) فقلت له ( يا رسول اللّه ) فقال لى ( فلم تبغضه لبغض ابا مدين وما تحبه لحبه اللّه ورسوله ) فقلت له يا رسول اللّه الى الآن انى واللّه زللت وغفلت فاما الآن فأنا تائب وهو من احب الناس الى فلقد نبهت ونصحت صلى اللّه عليك وسلم فلما استيقظت جئت الى منزله فاخبرته بما جرى فبكى واعتد الرؤيا تنبيها من اللّه فزال بغضه ابا مدين واحبه

{ ومن يقترف حسنة } اى يكتسب اى حسنة كانت سيما حب آل رسول اللّه قال الراغب اصل القرف والاقتراف قشر اللحاء عن الشجرة والجليدة عن الجذع وما يؤخذ منه قرف واستعير الاقتراف للاكتساب حسنيا كان او سوئيا وفى الاساءة اكثر استعمالا ولهذا يقال الاعتراف يزيل الاقتراف

{ نزد له فيها } اى فى الحسنة يعنى براى آن حسنه كما قال الكاشفى

{ حسنا } بمضاعفة والتوفيق لمثلها والاخلاص فيها وبزيادة لا يصل العبد اليها بوسعه مما لا يدخل تحت طوق البشر

{ ان اللّه غفور } من اذنب

{ شكور } لمن اطاع بتوفية الثواب والتفضل عليه بالزيادة فالشكر من اللّه مجاز عن هذا المعنى لأن معناه الحقيقى وهو فعل ينبىء عن تعظيم المنعم لكونه منعما لا يتصور من اللّه لامتناع ان ينعم عليه احد حتى يقابل بالشكر شبهت الاثابة والتفضل بالشكر من حيث ان كل واحد منهما يتضمن الاعتداد بفعل الغير واكراما لاجله وفى بحر العلوم او معتد بالحسنة القليلة حتى يضاعفها فان القليل عند اللّه كثير وفى الحديث

( ان عيسى بن مريم قال اخبرنى يا رب عن هذه الامة المرحومة فأوحى اللّه اليه انها امة محمد حكماء علماء كأنهم من الحكمة والعلم انبياء يرضون باليسير من العطاء وارضى منهم باليسير من العمل ادخل احدهم الجنة بان يقول لا اله الا اللّه ) قال الامام الغزالى رحمه اللّه العبد يتصور ان يكون شاكرا فى حق عبد آخر مرة بالثناء عليه باحسانه اليه واخرى بمجازاته اكثر مما صنعه اليه وذلك من الخصال الحميدة قال رسول اللّه عليه السلام ( من لم يشكر الناس لم يشكر اللّه )

واما شكره لله تعالى فلا يكون الا بنوع من المجاز والتوسع فانه ان اثنى فثناؤه قاصر لأنه لا يحصى ثناء عليه فان اطاع فطاعته نعمة اخرى من اللّه عليه بل عين شكره نعمة اخرى ورآء النعمة المشكورة وانما احسن وجوه الشكر لنعم اللّه ان لا يستعملها فى معاصيه بل فى طاعته وذلك ايضا بتوفيق اللّه وتيسيره

عطايست هرموى ازو بر تنم ... جه كونه بهرموى شكرى كنم

ترا آنكه جشم ودهان دادو كوش ... اكرعاقلى در خلافش مكوش

٢٤

{ ام يقولون } ام منقطعة اى بل ايقولون يعنى كفار مكة على انه اضراب عن قوله ام لهم شركاء الخ

{ افترى } محمد

{ على اللّه كذبا } بدعوى النبوة وتلاوة القرءآن على ان الهمزة للانكار التوبيخى كأنه قيل ايتما لكون ان ينسبوا مثله عليه السلام وهو هو الى الافترآء لا سيما الافترآء على اللّه الذى هو اعظم الفرى وافحشها والفرق بين الافثرآء والكذب ان الافترآء هو افتعال الكذب من قول نفسه والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه

{ فان يشأ اللّه يختم على قلبك } استشهاد على بطلان ما قالوا ببيان أنه عليه السلام لو افترى على اللّه لمنعه من ذلك قطعا وتحقيقه ان دعوى كون القرءآن افترآء على اللّه قول منهم بأنه تعالى لا يشاء صدوره عن النبى بل يشاء عدم صدوره عنه ومن ضرورته منعه عنه قطعا فكأنه قيل لو كان افترآء عليه تعالى لشاء عدم صدوره عنه وان يشأ ذلك يختم على قلبك بحيث لم يخطر ببالك معنى من معانيه ولم تنطق بحرف من حروفه وحيث لم يكن الامر كذلك بل تواتر الوحى حينا فحينا تبين أنه من عند اللّه كما قال فى التأويلات النجمية يعنى انك ان افتريته ختم اللّه على قلبك ولكنك لم تكذب على ربك فلم يختم على قلبك

يعنى مهرنهد بردل تو وبيغام خويش ازان ببرد

وفيه اشارة الى أن الملائكة والرسل والورثة محفوظون عن المغالطة فى بيان الشريعة والافترآء على اللّه فى شىء من الاشياء

درحقائق سلمى ازسهل بن عبد اللّه التسترى قدس سره نقل ميكندكه مهر شوق ازلى ومحبته لم يزلى بردلى تونهدتا التفات بغيرنكنى و ازاجابت واباى خلق فارغ كردى

{ ويمح اللّه الباطل ويحق الحق بكلماته } استئناف مقرر لنفى الافترآء غير معطوف على يختم كما ينبئ عنه اظهار الاسم الجليل وصيغة المضارع للاستمرار وكتبت يمح فى المصحف بحاء مرسلة كما كتبوا ويدع الانسان ويدع الداع وسندع الزبانية مما ذهبوا فيه الى الحذف والاختصار نظرا الى اللفظ وحملا للوقف على الوصل يعنى أن سقوط الواو لفظا للالتقاء الساكنين حال الوصل وخطا ايضا حملا للخط على اللفظ اى على أنه خلاف القياس وليس سقوطها منه لكونه مجزوما بالعطف على ما قبله لاستحالة المعنى لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقا لا معلقا بالشرط والمعنى ومن عادته تعالى ان يمحو الباطل ويثبت الحق بوحيه او بقضائه فلو كان افترآء كما زعموا لمحقه ودفعه ويجوز ان يكونه عدة لرسول اللّه عليه السلام بانه تعالى يمحو الباطل الذى هم عليه عن البهت والتكذيب ويثبت الحق الذى هو عليه بالقرءآن او بقضائه الذى لا مرد له بنصرته عليم فالصيغة على هذا للاستقبال

{ انه عليم بذات الصدور } بما تضمره القلوب فيجرى عليها احكامها اللائقة بها من المحو والاثبات ( قال الكاشفى )

راستى تو و مظنه افترآى ايشان بتوبر و مخفى نيست ... ولم يقل ذوات الصدور لارادة الجنس وذات ههنا تأنيث ذى بمعنى صاحب فحذف الموصوف واقيمت صفته مقامه اى عليم بالمضمرات صاحبة الصدور وهى الخواطر القائمة بالقلب من الدواعى والصوارف الموجودة فيه وجعلت صاحبة للصدور بملازمتها وحلولها فيها كما يقال للبن ذو الاناء ولولد المرأة هو جنين ذو بطنها وفى الآية اشارة الى أن اللّه تعالى يتصرف فى عباده بما يشاء من ابعاد قريب وادناء بعيد ( روى ) أن رجلا مات فاوحى اللّه تعالى الى موسى عليه السلام مات ولى من اوليائى فاغسله فجاء موسى عليه السلام فوجده قد طرحه الناس فى المزابل لفسقه فقال موسى عليه السلام يا رب انت تسمع مقالة الناس فقال اللّه يا موسى انه تشفع عند موته بثلاثة اشياء لو سأل منى جميع المذنبين لغفرت لهم الاول انه قال يا رب انت تعلم انى وان كنت ارتكبت المعاصى بتسويل الشيطان وقرين السوء ولكنى كنت اكرهها بقلبى والثانى انى وان كنت مع الفسقة بارتكاب المعاصى ولكن الجلوس مع الصالحين احب الى والثالث لو استقبلنى صالح وفاجر كنت اقدم حاجة الصالح فبهذه الثلاثة ادناه اللّه منه وجعله من المقربين عنده بعدما ابعده هو والناس فعلى العاقل اصلاح الصدر والسريرة وفى الخبر ( ان اللّه لا ينظر الى صوركم واموالكم بل الى قلوبكم واعمالكم ) يعنى ان كانت لكم قلوب واعمال صالحة تكونوا مقبولين مطلقا والا فلا وربما يهتدى الى الطريق المستقيم من مضى عمره فى الضلال وذلك لأن شقاوته كانت شقاوة عارضة والعبرة للحكم الازلى والسعادة الاصلية فاذا كان كذالك فيمحو اللّه الباطل وهو الكفر ويثبت الحق وهو الاسلام وربما يختم على قلب من مضى وقته على الطاعة فيصير عاقبة الى المعصية بل الى الكفر كبلعام وبرصيصا ونحوهما مما كانت شقاوته اصلية وسعادته عارضة ( قال الحافظ )

جون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست ... آن به كه كار خود بعنايت رها كنند

واللّه المعين

٢٥

{ وهو الذى يقبل التوبة عن عباده } بالتجاوز عما تابوا عنه لأنه ان لم يقبل كان اغرآء بالمعاصى عدى القبول بعن لتضمنه معنى التجاوز قال ابن عباس رضى اللّه عنهما هى عامة للمؤمن والكافر والولى والعدو ومن تاب منهم قبل اللّه توبته والتوبة هى الرجوع عن المعاصى بالندم عليها والعزم ان لا يعاودها ابدا وقال السرى البوشنجى هو ان لا تجد حلاوة الذنب فى القلب عند ذكره ( وروى ) جابر رضى اللّه عنه ان اعرابيا دخل مسجد رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم وقال اللهم انى استغفرك واتوب اليك وكبر فلما فرغ من صلاته قال له على رضى اللّه عنه يا هذا ان سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين وتوبتك هذه تحتاج الى التوبة فقال يا امير المؤمنين وما التوبة قال التوبة اسم يقع على ستة معان على الماضى من الذنوب بالندامة وتضييع الفرآئض بالاعادة ورد المظالم واذابة النفس فى الطاعة كما ربيتها فى المعصية واذاقتها مرارة الطاعة كما اذقتها حلاوة المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته وفى الاثر ( لله تعالى افرح بتوبة العبد من المضل الواجد ومن العقيم الوالد ومن الظمئان الوارد فمن تاب الى اللّه توبة نصوحا أنسى اللّه حافظيه وبقاع الارض خطاياه ) ( روى ) عبد العزيز بن اسمعيل قال يقول اللّه تعالى ( ويح ابن آدم يذنب الذنب ثم يستغفر فاغفر له لا هو يترك ذنوبه ولا هو ييأس من رحمتى اشهدكم انى قد غفرت له ) وفى التأويلات النجمية اذا اراد اللّه تعالى ان يتوب على عبد من عباده ليرجع من اسفل سافلين البعد الى اعلى عليين القرب يخلصه من رق عبودية ما سواه بتصرف جذبات العناية ثم يوفقه للرجوع بالتقرب اليه ذراعا بالقبول ولو لم يكن القبول سابقا على التوبة لما تاب كما

قال بعضهم لبعض المشايخ ان اتب الى اللّه هل يقبل قال ان يقبل اللّه تتوب فى الخبر ( أن بعض مواضع الجنة تبقى خالية فيخلق اللّه تعالى خلقا جديدا فيملأها بهم )

اكر روا باشد ازروى كرم كه خلقى آفريند عبادت نابرده ورنج نابرده بيرون نكند وازثواب وعطاى خود محروم نكرداند

فكيف بالتائبين منهم والمستغفرين

{ ويعفو عن السيئات } صغيرها وكبيرها غير الشك لمن يشاء بمحض رحمته وشفاعة شافع وان لم يتوبوا وهو مذهب اهل السنة وفى التأويلات النجمية ويعفو عن كثير من الذنوب التى لا يطلع العبد عليها ليتوب عنها وايضا ويعفو عن كثير من الذنوب قبل التوبة ليصير العبد به قابلا للتوبة والا لما تاب

{ ويعلم ما تفعلون } كائنا ما كان من خير وشر فيجازى التائب ويتجاوز عن غير التائب حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وفى التأويلات النجمية ويعلم ما تفعلون من السيئات والحسنات مما لا تعلمون انها من السيئات والحسنات فبتلك الحسنات يعفو عن السيئات وعن عرائس البقلى يقبل توبتهم حين خرجوا من النفس والكون وصاروا اهلا له مقدسين بقدسه ويعفو عن سيئاتهم ما يخطر بقلوبهم من غير ذكره ويعلم ما تفعلون من التضرع بين يديه فى الخلوات وفى صحف ابراهيم عليه السلام على العاقل ان يكون له ساعات ساعة يناجى فيها ربه ويفكر فى صنع اللّه وساعة يحاسب نفسه فيما قدم واخر وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال فى المطعم والمشرب وغيرهما وروى ان رجلا قال للدينورى رحمه اللّه ما اصنع فكلما وقفت على باب المولى صرفنى البلوى فقال كن كالصبى مع امه فكلما ضربته يجزع بين يديها ويتضرع فلا يزال كذلك حتى تضمه اليها وفى الخبر

( ان بعض المذنبين يرفع يده الى جناب الحق فلا ينظر اليه ) اى بعين الرحمة ( ثم يدعو ثانياً فيعرض عنه ثم يدعو ويتضرع ثالثاً فيقول يا ملائكتى قد استحييت من عبدى وليس له رب غيرى فقد غفرت له ) واستحيت اى حصلت مرامه فانى استحيى من تضرع العباد

كرم بين ولطف خداوندكار ... كنه بنده كردست واو شرمسار

ومعنى استحيائه تعالى تركه تخييب العبد فى رجائه

٢٦

{ ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الفاعل ضمير اسم اللّه والموصول مفعول به على اضمار المضاف اى ويستجيب اللّه دعاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات اى المؤمنين الصالحين اذا دعوه ويثيبهم على طاعاتهم يعنى يعطيهم الثواب فى الآخرة والاثابة معنى مجازى للاجابة لأن الطاعة لما شبهت بدعاء ما يترتب عليها من الثواب كانت الاثابة عليها بمنزلة اجابة الدعاء فعبر بها عنها ومنه قوله عليه السلام ( افضل الدعاء الحمد لله ) يعنى اطلق الدعاء على الحمد لله لشبهه به فى طلب ما يترتب عليه ويجوز ان يكون التقدير ويستجيب اللّه لهم فحذف اللام كما فى قوله واذا كالوهم اى كالوا لهم قال سعدى المفتى الاظهر حمل الكلام على اضمار المضاف فانه كالمنقاس بخلاف حذف الجار

{ ويزيدهم من فضله } على ما سألوا منه تفضلا وكرما ويجوز ان يكون الموصول فاعل الاستجابة والاستجابة فعلهم لا فعل اللّه تعالى واستجاب بمعنى اجاب او على ان يكون السين للطلب على اصلها فعلى هذا الوجه يكون ويزيدهم من فضله معطوفا على مقدر والمعنى ويستجيبون لله بالطاعة ويزيدهم على ما استحقوه من الثواب تفضلا ويؤيد هذا الوجه ما روى عن ابراهيم بن ادهم قدس سره انه قيل ما لنا ندعو فلا نجاب قال لأنه دعاكم فلم تجيبوه ثم قرأ

{ واللّه يدعو الى دار السلام } { ويستجيب الذين آمنوا } فاشار بقرآءته واللّه يدعو الى دار السلام الى ان اللّه تعالى دعا عباده وبقرآءته ويستجيب الذين آمنوا الى انه لم يجيب الى دعائه الا البعض قال فى بحر العلوم هذا الجواب مع سؤاله ليس بمرضى عند اهل التحقيق من علماء الاخبار بل الحق الصريح ان اللّه يجيب دعاء كل عبد مؤمن بدليل قول النبى عليه السلام ( ان العبد لا يخطئه من الدعاء احد ثلاث اما ذنب يغفر

واما خير يدخل

واما خير يعمل ) رواه انس رضى اللّه عنه وقوله عليه السلام ( ما من مسلم ينصب وجهه لله فى مسألة الا اعطاه اياها اما ان يعجلها له

واما ان يدخرها له ) وقوله عليه السلام ( ان المؤمن ليؤجر فى كل شىء حتى فى الكظ عند الموت ) وقوله عليه السلام ( ان اللّه يدعو بعبده يوم القيامة فيقول انى قلت ادعونى استجب لكم فهل دعوتنى فيقول نعم فيقول ارأيت يوم نزل امر كذا وكذا مما كرهت فدعوتنى فجعلت لك فى الدنيا فيقول نعم ويقول دعوتنى يوم نزل بك كذا فلم تر فرجا فقد ادخرته لك فى الجنة حتى يقول العبد ليته لم يستجب لى فى الدنيا دعوة ) رواه جابر رضى اللّه عنه وبدليل قوله عليه السلام ( من اعطى الدعاء لم يحرم من الاجابة )

وقال على رضى اللّه عنه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( اذا احب اللّه عبدا صب عليه البلاء صبا وثجه عليه ثجا فاذا دعا العبد ربه قال جبريل اى رب اقض حاجته فيقول تعالى دعه فانى احب ان اسمع صوته فاذا دعا يقول تعالى لبيك عبدى وعزتى لا تسألنى شيأ الا اعطيك ولا تدعونى بشىء الا استجيب فاما ان اعمل لك

واما ان ادخر لك افضل منه ) والاحاديث فى هذا الباب كثيرة وان اللّه يجيب الدعوات كلها من عبده المؤمن ولا يخيبه فى شى من دعواته وكيف يخيب ولا يجيب من اذا لم يسأله عبده يغضب عليه قال ابو هريرة رضى اللّه عنه قال النبى عليه السلام ( ان اللّه يغضب على من لم يسأله ولا يفعل ذلك احد غيره ) انتهى ما فى بحر العلوم يقول الفقير هذا كله مسلم مقبول فانه يدل على أن دعاء المؤمن المطيع لربه مستجاب على كل حال ولكن لا يلزم منه ان يستجاب لكل مؤمن فان بعضا من الذنوب يمنع الاستجابة ويرد الدعوة كما اذا كان الملبوس والمشروب حراما والقلب لاهيا غافلا وعلى الداعى مظالم وحقوق للعباد ونحو ذلك ويدل على ما ذكرنا ما قال عليه السلام لسعد بن ابى وقاص رضى اللّه عنه حين قال له يا رسول اللّه ادع اللّه ان يستجيب دعائى ( يا سعد اجتنب الحرام فان كل بطن دخل فيه لقمة من حرام لا تستجاب دعوته اربعين يوما ) وايضا ما قال عليه السلام ( الرجل يطيل السفر ) اى فى طريق الحق ( اشعث اغبر يمد يده الى السماء قائلا يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذى بالحرام فانى يستجاب لذلك الرجل دعاؤه ) وايضا ما قال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم ( وانت يا عم لو اطعته اطاعك اطاعتى ) حين قال له ابو طالب ما اطوعك ربك يا محمد وغير ذلك ثم ان الزيادة فى الآية مفسرة بالشفاعة لمن وجبت له النار وبالرؤية فان الجنان ونعيمها مخلوقة تقع فى مقابلة مخلوق مثلها وهو عمل العبد والرؤية مما يتعلق بالقديم ولا تقع الا فى مقابلة القديم وهو الفضل الربانى ( وفى كشف الاسرار ) بنده كه بديدار اللّه رسد بفضل اللّه ميرسد نه ازطاعت خود

وفى الخبر الصحيح ( اذا دخل اهل الجنة الجنة نودوا يا اهل الجنة ان لكم عند اللّه موعدا يريد ان ينجزكموه فيكشف الحجاب فينظرون اليه ) ابو بكر الشبلى قدس سره وقتى درغلبات وجد وخروش كفت اىبارخدا فردا همه را اناببنا انكيز تاجز من تراكس نبيند بازوقتى ديكر كفت باخدا باشبلى رانا بينا انكيزكه دريغ بودكه جون منى ترابيند وآن سخن اول غيرت بود بر جمال ازديده اغيار وآن سخن ديكر غيرت بود برجمال ازديده خودو در راه جوانمردان اين قدم ازان قدم تما مترست وعزيز تر

از رشك تو بركنم دل وديده خويش ... تا اين تونه بيند ونه آن رابيش

وجون حق تعالى ديدار خود را دوستانرا كرامت كند بتقاضاى جمال خود كندنه بتقاضاى بنده كه بشر محض راهر كز زهره آن نبودكه با اين تقاضا بيدا آيد

{ والكافرون لهم عذاب شديد } بدل ما للمؤمنين من الثواب والفضل المزيد ( قال الكاشفى ) مرايشا براست عذابى سخت كه ذل حجاب ودوام عقابست وهيج عقاب بدتر از مذلت حجاب نيست

زهيج رنج نو مطلق دلم نتابد روى ... جزآنكه بند كنى درحجاب حرمانش

وفى التأويلات النجمية لما ذكر انه تعالى يقبل توبة التائبين ومن لم يتب يغفر زلتهم والمطيعون يدخلهم الجنة فلعله يخطر ببال احدهم ان هذه النار لمن هى قال اللّه تعالى والكافرون لهم عذاب شديد فدليل الخطاب ان المؤمنين لهم عذاب ولكن ليس بشديد ثم ان العبد لو لم يتب خوفا من النار ولا طمعا فى الجنة لكان من حقه ان يتوب ليقبل الحق سبحانه توبته ثم ان العامى ابدا منكسر القلب فاذا علم ان اللّه يقبل الطاعة من المطيعين يتمنى ان له طاعة ميسرة ليقبلها اللّه فيقول الحق عبدى ان لم يكن لك طاعة تصلح للقبول فلك توبة ان اتيت بها تصلح لقبولها

٢٧

{ ولو بسط اللّه الرزق لعباده } لو وسعه عليهم

{ لبغوا فى الارض } لطغوا فى الارض وعصوا فمن العصمة ان لا تجد او لظلم بعضهم على بعض لان الغنى مبطرة مأشرة اى داع الى البطر والاشر او البغى بمعنى الكبر فيكون كناية عن الفساد وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما بغيهم فى الارض طلبهم منزلة بعد منزلة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس وقال بعضهم لو أن اللّه تعالى رزق العباد من غير كسب لتفرغوا للفساد فى الارض ولكن شغلهم بالكسب حتى لا يتفرغوا للفساد ونعم ما قيل

ان الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للمرء اى مفسده

اى داعية الى الفساد ومعنى الفراغ عدم الشغل ولزوم البغى على بسط الرزق على الغالب والا فقد يكون الفقير مستكبرا وظالما يعنى ان البغى مع الفقر اقل لأن الفقر مؤد الى الانكسار والتواضع غالبا ومع الغنى اكثر واغلب لأن الغنى مؤد الى البغى غالبا فلو عم البسط كل واحد من العباد لغلب البغى وانقلب الامر الى عكس ما عليه الآن ( قال الكاشفى ) واين درغالبست جه ذى النورين رضى اللّه عنه مالدارترين مردم بودند و هركز ازايشان بغى وطغيان ظاهر نشد وكفته اندمال دنيا بمثال بارانست كه برتمام زمين بارد واز هرقطعه ازان كياه ديكر رويد

باران كه درلطافت طبعش خلاف نيست ... درباغ لاله رويد ودرشوره يوم خس

وجون اغلب طباع خلق بجانب هوى وهوس مائلست وبرور صفات سبعى وبهيمى برايشان غالب ومال دنيا درين ابواب قوى ترين اسبابست بس اكر حق سبحانه وتعالى روزى برخلق فراغ كرداند اكثرباغى وطاغى كردند

وكفا بحال فرعون وهامان وقارون ونحوهم عبرة قال عليه السلام ( ان اخوف ما اخاف على امتى زهرة الدنيا وكثرتها ) ( قال الصائب ) نفس رابد خوبناز ونعمت دنيا مكن

آب ونان وسير كاهل ميكند مزدوررا

{ ولكن ينزل بقدر } اى بتقدير يعنى باندازه كما فى كشف الاسرار ( وقال الكاشفى ) بتقدير ازلى وفى القاموس قدر الرزق قسمه والقدر قياس الشىء بالشىء وفى بحر العلوم يقال قدره قدر او قدرا وقوله عليه السلام ( فان غم عليكم فاقدروا ) بكسر الدال والضم خطأ رواية اى فقدروا عدد الشهر حتى تكملوه ثلاثين يوما

{ ما يشاء } ان ينزله مما تقتضيه مشيئته وهو مفعول ينزل

{ انه بعباده خبير بصير } محيط بخفايا امورهم وجلاياها فيقدر لكل واحد منهم فى كل وقت من اوقاتهم ما يليق بشأنهم فيفقر ويغنى ويمنع ويعطى ويقبض ويبسط حسبما تقتضيه الحكمة الربانية ولو اغناهم جميعا لبغوا ولو افقرهم لهلكوا روى انس بن مالك رضى اللّه عنه عن النبى عليه السلام عن جبرآئيل عن اللّه تعالى انه قال

( من اهان لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة وانى لأسرع شىء الى نصرة اوليائى وانى لأغضب لهم كما يغضب الليث الجريئ وما تقرب الى عبدى المؤمن بمثل ادآء ما افترضت عليه وما زال عبدى المؤمن يتقرب الى بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت له سمعا وبصرا ويدا مؤيدا ان دعانى اجبته وان سألنى اعطيته وما ترددت فى شىء انا فاعله ترددى فى قبض روح عبدى المؤمن يكره الموت واكره مساءته ولا بد له منه وان من عبادى المؤمنين لمن يسألنى الباب من العبادة فاكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح ايمانه الا الفقر ولو اغنيته لأفسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح ايمانه الا الغنى ولو افقرته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح ايمانه الا الصحة ولو اسقمته لأفسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح ايمانه الا السقم ولو اصححته لأفسده ذلك انى ادبر امر عبادى بعلمى بقلوبهم انى بعبادى خبير بصير ) وكان يقول انس رضى اللّه عنه اللهم انى من عبادك المؤمنين الذين لا يصلحهم الا الغنى فلا تفقرنى برحمتك وفى التأويلات النجمية يشير الى قلب الفقير كأنه يقول انما لم ابسط ايها الفقير عليك الدنيا لما كان لى من المعلوم انى لو وسعت عليك لطغوت وسعيت فى الارض بالفساد ويشير ايضا الى وعيد الحريص على الدنيا لينتبه من نوم الغفلة ويتحقق له ان لو بسط اللّه له الرزق بحسب الطلب لكان سبب بغيه وطغيانه وفساد حاله ولتسكن نائرة حرصه على الدنيا ثم قال بطريق الاستدراك ان لم اوسع عليك الرزق لصلاح حالك لم امنع عنك الكل ولكن ينزل بقدر ما يشاء لعلمه بصلاح ذلك وهو قوله انه بعباده خبير بصير روى ان اهل الصفة رضى اللّه عنهم تمنو الغنى فنزلت يعنى اصحاب صفه كه بفقر فاقه ميكذرانيدند روزى در خاطر ايشان كذشت كه جه باشد كه ماتوانكرم شويم ومال خود بفلان وفلان جيز صرف كنيم اين آيت آمد قال خباب بن الارت رضى اللّه عنه فينا نزلت هذه الآية وذلك انا نظرنا الى اموال بنى قريظة والنضير وبنى قينقاع فتمنيناها فانز اللّه تعالى الآية قال سعدى المفتى وفيه أن الآية حينئذ مدنية فكان ينبغى ان يستثنى

وقيل نزلت فى العرب كانوا اذا اخصبوا تحاربوا واذا اجدبوا اى اصابهم الجدب والقحط انتجعوا اى طلبوا الماء والكلأ وتضرعوا وفى ذلك يقول الشاعر

قوم اذا نبت الربيع بارضهم ... نبتت عداوتهم مع البقل

٢٨

{ وهو الذى ينزل الغيث } اى المطر الذى يغيث الناس من الجدب ولذالك خص بالنافع منه فان المطر قد يضر وقد لا يكون فى وقته قال الراغب الغيث يقال فى المطر والغوث فى النصرة

{ من بعد ما قنطوا } اى يئسوا منه وتقييد تنزيله بذلك مع تحققه بدونه ايضا لتذكير كمال النعمة فان حصول النعمة بعد اليأس والبلية اوجب لكمال الفرح فيكون ادعى الى الشكر

{ وينشر } وبراكنده كند

{ رحمته } اى بركات الغيث ومنافعه فى كل شىء من السهل والجبل والنبات والحيوان وفى فتح الرحمن وينشر رحمته وهى الشمس وذلك تعديد نعمة غير الاولى وذلك أن المطر اذا جاء بعد القنوط حسن موقعه فاذا دام سئم وتجيئ الشمس بعده عظيمة الوقع

{ وهو الولى } المالك السيد الذى يتولى عباده بالاحسان ونشر الرحمة ( قال الكاشفى ) واوست دوست مؤمنان وسازنده كار ايشان بفرستادن باران ونشر رحمت واحسان

تواز فشاندن تخم اميد دست مدار ... كه در كرم نكند ابر نوبهار امساك

{ الحميد } المستحق للحمد على ذلك وغيره لا غيره وقال بعضهم وهو الولى اى مولى المطر ومتصرفه يرسله مرة بعد مرة الحميد اى الاهل لأن يحمد على صنعه اذا لا قبح فيه لأنه بالحكمة ودل الغيث على الاحتياج وعند الاحتياج تتقوى العزيمة واللّه تعالى يجيب دعوة المضطر

وقيل لعمر رضى اللّه عنه اشتد القحط وقنط الناس فقال مطروا اذن واراد هذه الآية ( وفى المثنوى )

تا فرود آيد بلاى دافعى ... جون نباشداذ تضرع شافعى

تاسقاهم ربهم آيد خطاب ... تشنه باش اللّه اعلم بالصواب

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان تحت العرش بحرا ينزل منه ارزاق الحيوانات يوحى اللّه اليه فيمطر ما شاء من سماء الى سماء حتى ينتهى الى سماء الدنيا ويوحى الى السماء ان غربليه فتغربله فليس من قطرة تقطر الا ومعها ملك يضعها موضعها ولا ينزل من السماء قطرة الا بكيل معلوم ووزن معلوم الا ما كان من يوم الطوفان من ماء فانه نزل بغير كيل ووزن وروى أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره فى كل عام لأنه لا يختلف فيه البلاد وفى الحديث ( ما من سنة بامطر من اخرى ولكن اذا عمل قوم بالمعاصى حول اللّه ذلك الى غيرهم فاذا عصوا جميعا صرف اللّه ذلك الى الفيافى والبحار ) وفى الحديث القدسى ( لو أن عبادى اطاعونى سقيتهم المطر بالليل واطلعت الشمس عليهم بالنهار وما اسمعتهم صوت الرعد ) قال سفيان رحمه اللّه ليس الخائف من عصر عينيه وبكى انما الخائف من ترك الامر الذى يخاف منه وروى مرفوعا ما من ساعة من ليل ولا نهار الا والسماء تمطر فيها يصرفه اللّه حيث يشاء وفيه اشارة الى دوام فيضه تعالى ظاهرا وباطنا والا لانتقل الوجود الى العدم وفى الآية اشارة الى أن العبد اذا ذبل غصن وقته وتكدر صفو ورده وكسف شمس انسه وبعد بالحضرة وساحات القرب عهده فربما ينظر الحق بنظر رحمته فينزل على سره امطار الرحمة ويعود عوده طريا وينبت من مشاهد انسه وردا جنيا وفى عرآئس البيان يكشف اللّه لهم انوار جماله بعد ان ايسوا من وجدانهم فى مقام القبض وينشر عليهم لطائف بسط القرب لأن وليهم وحبيبهم محمود بلسان افتقارهم قال ابن عطا ان اللّه تعالى يربى عباده بين طمع ويأس فاذا طمعوا فيه ايأسهم بصفاتهم واذا ايسوا أطمعهم بصفاته واذا غلب على العبد القنوط وعلم العبد ذلك واشفق منه اتاه من اللّه الفرج ألا تراه يقول وهو الذى ينزل الغيث من بعد ما قنطوا معناه ينزل غيث رحمته على قلوب اوليائه فينبت فيها التوبة والانابة والمراقبة والرعاية ابر جود باران وجود ريزد سحاب افضال دراقبال فشاندكل وصال درباغ نوال شكفته كردد آخركار باور كار بازشود

يقول الفقير لا شك أن القبض والبسط يتعاقبان وان الانسان لا يضحك دائما ولا يبكى دائما ومن اعاجيب ما وقع لى فى هذا الباب هو انه اغار العرب على الحجاج فى طريق الشام فى سنة الالفات الاربعة وكنت اذ ذاك معهم فتجردت باختيارى عن جميع ما معى غير القميص والسراويل ومشيت على وجهى فقيل لى فى باطنى على يمينك فأخذت اليمين حتى لم يبق لى طاقة على المشى من الجوع والعطش فوقعت على الرمل فأيست من الحياة وليس معى احد الا اللّه فقيل لى فى سمعى قول الشاعر

عسى الكرب الذى امسيت فيه ... يكون ورآءه فرج قريب

ثم ان اللّه تعالى فرج عنى بعد ساعات بما يطول بيانه بل يجب خفاؤه وهو الولى الحميد

٢٩

{ ومن آياته } اى دلائل قدرته تعالى

{ خلق السموات والارض } على ما هما عليه من تعاجيب الصنائع فانها بذاتها او صفاتها تدل على شؤونه العظيمة قال فى الحواشى السعدية قوله فانها اشارة الى ما تقرر فى الكلام من المسالك الاربعة فى الاستدلال على وجود الصانع تعالى حدوث الجواهر وامكانها وحدوث الاعراض القائمة بها وامكانها ايضا وفيه اشارة الى ان خلق السموات من اضافة الصفة الى الموصوف اى السموات المخلوقة انتهى

{ وما بث فيهما } عطف على السموات او الخلق ومعنى بث فرق يعنى برا كنده كرده

وقال الراغب اصل البث اثارة الشىء وتفريقه كبث الريح التراب وبث النفس ما نطوت عليه من الغم والسرور وقوله وبث اشارة الى ايجاده تعالى ما لم يكن موجودا واظهاره اياه

{ من دابة } حى على اطلاق اسم المسبب على السبب اى الدبيب مجازا اريد به سببه وهو الحياة فتكون الدابة بمعنى الحى فتتناول الملائكة ايضا لأن الملائكة ذووا حركت طيارون فى السماء وان كانوا لا يمشون على الارض ويجوز أن يكون المعنى مما تدب على الارض فان ما يختص بأحد الشيئين المجاورين يصح نسبته اليهما يعنى ما يكون فى احد الشيئين يصدق انه فيهما فى الجملة كما فى قوله تعالى

{ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } وانما يخرج من الملح وقد جوز ان يكون للملائكة مشى مع الطيران فيوصفون بالدبيب وان يخلق اللّه فى السماء حيوانات يمشون فيها مشى الاناسى على الارض كما ينبئ عنه قوله تعالى

{ ويخلق ما لا تعلمون } وقد روى ان النبى عليه السلام قال ( فوق السابعة بحر بين أسفله واعلاه كما بين السماء والارض ثم فوق ذلك ثمانية اوعال بين ركبهن واظلافهن كما بين السماء والارض ثم فوقه العرش العظيم )

يقول الفقير ان للملائكة احوالا شتى وصورا مختلفة لا يقتضى موطنهم الحصر فى شىء من المشى والطيران فطيرانهم اشارة الى قوتهم فى قطع المسافة وان كان ذلك لا ينافى ان يكون لهم اجنحة ظاهرة فلهم اجنحة يطيرون بها ولهم ارجل يمشون بها واللّه اعلم

{ وهو } تعالى

{ على جمعهم } اى حشر الاجسام بعد البعث للمحاسبة

{ اذا يشاء } فى اى وقت يشاء

{ قدير } متمكن منه

يعنى تواناست ومتمكن ازان وغير عاجزدران

قوله هو مبتدأ وقدير خبره وعلى جمعهم متعلق بقدير واذا منصوب بجمعهم لا بقدير لفساد المعنى فان المقيد بالمشيئة جمعه تعالى لا قدرته واذا عند كونها بمعنى الوقت كما تدخل على الماضى تدخل على المضارع قال تعالى

{ والليل اذا يغشى } وفى الآية اشارة الى سموات الارواح وارض الاجساد وما بث فيهما من دابة النفوس والقلوب فلا مناسبة بين كل واحد منهم فان بين الارواح والاجساد بونا بعيدا فى الفناء لان الجسد من اسفل سافلين والروح من اعلى عليين والنفس تميل الى الشهوات الحيوانية الدنيوية والقلب يميل الى الشواهد الروحانية الاخروية الربانية وهو على جمعهم على طلب الدنيا وزينتها وعلى طلب الآخرة ودرجاتها وعلى طلب الحضرة وقرباتها اذا يشاء قدير والحشر على انواع عام وهو خروج الاجساد من القبور الى المحشر يوم النشور وخاص وهو خروج الارواح الاخروية من قبور الاجسام الدنيوية بالسير والسلوك فى حال حياتهم الى عالم الروحانية يحرق الحجب الظلمانية واخص وهو خروج الاسرار من قبور الروحانية الى عالم الهوية بقطع الحجب النورانية فعند ذلك يرجع الانسان الى اصله رجوعا اختياريا مرضيا ليس فيه شائبة غضب اصلا ونعم الرجوع والقدوم وهو قدوم الحبيب على الحبيب والخلوة معه

خلوت كزيده را بماشا جه حاجتست ... جون روى دوست هست بصحراجه حاجتست

ولا يمكن الخروج من النفس الا باللّه وكان السلف يجهدون فى اصلاح نفوسهم وكسر مقتضاها وقمع هواها ( حكى ) ان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه مر وعلى ظهره قربة ماء فقيل له فى ذلك فقال ليس لى حاجة الى الماء وانما اردت به كسر نفسى لما حصل لها من اطاعة ملوك الاطراف ومجىء الوفود فكما انه لا بعث الى المحشر الا بعد فناء ظاهر الوجود فكذا لا حشر الى اللّه الا بعد فناء باطنه نسأل اللّه سبحانه ان يوصلنا الى جنابه

٣٠

{ وما اصابكم } وهرجه شمارا رسدا اى مؤمنان

فما شرطية وقال بعضهم موصول مبتدأ دخلت الفاء فى خبره لتضمنه معنى الشرط اى الذى وصل اليكم ايها الناس

{ من مصيبة } اى مصيبة كانت من الآلام والاسقام والقحط والخوف حتى خدش العود وعثرة القدم واختلاج العرق وغير ذلك فى البدن او فى المال او فى الاهل والعيال ويدخل فيها الحدود على المعاصى كما انه يدخل فى قوله ويعفوا عن كثير ما لم يجعل له حد

{ فبما كسبت ايديكم } اى فهو بسبب معاصيكم التى اكتسبتموها فان ذكر الايدى لكون اكثر الاعمال مما يزاول بها فكل نكد لاحق انما هو بسبب ذنب سابق أقله التقصير ( وفى المثنوى )

هرجه برتو آيد از ظلمات غم ... آن ربى باكى وكستاخيست هم

وفى الحديث ( لا يرد القدر الا بالدعاء ولا يزيد فى العمر الا البر وان الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) قوله لا يرد الخ لان من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لدفع البلاء وجلب الرحمة كما ان الترس سبب لدفع السلاح والماء سبب لخروج النباتات من الارض قال الضحاك ما تعلم رجل القرءآن ثم نسيه الا بذنب واى معصية اقبح من نسيان القرءآن وتلا الآية

{ ويعفوا عن كثير } من الذنوب فلا يعاقب عليها ولولا عفوه وتجاوزه ما ترك على ظهرها من دابة وفى الآية تسلية لقلوب العباد واهل المصائب يعنى ان اصابتكم مصيبة الذنوب والمعاصى الموجبة للعقوبة الاخروية الابدية تداركناها باصابة المصيبة الدنيوية الفانية لتكون جزآء لما صدر منكم من سوء الادب وتطهير لما تلوثتم به من المعاصى ثم اذا كثرت الاسباب من البلايا على عبد وتوالى عليه ذلك فليفكر فى افعاله المذمومة لم حصلت منه حتى يبلغ جزآء ما يفعله مع عفو الكثير هذا المبلغ فعند هذا يزداد حزنه وأسفه وخجلته لعلمه بكثرة ذنوبه وعصيانه وغاية كرم ربه وعفوه وغفرانه قيل لابى سليمان الدارانى قدس سره ما بال العقلاء ازالوا اللوم عمن اساء اليهم قال لانهم علموا ان اللّه تعالى انما ابتلاهم بذنوبهم وقرأ هذه الاية

٣١

{ وما انتم بمعجزين فى الارض } فائتين ما قضى عليكم من المصائب وان هربتم من اقطار الارض كل مهرب يعنى اذا اراد اللّه ابتلاءكم وعقوبتكم فلا تفوتونه حيثما كنتم ولا تسبقونه ولا تقدرون ان تمنعوه من تعذيبكم وبالفارسية ونيستيد عاجز كنندكان خدا يرا از انفاذ امريا از عذاب كردن مستحق

قال اهل اللغة اعجزته اى صيرته عاجزا واعجزته فيه سبقته قال فى تفسير المناسبات لما كان من يعاقب بما دون الموت ربما ظن انه عاجز قال وما انتم اى اجمعون العرب وغيرهم بمعجزين فى الارض لو أريد محقكم بالكلية ولا فى شىء اراده منكم كائنا ما كان

{ وما لكم } اى عند الاجتماع فكيف عند الانفراد

{ من دون اللّه } المحيط بكل شىء عظمة وكبرا وعزة

{ من ولى } يكون متوليا لشىء من اموركم بالاستقلال يحميكم من المصائب

{ ولا نصير } يدفعها عنكم وهذه الآية الكريمة داعية لكل احد الى المبادرة عند وقوع المعصية الى محاسبة النفس ليعرف من اين أتى فيبادر الى التوبة عنه لينقذ نفسه من الهلكة وفائدة ذلك وان كان الكل بخلقه وارادته اظهار الخضوع والتذلل واستشعار الحاجة والافتقار الى اللّه الواحد القهار ولولا ورود الشريعة لم يوجد سبيل الى هذه الكمالات البديعة ومثل هذه التنبيهات تستخرج من العبد ما اودع فى طبيعته وركز فى غريزته كغرس وزرع سيق اليه ماء وشمس لاستخراج ما فى طبيعته من المعلومات الالهية والحكم العلية

قال الامام الواحدى رحمه اللّه هذه الآية ارجى آية فى كتاب اللّه لان اللّه جعل ذنب المؤمن صنفين صنفا كفر عنهم بالمصائب وصنفا عفا عنه فى الدنيا وهو كريم ولا يرجع فى الآخرة فى عفوه فهذه سنة اللّه مع المؤمنين

واما الكافر فلا يعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة

قال بعضهم اذا كسب العبد شيأ من الجرائم فهو من اسباب القهر ويكون محجوبا به فاذا كان اهلا لله تعالى يعاقبه اللّه فى الدنيا ببعض المصائب ويخرجه من ذلك الحجاب والا فيمهله فى ضلالته والآية مخصوصة بالمجرمين فان ما أصاب غيرهم من الانبياء وكمل الالياء والاطفال والمجانين فلاسباب اخر لا بما كسبت ايديهم لانهم معصومون محفوظون

منها التعريض للاجر العظيم بالصبر عليه

قال بعضهم شوهد منه عليه السلام كرب عند الموت ليحصل لمن شاهده من اهله ومن غيرهم من المسلمين الثواب لما يلحقهم عليه من المشقة كما قيل بمثل ذلك فى حكمة ما يشاهد من حال الاطفال من الكرب الشديد وفى نوادر الاصول للحكيم عليه السلام من لبثه فى السجن بالهم الذى هم به ومن لبثه بعد مضى المدة فى السجن بقوله اذكرنى عند ربك فانساه الشيطان ذكر ربه ولبث فى السجن بضع سنين

ومنها امتحانه ليبرز ما فى ضميره فيظهر لحلقه درجته اين هو من ربه كمثل ما نزل بأيوب عليه السلام قال تعالى

{ انا وجدناه صابرا نعم العبد انه اواب } ومنها كرامته ليزداد عنده قربة وكرامة كمثل ما نزل بيحيى بن زكريا عليهما السلام ولم يعمل خطيئة قط ولم يهم بها فذبح ذبحا واهدى رأسه الى بغى من بغايا بنى اسرائيل وقد سأل النبى عليه السلام العافية من كل ذلك حيث قال ( واسأل اللّه العافية من كل بلية ) والعافية ان يكون فى كل وجه من هذه الوجوه اذا حل به شىء من ذلك ان لا يكله الى نفسه ولا يخذله اى يكلاءه ويرعاه فى كل من هذه الوجوه هذا وجه والوجه الآخر ان يسأله ان يعافيه من كل شىء فيه شدة فان الشدة انما يحل اكثرها من اجل الذنوب فكانه يسأل ان يعافيه من البلاء ويعفو عنه الذنوب التى من اجلها تحل الشدة بالنفس فقد قال عز وجل

{ وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير } وقال تعالى

{ ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر } فعلى العاقل ان يسأل العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة فاذا ابتلى بشىء من البلايا صبر عليه ليكون مأجورا ومفكرا عنه ذنوبه ومصححا له حاله ومصفى باله ونعم ما قيل ترى الناس دهنا فى القوارير صافيا * ولم تدر ما يجرى على رأس سمسم ( وقال الحافظ ) شكر كمال حلاوت بس از رياضت يافت نخست درشكن تنك ازان مكان كيرد ( وما قال ) كويند سنك لعل شود درمقام صبر آرى شود وليك بخون جكر شوده

نسأل اللّه العافية

٣٢

{ ومن آياته } دلائل وحدته تعالى وقدرته وعظمته وحكمته

{ الجوار } السفن الجارية وهى بالياء فى الاصل حذفت الكسر الدال عليها

{ فى البحر } در دريا

{ كالاعلام } جمع علم بفتحتين بمعنى الجبل وكل مرتفع علم أى كالجبال على الاطلاق لا التى عليها النار للاهتداء خاصة وبالفارسية مانند كوها درعظمت

فقوله جوار جمع جارية بمعنى سائرة صفة للسفن المقدرة وفى البحر متعلق على التقديرين

٣٣

{ ان يشأ } اى اللّه تعالى وهو شرط جوابه قوله

{ يسكن الريح } التى تجريها يعنى ساكن كرداند بادى راكه سبب رفتن كشتى است

{ فيظللن رواكد على ظهره } عطف على قوله يسكن وظل بمعنى صار وركدت السفينة اذا سكنت وثبتت اى فيصرن تلكن السفن ثوابت بعدما كانت جوارى برياح طيبة وحاصل المعنى فيبقين ثوابت على ظهر البحر غير جاريات لا غير متحركات اصلا

وجون آن كشتيها ساكن شوند بسبب سكون باد اهل كشتى در كرداب اضطراب افتد

{ ان فى ذلك } الذى ذكر من السفن اللاتى يجرين تارة ويركدن تارة اخرى على حسب مشيئة اللّه تعالى

{ لآيات } عظيمة فى انفسها كثيرة فى العدد دالة على ما ذكر من شؤونه

{ لكل صبار } بليغ الصبر على احتمال البلايا فى طاعة اللّه تعالى

{ شكور } بليغ الشكر له على نعمائه باستعمال كل عضو من الاعضاء فيما خلق له ( وقال الكاشفى ) مرهرصبر كننده رادر كشتىسباس دارنده برقت خروج از كشتى

ويجوز أن يكون مجموع صبار شكور كناية عن الآتى بجميع ما كلف به من الافعال والتروك فالمعنى لكل مؤمن كامل فى خصائل الايمان وثمراتها ترجع كلها الى الصبر والشكر فان الايمان نصفه صبر عن المعاصى ونصفه شكر وهو الاتيان بالواجبات

٣٤

{ او يوبقهن بما كسبوا } عطف على يسكن يقال اوبقه اهلكه كما فى القاموس والايباق بالفارسية هلاك كردن كما فى تاج المصادر والمعنى ان يشأ يسكن الريح فيركدن او يرسلها فتغرق بعضها اى السفن بعدله وايقاع الايباق عليهن مع انه حال اهلهن للمبالغة والتهويل يعنى ان المراد اهلاك اهلها بسبب ما كسبوا من الذنوب موجبات الهلاك على اضمار المضاف او التجوز بعلاقة الحلول قال سعدى المفتى والظاهر انه لا منع من ابقاء الكلام على حقيقته فالآية مثل قوله تعالى

{ وما أصابكم من مصيبة } الخ اى يوبق سفائنهم بشؤم ما كسبوا

{ ويعف عن كثير } فلا يوبق اموالهم انتهى واجراء حكمه على العفو فى قوله تعالى ويعف عن كثير لما ان المعنى او يرسلها فيوبق ناسا وينجى آخرين بطريق العفو عنهم

٣٥

{ ويعلم الذين يجادلون فى آياتنا } عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم وليعلم الذين يكذبون ويسعون فى دفعه وابطاله وقرىء بالرفع على الاستئناف عطفا على الشرطية لجزم وباعطفا على يعف فيكون المعنى وان يشأ يجمع بين اهلاك قوم وانجاء قوم وتحذير قوم

{ ما لهم من محيص } اى من مهرب من العذاب والجملة معلق عنها الفعل فكما لا مخلص لهم اذا وقفت السفن او عصفت الرياح كذا لا مهرب لهم من عذاب بعد البعث فلا بد من الاعتراف بان الضار والنافع ليس الا اللّه وان كل امر عرض فانما هو بتأثيره وفى الآيات اشارات منها ان اللّه تعالى حثهم على الفكرة المنبهة لهم فى السفن التى تجرى فى البحار فيرسل اللّه الرياح تارة ويسكنها اخرى وما يريهم من السلامة والهلاك والاشارة فى هذا الى امساك الناس فى خلال فتن الوقت عن الانواع المختلفة ثم حفظ العبد فى ايوآء السلامة وذلك يوجب خلوص الشكر الموجب له جزيل المزيد ومنها كما ان السفن تجرى فى البحر بالريح الطيبة فتصل الى الساحل كذلك بعض الهمم تجرى فى الدنيا بريح العناية فتصل الى الحضرة وكما ان لبعض السفن وقفة لانقطاع الريح فكذا لبعض الهمم بانقطاع الفيض وكما ان بعضها تهلك فكذا بعض النفوس فى بحر الدنيا نعوذ باللّه تعالى ومنها ان الريح لا تتحرك بنفسها بل لها محرك الى ان ينتهى الى المحرك الاول الذى لا محرك له وهو اللّه تعال فلا يجوز الاعتماد على الريح فى استوآء السفينة وسيرها والا فقد جاء الشرك فى توحيد الافعال والجهل بحقائق الامور ومنها ان الصابر من صبره اللّه والشكور من شكره اللّه فان الصبر الحقيقى والشكر الحقيقى لا يكون الا لمن كان صبره باللّه وشكره باللّه فانه تعالى هو الصبور الشكور ومنها أن علم اللّه قديم ليس بحادث

واما علم الخلق فحادث متأخر ولذلك قال ويعلم الخ فالعاقل يرى عاقبة الامر فيحذر كما قيل ( ع ) درانتهاى كار خوداز ابتدا ببين

٣٦

{ فما اوتيتم } بس آنجه داده شده آيد

{ من شىء } مما ترغبون ايها الناس وتتنافسون فيه من مال ومعاش واولاد

{ فمتاع الحياة الدنيا } اى فهو متاعها ومنفعتها تتمتعون وتنتفعون به مدة حياتكم القليلة فيزول ويفنى فما موصولة متضمنة لمعنى الشرط من حيث ان ايتاء ما أوتوا سبب للتمتع به فى الحياة الدنيا ولذا دخلت الفاء فى جوابها وقدر المبتدأ لان الجواب لا يكون الا جملة يعنى ان سببيته مقصود فيها الاعلام لتضمنها الترغيب فى الشكر بخلاف الثانية وهى قوله تعالى وما عند اللّه الخ فان المقصود فيها بيان حال ان ما عند اللّه سبب للخيرية والدوام وقد يقال ان ما شرطية على انها مفعول ثان لأوتيتم بمعنى اعطيتم والاول وهو ضمير المخاطبين قائم مقام الفاعل ومن شىء بيان لها لما فيها من الابهام

{ وما عند اللّه } من ثواب الآخرة اشير اليه آنفا

{ خير } ذاتا لخلوص نفعه وهو خبر ما

{ وابقى } زمان حيث لا يزول ولا يفنى بخلاف ما فى ايدى الناس وفيه اشارة الى ان الرحات فى الدنيا لا تصفو ومن الشوائب لا تخلو وان اتفق لبعضهم منها فى الاحايين فانها سريعة الزوال وشيكة الارتحال وما عند اللّه من الثواب الموعود خير وابقى من هذا القليل الموجود بل ما عند اللّه من الالطاف الخفية والمقامات العلية والمواهب السنية خير وابقى مما فى الدنيا والآخرة

{ للذين آمنوا } اخلصوا فى الايمان وهو متعلق بأبقى وفى الحواشى السعدية الظاهر ان اللام للبيان اى للبيان من له هذه النعمة وقد بينه ابو الليث فى تفسيره بقوله ثم بين لمن يكون ذلك الثواب فقال للذين آمنوا

{ وعلى ربهم يتوكلون } لا على غيره تعالى اى خصوا ربهم بالتوكل عليه فيما يعرض لهم من الامور لا يسندون امرا الا اليه ولا يعتمدون الا عليه وعن على رضى اللّه عنه انه تصدق ابو بكر رضى اللّه عنه بماله كله فلامه جمع من المسلمين فنزلت

مستغرق كار خود جنانم كه دكر ... بروى ملامتكربى كارم نيست

بين ان ثواب الاخرة مع كونه خيرا مما فى الدنيا وابقى يحصل لمن اتصف بصفات وجمع بينهما وهو الايمان والتوكل وما ذكر بعدهما فالمؤمن والكافر يستويان فى ان الدنيا متاع لهما يتمتعان بها كما قال فى البستان

اديم زمين سفره عام اوست ... برين خوان يغماجه دشمسن جه دوست

واذا صار الى الآخرة كان ما عند اللّه خيرا للمؤمن فمن عرف فناء متاع الدنيا وتيقن ان ما عند اللّه خير وابقى ترك الدنيا واختار العتبى وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء ( حكى ) انه كان لهرون الرشيد ابن فى سن ست عشرة فزهد فى الدنيا وتجرد واختار العبادة فمر يوما على الرشيد وحوله وزرآؤه فقالوا لقد فضح هذا الولد امير المؤمنين بين الملوك بهذه الهيئة الدنية فدعاه هرون الرشيد وقال يا بنى لقد فضحتنى بحالك هذه فلم يجبه الولد ثم التفت فرأى طائرا على حائط فقال ايها الطائر بحق خالقك الا جئت على يدى فقعد الطائر على يده ثم قال ارجع الى مكانك فرجع ثم دعاه الى يد امير المؤمنين فلم يأت فقال لابيه بل انت فضحتنى بين الاولياء بحبك للدنيا وقد عزمت على مفارقتك ثم خرج من بلده ولم يأخذ الا خاتما و مصحفا ودخل البصرة وكان يعمل يوم السبت عمل الطين ولا يأخذ الا درهما ودانقا للقوت قال ابو عامر الواعظ البصرى رحمه اللّه استأجرته يوما فعمل عمل عشرة وكان يأخذ كفا من الطين ويضعه على الحائط ويركب الحجارة بعضها على بعض فقلت هذه افعال الاولياء فانهم معانون ثم طلبته يوما فوجدته مريضا فى خربة فقال

يا صاحبى لا تغتر بتنعم ... فالعمر ينفد والنعيم يزول

واذا حملت الى القبور الجنازة ... فاعلم بانك بعدها محمول

ثم وصانى بالغسل والتكفين فى جبته فقلت يا حبيبى ولم لا اكفنك فى الجديد فقال الحى احوج الى الجديد من الميت يا ابا عامر الثياب تبلى والاعمال تبقى ثم قال ادفع هذا المصحف والخاتم الى الرشيد وقل له يقول لك ولدك الغريب لا تدومن على غفلتك قال ابو عامر فلما غسلته وكفنته بما اوصى ودفتنه دفعت المصحف والخاتم الى الرشيد وحكيت ما جرى فبكى وقال فبم استعملت قرة عينى وقطعة كبدى قلت فى الطين والحجارة قال استعملته فى ذلك وله اتصال برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت ما عرفته قال ثم انت غسلته قلت نعم فقبل يدى وجعلها على صدره ثم زار قبره ثم رأيته فى المنام على سرير عظيم فى قبة عظيمة فسألته عن حاله فقال صرت الى رب راض اعطانى ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وآلى على نفسه الشريفة اى قال واللّه الذى خلقنى لا يخرج عبد من الدنيا كخروجى الا اكرمه مثل كرامتى

قال بعضهم ما ظهر من افعالك وطاعتك لا يساوى اقل نعمة من نعيم الدنيا من سمع وبصر وكيف ترجو بها نجاة الآخرة فالنعيم كله بالفضل لا بالاستحقاق ودخل ابن السماك على بعض الخلفاء وفى يده كوز ماء وهو يشربه فقال عظنى فقال لو لم تعد هذه الشربة الا ببذل جميع اموالك والا بقيت عطشانا فهل كنت تعطيه قال نعم فقال لو لم تعط الا بملكك كله فهل كنت تتركه قال نعم فقال لا تفرح بملك لا يستوى بشربة ماء يعنى فشربة ماء عند العطش اعظم من ملك الارض كلها بل كل نفس كذلك فلو أخذ لحظة ثم انقطع الهوآء عنه مات ولو حبس فى بيت حمام حار او بئر عميق مات فعلى العبد التوغل فى العبادة شكرا لنعم اللّه تعالى ومن أفضل الطاعات التوكل وهو ترك التدبير والانخلاع عن الحول والقوة قال الجنيد قدس سره حقيقة التوكل ان يكون العبد مع اللّه بعد وجوده كما كان قبل وجوده وهو مقتضى الحال كما ان الكسب مقتضى العلم ( روى ) ان النورى قدس سره تعبد مع عالم فى مسجد وكان النورى يجمع ما نبذه الناس فى آخر النهار ويغسله ويأكل معه فسأله سائل فاعطاه فقال له رفيقه العالم قد قنعنا من الدنيا بما يطرحه الناس وانت تنفقه ايها العابد لو كان معك علم فبعد ساعة جاء طعام من غنى فأكلا ثم قال النورى ايها العالم لو كان معك حال فانظر حال التوكل واليقين والاتكال على الملك المتعال من خصائص توحيد الافعال الحاصل باصلاح الطبيعة فى مقام الشريعة

باك وصافى شوواز جاه طبيعت بدراى ...

٣٧

{ والذين } الخ فى موضع الجر عطفا على الذين آمنوا عطف الصفة على الصفة لان الذات واحدة والعطف انما هو بين الصفات

{ يجتنبون } الاجتناب بايك سوشدن وترك كردن

{ كبائر الاثم } الاثم الذنب كما فى القاموس وقال الراغب الاثم والأثام اسم للافعال المبطئة عن الثواب وقوله تعالى

{ فيهما اثم كبير } اى فى تناولهما ابطاء عن الخيرات وتسمية الكذب اثما كتسمية الانسان حيوانا لكونه من جملتهم والكبيرة ما اوجب اللّه عليه الحد فى الدنيا والعذاب فى الآخرة وفى المفردات الكبيرة متعارفة فى كل ذنب تعظم عقوبته والمعنى يجتنبون الكبائر من هذا الجنس فالاضافة بمعنى من ولكون المراد جنس الاثم لم يقل كبائر الآثام قال فى كشف الاسرار اضاف الكبائر الى الاثم فان اثم الصغيرة مغفور اذا اجتنب الكبيرة كما قال اللّه تعالى

{ ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيأتكم } قرأ حمزة والكسائى وخلف كبير الاثم على التوحيد ارادة الجنس قال الراغب قوله والذين يجتنبون كبائر الاثم وقوله ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه قيل اريد بهما الشرك لقوله ان الشرك لظلم عظيم قال ابن عباس كبير الاثم هو الشرك قال الامام الرازى هو عندى ضعيف لان ذكر الايمان يغنى عنه

يقول الفقير لا يغنى فانه بالايمان يحصل الاجتناب عن مطلق الشرك الشامل للجلى والخفى بل عن الجلى فقط وقد اطلق عليه السلام الشرك على الرياء حيث قال ( اتقوا الشرك الاصغر ) فالقول ما قال ترجمان القرآن رضى اللّه عنه وقرأ الباقون كبائر الاثم على ارادة جميع المعاصى الموبقة وهو الشرك باللّه اى الكفر مطلقا وان لم يعبد الصنم وقتل النفس بغير حق سوآء قتل نفسه او غيره وقذف المحصنة اى شتم الحرة المكلفة المسلمة العفيفة التى احصنها اللّه عن القبائح والزنى وهو وطئ فى المرأة خال عن ملك وشبهة فوطئ البهيمة واللواطة ليس بزنى والسحر ويقتل الساحر ذكرا كان او انثى اذا كان سعيه بالافساد والاهلاك فى الارض

واما اذا كان سعيه بالكفر فيقتل الذكر وتضرب الانثى وتحبس واكل مال اليتيم الا بجهة الشرع كما قال اللّه تعالى

{ ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتى هى احسن }

واما ما اخذه قضاة الزمان حقا للقسمة فأصله مشروع اذا لم يعين له من بيت المال حق وكميته مشكلة وعقوق الوالدين المسلمين اذا كان مؤديا الى اضاعة الحقوق والا فلا طاعة المخلوق فى معصية الخالق

واما اذا كانا كافرين قال اللّه تعالى فى حقهما

{ وان جاهداك على ان تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما } والالحاد فى الحرم اى الذنب فيه ولو صغيرة فالكبيرة فيه كبيرتان

وقيل الالحاد فيه منع الناس عن عمارته ومن عمارته الحج فالأعراب الذين يقطعون طريق الحجاج فى هذه الزمان ان استحلوا ذلك كفروا والا اثمو اثما كبيرا وأكل الربا اى الانتفاع بالربا سوآء كان اكلا او غيره وانما ذكر اكله لكونه معظم منافعه والسرقة ونصابها عند ابى حنيفة قدر عشرة دراهم عينا او قيمة وهذا نصاب السرقة فى حق القطع

واما فى حق العيب فأخذ ما دون عشر يعد سرقة ايضا شرعا ويعد عيبا حتى يرد العبد به على بائعه وشرب الخمر وقطع الطريق خصوصا اذا كان مع اخذ المال فانه فوق السرقة وشهادة الزور واليمين الغموس وسوء الظن باللّه وحب الدنيا ولعن الرجل والديه سوآء كان بوسط او بغيره ومعنى بوسط ان يسب ابا رجل وامه فيسب هو أباه وامه واذية الرسول عليه السلام فانها فوق عقوق الوالدين وسب الشيخين ابى بكر وعمر رضى اللّه عنهما قال القهستانى سب احد من الصحابة ليس بكفر كما فى خزانة المفتين وغيرها لكن فى مجموع النوازل لو قال احد من يسب الشيخين او يلعنهما رضى اللّه عنهما لم يقتص منه فانه كافر لان سبهما ينصرف الى سب النبى عليه السلام وسب الخنتين ليس بكفر كما فى الخلاصة وهو مشكل لان سب اهل العلم على وجه الاهانة اذا كان كفرا فكيف لا يكون سب الخنتين كفرا وسب العالم بالعلوم الدينية على وجه المزاح فانه يعزر والاصرار على الصغيرة فانه عليه السلام قال

( لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ) وقد قال الامام علاء الدين التركستانى الحنفى رحمه اللّه فى منظومته عدد الكبائر سبعون فمنها الغناء بالكسر والمد وقد يقصر وهو رفع الصوت بالاشعار والابيات على نحو مخصوص قال الامام الغزالى رحمه اللّه فى الاحياء واحتجوا على حرمة الغناء بما رواه ابو امامة رضى اللّه عنه عن النبى عليه السلام انه قال ( ما رفع احد صوته بغناء الا بعث اللّه له شيطانين على منكبيه يضربان باعقابهما على صدره حتى يمسك )

قال بعضهم المراد به الغناء الذى يحرك من القلب ما هو مراد الشيطان من الشهوة ومحبه المخلوقين لا ما يحرك الشوق الى اللّه ويرغب فى الآخرة ومنها الظلم والغيبة والتجسس والتطفيف فى الكيل والوزن والكبر والعجب والحسد وترك الوفاء بالعهد والخيانة فى نسوة الجيران وترك الصلاة والصوم والزكاة والحج اذا كان له استطاعة وفى الطريق امن ونسيان القرءآن وكتم الشهادة وقطع الرحم والسعى بين اثنين بالفساد والحلف بغير اللّه والسجدة لمخلوق فانها كعبادة الصنم وترك الجمعة والجماعة وان يقول لمسلم يا كافر ومصادقة الامير الجائر ونكاح الكف وفى الحديث ( ناكح الكف ملعون ) وهو من يعالج ذكره بيده حتى يدفق كما فى شرح المنار لابن الملك وقال الرهاوى لم اجده فى كتب الحديث وانما ذكره المشايح فى كتب الفقه وفى حواشى البخارى والاستمناء باليد حرام بالكتاب والسنة قال اللّه تعالى

{ والذين هم لفروجهم حافظون } الى قوله

{ فاولئك هم العادون } اى الظالمون المتجاوزون الحلال الى الحرام قال ابن جريج سألت عطاء عنه قال سمعت ان قوما يحشرون وايديهم حبالى واظنهم هؤلاء نعم يباح عند ابى حنيفة واحمد اذا خاف على نفسه الفتنة واراد تسكين الشهوة وكذلك يباح الاستمناء بيد امرأته وجاريته عند الضرورة ومنها تعييب احد من الناس والقصاص بغير عدل وترك العدل فى القسم وترك الشكر فى القسم واللواطة واتيان المراة فى الحيض والسرور بالغلاء والخلوة بالاجنبية واتيان البهيمة وقد كان بعض الجهال من الزهاد يفعله تسكينا للشهوة ثم علم حرمته وتاب وفى نوادر ابى يوسف وطئ بهيمة نفسه تذبح وتحرق ان لم تكن مأكولة وان كانت مما يؤكل تذبح ولا تحرق وان كانت لغيره تدفع الى الفاعل على القيمة وتذبح وتحرق وقال بعضهم تؤكل وفى الاجناس من اصحابنا من قال تذبح وتحرق على وجه الاستحباب اما بهذا الفعل لا يحرم أكل الحيوان المأكول كذا فى خزانة الفتاوى ومنها تصديق الكاهن وهو الذى يخبر عن الكوآئن فى مستقبل الزمان ويدعى معرفة الاسرار ومطالعة علم الغيب واللعب بالنردشير وفى الحديث ( من لعب بالشطرنج والنردشير فكأنما غمس يده فى دم الخنزير ) الشطرنج معرب صدرنك ورنك فى الفارسية الحيلة والنردشير اللعب المعروف بالنرد قال صاحب الهداية يكره اللعب بالنرد والشطرنج والاربعة عشر وكل لهو لانه ان قامر بها فالميسر حرام بالنص وهو اسم لكل قمار وان لم يقامر فهو عبث ومنها النياحة واستباحتها واظهار الصلاح واخفاء الفسق وتعييب الطعام واستماع الملاهى وفى الحديث ( استماع صوت الملاهى معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر ) وهو على وجه التهديد ولو امسك شيا من المعازف كالطنبور والمزمار ونحوهما يأثم وان كان لا يستعملهما لان امساكهما يكون للهو عادة ومنها الرقص بالرباب ونحوه ودخول بيت الغير بغير اذنه والنظر فيه والنظر الى الوجه المليح عن شهوة فان الصبيح فى حكم النساء بل اشد ولذا قيل ان مع كل امرأة شيطانين ومع كل غلام ثمانية عشر شيطانا وكان محمد بن الحسن صبيحا وكان ابو حنيفة رحمه اللّه يجلسه فى درسه خلف ظهره او خلف سنرية المسجد حتى لا يقع عليه بصره مخافة من خيانة العين مع كمال تقواه وفى بستان الفقيه ويكره مجالسة الاحداث والصبيان والسفهاء لانه يذهب بالمهابة ورؤى واحد فى المنام بعد موته وقد اسود وجهه فسئل عن ذلك فقال نظرت الى غلام فاحترق وجهى فى النار ومنها ترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والسخرية واخذ الصلة والعطاء من اهل الجور وقال قوم ان صلات السلاطين تحل للغنى والفقير اذا لم يتحقق انها حرام وانما التبعة على المعطى قال الامام الغزالى رحمه اللّه اذا كان ظاهر الانسان الصلاح والستر فلا حرج عليك فى قبول صلاته وصدقته ولا يلزمك البحث بان تقول فسد الزمان فان هذا سوء ظن بذلك الرجل المسلم

{ والفواحش } وازكارهازشت

جمع فاحشة وهى القبيحة او المفرطة فى القبح قال فى القاموس الفاحشة الزنى وما يشتد قبحه من الذنوب فيكون عطف الفواحش على الكبائر من عطف البعض على الكل ايذانا بكمال شناعته

وقيل هما واحد والعطف لتغاير الوصفين كانه قيل يجتنبون المعاصى وهى عظيمة عند اللّه فى الوزن وقبيحة فى العقل والشرع وفى التأويلات النجمية كبائر الاثم حب الدنيا ومتابعة الهوى فانها رأس كل خطيئة ومنشأها والفواحش هى الاشتغال بطلب الدنيا وصرفها فى اتباع الهوى

{ واذا ما غضبوا هم يغفرون } اذا ظرفية عمل فيها يغفرون والجملة الاسمية هى المعطوفة على الصلة وهى يجتنبون عطف اسمية على فعلية والتقدير والذين يجتنبون وهم يغفرون لا انها شرطية والاسمية جوابها لخلوها عن الفاء وما زآئدة مع اذا فانها وان كانت تزاد مع اذا التى للشرط لكن فى اذا الزمانية معنى الشرط وهو ترتب مضمون جملة على اخرى فتضمنت معنى حرف الشرط فلذلك اختير بعدها الفعل لمناسبة الفعل الشرط واذا الزمانية للمستقبل وان كانت داخلة على المضى كما عرف فى النحو والغضب ثوران دم القلب ارادة الانتقام ولذلك قال عليه السلام ( اتقوا الغضب فانه جمرة توقد فى قلب ابن آدم ) ألم تروا الى انتفاخ اوداجه وحمرة عينيه وقوله هم مبتدأ ويغفرون خبره والمغفرة هنا بمعنى العفو والتجاوز والحلم وكظم الغيظ والمعنى وهم يعفون ويتجاورون ويحلمون ويكظمون الغيظ وقت غضبهم على احد ويتجرعون كاسات الغضب النفسانية بأفواه القلوب الروحانية الربانية ويسكنون صورة الصفة الشيطانية وبالفارسية ووقتى كه خشم كيربد نر مردمان بيست رنجى و زيانى ومكروهى كه بديشان وسانند ايشان در ميكذر اندانرا وعفو ميكنند وفيه دلالة على انهم الاخصاء بالمغفرة حال الغضب لعزة منالها لا يزيل الغضب اخلاقهم كسائر الناس وذلك لان تقديم الفاعل المعنوى او التقديم مطلقا يفيد الاختصاص ثم يجوز فى النظم ان يكون هم تأكيدا للفاعل فى قوله غضبوا وعلى هذا فيغفرون جواب الشرط كذا فى الحواشى السعدية قال بعض الكبار فى قوله للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون اشارة الى مقام الرضى وتوحيد الافعال والصفات فتوحيد الافعال باصلاح الطبيعة وتوحيد الصفات باصلاح النفس بالاجتناب عن كبائر الاثم وفواحش الشرك والسيئات والاحتراز عن الغضب وسائر رذآئل الصفات قيل لبعض الانبياء اذا خرجت من بيتك غدا فكل من استقبلك اولا واستر الثانى وأعرض عن الثالث فلما كان الغد استقبله جبل عظيم فقصد الى أكله امتثالا للامر فصار تفاحة فأكلها فوجدها ألذ الاشياء ثم وجد طشتا من ذهب فكلما ستره خرج ثم رأى مزابل فأعرض عنها فقيل اما الجبل فالشدة والغضب فعند ظهورها ترى كالجبل فبالصبر وقصد الهضم تصير حلوا

تحمل نما يد جو رهرت نخست ... ولى شهدكردد جودر طبع رست

واما الطشت فالحسنات وحسن الحال فكلما قصد صاحبها الى سترها انكشفت

اكر مسك خالص ندارى مكوى ... وكرهست خود فاش كردد ببوى

واما المزابل فالدنيا

جاى روح باك عليين بود ... كرم باشد كش وطن سر كين بود

٣٨

{ والذين استجابوا لربهم } نزلت فى الانصار دعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الى الايمان فاستجابوا له اى لرسول اللّه من صميم القلب كما هو المفهوم من اطلاق الاستجابة وفيه اشارة الى ان الاستجابة للرسول استجابة للمرسل فهو من عطف الخاص على العام لمزيد التشريف وذلك لان الاستجابة داخلة فى الايمان فما وجه العطف مع عدم التغاير بين الوصفين ولا يلزم فيه ان تكون الآية مدنية فان كثيرا منهم اسلموا بمكة قبل الهجرة وفى الآية اشارة الى استجابة خطاب ارجعى الى ربك فانها استجابة مخصوصة بالنفس حاصلة لها بالسلوك

{ واقاموا الصلوة } من اوصاف الانصار ايضا والمراد الصلوات الخمس فانهم يجدون اوقاتها وان كان تفاوت قليل فى ساعات الليل والنهار فى الحرمين الشريفين على ما جربناه قال العلماء من الناس من لم يجد وقت المغرب والعشاء لانه يطلع الفجر حين تغرب الشمس فيسقط عنهم ما لا يجدون وقته وهذا كما ان رجلا اذا قطع يداه مع المرفقين او رجلاه مع الكعبين ففرائض وضوئه ثلاث لفوات محل الرابعة وانما ذكر اقامة الصلاة ولم يذكر غيرها من العبادات كايتاء الزكاة والصوم مثلا لانه ما بين العبد والايمان الا اقامة الصلاة كما انه ما بينه وبين الكفر الا ترك الصلاة فاذا اقام الصلاة فقد آمن واقام الدين كما اذا تركها فقد كفر وهدم الدين وفى الحديث ( اول ما يحاسب العبد يوم القيامة بصلاته فان صحت افلح وأنجح وان فسدت فقد خاب وخسر ) وقال عليه السلام ( اول ما يحاسب الرجل على صلاته فان كملت والا اكملت بالنافلة ثم يأخذ الاعمال على قدر ذلك )

{ وامرهم شورى بينهم } مصدر كالفتيا بمعنى التشاور واصله من الشور وهو الاخراج تسمى به لان كل واحد من المتشاورين فى الامر يستخرج من صاحبه ما عنده والمعنى وامرهم ذو شورى لا ينفردون برأى حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وبالفارسية كار ايشان بامشور تست ميان ايشان

قال سعدى المفتى فان قلت لا حاجة الى اضمار المضاف لظهور صحته وشأنهم تشاور قلت المصدر مضاف من صيغ العموم فيكون المعنى جميع امورهم تشاور ولا صحة له الا ان يقصد المبالغة فى كثرة ملابستهم به وعلى هذا فيجوز أن يكون قوله ذو شورى لبيان حاصل المعنى انتهى وكانوا قبل الهجرة وبعدها اذا حزبهم امر اجتمعوا وتشاوروا وذلك من فرط تدبرهم وتفقههم فى الامور

مشورت بهر آن صواب آمد ... درهمه كار مشورت بايد

وفى عين المعانى وامرهم شورى بينهم حين سمعوا بظهوره عليه السلام فاجتمع رأيهم فى دار ابى ايوب على الايمان به والنصر له

وقيل لها العموم اى لا يستبدون برأيهم فيما لا وحى فيه من امر الدين بل يشاورون الفقهاء

وقيل فى كل ما يعرض من الامور انتهى قال على رضى اللّه عنه نعم الموازنة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد قال حكيم اجعل سرك الى واحد ومشورتك الى ألف

وقيل ان من بدأ بالاستخارة واثنى بالاستشارة لحقيق ان لا يضل رأيه قال الاسكندر لا يستحقر الرأى الجزيل من الرجل الحقير فان الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها يقال اعقل الرجال لا يستغنى عن مشاورة اولى الالباب وأفره الدواب لا يستغنى عن السوط واورع النساء لا يستغنى عن الزوج وفى الآية اشارة الى التمسك بذيل ارادة المشايخ فى السلوك الى لحضرة ليتسلكوا بمشاورتهم وارشادهم لا باسترسال النفس والهوى وتلقين الشيطان كما قال الجنيد قدس سره من لم يكن له استاذ فاستاذه الشيطان

{ ومما رزقناهم } من الاموال

{ ينفقون } اى فى سبيل الخير ولا التفات الى انفاق الكافر فانه لم يستجب لربه بالايمان والطاعة فخيره محبط بكفره ولعل فصله عن قرينه بذكر المشاورة لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات كما فى الارشاد وقال سعدى المفتى ثم ان ادخال هذه الجملة فى مرهم العين لعله لمزيد الاهتمام بشأن التشاور للمبادرة الى التنبيه على ان استجابتهم للايمان كانت عن بصيرة ورأى سديد انتهى وفى الآية دلالة على فضيلة الانفاق والتوكل على الغنى الخلاق ( حكى ) ان بعض الشيوخ اخذه الناس ليشهدوا عند سلطان المغرب بفسقه وبكونه واجب القتل فمر الشيخ فى الطريق بخباز فاستقرض منه نصف خبز فتصدق به فلما حضر وافى الديوان شهدوا له بالخير ولم يقدروا على خلافه وذلك ببركة الصدقة كما قال عليه السلام

( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) فاذا كان نصف تمرة وقاية من النار الكبرى فكيف لا يكون نصف خبز وقاية من النار الصغرى رسول اللّه فرموده است كه صدقه نهانى خشم حق رابنشاند و در موقف قيامت صدقه را سايه است كه از حرارت آفتاب آن روزنكاه داردو دوسايه صدقه خود آسوده باشد تاحكم خلق بآخر رسد ( قال الصائب )

زمان خويش باحسان تمتعى بردار ... مشو جو كنج بنامى جوازدها قانع

سئل الشبلى قدس سره عن الزكاة فقال اما عليك ففى عشرين درهما خمسة دراهم

واما على ففى عشرين درهما عشرون درهما يعنى ان مذهب الصوفية بذل الكل والتوجه من الاسباب الى المسبب فقال هذا مذهب من فقال مذهب ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه وذلك ان الصديق رضى اللّه عنه انفق جميع ماله للتجرد والخلاص من الشح ولم يبق له شىء يتستر به فارسلت اليه فاطمة رضى اللّه عنها خرقة فتستر بها وعزم الى مجلس النبى عليه السلام فنزل جبرآئيل عليه السلام على زى ابى بكر فسأله النبى فقال ان ملائكة السماء كلهم على هذا الزى اتباعا لابى بكر ثم قال ان اللّه تعالى يسلم عليك ويقول قل لابى بكر رضى اللّه عنه هل رضى منى فقد رضيت عنه وعلم منه ان ترك الدنيا وسيلة الى رضى اللّه تعالى كما ان ترك ما سوى اللّه موصل الى اللّه ثم ان الانفاق لا ينحصر فى المال بل يتناول كل بر ومعروف كما قال عليه السلام

( كل معروف صدقة ) والمراد ما عرف فيه رضى اللّه تعالى من الاموال والاقوال والافعال وانفاق الواصلين الى التوحيد والمعرفة أشرف وأفضل لان نفع الاموال للاجساد ونفع المعارف للقلب والارواح

دركشف الاسرار فرموده كه ابو بكر شبلى بيش ازانكه قدم در كوى طريقت نهاد بيش از ايشان ببغداد مير سيدعادت داشت كه دزيده بمجلس جنيد رفتى روزى برزبان جنيد برفت كه اكر همه بت برستان وناكسان عالم رابفروس اعلى فرود آرد هنوز حق سبحانه وتعالى كرم خود رانكزارده باشد شبلى ازجاى برجست نعره زنان و جامه درآن كفت منم ازنا كسان جه كويى مرايذيرد درين حال جنيد كفت اى جوان بمراسلت موسى وهرون جنيدن سال فرعون مدبر راميخواندند تا بيذيرد اكر سوخته موحدكه به باى خود آيد اوراجون نبذيردشبلى دركار آمد و هرجه داشت ازضياع واثواب واموال جمله درباخت و مجرد ماندانكه كفت اى شيخ مراجه بايدكرد كفت دربازار بايد شد ودريوزه بايد كرد همجنان كرد تاجنان كشت كه كس بوى خبرى ندارد بس جنيد تازيانه بوى داد و كفت درين سردابه شودرد راباندوه وخشم باب حسرت سبار و هركاه كه خبر حق بر خاطر كذر كند باين تازيانه اندامهاى خويش درهم شكن شبلى سه سال دران سردابه آب حسرت ازديدكان همى ريخت وبروزكار كذشته دريغ وتحسر همى خورد بعد ازسه سال سكرى دروى بديد آمد همجو مستان واله وسركردان ازان سردابه برون آمدكاردى بدست كرفت ودربغداد همى كشت وميكفت بجلال قدر حق كه هركه نام دوست بردباين كارد سرش ازتن جدا كنم آن خبربجنيد رسيد جنيد كفت اورا شربتى داده اند مست كشته ازمستى وبيخودى ميكويدآنجه ميكويد جون باخود آيدساكن شود يكسال دران مقامش بداشتند جون ازان مقام در كذشت دامن خويش براز شكر كرده بكرد محلها ميكشت وميكفت هركه بكويد اللّه دهانش براز شكر كنم بس عشق وى روى در خرابى نهاد بيوسته درهمه اوقات همى كفت اللّه تاروزى كه جنيد كفت يا ابا بكر اكردوست غايبست اين غيب كردن جراست واكرحاضراست اين كستاخى وترك ادب از كجاست سخن جنيد اورا ساكن كرد بس جنيدبفرمود تاورا بحمام بردند وموى جندساله ازسروى فرو كردند آنكه دست وى كرفت وبمسجد شو نيزيه برد هشتاد كس از جوانمردان طريقت وسلاطين حقيقت حاضر بودندجون ابو الحسين نورى وابو على رود بارى وسمنون المحب ورويم بغدادى وجعفر خلدى وامثال ايشان جنيد كفت اى مشايخ واصحاب هرجه بير سرى سقطى از رياضت و مجاهده ازمابديد ما ازين كودك بديديم اكر اجازت فرماييد بالباس بكرداند باشدكه بركات اين لباس اورا بر استقامت دين بداردو اكر حق اين لباس فرونهد لباس خود ازوى دادخود بستاند جنيد بر باى خاست ومرقع ازسرخود بركشيد ودر كردن شبلى افكند

يقول الفقير فى هذه الحكاية اشارات منها ان الشبلى قدس سره خرج من جميع ماله فصار نظير الصديق رضى اللّه عنه من هذه الامة

صائب حريف سيلىء باد خزان نه ... بيش از خزان خود بفشان برك وباررا

ومنها ان الجنيد قدس سره انفق على الشبلى من معارفه وانعم عليه حال ارشاده من عوارفه لان الغنى مأمور بانفاق بعض ماله عند وجد ان مصارفه ( قال الحافظ )

اى صاحب كرامت شكرانه سلامت ... روزى تفقدى كن درويش بى نوارا

ومنها ان المريد لا يصلح لخرقة المشايخ الا بعد الاستعداد لها بمدة وان الخرقة من شأن اهل التجرد ( قال الجامى )

وصلش مجوى در اطلس شاهى كه دوخت عشق ... اين جامه برتنى كه نهان زيرزنده بود

ومنها ان ابتدآء الامر من اللّه وانتهاءه ايضا الى اللّه الا الى اللّه تصير الامور واللّه خير وابقى

جند بويد بهواى توبهر سو حافظ ... يسر اللّه طريقا بك يا ملتمسى

٣٩

{ والذين اذا اصابهم البغى هم ينتصرون } معطوف على ما قبله من الموصول والاصابة بالفارسية برسيدن

والبغى الظلم والتجاوز عن الحد والقصر المفهوم من تقديم هم اضافى والانتصار طلب النصرة وفى تاج المصادر دادستدن

والمعنى اذا وصل اليهم الظالم والتعدى من ظالم متعد ينتقمون ويقتصون ممن بغى عليهم على الوجه الذى جعله اللّه ورخصه لهم لا يتجاوزون ذلك الحد المعين وهو رعاية المماثلة

واما غيرهم فليسوا كذلك فهذا هو معنى التخصيص هنا وبه ايضا تندفع المخالفة بين وصفين كل منهما على طريق القصر وهذا وصف لهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر امهات الفضائل من الدين والتيقظ والحلم والسخاء وذلك لان البغى انما يصيبهم من اهل الشوكة والغلبة واذا انتقموا منهم على الحد المشروع كراهة التذلل باجترآء الفساق عليهم وردعا للجانى على الجرآءة على الضعفاء فقد ثبت شجاعتهم وصلابتهم فى دين اللّه وكان النخعى رحمه اللّه اذا قرأ هذه الآية يقول كانوا يكرهون ان يذلوا انفسهم فتجترئ عليهم السفهاء قال الشاعر

ولا يقيم على ضيم يراد به ... الا الاذلان غير الحى والوتد

هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثى له احد

اى لا يصبر على ظلم يراد فى حقه الا الاذلان اللذان هما فى غاية الذل وهما الحمار المربوط على الذل بقطعة حبل بالية والوتد الذى يدق ويشق رأسه فلا يرحم له احد ولفظ البيت خبر والمعنى نهى عن الصبر على الظلم وتحذير وتنفير للسامعين عنه فان قلت لما كان عطف الذين استجابوا من عطف الخاص تضمن وصف المعطوف عليه وصف المعطوف قلت هذا الانتصار لا ينافى وصفهم بالغفران فان كلا منهما فضيلة محمودة فى موقع نفسه ورزيلة مذمومة فى موقع صاحبه فان الحلم عن العاجز وعورات الكرام محمود وعن المتغلب وهفوات اللئام مذموم فانه اغرآء على البغى وعليه قول من قال

اذا انت اكرمت الكريم ملكته ... وان انت اكرمت اللئيم تمردا

فوضع الندافى موضع السيف بالعلى ... مضر كوضع السيف فى موضع الندا

فالعفو على قسمين احدهما ان يصير العفو سببا لتسكين الفتنة ورجوع الجانى عن بغايته فايات العفو محمولة على هذا القسم فزال التناقض فمن اخذ حقه من ظالم غير عادلا مراللّه فهو مطيع وقال ابن زيدو بعض المالكية جعل اللّه المؤمنين صنفين صنفا يعفون عن ظالميهم فبدأ بذكرهم فى قوله

{ واذا ما غضبوا هم يغفرون } وصنفا ينتصرون من ظالميهم وقال بعضهم الاول وصف الخواص وهذا وصف العوام ( وقال الكاشفى ) جون برسد ايشانرا ستمى از كافران ايشان از دشمنان خود انصاف بستانند بشمشير يعنى از ايشان انتقام كشند زيرا كه انتقام از كفار فرض است وجهاد كردن بايشان لازم

واشارت الآية الى ان الظالم مغلوب قال على كرم اللّه وجهه لا ظفر مع البغى

هركه ازراه بغى خيرى جست ... ظفر ازراء اوعتان برتافت

و رظفر يافت منفعت نكرفت ... بس جنانست آن ظفركه بتافت

٤٠

{ وجزاؤ سيئة } وباداش كرداريد

{ سيئة مثلها } كرداريست مانند آن

وهو بيان لوجه كون الانتصار من الخصال الحميدة مع كونه فى نفسه اساة الى الغير بالاشارة الى ان البادى هو الذى فعله لنفسه فان الافعال مستتبعة لأجزيتها حتما ان خيرا فخير وان شرا فشر وفيه تنبيه على حرمة التعدى واطلاق السيئة على الثانية مع انها جزاء مشروع مأذون فيه وكل مأذون حسن لا سيىء لانها تسوء من نزلت به او للازدواج يعنى المشاكلة كما فى قوله تعالى فان عاقبتم وعلى هذا فالسيئة مقابل الحسنة بخلافها فى الوجه الاول والمعنى انه يجب اذا قوبلت الاساءة ان تقابل بمثلها من غير زيادة قال الحسن اذا قال لعنك اللّه او اخزاك اللّه فلك ان تقول اخزاك اللّه او لعنك اللّه واذا شتمك فلك ان تشتمه بما شتم ما لم يكن فيه حد كلفظ الزنى او كلمة لا تصلح فلا تجرى المقابلة فى الكذب والبهتان قال فى التنوير قال لآخر يا زانى فقال له الآخر لا بل انت الزانى حدا بخلاف ما لو قال له مثلا يا خبيث فقال انت تكافئا ولو لم يجب بل رفع الامر الى القاضى ليؤدبه جاز وعن بعض الفقهاء فى هذه الآية وقد قيل انه الشافعى رحمه اللّه ان للانسان ان يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه واستشهد فى ذلك بقول النبى عليه السلام لهند زوجة ابى سفيان ( خذى من ماله ما يكفيك وولدك ) فأجاز لها اخذ ذلك بغير اذنه كذا ذكره القرطبى فى تفسيره

{ فمن عفا } عن المسيىء اليه جنايته اى ترك القصاص ( وقال الكاشفى ) بس هركه عفو كنداز ستمكار خودكه مسلمان باشد وترك انتقام نمايد ازوى

{ واصلح } بينه وبين من يعاديه بالعفو والاغضاء قال فى الحواشى السعدية الفاء للتفريع اى اذا كان الواجب فى الجزآء رعاية المماثلة من غير زيادة وهى عسرة جدا فالاولى العفو والاصلاح اذا كان قابلا للاصلاح بأن لم يصر على البغى وفى الحديث ( ما زاد اللّه عبد العفو الا عزا )

{ فأجره على اللّه } عدة مبهمة منبئة عن عظمة شأن الموعود وخروجه عن الحد المعهود

{ انه لا يحب الظالمين } البادئين بالسيئة والمتعدين فى الانتقام وهو استئناف تعليلى متعلق بقوله وجزآء الخ وقوله فمن عفا الخ اعتراض يعنى انما شرعت المجازاة وشرطت المساواة لانه لا يحب الظالمين وذكر ان ابا بكر الصديق رضى اللّه عنه كان عند النبى صلّى اللّه عليه وسلّم ورجل من المنافقين يسبه وابو بكر لم يجبه ورسول اللّه ساكت يتبسم فأجابه ابو بكر فقام النبى عليه السلام وذهب فقال ابو بكر يا رسول اللّه ما دام يسبنى كنت جالسا فلما اجبته قمت فقال النبى عليه السلام

( ان ملكا كان يجيبه عنك فلما اجبته ذهب الملك وجاء الشيطان وانا لا اكون فى مجلس يكون هناك الشيطان ) فنزل فمن عفا واصلح فاجره على اللّه وفى الحديث ( اذا كان يوم القيامة نادى مناد اين العافون عن الناس هلموا الى ربكم وخذوا اجوركم وحق لكل مسلم اذا عفا ان يدخله الجنة )

فو از كناه سيرت اهل فتوتست ... بى حلم وعفو كار فتوت نمام نيست

وعنه عليه السلام ( اذا جمع اللّه الخلائق يوم القيمة نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس وهم قليلون فينطلقون سراعا الى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون انا نراكم سراعا الى الجنة فمن انتم فيقولون نحن اهل الفضل فيقولون وما كان فضلكم فيقولون كنا اذا ظلمنا صبرنا واذا اسيئ الينا اغتفرنا واذا جهل علينا حلمنا فيقولون لهم ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين ) وفى التأويلات النجمية يشير الى ان ارباب القلوب الذين اصابهم الظلم من قبل انفسهم هم ينتصرون من الظالم وهو نفسهم بكبح عنانها عن الركض فى ميدان المخالفة وجزاء سيئة صدرت من النفس من قبل الحرص او الشهوة او الغضب او البخل او الجبن او الحسد او الكبر او الغل سيئة تصدر من القلب مثل ما يصادف علاجها اى يضد تلك الاوصاف فان العلاج باضدادها ولا يجاوز عن حد المعالجة فى رياضة النفس وجهادها فان لنفسك عليك حقا فمن عفا عن المبالغة فى رياضة النفس وجهادها بعد ان أصلح النفس بعلاج اضداد أوصافها فاجره على اللّه بان يتصف بصفاته فان من صفاته العفو وهو عفو يحب العفو فيكون العبد عفوا محبوبا لله تعالى انه لا يحب الظالمين الذين يضعون شدة الرياضة مع النفس موضع العفو

٤١

{ ولمن انتصر بعد ظلمه } اللام لام الابتدآء ومن شرطية لدخول الفاء فى جوابها وهو فاولئك او موصولة ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط وقوله بعد ظلمه من اضافة المصدر الى المفعول اى بعد ما ظلم وقرئ به وتذكير الضميرين باعتبار لفظ من والمعنى ولمن انتقم واقتص بعد ظلم الظالم اياه يعنى فى الحقوق المالية والجزاء فيما اذا ظفر بالجنس عندنا وعند الشافعى بغير الجنس ايضا

{ فاولئك } المنتصرون فهو اشارة الى من والجمع باعتبا المعنى

{ ما عليهم من سبيل } بالمعاتبة او المعاقبة لانهم فعلوا ما ابيح لهم من الانتصار

يايشانرا كناهى نيست والسبيل الطريق الذى فيه سهولة والآية دفع لما تضمنه السياق من اشعار سد باب الانتصار

٤٢

{ انما السبيل على الذين يظلمون الناس } اى يبتدئونهم بالاضرار او يعتدون فى الانتقام

{ ويبغون فى الارض بغير الحق } اى يتكبرون فيها تجبرا وافسادا

{ اولئك } الموصوفون بما ذكر من الظلم والبغى بغير الحق

{ لهم عذاب أليم } بسبب ظلمهم وبغيهم

٤٣

{ ولمن صبر } على الاذى واللام للابتدآء ومن موصولة مبتدأ

{ وغفر } لمن ظلمه ولم ينتصر وفوض امره الى اللّه تعالى وعن على رضى اللّه عنه الجزع اتعب من الصبر

درحوادث بصبر كوش كه صبر ... برضاى خداى مقرونست

{ ان ذلك } منه لانه لا بد من العائد الى المبتدأ فحذف ثقة بغاية ظهوره كما فى قوله السمن منوان بدرهم وفى حواشى سعدى المفتى قد يقال لا حاجة الى تقدير الراجع لان ذلك اشارة الى صبره لا الى مطلق الصبر فهو متضمن للضمير فان قلت ان دلالة الفعل انما هى على الزمان ومطلق الحدث كما قرر فالظاهر رجوع الضمير اليه قلت نعم ولكن اسناده الى ضمير من يفيده

{ لمن عزم الامور } اى من معزومات الامور اى مما يحب العزم عليه من الامور بايجاب العبد على نفسه لكونه من الامور المحمودة عند اللّه تعالى والعزم عقد القلب على امضاء الامر والعزيمة الرأى الجد كما فى المفردات وبالفارسية ازمهم ترين كارها اسب واين فى الحقيقة ازكار مردانست كه همه كس راقوات اين نباشدكه جفا كشد و وفاكند ( قال الحافظ ) جفا خوريم وملامت كشيم وخوش باشيم كه در طريقت ما كافريست رنجيدن

قال فى برهان القرءآن قوله تعالى ان ذلك لمن عزم الامور وفى لقمان من عزم الامور لان الصبر على الوجهين صبر على مكروه ينال الانسان ظلما فمن قتل بعض اعزته وصبر على المكروه ليس كمن مات بعض اعزته فالصبر على الاول اشد والعزم عليه اوكد وكان ما فى هذه السورة من الجنس الاول لقوله ولمن صبر وغفر فأكد الخبر باللام والآية فى المواد التى لا يؤدى العفو فيها الى الشر كما اشير اليه فان العفو مندوب اليه ثم قد ينعكس الامر فى بعض الاحوال فيرجع ترك العفو مندوبا اليه وذلك اذا احتيج الى كف زيادة البغى وقطع مادة الاذى ( يحكى ) ان رجلا سب رجلا فى مجلس الحسن رحمه اللّه فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق ثم قام فتلا هذه الاية فقال الحسن عقلها واللّه وفهمها اذ ضيعها الجاهلون قال ابو سعيد القرشى رحمه اللّه الصبر على المكاره من علامات الانتباه فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع اورثه اللّه تعالى حالة الرضى وهو اجل الاحوال ومن جزع من المصائب وشكاها وكله اللّه الى نفسه ثم لم ينفعه شكواه وقال بعضهم من صبر فى البلوى من غير شكوى وعفا بالتجاوز عن الخصم فلا يبقى لنفسه عليه دعوى بل يبرأ خصمه من جهة ما عليه من كل دعوى فى الدنيا والعقبى ان ذلك لمن عزم الامور وروى ان ازواج النبى عليه السلام اجتمعن فارسلن فاطمة رضى اللّه عنها اليه يطلبن منه ان يحبهن كعائشة فدخلت عليه وهو مع عائشة فى مرطها وهو بالكسر كساء من صوف او خز فقالت ما قلن رضى اللّه عنهن فقال عليه السلام لفاطمة

( اتحبيننى ) فقال نعم قال ( فاحبيها ) اى عائشة فرجعت اليهن فاخبرتهن بما قال لها اى لفاطمة فقلن لم تصنعى شيأ فاردن ان يرسلنها ثانيا فلم ترض فارسلن زينب بنت جحش رضى اللّه عنها وكانت ازهد ازواجه حتى قالت عائشة فى حقها لم ار قط امرأة خيرا فى الدين من زينب وكانت لها منزلة عنده عليه السلام تضاهى منزلة عائشة فقالت ان نساءك يسألنك العدل فى بنت ابن ابى قحافة يعنى يسألنك التسوية بينهن وبين عائشة فى المحبة ثم أقبلت على عائشة فشتمتها فلما استطالت عليها استقبلتها عائشة وعارضتها بالمدافعة حتى قهرتها وأسكتتها وفى الكشاف ان زينب اسمعت بحضرته وكان ينهاها فلا تنتهى فقال لعائشة ( دونك فانتصرى ) اى تقدمى واقربى فانتقمى من زينب فأفحمتها فقال عليه السلام ( انها ابنة ابى بكر ) اشارة الى كمال فهمها وحسن منطقها قال ابن الملك وفى الحديث دلالة على جواز الانتقام بالحق لكن العفو أفضل لقوله تعالى

{ فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه } ( قال الصائب ) درجنك ميكندلب خاموش كار تيغ دادن جواب مردم نادان جه لازمست

٤٤

{ ومن يضلل اللّه } يخلق فيه الضلالة من الهوى او بتركه على ما كان عليه من ظلم الناس

{ فماله من ولى من بعده } من ناصر يتولاه من بعد خذلانه تعالى اياه وبالفارسية وهراكرا كمراه سازد خداى تعالى بس نيست مراورا هيج دوستى كه كار سازى كندبس ازفرو كذشتن خداى تعالى مراورا

{ وترى الظالمين } الخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية البصرية والظالمون المشركون والعاصون

{ لما رأوا العذاب } اى حين يرونه وصيغة الماضى للدلالة على التحقق

{ يقولون } الخ فى موضع الحال من الظالمين لان الرؤية بصرية

{ هل } آياهست

{ الى مرد } بمعنى الرداى الرجعة الى الدنيا

{ من سبيل } هيج راهى يا جاده : تابرويم وتدارك مافات كنيم ازايمان وعمل صالح

وقد سبق بيانه فى قوله فى حم المؤمن فهل الى خروج من سبيل

٤٥

{ وتراهم } تبصرهم ايها الرائى حال كونهم

{ يعرضون عليها } اى على النار المدلول عليها بالعذاب وقد سبق معنى العرض فى حم المؤمن عند قوله

{ النار يعرضون عليها } { خاشعين من الذل } من للتعليل متعلق بخاشعين اى حال كونهم خاضعين حقيرين بسبب ما لحقهم من الذل والهوان وقد يعلق من الذل بينظرون ويوقف على خاشعين

{ ينظرون من طرف خفى } الطرف مصدر فى الاصل ولهذا لم يجمع وهو تحريك الجفن وعبر به عن النظر اذ كان تحريك الجفن يلازم النظر كما فى المفردات والمعنى حال كونهم يبتدئ نظرهم الى النار من تحريك لاجفانهم ضعيف يعنى يسارقون النظر الى النار خوفا منها وذلة فى انفسهم كما ينظرون الى المقتول الى السيف فلا يقدر ان يملأ عينيه منه وهكذا نظر الناظر الى المكاره لا يقدر ان يفتح أجفانه عليها ويملأ عينيه منها كما يفعل فى نظره الى المحاب وقال الكلبى ينظرون بأبصار قلوبهم ولا ينظرون بأبصار ظواهرهم لانهم يسحبون على وجوههم او لانهم يحشرون عميا فينظرون كنظر الاعمى اذا خاف حسا

يقول الفقير لا حاجة الى حمل الآية على ما ذكر من الوجهين لان لهم يوم القيامة احوالا شتى بحسب المواطن فكل من النظر والسحب والحشر اعمى ثابت صحيح وفى الآية اشارة الى ان النفوس التى لم تقبل الصلاح بالعلاج فى الدنيا تتمنى الرجوع الى الدنيا يوم القيامة لتقبل الصلاح بعلاج الرياضات الشرعية والمجاهدات الطريقية وتخشع اذ لم تخشع فى الدنيا من القهار فلا تنفعها ندامة ولا تسمع منها دعوة ولها نظر من طرف خفى من خجالة المؤمنين اذ يعيرونها بما ذكروها فلم تسمع وهى نفوس الظالمين ( كما قال السعدى ) تراخود بماند سراز تنك بيش كه كردت برآيد عملهاى خويش برادرز كار بدان شرم دار كه درروى نيكان شوى سرمسار

{ وقال الذين آمنوا } وجاهدوا فى اللّه تعالى حق جهاده وربحوا على ربهم

{ ان الخاسرين } اى المتصفين بحقيقة الخسران وهو انتقاص رأس المال وينسب الى الانسان فيقال خسر فلان والى الفعل فيقال خسرت تجارته ويستعمل ذلك فى القنيات الخارجة كالمال والجاه فى الدنيا وهو الاكثر وفى القنيات النفسية كالصحة والسلامة والعقل والايمان والثواب وهو الذى جعله اللّه الخسران المبين وكل خسران ذكره اللّه فى القرءآن فهو على هذا المعنى الاخير دون الخسران المتعلق بالقنيات الدنيوية والتجارات البشرية وخبر ان قوله تعالى

{ الذين خسروا انفسهم وأهليهم } آنانندكه زيان كردند بنفسهاى خويش و كسان خود

بالتعريض للعذاب الخالد

{ يوم القيامة } اما ظرف لخسروا والقول فى الدنيا او لقال اى يقولون لهم حين يرونهم على تلك الحال وصيغة الماضى للدلالة على تحققه ( وقال الكاشفى ) زيان در نفسها آنست آنرا بعبادت بتان مستوجب آتش دوزخ كردانيدند وزمان زيان دراهالى اكردوزخى اندبانكه ايشانرا ازايمان بازداشتندوا كر بهشتى اندبانكه ازديد از ايشان محروم ماندند

قال ابن الملك فى شرح المشارق الاهل يفسر بالازواج والاولاد وبالعبيد والاماء وبالاقارب وبالاصحاب وبالمجموع وفى التأويلات النجمية ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم بابطال استعدادهم اذ صرفوه فى طلب الدنيا وزخارفها والالتذاذ بها وخسروا اهليهم اذ لم يقوا انفسهم واهليهم نارا بقبول الايمان وادآء الشرآئع

{ ألا } بدانيد

{ ان الظالمين } اى المشركين الذين كانوا فى جهنم شهوات النفس جثيا فى الدنيا

{ فى عذاب مقيم } فى الآخرة الى الابد وبالفارسية درعذابى بيوسته انديعنى باقى وبى انقطاع

اما من تمام كلامهم او تصديق من اللّه لهم

٤٦

{ وما كان لهم من اولياء ينصرونهم } بدفع العذاب عنهم

{ من دون اللّه } حسبما كانوا يرجون ذلك فى الدنيا

{ ومن يضلل اللّه } وهراكرا كمراه سازد خداى تعالى

{ فماله من سبيل } يؤدى سلوكه الى النجاة وفى التأويلات النجمية ومن يضلل اللّه بان يشغله بغيره فماله من سبيل يصل به الى اللّه تعالى قال ذو النون المصرى قدس سره رأيت جارية فى جبل انطاكية فقالت لى الست ذا النون قلت كيف عرفت قالت عرفتك بمعرفة الحبيب ثم قالت ما السخاء قلت البذل والعطاء قالت ذاك سخاء الدنيا فما سخاء الدين قلت المسارعة الى طاعة رب العالمين قالت تريد شيأ قلت نعم قالت تأخذ العشرة بواحد لقوله تعالى

{ من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } فاين السخاء قلت فما السخاء عندك قالت انما هو أن يطلع على قلبك فلا يرى فيه غيره ويحك يا ذا النون انى اريد ان اسأل شيأ منذ عشرين سنة واستحيى منه مخافة أن اكون كأجير السوء اذا عمل طلب الاجرة فلا تعمل الا تعظيما لهيبته فعلم ان اخراج الغير من القلب والاشتغال باللّه تعالى من اوصاف الخواص فمن اهتدى به ربح ومن ضل عنه خسر وهو بيد اللّه تعالى اذ هو الولى فعلى العبد ان يسأل الهداية ويطلب العناية حتى يخرجه اللّه من ظلمات نفسه الامارة الى انوار تجليات الروحانية ويجعل له اليه سبيلا ينجو به من المهالك ( حكى ) ان شيخا حج مع شاب فلما احرم قال لبيك فقيل له لا لبيك فقال الشاب للشيخ ألا تسمع هذا الجواب فقال كنت اسمع هذا الجواب منذ سبعين سنة قال فلأى شىء تتعب فبكى الشيخ فقال فالى اى باب التجئ فقيل له قد قبلناك فهذا من هداية اللّه الخاصة فافهم جدا ( قال الصاحب ) بنوميدى مده تن كرجه دركام نهنك افتى كه دارد دردل كرداب بحر عشق ساحلها

٤٧

{ استجيبوا لربكم } اذا دعاكم الى الايمان على لسان نبيه عليه السلام

{ من قبل ان يأتى يوم لا مرد له من اللّه } اى لا يرده اللّه بعدما حكم به على ان من صلة مرد أى من قبل ان يأتى من اللّه يوم لا يمكن رده وفى تعليق الامر بالاستجابة باسم الرب ونفى المرد والاتيان بالاسم الجامع نكتة لا تخفى كما فى حواشى سعدى المفتى

{ مالكم من ملجأ يومئذ } اى مفر تلتجئون اليه اى مالكم مخلص ما من العذاب على ما دل عليه تأكيد النفى بمن استغراقية والملجأ بالفارسية بناه وكريز كاه

{ وما لكم من نكير } اى انكار ما لما اقترفتموه لانه مدون فى صحائف اعمالكم وتشهد عليكم جوارحكم وهو مصدر انكر على خلاف ولعل المراد الانكار المنجى والا فهم يقولون واللّه ربنا ما كنا مشركين وغير ذلك ولذلك تشهد عليهم اعضاؤهم بذلك السماع ومن يستمع الهواتف كيف يجيب وأنى له محل الجواب وفى التأويلات النجمية يشير بقوله استجيبوا لربكم للعوام الى الوفاء بعهده والقيام بحقه والرجوع عن مخالفته الى موافقته وللخواص الى الاستسلام للاحكام الازلية والاعراض عن الدنيا وزينتها وشهواتها اجابة لقوله تعالى

{ واللّه يدعوا الى دار السلام } ولأخص الخواص من اهل المحبة الى صدق الطلب بالاعراض عن الدارين متوجها لحضرة الجلال ببذل الوجود فى نيل الوصول والوصال مجيبا لقوله

{ وداعيا الى اللّه باذنه } والطريق اليوم الى الاستجابة مفتوح وعن قريب سيغلق الباب على القلوب بغتة ويأخذ فلتة وذلك قوله تعالى من قبل ان يأتى الخ ونعم ما قال الشاعر.

تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار

اى استمتع بشم عرار نجد وهى وردة ناعمة صفرآء طيبة الرائحة فانا نعدمه اذا امسينا لخروجنا من أرض نجد ومنابته فالاشارة الى شم عرار الحقيقة فانه انما يكون ما دام الروح الانسانى فى نجد الوجود الشهودى وحده فان انتقل منه الى حد البرزخ بزوال شمس الحياة والانتهاء الى عشية العمر فلا يمكن شمه أصلا

جون بى خبران دامن فرصت مده ازدست تاهست بروبال زعالم سفرى كن

٤٨

{ فان اعرضوا فما ارسلناك عليهم حفيظا } تلوين للكلام وصرف له عن خطاب الناس بعد امرهم بالاستجابة وتوجيه له الى الرسول عليه السلام اى فان لم يستجيبوا واعرضوا عما تدعوهم اليه فما ارسلناك رقيبا ومحاسبا عليهم وحافظا لاعمالهم وبالفارسية نكهبانى كه ازعمل بد ايشانرا نكاه دارى وفيه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم

{ ان عليك الا البلاغ } اى ما يجب عليك الا تبليغ الرسالة وقد فعلت فلا يهمنك اعراضهم وفى التأويلات النجمية فان أعرضوا عن اللّه بالاقبال على الدارين ولم يجيبوا فما أرسلناك عليهم حفيظا تحفظهم من الالتفات الى الدارين لان الحفظ من شانى لا من شأنك فانى حفيظ فليس عليك الا تبليغ الرسالة ثم نحن نعلم بما نعاملهم بالتوفيق او بالخذلان

قال الغزالى رحمه اللّه فى شرح الاسماء الحفيظ من العباد من يحفظ جوارحه وقلبه ويحفظ دينه من سطوة الغضب وخلابة الشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان فانه على شفا جرف هار وقد اكتنفته هذه المهلكات المفضية الى النار وقد عرف كلها من لسان الشارع صلّى اللّه عليه وسلّم فليسارع العبد الى دفع الموبقات وجلب المنجيات باصلاح النفس والتخلق بالاخلاق الالهية فان النفس طاغية مؤدية الى الافلاس والخسار وفى الحديث ( اتدرون من المفلس ) قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال عليه السلام ( المفلس من امتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا او سفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم يطرح فى النار ) فلا ينبغى للعاقل ان يبقى مع النفس فانه اذا نزل عليه العذاب غضبا للنفس لا يجد وليا يتولاه ولا نصيرا ينصره ولا ملجأ يفر اليه فهذه حال المعرضين

واما حال المقبلين القابلين للبلاغ والارشاد فاللّه تعالى يحفظهم مما يخافونه يوم المعاد

خجل آنكس كه رفت وكار نساخت كوس رحلت زدند وبارنساخت

{ وانا اذا اذقنا الانسان منا } از نزديك خود

{ رحمة } اى نعمة من الصحة والغنى والأمن

{ فرح بها } بطر لاجلها ( وقال الكاشفى ) خوش شودبدان وشادى كند

اعلم ان نعمة اللّه وان كانت فى الدنيا عظيمة الا انها بالنسبة الى سعادات الآخرة كالقطرة بالنسبة الى البحر فلذلك سمى الانعام بها اذاقة وبالفارسية جشانيدن

فالانسان اذا حصل له هذا القدر الحقير فى الدنيا فرح به ووقع فى العجب والكبر وظن انه فاز بكل المنى ودخل فى قصر السعادات ولذا ضعف اعتقاده فى سعادات الآخرة والا لاختار الباقى على الفانى لان الفانى كالخزف مع انه قليل والباقى كالذهب مع انه كثير

افتد هماى دولت اكردر كمندما از همت بلند رها ميكنيم ما

{ وان تصبهم } اى الانسان لان المراد به الجنس

{ سيئة } اى بلاء من مرض وفقر وخوف مما يسوءهم

{ بما قدمت ايديهم } بسبب ما عملت انفسهم من كفرانهم بنعم اللّه وعصيانهم فيها وذكر الايدى لان اكثر الاعمال تباشر بها فجعل كل عمل كالصادر بالايدى على طريق التغليب

{ فان الانسان كفور } قال الراغب كفر النعمة وكفرانها سترها بترك ادآء شكرها وأعظم الكفر جحودهم الوحدانية او النبوة او الشريعة والكفران فى جحود النعمة اكثر استعمالا والكفر فى الدين اكثر والكفور فيهما جميعا والمعنى فان الانسان بليغ الكفر ينسى النعمة بالكلية ويذكر البلية ويستعظمها ولا يتأمل سببها بل يزعم انها اصابته بغير استحقاق لها واسناد هذه الخصلة الى الجنس مع كونها من خواص المجرمين لغلبتهم فيما بين الافراد يعنى انه حكم على الجنس بحال اغلب افراده للملابسة على المجاز العقلى وتصدير الشرطية الاولى باذا مع اسناد الاذاقة الى نون العظمة للتنبيه على ان ايصال النعمة محقق الوجود كثير الوقوع وانه مقتضى الذات كما ان تصدير الثانية بان واسناد الاصابة الى السيئة وتعليلها باعمالهم للايذان بندرة وقوعها وانها بمعزل عن الانتظام فى سلك الارادة بالذات ووضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل على ان هذا الجنس مرسوم بكفران النعم

امام ابو منصور ماتريدى رحمه اللّه فرموده كه كفران مؤمن آنست كه ترك شكر كند قال بعض الكبار ( ع ) درشكر همجو جشمه ودرصبر خاره ايم

وعن على رضى اللّه عنه اذا وصلت اليكم اطراف النعمة فلا تنفروا اقصاها بقلة الشكر يعنى من لم يشكر النعم الحاصلة لديه الواصلة اليه حرم النعم الغائبة منه القاصية عنه

جون بيابى تونعمتى درجند خرد باشد جونقطه موهوم شكران يافته فرومكزار كه زنايافته شوى محروم

وعنه رضى اللّه عنه ايضا أقل ما يلزمكم لله ان لا تستعينوا بنعمه على معاصيه قال الحسن اذا استوى يوماك فانت ناقص قيل كيف ذاك قال ان اللّه زادك فى يومك هذا نعما فعليك ان تزداد فيه شكرا وقد مد اللّه عمر بعض الانسان واكثر عليه فضله كنمرود وفرعون ونحوهما ثم انهم لم يزدادوا كل يوم الا كفرانا فعاملهم اللّه بالعدل حتى هلكوا اقبح الهلاك وفى الآية اشارة الى ان من خصوصية الانسان اذا وكله اللّه الى نفسه ان لا يشكر على ما فتح اللّه عليه من المواهب الالهية وفتوحات الغيب وانواع الكرامات التى تربى بها اطفال الطريقة ليزيده اللّه بل ينظر الى نفسه بالعجب ويفشى سره على الحاق ارأة وسمعة فيغلق اللّه ابواب الفتوحات بعد فتحها ( قال الصائب ) نجام بت برست بودبه زخود برست درقيد خود مباش وبقيد فرنك باش ومن اللّه العون

٤٩

{ لله ملك السموات والارض } اى يختص به ملك العالم كله لا يقدر أن يملكه احد سواه فله التصرف فيه وقسمة النعمة والبلية على أهله وليس عليهم الا الشكر فى النعمة والصبر فى البلية والرضى والتسليم للاحكام الازلية وبالفارسية وخدايراست بادشاهى آسمانها وزمينها

{ يخلق ما يشاء } مما يعلمونه ومما لا يعلمونه على اى صورة شاء

{ يهب لمن يشاء اناثا } من الاولاد يعنى مى بخشد هر كرامى خواهد دختران

فلا يجعل معهن ذكورا يعنى بسران مثل ما وهب لشعيب ولوط عليهما السلام والهبة ان تجعل ملكك لغيرك بغير عوض والوهاب هو اللّه تعالى لانه يعطى كلا على قدر استحقاقه ولا يريد عوضا والاناث جمع انثى خلاف الذكر والجملة بدل من يخلق بدل البعض قدم الاناث لانها اكثر لتكثير النسل او لتطييب قلوب آبائهن اذ فى التقديم تشريف لهن وايناس بهن ولذلك جعلن من مواهب اللّه تعالى مع ذكر اللام الانتفاعية او لرعاية الترتيب الواقع اولا فى الهبة بنوع الانسان فانه تعالى وهب اولا لآدم زوجته حواء عليهما السلام بأن ولدها منه وخلقها من قصيراه وهى اسفل الاضلاع او آخر ضلع فى الجنب كما فى القاموس قال فى الكواشى ويجوز انهن قدمن توبيخا لمن كان يئدهن ونكرن ايماء الى ضعفهن ليرحمن فيحسن اليهن قال فى الشرعة وشرحه ويزداد فرحا بالبنات مخالفة لاهل الجاهلية فانهم يكرهونها بحيث يدفنونها فى التراب فى حال حياتها وفى الحديث ( من بركة المرأة تبكيرها بالبنات ) اى يكون اول ولدها بنتا ألم تسمع قوله تعالى يهب لمن يشاء اناثا الاية حيث بدا بالاناث وفى الحديث ( من ابتلى من هذه البنات بشىء فاحسن اليهن ) اى بالتزويج بالاكفاء ونحوه ( كن له سترا من النار ) والنبى عليه السلام سماهن المجهزات المؤنسات اى المهيا جهازهن سماهن بها تفاؤلا وتيمنا والمؤنسات للوالدين والازواج وفى الحديث ( سألت اللّه ان يرزقنى ولدا بلا مؤونة فرزقنى البنات ) وفى الحديث القدسى خطابا للبنت حين ولدت ( انزلى وأنا عون لأبيك ) وفى الحديث ( لا تكرهوا البنات فانى ابو البنات )

يقول الفقير معناه ان كونه عليه السلام ابا لبنات يكفى فى عدم كراهة البنات اذ لا يختار اللّه له الا ما هو خير ومن لم يرض بما اختاره له تعرض لسخط اللّه وكم ترى فى هذا الزمان من السخط على البنات اقتداء بأهل الجاهلية ولو كان لهم اسوة حسنة فى رسول اللّه لاحبوا ما أحبه وكان لهم فى ذلك شرف عظيم

{ ويهب لمن يشاء الذكور } من الاولاد يعنى بسران

ولا يكون فيهم اناث كما وهب ابراهيم عليه السلام من غير ان يكون فى ذلك مدخل لاحد ومجال اعتراض

باختيار حق نبود اختيارما بانور آفتاب جه باشد شرارما

والذكور جمع ذكر ضد الانثى عرف الذكور للمحافظة على الفواصل او لجبر التأخير يعنى ان اللّه تعالى اخر الذكور مع انهم احقاء بالتقديم فتدارك تأخيرهم بتعريفهم لان فى التعريف العهدى تنويها وتشهيرا كأنه قيل ويهب لمن يشاء الفرسان اعلام الذين لا يخفون عليكم وفى الحديث ( ان اولادكم هبة اللّه لكم يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور واموالهم لكم ان احتجتم اليها )

٥٠

{ او يزوجهم ذكرانا واناثا } معنى التزويج هنا جفت قرين كردن كما فى تاج المصادر والذكران جمع ذكر والمعنى يقرن بين الصنفين فيهبهما جميعا بان يولد له الذكور والاناث مثل ما وهب لنبينا صلّى اللّه عليه وسلّم اذ كان له من البنين ثلاثة على الصحيح قاسم وعبد اللّه وابراهيم ومن البنات اربع زينب ورقية وام كلثوم وفاطمة رضى اللّه عنهن وقال بعضهم معنى يزوجهم ان تلد غلاما ثم جارية ثم غلاما او تلد ذكرا وانثى توأمين

{ ويجعل من يشاء عقيما } بى فرزند ونازاينده

فلا تلد ولا يولد له كعيسى ويحيى عليهما السلام فانهما ليس لهما اولاد اما عيسى فلم يتزوج وان كان يتزوج حين نزوله فى آخر الزمان ويكون له بنات

واما يحيى فقد تزوج ولكن لم يقرب لكونه عزيمة فى شريعته وبعضهم لم يكن له اولاد وان حصل له قربان النساء واصل العقم اليبس المانع من قبول الاثر والعقيم من النساء التى لا تقبل ماء الفحل وفى القاموس العقم بالضم هرمة تقع فى الرحم فلا تقبل الولد ورجل عقيم لا يولد له فالعقم كما يقع صفة للمرأة يقع صفة للرجل بان يكون فى مائه ما يمنع العلوق من الاعذار وتغيير العاطف فى الثالث لانه قسيم المشترك بين القسمين وهو أى المشترك بينهما مفهوم الصنف الوحد فالثالث جامع بين الصنفين فلو ذكر ايضا بالواو لربما توهم من اول الامر انه قسيم لكل من القسمين لا للمشترك بينهما لانه حال عما فى الرابع من الافصاح يعنى انه لا حاجة اليه فى الرابع لافصاحه بانه قسيم المشترك بين الاقسام المتقدمة وهو هبة الولد ولا يشتبه على احد ان العقم يقابلها فلا حاجة الى التنبيه على ذلك

{ انه } تعالى

{ عليم } بليغ العلم بكل شى مما كان وما يكون

{ قدير } بليغ القدرة على كل مقدور فيفعل ما فيه حكمة ومصلحة ( وقال الكاشفى ) داناست بانجه مىدهد تواناست بانجه ميسازد دانايى اوازجهل مقدس ومبراست وتوانايى او از عجز منزه ومعرا علم او برطرف از شائبة جهل فتور وقدرتش باك از آلايش نقصان وقصور

وعلم ان الانسان اما ان لا يكون له ولد او يكون له ولد ذكر او انثى او ذكر وانثى وقد وقد استوفى فى الآية جميع الاقسام فالمعنى ان اللّه تعالى يجعل احوال العباد فى حق الاولاد مختلفة على ما تقتضيه المشيئة فيهن فيهب لبعض اما صنفا واحدا من ذكر او انثى

واما صنفين ويعقم آخرين فلا يهب لهم ولد قط فالاولاد ذكورا واناثا من مواهب اللّه تعالى وعطاياه ولذا سن لمن يبشر بالمولود انه يستبشر به ويراه نعمة انعم اللّه بها عليه ففى الحديث

( ريح الولد من ريح الجنة ) وقال عليه السلام ( الولد فى الدنيا نو وفى الآخرة سرور ) وقد ورد سوداء ولود خير من حسناء عقيم وذلك لان التناسل انما هو بالولود ويعرف كونها ولودا بالصحة والشباب ولا ينفى الولد الذى يولد على فراشه فان اللّه تعالى يفضحه يوم القيامة ويكتب عليه من الذنب بعدد النجوم والرمال والاوراق

وقيل معنى الاية يهب لمن يشاء اناثا اى الدنيا ويهب لمن يشاء الذكور اى الآخرة او يزوجهم ذكرانا واناثا اى الدنيا والاخرة ويجعل من يشاء عقيما اى لا دنيا ولا عقبى كذا فى كشف الاسرار وفيه اشارة الى انوثة الدنيا وذكورة الآخرة قال امير خسرو دهلوى بهران مردار جةدب كاه زارى كاه زور جون غيلواجى كه شش مه ماده وشش مه تراست

وفى التأويلات النجمية يشير الى ارباب الولاية من المشايخ المستكملين يهب لبعضهم من المريدين الصادقين الاتقياء الصلحاء وهم بمثابة الاناث لا تصرف لهم فى غيرهم بالتزويج والتسليك ويهب لبعضهم من المريدين الصديقين المحبين الواصلين الكاملين المستكملين المخرجين وهم بمثابة الذكور لاستعداد تصرفهم فى الطالبين ويهب لبعضهم من الجنسين المذكورين المتصرفين فى الغير وغير المتصرفين ويجعل بعض المشايخ عقيما لامر يدله انه عليم بمن يجعله متصرفا وغير متصرف فى المريد قدير على ما يشاء ان يجعله متصرفا او غير متصرف يقول الفقير هذا التفاوت بينهم اما راجع اليهم لحكمة اخفاها اللّه تعالى

واما الى اهالى زمانهم فانهم متفاوتون كتفاوت الامم فماذا يصنع الكاملعون المكملون اذا لم يكن فى الناس استعداد قال الحافظ

كوهر باك ببايدكه شود قابل فيض ورنه هرسنك كلى لؤلؤ ومرجان نشود

٥١

{ وما كان لبشر } اى وما صح لفرد من افراد البشر يا محمد

{ ان يكلمه اللّه } بوجه من الوجوه

{ الا وحيا } اصل الوحى الاشارة السريعه وانما سمى الوحى وحيا لسرعته فان الوحى عين الفهم عين الافهام عين المفهوم منه كما يذوقه اهل الالهام من الاولياء وقد عرف بعضهم الوحي بأنه ما تقع به الاشارة القائمة مقام العبارة فى غير عبارة وقال الراغب ويقال للكلمة الالهية التى تلقى الى انبيائه واوليائه وحى

يقول الفقير يعلم منه ان الوحى والالهام واحد فى الحقيقة وانما قيل الوحى فى الانبياء والالهام فى الاولياء تأدبا كما قيل دعوة الانبياء وارشاد الاولياء فاستعملوا الدعوة فى الانبياء والارشاد فى الاولياء مع انهما أمر واحد فالوحى اما بالقاء فى الروع كما ذكر عليه السلام ( ان روح القدس نفث فى روعى )

واما بالهام نحو قوله

{ واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه }

واما بتسخير نحو قوله تعالى

{ واوحى ربك الى النحل } او بنام كقوله عليه السلام ( انقطع الوحى وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن ) فهذه الانواع دل عليها قول الا وحيا فمعناه الا بانه يوحى اليه ويلهمه ويقذف فى قلبه كما اوحى الى ام موسى والى ابراهيم فى ذبح ولده والى داود الزبور فى صدره قاله مجاهد وسيأتى تحقيق الآية ان شاء اللّه تعالى

{ او من ورآء حجاب } بان يسمعه كلامه الذى يخلقه فى بعض الاجرام من غير ان يبصر السامع من يكلمه فهو تمثيل له بحال الملك المحتجب الذى يكلم بعض خواصه من ورآء الحجاب يسمع صوته ولا يرى شخصه والا فاللّه تعالى منزه عن الاستتار بالحجاب الذى هو من خواص الاجسام فالحجاب يرجع الى المستمع لا الى اللّه تعالى المتكلم وذلك كما كلم اللّه تعالى موسى فى طوى والطور ولذا سمى كليم اللّه لانه سمع صوتا دالا على كلام اللّه من غير ان يكون ذلك الصوت مكتسبا لاحد من الخلق بل تولى اللّه تخليقه اكراما له وغيره يسمعون صوتا مكتسبا للعباد فيفهمون به كلام اللّه هذا مذهب امامنا ابى منصور ذكره فى كتاب التأويلات وذهب ابو الحسن الاشعرى الى ان موسى سمع كلام اللّه من غير واسطة صوت او قرآة والى هذا ذهب ابن فورك من الاشعرية قال فى كشف الاسرار كلمه وبينهما حجاب من نار ( وقال الكاشفى ) يا موسى سخن كفت واودر بس حجاب نور بود در موضح آوردمكه خداى تعالى بابيغمبر عليه السلام سخن كفت از وراى حجابين يعنى حضرت رسالت بناه عليه السلام وراى دو حجاب بودكه سخن خداى تعالى شنيد حجابى از زر سرخ وحجابى از مروا ريد سفيد مسيره ميان هردو حجاب هفتاد سال راه بود

يقول الفقير هذا من غوامض العلوم فان نبينا عليه السلام اعلى كعبا من موسى عليه السلام فما معنى ان اللّه تعالى كلم موسى من وراء حجاب واحد وكلم نبينا من ورآء حجابين وان حصل فرق بين حجاب وحجاب ولعل المراد بالحجابين حجاب الياقوتة الحمرآء الذى يلى جانب الخلق وحجاب الدرة البيضاء الذى يلى عالم الامر وكلاهما عبادة عن الروح المحمدى والحقيقة الاحمدية واشارة بكون مسافة ما بين الحجابين مسيرة سبعين ألف حجاب بين الرب والعبد فمعنى ان النبى عليه السلام سمع كلام اللّه من ورآء هذين الحجابين ان اللّه تعالى كلمه وبينهما الحقيقة الجامعة البرزخية وليس ذلك بحجاب فى الحقيقة كما ان المرءاة ليست بحجاب للناظر وكذا القناع بالنسبة الى العروس فافهم جدا

{ او يرسل رسولا } اى ملكا من الملائكة اما جبريل او غيره قال ابن عباس رضى اللّه عليهما لم ير جبرآئيل الا اربعة من الانبياء موسى وعيسى وزكريا ومحمد عليه السلام قال فى عين المعانى عسى انه اراد برؤيته كما هو والا فهو سفير الوحى انتهى

{ فيوحى } ذلك الرسول الى المرسل اليه الذى هو الرسول البشرى

{ باذنه } اى بامره تعالى وتيسيره

{ ما يشاء } ان يوحيه اليه وهذا هو الذى جرى بينه تعالى وبين الانبياء عليهم السلام فى عامة الاوقات من الكلام فيكون اشارة الى التكلم بواسطة الملك ( روى ) ان النبى عليه السلام قال ( من الانبياء من يسمع الصوت فيكون بذلك نبيا ومنهم من ينفث فى اذنه وقلبه فيكون بذلك نبيا وان جبرآئيل يأتينى فيكلمنى كما يكلم احدكم صاحبه ) وعن عائشة رضى اللّه عنها ان الحارث بن هشام رضى اللّه عنه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كيف يأتيك الوحى فقال ( احيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو اشده على فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال واحيانا يتمثل الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول ) قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا والتفصد والانفصاد فرود ويدن

{ انه } المذكورة

{ حكيم } يجرى افعاله على سنن الحكمة فيكلم تارة بواسطة واخرى بدونها اما الهاما او خطابا وفى التأويلات النجمية يشير الى ان البشر مهما كان محجوبا بصفات البشرية موصوفا بأوصاف الخلقية الظلمانية الانسانية لا يكون مستعدا ان يكلمه اللّه الا بالوحى او بالالهام فى النوم واليقظة او من ورآء حجاب بالكلام الصريح او يرسل رسولا من الملائكة فيوحى باذنه ما يشاء انه على يعلو القدم لا يجانسه محدث حكيم فيما يساعد البشر بافناء انانيته بهويته فاذا افنيت البشرية وارتفعت الحجب وتبدلت كينونته بكينونة الحق حتى به يسمع وبه يبصر وبه ينطق فيكلمه اللّه تعالى شفاها وبه يسمع العبد كلامه كفاحا كما كان حال النبى صلى اللّه تعالى عليه وسلم فى سر فأوحى الى عبده ما اوحى انتهى يعنى مصطفى صلى اللّه تعالى عليه وسلم شب معراج از حق سخن شنيدبى واسطه

وكان آمن الرسول مما شافهه به الحق تعالى من غير حجاب وكذا قوله

{ هو الذى يصلى عليكم وملائكته } الخ وكذا بعض سورة الضحى وبعض سورة الم نشرح ولزم من سماع كلامه مشافهة رؤيته بلا حجاب وكذا حال المؤمنين يوم القيامة فانهم يرون ربهم كما يرون القمر ليلة البدر ويسمعون كلامه بلا حجاب فالوحى اذا قسمان مشافهة وغير مشافهة وعليه يحمل ما روى ان اليهود قالت للنبى صلّى اللّه عليه وسلّم ألا تكلم اللّه وتنظر اليه ان كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر اليه فانا لن نؤمن حتى تفعل ذلك فقال عليه السلام ( لم ينظر موسى الى اللّه ) فنزلت فأشار الى ان الكلام حصل لموسى ولكن من وراء حجاب دون النظر وكذا للنبى عليه السلام ما دام على حال البشرية وكذا ما روى عن عائشة رضى اللّه عنها انها قالت من زعم ان محمدا رأى ربه فقد اعظم على اللّه الفرية ثم قالت او لم تسمعوا ربكم يقول وتلت هذه الآية وما كان لبشر الخ فاشارت الى مرتبة الحجاب وسره ان اللّه تعالى قال وما كان لبشر فعبر بعنوان البشرية وليس من حد البشر ان يرى ربه عيانا وهو فى حد الدنيا باق على بشريته او يكلمه اللّه كفاحا قال حضرة الشيخ لاكبر قدس سره الاطهر فى تلقيح الاذهان تكليم اللّه البشر فى ثلاث مراتب كما قال سبحانه وما كان لبشر الخ فالكل وحى ولكن بعضه بلا واسطة عند خروجه عن حد البشرية الا انك ان كنت انت السامع لم تحصل على هذه المشاهدة الذاتية حتى تكون أنت المسمع فمشاهدة الذات لا تتم مع المناجاة وبعضه بواسطة عند الرجوع الى البشرية ولا تزال هكذا حتى تفنى عن نفس السماع وتبقى مشاهدا للحق لتسمع نفسه بنفسه فانه من تحقق بالانفاق حتى يسمع وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه سمع قوله واتخذه وكيلا انتهى قال الشيخ روز بهان البقلى فى عرآئس البيان كانت لى واقعة فى ابتداء الامر وذلك انى شاهدت الحق بالحق وكاشفت لى مشاهدة جماله وخاطبنى من حيث الارواح لا من حيث الاشباح فغلب على سكر ذلك وأفشيت حالى بلسان السكر فتعرض لى واحد من أهل العلم وسألنى كيف تقول ذلك وان اللّه سبحانه وتعالى أخبرنا بأنه لم يخاطب احدا من الانبياء والرسل الا من وراء حجاب كما قال وما كان لبشر الخ فقلت صدق اللّه هذا اذا كانوا فى حجاب البشرية فاذا خرجوا بشرط الارواح الى عالم الغيب ورأوا الملكوت ألبسهم اللّه أنوار قربه وكحل عيونهم بنور ذاته وألبس اسماعهم قوة من قوى الربوبية وكشف لهم سر الغيرة وحجاب المملكة وخاطبهم كفاحا وعيانا ولنبينا صلى اللّه تعالى عليه وسلم أخص خاصية اذ هو مصطفى فى الازل بالمعارج والمشاهدة فاذا صار جسمه روحه وكان واحدا من كل الوجوه صعد الى الملكوت ورأى الحق بنور الجبروت وسمع خطابه بلا واسطة وراى الحق بلا حجاب اذ الحجاب وصف المخلوقين والحق منزه عن ان يحجبه شىء ( وحكى ) ان الامام جعفر الصادق رضى اللّه عنه قال له شخص أرنى ربى فقال أو لم تسمع ان اللّه تعالى يقول لموسى لن ترانى مع انه نبى عظيم قال ان من هذه الملة الاحمدية من يقول رأى قلبى ربى ومنهم من يقول لا أعبد ربا لم أره فلما لم يمسك عن مسألته امر جعفر بان يلقى ذلك الشخص فى الدجلة ففعلوا فقال يا ابن رسول اللّه الغياث قال الصادق يا ماء اغمسه حتى فعل ذلك مرارا يعنى استغاث بالصادق فلما انقطع رجاؤه عن الخلق قال الهى الغياث

صادق كفت بياوريدش بركرفتند وبياوردند وآبى كه مانده بودازكوش وبينى او ريختند جون باخود آمدكفت بآن حق راديدى كفت يا خيال اغيار مى مانده دست در غيرمى زدم حجاب مى بود جون بناه بكلى بوى آوردم ومضطر شدم روزنه دردل من كشاده شد وبدانجا نكريتسم آنجه مى جستم ديدم وتا اضطرار نبود آن نبود صادق كفت تا صادق را مى خواند مى صديق نبودى اكنون آن كوجه روزنه راه نكاه داركه جهان خدا بدينجا فروست فقد علمت من هذا التقرير ان الآية تدل على جواز الرؤية لا على امتناعها وانما تدل على الامتناع حال البشرية وبقائها وجود عين غبار يست درره ديداره غبار مانع ديدار ميشود هش دار

٥٢

{ وكذلك } اى مثل ذلك الايحاء البديع او كما اوحينا الى سائر رسلنا

{ اوحينا اليك روحا من امرنا } هو القرءآن الذى هو للقلوب بمنزلة الروح للابدان حيث يحييها حياة طيبة اى يحصل لها به ما هو مثل الحياة وهو العلم النافع المزيل للجهل الذى هو كالموت وقال الراغب سمى القرءآن روحا لكونه سببا للحياة الاخروية الموصوفة فى قوله

{ وان الدار الآخرة لهى الحيوان } ومعنى من امرنا بالفارسية بفرمان ما او

روحا ناشئا ومبتدأ من أمرنا وقد سبق فى حم المؤمن

وقيل هو حبرآئيل ومعنى ايحائه اليه عليه السلام ارساله اليه بالوحى فان قلت كيف علم الرسول عليه السلام فى اول الامر ان الذى تجلى له جبرآئيل وان الذى سمعه كلام اللّه تعالى قلت خلق اللّه تعالى له علما ضروريا علم به ذلك والعلم الضرورى يوجب الايمان الحقيقى ويتولد من ذلك اليقين والخشية فان الخشية على قدر المعرفة

{ ما كنت تدرى } قبل الوحى فى اربعين سنة والمراد وحى النبوة

{ ما الكتاب } اى اى شىء هو يعنى جون قرآن منزل نبود ندانستى آنرا

والنفى معلق للفعل عن العمل وما بعده ساد مسد المفعولين ومحل ما كنت الخ حال من كاف اليك كما فى تفسير الكواشى

{ ولا الايمان } اى الايمان بتفاصيل ما فى تضاعيف الكتاب من الامور التى لا تهتدى اليها العقول لا الايمان بما يستقل به العقل والنظر فان درايته عليه السلام له مما لا ريب فيه قطعا فان اهل الوصول اجتمعوا على ان الرسل عليهم السلام كانوا مؤمنين قبل الوحى معصومين من الكبائر ومن الصغائر الموجبة لنفرة الناس عنهم قبل البعثة وبعدها فضلا عن الكفر وهو مراد من قال لا يعرف القرءآن قبل الوحى ولا شرآئع الايمان ومعالمه وهى ايمان كما قال تعالى

{ وما كان اللّه ليضيع ايمانكم } اى صلاتكم سماها ايمانا لانها من شعب الايمان ويدل عليه انه عليه السلام قيل له هل عبدت ونثا قط قال ( لا ) قيل هل شربت خمرا قط قال ( لا وما زلت اعرف ان الذين هم عليه كفر وما كنت ادرى ما الكتاب ولا الايمان ) اى الايمان الشرعى المتعلق بتفاصيل الاحكام ولذلك انزل فى الكتاب ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان قال ابن قتيبة لم تزل العرب على بقايا من دين اسمعيل من الحج والختان والنكاح وايقاع الطلاق والغسل من الجنابة وتحرم ذوات المحارم بالقرابة والمصاهرة وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ما كانوا عليه فى مثل هذه الشرآئع وكان يوحد ويبغض اللات والعزى ويحج ويعتمر ويتبع شريعة ابراهيم عليه السلام ويتعبد بها حتى جاءه الوحى وجاءته الرسالة فيقول البيضاوى وهو دليل على انه لم يكن متعبدا قبل النبوة بشرع ممنوع فان عدم الدراية لا يلزمه عدم التعبد بل يلزمه سقوط الاثم ان لم يكن تقصير فالحق ان المراد هو الايمان بما لا طريق اليه الا السمع وقال بعضهم هذا تخصيص بالوقت يعنى كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلا وفى المهد ما كان يعرف الايمان وهو ضعيف لانه عليه السلام أفضل من يحيى وعيسى عليهما السلام وقد اوتى كل الحكم والعلم صبيا وقال بعضهم هو من باب حذف المضاف اى ولا اهل الايمان يعنى من الذى يؤمن ومن الذى لا يؤمن قبل ان ظهر ايمان من آمن وكفر من كفر كما قال ابن الفضل اهله لانه ظن ان ابا طالب يؤمن كما قال عليه السلام

( اردنا اسلام ابى طالب واراد اللّه اسلام العباس فكان ما اراد اللّه دون ما اردنا ) وهو ضعيف ايضا لانه عليه السلام لا يدرى بعد الوحى ايضا جميع من يؤمن ومن يصر الى آخر العمر

{ ولكن جعلناه } اى الروح الذى اوحينا اليك والجعل بمعنى التصيير لا بمعنى الخلق وحقيقته انزلناه

{ نورا نهدى به من نشاء } هدايته بالتوفيق للقبول والنظر فيه

{ من عبادنا } وهو الذى يصرف اختياره نحو الاهتدآء به

{ وانك لتهدى } تقرير لهدايته تعالى وبيان لكيفيتها ومفعول لتهدى محذوف ثقة بغاية الظهور أى وانك لتهدى بهذا النور وترشد من نشاء هدايته

{ الى صراط مستقيم } هو الاسلام وسائر الشرائع والاحكام والصراط من السبيل ما لا التوآء فيه اى لا اعوجاج بل يكون على سبيل القصد

٥٣

{ صراط اللّه } بدل من الاول

{ الذى له ما فى السموات وما فى الارض } خلقا وملكا واضافة الصراط الى الاسم الجليل ووصفه بالذى الخ لتفخيم شأنه وتقرير استقامته وتأكيد وجوب سلوكه فان كون جميع ما فيهما من الموجودات له تعالى خلقا وملكا وتصرفا مما يوجب ذلك اتم ايجاب

قال بعضهم دعونا أقواما فى الازل فأجابوا فأنت تهديهم الينا وتدلهم علينا وانما كان عليه السلام هاديا لانه نور كالقرءآن ولمناسبة نوره مع نور الايمان والقرءآن قيل كان خلقه القرءآن

اى نور الهى زجبين توهويدا سر ازل از نور جمالت شده بيدا

{ ألا } كلمة تذكرة لتبصرة او تنبيه لحجة وبالفارسية بدانيدكه

{ الى اللّه } لا الى غيره

{ تصير الامور } اى امور ما فيهما قاطبة بارتفاع الوسائط والتعلقات يعنى يوم القيامة فيحمل تصير على معنى الاستقبال ففيه من الوعد للمهتدين الى الصراط المستقيم والوعيد للضالين عنه ما لا يخفى وقال فى بحر العلوم الى اللّه تصير امور الخلائق كلها فى الدنيا والآخرة فلا يدبرها الا هو حيث لا يخرج امر من الامور من قضائه وتقديره ونزد محققان باز كشت همه امور درهمه اوقات واحوال بحضرت اوست وبارتفاع حجب ووسائط مشاهده اين معنى دست دهد صورت كثرت حجب وحدتست غيبت ما مانع نور حضور ديده دل باز كشاويبين سر الى اللّه تصير الامور

وذلك لان اللّه مبدأ كل ومرجعه ومصيره اما بالفناء الاختيارى او بالفناء الاضطرارى يكبار حسن بصرى رحمه اللّه بجنازه رفت جون مرده را در كور نهادند وخاك راست كردند حسن برسر آن خاك نشست وجندان بدان كريست كه خاك كل شد بس كفت اى مردمان اول آخر بحدست آخر دنيا نكرى كورست واول اخرت نكرى كورست كه القبر منزل من منازل الآخرة جه مى نازيد بعالمى كه آخرش اينست يعنى كور وجون نمى ترسيد از عالمى كه اولش اينست يعنى كور جون اول آخرش اينست اى اهل غفلت كار اول وآخر بسازيد شب كور خواهى منور جو روز ازبنجا جراغ عمل برفروز بران خورد سعدى كه بيخى نشاند كسى برد خرمن كه تخمى فشاند

وعن سهل بن ابى الجعد احترق مصحف فلم يبق الا قوله تعالى ألا الى اللّه تصير الامور وغرق مصحف فانمحى كل شئ الا ذلك كذا فى عين المعانى للسجاوندى

﴿ ٠