سُورَةُ الْفَتْحِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً ١ { إنا فتحنا } فتح البلد عبارة عن الظفر به عنوة او صلحا بحرب او بدونه فانه ما لم يظفر منغلق مأخوذ من فتح باب الدار قال فى عين المعانى الفتح هو الفرج المزيل للهم لان المطلوب كالمنغلق فاذا نيل انفتح وفى المفردات الفتح ازالة الاغلاق والاشكال وذلك ضربان احدهما يدرك باليصر نحو فتح الباب والغلق والغفل والمتاع نحو قوله ولما فتحوا متاعهم والثانى ما يدرك بالبصيرة كفتح الهم وهو ازالة الغم وذلك ضربان احدهما فى الامور الدنيوية كغم يفرج وفقر يزال باعطاء المال ونحوه والثانى فتح المستغلق من العلوم نحو قولك فلان فتح من العلم بابا مغلقا انتهى واسناده الى نون العظمة لاستناد افعال العباد اليه تعالى خلقا وايجادا والمراد فتح مكة وهو المروى عن انس رضى اللّه عنه بشربه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند انصرافه من الحديبية والتعبير عنه بصيغة الماضى على سنن سائر الاخبار الربانية للايذان تحققه لا محاله تأكيدا للتبشير كما ان تصدير الكلام بحرف التحقيق كذلك وفيه من الفخامة المنبثة عن عظمة شأن المخبر جل جلاله وعز سلطانه ما لا يخفى وحذف المفعول للقصد الى نفس الفعل والايذان بان مناط التبشير نفس الفتح الصادر عنه سبحانه لا خصوصية المفتوح قال الامام الراغب انا فتحنا لك يقال عنى فتح مكة ويقال بل عنى ما فتح على النبى عليه السلام من العلوم والهدايات التى هى ذريعة الى الثواب والمقام المحمود التى صارت سببا لغفران ذنوبه انتهى وسيجيء غير هذا { فتحا مبينا } اى بينا ظاهر الامر مكشوف الحال او فارقا بين الحق والباطل وقال بعضهم المراد بالفتح المبين هو الصلح مع قريش فى غزوة الحديبية وهى كدوهية وقد تشدد بئر قرب مكة حرسها اللّه تعالى او شجرة حدباء كانت هنالك كما فى القاموس سمى المكان باسمها و سببها انه صلى اللّه تعالى عليه وسلم رأى فى المنام انه دخل البيت واخذ مفتاحه وطاف هو واصحابه واعتمر واخبر بذلك اصحابه ففرحوا ثم اخبر اصحابه انه يريد الخروج للعمرة فتجهزوا للسفر وخرج عليه السلام بعد ان اغتسل ببيته ولبس ثوبين وركب راحلته القصوى من عند بابه ومعه ألف وأربعمائة من المسلمين على الصحسح وابطأ عليه كثير من اهل البوادى خشية قريش وساق عليه السلام معه الهدى سبعين بدنة وكان خروجه يوم الاثنين غرة ذى القعدة من السنة السادسة من الهجرة فلما وصل الى ذى الحليفة وهو ميقات المدنيين صلى بالمسجد الذى ركعتين واحرم بالعمرة واحرم معه غالب اصحابه ومنهم من لم يحرم الا من الجحفة وهو ميقات اهل الشام وانما خرج معتمراليأ من اهل مكة ومن حولها من حربه وليعلموا انه عليه السلام انما خرج زآئر للبيت فلما كان الاصحاب فى بعض المحال اقبلوا نحوه عليه السلام وكان بين يديه ركوة يتوضأ منها فقال ( مالكم ) فقالوا يا رسول اللّه ليس عندنا ماء نشرب ولا ماء نتوضأ منه الا فى ركوتك فوضع رسول اللّه يده فى الركوة فجعل الماء يفور من بين اصابعه الشريفة امثال العيون فشربوا وتوضأوا حتى قال جابر رضى اللّه عنه لو كنا مائة الف لكفانا وهو اعجب من نبع الماء لموسى عليه السلام من الحجر فان نبعه من الحجر متعارف معهود واما من بين اللحم والدم فلم يعهد وانما لم يخرجه عليه السلام بغير ملامسة ماء تأدبا مع اللّه لانه المنفرد بابداع المعدومات من غير اصل وارسل عليه السلام بشر بن سفيان الى مكة عيناله فلما كانوا بعسفان جاء وقال يا رسول اللّه هذه قريش قد سمعت بخروجك فلبسوا جلود النمراى اظهروا العداوة والحقد والتنفروا من اطاعهم من الا حابيش وهى قبيلة عظيمة من العرب ومعهم زادهم ونساؤهم واولادهم ليكون ادعى لعدم الفرار وقد نزلوا بذى طوى وهو موضع بمكة مثلث الطاء ويصرف كما فى القاموس يعاهدون اللّه ان لا ندخلها عليهم عنوة ابدا فقال عليه السلام ( اشيروا على ايها الناس اتريدون ان نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه ) وقال المقداد يا رسول اللّه لا نقول لك كما قالت بنوا اسرائيل لموسى عليه السلام اذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون فقال عليه السلام ( فامضوا على اسم اللّه ) فساروا ثم قال ( هل من رجل يخرجنا عن طريق الى غير طريقهم التى هم بها ) فقال رجل من اسلم وهو ناجية بن جندب انا يا رسول اللّه فسلك بهم طريقا وعرائم افضوا الى ارض سهلة ثم امر رسول اللّه ان يسلكوا طريقا يخرجهم على مهبط الحديبية من اسفل مكة فسلكوا ذلك الطريق فلما نزلوا بالحديبية نزح ماؤها حتى لم يبق فيها قطرة ماء فاشتكى الناس الى رسول اللّه العطش وكان الحر شديدا فاخرج عليه السلام سهما من كنانته ودفعه الى البرآء بن عازب وامره ان يغرزه في جوف البئر او تمضمض رسول اللّه ثم مجه فى البئر فجاش الماء ثم امتلأت البئر فشربوا جميعا ورويت ابلهم وفى التفاسير ولم ينفد ماؤها بعد وفى انسان العيون فلما ارتحلوا من الحديبية اخذ البرآء السهم فجف الماء كان لم يكن هناك شئ فلما اطمأن رسول اللّه بالحديبية اتاه بديل بن ورقاء وكان سيد قومه فسأله ما الذى جاء به فاخبره انه لم يأت يريد حربا انما جاء زآئرا للبيت فلما رجع الى قريش لم يستمعوا وارسلوا الحليس بن علقمة وكان سيد الاحابيش فلم يعتمدوا عليه ايضا وارسلوا عروة بن مسعود الثقفى عظيم الطائف ومتمول العرب ولما قام عروة بالخبر من عنده عليه السلام وقد رأى ما يصنع به اصحابه لا يغسل يديه الا ابتدروا وضوءه اى كادوا يعتتلون عليه ولا يبصق بصاقا الا ابتدروه اى يدلك به من وقع فى يده وجهه وجلده ولا يسقط من شعره شئ الا اخذوه واذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده ولا يحدون النظر اليه تعظيما له فقال يا معشر قريش انى جئت كسرى فى ملكه وقيصر فى ملكه والنجاشى فى ملكه واللّه ما رأيت ملكا فى قوم قط مثل محمد فى اصحابه اخاف ان لا تنصروا عليه فقالت له قريش لا تتكلم بهذا يا ابا يعفور ولكن نرده عامنا هذا ويرجع من قابل فقال ما اراكم الا ستصيبكم قارعة ثم انصرف هو ومن معه الى الطائف واسلم بعد ذلك ودعا عليه السلام خراش بن امية الخزاعى فبعثه الى قريش وحمله عليه السلام على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ اشرافهم عنه ما جاء له فعقر واجمل رسول اللّه وارادو اقتل خراش فمنعه الاحابيش فخلوا سبيله حتى اتى رسول اللّه واخبره بما لقى ثم دعا رسول اللّه عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه ليبلغ عنه اشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول اللّه انى اخاف قريشا على نفسى وما بمكة من نبى عدى ابن كعب احد يمنعنى وقد عرفت قريش عداوتى اياها وغلظتى عليها ولكن ادلك على رجل اعز بها منى عثمان بن عفان رضى اللّه عنه فان بنى عمه يمنعونه فدا عليه السلام عثمان فبعثه الى اشراف قريش يخبرهم بالخبر وامر عليه السلام عثمان ان يأتى رجالا مسلمين بمكة ونساء مسلمات ويدخل عليهم ويخبرهم ان اللّه قرب ان يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالايمان فخرج عثمان رضى اللّه عنه الى مكة ومعه عشرة رجال من الصحابة باذن رسول اللّه ليزوروا اهاليهم هناك فلقى عثمان قبل أن يدخل مكة ابان ابن سعيد فاجازه حتى يبلغ رسالة رسول اللّه وجعله بين يديه فاتى عظماء قريش فبلغهم الرسالة وهم يرددون عليه ان محمدا لا يدخل علينا ابدا فلما فرغ عثمان من تبليغ الرسالة قالوا له ان شئت فطف بالبيت فقال ما كنت لا أفعل حتى يطوف رسول اللّه وكانت قريش قد احتبست عثمان عندها ثلاثة ايام فبلغ رسول اللّه ان عثمان قد قتل وكذا من معه من العشرة فقال عليه السلام ( لا نبرح حتى نناجز القوم ) اى نقاتلهم فامره اللّه بالبيعة فنادى مناديه ايها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فاخرجوا على اسم اللّه فثاروا الى رسول اللّه وهو تحت شجرة من اشجار السمر بضم الميم شجر معروف فبايعوه على عدم الفرار وانه اما الفتح واما الشهادة وبايع عليه السلام عن عثمان اى على تقدير عدم صحة القول بقتله فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال ( اللهم ان هذه عن عثمان فانه فى حاجتك وحاجة رسولك ) وسيجيء معنى المبايعة وقيل لها بيعة الرضوان لان اللّه تعالى رضى عنهم وقال عليه السلام لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة وقال ايضا لا يدخل النار من شهد بدر او الحديبية واول من بايع سنان بن ابى سنان الاسدى فقال للنبى عليه السلام ابايعك على ما فى نفسك قال وما فى نفسى قال اضرب بسيفى بين يديك حتى يظهرك اللّه او اقتل وصار الناس يقولون نبايعك على ما بايعك عليه سنان ( روى ) ان عثمان رضى اللّه عنه رجع بعد ثلاثة ايام فبايع هو ايضا وكان محمد بن مسلمة على حرس رسول اللّه فبعث قريش اربعين رجلا عليهم مكرز بن حفص ليطوفوا بعسكر رسول اللّه ليلا رجاء أن يصيبوا منهم احدا ويجدوا منهم غرة اى غفلة فاخذهم محمد بن مسلمة الا مكرزا فانه افلت واتى بهم الى رسول اللّه فحبسوا وبلغ قريشا حبس اصحابهم فجاء جمع منهم حتى رموا المسلمين بالنبل والحجارة وقتل من المسلمين ابن رسم رمى بسهم فاسر المسلمون منهم اثنى عشر رجلا وعند ذلك بعثت قريش الى رسول اللّه جمعافيهم سهيل بن عمرو فلما رآه عليه السلام قال لاصحابه ( سهل امركم ) وكان يحب الفأل بمثل هذا فقال سهيل يا محمد ان ما كان من حبس اصحابك اى عثمان والعشرة وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من رأى ذوى رأينا بل كنا كارهين له حين بلغنا ولم نعلم وكان من سفهائنا فابعث الينا من اصحابنا الذين اسروا اولا وثانيا فقال عليه السلام ( انى غير مرسلهم حتى ترسلوا اصحابى ) فقالوا نفعل فبعث سهيل ومن معه الى قريش بذلك فبعثوا من كان عندهم وهو عثمان والعشرة فارسل رسول اللّه اصحابهم ولما علمت قريش بهذه البيعة كبرت عليهم وخافوا أن يحاربوا واشار اهل الرأى بالصلح على أن يرجع ويعود من قابل فيقيم ثلاثا فبعثوا سهيل بن عمر وثانيا ومعه مكرز بن حفص وحويط بن عبد العزى الى رسول اللّه ليصالحه على ان يرجع من علمه هذا لئلا يتحدث العرب بأنه دخل عنوة ويعود من قابل فلما رآه عليه السلام مقبلا قال ( اراد القوم الصلح حيث بعثوا هذا الرجل ) اى ثانيا فالتأم الامر بينهم على الصلح وان كان بعض الاصحاب لم يرضوا به فى اول الامر حتى قالوا علام نعطى الدنية بفتح الدال وكسر النون وتشديد الياء النقيصة والخصلة المذمومة فى ديننا وهم مشركون ونحن مسلمون فأشار عليه السلام بالرضى ومتابعة الرسول ثم دعا عليه السلام عليا فقال ( اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم ) فقال سهيل لا اعرف هذا اى الرحمن الرحيم ولكن اكتب باسمك اللهم فكتبها لان قريشا كانت تقولها ثم قال رسول اللّه ( اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول اللّه سهيل بن عمرو ) فقال سهيل لو شهدت انك رسول اللّه لم اقاتلك ولم اصدك عن البيت ولكن اكتب اسمك واسم ابيك فقال عليه السلام لعلى رضى اللّه عنه ( امح رسول اللّه ) فقال واللّه ما امحوك ابدا فقال ( ارنيه ) فأراه اياه فمحاه رسول اللّه بيده الشريفة وقال ( اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللّه سهيل بن عمرو ) وقال ( انا واللّه رسول اللّه وان كذبتمونى وانا محمد بن عبد اللّه ) وكان الصلح على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض ومن أتى محمدا من قريش ممن هو على دين محمد بغير اذن وليه رده اليه ذكرا كان او انثى ومن اتى قريشا ممن كان مع محمد اى مرتدا ذاكرا كان او انثى لم ترده اليه وسبب الاول ان فى رد المسلم الى مكة عمارة للبيت وزيادة خير له فى الصلوة بالمسجد الحرام والطواف بالبيت فكان هذا من تعظيم حرمات اللّه وسبب الثانى انه ليس من المسلمين فلا حاجة الى رده وشرطوا انه من احب أن يدخل فى عقد محمد وعهده دخل فيه ومن احب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم دخل فيه وان بيننا وبينكم عيبة مكفوفة اى صدورا منطوية على ما فيها لا تبدى عداوة بل منطوية على الوفاء بالصلح وانه لا اسلال ولا اغلال اى لا سرقة ولا خيانة قال سهيل وانك ترجع عامك هذا فلا تدخل مكة وانه اذا كان عام قابل خرج منها قريش فدخلتاه باصحابك فأقمت بها ثلاثة ايام معك سلاح الراكب السيوف فى القرب والقوس لا تدخلها بغيرهما وكان المسلمون لا يشكون فى دخولهم مكة وطوافهم بالبيت ذلك العام للرؤيا التى رآها رسول اللّه فلما رأوا الصلح وما تحمله رسول اللّه فى نفسه دخلهم من ذلك امر عظيم حتى كادوا يهلكون خصوصا من اشتراط ان يرد الى المشركين من جاء مسلما منهم وكانت بيعة الرضوان قبل الصلح وانها السبب الباعث لقريش عليه ولما فرغ رسول اللّه من الصلح واشهد عليه رجالا من المسلمين قام الى هديه فنحره وفرق لحم الهدى على الفقرآء الذين حضروا الحديبية وفى رواية بعث الى مكة عشرين بدنة مع ناجية رضى اللّه عنه حتى نحرت بالمروة وقسم لحمها على فقراء مكة ثم جلس رسول اللّه فى قبة من اديم احمر فحلق رأسه خداش الذى بعث الى قريش كما تقدم ورمى شعره على شجرة فاخذه الناس تبركا وأخذت ام عمارة رضى اللّه عنها طاقات منه فكانت تغسلها للمريض وتسقيه فيبرأ باذن اللّه تعالى فلما رأوا رسول اللّه قد نحر رافعا صوته باسم اللّه واللّه اكبرو حلق تواثبوا ينحرون ويحلقون وقصر بعضهم كعثمان وابى قتاده رضى اللّه عنهما وقال عليه السلام ( اللهم ارحم المحلقين دون المقصرين ) قال لانهم لم يرجوا أن يطوفوا بالبيت بخلاف المقصرين اى لان الظاهر من حالهم انهم اخروا بقية شعورهم رجاء أن يحلقوا بعد طوافهم وارسل اللّه ريحا عاصفة احتملت شعورهم فألقتها فى قرب الحرم وان كان اكثر الحديبية فى الحرم فاستبشروا بقبول عمرتهم واقام عليه السلام بالجديبية تسعة عشر او عشرين يوما ثم انصرف قافلا الى المدينة فلما كان بين الحرمين وأتى بكراع الغميم على ما فى انسان العيون وغيره انزلت عليه سورة الفتح وحصل للناس مجاعة هموا أن ينحروا ظهورهم فقال عليه السلام ( ابسطوا انطاعكم وعباءكم ) ففعلوا ثم قال ( من كان عنده بقية من زاد او طعام فلينشره ) ودعا لهم ثم قال ( قربوا اوعيتكم فأخذوا ما شاء اللّه ) وحشوا اوعيتهم وأكلوا حتى شبعوا وبقى مثله وقال عليه السلام لرجل من اصحابه ( هل من وضوء ) بفتح الواو وهو ما يتوضأ به فجاء بأداوة وهى الركوة فيها ماء قليل فأفرغها فى قدح ووضع راحته الشريفة فى ذلك الماء قال الراوى فتوضأنا كلنا اى الالف الاربعمائة نصبه صبا شديد او لما أنزلت سورة الفتح قال عليه السلام لاصحابه ( أنزلت على سورة هى احب الى مما طلعت عليه الشمس ) وفى رواية ( أنزلت على سورة مايسرنى بها حمر النعم ) والحمر بسكن الميم جمع أحمر والنعم بفتحتين تطلق على جماعة الابل لا واحد لها من لفضها والمراد بحمر النعم الابل الحمر وهى من أنفس اموال العرب يضربون بها المثل فى نفاسة الشىء وانه ليس هناك اعظم منها ثم قرأ السورة عليهم وهنأهم وهنأوه يعى ايشانرا تهنية كفت واصحاب نيز ويرا مبارك باد كفتند. وتكلم بعض الصاحبة وقال هذا هو بفتح لقد صدونا عن البيت وصد هدينا فقال عليه السلام لما بلغه بئس الكلام ( بل هو اعظم الفتح لقد رضى المشركون أن يدفعوكم بالبراح عن بلادهم وسألوكم القضية ) اى الصلح ( والتجأوا اليكم فى الامان وقد رأوا منكم ماكرهوا وظفركم اللّه عليهم وردكم سالمين مأجورين فهو اعظم الفتوح أنسيتم يوم احد وأنا أدعوكم فى اخراكم أنسيتم يوم الاحزاب { اذ جاؤكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذا زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون باللّه الظنونا } ) فقال المسلمون صدق اللّه ورسوله هو اعظم الفتوح واللّه يانبى اللّه مافكرنا فيما فكرت فيه ولأنت اعلم باللّه وبأمره منا وقال له عمر رضى اللّه عنه ألم تقل انك تدخل مكة آمنا قال ( بلى أفقلت لكم من عامى هذا ) قالوا لا قال ( فهو كما قال جبريل فانكم تأتونه وتطوفون به ) اى لانه جاء الوحى بمثل مارأى وذكر بعضهم انه عليه السلام لما دخل مكة فى العام القابل وحلق رأسه قال ( هذا الذى وعدتكم ) فلما كان يوم الفتح واخذ المفتاح قال ( هذا الذى قلت لكم ). يقول الفقير لاشك ان الاصحاب رضى اللّه عنهم لم يشكوا فى امر النبى عليه السلام ولم يكن كلامهم معه من قبيل الاعتراض عليه وانما سألوه استعلاما لما داخلهم شىء مما لايخلو عنه البشر فان الامر عميق والا فأدنى مراتب الارادة فى باب الولاية ترك الاعتراض فكي فى باب النبوة واللّه تعالى حكم ومصالح فى ايراد انا فتحنا بصيغة الماضى فانه بظاهره ناطق بفتح الصلح ويحقيقته مشير الى فتح مكة فى الزمان الآتى وكل منهما فتح اى فتح وحاصل ماقال العلماء انه سمى الصلح فتجامع انه ليس بفتح لا عرفا لانه ليس بظفر على البلد ولا لغة لانه ليس بظفر للمنغلق كيف وقد احصروا ومنعوا من البيت فنحروا وحلقوا بالحديبية واى ظفر فى ذلك فالجواب ان الصلح مع المشركين فتح بالمعنى اللغوى لانه كان منغلقا ومتعذرا وقت نزولهم بالحديبية الا انه لما آل الامر الى بيعة الرضوان وظهر عند المشركين اتفاق كلمة المؤمنين وصدق عزيمتهم على الجهاد والقتال ضعفوا وخافوا حتى اضطروا الى طلب الصلح وتحقق بذلك غلبة المسملين عليهم مع ان ذلك الصلح قد كان سببا لامور أخر كانت منغلقة قبل ذلك منها ان المشركين اختلطوا بالمسلمين بسببه فسمعوا كلامهم وتمكن الاسلام فى قلوبهم واسلم فى مدة قليلة خلق كثير كثر بهم سواد اهل الاسلام حتى قالوا دخل فى تلك السنة فى الاسلام مثل من دخل فيه قبل ذلك واكثر وفرغ عليه السلام بهذا الصلح لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع خصوصا خيبر واغتنم المسلمون واتفقت فى تلك السنة ملحمة عظيمة بين الروم وفارس غلبت فيها الروم على فارس وكانت غلبتهم عليهم من دلائل النبوة حيث كان عليه السلام وعد بوقوع تلك الغلبة فى بضع سنين وهو مابين الثلاث الى التسع فكانت كما وعد بها فظهر بها صدقه عليه السلام فكان من جملة الفتح وسر به عليه السلام والمؤمنون لظهور اهل الكتاب على المجوس الى غير ذلك من فتوحات اللّه الجليلة ونعمه العظيمة |
﴿ ١ ﴾