سُورَةُ الطُّورِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً

١

{ والطور } الواو للقسم والطور بالسريانية الجبل وقال بعضهم هو عربى فصحيح ولذا لم يذكره الجو اليقى فى المعربات وقال ابن عباس رضى الل عنهما الطور كل جبل ينبت قال

لو مر بالطور بعض ناعقة ... مانبت الطور فوقه ورقه

كويند مراد انيجا مطلق كوهست كه اوتاد ارض اند . وفيه منابع ومنافع

وقيل بل هو جبل محيط بالارض الاظهر الاشهر انه اسم جبل مخصوص هو طور سينين يعنى الجبل المبارك وهو جبل بمدين واسعة زبير سمع فيه موسى عليه السلام كلام اللّه تعالى ولذا اقسم اللّه تعالى به لانه محل قدم الاحباب وقت سماع الخطاب وورد على محل القدم كثير من الاولياء فظهر عليهم الحال تلك الساعة وقال فى خريدة العجائب جبل طور سينا هو بين الشأم ومدين قيل انه بالقرب من ايلة وهو المكلم عليه موسى عليه السلام كان اذا جاءه موسى للمناجاة ينزل عليه غمام فيدخل فى الغمام ويكلم ذا الجلال والاكرام وهو الجبل الذى دك عند التجلى وهناك خر موسى صعقا هذا الجبل اذا كسرت حجارته يخرج من وسطها شجرة العوسج على الدوام وتعظيم اليهود لشجرة العوسج لهذا المعنى ويقال لشجرة العوسج شجرة اليهود انتهى كلام الخريدة والعوسج جمع عوسجة وهى شوك كما فى القاموس

٢

{ وكتاب مسطور } متكوب على وجه الانتظام فان السطر ترتيب الحروف المكتوبة والمراد به القرءآن او الواح موسى الانسب بالطور او مايكتب فى اللوح وآخر سطر فى اللوح المحفوظ سبقت رحمتى على غضبى من أتانى بشهادة أن لا اله الا اللّه أدخلته الجنة

واما يكتبه الحفظة يخرج اليهم يوم القيامة منشروا فآخذ بيمينه وآخذ بشماله نظيره قوله تعالى { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا }

٣

{ فى رق منشور } الرق الجلد الذى يكتب فيه شبه كاغد استعير لما يكتب فيه الكتابة من الصحيفة وسمى وقالانه مرقق وقد غلب الاستعمال على هذا الذى هو من جلود الحيوان كما فى فتح الرحمن وقال فى القاموس الرق ويكسر جلد رقيق يكتب فيه وضد الغليظ كالرقيق والصحيفة البيضاء انتهى والمنشور المبسوط وهو خلاف المطوى قال الراغب نشر الثوب والصحيفة والسحاب والنعمة والحديث بسطها

وقيل منشور مفتوح لاختم عليه وتنكيرهما للتفخيم او الاشعار بايهما ليسا مما يتعارفه الناس والمعنى بالفارسية وسوكند بكتاب نوشته در صحيفة كه كشاده كردد بوقت خواندن وعلى تقدير أن يكون مايكتب فى اللوح يكن الرق المنشور مجازا لان اللوح خلقه اللّه من درة بيضاء دفتاه من ياقوته حمراء قلمه نور وكتابه نور عرضه كما بين السماء والارض ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق اللّه بكل نظرة يحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل مايشاء

٤

{ والبيت المعمور } اى الكعبة وعمارتها بالحجاج والعمار والمجاورين او الضراح يعنى اسم البيت المعمور الضراح قال السهيلى رحمه اللّه وهو فى السماء السابعة واسمها عروبا قال وهب بن منبه من قال سبحان اللّه وبحمده كان له نور يملأ مابين عروبا وحريبا وحريبا هى الارض السابعة انتهى وهو خيال الكعبة وعمرانه كثرة غاشيته من الملائكة يزوره كل يوم سبعون الف ملك بالطواف والصلاة ولا يعودون اليه ابدا وحرمته فى السماء كحرمة الكعبة فى الارض وهو عدد خواطر الانسان فى اليوم والليلة ومنه قيل ان القلب مخلوق من البيت المعمور

وقيل باطن الانسان كالبيت المعمور والانفاس كالملائكة دخولا وخروجا وفى اخبار المعارج رأيت فى السماء السابعة البيت المعمور واذا امامه بحر واذا يؤمر الملائكة فيخوضون فى البحر يخرجون فينفضون أجنحتهم فيخلق اللّه من كل قطرة ملكا يطوف فدخلته وصيلت فيه وسمى بالضراح بضم الضاد المعجمة لانه ضرح اى رفع وابعد حيث كان فى السماء السابعة والضرح هو الابعاد والتنحية يقال ضرحه اى نحاه ورماه فى ناحية واضرحه عنك اى أبعده والضريح البعيد

وقيل كان بيتا من ياقوتة انزله اللّه موضع الكعبة فطاف به آدم وذريته الى زمان الطوفان فرفع الى السماء وكان طوله كما بين السماء والارض وذهب بعضهم الى انه فى السماء الرابعة ولامنافاة فقد ثبت ان فى كل سماء بخيال الكعبة فى الارض بيتا.

يقول الفقير والذى يصح عندى من طريق الكشف ان البيت المعمور فى نهاية السماء السابعة فانه اشارة الى مقام القلب فكما ان القلب بمنزلة الاعراف فانه برزخ بين الروح والجسد كما ان الاعراف برزخ بين الجنة والنار فكذا البيت المعمور فانه برزخ بين العالم الطبيعى الذى هو الكرسى والعرش وبين العالم العنصرى الذى هو السموات والسبع مادونها وهذا لا ينافى أن يكون فى كل سماء بيت على حدة هو على صورة البيت المعمور كما انه لاينافى كون الكعبة فى مكة أن يكون فى كل بلدة من بلاد الاسلام مسجد على حدة على صورتها فكما ان الكعبة ام المساجد وجميع المساجد صورها تفاصيلها فكذا البيت المعمور اصل البيوت التى فى السموات فهو الاصل فى الطوف والزيارة ولذا رأى النبى عليه السلام ليلة المعراج ابراهيم عليه السلام مسندا ظهره الى البيت المعمور الذى هو بازآء الكعبة واليه تحج الملائكة وقال بعضهم المراد بالبيت المعمور قلب المؤمنين وعمارته بالمعرفة والاخلاص فان كل قلب ليس فيه ذالك فهو خراب ميت فكأنه لاقلب

٥

{ والسقف المرفوع } يعنى السماء المرفوع عن الارض مقدار خمسمائة عام قال تعالى { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } ( قال الكاشفى ) يعنى آسمان كه مجمع انوار حكمت ومخزن اسرار فطرتست وباعرش عظيم . وذلك لان العرش سقف الجنة وهو محيط بعالم الاجسام كما ان سقف البيت محيط بالجدران ولا يخفى حسن موقع العنوان المذكور من حيث اجتماع السقف مع البيت ومن حيث ان العرش على التقدير الثانى والبيت المعمور متقاربان تقارب السقف بالبيت

٦

وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ اى المملوء وهو البحر المحيط الأعظم الذي منه مادة جميع البحار المتصلة والمنقطعة وهو بحر لا يعرف له ساحل ولا يعلم عمقه الا اللّه تعالى والبحار التي على وجه الأرض خلجان منه وفي هذا البحر عرش إبليس لعنه اللّه وفيه مدائن تطفو على وجه الماء وهى آهلة من الجن في مقابلة الربع الخراب من الأرض وفيه قصور تظهر على وجه الماء طافية ثم يغيب وتظهر فيه الصور العجيبة والاشكال الغربية ثم تغيب في الماء وفي هذا البحر ينبت شجر المرجان كسائر الأشجار في الأرض وفيه من الجزائر المسكونة والخالية ما لا يعلمه الا اللّه تعالى قال في القاموس سجر التنور أحماه والنهر ملأه والمسجور الموقد والساكن ضد والبحر الذي ماؤه اكثر منه انتهى وقال بعض المفسرين والبحر المسجور اى الموقد من قوله تعالى وإذا البحار سجرت والمراد به الجنس وعدد البحار العظيمة سبعة كما ان عدد الأنهار العظيمة كذلك وكل ماء كثير بحر (روى) ان اللّه تعالى يجعل البحار يوم القيامة نارا يسجر بها نار جهنم وفي الحديث (لا يركبن رجل بحرا الاغازيا او معتمرا او حاجا) فان تحت البحر نارا او تحت النار بحر او البحر نار في نار وهذا على أن يكون البحر بحر الدنيا وبحر الأرض وقال على وعكرمة رضى اللّه عنهما هو بحر تحت العرش عمقه كما بين سبع سموات الى سبع ارضين فيه ماء غليظ يقال له بحر الحيوان وهو بحر مكفوف اى عن السيلان يمطر منه على الموتى ماء كالمنى بعد الفخة الاولى أربعين صباحا فينبتون في قبورهم وحمله بعض المشايخ على صورة احياء اللّه تعالى يعنى كما انه ينبت النبات بماء المطر فيظهر من الأرض فكذا الموتى يخلقهم الله خلقا جديدا فيظهرون من الأرض كالنبات ولكن هذا لا ينافى أن يكون هناك ماء صورى فان الإنسان من المنى خلق وبصورة ماء كالمنى سينبت ولله في كل شيء حكمة بديعة

وقيل هو بحر سماء الدنيا وهو الموج المكفوف لو لاه لأحرقت الشمس الدنيا ونزد ارباب تحقيق مراد طور نفس است كه موسى القلب بر ان با حق سبحانه مناجاة ميكند وكتاب مسطور ايمانست كه در رق منشور قلب بقلم رحمت ازلى نوشته شده كه كتب في قلوبهم الايمان وبيت سر عارفانست كه بنظرات تجليات سبحانى آبادانى يافته وسقف مرفوع روح رفيع القدر والدرجات الى الحضرة است كه سقف خانه دلست وبحر مسجور دلى است بآتش محبت تافته وقال عبد العزيز المكي قدس سره أقسم اللّه بالطور وهو الجبل وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم كان في أمته كالجبال في الأرض استقرت به الامة على دينهم الى يوم القيامة كما تستقر الأرض بالجبال وأقسم بالكتاب المسطور وهو الكتاب المنزل عليه المسطور في اللوح المحفوظ في رق منشور هو المصاحف وأقسم بالبيت المعمور وهو النبي عليه السلام كان اللّه بيتا بالكرامة معمورا وعند اللّه مسرورا مشكورا وأقسم بالسقف المرفوع وهو رأس النبي عليه السلام كان واللّه سقفا مرفوعا وفي الدارين مشهورا وعلى المنابر مذكورا وأقسم بالبحر المسجور وهو قلب محمد عليه السلام كان واللّه من حب اللّه مملوأ فأقسم بنفس محمد عموما وبرأسه خصوصا وبقلبه ضياء ونورا وبكتابه حجة وعلى المصاحف مسطورا فأقسم الحبيب بالحبيب فلا وراءه قسم وقال شيخى وسندى روح اللّه روحه في كتاب اللامحات البرقيات له والطور اى طور الهوية الذاتية الاحدية الفردية المجردة عن الكل والحقيقة الجمعية الصمدية المطلقة عن الجميع وكتاب اى كتاب الوجود مسطور فيه حروف الشؤون الذاتية الكمالية الوجودية والامكانية وكلمات الأعيان العلمية الجلالية والجمالية الوجوبية والامكانية وآيات الأرواح والعقول المجردة القهرية واللطيفة وسور الحقائق والصور المثالية الحية المقربة والمبعدة في رق اى رق النفس الرحمانى والأمر الرباني منشور على ماهيات الممكنات وحقائق الكائنات مبسوط على اعيان المجردات وصور الممثلات بالفيض الأقدس والتجلي الذاتي اولا الحاصل به كليات التعينات والظهورات وبالفيض المقدس والتجلي الصفاتى والافعالى ثانيا المتحقق به جزئيات التشخصات والتميزات والقرآن والفرقان اللفظي الرسمى بجميع حروفه وكلماته وآياته وسوره ان هو الا ذكر وقرآن مبين وهذا مكتوب بيد المخلوق ومسطور بخطه وذلك مكتوب بيد الخالق ومسطور بخطه فلذا كان واجب التعظيم ولازم التكريم بحيث لا يمسه الا المطهرون من الحدث مطلقا فيا شقاوة من عقل الكتاب الإلهي الرسمى واقبل عليه بالتعظيم والتوقير وغفل عن الكتاب الإلهي الحقيقي وأهمله عن التعظيم والتوقير بل اقدم عليه بالاهانة والتحقير ويا سعادة من عقلهما ولم يغفل عن واحد منهما ولم يهمل شأنهما بل اقبل على كل منهما بالتعظيم والتكريم انقيادا للشريعة في تكريم القرآن والفرقان اللفظي وإذعانا للحقيقة في تحريم القرآن والفرقان الوجودي أداء لحق كل مرتبة وقضاء لدين كل منزلة قائما في كل مقام بالعدل والانصاف مجانبا في كل حال عن الجور والاعتساف يقول الفقير في ذلك الكتاب تفصيل عريض آخر لكل من الكتابين الحقيقي والمجازى واقتصرت هنا على شيء يسير مما ذكره لمناسبة المقام والمسئول من اللّه الجامع الانتفاع بعلمه النافع

٧

{ ان عذاب ربك لواقع } اى لنازل حتما وهو جواب للقسم قال فى فتح الرحمن المراد عذاب الآخرة للكفار لا العذاب الدنيوى واليه الاشارة فى الارشاد فى آخر السورة المتقدمة

٨

{ ماله من دافع } يدفعه وهو كقوله تعالى

{ لامرد له من اللّه } وبالفارسية نيست مران عذاب راهيج دفع كننده بلكه بهمه حال واقع خواهدبود . وهو خبر ثان لان

قال بعضهم الفرق بين الدفع والرفع ان الدفع بالدال يستعمل قبل الوقوع والرفع بالرآء يستعمل بعد الوقوع وتخصيص هذه الامور بالاقسام بها لما انها من امور عظام تنبىء عن عظم قدرة اللّه وكمال علمه وحكمته الدالة على احاطته بتفاصيل اعمال العباد وضبطها الشاهدة بصدق اخباره التى من جملتها الجملة المقسم عليها وقال جبير بن مطعم قدمت المدينة لأكلم رسول اللّه عليه السلام فى اسارى بدر فلقيته فى صلاة الفجر يقرأ سورة الطور وصوته يخرج من المسجد فلما بلغ الى قوله

{ ان عذاب ربك لواقع } فكأنما صاع قلبى حين سمعته فكان اول مادخل فى قلبى الاسلام فأسلمت خوفا من أن ينزل العذاب وما كنت اظن أن اقوم من مقامى حتى يقع بى العذاب ومثل هذا التأثير وقع لعمر رضى اللّه عنه حين بلغ دار الارقم فسمع النبى عليه الاسلام يقرأ سروة طه فلان قلبه واسلم فالقلوب المتهيئة للقبول تتأثر بأدنى شىء خصوصا اذا كان الواعظ هو القرءآن العظيم او التالى هو الرسول الكريم او وارثه المستقيم

واما القولب القاسية فلا ينجع فيها الوعظ كما لم ينجع فى قلب ابى جهل ونحوه ( قال الشيخ سعدى )

آهنى را كه موريانه بخورد ... نتوان برداز وبصقيل ربك

باسيه دل جه سودج كفتن وعظ ... نرود ميخ آهنين درسنك

وفى التأويلات النجمية العذاب لاهل العذاب واقع بالفقد لان اشد العذاب ذل الحجاب وكان من دعاء السرى السقطى قدس سره اللهم مهما عذبتنى بذل الحجاب والحجاب واقع فان اعظم الحجاب حجاب النفس ماله من دافع من قل العبد بل دافع حجاب النفس هو رحمة اللّه تعالى كما قال تعالى

{ الا مارحم ربى } عبداللّه المغورى مردى بوداز نواحى اشبيلية دربلاد غرب دربعضى اوقات تشويش وبرا كندكى بخلق راه يافته بود زنى نزدوى آمد وكفت البتة مرا باشبيليه رسان ازدست اين قوم خلاص كن اوزن رابر كردن كرفت وبيرون آمد واو ازشطار بود وقوتى عظيم داشت جون بجاى خلوت رسيد واين زن بغاية جميله بود شيطان اورا بمجامعت با آن زن وسوسه داد ونفس تقاضا كرفت . فكان حال المرأة حيئنذ نظير الحكاية التى قال الشيخ سعدى فيها

شنيدم كوسفندى را بزركى ... رها نيداز دهان ودست كركى

شبانكه كارد بر حلقش بماليد ... روان كوسفند ازوى بناليد

كه ازجنكال كركم درر بودى ... جوديدم عاقبت كركم تو بودى

عبداللّه باخود كفت اى نفس اين بدست من امانت است وخيانت كردن روانمى دارم ونفس البتة بر عصيان حرص مى نمود واو ترسيدكه نفس غالب شود وكارى ناشايست در وجود آيد آلت مردىء خودرا درميان دوسنك بكوفت وكفت النار ولا العارى سبب رجوع او بطريق حق اين بودودر همان وقت روى بحج نهاد ودر عهد خود يكانه روز كار بود . فقد رحمه اللّه تعالى رحمة خاصة حيث نجاه من يد النفس الامارة ولو وكله الى نفسه لصدر عنه ذلك القبيح وكان سببات لوقوعه فى العذاب فى الدنيا والآخرة

واما فى الآخرة فظاهر

واما فى الدنيا فلان التلبس بسبب الشىء به وكل فعل قبيح ووصف ذميم فهو عذاب حكمى ونار معنوية والعذاب الصورى اثر ذلك فليس من خارج عن الانسان

٩

{ يوم تمور السماء مورا } ظرف لواقع مبين لكيفية الوقوع منبىء عن كمال هو له وفظاعته لا لدافع لانه يوهم ان احدا يدفع عذابه فى غير ذلك اليوم والغرض ان عذاب اللّه لايدفع فى كل وقت والمور الاضطراب والتردد فى المجيىء والذهاب والجريان السريع اى تضطرب وتجيىء وتذهب وبالفارسية دراضطراب آيد آنكاه بشكافد . قيل تدور السماء كما تدور الرحى وتتكفأ بأهلها تكفأ السفينة

وقيل يختلج اجزآؤها بعضها فى بعض ويموج اهلها بعضهم فى بعض ويختلطون وهم الملائكة وذلك من الخوف

١٠

{ وتسير الجبال سيرا } اى تزول عن وجه الارض فتصير هباء وقال بعضهم تسير الجبال كما تسير السحاب ثم تنشق اثناء السير حتى تصير آخره كالعهن المنفوش لهول ذلك اليوم ومثله وجود السالك عند تجلى الجلال بالفناء فانه لايبقى منه اثر وتأكيد الفعلين بمصدريهما للايذان بغرابتهما وخروجهما عن الحدود المعهودة اى مورا عجيبا وسيرا بديعا لايدرك كنههما

١١

{ فويل يومئذ للمذكبين } الفاء فصيحة والجملة جواب شرط محذوف اى اذا وقع ذلك المور والسيرا واذا كان الامر كما ذكر فويل وشدة عذاب يوم اذ يقع لهم ذلك وهو لاينافى تعذيب غير المكذبين من اهل الكبائر لان الويل الذى هو العذاب الشديد انما هو للمكذبين باللّه ورسوله وبيوم الدين لا العصاة المؤمنين

١٢

{ الذين هم فى خوض } اى اندفاع عجيب فى الاباطيل والاكاذيب وبالفارسية درشروع كردن باقوال باطله كه استهزا بقرءآنست وتكذيب نبى عليه السلام وانكار بعث . قال فى فتح الرحمن الخوض التخبط فى الاباطيل شبه بخوض الماء وغوصه وفى حواشى الكشاف الخوض من المعانى الغالبة فانه يصلح فى الخوض فى كل شىء الا انه غلب فى الخوض فى الباطيل كالاحضار لانه عام فى ثم غلب استعماله فى الاحضار للعذاب قال لكنت من المحضرين وقوله

{ الذين هم فى خوض } ليس صفة قصد بها تخصيص المذكبين وتمييزهم وانما هو للذم كقولك الشيطان الرجيم

{ يلعبون } يلهون ويتشاغلون بكفرهم

١٣

{ يوم يدعون الى نار جهنم دعا } الدع الدفع الشديد واضله أن يقال للعاثر دع دع اى يدفعون اليها دفعا عنيفا شديدا بان تغل ايديهم الى اعناقهم وتجمع نواصيهم الى اقدامهم فيدفعون الى النار دفعا على وجودههم وفى اقفيتهم حتى يردوها ويوم اما بدل من يوم تمور او ظرف لقول مقدر قبل قوله تعالى

١٤

{ هذه النار } اى يقال لهم من قبل خزنةن النار هذه النار

{ التى كنتم } فى الدنيا وقوله

{ بها } متعلق بقوله

{ تكذبون } اى تكذبون الوحى الناطق بها

١٥

{ أفسحر هذا } توبيخ وتقريع لهم حيث كانوا يسمونه سحرا وتقديم الخبر لانه محط الانكار ومدار توبيخ كأنه قيل كنتم تقولون للقرءآن الناطق بهذا سحر فهذا المصداق اى النار سحر ايضا وبالفارسية آيا سحرست اين كه مى بينيد فالفاء سببية لاعاطفة لئلا يلزم عطف الانشاء على على الاخبار فهذا الاستفهام لم يتسبب عن قولهم للوحى هذا سحر والمصداق مايصدق الشىء واحوال الآخرة ومشاهدتها تصدق اقوال الانبياء فى الاخبار عنها يعنى ان الذى ترونه من عذاب النار حق

{ ام انتم لاتبصرون } اى ام انتم عمى عن المخبر عنه كما كنتم تقولون انما سكرت ابصارنا اوام سدت ابصاركم كما سدت فى الدنيا على زعمكم حيث كنتم تقولون انما سكرت ابصارنا بن لنحن قوم مسحورون

١٦

{ اصلوها } اى ادخلوها وقاسوا حرها وشدائدها

{ فاصبروا اولا تصبروا } فافعلوا ماشئتم من الصبر وعدمه فانه لاخلاص لكم منها وهذا على جهة قطع رجائهم

{ سوآء عليكم } خبر مبتدأ محذوف دل عليه اصبروا اولا تصبروا وسوآء وان كان بمعنى مستوٍ لكنه فى الاصل مصدر بمعنى الاستوآء والمعنى سوآء عليكم الامر ان اجزعتم ام صبرتم فى عدم النفع لابدفع العذاب ولا بتخفيفه اذ لابد أن يكون الصبر حين ينفع وذلك فى الدنيا لاغير فمن صبر هنا على الطاعات لم يجزع هناك اذ الصبر وان كان مرا بصلا لكن آخره حلو عسل

{ انما تجزون ما كنتم تعملون } تعليل للاستوآء فان الجزآء على كفرهم واعمالهم القبيحة حيث كان واجب الوقوع حتما بحسب الوعيد لامتناع الكذب على اللّه كان الصبر وعدمه سوآء فى عدم النفع

وفى التأويلات النجمية انما تجزون ما كنتم تعملون فى الدنيا من الخير والشر لا الذى تعملون فى الآخرة من الصبر والخضوع والخشوع والتضرع والدعاء فانه لاينفع شىء منها والحاصل أن يقال اخسأوا فيها ولاتكلمون انتهى ثم النارناران النار الصورية لاهل الشرك الجلى ومن لحق بهم من العصاة والنار المعنوية لاهل الشرك الخفى ومن اتصل بهم من اهل الحجاب فويل لكل من الطائفتين يوم يظفر الطالب بالمطلوب ويصل المحب الى المحبوب من عذاب جهنم وعذاب العبد والقطيعة والحرمان من السعادة العظمى والرتبة العليا فليحذر العاقل من الخوض فى الدنيا واللعب بها فان الغفلة عن خالق البريات توقد نيران الحسرات وفى الآية اشارة الى مرتبة الخوف كما ان الآية التى تليها اشارة الى مرتبة الرجاء فان الامن والقنوط كفر . زيراكه امن ازعاجزان يود واعتقاد عجز در اللّه كفرست وقنوط ازلئيمان بود واعتقاد لؤم در الهل كفرست جزاغى كه درو روغن نباشد روشنايى ندهد وجون روغن باشد وآتش نباشد ضياندهد بس خوف بر مثال آتش است ورجا مجتمع كشت جراغى حاصل آمدكه دروى هم روغن است كه مدد بقاست هم آتش است كه ماده ضياست آنكه ايمان ازميان هردو مدد ميكير دازيكى ببقا وازيكى بضيا ومؤمن ببدرقه ضباراه ميرود وبمدد بقا قدم مى زند والهل ولى التوفيق

١٧

{ ان المتقين } عن الكفر والمعاصى

{ فى جنات نعيم } النعيم الخفض والدعة والتنعم الترفه والاسم النعمة بالفتح قال الراغب النعيم النعمة الكثيرة وتنعم تناول مافيه النعمة وطيب العيش ونعمه تنعيما جعله فى نعمة اى لين عيش وفى البحر التنعم استعمال مافيه النعومة واللين من المأكولات والملبوسات والمعنى فى جنات ونعيم اى فى اية جناتن واى نعيم بمعنى الكامل فى الصفة على ان التنوين للتخفيم او فى جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين على انه للتنويع والجنة مع كونها أشرف المواضع قد يتوهم ان من يدخلها انما يدخلها ليعمل فيها ويصلحها ويحفظها لصاحبها كما هو شأن ناطور الكرم اى مصلحه وحافظه كما قال فى القاموس الناطور اى بالطاء المهملة حافظ الكرم والنخل اعجمى انتهى فلما قال ونعيم افادانهم فيها متنعمون كما هو شأن المتفرج بالبستان لا كالناطور والعمال

١٨

{ فاكهين } ناعمين متلذذين وبالفارسية شادمان ولذات يابندكان . وفى القاموس الفاكة صاحب الفاكهة وطيب النفس الضحوك والناعم الحسن العيش كما ان الناعمة والمنعمة الحسنة العيشة

{ بما آتاهم ربهم } از كرا متهاى جاودانى وفى فتح الرحمن من انعامه و رضاه عنهم وذلك ان المتنعم قد يستغرق فى النعم الظاهرة وقلبه مشغول بأمر ما فلما قال فاكهين تبين ان حالهم محض سرور وصفاء وتلذذ ولا يتناولون شيأ من النعيم الا تلذذا لا لدفع الم جوع او عطش

{ ووقاهم ربهم عذاب الجحيم } الوقاية حفظ الشىء مما يؤذيه ويضره والجحة شدة تأجج النار ومنه الجحيم اى جهنم لانه من اسمائها وهو عطف على آتاهم على ان مامصدرية اى متلذذين بسبب ايتاء ربهم ووقايتهم عذاب الجحيم فانها ان جعلت موصولة يكون التقدير بالذى وقاهم ربهم عذاب الجحيم فيبقى الموصول بلا عائد واظهار الرب فى موقع الاضمار مضافا الى ضميرهم للتشريف والتعليل

١٩

{ كلوا واشربوا } اى يقال لهم من قبل خزنة الجنة دآئما كلوا واشربوا اكلا وشربا

{ هنيئا } فهنيئا صفة لمصدر محذوف او طعاما وشرابا هنيئا فهو صفة مفعول به محذوف فان ترك ذكر المأكول والمشروب دلالة على تنوعهما وكثرتهما والهنيىء والمريىء صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ اذا كان سائغا يعنى كوارنده لا تكدير فيه اى كان بحيث لايورث الكدر من التخم والسقم وسائر الآفات كما يكون فى الدنيا قال ابن الكمال ومنه يهنى المشتهر فى اللسان التركى باللحم المطبوخ

{ بما كنتم تعملون } بسببه او بمقابلته قال فى فتح الرحمن معناه ان رتب الجنة وتعميما هى بحسب الاعمال

واما نفس دخولها فهوبرحمة اللّه وتغمده والاكل والشرب والتهنى ليس من الدخول فى شىء واعمال العباد الصالحة لاتوجب على اللّه التنعيم ايجابا لكنه قد جعلها امارة على من سبق فىعلمه تنعيمه وعلق الثواب والعقاب بالتكسب الذى فى الاعمال . اما زاهد رحمه اللّه فرمود كه هرجند وعده بكردار بنده است اما اصل فضل الهيست واكرنه بيداست كه فردامزد كر دار ماجه خواهد بود

ندارد فعل من از زور بازو ... كه بافضل تو كردد هم ترازو

بفضل خويش كن فضل مرايار ... بعدل خود بكن بافعل من كار

قال سهل جزآء الاعمال الاكل والشرب ولا يساوى اعمال العباد اكثر من ذلك

واما شراب الفضل فهو قوله

{ وسقاهم ربهم شرابا طهورا } وهو شراب على رؤية المكاشفة والمشاهدة

٢٠

{ متكئين } حال من الضمير فى كلوا واشربوا اى معتمدين ومستندين

{ على سرر } جمع سرير وهو الذى يجلس عليه وهو من السرور اذا كان ذلك لاولى النعمة وسرير الميت تشبيه به فى الصورة وللتفاؤل بالسرور الذى يلحق الميت برجوعه الى اللّه وخلاصه من سجنه المشار اليه بقوله عليه السلام ( الدنيا سجن المؤمن )

{ مصفوفة } مصطفة قد صف بعضها الى جنب بعض او مر موالة اى مزينة بالذهب والفضة والجواهر وبالفارسية برتختهاى يافته بزر . والظاهر ان جمع السرر مبنى على أن يكون لكل واحد منهم سرر متعددة مصطفة معدة لزآئريهم فكل من اشتاق الى صديقه يزوره فى منزله قال الكلبى صف بعضها الى بعض طولها مائة ذراع فى السماء يتقابلون عليها فى الزيارة واذا اراد أحدهم القعود عليها تطامنت واتضعف فاذا قعد عليها ارتفعت الى اصل حالها

{ وزوجناهم بحور عين } واحد الحور حورآء وواحد العين عيناء وانما سمين حور الان الطرف يحار فى حسنهن وعينا لأنهن الواسعات الا عين مع جمالها والباء للتعدية مع ان التزويج مما يتعدى الى مفعولين بلا واسطة قال تعالى زوجنا كنا لما فيه من معنى الوصل والالصاق او للسببية والمعنى صيرناهم ازواجا بسبهن فان الزوجية لاتتحقق بدون انضمامهن اليهم يعنى ان التزويج حينئذ ليس على اصل معناه وهو النكاح وعقد النكاح بل بمعنى تصييرهم ازواجا فلا يتعدى الى مفعولين وبالفارسية وجفت كردانيم ايشانرا برنان سفيد روى كشاده جشم . قال الراغب وقرناهم بهن ولم يجيىء فى القرءآن زوجناهم حورا كما يقال زوجته امرأة تنبيها على ان ذلك لم يكن على حسب التعارف فيما بيننا من المناكح انتهى قال فى فتح الرحمن وقرناهم وليس فى الجنة تزويج كالدنيا انتهى يعنى ان الجنة ليست بدار تكليف فشأن تزوج اهل الجنة بالحور بقبول بعضهم بعضا لا بأن يعقد بينهم عقد النكاح قال فى الواقعات المحمودية ان لاهل الجنة بيوت ضيافة يعملون فيها الضيافة للاحباب ويتنعمون ولكن اهليهم لايظهرن لغير المحارم انتهى.

يقول الفقير الظاهر ان عدم ظهورهن ليس من حيث الحرمة بل من حيث الغيرة يعنى ان اهل الرجل اشارة الى سره المكتوم فاقتضت الغيرة الالهية ان لاتظهر لغير المحارم كما ان السر لايفشى لغير الاهل والا فالحل والحرمة من توابع التكليف ولا تكليف هنالك وانما كان ذلك ونحوه من باب التلذذ

٢١

{ والذين آمنوا } مبتدأ خبره الحقنا بهم

{ واتبعتهم ذريتهم } عطف على آمنوا اى نسلهم

{ بايمان } متعلق بالاتباع والتنكير للتقليل اى بشىء من الايمان وتقليل الايمان ليس مبنيا على دخول الاعمال فيه بل المراد قلة ثمراته ودناءة قدره بذلك فالتقليل فيه بمعنى التحقير والمعنى واتبعتهم ذريتهم بايمان فى الجملة قاصرين عن رتبة ايمان الآباء واعتبار هذا القيد للايذان بثبوت الحكم فى الايمان الكامل اصالة لا الحاقا

{ الحقنا بهم ذريتهم } اى اولادهم الصغار والكبار فى الدرجة كما روى انه عليه السلام قال ( انه تعالى يرفع ذرية المؤمن فى درجته وان كانوا دونه لتقربهم عينه ) اى يكمل سروره ثم تلا هذه الآية وفيها دلالة بينة على ان الولد الصغير يحكم بايمانه تعبا لاحد ابويه وتحقيقا للحوقة به فانه تعالى اذا جعلهم تابعين لآبائهم ولاحقين بهم فى احاكم الآخرة فينبغى أن يكونوا تابعين لهم ولاحقين بهم فى احكام الدنيا ايضا قال فى فتح الرحمن ان المؤمنين اتبعتهم اولادهم الكبار والصغار بسبب ايمانهم فكبارهم بايمانهم بأنفسهم وصغارهم بأن اتبعوا فى الاسلام بآبائهم بسبب ايمانهم لان الولد يحكم باسلامه تبعا لاحد ابويه اذا أسلم وهو مذهب ابى حنيفة والشافعى واحمد وقال مالك يحكم باسلامه تعبا لاسلام ابيه دون امه

واما اذا مات احد ابويه فى دار الاسلام فقال احمد يحكم باسلامه وهو من مفردات مذهبه خلافا للثلاثة واختلفوا فى اسلام الصبى المميز وردته فقال الثلاثة يصحان منه وقال الشافعى لايصحان وفى هدية المهديين اسلام الصبى العاقل وهو من كان فى البيع سالبا وفى الشرآء جالبا صحيح استحسانا حتى لايرث من اقاربه الكفار ويصلى عليه اذا مات وارتداده ارتداد استحسانا فى قول ابى حنيفة ومحمد الا انه يجبر على احسن الوجوه ولا يقتل لانه ليس من اهل العقوبة وفى الاشباه ان قيل اى مرتد لايقتل فقل من كان اسلامه تبعا او فيه شهة واى رضيع يحكم باسلامه بلا تبعية فقل لقيط فى دار الاسلام وفى الهدية ايضا صبى وقع من الغنمية فى سهم رجل دار الحرب او بيع به فمات يصلى عليه لانه يصير مسلما حكما تبعا لمولاه بخلاف ماقبل القسمة فانه حنيئذ يكون على دين ابويه وفى الفتوحات المكية الطفل المسبى فى دار الحرب اذا مات ولم يحصل منه تمييز ولا عقل يصلى عليه فانه الى فطرة الاسلام وهذا اولى ممن قال لايصلى عليه لان الطفل مأخوذ من الطفل وهو ماينزل من السماء غدوة وعشية وهو اضعف من الرش والوبل فلما كان بهذا الضعف كان مرحوما والصلاة رحمة فالطفل يصلى عليه اذا مات بكل وجه انتهى وان دخل الصبى فى دار الاسلام فان كان معه ابواه او احدهما فهو على دينهما وان مات الابوان بعد ذلك فهو على ماكان كما فى الهدية وان لم يكن معه واحد منهما حين دخل الاسلام يصير مسلما تبعا للدار وللمولى ولو اسلم احد الابوين فى دار الحرب يصير الصبى مسلما بالاسلامه وكذا لو اسلم احد الابوين فى دار الاسلام ثم سبى الصبى بعده من دار الحرب فصار فى دار الاسلام كان مسلما باسلامه

{ وما التناهم } وما نقصنا الآباء بهذا الالحاق الالأ بغضوهم فى الدنيا شحا كما فى عين المعانى من ألت يألت كضرب يضرب قال فى القاموس ألته حقا يألته نقصه كآلته ايلاتا

{ من عملهم } من ثواب عملهم

{ من شىء } من الاولى متعلقة بألتناهم والثانية زآئدة والمعنى ما نقصناهم من عملهم شيأ بأن اعطينا بعض مثوباتهم ابناءهم فتنتقص مثوبتهم وتنحط درجتهم وانما رفعناهم الى درجتهم ومنزلتهم بمحض التفضل والاحسان.

يعنى بلكه بفضل وكرم خود اولاد را رفعت درجة ارزانى فرمودم شيخ الاسلام حسين مروزى ازاستاد خود احمد بن ابى على سرخسى رحمهما اللّه نقل ميكند كه ايمان وعمل جز بفضل لم يزلى نيست

در فضل خدا بند دل خويش مدام ... تافضل نباشد نبود كار تمام

وسألت خديجة رضى اللّه عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ولدين لها ماتا فى الجاهلية فقال عليه السلام ( هما فى النار ) فكرهت فقال عليه السلام ( لو رأيت مكانهما لابغضتهما ) قالت فالذى منك قال ( فى الجنة ان المؤمنين واولادهم فى الجنة وان المشركين واولادهم فى النار ) كما فى عين المعانى وقال الامام محمد ان الامام الاعظم توقف فى اطفال المشركين والمسلمين والمختار ان اطفال المسلمين فى الجنة

واما ماروى انه توفى صبى من الانصار فدعى النبى عليه السلام الى جنازته فقالت عائشة رضى اللّه عنها طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال عليه السلام ( او غير ذلك اتعتقدين ماقلت ) والحق غير الجزم به ان اللّه خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه اهلا فانما نهاها عن الحكم على معين بدخول الجنة كما فى شرح المشارق لابن الملك وقال موسى رمضان فى شرح العقائد ولا يشهد بالجنة والنار لاحد بعينه بل يهشد بأن المؤمنين من اهل الجنة والكافرين من اهل النار وكذا اطفالهم تبعا لهم

وقيل هم فى الجنة اذلا اثم لهم

وقيل هم فى الاعراف و وجهه ان عدم التيقن لعدم العلم بخاتمته واذا مات ولد المؤمن طفلا فخاتمته الايمان لامحالة تبعا لأبيه الا أن يكومن تابعا الخاتمة أبيه وهى غير معلومة انتهى واختار البعض فى اطفال المشركين كونهم خدام اهل الجنة كما فى هدية المهديين والا كثرون على انهم فى النار تبعا لآبائهم وقال آخرون انهم فى الجنة لكونهم غير مكلفين وتوقف فيه طائفة وهو الظاهر كما فى شرح المشارق لابن الملك وبقى قول آخر وهو ان الصبيان المجانين واهل الفترة يرسل اليهم يوم القيامة رسول من جنسهم ويدعون الى الايمان ويمتحن المؤمن بايقاع نفسه فى نار هناك فمن قبل الدعوة ولم يمتنع عن الايقاع المذكور خلص لانها ليست بنار حقيقة والادخل النار اى جهنم وقال الشيخ روز بهان البقلى فىعرآئس البيان عند الآية هذا اذا وقعت فطرة الذرية من العدم سليمة طببة طاهرة صالحة لقبول معرفة اللّه ولم تتغير من تأثير صحبة الاضداد لقوله عليه السلام

( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ) فاذا بقيت على النعت الاول ووصل الهيا فيض مباشرة نور الحق ولم تتم عليها الاعمال يوصلها اللّه الى درجة آبائهم وامهاتهم الكبار من المؤمنين اذ هناك تتم ارواحهم وعقولهم وقلوبهم ومعرفتهم باللّه عند كشف مشاهدته وبروز انوار جلاله ووصاله وكذلك حال المريدين عند العارفين يبلغون الى درجات كبرآئهم وشيوخهم ما آمنوا بأحوالهم وقبلوا كلامهم كما قال رويم قدس سره من آمن بكلامنا هذا من ورآء سبعين حجايا فهو من اهلنا وقال عليه السلام ( من احب قوما فهو منهم ) وقال تعالى

{ ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين } ولا تعجب من ذلك فانه تعالى مبلغهم الى اعلى الدرجات فاذا كانوا فى منازل الوحشة يصلون الى الدرجات العلية فكيف لايصلون اليها فى مقام الوصلة انتهى.

يقول الفقير يظهر من هذا ان لحوق الابناء الصورية والمعنوية بالآباء فى درجاتهم مشروط بالايمان الشرعى والتوحيد العقلى وليس لاطفال المشركين شىء من ذلك فكيف يلتحقون بأهل الجنة مطلقا فانما يلتحق المؤمن بالمؤمن لمجانسهما

واما الايمان الفطرى قلا يعتبر فى دار التكليف وكذا فى دار الجزآء واللّه اعلم بالاسرار ومنه نرجو الالتحاق بالاخبار

{ كل امرىء } هرمردى بالغ عاقل مكلف

{ بما كسب } بانجه كرده باشد ازخير وشر

{ رهين } دركروست روز قيامت يعنى وابست است بياداش كردار خود وزان رهايى ندارد ويعمل ديكرى مؤاخذه نيست وزن مكلفه نيز همين حكم دارد . كما فى تفسير الكاشفى والرهن مايوضع وثيقه للدين ولما كان الرهن يتصور منه حبسه استعير ذلك للمحتبس اى شىء كان وقال ابن الشيخ ما مصدرية والفعيل بمعنى المفعول العمل الصالح بمنزلة الدين الثابت على المرء من حيث انه مطالب به ونفس العبد مرهونة به فكما ان المرتهن مالم يصل اليه الدين لاينفك منه الرهن كذلك العمل الصالح مالم يصل الى اللّه لاتتخلص نفس العبد المرهونة فالمعنى كل امرىء مرهون عند اللّه بالعمل الصالح الذى هو دين عليه فان عمله واداه كما هو المطلوب منه فك رقبته من الرهن والا اهلكها وفى هذا المعنى قال عليه السلام لكعب ابن عجرة رضى اللّه عنه

( لايدخل الجنة لحم نبت من السحت النار اولى به ياكعب بن عجرة الناس صنفان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها ) وقال مقاتل كل امرىء كافر بما عمل من الشرك مرهون فى النار والمؤمن لايكون مرتهنا لقوله تعالى

{ كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين } وفى الآية وجه آخر وهو أن يكون الرهين فعيلا بمعنى الفاعل فيكون المعنى كل امرىء بما كسب راهين اى دآئم ثابت مقيم ان احسن ففى الجنة مؤيد او ان اساء ففى النار مخلدا لائن فى الدنيا دوام الاعمال بدوام الاعيان فان العرض لايبقى الا فى جوهر ولا يوجد الا فيه وفى الآخرة دوام الاعيان بدوام الاعمال فان اللّه يبقى اعمالهم لكونها عند اللّه من الباقيات الصالحات وما عند اللّه باق والباقى من الاعيان يبقى ببقاء عمله قال فى الارشاد وهذا المعنى انسب بالمقام فان الدوام يقتضى عدم المفارقة بين المرء وعمله ومن ضرورته أن لاينقص من ثواب الآباء شىء فالجملة تعليل لما قبلها انتهى

٢٢

{ وامددناهم } اصل المد الجر واكثر ماجاء الامداد فى المحبوب والمد فى المكروه والامداد بالفارسية مدد كردن مدد دادن . وفى القاموس الامداد تأخير الاجل وان تنصر الاجناد بجماعة غيرك والاعطاء والاغاثة

{ بفاكهة } هى الثمار كلها

{ ولحم مما يشتهون } وان لم يصر حوا بطلبه والمعنى وزدناهم على ما كان من مبادى التنعم وقتا فوقتا مما يشتهون من فنون النعماء وضروب الآلاء وذلك انه تعالى لما قال

{ وما ألتناهم } ونفى النقصان يصدق بايصال المساوى دفع هذا الاحتمال بقوله امددناهم اى ليس عدم النقصان بالاقتصار على المساوى بل بالزيادة على ثواب اعمالهم والامداد وتنوين فاكهة للتكثير اى بفاكهة لاتنقطع كلما اكلوا ثمرة عاد مكانها مثلها وما فى مايشتهون للعموم لانواع اللحمان وفى الخبر ( انك لتشتهى الطير فى الجنة فيخرجن بين يديك مشويا )

وقيل يقع الطائر بين يدى الرجل فى الجنة فيأكل منه قديدا ومشويا ثم يطير الى النهر

٢٣

{ يتنازعون فيها } نزع الشىء جذبه من مقره كنزع القوس من كبدها والتنازع والمنازعة المجاذبة ويعبر بها عن المخاصمة والمجادلة والمراد بالتنازع هنا التعاطى والتداول على طريق التجاذب يعنى تجاذب الملاعبة لفرط السرور المحبة وفيه نوع لذة اذ لايتصور فى الجنة التنازع بمعنى التخاصم والمعنى يتعاطون فى الجنات ويتداولون هم وجلساؤهم بكمال رغبة واشتياق كما ينبىء عنه التعبير بالتنازع وبالفارسية بايكديكر داد وستد كنند دربهشت يعنى بهم دهند وازهم ستانند

{ كأسا } كاسه مملو ازخمر بهشت . والكأس قدح فيه شراب ولايسمى كأسا مالم يكن فيه شراب كما لاتسمى مائدة مالم يكن عليها طعام والمعنى كأسا اى خمرا تسمية لها باسم محلها ولما كانت الكأس مؤنثة مهموزة انت الضمير فى قوله

{ لالغو فيها } اى فى شربها حيث لايتكلمون فى اثناء الشرب بلغوا الحديث وسقط الكلام قال ابن عطاء اى لغو يكون فى مجلس محله جنة عدن والساقى فيها الملائكة وشربهم ذكر اللّه وريحانهم تحية من عند اللّه مباركة طيبة والقوم اضياف اللّه قال الراغب اللغو من الكلام مالا يعتد به وهو الذى يورد لا عن روية وفكر فيجرى مجرا اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور

{ ولا تأثيم } ولا يفعلون ما يأثم به فاعله اى ينسب الى الاثم لو فعله فى دار التكليف من الكذب والسب والفواحش كما هو ديدن المنادمين فى الدنيا وانما يتكلمون بالحكم واحاسن الكلام ويفعلون مايفعله الكرام لان عقولهم ثابتة غير زآئلة وذلك كسكارى المعرفة فى الدنيا فانهم انما يتكلمون بالمعارف والحقائق قال البقلى وصفهم اللّه فى شربهم لكاسات شراب وصله بالمنازعة والشوق الى مزيد القرب ثم وصف شرابهم انه يورثهم التمكين والاستقامة فى السكر لايؤول حالهم الى الشطح والعربدة وما يتكلم به سكارى المعرفة فى الدنيا عند الخلق ولايشابه حال أهل الحضرة حال اهل الدنيا من جميع المعانى ثم انه قد يقع الاكل والشرب فى المنام فيسرى حكمه الى الجسد لغلبة الروحانية كما قال بعض الكبار العيش مع اللّه هو القوت الذى من اكله لايجوع واليه أشار عليه السلام بقوله ( انى لست كهيئتكم انى ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى ) والمراد بذلك الشبع والرى الذى يعود من ثمرة الاكل والشرب يعنى يبيت جائعا فيرى فى منامه انه يأكل فيصبح شبعانا وقد اتفق ذلك لبعضهم بحكم الارث وبقى رآئحة ذلك الطعام حين استيقظ نحو ثلاثة ايام والناس يشمونها منه

واما غير النبى وغير الوارث فاذا رأى انه يأكل استيقظ وهو جيعان مثل مانام فصح قوله صلّى اللّه عليه وسلّم ( ان المبشرات جزؤ من اجزآء النبوة ) انتهى.

يقول الفقير قرب شبعان فى دعواه جيعان فى نفس الامر الاترى حال من اكل فى منامه حتى شبع ثم استيقظ وهو جائع وكذلك حال اهل التلوين فان من شرب شرابا من هذه المعرفة يقع فى الدعاوى العريضة كما شاهدناه فى بعض المعاصرين ولا يدرى ان حاله بالنسبة الى حال اهل التمكين كحال النائم فمن سكر من رآئحة الخمر ليس كمن سكر من شرب نفسها فأين انت من الحقيقة فاعرف حدك ولا تتعد طورك فان التعدى من قبيل اللغو والتأثيم ( قال الخجندى ) از عشق دم مزن جونكشتى شيهد عشق . دعواى اين مقام درست از شهادتست

٢٤

{ ويطوف عليهم } الطواف المشى حول الشىء ومنه الطائف لمن يدور حول البيوت حافظا اى ويدور على اهل الجنة بالكأس

وقيل بالخدمة

{ غلمان لهم } جمع غلام وهو الطار الشارب اى مماليك مخصوصون بهم لمن يضفهم بأن يقول غلمانهم لئلا يظن انهم الذين كانوا يخدمونهم فى الدنيا فيشفق كل من خدمه احدا فى الدنيا أن يكون خادما له فى الجنة فيحزن لكونه لايزال تابعا وافاد التنكير ان كل من دخل الجنة وجد له خدم لم يعرفهم كما فى حواشى سعدى المفتى

{ كأنهم لؤلؤ مكنون } حال من غلمان لانهم قد وصفوا اى كأنهم فى البياض والصفاء لؤلؤ مصون فى الصدف لانه رطبا احسن واصفى اذ لم تمسه الايدى ولم يقع عليه غبار وبالفارسية كويا ايشان در صفا ولطافت مروايد يوشيده انددر صدف كه دست كسى بديشان نرسيده . او محزون لانه لايخزن الا الثمين الغالى القيمة قيل لقتادة هذه الخادم فكيف المخدوم فقال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( والذى نفسى بيده ان فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ) وعنه عليه السلام ( ان أدنى اهل الجنة منزلة من ينادى الخادم من خدامه فيجيبه الف ببابه لبيك لبيك )

٢٥

{ واقبل بعضهم على بعض } وروى مى آرند بعض ازبهشتيان بربعض ديكر

{ يتساءلون } اى يسأل كل بعض منهم بعضا آخر عن احواله واعماله ما استحق به نيل ماعند اللّه من الكرامة وذلك تلذذا واعترافا بالنعمة العظيمة على حسب الوصول اليها على ماهو عادة اهل المجلس يشرعون فى التحادث ليتم به استئناسهم فيكون كل بعض سائلا ومسؤلا لا انه يسأل بعض معين منهم بعضا آخر معينا

٢٦

{ قالوا } اى المسئولون وهم كل واحد منهم فى الحقيقة

{ انا كنا قبل } اى قبل دخول الجنة

{ فى اهلنا } درميان اهل خود يعنى بوديم دردنيا

{ مشفقين } ارقاء القلوب خائفين من عصيان اللّه تعالى معتنين بطاعته او وجلين من العاقبة قيد بقوله

{ فى اهلنا } فان كونهم بين اهليهم مظة الا من فاذا خافوا فى تلك الحال فلأن يخافوا فى سائر الاحوال والاوقات اولى وقال سعدى المفتى ولعل الاولى أن يجعل اشارة الى معنى الشفقة على خلق اللّه كما ان قوله

{ انا كنا من قبل ندعوه } اشارة الى التعظيم لا امر اللّه وترك العاطف لجعل الثانى بيانا للاول ادعاء للمبالغة فى وجوب عدم انفكاك كل منهما على الآخر انتهى.

يقول الفقير الظاهر ان هذا الكلام وارد على عرف الناس فانهم يقولون شأننا بين قومنا وقبيلتنا كذا فهم كانوا فى الدنيا بين قبائلهم وعشائرهم على صفة الاشفاق وفيه تعريض بأن بعض أهلهم لم يكونوا على صفتهم ولذا صاروا محرومني ويدل على هذا ان الاهل يفسر بالازواج والاولاد وبالعبيد والاماء وبالاقارب وبالاصحاب وبالمجموع كما فى شرح المشارق لابن الملك

٢٧

{ فمن اللّه } اى أنعم

{ علينا } بالرحمة والتوفيق للحق . يقول الفقير الظاهر ان المن والانعام انما هو بالجنة ونعيمها كما دل عليه قوله

{ ووقانا عذاب السموم } اى حفظنا من عذاب النار النافذة فى المسام اى ثقب الجسد كالمنخر والفم والاذن نفوذ السموم وهى الريح الحارة التى تدخل المسام فأطلق على جنهم لنفوذ حرها فى المسام كالسموم وفى المفردات السموم الريح الحارة التى تؤثر تأثير السم وقال البقلى هذا شكر من القوم فى رؤية الحق سبحانه اى كنا مشفقين من الفراق فى الدنيا والبعد فى يوم التلاق فمن اللّه علينا ووقانا من ذلك العذاب المحرق المفنى هذا فى اوآئل الرؤية اما اذا استقاموا فى الوصال نسوا ما كان فيهم من ذكر الاشفاق وغيره والاشفاق وصف الارواح والخوف صفة القلوب وقال الجنيد قدس سره الاشفاق ارق من الخوف والخوف اصلب وقال بعضهم الاشفاق للاولياء والخوف لعامة المؤمنين وقال الواسطى قدس سره لاحظوا دعاءهم وشفقتهم ولم يعلموا ان الوسائل قطعت المتوسلين عن حقيقة وحجبت من ادراك من لاوسيلة الا به

٢٨

{ انا كنا من قبل } اى من قبل لقاء الهل والمصير اليه يعنون فى الدنيا

{ ندعوه } اى نعبده او نسأله الوقاية

{ انه هو البر } اى المحسن

{ الرحيم } الكثير الرحمة الذى اذا عبد اثاب واذا سئل أجاب قال الراغب البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر اى التوسع فى فعلى الخير وينسب ذلك تارة الى اللّه تعالى نحو انه البر الرحيم والى العبد تارة فيقال بر العبد ربه اى توسع فى طاعته فمن اللّه الثواب ومن العبد الطاعة وذلك ضربان ضرب فى الاعتقاد وضرب فى الاعمال الفرائض والنوافل وبر الوالدين التوسع فى الاحسان اليهما وضده العقوق قال فى شرح الاسماء من عرف انه هو البر الرحيم رجع اليه بالرغبة فى كل حقير وعظيم فكفاه ما أهمه ببره ورحمته وقد قال فى حكم ابن عطاء متى أعطاك أشهدك بره واحسانه وفضله ومتى منعك أشهدك قهره وجلاله وعظمته فهو فى كل ذلك متعرف اليك تارة بجماله واخرى بجلاله ومقبل بوجود لطفه عليك اذ وجه لك مايوجب توجهك اليه ولكن انما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن اللّه فيه اذ لو فهمت عنه كنت تشكره على ما واجهك منه فقد قال ابو عثمان المغربى قدس سره الخلق كلهم مع اللّه فى مقام الشكر وهم يظنون انهم فى مقام الصبر وقال ابراهيم الخواص قدس سره لايصح الفقر للفقير حتى يكون فيه خصلتان احداهما الثقة باللّه والثانية الشكر له فيما زوى عنه من الدنيا مما ابتلى به غيره ولا يكمل الفقير حتى يكون نظر اللّه له فى المنع أفضل من نظره له فى العطاء وعلامة صدقه فى ذلك أن يجد للمنع من الحلاوة مالا يجد للعطاء والتقرب باسم البر تعلقا وجود محبته لاحسانه وترك التدبير معه لما توجه من اكرامه وكثرة الدعاء كما قال انا كنا من قبل ندعوه انه هو البر الرحيم وتخلقا بالنفع لعباد اللّه والشفيقة عليهم فان البر هو الذى لايؤذى الذر

وفى التأويلات النجمية واقبل بعضهم يعنى القلب والروح على بعض يعنى النفس يتساءلون قالوا انا كنا قبل اى قبل السير والسلوك فى اهلنا اى فى عالم الانسانية مشفقين اى خائفين من سموم الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية والشهوات الدنيوية فانها مهب سموم قهر الحق فمن اللّه علينا ووقانا عذاب السموم اى سموم قهره ولولا فضله ماتخلصنا منه بجهدنا وسعينا بل انا كنا من قبل ندعه ونتضرع اليه بتوفيقه فى طلب النجاة وتحصيل الدرجات انه هو البر بمن يدعوه الرحيم بمن ينيب اليه

٢٩

{ فذكر } قال ابن الشيخ لما بين اللّه ان فى الوجود قوما يخافون اللّه ويشفقون فى أهلهم والنبى عليه السلام مأمور بتذكير من يخاف اللّه فرع عليه قوله فذكر بالفاء ( وقال الكاشفى ) آورده اندكه جماعتى مقتسمان برعقبات مكه حضرت رسول را عليه السلام نزد قبائل عرب بكهانت وجنون وسحر وشعر منسوب ميساختند وآن حضرت اندوهناك ميشد آيت آمدكه فذكر اى فاثبت على ماأنت عليه من تذكير المشركين بما أنزل اليك من الآيات والذكر الحكيم ولا تكترث بما يقولون مما لاخير فيه من الاباطيل

{ فما انت بنعمت ربك } نعمت رسمت بالتاء ووقف علهيا بالهاء ابن كثير وابو عمرو والكسائى ويعقوب اى بسبب انعامه بصدق النبوة وزيادة العقل ( وقال الكاشفى ) بانعام بروردكار خود يعنى بحمد اللّه ونعمته او ما أنت بكاهن حال كونك معنا عليك به فهو حال لازمة من المنوى فى كاهن لانه عليه السلام لم يفارق هذه الحال فتكون الباء للملابسة والعامل هو معنى النفى ويجوز أن يجعل الباء للقسم

{ بكاهن } كما يقولون قاتلهم اللّه وهو من يبتدع القول وخبر عما سيكون فى غد من غير وحى وفى المفردات الكاهن الذى يخبر بالاخبار الماضية الخفية بضرب من الظن كالعراف الذى يخبر بالاخبار المستقبلية على نحو ذلك ولكن هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذى يخطىء ويصيب قال عليه السلام ( من أتى عرافا او كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل اللّه على محمد ) ويقال كهن فلان كهانة اذا تعاطى ذلك وكهن اذا تخصص بذلك وتكهن تكلف ذلك وفى القاموس كهن له كجعل ونصر وكرم كهانه بالفتح وتكهن تكهنا وتكهينا قضى له بالغيب فهو كاهن والجمع كهنة وكهان وحرفته الكهانة بالكسر انتهى قال ابن الملك فى قوله عليه السلام ( من سأل عرافا لم تقبل صلاته اربعين ليلة ) العراف من يخبر بما اخفى من المسروق والكاهن

واما من سألهم لاستهزآئهم او لتكذيبهم فلا يلحقه ماذكر فى الحديث تقرينة حديث آخر من صدق كاهنا لم تقبل منه صلاة اربعين ليلة فان قلت هذا مخالف لقوله عليه السلام ( من صدق كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد ) قلت اللائح لى فى التوفيق أن يقال مصدق الكاهن يكون كافرا اذا اعتقد انه عالم بالغيب ولما اذا اعتقد انه ملهم من اللّه او ان الجن يلقون مما يسمعون من الملائكة فصدقه من هذه فلا يكون كافرا انتهى كلام ابن الملك وفى هدية المهديين من قال اعلم المسروقات يكفر وقال انا اخبر عن اخبار الجن يكفر ايضا لان الجن كالانس لايعلم غيبا

{ ولا مجنون } وهو من به جنون وهو زوال العقل او فساده

وفى المفردات الجنون الحائل بين النفس والعقل وفى التعريفات الجنون هو اختلاف العقل بحيث يمنع جريان الافعال والاقوال على نهج الغل الا نادرا وهو عند ابى يوسف ان كان حاصلا فى اكثر السنة فمطبق ما دونه فغير مطبوّ

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان طبيعة الانسان متنفرة من حقيقة الدين مجبولة على حب الدنيا وزينتها وشهواتها وزخارفها والجوهر الروحانى الذى جبل على فطرة الاسلام فى الانسان مودع بالقوة كالجوهر فى المعدن فلا يستخرج الى الفعل الا يجهد جهيد وسعى ثم على قانون الشريعة ومتاعبة النبى عليه السلام وارشاده وبعده بارشاد ورثة علمه وهم العلماء الربانيون الراسخون فى العلم من المشايخ المسلكين وفى زمان كل واحد منهم والخلق مع دوى اسلامهم ينكرون على سيرهم فى الاغلب ويستبعدون ترك الدنيا والعزلة والانقطاع عن الخلق والتبتل الى اللّه وطلب الحق الا من كتب اللّه فى قلبهم الايمان وأيدهم بروح منه وهو الصدق فى الطلب وحسن الارادة المنتجة من بذر يحبهم ويحبونه وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء والا فمن خصوصية طبيعة الانسان أن يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية وان كانوا يصلون ويصومون ويزعمون انهم مسلمون ولكن بالتقليد لا بالتحقيق اللهم الا من شرح اللّه صدره للاسلام فهو على نور من ربه انتهى.

يقول الفقير فى الآية تشريف للنبى عليه السلام جدا حيث ان اللّه تعالى ناب عنه فى الجواب ورد الكافرين بنفسه وهو ايضا تصريح بما علم التزاما فان الامر بالتذكير الذى هو متعلق بالوحى وان كان مقتضاء كمال العل والصدق فى القول يقتضى ان لايكون عليه السلام كاهنا ولا مجنونا فهذا النفى بالنسبة الى ظا هر الحال فانه لايخلوا من دافع الوهم وتمكين التصديق ونظيره كلمة الشهادة فان قله لا اله نفى للوجود المتوهم الذى يتوهمونه والا فلا شىء غير الاثبات فافهم واللّه المعين

سيدى كزو هم قد رش برترست ... خاك بايش جرخ را تاج سرست

٣٠

{ أم يقولون } بلكه مى كويند درحق تو ام المكررة فى هذه الآيات منقطعة بمعنى بل والهمزة ومعنى الهمزة فيها الانكار ونقل البغوى عن الخليل انه قال مافى سورة الطور من ذكر ام كله استفهام وليس بعطف يعنى ليست بمنقطعة وقال فى برهان القرءآن اعاد خمس عشرة مرة وكلها الزامات وليس للمخاطبين بها عنا جواب وفى عين المعانى ام ههنا خمسة عشر وكله استفهام اربعة للتحقيق على التوبيخ بمعنى بل ام يقولون شاعر ام يقولون تقوله وقد قالوهما وام هم قوم طاغون وام يريدون كيدا وقد فعلوهما وسائرها للانكار وفى فتح الرحمن جميع مافى هذه السورة من ذكر ام استفهام غير عاطفة واستفهم تعالى مع علمه بهم تقبيحا عليهم وتوبيخا لهم كقول الشخص لغيره أجاهل أنت مع علمه بجهله

{ شاعر } اى هو شاعر وقد سبق معنى الشعر والشاعر فى اواخر سورة يس متصلا قال الامام المرزوقى شارح الحماسة تأخر الشعرآء عن البلغاء لتأخر المنظوم عند العرب لان ملوكهم قبل الاسلام وبعده يتحجون بالخطبة وبعدونها اكمل اسباب الرياسة ويعدون الشعر دناءة ولان الشعر كان مكسبة وتجارة وفيه وصف اللئيم عند الطعم بصفة الكريم والكريم عند ت أخر صلته بوصف اللئيم وما يدل على شرف النثر ان الاعجاز وقع فى النثر دون النظم لان زمن النبى عليه السلام زمن الفصاحة كذا ذكره صابح روضة الاخبار فان قلت فاذا كان الاعجاز واقعا فى النثر فكيف قالوا فى حق القرءآن شعر وفى حقه عليه السلام شاعر قلت ظنوا انه عليه السلام كان يرجو الاجر على التبليغ ولذا قال تعالى

{ ماسألكم عليه من اجر } فكان عليه لاسلام عندهم بمنزلة الشاعر حيث ان الشاعر انما يستجلب بشعره فى الاغلب المال وايضا لما ك انوا يعدون الشعر دناءة حلموا القرءآن عليه و مرادهم عدم الاعتداد به فان قلت كيف كانوا يعدون الشعر دناءة وقد اشتهر افتخارهم بالقصائد حتى كانوا يعلقونها على جدار الكعبة قلت كان ذلك من كمال عنادهم او جريا على مسلك اهل الخطابة من الاوآئل فاعر فان هذا زآئد على مافصل فى سورة يس وقد لاح بالبال فى هذا المقام قال ابن الشيخ قوله ام يقولون الخ من باب الترقى الى قولهم فيه انه شاعر لان الشاعر ادخل فى الكذب من الكاهن والمجنون وقد قيل احسن الشعرا كذبه وكانوا يقولون لانعارضه فى الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شعره وانا نصبر ونتربص موته وهلا كه كما هلك من قبله من الشعرآء وحينئذ تتفرق اصحابه وان أباه مات شابا ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه وذلك كقوله سبحانه وتعالى

{ نتربص به ريب المنون } التربص الانتظار والريب مايقلق النفوس اى يورث قلقا واضطرابا له من حوادث الدهر وتقلبات الزمان فهو بمعنى الرآئب من قولهم رابه الدهر وأرابه اى اقلقه

وقيل سميت ريبا لانها لاتدوم على حال كالريب وهو الشك فانه لايبقى بل هو متزلزل

وفى المفردات ريب الدهر صروفه وانما قيل ريب لما يتوهم فيه من المنكر وفيه ايضا الريب ان تتوهم بالشىء امرا مافينكشف عما توهمته ولهذا قال تعالى

{ لاريب فيه } والارابة أن تتوهم فيه امرا فلا ينكشف عما تتوهمه وقوله نتربص به ريب المنون سماه ريبا لامن حيث انه مشكك فىكونه بل من حيث انه يشكك فى وقت حصوله فالانسان ابدا فى ريب المنون من جهة وقته لامن جهة كونه وعلى هذا قال الشاعر

الناس قد علموا أن لابقاء لهم ... لو انهم عملوا مقدار ماعلموا

انتهى والمنون الدهر والموت والكثير لامتنان كالمنونة والتى تزوجت لما لها فهى تمن على زوجها كالمنانة انتهى

وقيل فى الآية المنون الموت وربيه اوجاعه وهو فى الاصل فعول من منه اذا قطعه لان الدهر يقطع القوى والموت يقطع الامانى والعمر وفى المفردات قيل المنون للمنية لانها تنقص العدد وتقطع المدد انتهى وريب منصوب على انه مفعول به والمعنى بل أيقولون ننتظر به نوآئب الدهر فيهلك كما هلك غيره من الشعرآء زهير والنابغة وطرفة وغيرهم او ننتظر اوجاع الموت كما مات ابوه شابا وذلك ما نتمنى الصبيان فى المكتب موت معلمهم ليتخلصوا من يده فويل لمن أراد هلاك معلمه فى الدين وكان محروما من تحصيل اليقين

٣١

{ قل تربصوا فانى معكم من المتربصين } اتربص هلاككم كما تتربصون هلاكى والامر بالتربص للتهديد قال الراغب التربص انتظار الشخص سلعة كان يقصد بها غلاء او رخصا او امرا ينتظر زواله او حصوله انتهى وفيه عدة كريمة باهلاكهم وجاء فى التفسير ان جميعهم ماتوا قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد وقع فى زماننا ان بعض الوزرآء اهان بعض الاولياء فأجلاه كان ينتظر هلاكه فهلك قبله هلاكا هائلا حيث قتل وقتل معه الوف وفى لآية اشارة الى التربص فى الامور ودعوة الخلق الى اللّه والتوكل على اللّه فيما يجرى على عباده والتسليم لاحكامه فى المقبولين المردودين اذ كل يجزى على ماقضاه الله

٣٢

{ ام تأمرهم احلامهم } اى دع تفوههم بهذه الاقوال الزآئغة المتناقضة وفيهم ماهو اقبح من ذلك وهو انهم سفهاء ليسوا مناهل التمييز والاحلام العقول قال الراغب وليس الحلم فى الحقيقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل والحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب

{ وبهذا } اى بهذا التناقض فى المقال فان الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر فى الامور والمجنون مغطى عقله مختل فكره والشاعر ذو كلام موزون متسق مخيل فكيف يجتمع هؤلاء فى واحد وامر الاحلام بذلك مجاز عن ادآئها الى التناقض بعلاقة السببية كقوله

{ اصلاتك تأمرك أن نترك مايعبد آباؤنا } لا انه جعلت الاحلام آمرة على الاستعارة المكنية وفى الكواشى جعلت الحلوم آمرة مجازا ولضعفها جمعت جمع القلة قال فى القاموس الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا والجمع احلام والحلم بالكسر الاناة والعقل والجمع احلام وحلوم ومنه ام تأمرهم احلامهم وهو حليم والجمع حلماء واحلام انتهى كان قريش يدعون اهل الاحلام والنهى فأزرى اللّه بعقولهم حين لم تثمرهم معرفة الحق من الباطل

وقيل لعمرو بن العاص رضى اللّه عنه ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم اللّه بالعقول فقال تلك عقول كادها اللّه اى يصحبها التوفيق وفى الخبر ( ان اللّه لما خلق العقل قال له ادبر فأدبر ثم قال لهم اقبل فأقبل ) يعنى كفت بوى بشت بركن بشت بركرد بس كفت روى بازكن روى بازكرد . فانى لم اخلق خلقا اكرم على منك بك اعبد وبك اعطى وبك آخذ قال ابو عبد اللّه المغربى لما قال له ذلك تداخله العجب فعوقب من ساعته فقيل له التفت فلما التفت نظر الى ماهو احسن منه فقال من انت قال أنا الذى لاتقوم الا بى قال ومن أنت قال التوفيق ( وفى المثنوى )

جز عنايت كى كشايد جشم را ... جز محبت نشاند خشم را

جهد بى توفيق خود كس را مباد ... در جهان واللّه اعلم بالرشاد

روى ان صفوان بن امية فخر على رجل فقال أنا صفوان بن امية بن خلف ابن فلان فبلغ ذلك عمر رضى اللّه عنه فأرسل اليه وغضب فلما جاء قال ثكلتك امك ماقلت فهاب عمر ان يتكلم فقال عمر ان كان لك تقوى فان لك كرما وان كان لك عقل فان لك اصلا وان كان لك خلق حسن فان لك مروءة والا فأنت شر من الكلب

{ ام هم قوم طاغون } مجاوزون الحدود وفى المكابرة والعناد مع ظهور الحق لايحومون حول الرشد والسداد ولذلك يقولون مايقولون من الاكاذيب الخارجة عن دائرة العقول والظنون قال ابن الشيخ ثم قيل لابل ذلك من طغيانهم لانه ادخل فى الذم من نقصان العقل وابلغ فى التسلية لان من طغى عل اللّه فقد باء بغضبه

٣٣

{ ام يقولون تقوله } هو ترق الى ماهو ابلغ فى كونه منكرا وهو أن ينسبوا اليه عليه السلام انه يختلق القرءآن من تلقاء نفسه ثم يقول انه من عند اللّه افترآء عليه والتقول تكلف القول ولا يستعمل الا فى الكذب والمعنى اختلق القرءآن من تلقاء نفسه وليس الأمر كما زعموا

{ بل لايؤمنون } البتة لان اللّه ختم على قلوبهم وفى الارشاد فلكفرهم وعنادهم يؤمونه بهذه الاباطيل التى لايخفى على احد بطلانها كيف لا وما رسول اللّه الا واحد من العرب أتى بما عجز عنه كافة الامم من العرب والعجم وفى كون ذلك مبنيا على العناد اشارة الى انهم يعلمون بطلان قولهم وتناقضه

٣٤

{ فليأتوا بحديث مثله } اى اذا كان الامر كما زعموا من انه كاهن او مجنون او شاعر ادعى الرسالة وتقول القرءآن من عند نفسه فليأتوا بكلام مثل القرءآن فى النعوت التى استقل بها من حيث النظم ومن حيث المعنى قال فى التكملة المشهور فى القرءآن بحديث مثله بالتنوين فيكون الضمير راجعا الى القرءآن ( وروى ) عن الجحدرى انه قرأ بحديث مثله بالاضافة فيكون الضمير راجعا الى النبى عليه السلام

{ ان كانوا صادقين } فما زعموا فان صدقهم فى ذلك يستدعى قدرتهم على الاتيان بمثله بقضية مشاركتهم له ع ليه السلام فى البشرية والعربية مع مابهم من طول الممارسة للخطب والاشعار وكثرة المزاولة لأسالسب النظم والنثر المبالغة فى حفظ الوقائع والايام ولاريب فى ان القدرة على الشىء من موجبات الاتيان به ودواعى الامر بذل . واعلم ان الاعجاز اما ا ، يتعلق بالنظم من حيث فصاحته وبلاغته او يتعلق بمعناه ولا يتعلق به من حيث مادته فان مادته الفاظ لعرف والفاظه الفاظهم قال تعالى

{ قرءآنا عربيا } تنبيها على اتحاد العنصر وانه منظم من عين ماينظمون به كلامهم والقرءآن معجز من جميع الوجوه لفظا ومعنى ومتميز من خطبة البلغاء ببلوغه حد الكمال فى اثنى عشر وجها ايجاز اللفظ والتشبيه الغريب والاستعارة البديعة وتلاؤم الحروف والكلمات وفواصل الآيات وتجانس الالفاظ وتعريف القصص والاحوال وتضمين الحكم والاسرار والمبالغة فى الاسماء والافعال وحسن البيان فى القاصد والاغراض وتمهيد المصالح والاسباب والاخبار عما كان وما يكون

٣٥

{ ام خلقوا من غير شىء } من لابتدآء الغاية اى ام احدثوا وقدروا هذا من عبادة وجزآء فمن للسببية ( قال الكاشفى ) آيا أفريده شده اندايشان بى حيزى يعنى بى بدر ومادر مراد آنست كه ايشان آدمى انداز آدميان زاده شده نه جمادندكه تعقل خود نكند

{ ام هم الخالقون } لأنفسهم فلذلك لايعبدون اللّه تعالى

٣٦

{ ام خلقوا السموات والارض بل لايوقنون } اى اذا سئلوا من خلقلكم وخلق السمواتا الارض قالوا اللّه وهم غيره موقنين بما قالوا ولا لما اعرضوا عن عبادته تعالى والايقان بى كمان شدن

٣٧

{ ام عندهم خزآئن ربك } جمع خزاننة بالكسر وهو مكان الخزن يقال خزن المال احرزه وجعله فى الخزاننة وهو علىحذف المضاف خزآئن رزقه ورحمته حتى يرزقوا البنوة من شاؤوا ويمسكوها عمن شاؤا اى اعندهم خزآئن علمه وحكمته حتى يختاروا لها من اقتضت الحكمة اختياره

{ ام هم المسيطرون } اى الغالبون على الامور يدبرونها كيفما شاؤا حتى يدبروا امر الربوبية وبينوا الامور على ارادتهم ومشيئتهم وفى عين المعانى اى الارباب المسلطون على الناس فيجبرونهم على ماشاؤا من السطر كأنه يخط للمسلط عليه خطا لايجاوزه وفى كشف الاسرار المسيطر المسلط القاهر الذى لايكون تحت امر احد ونهيه ويفعل مايشاء يقال تصيطر على فلان بالسين والصاد اى سلط انتهى قال فى القاموس المسيطر الرقيب الحافظ والمتسلط والسطر الصف من الشىء الكتاب والشجر وغيرو الخط والكتابة ويحرك فى الكل والصطر بالصاد ويحرك السطر وتصيطر تسيطر

٣٨

{ أم لهم سلم } منصوب الى السماء وبالفارسية آيامر ايشانراست نردبانى كه بدان باآسمان بروند قال الراغب السلم مايتوصل به الى الامكنة العالية فيرجى به السلامة ثم جعل اسما لما يتوصل به الى كل شىء رفيع كالسبب قال ابن الشيخ لما ابطل من الاحتمالات العقلية جميع مايتوهم أن يبنوا عليه تكذيبهم وانكارهم لم يبق لهم الا المشاهدة والسماع منه تعالى وهو اظهر استحالة فتهكم به وقال بل ألهم سلم

{ يستمعون فيه } ضمن يستمعون معنى الصعود فاستعمل بفى وفيه متعلق بمحذوف هو حال من فاعل يستمعن اى يستمعون صاعدين فى ذلك السلم ومفعول يستمعون محذوف اى الى كلام الملائكة وما يوحى اليهم من علم الغيب حتى يعلموا ماهو كائن من الامور التى يتقولون فيها رجما بالغيب ويعلقون بها اطماعهم الفارغة وفى كشف الاسرار فيه عليه كقوله

{ فى جذوع النخل } اى عليها

{ فليأت } بس ببايد كه بيارد . فالباء الآتى للتعدية وهو امر تعجيز

{ مستمعهم } شنونده ايشان كه بر آسمان برفتند وبيغام غيب شنيديد

{ بسلطان مبين } بحجة واضحة تصدق استماعه وبالفارسية حجتى روشن كه كواه باشد برصدق استماع وى

٣٩

{ أم له البنات ولكم البنين } هذا انكار عليم حيث جعلوا اللّه مايكرهون او تسفيه لهم وتركيك لعقولهم وايذان بأن من هذا رأيه لايكاد يعد من العقلاء فضلا عن الترقى بروحه الى عالم الملكوت والتطلع على الاسرار الغيبية وذلك ان من جعل خالقه ادون حالا منه بأن جعل له مالا يرضى لنفسه كما قال تعالى

{ واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم } فانه لم يستبعد منه امثال تلك المقالات الحمقاء والالتفات الى الخطاب لتشديد مافىم المنقطعة من الانكار والتوبيخ

٤٠

{ ام تسألهم اجرا } رجوع الى خطابه عليه السلام واعراض عنهم اى بل أتسألهم اجرا على تبليغ الرسالة تاتاوان زده شدند

{ فهم } لاجل ذلك

{ من مغرم } من التزام غرامة فادحة بالمغرم مصدر ميمى بمعنى الغرم والمضاف مقدر وفى الكشاف المغرم ان يلتزم الانسان ماليس عليه وفى الفتح الرحمن المغرم مايلزم اداؤه وفى المفردات الغرم ماينوب الانسان من ماله من ضرر بغير جناية منه وكذا والغريم لمن له الدين ولمن عليه الدين انتهى

{ مثقلون } محملون الثقل وبالفارسية كران بارشوند فلذلك لايتبعونك يعنى لاعذر لهم اصلا والدين لايباع بالنيا

زبان ميكند مرد تفسير دان ... كه علم وادب ميفروشد بنان

فالاجر على الهل تعالى كما قال

{ ان اجرى الا على اللّه } وقد سبق تحقيقه فى مواضع متعددة

٤١

{ أم عندهم الغيب } ا الولح المحفوظ المثبت فيه الغيوب

{ فهم يكتبون } مافيه حتى يتكلموا فى ذلك بنفى او اثبات ( قال الكاشفى ) بس ايشان مى نويسند ازان كه خبر بيغمبر عليه السلام از امر قيامت وبعث باطلست ياكتابت كنندكه موت توكى خواهد بود_@_

٤٢

{ ام يريدون كيدا } اى لايكتفون بهذه المقالات الفاسدة ويريدون مع ذلك أن يكيدوا بك كيدا واساءة وهو كيدهم برسول اللّه عليه السلام فى دار الندوة ومكرهم بالقتل والحبس والاخراج فان الكيد هو الامر الذى يسوء من نزل به سوآء كان فى نفسه حسنا او قبيحا فالاستفهام فى المعطوف للتقرير وفى المعطوف عليه للانكار وقال بعضهم الكيد ضرب من الاحتيال وفى التعريفات الكيد ارادة مضرة الغير خفية وهو من الخلق الحيلة السيئة ومن اللّه التدبير بالحق لمجازاة اعمال الخلق وقال سعدى المفتى الظاهر انه من الاخبار بالغيب فان السورة مكية وذلك الكيد كان وقوعه ليلة الهجرة فان قيل فليكن نزول الطور فى تلك الليلة قلنا قد ثبت عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه نزل بعدها بمكة تبارك الملك وغيرها من السور

{ فالذين كفروا هم المكيدون } القصر اضافى اى هم الذين يحيق بهم كيدهم او يعود عليهم وباله لامن أرادوا أن يكيدوه فانه المظفر الغالب عليهم قولا وفعلا حجة وسيفا او هم المغلوبون فى الكيد من كايدته فكدته والمراد ما أصابهم يوم بدر من القتل يعنى عند انتهاء سنين عدتها عدة كلمة ام وهى خمس عشرة فان غزوة بدر كانت فى الثانية من الهجرة وهى الخامسة عشرة من النبوة

٤٣

{ ام لهم اله غير اللّه } يعينهم ويحرسهم من عذابه

{ سبحان اللّه } نزهه تعالى

{ عما يشركون } اى عن شراكهم فما مصدرية او عن شركة مايشركونه فماموصول والمضاف مقدر وكذا العائد

برذيل عزتش ننشيند غبار شرك ... باوحدتش كسى دم شركت جه سان زند

هركاه افكنند بوصفش خيا را ... دست كمالش آتش غيرت دران زند

٤٤

{ وان يروا كسفا } اى قطعة

{ من السماء ساقطا } عليهم لتعذيبهم وفى عين المعانى قطعة نم العذاب او من السماء او جانبا منها من الكسف وهو التغطية كالكسوف وفى القاموس الكسفة بالكسر القطعة من الشىء والجمع كسف وكسف وفى المختار

وقيل الكسف والكسفة واحد

{ يقولوا } من فرط طغيانهم وعنادهم

{ سحاب مركوم } غليظ ومتراكم اى هم فى طغيان بحيث لو اسقطناه عليهم حسبما قالوا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا لقالوا هذا سحاب تراكم اى القى بعضها على بعض يمطرنا ولم يصدقوا انه كسف ساقط للعذاب وفى التأويلات النجمية يعنى انهم وان يروا كل آية لايؤمنوا بها كما قال تعالى

{ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء } حتى شاهدوا بالعين لقالوا انما سكرت ابصارنا وليس هذا عيانا ومشاهدة

٤٥

{ فذرهم } بس دست بدار از ايشان يعنى حرب مكن با ايشان كه هنوز بقتال مامور نيستى ومكافات ايشان بكذار

{ حتى يلاقوا } يعاينوا وبالفارسية تا وقتى كه بينند معاينه

{ يومهم } مفعول به لاظرف

{ الذى فيه يصعقون } اى يهلكون وبالفارسية هلاك كرده شوند وهو على البناء للمفعول من صعقته الصاعقة او من اصعقته اماتته واهكلته مقال فى المختار صعق الرجل بالكسر صعقة غشى عليه وقوله تعالى

{ فصعق من فى السموات ومن فى الارض } اى مات وهو يوم يصيبهم الصقعة بالقتل يوم بدر لا النفخة الاولى كما قيل اذلا يصعق بها لا من كان حيا حينئذ قال ابن الشيخ المقصود من الجواب عن الاقتراح المذكور بيان انهم مغلوبون بالحجة مبهوتون وان طعنهم ذلك ليس الا للعناد والمكابرة حتى لواجابناهم فى جميع مقترحاتهم لم يظهر منهم الا مايبتنى على العناد المكابرة فلذلك رتب عليه قوله فذرهم بالفاء

٤٦

{ يوم لايغنى عنهم كيدهم شيأ } اى شيأ من الاغناء فى رد العذاب وبالفارسية روزى كه نفع نكند وابز ندارد ازايشان مكر ايشان جيزى را از عذاب . وهو بدل من يومهم

{ ولا هم ينصرون } من جهة الغير فى رفع العذاب عنهم

٤٧

{ وان الذين ظلموا } اى وان لهؤلاء الظلمة ابى جهل اصحابه

{ عذابا } آخر

{ دون ذلك } غير مالا قوه من القتل اى قبله وهو القحط الذى اصابهم سبع سنين كما مر فى سورة الدخان او ورآءه وهو عذاب القبر ومابعده من فنون عذاب الآخرة

{ ولكن اكثرهم لايعلمون } ان الامر كما ذكر لفرط جهلهم وغفلتهم او لايعملون شيأ اصلا وفيه شارة الى ان منهم من يعلم ذلك وانما يصر على الكفر عنادا فالعالم الغير العامل والجاهل سوآء فعلى العاقل أن يحصل علوم الآخرة ويعمل بها قال بعض الكبار العلم علمان علم تحتاج منه مثل ماتحتاج من القوت فينبغى الاقتصاد والاقتصار على قدر الحاجة منه وهو علم الاحكام الشرعية فلا ينبغى النظر فيه الا بقدر ما تمس الحاجة اليه وفى الوقت فان تعلق تلك العلوم انما هو بالاحوال الواقعية فى الدنيا لاغير وعلم ليس له حد يوقف عنده وهو العلم المتعلق باللّه ومواطن القيامة اذ العلم بمواطنها يؤدى العالم بها الى الاستعداد لكلم موطن بما يلق به لان الحق تعالى بنفسه هو المطالب فى ذلك اليوم بارتفاع الوسائط وهو يم الفصل فينبغى للانسان العاقل أن يكون على بصيرة من امره معدا للجواب عن نفسه وعن غيره فى مواطن التى يعلم انه يطلب منه الجواب فيها فلهذا ألحقنا علم مواطن القيامة بالعلم باللّه انتهى وفى الآية اثبات عذاب القبر فان اللّه تعالى يحيى العبد المكلف فى قبره ويرد الحياة اليه ويجعله من العقل فى مثل الوصف الذى عاش عليه ليعقل مايسأل عنه وما يجيب به ويفهم ماأتاه من ربه وما أعد له من كرامة وهوان ولقد قال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه لما اخبر عليه السلام بفتنة الميت فى قبره وسؤال منكر ونكير وهما الملكان يارسول اللّه أيرجع الى عقلى قال ( نعم اذا اكفيكهما ) واللّه لئن سألانى لاسألهما واقول لهما انا ربىلله فمن ربكما اتما وانكرت الملحدة ومن نمذهب من الاسلاميين بمذهب الفلاسفة عذاب القبر وانه ليس له ح قيقة وقد رؤى ابو جهل فى جانب مصرعه فى بدر انه خرج من الارض وفى عنقه سلسة من نار يمسك اطرفاها اسود وهو يطلب الماء حتى ادخله الاسود فى الارض بجذب شديد اختلاف احوال العصاة فى عذاب القبر بحسب اختلاف معاصيهم واكثر عذاب القبر فى البول فلا بد من التنزه عنه وسمع البهائم عذاب القبر وانما لم يسمع من يقعل من الجن والانس كان عليه السلام يدعو ويقول ( اللهم انى اعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ) وينجى المؤمن من اهوال القبر وفتنته وعذابه خمسة اشاء الاول الرباط فى سبيل اللّه ولو يوما وليلة . والثانى الشهادة بان يقتل فى سبيل اللّه . والثالث سورة الملك فان من قرأها كل ليلة لم يضره الفتان . والرابع الموت مبطونا فانه لايعذب فى قبره والمراد بالمبطون صاحب الاسهال والاستطلاق . والخامس الوقت ففى الحديث ( من مات يوم الجمعة او ليلة الجمعة وقى فتنة القبر ) نسأل اللّه سبحانه أن يعصمنا من الزلل ويحفظنا من الخلل ويجعلنا فى القبر والقيامة من الآمنين ويبشرنا عند الموت برحمة مه وفضل مبين بجاه النبى الامين والانبياء المرسلين والملائكة المقربين

٤٨

{ واصبر لحكم ربك } بامهالهم الى يومهم الموعود وابقائك فيما بينهم مع مقاساة الاحزان والشدآئد ولا تكن فى ضيق مما يمكرون.

يقول الفقير امر اللّه تعالى نبيه عليه السلام بالصبر لحكمه لا لأذى الكفار وجفائهم تسهيلا للامر عليه لان فى الصبر لحكمه حلاوة ليست فى الصبر للاذى والجفاء وان كان الصبر له صبرا للحكم فاعرف

{ فانك بأعيننا } اى فى حفظنا وحمياتنا بحيث نراقبك ونكلأك وجمع العين لجمع الضمير والايذان بغاية الاعتناء فى الحفظ وبكثرة اسبابه اظهارا للتفاوت بين الحبيب والكليم حيث افرد فيه العين والضمير كما قال

{ ولتصنع على عينى } وفى التأويلات النجمية اى لاحكم لك فى الازل فانه لايتغير حكمنا الازلى ان صبرت وان لم تصبر ولكن ان صبرت على قضائى فقد جزيت ثواب الصابرين بغير حساب فانك بأعيننا نعينك على الصب لاحكامنا الازلية كما قال تعالى

{ واصبر ما صبرك الا باللّه } وفى عرائس البيان للبقلى ذكر قوله ربك بالغيبة لانه فى مقام تفرقة العبودية والرسالة تقتضى حالة المشقة ولذلك امره بالصبر ولما ثقل عليه الحال نقله من الغيبة الى المشاهدة بقوله

{ فانك بأعيننا } اى نحفظك من الاعوجاج والتغير فى جريان احكامنا عليك حتى تصبر مستقيما بنالنا فينا ونحن نراك بجميع عيون الصفات والذات بنعت المحبة والعشق ننظر بها اليك شوقا اليك وحراسة لك نحرسك بها حتى لايغيرك غيرها من الحدثان عنا ونرفع بها عنك طوارق قهرنا فانك فى مواضع عيون محبتنا وأنت فى اكناف لطفنا انظر كيف ذكر الاعين وليس فى الوجوه اشرف من العيون ومن احتضن اللّه كان فى حفظه ومن كان فى حفظه كان فى مشاهدته ومن كان فى مشاهدته استقام ممعه ووصل اليه ومن وصل اليه انقطع عما سواه من انقطع عما سواه عاش معه عيش الربانيين

قال بعضهم كنا مع ابراهيم بن ادهم قدس سره فأتاه الناس يا أبا اسحق ان الاسد وقف على طريقنا فأتى ابراهيم الى الاسد وقال له يأبا الحارث ان كنت امرت فينا بشىء فامض لما أمرت به وان لم تؤمر بشىء فتنح عن طريقنا فأدبر الاسد وهو يهمهم والهمهمة ترديد الصوت فى الصدر فقال ابراهيم وما على احدكم اذا اصبح وأمسى ان يقول اللهم احرسنا بعينك التى لاتنام واحفظنا بركنك الذى لايرام وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وانت ثقتنا ورجاؤنا وقال الخواص قدس سره كنت فى طريق مكة فدخلت الى خربة بالليل واذا فيها سبع عظيم فخفت فهتف بى هاتف اثبت فان حولك سبعين الف ملك يحفظونك.

يقول الفقير يحتمل ان يكون هذا الحفظ الخواصى بسبب بعض الادعية وكان يلازمه وقد روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

( ان من قال أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم ثلاث مرات وقرأ ثلاث آيات آخر سورة الحشر هو اللّه الذى لا اله الا هو الى آخر السورة حين يصبح وكل اللّه به سبعين الف ملك يحرسونه وكذلك اذا قرأها حين يمسى وكل اللّه به سبعين الف ملك يحرسونه ) ويحتمل أن يكون ذلك بسبب ان الخواص من احباب اللّه والحبيب يحرس حبيبه كما روى انه ينزل على قبر النبى عليه السلام كل صباح سبعون الف ملك ويضربون اجنحتهم عليه ويحفظونه الى المساء ثم ينزل سبعون الف غيرهم فيفعلون به الى الصباح كما يفعل الاولون وهكذا الى يوم القيامة

{ وسبح } اى نزهه تعالى عما لايليقب به حال كونك ملتبسا

{ بحمد ربك } على نعمائه الفائتة للحصر

{ حين تقوم } من اى مقام قمت قال سعيد ابن جبير وعطاء اى قل حين تقوم من مجلسك سبحانك اللهم وبحمدك اى سبح اللّه متلبسا بحمده فان كان ذلك المجلس خيرا ازددت احسانا وان كان غير ذلك كان كفارة له وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه وهو بالغين المعجمة الطاء المهملة الكلام الرديىء القبيح اختلاط اصوات الكلام حتى لايفهم فقال قبل ان يقوم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله أنت استغفرك واتوب اليك كان كفارة لما بينهما ) وفى فتح القريب فقد غفر له يعنى من الصغائر مالم تتعلق بحق آدمى كالغيبة وقال الضحاك والربيع اذا قمت الى الصلاة فقل سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك وقال الكلبى هو ذكر اللّه بالسان حين يقوم من الفراش الى أن يدخل فى الصلاة لما روى عن عصام ابن حميد انه قال سألت عائشة رضى اللّه عنها بأى شىء يفتتح رسول اللّه عليه السلام قيام الليل فقالت كان اذا قام كبر عشرا وحمد اللّه عشرا وسبح وهلل عشرا واستغفر عشار وقال ( اللهم اغفر لى واهدنى وارزقنى وعافنى ) ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة

٤٩

{ ومن الليل فسبحه } افراد بعض الليل بالتسبيح والصلاة لان العبادة فيه اشق على النفس وابعد عن الرياء كما يلوح به تقديمه على الفعل . يقول الفقير ولان الليل زمان المعراج والصلاة هو المعراج المعنى فمن أراد أن يلتحق برسول اللّه عليه السلام فى معراجه فليصل بالليل والناس نيام اى فى جوفه حين غفلة الناس واشرف ذلك الوقت كان معراجه عليه السلام فيه لاقرب الصباح لان فى قربه قد يستيقظ بعض النفوس للحاجات وان كان السحر الاعلى مماله خواص كثيرة

{ وادبار النجوم } بكسر الهمزة مصدر ادبر والنجوم جمع نجم وهو الكوكب الطالع يقال نجم نجوما ونجما اى طلع المعنى ووقت ادبارها من آخر الليل اى غيبتها بضوء الصباح

وقيل التسبيح من الليل صلاة العشاءين وادبار النجوم صلاة الفجر وفى الآية دليل على ان تأخير صلاة الفجر أفضل لانه امر بركعتى الفجر بعدما ادبر النجوم وانما ادبر النجوم بعد مايسفر قاله ابو الليث فى تفسيره وقال اكثر المفسرين ادبار النجوم يعنى الركعتين قبل صلاة الفجر وذلك حين تدبر النجوم بضوء الصبح وفى الحديث ( ركعتا الفجر اى سنة الصبح خير من الدنيا ما فيها وفيه بيان عظم ثوابهما ).

يقول الفقير فى قولهم وذلك حين الخ نظر لان السنة فى سنة الفجر انه يأتى بها فى اول الوقت لان الاحاديث ترجحة فالتأخير الى قرب الفرض مرجوح واول وقتها هو وقت الشافعى وليس للنجوم ادبار اذ ذاك وانما ذلك عند الاستفار جدا وقال سهل قدس سره صل المكتوبة بالاخلاص لربك حين تقوم اليهما ولا تغفل صباحا ولا مساء عن ذكر من لايغفل عن برك وحفظك فى كل الاقاوت

وفى التأويلات النجمية قوله وسبح الخ يشير شالى مداومته على الذكر وملازمته له بالليل والنهار انتهى وقد سبق بيانه فى آخر سورة ق قال بعض الكبار من سوء أدب المريد أن يقول لشيخه اجعلنى فى بالك فان فى ذلك استخداما للشيخ وتهمة له وانظر الى قوله صلى اللّه علهي وسلم لمن قال له أسألك مرافقتك فى الجنة حيث قال للسائل اعنى على نفسك بكثرة السجود فحوله الى غير ماقصد من الراحة فعلم الرياضة واجب تقديمه على الفتح فى طريق السالكين لا المجذوبين واللّه عليم حكيم انتهى وفى الحديث ( من خاف أن لايقوم من آخر الليل فليوتر اوله ومن نطمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة وذلك افضل ).

يقول الفقير كان التهجد فرضا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وانما كان يؤخر الوتر الى آخر الليل اما لما ذكر من شهود الملائكة فى ذلك الوقت

واما لان الوتر صلاها عليه السلام اولا ليلة المعراج بعد المنام فناسب فصلها عن العشاء وتأخيرها وفى ختم هذه السورة بالنجوم وافتتاح السورة الآية بالنجم ايضا من حسن الانتهاء والابتدآء ومن الاسار مالا يخفى على اهل التحقيق

﴿ ٠