سُورَةُ النَّجْمِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ اثْنَتَانِ وَ سِتُّونَ آيَةً ١ { والنجم } سورة النجم اول سورة اعلن بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وجهر بقرءآتها فى الحرم والمشركون يستمعون نزلت فى شهر رمضان من السنة الخامسة من النبوة ولما بلغ عليه السلام السجدة سجد معه المؤمنون والمشركون والجن والانس غير ابى لهب فى رواية فانه رفع حفنة من تراب الى جبهته وقال يكفينى هذا فى رواية كان ذلك الوليد بن المغيرة فانه رفع ترابا الى جبهته فسجد عليه لانه كان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود وفى رواية وصححت امية بن خلف وقد يقال لامانع أن يكونوا فعلوا ذلك جميعا بعضهم فعل ذلك تكبرا وبعضهم فعل ذلك عجزا وممن فعل ذلك تكبرا ابو لهب ولا يخالف ذلك مانقل عن ابن مسعود رضى اللّه عنه ولقد رأيت الرجل اى الفاعل لذلك قتل كافار لانه يجوز أن يكون المراد بقتل مات وانما سجد المشركون لان النبى عليه اسلام لما بلغ الى قوله أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الاخرى الحق الشيطان به قوله تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى كما سبق فى سورة الحج فسمعه المشركون وظنوا انه من القرءآن فسجدوا لتعظيم آلهتهم ومن ثم عجب المسلمون من سجود المشركين من غير ايمان اذهم لم يسمعوا مالقى الشيطان فى آذان المشركين وأرادوا بالغرانيق العلى الاصنام شبهت الاصنام بالغرانيق التى هى طائر الماء جمع غرنوق بكسر الغين المعجمة اسكان الرآء ثم النون المفتوحة او غرنوق بضم الغين والنون ايضا او غرنيين بضم الغين وفتح النون وهو طير طويل العنق وهو الكركى او مايشبهه ووجه الشبه بين الاصنم وتلك الطيور ان تلك الطيور تعلو وترفع فى السماء فالاصنام ممشبهة بها فى علو القدر وارتفاعه قال بعضهم والنجم اول سورة نزلت جملة كاملة فيها سجدة فلا ينافى ان اقرأ باسم اربك او سورة نزلت فيها سجدة لان النازل منها او آئلها ولامجموعها دفعه والواو للقسم . اصحاب معانى كفتند قسم درقرآن بردرو وجه است يكى قسم بذات وصفات خالق جل جلاله جنانكه فوربك فبعزتك والقرءآن المجيد وهمجنين حروف تهجى در اوائل سور هر حرفى اشارتست بصفتى از صفات حق وقسم بران ياد كرد ، وجه دوم قسمست بمخلوقات وآن برجهار ضربست بكى اظهار قدرت راجنانكه والذاريات والمرسلات والنازعات هذا وامثاله نبه العباد على معرفة القدرة فيها ديكر قسم برستاخبز اظهار هيبت را كقوله { لا اقسم بيوم القيامة } أقسم بها ليعلم هيبته فيها سوم قسم باد ميكند اضهار نعمت را تا بندكان نعمت خود ازاللّه بشناسند وشكر آن بكذارند كقوله { والتين والزيتون } جهارم قسم است ببعض مخلوقات بيان تشريف را تا خلق عز وشرف آن جيز بداننكه قسم بودى ياد كرده كقوله { لا أقسم بهذا البلد } يعنى مكة وكذلك قوله { وطور سينين وهذا البلد الامين } ومن ذلك قوله للمصطفى عليه السلام لعمرك وهذا على عادة العرب فانها تقسم بلك ماتستعظمه وتريد اظهار تعظيمه وقيل كل موضع أقسم فيه بمخلوق فالرب فيه مضمر كقوله والنجم ورب النجم ورب الذاريات واشباه ذلك والمراد بالنجم اما الثريا فانه اسم غالب عليها ومنه قوله عليه السلام ( ماطلع النجم فقط وفى الارض من العاهة شىء الا رفع ) يريد بالنجم الثريا باتفاق العلماء وقال السهيلى رحمه اللّه وتعرف الثريا بالنجم ايضا وبألية الحمل لانها تطلع بعد بطن الحمل وهى سبعة كواكب ولايكاد السابع منها لخفائه وفى الحقيقة انها اثنا عشرى كوكبا وان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يراها كلها القوة جعلها اللّه فى بصره وقال فى عين المعانى وهى سبعة انجم ظاهرة والسابع تمتحن به الابصار وكانت قريش تبجلها وتقول احسن النجم فى السماء الثريا والثريا فى الارض زين السماء و كانت رحلتاها عند طلوعها و سقوطها فاذا طلعت بالغداة عدوها من الصيف واذا طلعت بالعشى عدوها من الشتاء قال الشاعر طلع النجم غديه ... ابتغى الراعى شكيه واما جنس النجم وهو به كما قال تعالى { اذا هوى } غربه وطلوعه يقال هوى يهوى من الثانى هويا بوزن قبول اذا غرب فان الهوى سقوط من علو الى اسفل وهويا بوزن دخول اذا علا وصعد والعامل فى اذا القسم اى أقسم فانه بمعنى مطلق الوقت منسلخ عن معنى الاستقبال كما فى قولك آتيتك اذا احمر البسر فلا يلزم عمل فعل الحال فى المستقبل يعنى ان فعل القسم انشاء والانشاء حال واذا لما يستقبل من الزمان فيكون المعنى أقسم الآن بالنجم وقت هوى بعد هذا الزمان ثم ان اللّه تعالى أقسم بالنجم حين هوى اى وقت هويه لان شأنه أن يهتدى به السارى الى مسالك الدنيا كأنه قيل والنجم الذى يهتدى به السابلة فى البر والجارية فى البحر الى سوآء السبيل والسمت ٢ { ماضل صاحبكم } هو جواب القسم اى ماعدل عن طريق الحق الذى هو مسلك الآخرة وهذا دليل على ان قوله { ووجدك ضالا } ليس من ضلال الغى فانه عليه اسلام قبل الوحى وبعده لم يزل يعبد ربه ويوحده ويتوقى مستقبحات الامور وفى بيان فضل النبى عليه السلام حيث ان اللّه تعالى قال فى حق آدم عليه السلام { وعصى آدم ربه فغوى } وقال فى حقه ماضل صاحبكم { وما غوى } الغى هو الجهل المركب قال الراغب الغى جهل من اعتقاد فاسد وذلك ان الجهل قد يكون من كون الانسان غير معتقد اصلا لاصلاحا ولا فسادا وقد يكون من اعتقاد شىء فاسد وهذا الثانى يقال له غى فعطفه على ماضل من عطف الخاص على العام للاهتما بشأن الاعتقاد بمعنى انه فرق بين الغى والضلال وليسا بمعنى واحد فان الغواية هى الخطأ فى الاعتقاد خاص والضلال اعم منها بتناول الخطأ فى الاقوال والافعال والاخلاق والعقائد التى شرعها اللّه وبينها لعباده فالمعنى وما اعتقد باطلا قط اى هو فى غاية الهدى والرشد وليس مما تتوهمونه من الضلال والغواية فى شىء اصلا وكانوا يقولون ضل محمد عن دين آبائه وخرج عن الطريق وتقول شيأ من تلقاء نفسه فرد اللّه عليهم بنفسه بتنزيل هذه السورة تعظيما له والخطاب لقريش وايراده عليه السلام بعنوان صاحبيته لهم للايذان بوقوفهم على تفاصيل احواله واحاطتهم خبرا ببرآءته عليه السلام مما نفى عنه بالكلية وباتصافه بغاية الهدى والرشاد فان طول صحبتهم له مشاهدتهم محاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتما كما فى الارشاد ( وقال الكاشفى ) وتسميه صاحب بجهت آنست كه حضرت بيغمبر عليه السلام مأمور بود بصحبت كافران فى جهت دعوت ايشان . ويؤيد مافى الارشاد قول الراغب فى المفردات لايقال الصاحب فى العرف الا لمن كثرت ملازمته وقوله تعالى { ثم تتفكروا مابصاحبكم من جنة } سمى النبى عليه السلام صاحبهم تنبيها اى انكم صحبتموه وجربتموه وعرفتم ظاهره وباطنه ولم تجدوا به خبلا وجنة وتقييد القسم بوقت الهوى لان النجم لايهتدى به السارى عند كونه فى وسط السماء ولا يعلم المشرق من المغرب ولا الشمال من الجنوب وانما يهتدى به عند هبوطه او صعوده مع مافيه من كمال المناسبة لما سيحكى من تدلى جبريل من الافق الا على ودنوه منه عليهما السلام وقال سعدى المفتى ثم التقييد بوقت الهوى اى الغروب لكونه اظهر دلالة على وجود الصانع وعظيم قدرته كما قال الخليل عليه السلام لا أحب الآفلين قال بان الشيخ فى حواشيه وفيه لطيفة وهى ان القسم بالنجم يقتضى تعظيمه وقد كان فهيم من يعبده فنبه بهويه على عدم صلاحيته للالهية بافوله وقيل خص الهوى دون الطلوع فان لفظه النجمدلت على طلوعه فان اصل النجم الكوكب الطالع وقال الامام جعفر الصادق رضى اللّه عنه أراد بالنجم محمد عليه السلام اذا نزل ليلة المعراج والهوى النزول. كفته اند آن روز كه اين آيت فرو آمد ورسول خدا برقريش آشكارا اكرد عتبة بن ابى لهب كفت كفرت برب النجم اذا هوى وبالذى دنا فتدلى ودختر رسول عليه السلام زن او بود طلاق داد رسول خدا دعا كرد كفت اللهم سلط عليه كلبا من كلابك بعد ازان عتبة بتجارت شام رفت بابدر خويش ابو لهب در منزلى ازمنازل راه فروآمدند وآنجا ديرى بود راهبى ازدبر فرو آمد وكفت هذه ارض مسبعة درين منزل سباعه فراوان بود نكريد تاخويش را از سباع نكاه داريد ابو لهب اصحاب خويش را كفت اين بسر مرا نكاه داريد كه من مى ترسم كه دعاى محمد دروى رسد ايشان همه كردوى در آمدند واورا درميان كرفتند وباس اومى داشتند درميانه شب رب العالمين خواب برايشان افكند وشير بيامد وباشيان در كذشت ولطمه برعتبه زد واورا هلاك كرد . ولم يأكله لنجاسته ويحتمل من التأويل المصلى اذا سجد والغازى اذا قتل شهيدا والعالم اذا مات ووضع فى قبره فان هؤلاء نجوم والاخبار ناطقة بها قال عليه السلام ( علماء امتى كالنجوم بها يهتدى فى البر والبحر ) وقال امام الغزالى رحمه اللّه هم الصحابة اذا ماتوا لقوله عليه السلام ( اصحابى كالنجوم بأيهم اقديتم اهتديتم ) وعلماء الاسلام لقوله عليه السلام ( العلماء نجوم الارض ) قال بعضهم هو قسم بنور المعرفة اذا وقع فى القلب قال تعالى { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } ( وقال الكاشفى ) ونزد محققان سوكند ياد كرد بستاره دل حضرت محمد عليه السلام برفلك توحيد منقطع شد ازما سوى اللّه تعالى . وايضا أقسم اللّه بنجم الهام حين سقط من صحائف الغيوب الى معادن القلوب وفى التأويلات النجمية قال الاخفش النجم نبت لاساق له فيكون هويه سقوطه على الارض كما قال { والنجم الشجر يسجدان } يشير الى ان اللّه تعالى ينبت حبة المحبة الدآئمة المنزهة عن التغير المقدسة عن التبدل التى وقعت وسقطت من روض سماء ذاته المطلقة الكلية الجمعية الاحاحية فى ارض قلب نبيه وحبيبه القابل لانبات نباتات الولاية والنبوة والرسالة الموجبات لظهور رياحين الحقائق القرءآنية وشقائق التجليات الربانية وازهار التنزلات الحقانية وعرارا للطائف الاحسانية العرفانية كالمشاهدات المكاشفات والمعاينات وامثالها وجواب القسم ماضل صاحبكم وما غوى وبه يشير الى ان وجود النبى عليه السلام لما كان اول نور وحدانى بسيط علوى لطيف شعشعانى تجلى به الحق وتعلقت به القدرة القديمة الازلية من غير واسطة كما اخبر عنه بقوله ( أنا من اللّه والمؤمنون منى ) وليست فيه ظلمة الوسائط الامكانية الموجبة للضلالة المنتجة للغى بل هو على نوريته الاصلية البسيطة الشعشعانية المقتضية للهدى والتقوى المستدعية للرشد والنهى باق كما هو ماأثرت فيه مصاحبتكم الطبيعية ولا مخالطتكم الصورية العنصرية وما ضل بأمر الطبيعة وماغوى بحكم البشرية فانه صلّى اللّه عليه وسلّم قائم بالحق خارج عن الطبع كما اخبر عن نفسه الشريفة القدسية بقوله ( لست كأحدكم ابيت عند ربى يطعمننى ويسقينى ) وهذا يدل على قيامه بالحق وخروجه عن الطبع واحكامه انتهى. يقول الفقير امده اللّه القدير لفظ النجم نون هى خمسون بحساب ابجد وجيم هى ثلاثة فالمجموع ثلاثة وخمسون وميم هى اربعون فأشار الى ان النبى عليه السلام بعث عند الاربعين وجعل خاتم الانبياء والمرسلين ومكث فى ممكة بعد النبوة ثلاثة عشرة سنة والمجموع ثلاثة وخمسون وقد سماها اللّه تعالى بالنجم فى هذه الآية كما سماه سراجا منيرا فى آية اخرى لانه يستضاء بنور وجهه وضياء علمه وهداه وهوى هذا النجم العالى غربوه من مكة بعد المدة المذكورة وهجرته الى المدينة ولذا اقسم اللّه ع لى عدم ضلاله وغيه لانه فى غروبه ذلك وحركته راشد مهدى حيث كان يأمر اللّه تعالى واذنه فلما غرب من مكة اظلمت الدنيا على قريش وصاروا فى ظلمة شديدة ولما طلع على المدينة اشرقت الارض على المؤنين حتى انهم وقعوا فى البدر التام فى السنة الثانية من الهجرة حيث نورهم اللّه تحت لوآء حبيبه بنرو النصرة على الاعدآء ببدر وصار حال الاعدآء الى ظلمة العدم وبهذا يظهر سر قوله تعالى { وما كان اللّه ليعذبهم وانت فيهم وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون } وسر قوله عليه السلام ( لاتقوم الساعة حتى لايقال فى الارض اللّه اللّه ) اى ينقطع اهل الذكر المتصل كان هو النبى عليه السلام فى مكة وبخروجه عنها بمفارقته عن ارضها واصرار القوم على الشرك والعناد وقع علهيم الطامة الكبرى ببدر كما تقوم الساعة عند انقطاع اهل الذكر الدآئم من الارض ففيه الناس يعنى الناسين لايعرفون قدر اهل الذكر والحضور فيما بينهم بل يعادونهم ويؤذونهم مع ان فى ذلك هلاكهم لانهم ملكوتهم وبانقطاع الملكوت والارواح عن الملك والاجسام يزول الملك وتخرب الاجسام لانقطاع سبب البقاء ومن هنا قالوا ان لله رجالا متصرفين فى اقطار الدنيا ولو فى دار الحرب فانه لابد للوجود من فيض البقاء والامداد امدنا اللّه واياكم بمزيد فضله وجوده وشرفنا بوصاله وشهده بحرمة النجم وهويه وسجوده امين امين ٣ { وماينطق عن الهوى } يقال نطق ينطق نطقا ومنطقا ونطوقا تكلم بصوت وحروف يعرف بها المعانى كما فى القاموس فلا يستعمل فى اللّه تعالى لان التكلم بالصوت والحروف من خواص المخلوق والهوى مصدر هويه من باب علم اذا احبه واشتهاه ثم غلب على الميل الى الشهوات والمستلذات من غير داعية الشرع ومنه قيل صاحب الهوى للمبتدع لانه مائل الى مايهواه فى امر الدين فالهوى هو الميل المخصوص المذموم ولهذا انهى اللّه انبياءه فقال لداود عليه السلام ولا تتبع الهوى ولنبينا عليه السلام ولا تتبع اهوآءهم ولم يمل احد من الانبياء اليه بدليل قوله عليه السلام ( ماطلى نبى قط ) يقل اطلى الرجل اذا مال الى هواه ( حكى ) عن بعض الكبار انه قال كنت فى مجلس بعض الغافلين فتكلم الى أن قال لامخلص لاحد من الهوى ولو كان فلانا عنى به النبى عليه السلام حيث قال حبب الى من ديناكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عينى فى الصلاة فقلت له اما تستحيى من اللّه تعالى فانه ماقال احببت بل قال حبب فكيف يلام العبد على ما كان من عند اللّه تعالى ثم حصل لى غم وهم افرأيت لنبى عليه السلام فى المنام فقال لا تغتم فقد كفينا امره ثم سمعت انه خرج ضيعة له فقتل فى الطريق نعوذ باللّه من الاطالة على الانبياء وورثتهم الاولياء وضمن ينطق معنى الصدور فتعدى بكلمة عن فالمعنى ومايصدر نطقه بالقرءآن عن هواه ورأيه اصلا فان المراد استمرار نفى النطق عن الهوى لان فى استمرار النطق عنه وقد قال عن هنا بمعنى الباء اى وما ينطق بالهوى كما يقال رميت عن القوس اى بالقوس وفى التنزيل وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك اى بقولك قال ابن الشيخ قال اولا ماضل وما غوى بضيغة الماضى ثم قال وما ينطق عن الهوى بصيغة المستقبل بيانا لحاله قبل البعثة وبعدها اى ماضل وما غوى حين اعتزلكم ما تبعدون قبل أن يبعث رسولا وماينطق عن الهوى الآن حين يتلوا عليكم آيات ربه انتهى. يقول الفقير فيه بعد كما لايخفى والظاهر ان صيغة الماضى باعتبار قولهم قد ضل وغوى اشارة الى تحقق ذلك فى زعمهم واما صيغة المضارع فباعتبار تجدد النطق فى كل حال واللّه اعلم بكل حال ٤ { ان هو } اى مالذى ينطق به من القرءآن { الا وحى } من اللّه تعالى { يوحى } اليه بواسطة جبريل عليهما السلام وهو صفة مؤكدة لوحى رافعه لاحتمال المجاز مفيدة للاستمرار التجددى يعنى ان فائدة الوصف التنبيه علكى انه وحى حقيقة لا انه يسمى به مجازا والوحى قد يكون اسما بعمنى الكتاب الالهى وقد يكون مصدرا وله معان الارسال والالهام والكتابة والكلام والاشارة والافهام وفيه اشارة الى ان النبى عليه السلام قد فنى عن ذاته وصفاته وافعاله فى ذات الكله وصفاته وافعاله بحيث لم يبق منه لا اسم ولا رسم ولا اثر ولاعين فكان ناطقا بنطق الحق لاينطق البشرية فلا يتوهم فيه ان يجرى عليه الخطرات الشيطانيةن والهواجس النفسانية ولذا قالوا مايصدر مع الواصل شريعة اذ هو محفوظ كما ان البنى عليه السلام معصوم قال بعض الكبار من وضع من الفقرآء وردا من غير الوارد فى السنة فقد اساء الأدب مع اللّه ورسوله الا أن يكون ذلك بتعريف من اللّه تعالى فيعرفه خصائص كلمات يجمعها فيكون حينئذ ممتثلا لامخترعا وذلك مثل حزب البحر للشاذلى قدس سره فانه سفر فى بحر القلزم مع نصرانى يقصد الحج فتوقف عليه الريح اياما فرأى النبى عليه السلام فى مبشرة فلقنه اياه فقرأه وأمر النصرانى بالسفر فقال واين الريح فقال افعل فانه الآن يأتيك فكان الامر كما قال واسلم النصرانى بعد ذلك وقس عليه الالهام والتعريف فى اليقظة وقد اخبر ابو زيد البسطامى قدس سره انه يولد بعد وفاته بمدة طويلة نفس من انفاس اللّه وهو الشيخ ابو الحسن الخرقانى قدس سره فكان كما قال ( وكذا قال صاحب المثنوى ) لوح محفوظست اورا بيشوا ... ازجه محفوظست ازخطا نى نجومست ونى رملست ونه خواب ... وحى حق واللّه اعلم بالصواب از بى روبوش عامة در بيان ... وحى دل كويند اورا صوفيان حى دل كيرش كه منظر كاه است ... جون خطا باشد جو دل آكاه اوست مؤمنا ينظر بنور اللّه شدى ... از خطا وسهو ايمن آمدى ٥ { علمه } اى القرءآن الرسول اى نزل به عليه وقرأه عليه وبينه له هذا على أن يكون الوحى بمعنى الكتاب وان كان بمعنى الالهام فتعليمه بتبليغه الى قلبه فيكون كقوله { نزل به الروح الامين ٠على قلبك } { شديد القوى } منا اضافة الصفة الى فاعلها مثل حسن الوجه والموصوف محذوف اى ملك شديد قواه وهو جبريل فانه الواسطة فى ابدآء الخوارق ويكفيك دليلا على شدة قوته انه قلع قرى قوم لوط من الماء الاسود الذى تحت الثرى وحملها على جناحه ورفعها الى السماء حتى سمع اهل السماء نباح الكلام وصياح الديكة ثم قلبها وصاح بثمود صيحة فاصبحوا جاثمين ورأى ابليس يكلم عيسى عليه السلام على بعض عقبات الارض المقدسة فنفخه نفخة بجناحه يعنى بادزد ويرا بجناح خود بادى وألقاء فى اقصى جبل فى الهند وكان هبوطه على الانبياء عليهم وصعوده فى اسرع من رجعة الطرف ٦ { ذو مرة } اى حصافة يعنى استحكام فى عقله ورأيه ومتانة فى دينه قال الراغب امررت الحبل اذا فتلته والمرير والممر المفتول ومنه فلان ذو مرة كأنه محكم الفتل وفى القاموس المرة بالكسر قوة الخلق وشدة والجمع مرر وامرار والعقل والاصالة الاحام والقوة وطاقة الحبل كالمريرة وذو مرة جبريل عليه السلام والمريرة الحبل الشديد الفتل { فاستوى } عطف على علمه بطريق التفسير فانه الى قوله { ماوحى } بيان لكيفية التعليم اى فاستقام جبريل واستقر على صورته التى خلقه اللّه عليها وله ستمائة جناح موشحا اى مزينا بالجواهر دون الصورة التى كان يتمثل بها كلما هبط بالوحى كصورة دحية امير العرب وكما اتى ابراهيم عليه السلام فى صورة الضيف وداود عليه السلام فى صورة الخصم وذلك ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم احب أن يراه فى صورته التى جبل عليها وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بجبل حرآء وهو الجبل المسمى بجبل النور فى قرب مكة فقال ان الارض لاتسعنى لكن انظر الى السماء فطلع جبريل من المشرق فسد الارض من المغرب وملأ الافق فخر رسول اللّه كما خر موسى فى جبل الطور فنزل جبريل فى صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وذلك فان الجسد وهو فى الدنيا لايتحمل رؤية ماهو خارج عن طور العقل فمنها رؤية الملك على صورة جبل عليها واعظم منها رؤية اللّه تعالى فى هذه الدار قيل مارآه احد من الانبياء فى صورته غير نبينا عليه السلام فانه رآه فيها مرتين مرة فى الارض مرة فى السماء ليلة المعراج عند سدرة المنتهى لما سيأتى ( وروى ) ان حمزة بن عبدالمطلب رضى اللّه عنه قال يارسول اللّه أرنى جبرآئيل فى صورته فقال انك لا تستطيع أن تنظر اليه قال بلى يارسول اللّه أرينه فقعد ونزل جبرآئيل فى صورته على خشبة فى الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها اذا طافوا فقال عليه السلام ارفع طرفك ياحمزة فانظر فرفع عينيه فاذا قدماه كالزبرجد الاخضر فخر مغشيا عليه ( وروى ) انه رآه على فرس والدنيا بين كلكها وفى وجهه اخدود من البكاء لو ألقيت السفن فيه لجرت انما رآه عليه السلام مرتين ليكمل له الامر مرة فى عالم الكون والفساد واخرى فى المحل الأنزه الأعلى وانما قام بصورة ليؤكدان مايأتيه فى صورة دحية هو هو فانه اذا رآه فى صورة نفسه عرفه حق معرفته ولم يبق عليه اشتباه بوجه ماوفى كشف الاسرار فان قيل كيف يجوز أن يغير الملك صورة نفسه وهل يقدر غير اللّه على تغيير صورة المخلوقين وقد قلتم ان جبرآئيل أتى رسول اللّه مرة فى صورة رجل ومرة فى صورته التى ابتدأه اللّه عليها وان ابليس أتى قريشا فى صورة شيخ من اهل نجد فالجواب عنه تغيير الصور الذى هو تغيير التركيب والتأليف لايقدر عليه الا اللّه واما صفة جبرآئيل ففعل اللّه تعالى تنبيها للمصطفى عليه السلام وليعلم انه امر من اللّه اذرآه فى صور مختلفة فان ذلك لايقدر عليه الا اللّه وهو ان يراه مرة قد سد الافق واخرى يجمعه مكان ضيق واما ابليس فكان ذلك منه تخييلا للناظرين وتمويها دون التحقيق كفعل السحرة بالعصى والحبال قال اللّه تعالى { فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعى } انتهى مافى الكشف وقال فى آكام المرجان قال القاضى ابو يعلى ولا قدره للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال فى الصور اى صور الانس والبهائم والطير واما يجوز ان يعلمهم اللّه تعالى كلمات وضربا من ضروب الافعال اذا فعله وتكلم به نقله اللّه من صورة الى صورة فيقال انه قادر على التصور والتخييل على معنى انه قادر على قول اذا قاله او على فعل اذا فعله نقله اللّه من صورته الى صورة اخرى بجرى العادة واما يصور نفسه فذلك محال لان انتقالها من صورة الى صورة انما يكون بنقض البنية وتفريق الاجزآء واذا انتقضت بطل الحياة واستحال وقوع الفعل من الجملة فكيف ينقل نفسه قال والقول فى تشكيل الملائكة من ذلك انتهى وقال والهى الاسكوبى فيه ان من قال تمثل جبريل وتصور ابليس ليس مراده انهما احدثا تلك الصورة والمثال عن قدرة انفسهما بل باقدار اللّه على التمثيل والتصوير كيف يشاء فلا منافاة بين القولين غاية مافى الباب ان لعامل عن طريق اقدار اللّه به من الاسباب المخصوصة انتهى وقال فى انسان العيون فان قيل اذا جاء جبريل على صورة الآدمى دحية اوغيره بل هيى الروح تتشكل بذلك الشكل وعليه على يصير جسده الاصلىحيا من غير روح او ميتا اجيب بأن الجائى يجوز أن لايكون هو الروح بل الجسد لانه يجوز ان اللّه تعالى جعل الملائكة قدرة على التطور والتشكل بأى شكل أرادوه كالجن فيكون الجسد واحدا ومن ثمة قال الحافظ ابن حجر ان تتمثل الملك رجلا ليس معناه ان ذاته انقلبت رجلا بل معناه انه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه والظاهر ان القدر الزآئد لايزول ولا يفنى بل يخفى على الرآئى فقط واخذ من ذلك بعض غلاة الشيعة انه لامانع ولا بعد ان الحق تعالى يظهر فى صورة على واولاده الاثنى عشر رضى اللّه عنهم ويجوز ان يكون الجسد للملك متعددا وعليه فمن الممكن ان يجعل اللّه لروح الملك قوة يقتدر بها على التصرف فى جسد آخر غير جسدها المعهود مع تصرفها فى ذلك الجسد المعهود كما هو شأن الابدال لانهم يرحلون الى مكان ويقويمون فى مكانهم شبحا آخر شبيها لشبحهم الاصلى بدلا منه وقد ذكر ابن السبكى فى الطبقات ان كرامات الاولياء انواع وعد منها ان يكون له اجساد متعددة قال وهذا هو الذى يسميه الصوفية بعالم المثال ومنه قصة قضيب البان وغيره اى كواقعة الشيخ عبدالقادر الطبحطوطى فقد ذكر الجلال السيوطى انه رفع اليه سؤال فى رجل حلف بالطلاق ان ولى اللّه الشيخ عبدالقادر الطبحطوطى بات عنده ليلة كذا فحلف آخر بالطلاق انه بات عنده تلك الليلة بعينها فهل يقع الطلاق على احدهما فأرسلت قاصدى الى الشيخ عبدالقادر فسأله عن ذلك فقال لوقال اربعون انى بت عندهم لصدقوا فأفتيت بأنه لاحنث على واحد منهما لان تعدد الصور بالتخيل التشكل ممكن كما يقع ذلك للجان قال الشعرانى واخبرنى من صحب الشيخ محمد الخضرى انه خطب فى خمسين بلدة فى يوم واحد خطبة الجمعة وصلى بهم اماما واما الشيخ حسين ابو على المدفون بمصر المحروسة فأخبرنى عنه اصحابه ان التطور كان دأبه ليلا ونهارا حتى فى صور السباع والبهائم ودخل عليه بعض اعدآئه ليقلتوه فوجدوه فقطعوه بالسيوف ليلا ورموه على كوم بعيد ثم اصبحوا فوجدوه قائما يصلى وفى جواهر الشعرانى وصورة التطور ان يقدر اللّه الروح على تدبير ماشاءت من الاجسام المتعددة بخلعة كن فللاولياء ذلك فى الدنيا بحكم حرق العادة اما فى الآخرة فان نفس نشأة اهل الجنة تعطى ذلك فيدبر الواحد الاجسام المتعددة كما يدبر الروح الواحد سائر اعضاء البدن فتكون تسمع وأنت تبصر وتبطش وتمشى ونحو ذلك وفى الفتوحات المكية والذى اعطاه الكشف الصحيح ان اجسام اهل الجنة تنطوى فى ارواحهم فتكون الارواح ظروفا للاجسام عكس ماكانت فى الدنيا فيكو الظهور والحكم فى الدار الآخرة للجسم لا للروح ولهذا يتحولون فى ايى صورة شاؤا كما هو اليوم عندنا للملائكة وعالم الارواح انتهى وفى انسان العيون عالم المثال عالم متوسط بين عالم الاجساد والارواح الطف من عالم الاجساد واكشف من عالم الارواح فالارواح تتجسد وتظهر فى صور مختلفة من عالم المثال وهذا الجواب اولى من جواب ابن حجر بأن جبرآئيل كان يندمج بضعه فى بعض وهل مجيىء جبرآئيل فى صورة دحية كان فى المدينة بعد اسلام دحية واسلامه كان بعد بدر فانه لم يشهدها وشهد المشاهد بعدها اذ يبعد مجيئة على صورة دحية قبل اسلامه قال الشيخ الاكبر رضى اللّه عنه دحية الكلبى كان اجمل اهل زمانه واحسنهم صورة فكان الغرض من نزول جبريل على سيدنا محمد فى صورته اعلاما من اللّه تعالى انه مابينى وبينك يا محمد سفير الا صورة الحسن والجمال وهى التى عندى فيكون ذلك بشرى له عليه السلام ولاسيما اذا اتى بأمر الوعيد والزجر فتكون تلك الصورة الجميلة تسكن منه مايحرك ذلك الوعيد والزجر هذا كلامه وهو واضح لو كان لا يأتيه الا على تلك الصورة الا ان يدعى انه من حين اتاه على صورة دحية لم يأته على صورة آدمى غيره بقى هنا كلام وهو ان السهيلى رحمه اللّه ذكر ان المراد بالاجنحة فى حق الملائكة صفة ملكية وقوة روحانية وليست كأجنحة الطير ولا ينافى ذلك وصف كل جناح منها بأنه يسد مابين المشرق والمغرب انتهى. يقول الفقير هذا كلام عقلى ولامنع من ان يجمع الملك بين قوة روحانية وبين جناح يليق بعالمه سوآء كان ذلك كجناح الطير او غيره فان المعقولات مع المحسوسات تدور والجمع انسب بالحكمة والصق بالقدرة وقد اسلفنا مثل هذا فى اوآئل سورة الملائكة فلا كلام فيه عند اولى الالباب وانما يقتضى المقام ان يبين وجه كون جناح جبريل ستمائة لازيد ولا انقص ولم اظفر ببيانه لافى كلام اهل الرسول ولا فى اشارات اهل الحقائق والذى يدور بالبال من اللّه تعالى لاتعملا وتأملا ان النبى عليه السلام انما عرج ليلة الاسرآء بالفناء التام ولذا وقع الاسرآء فى الليل الذى هو مظهر الفناء دون النهار الذى هو مظهر البقاء وكان مراتب الفناء سبعا على مراتب الاسماء السبعة التى آخرها القيوم القهار وللاشارة الى هذه جعلت منارات الحرم المكى سبعا لان سر البقاء انما ظهر فى حرم النبى عليه السلام ولذا جعلت مناراته خمسا على عدد مراتب البقاء التى اشير اليها بالاسماء الخمسة الباقية من الاثنى عشر التى آخرها الاحد الصمد وكل واحد من تلك الاسماء السبعة مائة على حسب تفصيلها الى الاسماء الحسنى مع احدية جمعها فيكون مجموعها بهذا الحسب سبعمائة ولما كان جبريل دون النبى عليه السلام فى الفناء لم يتجاوز تلك الليلة مقامه الذى هو سدرة المنتهى حتى قال لو دنوت انملة لاحترقت وتجاوزه النبى عليه السلام الى مستوى العرش وقهره غلب عليه فى ذلك فانتهى سير جبريل الى الاسم القيوم فصار مقهورا تحت سير النبى عليه السلام وقائما فى مكانه وقائما بوحيه للقلوب ولذا سمى بروح القدس لحياة القلوب بوحيه كحياة الاجساد بالارواح فله من تلك الاجنحة السبعمائة ستمائة صورة ومعنى وانتهى سير النبى عليه السلام الى الاسم القهار فصار ماحصر الكل من دونه فله سبعمائة جناح معنوية فظهر ان القوة النبوية ازيد من القوة الملكية لانها القوة الالهية وقد قال تعالى { يد اللّه فوق ايديهم } وان جبريل لكونه من الايدى انما يستفيد اليد والقوة من يد النبى عليه السلام وقوته فاعرف ذلك وكن من الموقنين ٧ { وهو بالافق الاعلى } حال من فاعل استوى والافق هى الدآئرة التى تفصل بين مايرى من الفلك وما لايرى والافق الاعلى مطلع الشمس كما ان الافق الأدنى مغربها والمعنى والحال ان جبريل بافق الشمس اى اقصى الدنيا عند مطلع الشمس وبالفارسية وبكناره بلند تربود از آسمان يعنى نزيدك مطلع آفتاب . ومنه يعلم ان مطلع الشمس ومغربها كرأس الانسان ورجله وان كانت الدنيا كالكرة على ماسلف وايضا مثل روح الانسان وجسده فان الروح علوى والجسد سفلى وقد طلع من عالم الارواح وغرب فى عالم الاجساد ٨ { ثم دنا } اى أراد الدنو من النبى عليه السلام حال كونه فى جبل حرآء والدنو القرب بالذات او بالحكم ويستعمل فى الزمان والمكان والمنزلة كما فى المفردات { فتدلى } لتدلى استرسال مع تعلق اى استرسل من الافق الاعلى مع تعلقه به فدنا من النبى عليه السلام يقالت تدلت الثمرة ودلى رجليه من السرير وفى الحديث ( لو دليتم بحبل الى الارض السفلى لهبط على اللّه ) اى على علمه وقدرته وسلطانه فى كل مكان وادلى دلوه والدوالى الثمر المعلق وبالفارسية اونك ٩ { فكان } اى مقدار امتداد مابينهما وهو المسافة { قاب قوسين } من قسى العرب اى مقدارهما فى القرب وذكر القوس لان القرءآن نزل بلغة العرب والعرب تجعل مساحة الاشياء بالقوس وفى معالم التنزيل معنى قوله كان بين جبرآئيل ومحمد عليهما السلام مقدار قوسين انه كان بينهما مقدار مابين الوتر والقوس كأنه غلب القوس على الوتر وهذا اشارة الى تأكيد القرب واصله ان الحليفين من العرب كانا اذا أرادا عقد الصفاء والعهد خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما يريدان بذلك انهما متظاهران يحامى كل واحد منهما عن صاحبه وقيل قدر ذراعين ويسمى الذراع قوسا لانه يقاس به المذروع اى يقدر فلم يكن قريبا قرب التصاق ولا بعيدا بحيث لايتأنى معه الا فادة والاستفادة وهو الحد المعهود فى مجالسة الاحباء المتأدبين { او ادنى } اى على تقديركم ايها المخاطبون كما فى قوله { او يزيدون } فان التشكيك لايصح على اللّه فأو للشك من جهة العباد كما ان كلمة لعل كذلك فى مواضع من القرءآن اى لو رآهما رأى منكم لقال هو قدر قوسين فى القرب او أدنى اى لا لتبس عليه مقدار القرب والمراد اى من قوله { ثم دنا } الى قوله { أو أدنى } تمثل ملكه الاتصال وتحقيق استماعه لما اوحى اليه بنفى البعد الملبس وحمله بعضهم على حقيقته حيث قال فكلما دنا جبريل من النبى عليهما السلام انتقص فلما قرب منه مقدار قوسين رآه على صورته التى كان يراه عليها فى سائر الاوقات حتى لايشك انه جبريل وهنا كلام آخر يجيىء بعد تمام الآيات ١٠ { فأوحى } اى جبرآئيل { الى عبده } اى عبداللّه تعالى واضماره قبل الذكر لغاية ظهوره كما فى قوله تعالى { ماترك على ظهرها من دابة } اى على ظهر الارض والمراد بالعبد المشرف بالاضافة الى اللّه هو الرسول عليه السلام كما فى قوله تعالى { سبحان الذى اسرى بعبده } { ما اوحى } اى من الامور العظيمة التى لاتفى بها العبارة او فأحُى اللّه حنيئذ بواسطة جبريل ماوحى ١١ { ماكذب الفؤاد } اى فؤاد محمد عليه السلام وما نافية { ما رأى } ما موصولة وعائدها محذوف اى مارأه ببصره من صورة جبريل اى ماقال فؤاده لما رآه لم اعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبا لانه عرفه بقلبه كما رأه ببصره قال بعضهم كذب مخففا ومشددا بمعنى واحد وقال بعضهم من خفف كذب جعل مافى موضع النصب على نزع الخافض واسقاطه اى ماكذب فؤاده فيما رأه ببصره اى لم يقل فيه كذبا وانما يقول ذلك ان لو قال له لا اعرفك ولا اعتقد بك ١٢ { أفتمارونه على مايرى } اى اتكذبون محمدا عليه السلام فتجادلونه على مايراه معاينة من صورة جبريل فالفاء للعطف على محذوف او أبعد ماذكر من احواله المنافية للممارة فتمارونه فالفاء للتعقيب وذلك ان النبى عليه السلام لما اخبر برؤية جبريل تعجبوا منه وانكروا والمماراة والمرآء المجادلة بالباطل فكان حقه ان يتعدى بفى يقال جادلته فى كذا لكنه ضمن معنى الغلبة فتعدى تعديتها لان الممارى يقصد بفعله غلبة الخصم واشتقاقه من مرى الناقة كأن كلا من المتجادلين يمرى ماعند صاحبه يقال مريت الناقة مريا مسحت ضرعها لتدور مريت الفرس اذا استخرجت ماعنده من الجرى او غيره. يقول الفقير كان الظاهر ان يقال على مارأى وجوابه انه لما كان اثر الرؤية باقيا صح ان يقال يرى وايضا ان رؤية جبريل مستمرة الى وقت الانتقال ولو على غير صورته الاصلية وقال الحسن البصرى رحمه اللّه وجماعة علمه شديد القوى اى علمه الهل وهو وصف من اللّه نفسه بكمال القدرة والقوة ذو مرة اى ذو احكام الامور والقضايا وبين المكان الذى فيه علمه بلا واسطة فاستوى اى محمد عليه السلام وهو بالافق الاعلى اى فوق السموات ثم دنا . بس نزديك شد حضرت محمد بحضرت احديث يعنى مقرب دركاه الوهيت كشت بمكانت ومنزلت نه بمنزل ومكان فتدلى بس فروتنى كرد يعنى سجده خدمت آورد خدايرا وجون اين مرتبه بواسطه خدمت يافته بود ديكر باره در وظفيه خدمت افزود ودر سجده وعده قرب نزهست كه اقرب مايكون العبد من ربه أن يكون ساجدا فكان قاب قوسين او أدنى كنايتست از تأكيد قربت وتقرير محبت وبواسطه تقرب بافهام در صورت تمثيل مؤدى شده جه عادت عظماى عرب آن مى بوده كه جون تأكيد عهدى وتوثيق عهدى خواستندى كه بغض بدان راه نيابد هريك ازمتعاقدان كمان خود حاضر ساخته بايكديكر انظمام دادندى وهردو بيكبار قبضتين را كرفته وبيكبار كشيده باتفاق يك تيرازان بيند اختندى واين صورت ازايشان اشارت بدان معنى بودى كه موافقت كلى ميان ماتحقق يذيرفت ومصادقت اتحاد اصلى بروجهى ثبوت يافت كه بعد ازان رضا وسخط يكى عين رضا وسخط يكى عين رضا آن ديكرست بس كوبيا درين آيت باعنايت آن معنى مؤدى شده كه محبت وقربت حضرت بيغمبر باحق سبحانه وتعالى بمثابه تأكيد يافته كه مقبول رسول مقبول خداوندست ومردود مصطفى مردود دركاه خداست وعلى هذا القياس ونزد محققان دنا اشارت نفس مقدس اوست وتدلى بمنزله دل مطهر او فكان قاب قوسين مقام روح مطيب او أدنى بمرتبه سرمنوراو ونفس او در مكان خدمت بود ودل او در منزل محبت وروح او درمقام قربت سر او در مرتبه مشاهدت شيخ ابو الحسين نورى را قدس سره از معنى اين آيت برسيدند جواب داد جايى كه جبرائيل نكنجند نورى كيست كه ازان سخن تواند كفت خيمه برون زد زحدود وجهات ... برده اوشد تتق نور ذات تيركى هستى ازو دور كشت ... بردكى برده آن نور كشت كيست كزان برده شود برده ساز ... زمزمه كويد ازان برده باز ويدل على ان ضمير يعود اليه عليه السلام انه قال فى رواية ( لما اسرى بى الى السماء قربنى ربى حتى كان بينى وبينه كقاب قوسين او أدنى قيل لى قد جعلت امتك آخر الامم لأفضح الامم عندهم ) اى بوقوفهم على اخبارهم ولا افضحهم عند الامم لتأخرهم عنهم وقال بعض الكبار ثم دنا اشارة الى العروج والوصول وقوله { فتدلى } الى النزول والرجوع وقوله { فكان قاب قوسين } بمنزلة النتيجة اشارة الى الوصول الى عالم الصفات الماشر اليها بقوله تعالى { اللّه الصمد } وقوله { أو أدنى } اشارة الى الوصول الى عالم الذات المشار اليه بقوله تعالى { اللّه احد } فى صورة الاخلاص فحاصل المعنى ثم دنا اى الى الحق من الخلق فتدلى الى الخلق من الحق فكان قاب قوسين فى مرتبة الوحدة الواحدية الجامعمة بين شهادة الصفات والخلق وبين غيب الذات ولحق او أدنى فى الوحدة الاحدية المختصة بغيب ذات الحق واذن هنا امران . الاول الوصول الى مرتبة قاب قوسين وذلك بفناء فى الصفات فقط . والثانى الوصول الى مرتبة او أدنى وذلك بفناء فى الصفات والذات معا فان يسر اللّه النزول والبقاء يكمل الامر فى هاتين الجهتين ولعمرى عزيز اهل هذا المقام جدا وقال بعضهم ضمير دنا الى آخره يعود الى اللّه تعالى قال فى كشف الاسرار دنو اللّه من العبد على نوعين احدهما باجابة الدعوة واعطاء المنية ورفع المنزلة كما فى قوله { فانى قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان } والثانى بمعنى القرب فى الحقيقة دون هذه المعانى كقوله { ثم دنا فتدلى } انتهى فالمعنى ثم دنا الجبار فتدلى اى زاد فى القرب حتى كان من محمد عليه السلا قاب قوسين او أدنى فمعنى الدنو والتدلى الواقعين من اللّه تعالى كمعنى النزول منه الى السماء الدنيا كل ليلة فى ثلث الليل الاخيروهو ان ذلك عند اهل الحقائق من مقام التنزيل بمعنى انه تعالى يتلطف بعباده ويتنزل فى خطابه لهم فيطلق على نفسه مايطلقونه على انفسهم فهو فى حقهم حقيقة وفى حقه تعالى مجاز كما فى انسان العيون قال القاضى ابو الفضل فى كتاب الشفاء اعلم ان ماوقع فى اضافة الدنو والقرب من اللّه او الى اللّه فليس بدنو مكان و لاقرب مدى بل كما ذكرنا عن جعفر الصادق ليس بدنو حد وانما دنو النبى من ربه وقربه منه ابانة عظيم منزلته وتشريف رتبته واشراق انوار معرفته ومشاهدة اسرار غيبه وقدرته ومن اللّه له مبرة وتأنيس وبسط واكرام قال فى فتح الرحمن فمن جعل الضمير عائدا الى اللّه لا الى جبريل على هذا كان قوله فكان الخ عبارة عن نهاية القرب ولطف المحل واتضاح المعرفة والاشراف على الحقيقة من محمد عليه السلام وعبارة اجابة الرغبة وقضاء المطالب قرب بالاجابة والقبول واتيان بالاحسان وتعجيل المأمول { فأوحى الى عبده ماأوحى } قال فى الاسئلة المقحمة اجمل ولم يفسره لانه كان يطول ذكر جميع ماأوحى اليه فذكره جملة من غير تعرض الى التفصيل فقال { فأوحى الى عبده ماأوحى } وقالت الشيوخ ستر اللّه بعض ماوحى الى عبده محمد عليه السلام عن الخلق سترا على حاله لئلا يطلع عليه غيره فان ذلك لايتعلق بغيره وانما ذلك من خواص محبته ومعرفته وعلو درجاته اذ بين الاحباب يجرى من الاسرار مالا يطلع عليه الأجانب والاغيار قال عليه السلام ( لى وقت مع اللّه لايطلع عليه ملك مقرب ولانبى مرسل ) وسمعت الشيوخ ابا على الفارسى رحمه اللّه يقول فى هذه الآية قولا يطول شرحه وقصاراه يرجع الى انه تعالى ستر بعض ماأوحى الى نبيه عن الخلق لما علم ان علمهم بذلك يفتر عن السير فى صراط العبودية اتكالا على محض الربوبية ولهذا قال لمعاذ بن جبل رضى اللّه حيث قال معاذ ءأخبر الناس بذلك يارسول اللّه فقال ( لاتخبرهم بذلك لئلا يتكلوا ) انتهى لايكتم السر الا كل ذى خطر ... والسر عند كرام الناس مكتوم والسر عندى فى بيت له غلق ... قد ضاع مفتاحه والباب مختوم وقيل بين المحبين سر ليس يفشيه ... قول لاو عمل للخلق يحيكه سر يمازجه انس يقابله ... نور تحير فى بحر من التيه ( وقيل ) دردى كه من از عشق تو دارم حاصل . دل داند ومن دانم ومن دانم ودل ( قال الكاشفى ) بعض علما كويندكه اولى آنست كه تعرض آن وحى نكنيم ودر برده بكذاريم وجمعى كويند آنجه ازان وحى درجيزى ويا اثرى بمارسيده ذكر ان هيج نقصان ندارد ودامانت بسيار واقع شده ودر تفسير جواهر بسطى تمام يافته اينجابسه وجه اختصاص مى يابد اول آنكه مضمون وحى اين بودكه يامحمد لولا انى احب معاتبة امتك لما حاسبتهم يعنى اكرنه آنست كه دوست ميدارم معاتبة با امت تو والابساط محاسبه ايشان على مى كردم دوم آنكه اى محمد أنا وأنت وماسوى ذلك خلقته لاجلك آن حضرت عليه السلام در جواب فرمودند أنت وأنا وما سوى ذلك تركته لاجلك سوم آنكه امت تو طاعت من بجاى مى آرند وعصيان نيزمى ورزند طاعت ايشان برضاى منست ومعصيت ايشان بقضاى من بس آنجه بقضاى من از ايشان دروجود آيد اكرجه بزرك وبسيار باشد غفو كنم زيراكه رحيمم . وقيل اوحى اليه ان الجنة محرمة على الانبياء حتى تدخلها وعلى الامم حتى تدخلها امتك وقيل كن آيسا من الخلق فليس بأيديهم شىء واجعل صحبتك معى فان مرجعك الى ولا تجعل قلبك معلقا بالدنيا فانى ماخلقتك لها وقيل اوحى اليه { الم يجدك يتيما فآوى } الى قوله { ورفعنا لك ذكرك } وقيل أوحى اليه { آمن الرسول } الخ بغير واسطة جبريل وقيل اوحى اليه عش ماشئت فانك ميت وأحبب من شئت فانك مفارقه اعمل ماشئت فانك مجزى به ( وروى ) انه عليه السلام قال شكا الى اللّه ليلة المعراج من امتى شكايات . الاولى لم اكلفهم عمل الغد وهم يطلبون منى رزق الغد . والثاينة لا أدفع ارزاقهم الىغيرهم وهم يدفعون عملهم الى غيرى . والثالثة انهم يأكلون رزقى ويشكرون غيرى ويخونون معى ويصالحون خلقى . والرابعة ان العزة لى وانا المعز وهم يطلبون العزة من سواى . والخامسة انى خلقت النار لكل كافر وهم يجتهدون أن يوقعوا أنفسهم فيها قال قل لامتك ان أحببتم احدا لاحسانه اليكم فأنا اولى به لكثرة نعمى عليكم وان خفتم احدا من اهل السماء والارض فأنا اولى بذلك لكمال قدرتى وان أنتم رجوتم احدا فأنا الوى به لانى احب عبادى وان أنتم استحبيتم من احد لجفائكم اياه فأنا اولى به لان منكم الجفاء ومنى الوفاء وان آثرتم احدا بأموالكم وانفسكم فانا الى بذلك لانى معبودكم وان صدقتم احدا فى وعده فانا اولى بذلك لانى أنا الصادق وقيل اوحى اللّه اليه يامحمد لم اكثر مال امتك لئلا يطول حسابهم فى القيامة ولم اطل اعمارهم لئلا تقسو قلوبهم ولم افجأهم بالموت لئلا يكون خروجهم من الدنيا بدون التوبة وأخرتهم فى الدنيا عن الآخرين لئلا يطول فى القبور حبسهم قال بعضهم ان ماوحى اليه مفسر فى الاخبار ونطقت به الروايات من اهوال القيامة وغيرها ولهذا قال عليه السلام ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ) قال جعفر الصادق رضى اللّه عنه فأوحى الى عبده ماأوحى بلا واسطة فيما بينه وبينه سرا الى قلبه لايعلم به احد سواه بلا واسطة اى فى العقبى حين يعطيه الشفاعة لامته وقال البقلى ابهم اللّه سر ذلك الوحى الخفى على جميع فهوم الخلائق من العرش الى الثرى بقوله ماأوحى لانه لم يبين اى شىء اوحى الى حبيبه لان بين المحب والمحبوب سرا لايطلع عليه غيرهما واظن انه لو بين كلمة من تلك الاسرار لجميع الاولين والآخرين لماتوا جميعا من ثقل ذلك الوارد الذى ورد من الحق على قلب عبده احتمل ذلك المصطفى عليه السلام بقوة ربانية ملكوتية لاهوتية البسه اللّه اياها ولولا ذلك لم يحتمل ذرة منها لانها انباء عجيبة واسرار ازلية لو ظهرت كلمة منها لتعطلت الاحكام ولفنيت الارواح والاجسام واندرست الرسوم واضمحلت العقول الفهوم والعلوم. يقول الفقير لاشك ان ماوحى اليه عليه السلام تلك الليلة على اقسام قسم اداه الى الكل وهو الاحكام والشرآئع وقسم اداه الى الخواص وهو المعارف الالهية وقسم اداه الى اخص الخواص وهو الحقائق ونتائج العلوم الذوقية وقسم آخر بقى معه لكونه مما خصه اللّه به وهو السر الذى بينه وبين اللّه المشار اليه بقوله لى مع اللّه وقت الخ فانه تحلٍ مخصوص وسر مكتوم لايفشى وهكذا كل ورثته فان لهم نصيبا من هذا المقام حيث ان بعض علومهم يرتحل معهم الى الآخرة ولا يوجد له محل يؤدى اليه اما لكونه من خصائصهم واما لفقدان ان من يستعد لادآئه و ذلك يحسب الزمان ولذا جاء نبى فى الاولين وبقى معه الرسالة ولم يقبلها احد من امته لعدم الاستعداد فيهم وفى التأويلات النجمية فى هذه الآية يشير الى ان اللّه تعالى من مقام جمعيته الجامعة لجميع المظهريات من غير واسطة جبريل وواسطة ميكايئل اوحى او تجلى فى صورة الوحى لعبده المضاف الى هاء هويته المطلقة بحقائق من مقتضى حكم الوحدة والموحى به هو ان وجودك يا محمد عين وجود المتعين بأحدية جمع جميع الاعيان الظاهرة المشهودة والحقائق الباطنة الغيبية المفقودة فى عين كونها موجودة مطلقا عن هذا التعيين والجمع والاطلاق ما كذب الفؤاد مارأى . اعلم ان المرئى ان كان صورة جبريل عليه السلام فالرؤية من رؤية العين ان كان هو اللّه تعالى على ماذهب اليه البعض فقد اختلفوا فى انه عليه السلام رأى اللّه تعالى ليلة الاسرآء بقلبه او بعين رأسه فقال بعضهم جعل بصره فى فؤاده فرأه فى فؤاده فيكون المعنى ماكذب الفؤاد مارأه الفؤاد اى لم يقل فؤاده له ان مارأيته هاجس شيطانى وانه ليس من شأنك ان ترى الرب تعالى بل تيقن ان مارأه بفؤاده حق صحيح وقال بعضهم رأه بعينه لقوله عليه السلام ( ان اللّه اعطى موسى الكلام واعطانى الرؤية ) وقوله عليه السلام ( رأيت ربى فى احسن صورة ) اى صفة قال فى الكواشى هذا لاحجة فيه لانه يجوز انه اراد الرؤية بالقلب بان زاده معرفة على غيره. يقول الفقير ايراد الرؤية فى مقابلة الكلام يدل على رؤية العين لان موسى عليه السلام قد سألها ومنه منها فاقتضى ان يفضل النبى عليه السلام عليه بما منعه منه وهو الرؤية البصرية ولاشك ان الرؤية القلبية الحاصلة بالانسلاخ يشترك فيها جميع الانبياء حتى الاولياء وقد صح ان موسى رأى ربه بعين قلبه حين خر فى الطور مغشيا عليه وحملها على زيادة المعرفة لايجدى نفعا وكانت عائشة رضى اللّه عنها تقول من زعم بأن محمدا رأى ربه فقد اعظم الفرية على اللّه قال فى كشف الاسرار قول عائشة نفى وقول ابن عباس بأنه رأى اثبات والحكم للمثبت لا للنافى فالنا فى انما نفاه لانه لم يسمعه والمثبت انما اثبته لانه سمعه وعلمه انتهى وقول ابى ذر رضى اللّه تعالى عنه للنبى عليه السلام هل رأيت ربك قال نورانى اراه بالنسبة الى تجرد الذات عن النسب والاضافات اى النور المجرد لايمكن رؤيته على ماسبق تحقيقه وقال فى عين المعانى ولا يثبت مثل هذا اى الرؤية بالعين الا بالاجماع وفى كشف الاسرار قال بعضهم رأه بقلبه دون عينه وهذا خلاف السنة والمذهب الصحيح انه عليه السلام رأى به بعين رأسه انتهى وفى الكواشى يستحيل رؤيته هنا عقلا ومعتقد رؤية اللّه هنا بالعين لغير محمد غير مسلم ايضا انتهى قال ابن الشيخ اعلم ان رؤية اللّه تعالى جائزة لان دليل الجواز غير مخصوص بالآخرة ولان مذهب اهل السنة الرؤية بالارآءة لا بقدرة العبد اذا حصل العلم بالشىء من طريق البصر كان رؤية بالارآءة وان حصل من طريق القلب كان معرفة واللّه تعالى قادر على ان يحصل العلم بخلق مدرك المعلوم فى البصر كما قدر ان يحصله بخلق مدرك المعلوم فى القلب المسألة مختلف فيها بين الصحابة والاختلاف فى الوقوع مماينبىء عن الاتفاق على الجواز انتهى وكان الحسن البصرى رحمه اللّه يحلف باللّه ان محمدا رأى به ليلة المعراج ( وحكى ) النقاش عن الامام احمد رحمه اللّه انه قال انا اقول بحديث ابن عباس رضى اللّه عنهما بعينه رأه رأه حتى انقطع نفس الامام احمد. كلام سرمدى بى نقل بشنيد خداوند جهانرا بى جهت ديد دران ديدن كه حيرت حاصلش بود ... دلش درجشم وجشمش در دلش بود قال بعضن الكبار الممنوع من رؤية الحق فى هذه الدار انما هو عدم معرفتهم له والافهم يرونه ولايعرفون انه هو على غير مايتعقل البصر فالخلق حجاب عليه دآئما فانه تعالى جل عن التكييف دنيا واخرى فافهم فهم يرونه ولا يرونه واكثر من هذا الافصاح لا يكون انتهى. يقول الفقير نعم ان اللّه جل عن الكيفية فى الدارين لكن فرق بين الدنيا والآخرة كثافة ولطافة فان الشهود فى الدنيا بالسر المجرد لغير نبينا عليه السلام بخلافه فى الآخرة فان القلب ينقلب هناك قالبا فيفعل القالب هناك مايفعله القلب والسر فى هذه الدار فاذا كانت لطافة جسم النبى عليه السلام تعطى الرؤية فى الدنيا فما ظنك بلطافته ورؤيته فى الآخرة فيكون شهوده اكمل شهود فى الدارين حيث رأى ربه بالسر والروح فى صورة الجسم قال فى التأويلات النجمية اتحد بصر ملكوته وبصر ملكه فرأى ببصر ملكوته باطن الحق من حيث اسمه الباطن ورأى ببصر ملكه ظاهر الحق من حيث اسمه الظاهر ورأى بأحدية جمع القوتين الملكوتية والملكية الحقيقة الجمعية المتعينة بجميع التعينات العلوية الروحانية والسفلية والجسمانية مع اطلاقه فى عين تعينه المطلق عن التعين واللاتعين والاطلاق واللا اطلاق انتهى هذا وليس ورآء عبادان قرية وقال البقلى رحمه اللّه ذكر اللّه رؤية فؤاده عليه السلام ولم يذكر العين لان رؤية العين سر بينه وبين حبيبه فلم يذكر ذلك غيرة عليه لان رؤية الفؤاد عام ورؤية البصر خاص أراه جماله عيانا فرآه ببصره الذى كان مكحولا بنور ذاته وصفاته وبقى فى رؤيته عيانا ماشاء اللّه فصار جسمه جميعه ابصارا رحمانية فرأى الحق بجميعها فوصلت الرؤية الى الفؤاد فرأى فؤاده جمال الحق ورأى عينه ولم يكن بين ما رأى بعينه وبين مارأه بفؤاده فرق فأزال الحق الابهام كشف العيان بقوله { ماكذب الفؤاد مارأى } حتى لايظن الظان ان مارأى الفؤاد ليس كما رأى بصره اى صدق قلبه فيما رأه من لقائه الذى رأه بصره بالظاهر اذ كان باطن حبيبه هناك ظاهر وظاهره باطنا بجميع شعراته وذرات وجوده وليس فى رؤية الحق حجاب للعاشق الصادق بأن يغيب عن الرؤية شىء من وجوده فبالغ الحق فى كمال رؤية حبيبه وكذلك قال عليه السلام ( رأيت ربى بعينى وبقلبى ) رواه مسلم فى صحيحه قال ابن عطاء عما اعتقد القلب خلاف مارأته العين وقال ليس كل من رأى سكن فؤاده من ادراكه اذ العيان قد يظهر فيضطرب السر عن حمل الوارد عليه والرسول عليه السلام كان محموملا فيها فى فؤاده وعقله وحسه ونظره وهذا يدل على صدق طويته وحمله فيما شوهد به { افتمارونه على مايرى } أيا مجادله ميكنيد با محمد برآنجه ديد درشب معراج ومجادله آن بودكه صفت بيت المقدس وخبر كاروان خود برسيدند . وقال بعضهم افتجادلونه على رؤية اللّه تعالى اى ان رسول اللّه عليه السلام رأى اللّه وهم يجادلونه فى ذلك وينكرونها وفى التأويلات النجمية يشير الى مماراة المحتجين عن الحق بالخلق ومجادلتهم فى شهود الخلق من دون الحق لقيامهم فى مقام الكثرة الاعتبارية من غير شهود والوحدة الحقيقية أعاذنا اللّه واياكم من عذاب جيحم الاحتجاب ومن شدة لهب النار والالتهاب ١٣ { ولقد رأه نزلة اخرى } الضمير البارز فى رأه لجبريل ونزلة منصوب نصب الظرف الذى هو مرة لان الفعلة اسم للمرة من الفعل فكانت فى حكمها والمعنى وباللّه لقد رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته الحقيقية مرة اخرى من النزول وذلك انه كان للنبى عليه السلام فى ليلة المعراج عرجات لمسألة التخفيف من اعداد الصلوات المفروضة فيكون لكل عرجة نزلة فرأى جبريل فى بعض تلك النزلات ١٤ { عند سدرة المنتهى } وهو مقام جبرآئيل وكان قد بقى هناك عند عروجه عليه السلام الى مستوى العرش وقال لو دنوت انملة لاحترقت قال عليه السلام ( رأيته عند سدرة المنتهى عليه ستمائة جناح يتناثر مه الدر والياقوت ) وعند يجوز ان يكون متعلقا برأى وان يكون حالا من المفعول المراد به جبرائيل لان جبرآئيل لكونه مخلوقا يجوز أن يراه النبى عليه السلام فى مكان مخصوص وهو سدرة المنتهى وهى شجرة نبق فى السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر وورقها كآذان الفيلة نبع من اصلها الانهار التى ذكرها اللّه فى كتابه يسير الراكب فى ظلها سبعين عاما لايقطعها المنتهى مصدر ميمى بمعنى الانتهاء كما قال الزمخشرى او ا سم مكان بمعنى موضع الانتهاء كأنها فى منتهى الجنة وقيل ينتهى اليها الملائكة ولا يتجاوزونها لان جبرآئيل رسول الملائكة اذا لم يتجاوزها فبالحرى أن لايتجاوزها غيره فاعلاها لجبرآئيل كالوسيلة لنبينا عليه السلام فكما ان خواص الامة يشتركون مع النبى عليه السلام فى جنة عدن بدون أن يتجاوزوا الى مقامه المخصوص به فكذا الملائكة يشتركون مع جبرآئيل فى السدرة بدون أن يتعدوا الى ماخص به من المكان و قيل اليها ينتهى علم الخلائق واعمالهم ولا يعلم احد ماورآءها وذلك لان الاعمال الصالحة فى عليين و لاتعرج اليه الا على يد الملائكة فتقف عندها كوقوف الملائكة هذا النسبة الى اعمال الامة واما خواص الامة فلهم من الاعمال مالا يقف عندها بل يتجاوز الى عالم الارواح فوق مستوى العرش بل الى ماورآءه حيث لايعلمه الا اللّه فمثل هذه الصالحات الناشئة عن خلوص فوق خلوص العامة ليست بيد الملائكة اذ لا يدخل مقامها احد وقيل ينتهى اليها ارواح الشهدآء لانها فى ارض الجنان او ينتهى اليها مايهبط من فوقها من الاحكام ويصعد من تحتها من الآثار وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه لما اسرى بالنبى عليه السلام انتهى الى السدرة فقيل له هذه السدرة ينتهى اليها كل احد خلا من امتك على سنتك يعنى ميرسد بدين هركس از امت توكه رفته باشد برسنت تو . وقال كعب انها سدرة فى اصل العرش على رؤس حملة العرش واليها ينتهى الخلائق وما خلقها غيب لايعلمه الا اللّه وبالجملة هى شجرة طوبى وقال مقاتل السدرة هى شدرة طوبى ولو ان رجلا ركب نجيبه وطاف على ساقها حتى ادركه الهرم لما وصل الى المكان الذى ركب منه تحمل لاهل الجنة الحلى والحلل وجميع الوان الثمار ولو ان ورقة منها وضعت فى الارض لاضاءت اهلها قيل اضافة السدرة الى المنتهى اما اضافة الشىء الى مكانه كقولك اشجار البستان فالمنتهى حينئذ موضع لابتعداه ملك او اضافة المحل الى الحال كقولك كتاب الفقه والتقدير سدرة عندها منتهى العلوم او اضافة الملك الى المالك على حذف الجار والمجرور اى سدرة المنتهى اليه وهو اللّه تعالى قال { الى ربك المنتهى } واضافة السدرة اليه كاضافة البيت اليه للتشريف والتعظيم وقال بعضهم المرئى هو اللّه تعالى يعنى ان محمدا عليه السلام رأى به مرة اخرى يعنى مرتين كما كلم موسى مرتين وفيه اشعار بأن الرؤية الثانية كانت كالرؤية الاولى بنزول ودنو فقوله عند لايجوز ان يكون حالا من المفعول المراد به اللّه تعالى لان اللّه تعالى مننزه عن أن يحل فى زمان او مكان فهو متعلق برأى يعنى انه عليه السلام رأى ربه رؤية ثانية عند سدرة المنتهى على أن يكون الظرف ظرفا لرأى ورؤيته لا للمرئى كما اذا قلت رأيت الهلال فقيل لك اين رأيت فتقول عند الشجرة الفلانية وجعل ابن برجان الاسراء مرتين . الاولى بالفؤاد وهذه بالعين ولما كان ذلك لايتأنى الا بتنزيل يقطع مسافات البعد التى هي الحجب ليصير به بحيث يراه البشر عبر بقوله نزلة اخرى وعين الوقت بتعيين المكان فقال { عند سدرة المنتهى } كما فى تفسير المناسبات ( وروى ) عن وكيع عن كعب الاحبار انه قال رأى ربه مرة اخرى فقال ان اللّه تعالى كلم موسى مرتين ورأه محمد مرتين عليهما السلام فلما بلغ ذلك عائشة رضى اللّه عنها قالت قد اقشعر جلدى من هيبة هذا الكلام فقيل لها يا ام المؤمنين أليس يقول اللّه تعالى { ولقد رأه نزلة اخرى } فقالت انا سألت النبى عليه السلام عن ذلك فقال ( رأيت جبرآئيل نازلا فى الافق على خلقته وصورته ) انتهى وقال بعضهم رأه بفؤاده مرتين. يقول الفقير لما كان هذا المقام لايخلو عن صعوبة واحتمال وتأويل كفروا من انكر المعراج الى المسجد الاقصى لثبوته بالنص القطعى وهو قوله تعالى { سبحان الذى اسرى بعبده } الخ وضللوا من انكره الى مافوقه لثبوته بالخبر المشهور قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر ان معراجه عليه السلام اربع وثلاثون مرة واحدة بجسده والباقى بروحه رؤيا رأها وفى التأويلات النجمية يشير الى رد استعجاب اهل الحجاب شهود النبى عليه السلام الحضرة الالهية فى المظاهر الكونية والمجالى الغيبية وأنى لهم هذا الاستعجاب والاستغراب وما قيده فى حضرة دون حضرة وفى مشهد دون مشهد بل شهرة وعلانية مرة بعد مرة وساعة بعد ساعة بل ماحتجب لحظة منه تعالى وماغاب عنه لمحة مرة شاهده به فى مقام احديته بفنائه عنه ونزلة عاينه فى مقام واحديته بالبقاء به عند نزوله من المشهد الاحدى الى المشهد الواحدى المسمى سدرة المنتهى لتى هى شجرة الكثرة لابتدآء الكثرة منها وانتهاء مظاهرها اليها بحسب الاعمال والاقوال والافعال والاحوال شبهت السدرة بشجرة الكثرة لكثرة اظلالها واغصانها كما فى شجرة الكثرة التى هى الواحدية لظهور التعينات والتكثرات منها واستضلال المتعينات بها بالوجود العينى الخارجى انتهى وقال البقلى ما الرؤية الثانية بأقل كشفا من الرؤية الاولى ولا الاولى باكشف من الرؤية الثانية اين أنت لو كنت اهلا لقلت لك انه عليه السلام رأى ربه فى لحافه بعد أن رجع من الحضرة ايضا فى تلك الساعة وماغاب قلبه من تلك الرؤية لمحة وماذكر سبحانه بيان ان مارأى فى الاولى فى الامكان ومارأى عند سدرة المنتهى كان واحدا لان ظهوره هناك ظهور القدم والجلال وليس ظهوره يتعلق بالمكان ولا بالزمان اذا لقدم منزه عن المكان والجهات وكان العبد فى المكان والرب فى المكان وهذا غاية فى مال تنزيهه وعظيم لطفه اذ تجلى نفسه لقلب عبده وهو فى الاماكن والعبد فى مكان والعقل ههنا مضمحل والعلم متلاشٍ لان العقول عاجزة والاوهام متحيرة والقلوب والهة والارواح حائرة والاسرار فانية وفى هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه اذ رأه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى ظن عليه السلام ان مارأه فى الاولى لايكون لكمال عمله بتنزيه الحق فلما رأه ثانية علم انه لايحجبه شىء من الحدثان وعادة الكبرآء اذا زارهم احد يأتون معه الى باب الدار اذا كان كريما فهذا من اللّه اظهار كمال حب لحبيبه وحقيقة الاشارة انه سبحانه أراد ان يعرف حبيبه مقام التباس فلبس الامر واظهر الممكر بأن بان الحق من شجرة سدرة المنتهى كما بان من شجرة العناب الموسى ليعرف حبيبه بكمال المعرفة اذ ليس بعارف من لم يعرف حبيبه فى البسة مختلفة انتهى ولما أراد سبحانه ان يعظم السدرة وبين شرفها قال ١٥ { عندها } اى عند السدرة { جنة المأوى } والجملة حالية قيل الاحسن ان يكون الحال هو الظرف وجنة المأوى مرتفع به بالفاعلية واضافة الجنة الى المأوى مثل اضافة مسجد الجامع اى الجنة التى يأوى اليها المتقون اى تنزل فيها وتصير وتعود اليها ارواح الشهدآء وبالفارسية بهشتى كه آرامكاه متقيان يامأوى ومكان ارواح شهداست او اوى اليها آدم وحوآء عليهما السلام يقال اويت منزلى واليه اويا واويا عدت واويته نزلته بنفسى والمأوى المكان قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر آدم عليه السلام انزل من جنة المأوى التى هى اليوم مقام الروح الامين جبريل عليه السلام وهى اليوم برزخ لذرية آدم ونزل اليها جبرآئيل من السدرة بنزول آدم وهذه الجنة لاتقتضى الخلود لذاتها فلذلك امكن خروج آدم منها ولذلك تأثر بالاشتياق الى ان يكون ملكا بعد سجود الملائكة له بغرور ابليس اياه ووعده فى الخلود رغبة فى الخلود والبقاء مع جبرآئيل والجنة التى عرضها السموات والارض تقتضى الخلود لذاتها يعلم من دخلها انه لايمكن الخروج منها اذ لاسبيل للكون والفساد اليها قال تعالى فى وصف عطائها انه غير مجذوذ اى غير منقطع انتهى فالجنة التى عرضها السموات والارض ارضها الكرسى الذى وسع السموات والارض وسقفها العرش المحيط فهى محيطة بالجنان الثمان وليست هى الجنة الى انزل منها آدم كذا قاله الشيخ ايضا فى كتاب تلقيح الاذهان وقال نجم الدين رحمه اللّه فى تأويلاته يشير الى ان الجنة العلية التى يسجن بها المجانين العاشقون عن انانيتهم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر وفى قوله عندها اشارة الى الهوية الظاهرة بالشجرة الواحدية المسماة بسدرة المنتهى لانتهاء ارواح الشهداء المقتولين بسيف الصدق والاخلاص ورمح الرياضيات والمجاهدات اليها ١٦ { اذ يغشى السدرة مايغشى } زيادة فى تعظيم السدرة واذ ظرف زمان لرأه لما بعده من الجملة المنفية فان ما النافية لايعمل مابعدها فيما قبلها والغشيان بمعنى التغطية والستر ومنه الغواشى وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضارا لصورتها البديعة او للايذان باستمرار الغشيان بطريق التجدد والمعنى ولقد رأى محمد جبرآئيل عند السدرة وقت ماغشيها وغطاها مالا يكتنهه الوصف ولايفى به البيان كيفا ولا كما وفى الحديث ( وغشيها الوان لا ادرى ماهى فليس احد من خلق اللّه يستطيع ان ينعتها ) وعنه عليه السلام ( رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة ملكا قائما يسبح اللّه ) وعنه عليه السلام يغشاها رفرف اى جماعة من طيور خضر وقيل يغشاها فراش او جراد من ذهب ( كما قال الكاشفى ) وكويند بر حوالىء آن فرشتكان طيران ميكردند جون يروانهاى زرين . وقيل يغشاها سبحات انوار اللّه حين تجلى لها كما تجلى للجبل لكنها كانت اقوى من الجبل حيث لم يصبها ماصابه من الدك وذلك لان الجبل كان فى عالم الملك الضعيف والسدرة فى عالم الملكوت القوى ولذا لم يخر عليه السلام هناك مغشيا عليه حين رأى جبرآئيل كما غشى عليه حين رأه فى الافق الاعلى لقوة التمكين وغاية لطافة الجسد الشريف وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة امثال الغربان حين يقعن على الشجر يعبدون اللّه تعالى عندها او يزورونها متبركين بها كما يزور الناس الكعبة وقيل يغشاها الملاكئة النازلون للقاء النبى عليه السلام فانه استأذنوا للقائه فاذن لهم وقيل لاتأتوه بغير نثار فجاء كل واحد منهم بطبق من اطباق الجنة عليه من اللطائف مالايحصى فنثروه بين يديه تقربا اليه وفى الحديث ( انه اعطى رسول اللّه عندها يعنى السدرة ثلاثا ) يعنى سه جيز . الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة وغفر لمن مات من امته لايشرك باللّه شيأ وفى التأويلات النجمية يشير الى تعظيم المظاهر الاسمائية والصفاتية الجمالية اللطيفة والجلالية القهرية الغاشية الساترة شجرة الواحدية المسماة بسدرة المنتهى بحيث لاتعد ولاتحصى لعدم نهاية مصاردها لان الاسماء بحسب الجزئيات غير متناهية وان كانت من حيث كلياتها متناهية وكان حقيقة السدرة وعمودها مغشية مستورة بكثرة اغصانها واوراقها وازهارها وهذا الوصف يدل على عظمة شأن الشجرة عينها وجلالة قدرها وكيف لا والواحدية من حيث الحقيقة عين الاحدية ومن حيث الاعتبار العقلى غيرها فافهم جدا لايفوتك الحقيقة بل الطريقة والشريعة انتهى وقال البقلى رحمه اللّه ابهم ماغشيها لان العقول لاتدرك حقائق مايغشاها وكيف يغشاها والقدم منزه عن الحلول فى الاماكن وكانت الشجرة مرءآة لظهوره سبحانه مالطف ظهوره لايعلم تأويله الا اللّه والراسخون فى العلم يقولون بعد عرفانهم به آمنا به ١٧ { مازاغ البصر } الزيغ الميل عن الاستقامة اى ما مال بصر رسول اللّه عليه السلام ادنى ميل عما رأه { وما طغى } وما تجاوز مع مشاهد هناك من الامور المذهلة مما لايحصى بل اثبته اثباتا صحيحا متيقنا او ماعدل عن رؤية العجائب التى امر برؤيتها ومكن منها وماجاوزها واستدل على ان رؤية اللّه كانت بعين بصره عليه السلام يقظة بقوله { مازاغ البصر } الخ لان وصف البصر بعدم الزيغ يقتضى ان ذلك يقظة ولو كانت الرؤية قلبية لقال مازاغ قلبه واما القول بأنه يجوز ان يكون المراد بالبصر قلبه فلا بدله من القرينة وهى ههنا معدومة ( قال الكاشفى فى معنى الآية ) ميل نكرد جشم محمد عليه السلام وبجب وراست ننكريست ودرنكذشت ازحديكه مقرر بود نكريستن ويرا درين آيت ستايش آن حضرتست بحسن ادب وعلو همت كه دران شب برتو التفات بر هيج ذره از ذرات كائنات نيفكند وديده دل بجز مشاهده جمال بى زوال الهى نكشود درديده كشيده كحل مازاغ ... نى راغ نكاه كردونى باغ ميراند براق عرش برواز ... تاحجله ناز وبرده راز بس برده زيش ديده برخاست ... بى برده بديد آنجه دل خواست وفى التأويلا النجمية يشير ال تحقيق النبى عليه السلام بمقام حقيقة الفقر الكلى الذى هو الخلو المطلق عما سواه لانه قال الفقر فخرى واى فقر اعظم وافخم من ان يخرج العبد عن وجود الكلى المجازى ويقوم بالوجود الحقيقى ويظهر بصفات سيده حتى يقال له عبد اللّه اى لا عبد غيره يعنى مامال بصر ملكه الجسمانى الى ملك الدنيا وزينتها وزخارفها وجاهها ومالها وماطغى نظر ملكوته الروحانى الى عالم الآخرة ونعيمها ودرجاتها وقرباتها وغرفاتها بل اتحدا واجتمعا اتحادا كليا واجتماعا حقيقيا من غير فتور وقصور على شهود الحق واسمائه وصفاته وعجائب تجلياته الذاتية وغرآئب تنزلاته الصفاتية وايضا مازاغ عين ظاهره الى الكثرة الاسمائية قائمة بالوحدة الذاتية وغرآئب تنزلاته بكمال قيامة بشهود المرتبتين ولاحاطة علمه بوجود المرتبتين فافهم ولاتندم وقال البقلى رحمه اللّه هذه الآية فى الرؤية الثانية لان فى الرؤية الاولى لم يكن شىء دون اللّه ولذلك ماذكر هناك غض البصر هذا من كل تمكين الحبيب فى محل الاستقامة وشوقه الى مشاهدة ربه اذ لم يمل الى شىء دونه وان كان محل الشرف والفضل وفى كشف الاسرار موسى عليه السلام جون ديدار خواست كه ارنى انظر اليك اورا بصمصام غيرت لن ترانى جواجب دادند بس جون تاوان زده آن سؤال كشت بغرامت تبت اليك واديد آمد باز دون نوبت بمصطفى عليه السلام رسيد ديده ويرا توتياى غيرت لاتمدن عينيك در كشيدند كفتند اى محمد ديده كه بآن ديده مارا خواهى ديكر نكر تابعاريت بكس ندهى مهتر عصابه عزت مازاغ البصر ما طغى برديده خود بست بزبان حال كفت بربندم جشم خويش ونكشايم نيز ... تاروز زيارت تواى يار عزيز تالا جرم جون حاضر حضرت كشت جمال وجلال ذو الجمال والجلال برديده او كشف كردند كه ماكذب الفؤاد ماراى همه تنم ذكر كردد جون بانو راز كنم ... همه كمال توينم جو ديده باز كنم ان تذكرته فكلى قلوب ... أو تأملته فكلى عيون وكفته اند موسى عليه السلام جون از حضرت مناجات باز كشف باوى نور هيبت بود وعظمت لاجرم هركه دروى ناديست تابينا كشت باز مصطفى عليه السلام جون از حضرت مشاهدات باز كشت باز كشف باوى نوارنس بود تاهركه بروى نكريد بينايىء او بيفزود آن مقام اهل تكوين است واين مقام ارباب تمكين ١٨ { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } اى وباللّه لقد رأى محمد عليه السلام ليلة المعراج الآيات التى هى كبراها وعظماها فأرى من عجائب الملك والملكوت مالا يحيط به نطاق العبارة فقوله { من آيات ربه } حال قدمت على ذيها وكلمة من للبيان لانه المناسب لمرام المقام وهو التعظيم والمبالغة ولذا لم تحمل على التبعيض على ان يكون هو المفعول ويجوز ان يكون الكبرى صفة للآيات والمفعول محذوف اى شيأ عظيما من آيات ربه وان يكون من مزيدة يعنى على مذهب الاخفش وكان الاسرآء ليلة السابع والعشررين من رجب على ما عليه الاكثر فى السنة الثانية عشرة من النبوة قبل الهجرة بقليل كما فى تفسير المناسبات وفيه اشكال فان هذه السورة نزلت فى السنة الخامسة من النبوة على مامر فى اول السورة قال ألمفسرون رأى عليه السلام اى ابصر تلك الليلة رفرفا اخضر سد افق السماء فجلس عليه السلام وجاوز سدرة المنتهى والرفرف البساط وهو صورة همته البسيطة العريضة المحيطة بالآفاق مطلقا لانه عليه السلام فى سفر العالم البسيط ولا يصل اليه الا من له علو الهمة مثله وقد قال حسان رضى اللّه عنه فى نعته عليه السلام له همم لامنتهى لكبارها ... وهمته الصغرى اجل من الدهر ورأى تلك الليلة طوآئف الملائكة وسدرة المنتهى وجنة المأموى وما فى الجنان لاهل الايمان وما فى النيران لاهل الطغيان والظلم والانوار ومايعجز عنه الافكار وتحار فيه الابصار ومن ذلك مارأه فى السموات من الانبياء عليهم السلام اشارة بكل نبى الى امر دقيق جليل حالة شريفة قال الامام ابو القاسم السهيلى رحمه اللّه فى الروض الانف والذى اقول فى هذا ان ماخذ فهمه من علم التعبير فانه من علم النبوة واهل التعبير يقولون من رأى نبيا بعينه ف المنام فان رؤياه تؤذن بما يشبه من حال ذلك النبى فى شدة او رخاء او غير ذلك من الامور التى اخبر بها عن الانبياء فى القرءآن والحديث مثلا من رأى آدم عليه السلام فى مكان على حسنه وجماله وكان للولاية اهلا ملك ملكا عظيما لقوله تعالى { انى جاعل فى الارض خليفة } ومن رأى نوحا عليه السلام فانه يعيش عيشا طويلا ويصيبه شدة واذى من الناس ثم يظفر بهم ومن رأى ابراهيم عليه السلام فانه يعق اباه ويرزق الحج وينصر على اعدآئه ويناله هول وشدة من ملك جائر ثم ينصر ومن رأى يوسف عليه السلام فانه يكذب عليه ويظلم ويناله شدة ويحبس ثم يملك ملكا ويظفر و من رأى موسى وهرون عليهما السلام فان اللّه يهلك على يده جبارا عنيدا ومن رأى سليمان عليه السلام فانه بلى القضاء او الملك او يرزق الفقه ومن رأى عيسى عليه السلام فانه يكون رجلا مباركا نفاعا كثير الخير كثير السفر فى رضى اللّه ومن رأى نبينا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وليس فى رؤياه مكروه لم يزل خفيف الحال وان رأه فى ارض جدب اخصبت او فى ارض قوم مظلومين نصروا ومن رأه عليه السلام فان كان مغموما ذهب غمه وان كان مديونا قضى اللّه دينه وان كان مغلوبا نصر وان كان محبوسا اطلق وان كان عبدا اعتق وان كان غائبا رجع الى اهله سالما وان كان معسرا اغناه اللّه وان كان مريضا شفاه اللّه تعالى وحديث الاسرآء كان بمكة ومكمة حرم اللّه وامنه وقطانها جيران اللّه لان فيها بيته فأول من رأه عليه السلام من الانبياء كان آدم عليه السلام الذى كان فى امن اللّه وجواره فأخرجه ابليس عدوه منها وهذه القصة تشبهها الحالة الاولى من احوال النبى عليه السلام حين اخرجه اعدآؤه من حرم اللّه وجوار بيته وكربه ذلك وغمه فأشبهت قصته فى هذه قصة آدم مع ان آدم تعرض عليه ارواح ذريته البر والفاجر منهم فكان فى السماء الدنيا بحيث يرى الفريقين لان ارواح اهل الشقاء لاتلج فى السماء ولا تفتح لهم ابوابها ثم رأى فى الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام وهما الممتحنان باليهود اما عليه السلام فكذبته اليهود وآذته وهموا بقتله فرفعه اللّه اما يحيى عليه السلام فقتلوه ورسول اللّه عليه السلام بعد انتقاله الى المدينة صار الى حالة ثانية من الامتحان وكانت محنته فيها اليهود آذوه وظاهروا عليه وهموا بالقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه اللّه كما نجى عيسى منه ثم سموه فى الشاة فلم تزل تلك الاكلة تعاوده حتى قطعت ابهره كما قال عند الموت ( وفى المثنوى ) جون سفيها نراست اين كارويكا ... لازم آمد يقتلون الانبيا ومما يؤثر عن سعيد بن المسيب رحمه اللّه الدنيا بذلة تميل الى الابذال ومن استغنى باللّه افتقر اليه الناس وما لقاؤه ليوسف عليه السلام فى السماء الثالثة فانه يؤذن بحالة ثالثة تشبيه حالة يوسف عليه السلام وذلك ان يوسف ظفر بأخوته بعدما أخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم وقال { لاتثريب عليكم اليوم } الآية وكذلك نبينا عليه السلام اسر يوم بدر جملة من اقاربه الذين اخرجوه فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل فمنهم من اطلق ومنهم من فداه ثم ظهر علهيم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم فقال لهما ( اقول ماقال اخى يوسف لاتثريب عليكم ) ثم لقاؤه لادريس عليه السلام فى السماء الرابعة وهو المكان الذى سماء اللّه مكانا عليا وادريس اول من آتاه اللّه الخط بالقلم فكان ذلك مؤذنا بحالة رابعة وهو علو شأنه عليه السلام حتى اخاف الملوك وكتب اليهم يدعوهم الى طاعته حتى قال ابو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاءه كتاب النبى عليه السلام ورأى مارأى من خوف هرقل كسبحل وزبرج لقد امر امر ابن ابى كبشة حين اصبح يخافه ملك ابن ابى الاصفر وكتب عليه بالقلم الى جميع ملوك الارض فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشى بالتخفيف وملك عمان ومنهم من هادنه واهدى اليه واتحفه كهرقل المقوقس سلطان مصر ومنهم من تعصى عليه فأظفره اللّه به فهذا مقام على وخط بالقلم جلى نحوما اوتى ادريس ولقاؤه فى السماء السادسة لموسى عليه السلام يؤذن بحالة تشبه حالة موسى حين امر بغزوة الشام وظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها وادخل بنى اسرائيل البلد الذى خرجوا منه بعد اهلاك عدوهم وكذلك غزا رسول اللّه عليه السلام تبوك من ارض الشام وظهر على صاحب دومة الجندل حتى صالحه على الجزية بعد ان أتى به اسيرا وافتتح مكة وادخل اصحابه البلد الذى خرجوا منه ثم لقاؤه فى السماء السابعة لابراهيم عليه السلام لحكتين احداهما انه رأه عند البيت المعمور مسند اظهره اليه والبيت المعمور حيال الكعبة اى بازآئها ومقابلتها واليه تحج الملائكة كما ان ابراهيم هو الذى بنى الكعبة واذن فى الناس بالحج اليها والحكمة الثانية ان آخر احوال النبى عليه السلام حجه الى البيت الحرام وحج معه ذلك العام نحو من سبعين الفا من المسلمين ورؤية ابراهيم عليه السلام عنداهل التأويل تؤذن بالحج لانه الداعى اليه والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة قال الامام ان هذه الآية تدل على ان محمدا عليه السلام ير اللّه ليلة المعراج وانما رأى آيات اللّه وفيه خلاف ووجه الدلالة انه ختم قصة المعراج ههنا برؤية الآيات وقال فى موضع آخر سبحان الذى اسرى بعبده ليلا الى أن قال لنريه من آياتنا ولو كان رأه لكان ذلك اعظم مايمكن من الكرامة فكان حقه أن يختم به قصة المعراج انتهى. يقول الفقير رؤية الآيات مشتملة على رؤية اللّه تعالى كما قال الشيخ الكبير رضى اللّه عنه فى الفكوك انما تتعذر الرؤية والادراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والاضافات فاما فى المظاهر ومن ورآء حجابية المراتب فالادراك ممكن كما قيل كالشمس تمنعك اجتلاءك وجهها ... فاذا كتست برقيق غنيم امكنا انتهى واما اشتمال ارآءة الآيات على ارأءة اللّه تعالى فلما كانت تلك الآيات الملكوتية فوق الآيات الملكية اشهده تعالى فى تلك المشاهد ليكمل له الرؤية فى جميع المراتب والمشاهد ومن المحال أن يدعو كريم كريما الى داره ويضيف حبيب حبيبا فى قصره ثم يتستر عنه ولايريه وجهه وفى التأويلات النجمية يشير الى ان اللّه تعالى آيات كبرى وصغرى اما الآيات الكبرى فهى الصفات القديمة الازلية المسماة عند القوم بالائمة السبعة كالحياة العلم القدرة الارادة والسمع والبصر والكلام والآيات الصغرى هى الاسماء الالهية التى قال اللّه تعالى { ولله الاسماء الحسنى } وانما سميت الاولى بالكبرى والثانية بالصغرى لان الصفات مصادر الاسماء ومراجعها كما ان الحى يرجع فى الوجود الى الحياة والعليم الى العلم والقادر الى القدرة ولان الاسماء مظاهر الصفات كما ان الاحى يرجع الى الوجود الى الافعال والافعال مظاهر الاسماء والآثار مظاهر الافعال واما التخصيص بالكبرى دون الصغرى وان كانت من آيات اللّه كما قال تعالى { قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن اياما تدعوا فله الاسماء الحسنى } لان شهود الآيات الكبرى يستلزم شهود الآيات الصغرى لان اللّه تعالى اذا تجلى لعبده بصفة الحياة والعلم والقدرة لابد للعبد أن يصير حيا بحياته عليما بعلمه قديرا بقدرته تلخيص المعنى ان النبى صلّى اللّه عليه وسلّم لما عرج به الى سماء الجمعية الوحدانية وادرج فى نور الفردانية تجلى الحق سبحانه اولا بصروة هذه الصفات الكبرى التى هى مفاتيح الغيب لايعلمها الا هو بحيث صارت حياته مادة حياة العالم كله علويه وسفليه وروحانية وجمسانية معدنية ونباتيه وحيوانية وانسانية كما قال { وما أرسلناك الا رحمة للعالمين } وقال لولاك لما خلقت الافلاك وقال عليه السلام ( انا من اللّه والمؤمنون منى ) وكذا صار علمه محيطا بجميع المعلومات الغيبية المكوتية كما جاء فى حديث اختصام الملائكة انه قال فوضع كفه على كتفه فوجدت بردها بين يديى فعلمت علم الاولين والآخرين وفى رواية علم ما كان وما سيكون وكذا قدرته كسر بها اعناق الجبابرة وضرب بالسيف رقاب الاكاسرة وخرب حيطانهم وحصونهم فما بقين ولا بقوا وببركة هذا التجلى الجمعى الكلى والاحاطى صار آدم بتبعيته وخلافته خليفة العالم كما اخبر فى كتابه العزيز { انى جاعل فى الارض خليفة } واسجد اللّه الملائكة لتلألؤ نروه الوحدانى فى وجه آدم هذا تحقيق قوله { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } اللام جواب القسم ومن مزيدة انهى . وقال البقلى رحمه اللّه أراه سبحانه من آياته العظام مالا يقوم برؤيتها احد سواه اى المصطفى عليه السلام وذلك بأن البسه قوة الجبارية الملكوتية كما قال { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } وذلك ببروز انوار الصفات فى الآيات وتلك الآيات لو رأها احد ستغرق فى رؤيتها فكان من كمال استغراقه فى بحر الذات الصفات لم يكبر عليه رؤية الآيات قال ابن عطاء رأى الآيات فلم تكبر فى عينه لكبر همته وعلو محله ولاتصاله بالكبير المتعال قال جعفر شاهر من علامات المحبة ما كبر عن الاخبار عنها ١٩ انظر تفسير الآية:٢٠ ٢٠ { أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الاخرى } هى اصنام كانت لهم فاللات كانت لثقيف بالطائف اصله لوية فاسكنت الياء حذفت لالتقاء الساكنين فبقيت لوة فقلبت الواو الفا لتحركها وانفتاح ماقبلها فصارت لاة فهى فعلة من لوى لانهم كانوا يلوون عليها ويطوفون بها وكانت على صورة آدمى قال سعدى المفتى فان قلت هذا يختص بقراءة الكسائى فانه يقف على اللاة بالهاء اما الباقون فيقفون عليها بالتاء فلا يجوز ان تكون من تلك المادة قلت لانسلم ذلك فانهم انما يقفون بهاء مراعاة لصورة الكتابة لاغير انتهى والعزى تأنيث الاعز كانت لغطفان وهى سمرة كانوا يعبدونها فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالد بن الوليد فقطعها وهو يقول ياعزى كفرانك لاسبحانك انى رأيت اللّه قد أهانك فخرجت من اصلها شيطانة ناشرة شعرها واضعة يدها على رأسها وهى تولول فجعل خالد يضربها بالسيفحتى قتلها فاخبر رسول اللّه عليه وسلم فقال ( تلك لن تعبد أبدا ) وفى القاموس العزى صنم او سمرة عبدتها غطفان اول من اتخذها ظالم بن اسعد فوق ذات عرق الى البستان بتسعة اميال بنى عليها بيتا وسماه بسا وكانوا يسمعون فيها الصوت فبعث اليها رسول اللّه خالد بن الوليد فهدم البيت واحرق السمرة انتهى ومناة صخرة لهذيل وخزاعة سميت مناة لان دماء المناسك تمنى عندها اى تراق ومنه منى وفى انسان العيون مناة صنم كان للاوس والخزرج ارسل رسول اللّه عليه السلام سعد بن زيد الاشهلى رضى اللّه عنه فى عشرين فارسا الى مناة ليهدم محلها فلما وصلوا الى ذلك الصنم قال السادن لسعد ماتريد قال هدم مناة قال انت وذاك فأقبل سعند الى ذلك الصنم فخرجت اليه امرأة عريانة سودآء ثائرة الرأس تدعو بالويل تضرب صدرها فقال لها السادن مناة دونك بعض عصاتك فضربها سعد فقتلها وهدم محلها انتهى ووصف مناة بالثالثة تأكيدا لانها لما عطفت عليهما انها ثالثتهما والاخرى صفة ذم لها وفى المتأخرة الوضيعة المقدار اى مناة الحقيرة الذليلة لان الاخرى تستعمل فى الضعفاء كقوله تعالى { قالت اخراهم لاولاهم } اى ضعفاؤهم لرؤسائهم قال ابن الشيخ الاخرى تأنيث الآخر بفتح الخاء وهو فى الاصل من التأخر فى الوجود نقل فى الاستعمال الى المغايرة مع الاشتراك مع موصوفة فيما اثبت له ولايصح حمل الاخرى فى الآية على هذا المعنى العرفى اذ لا مشاركة لمناة فى كونها مناة ثالثة حتى توصف بالاخرى احترازا عنها فلذلك حمل على المعنى المذكور انتهى وقد جوز ان تكون الاولية والتقدم عندهم للات والعزى فتكون مناة من التأخير الرتبى يعنى ان العزى شجرة وهى لكونها من اقسام النبات اشرف من مناة التى هى صخرة وجماد فهى متأخرة عنها رتبة ويقال ان المشركين أرادوا أن يجعلوا لآلهتهم نم الاسماء الحسنى فأرادوا أن يسمعوا واحدا منها اللّه فجرى على ألسنتهم اللات وارادوا أن يسموا واحدا منها العزيز فجرى على ألسنتهم العزى وأرادوا أن يسموا واحدا منها المنان فجرى على ألسنتهم المناة وقال الراغب اصل اللات اللاه فحذفوا منه الهاء وادخلوا التاء فيه فانثوه تنبيها على قصوره عن اللّه وجعلوه مختصا بما يتقرب به الى اللّه فى زعمهم وقال السهيلى اصل هذا الاسم اى اللات لرجل كان يلت السويق للحجاج بسمن واقط اذا قدموا وكانت العرب تعظم ذلك الرجل باطعامه فى كل موسم فلما مات اتخذ مقعده الذى كان يلت فيه السويق منسكا ثم سنح الامر بهم الا أن عبدوا تلك الصخرة التى كان يقعد عليها ومثلوها صنما وسموها اللات اعنى ملت السويق ذكر ذلك كثير ممن الف فى الاخبار والتفسير انتهى وهذا على قرآءة من يشدد اللات اى التاء منه وقد قرأ به اى بالتشديد ابن عباس وعكرمة وجماعة كما فى القاموس ثم انهم كانوا مع ماذكر من عبادتهم لها يقولون ان الملائكة وتلك الاصنام بنات اللّه فقيل لهم توبيخا وتبكيتا أفرايتم الهمزة للانكار الفاء لتوجيهه الى ترتيب الرؤية على ماذكر من شؤون اللّه المنافية لها غاية المنافاة وهى قليبة ومفعولها الثانى محذوف لدلالة الحال عليه فالمعنى أعقيب ماسمعتم من آثار كمال عظمة اللّه فى ملكه وملكوته وجلاله وجبروته واحكام قدرته ونفاذ امره فى الملأ الاعلى وما تحت الثرى ومابينهما رأيتم هذه الاصنام مع غاية حقارتها بنات له تعالى قال بعضهم كانوا يقولون ان الملائكة بنات اللّه وهذه الاصنام استوطنها جنيات هن بناته تعالى او هذه الاصنام هيا كل الملائكة التى هن بناته تعالى وفى التأويلات النجمية يخاطب عبدة الاصنام صنم لات النفس وصنم عزى الهوى ومناة الدنيا الدنية الخسيسة الحقيرة الواقعة فى أدنى المراتب لخسة وضعها ودناءة قدرها ويستفهم منهم انكار الهم وردا عليهم اخبرونى عن حال آلهتكم التى اتخذتموها معبودات وتمكنتم على عبوديتها هل وجدتم فيها صفة من صفات الالهية من الايجاد والاعدام والنفع والضر وامثالها لا واللّه بل اتخذتموها آلهة لغاية ظلو ميتكم على انفسكم ونهاية جهوليتكم بالاله الواحد الاحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد ( قال المغربى رحمه اللّه ) بود وجود مغربى لات ومنات او بود ... نيست بتى جو بود او درهمه سو منات تو ٢١ { ألكم الذكر وله الانثى } توبيخ مبنى على التوبيخ الاول والمعنى بالفارسية آياتها شمارا فرزندان نرباشند ومرخدايرا مادة ٢٢ { تلك } اشارة الى القسمة المنفهمة من الجملة الاستفهامية { اذن } آنهنكام كه جنين باشد { قسمة ضيزى } اى جائرة معوجة حيث جعلتم له تعالى ماتستنكفون منه ولهى فعلى من الضيز وهو الجور يعنى ان اصله ضيزى بضم الضاد من ضاز فى الحكم يضيز ضيزا اى جار واضازه حقه بضيزه اى بخصه ونقصه لكن كسر فاؤه لتسلم الياء كما فعل فى البيض فان اصله بيض بضم الباء لانه جمع ابيض كحمر فى جمع احمر وذلك لان فعلى بالكسر لم يأت فى الوصف وفيه اشارة الى استنكار شركهم وتخصيصهم الشرك ببعض الظاهر دون بعض يعنى أتخصصون ذكر الروح لكم وان كان ميتا باستيلاء ظلمة نفوسكم الظمانية عليه وتجعلون انثى النفس فى عبوديتها واتباع مراداتها وانقياد اوامرها ونواهيها شريكا له تعالى اللّه عما يقول الظالمون الذين وضعوا الجور موضع العدل وبالعكس ماهذا الا قسمة الجور والجائر لاقسمة العدل والعادل ٢٣ { ان هى } الضمير للاصنام اى مالاصنام باعتبار الالوهية التى تدعونها اى باعتبار اطلاق اسم الاله { الا اسماء } اى اسماء مخضة ليس تحتها مسميات اى ماتبنىء هى عنه من معنى الألوهية شىء ماصلا كما اذا أردت ان تحقر من هو ملقب بما يشعر بالمدح وفخامة الشان تقول ماهو الاسم ( قال المولى الجامى ) مرد جاهل جاه كيتى را لقب دولت نهد ... همجنان آماس بيند طفل كويد فربهست ( وقال فى ذم ابناء الزمان ) شكل ايشان شكل انسان فعل شان فعل سباع ... هم ذئاب فى ثياب او ثياب فى ذئاب ويجوز الحمل على الادعاء { سيمتموها } صفة لاسماء وضميرها لها للاصنام ولمعنى جعلتموها اسماء لا جعلتم لها اسماء فان التسمة نسبة بين الاسم والمسمى فاذا قيست الى الاسم فمعناها جعله اسماء للمسمى واذا قيست الى المسمى فمعناها جعله مسمى للاسم وانما اختير ههنا المعنى الاول من غير تعرض للمسمى لتحقيق ان تلك الاصنام التى يسمونها آلهة اسماء مجردة ليس لها مسميات قطعا كا فى قوله تعالى { ماتعبدون من دونه الا ساماء سميتموها } لا ان هناك مسميات لكنها لاتستحق التسمية اى ماهى الا اسماء خالية من المسميات وضعتموها { انتم وآباءكم } بمقتضى اهوآئكم الباطلة { ما انزل اللّه بها } اى بصحة تسميتها { من سلطان } برهان تتعلقون به جميع القرءآن انزل بالالف الى فى الاعراف فانه نزل بالتشديد { ان يتبعون } التفات الى الغيبة للايذان بأن تعداد قبائحهم اقتضى الاعراض عنهم وحكاية جناياتهم لغيرهم مايتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها { الا الظن } الا توهم ان ماهم عليه حق توهما باطلا { وما تهوى الانفس } اى تشتهيه انفسهم الا مارة بالسوء فما موصولة ويجوز كونها مصدرية والالف واللام بدل الاضافة وهو معطوف على الظن وفى التأويلات النجمية يقول ليست هذه الاصنام التى تعبدونها بضلالة نفوسكم الدنية الشهوانية وجهالة عقولكم السخيفة الهيولانية الا اسماء صور وهميمة لامسميات لها اوجدتها اوهامكم الضعيفة وادركتها عقولكم المريضة المشوبة بالوهم والخيل التى هى بمرتبة آبائكم ليس لها عند اصحاب الطلب وارباب الكشف والقرب وجود و لانمو بل هى خشب مسندة ماجعل اللّه فى تلك الاصنام النفسية والهوآئية والدنيوية ولا ركب فيها التصرف فى الاشياء فى الايجاد والاعدام والقهر واللطف والنفع والضر والاشياء علويها وسفليها جمادها ونباتها حيوانها وانسانها كلها مظاهر الاسماء الالهية ومجالى الصفات الربانية الجمالية والجلالية اى اللطيفة والقهرية تجلى الحق فى الكل بحسب الكل لابحسبه الا الانسان الكامل فانه تجلى فيه بحسب الكلية المجموعية وصار خليفة اللّه فى الارض وانتم ايها الجهلة الظلمة ماتتبعون تلك الصفات الالهية وماشهدون فى الاشياء تلك الحقائق الروحانية والاسرار الربانية المودعة فى كل حجر ومدر بل اعرضتم باتباع الشهوات الحيوانية وملازمة الجسمانية الظلمانية عن ادراك تلك اللطائف الروحانية وشهود تلك العواطف الرحمانية واتبعتم مظنونات ظنكم الفاسد وموهومات وهمكم الكاسد واثرتم هوى النفس المشئومة على رضى الحق وذلك هو الخسران المبين وان الظن لايغنى من الحق شيأ انتهى وقال الجنيد قدس سره رأيت سبعين عارفا قد هلكو بالتوهم اى توهموا انهم عرفوه تعالى فالكل معزولون عن ادراك حقيقة الحق وما ادركوا فهو اقدارهم وجل قدر الحق عن ادراكهم قال تعالى { وما قدروا اللّه حق قدره } ولذلك اجترأ الواسطى رحمه اللّه فى حق السلطان العارفين ابى يزيد البسطامى قدس سره بقوله كلهم ماتوا على التوهم حتى ابو زيد مات على التوهم وقال البقلى ياعاقل احذر مما يغوى اهل الغرة باللّه من الاشكال والمخاييل التى تبدوا فى غواشى ادمغتهم وهم يحسبون انها مكاشفات الغيوب ونوادر القلوب ويدعون ام عالم الملكوت وانوار الجبروت وما يتبعون الا اهوآء نفوسهم ومخاييل شياطينهم التى تصور عندهم اشكالا وتمثالا ويزبنون لهم انها الحق الحق منزه عن الاشكال والتمثال اياك ياصاحبى وصحبة الجاهلين الحق الذين يدعون فى زماننا مشاهدة اللّه ومشاهدة اللّه حق للانبياء وليست بمكشوفة للاعدآء { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } حال من فاعل يتبعون او اعتراض وايا ما كان ففيه تأكيد لبطلان اتباع الظن وهوى النفس وزيادة تقبيح لحالهم فان اتباعهما من اى شخص كان قبيح وممن هداه اللّه بارسال الرسول وانزال الكتاب اقبح فالهدى القرءآن والرسول ولم يهتدوا بهما وفيه اشارة الى افساد استعدادهم الفطرى الغير المجعول بواسطة تلبسهم بملابس الصفات الحيوانية العنصرية وانهماكهم فى الغواشى الظلمانية الطبيعية فانهم مع ان جاءهم من ربهم اسباب الهدى وموجباته وهو النبى عليه السلام والقرءآن وسائر المعجزات الظاهرة والخوارق الباهرة الدالة على صدق نبوته وصحة رسالته اشتغلوا بمتابعة النفس وموافقة الهوى واعرضوا عن التوجه الى الولى والمولى وذلك لان هداهم ماجاءهم الا فى يوم الدنيا لافى يوم الازل ومن لم يجعل اللّه له نورا فى يوم الازل فما له من نور الى يوم الابد . واعلم ان الهدى ضد الهوى فلا بد من المتابعة للهدى قال بعض الكبار ليس لولى كرامة الا بحكم الارث لمن ورثه من الانبياء عليهم السلام ولذلك لم يقدر من هو وارث عيسى عليه السلام ان يمشى فى الهواء والماء ومن هو وارث لمحمد عليه السلام له المشى على الهوآء والماء لعموم مقامه وفى الحديث ( لو ازداد عيسى يقينا لمشى فى الهوآء ) اى بمودب قوة يقينة لا بموجب صدق اتباعى ولا نشك ان عيسى عليه السلام اقوى يقينا من سائر الاولياء الذين يمشون فى الهوآء بما لايتقارب فانه ن اولى العزم من الرسل فعلمنا قطعا ان مشى الوى منا فى الهوآء انما هو بحمم صدق التبعية لا بزيادة اليقين على يقين عيسى عليه السلام وعيسى اصدق فى تبعيته لمحمد عليه السلام من جميع الاولياء فله القدرة بذلك على المشى على الهوآء وان ترك ذلك من نفسه وبالجملة فلا يمشى فى الهوآء الا من ترك الهوى هوى وهوس را نماند ستيز ... جو بيند سر بنجه عقل تيز ٢٤ { ام للانسان ماتمنى } ام منقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال من بيان ان ماهم عليه غير مستند الا الى توهمهم وهوى نفسهم الى بيان ان ذلك مما لايجدى نفعا اصلا والهمزة للانكار والنفى والتمنى تقدير شىء فى النفس وتصويره فيها وذلك قد يكون عن تخمين وظن وقد يكون عن رؤية وبناء على اصل لكن لما كان اكثره عن تخمين صار الكذب له املك فأكثر التمنى تصوير مالا حقيقة له والمعنى ليس للانسان كل مايتمناه وتشتهيه نفسه من الامور التى من جملتها اطماعهم الفارغة فى شفاعة الآلهة ونظائرها التى لاتكاد تدخل تحت الوجود ماكل مايتمنى المرء يدركه ... تجرى الرياح بمالاتشتهى السفن ( وقال الكاشفى ) آياهستت مر انسان را يعنى كافررا آنجه آرزو برداز شفاعت بتان ياآنكه كويد جرا نبوت بفلان وفلان ندادند . وقيل ام للانسان ماشتهى من طول الحياة وان لابعث ولا حشر وفى الآية اشارة الى ان للانسان اسعتداد الكمال وهو الفناء عن انانيته والبقاء بهوية اللّه تعالى لكن بسبب اشتغاله باللذات الجسمانية والروحانية يحصل له فى بعض الاوقات آفات العلائق الجمسانية وفترات العوآئق الروحانية فيحرم من بلوغ مطلوبه ولايتهيأ له كل ماتمناه اذ كل ميسر لما خلق له فمن خلق مظهر اللطف بيده اليمنى لايقدر أن يجعل نفسه مظهر القهر ومن خلق مظهر القهر بيده اليسرى لايمكن أن يجعل نفسه مظهر اللطف توان باك كردن زرنك آينه ... وليكن نيايد زسنك آينه وانما تمنى لما ليس له مخلوقية على صورة من جمع الضدين بقوله { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } اى هو الاول فى عين آخريته والظاهر فى عين باطنيته وسئل الخراز قدس سره بم عرفت اللّه قال بالجمع بين الضدين لان الحقيقة متوحده والتعين والظهور متعدد وتنافى التعينات لايقدح فى وحدة الهوية المطلقة كما ان تنافى الزوجية والفردية لايقدح فى العدد وتضاد السواد والبياض لايقدح فى اللون المطلق قال الحسين رحمه اللّه لاختيار طلب الربوبية والتمنى الخروج من العبودية وسبب عقوبة اللّه عباده ظفرهم بمنيتهم ٢٥ { فلله الآخرة والاولى } تعليل لانتقاء ان يكون للانسان مايتمناه حتما فان اختصاص امور الآخرة والاولى جميعا به تعالى مقتض لانتفاء ان يكون له امر من الامور وفى التأويلات النجمية يشير الى قهرمانية لحق تعالى على العالم كله ملكه وملكوته الاخرى والدنيوى يعنى لايملك الانسان شيأ حتى يتمكن من تحصيل ماتتمناه نفسه بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الاعمال الصالحة والافعال الحسنة يهبه بالاسم الواهب لمن يشاء ان يكون مظهر لطفه وجماله وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى المستدعية لاسباب حصول الدنيا من حب الدنيا الدنية المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة موافقة الطعبية اللئيمة يجعله باسمه المقسط لمن يشاء ان يكون مظهر صفة قهره وجلاله ولا ذلك يزيد فى ملكه ولا هذا ينقص من ملكه وكلتا يدى الرحمن ملأى سحاء ٢٦ { وكم من ملك فى السموات لاتغنى شفاعتهم شيأ } اقناط لهم مما علقوا به اطماعهم من شفاعة الملائكة لهم موجب لاقناطهم عن شفاعة الاصنام بطريق الاولوية وكم خبرية مفيدة للتكثير محلها الرفع على الابتدآء والخبر هى الجملة المنفية وجمع الضمير فى شفاعتهم مع افراد الملك باعتبار المعنى اى وكثير من الملائكة لا تغنى شفاعتهم عند اللّه شيأ من الاغناء فى وقت من الاوقات اى لاتنفع شيأ من النفع وهو القليل منه او شيأ اى احدا وليس المعنى انهم يشفعون فلا تنفع شفاعتهم بل معناه انهم لايشفعون لانه لايؤذون لهم كا قال تعالى { الا من بعد أن يأذن اللّه } لهم فى الشفاعة { لمن يشاء } أن يشفعون له { ويرضى } ويراه اهلا للشفاعة من اهل التوحيد والايمان وما من عداهم من اهل الكفر والطغيان فهم من اذن اللّه بمعزل ومن الشفاعة بألف منزل فاذا كان حال الملائكة فى باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الاصنام وفى الآية اشارة الى ان ملك الروح يشفع فى حق النفس الامارة بالسوء رجاء الانسلاخ عن اوصافها الذميمة والترقى الى مقام الفناء والبقاء ولكن لاتنفع شفاعته فى حقها لعلمه القديم الازلى بعدم استعدادها للترقى من مقامها اللهم الا ان تقبل شفاعته فى حق نفس رقيق الحجاب مستعد لقبول الفيض الالهى لصفاء فطرته الاولى وبقاء قابليته الكبرى للترقى فى المقامات العلية بالخروج من موافقة الطبع ومخالفة الشرع والدخول فى موافقة الشريعة ومخالفة الطبيعة ٢٧ {إِنَّ الَّذِينَ لايؤمنون بالآخرة } وبما فيها من العقاب على مايتعاطونه من الكفر والمعاصى { ليسمون الملائكة } المنزهين عن سمات النقصان على الاطلاق اى كل يسمون كل واحد منهم { تسمية الانثى } منصوب على انه صفة مصدر محذوف اى تسمية مثل تسمية الانثى فان قولهم الملائكة بنات اللّه قول منهم بان كلا منهم بنته سبحانه وهى التسمية بالانثى فاللام فى الملائكة للتعريف الاستغراقى وفى تعليقها بعدم الايمان بالآخرة اشعار بأنها فى الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة وفى الاخيرة بحيث لايتحرى عليها لام من لايؤمن بها رأسا قال ابن الشيخ فان قيل كيف يصح أن يقال انهم لايؤمنون بالآخرة مع انهم كانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا عنداللّه وكان من عادتهم أن يربطوا مركوب الميت على قبره ويعتقدون انه يحشر عليه اجيب بأنهم ماكانوا تجزمون به بل كانوا يقولون لانحشر فان كان فلنا شفعاء بدليل ماحكى اللّه عنهم وما اظن الساعة قائمة ولئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى وايضا ماكانوا يعترفون بالآخرة على جه الذى ورد به الرسل فهم لايؤمنون بها على وجهها . واعلم ان الملائكة ليسوا بذكور ولاناث وفى الحديث ( جبرآئيل اتانى فى اول ماأوحى الى فعلمنى الوضوء والصلاة فلما فرغ من الوضوء اخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه اى رش بها فرجه ) اى محل الفرج من الانسان بناء على انه لافرج له وكون الملك لافرج له لو تصور بصورة الانسان دليل على انه ليس ذكرا ولا انثى وفيه نظر لانه يجوز ان يكون له آلة ليست كآلة الذكر وكآلة الانثى كما قيل بذلك فى الخنثى ويقال ذلك فرج بعضهم حمل الفرج على مايقالبل الفرج من الازار ٢٨ { ومالهم به من علم } حال من فاعل يسمون اى يسمونهم والحال انه لا علم لهم بمايقولون اصلا { ان يتبعون } اى مايتبعون فى ذلك ليس بتكرار لان الاول متصل بعبادتهم اللات والعزى ومناة والثانى بعبادتهم الملائكة { الا الظن } الفاسد { وان الظن } اى جنس الظن كما يلوح به الاظهار فى موقع الاضمار { لايغنى من الحق شيأ } من الاغناء فان الحق الذى هو عبارة عن حقيقة الشىء لايدرك ادراكا معتبرا الا بالعلم والظن لاعتداد به فى شأ المعارف الحقية وانما يعتد به فى العمليات ومايؤدى اليها كمسائل علم اصول الفقه وفيه ذم للظن ودلالة على عدم ايمان المقلد وقيل الحق بمعنى العلم اى لايقوم الظن مقام العلم وقيل الحق بمعنى العذاب اى ان ظنهم لاينقذهم من العذاب وحقيقة هذه الآية العزيزة تحريض السالكين الطالبين على السعى والاجتهاد فى السير الى اللّه بقطع المنازل السفلية وتصحيح المقامات العلوية الى ان يصلوا الىعين الجمع ويغرقوا فى بحر التوحيد ويشهدوا الحائق والمعانى المجردة بنور الوحدة الحقيقة الذاتية الدافعة ظلمة الكثرة النسبية لاسماء اللّه تعالى ثم ان الافراد يتفاوتون فى حضرة الشهود مع كونهم على بساط الحق الذى لانقص فيه لانهم انما يشهدون فى حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لستاووا فى الفضيلة قال بعض الكبار اصحاب الكشف الخيالى غلطهم اكثر من اصابتهم لان الخيال واسع والذى يظهر فيه يحتمل التأويلات المختلفة فلا يقطع القطع بما يحصل منه الا بعلم آخر ورآء ذلك وانما كان الخيال بهذا الحكم لكونه ليست له حقيقة ونفسه بل هو امر برزخى بين حقيقتين وهما المعانى المجردة والمحسوسات فهلذا يقع الغلط فى الخيال لكونه ليست له حقيقة فى نفسه وانظر الى اشارته عليه السلام فى الكشف الخيالى وكونه يقبل الاصابة والغلط لما أتاه جبرآئيل بصورة عائشة رضى اللّه عنها فى سرفة من حرير وقال له هذه زوجتك فقال عليه السلام ( ان يكن من عند اللّه يمضه ) بحلاف ما لو اتاه ذلك بطريق الوحى المعهود المحسوس له او بطريق المعانى المجردة الموجبة لليقين وللعلم فانه ذا لايمكنه الجواب بمثل ذلك الجواب الذى يشعر بالتردد المحتمل الذى يقتضيه حضرة الخيال بحقيقتها سيراب كن زبحر يقين جان تشنه را ... زين بيش خشك لب منشين برسراب ريب ٢٩ { فاعرض عمن تولى عن ذكرنا } اى فاعرض يا محمد عن دعوة من اعرض عن ذكرنا المفيد للعلم اليقينى ولم يؤمن به وهو القرءآن المنطوى على علوم الاولين والآخرين المذكر لأمور الآخرة ولاتتهالك على اسلامه وعن ذكرنا كما ينبغى فان ذلك مستتبع لذكر الآخرة ومافيها من الامور المرغوب فيها والمهروب عنها { ولم يرد الا الحياة الدنيا } راضيا بها قاصرا نظره على جمع حطامها وجلب منافعها فالمراد النهى عن دعوته والاعتناء بشأنه فان من اعرض عما ذكر وانهمك فى الدنيا بحيث كانت منتهى همته وقصارى سعيه لاتزيده الدعوة الى خلافها الاعنادا واصرارا على الباطل النهى عن الدعوة لايستلزم نهى الآية بآية القتال بل الاعراض عن الجواب والمناظرة شرط الجواز المقاتلة فيكف يكون منسوخا بها فالمعنى اعرض عنهم ولا تشتغل باقامة الدليل والبرهان فانهم لاينتفعون به وقاتلهم واقطع دابرهم قال بعضهم ضيع وقته من اشتغل بموعظة طالبى الدنيا والراغبين فيها لان احدا لايقبل على الدنيا الا بعد الاعراض عن الله باسيه دل جه سود كفتن وعظ ... نرود ميخ آهنين درسنك قال ابن الشيخ اعلم ان النبى عليه السلام كالطبيب للقلوب فأمره اللّه تعالى فى معالجة القلوب بما عليه الاطباء فى معالجة المرضى فان المرض اذا امكن علاجه بالغذآء لايستعملون فى ازالته الدوآء واذا امكن ازالته بالدوآء الضعيف لايستعملون الدوآء القوى والكى فلذلك امر عليه السلام بالذكر الذى هو غذآء القلوب حيث قال ( قولوا لا اله الا اللّه فان بذكر اللّه تطمئن القلوب ) كما ان بالغذآء تطمئن النفوس فانتفع به ابو بكر ومن كان مثله رضى اللّه عنهم ومن لم ينتفع بالحمل على الذكر والامر به ذكر لهم الدليل وقال اولم يتفكروا قل انظروا افلا ينظرون فلما لم ينتفعوا أتى بالوعيد والتهديد فلما لم ينفقعهم قال اعرض عن المعالجة واقطع الفاسد لئلا يفسد الصالح فقوله عمن تولى الخ اشارة الى ماقلنا فان التولى عن ذكره كناية عن ملزمة الذى هو ترك النظر فى دلائل وجوده ووحدته وسائر صفاته وقوله ولم يرد الخ اشارة الى انكارهم الحشر ومن لم يقل بالحشر والحساب لايخاف ولا يرجع عما هو عليه ترك النظر فى دلائل اللّه لايعرفه فلا يتبع رسوله فلا ينفعه كلامه فلا يبقى فى الدعاء فائدة فلم يبق الا ترك المعالجة والمسارعة الى المقاتلة انتهى كلامه . ثم اعلم ان كل مايبعد البعد عن حضرة سيده فهو من الحياة الدنيا فمن قصد بالزهد والورع والتقى والكشف والكرامات وخوارق العادات قبول الناس والشهرة عندهم وحصول الجاه والمال فهو ممن لم يرد الا الحياة الدنيا فضاع جميع احواله وكسد جملة اقواله وافعاله اذ لاربح له عند اللّه ولا ثمرة زعمرو اى بسر جشم اجرت مدار ... جو درخانه زيد باشى بكار ولايغترن هذا بحصول بعض الكشوف واقبال اهل الدنيا عليه فانه ثمرة عاجلة ماله فى الآخرة من خلاق ألا ترى ان ابليس عبد اللّه تعالى تسعة آلاف سنة لما كفر وقال انظرنى الى يوم يبعثون امهله اللّه تعالى فكانت تلك المهلة ثمرة عاجلة له فى حياته الدنيوية ٣٠ { ذلك } اى امر الدنيا وفى بحر العلوم اى ارادة الدنيا وايثارها على الآخرة وفى الارشاد اى ماأداهم الى ماهم فيه من التولى وقصر الارادة على الحياة الدنيا { مبلغهم من العلم } لايكادون تجاوزونه الىغيره حتى يجديهم الدعوة والارشاد كقوله تعالى { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } فمبلغ اسم مكان وجمع الضمير فى مبلغهم باعتباره معنى من كما ان افراده فيما سبق باعتبار لفظها والمراد بالعلم مطلق الادراك المنتظم للظن الفاسد والجلمة اعتراض مقرر لقصر همتهم على الدنيا الدنية التى هى ابغض الخلق الى اللّه تعالى بشهادة قوله عليه السلام ( ان اللّه لم يخلق خلقا هو ابغض اليه من الدنيا ومانظر الهيا منذ خلقها بغضا لها ) رواه ابو هريرة رضى اللّه عنه ومعنى هو ان الدنيا على اللّه سبحانه انه تعالى لم يجعلها مقصودة لنفسه بل جعلها طريقا موصلة الى ماهو المقصود لنفسه ولذلك قال عليه السلام ( الدنيا قنطرة فاعبروها لا تعمروها ) فما ورد من اباحة لعن الدنيا فباعتبار ماكان منها مبعدا عن اللّه تعالى وشاغلا عنه كما قال بعض اهل الحقيقة مالهاك عن مولاك فهو دنياك ومشئوم عليك واما مايقرب الى اللّه ويعين الى عبادته فممدوح كما قال عليه السلام ( لاتسيوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ان العبد اذا قال لعن اللّه الدنيا قالت الدنيا لعن الهل اعصانا لربه ) ( وفى المثنوى ) جيست دنيا از خدا غافل بدن ... نى قماش ونقره وميزان و زن مال را كزبهر دين باشى حمول ... نعم مال صالح خواندش رسول آب در كشتى هلاك كشتى است ... آب اند زير كشتى بشتى است جونكه مال وملك را ازدل براند ... زان سليمان خويش جرسكين نخواند قال بعض الكبار من ذم الدنيا فقد عق امه لان جميع الانكاد والشرور التى ينسبها الناس الى الدنيا ليس هو فعلها وانما هو فعل اولادها لان الشر فعل المكلف لافعل الدنيا فهى مطية العبد عليها يبلغ الخير وبها ينجوا منا لشر فهى تحب ان لايشقى احد من اولادها لانها كثيرة الحنو عليهم وتخاف أن تأخذهم الضرة الاخرى على غير اهبة مع كونها ما ولدتهم ولا تعبث فى تربيتهم فمن عقوق اولادها كونهم ينسبون جميع افعال الخير الى الآخرة ويقولون اعمال الآخةر والحال انهم ما عملوا تلك الاعمال الا فى الدنيا فللدنيا اجر المصيبة التى فى اولادها ومن اولادها فما انصف من ذمها بل هو جاهل بحق امه ومن كان كذلك فهو بحق الآخرة اجهل انتهى . واعلم ان الارادة والنية واحد وهو قصد قلبى ينبعث الى قلب الانسان بالعبث الالهى فهذا البعث الالهى ان كان بالفجور على ماقال تعالى { فألهمها فجورها وتقواها } فهو من اسم المضل وقبضة الجلال ويد القهر وسادنه هو الشيطان وان كان بالتقوى فهو من اسم الهادى وقبضة الجمال ويد اللطف وسادنه هو الملك والاول من عالم العدل والثانى من علام الفضل وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ثم ان نية الانسان لاتخلو اما أن يكون متعلقا فى لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيىء نية وعملا واما أن يكون متعلقها فى لسانه هو الآخرة وفى جنانه هو الدنيا فهو اسوء نية وعملا واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو وجه اللّه فهو احسن نية وعملا فالاول حال الكفار والثانى حال المنافقين والثالث حال الابرار الرابع حال المقربين وقد أثار الحق سبحانه وتعالى الى احوال المقربين عبارة والى احوال غيرهم اشارة فى قوله تعالى { انا جعلنا ماعلى الارض زينة لها لنبلوهم أيهم احسن عملا } والمقربون قد فروا الى اللّه من جميع ما فى ارض الوجود ولم يلتقوا الى شىء سوى وجهه الكريم ولم يريدوا امن المولى غير المولى فكانوا احسن نية وعملا هذا صراط مستقيم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين { ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بمن اهتدى } تعليل للامر بالاعراض وتكرير قوله وهو اعلم لزيادة التقرير والايذان بكمال تباين المعلومين والمراد بمن ضل من اصر عليه ولم يرجع الى الهدى اصلا وبمن اهتدى من من شأنه الاهتدآء فى الجملة اى هو المبالغ فى العلم بمن لا يرعوى عن الضلال ابدا وبمن يقبل الاهتدآء فى الجملة لا غير فلا تتعب نفسك فى دعوتهم فانه من القبيل الاول وفيه اشارة الى النفس الكافرة ويهود صفاتها فانهم لايقبلون الدعوة لانتفاء استعدادهم لقبولها فمن كان مظهر القهر فى الازل لايكون مظهر اللطف فى الابد وبالعكس وفى الحديث القدسي ( خلقت الجنة وخلقت لها اهلا خلقت النار وخلقت لها اهلا فطوبى لمن جعلته اهلا للجنة وويل لمن جعلته اهلا للنار ) قال بعض الكبار النفس لاتفعل الشر الا لجاجة من القرين واللجاج ممن لا قدرة على منعه ومخالفته بمنزلة الاكراه والمكره غير مؤاخذ بالشرع والعقل ولذا قال عليه السلام الخير عادة والشر لجاجة فهو بشارة عظيمة من العالم بالامور عليه السلام فانه اخبر ان النفس خيرة بالذات لان اباها الروح القدسى الطاهر وما تقبل الشر الا لجاجة من القرين فلم يجعل عليه السلام الشر من ذاتها ٣١ { ولله مافى السموات وما فى الارض } اى خلقا وملكا لا لغيره اصلالا استقلالا ولا اشتراكا { ليجزى } الخ متعلق بما دل عليه اعلم الخ وما بينهما اعتراض مقرر لما قبله فان كون الكل مخلوقا له تعالى مما يقرر علمه تعالى بأحوالهم ألا يعلم من خلق كأنه قيل فيعلم ضلال من ضل واهتدآء من اهتدى ويحفظهما ليجزى { الذين اساؤا } بد كردند { بما عملوا } اى بعقاب ماعلموا من الضلال الذى عبر عنه بالاساءة بيانا لحاله او بسبب ماعملوا شبه نتيجة علمه بكل واحد من الفريقين وهى مجازاته على حسب ح اله بعلته الغائبة فأدخل لام العلة عليها وصح بذلك تعلقها بقوله اعلم هين مراقب باش كردل بايدت ... كزبى هر فعل جيزى زايدت { ويجزى الذين احسنوا } اى اهتدوا { بالحسنى } اى بالمثوبة الحسنى التى هى الجنة فالحسنى للزيادة المطلقة والباء لتعدية الجزآء او بسبب اعمالهم الحسنى فالباء للسببية والمقابلة ٣٢ { الذين يجتنبون كبائر الاثم } صفة للذين احسنوا او بدل منه لكن قال سعدى المفتى لاحسن فى جعل الذين الخ مقصودا بالنسبة وجعل الذين احسنوا فى حكم المتروك ولو كان النظم على العكس لكان لها وجه انتهى يقول الفقير الاجتناب من باب التخلية بالمعجمة وهى اقدم فلذا جعلت مقصودة بالنسبة وصيغة الاستقبال فى صلته دون صلة الموصوف او المبدل منه للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره يعنى للاشعار بأن ترك المعصية سوآء كانت بارتكاب المحرمات او بترك الواجبات ينبغى أن يستمر عليه المؤمن ويجعل الاجتناب عنها دأبا له وعادة حتى يستحق المثوبة الحسنى فان من اجتنب عنها مرة وانهمك عليها فى باقى الازمان لايستحقها بخلاف الحسنات المتطوع بها فان من أتى بها ولو مرة يؤجر عليها وكبائر الاثم مايكبر عقابه من الذنوب وهو مارتب عليه الوعيد بخصوصه كالشرك والزنى مطلقا خصوصا بحليلة جاره وقتل النفس مطلقا لاسيما الاولاد وهى الموؤودة وقال ابن جبير هى مالا يستغفر منه لقوله عليه السلام ( لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع اصرار ) وفى الحديث ( اياكم والمحقرات من الذنوب ) قال ابن عباس رضى اللّه عنهما هى الى سبعين اقرب وتمام التفضيل سبق فى حمعسق فى نظير الآية { والفواحش } وما فحش من الكبائر خصوصا الزنى والقتل بغير حق وغيرهما فهو من قبيل التخصيص بعد التعميم قال الراغب الفحش والفحشاء والفاحشة ماعظم قبحه من الافعال الاقوال { الا اللمم } اللمم ماقبة المعصية ويعبر به عن الصغيرة من قولك الممت بكذا اى نزلت به وقاربته من غير مواقعة وألم الغلام قارب البلوغ والاستثناء منقطع لان المراد باللمم الصغائر وهى لاتدخل فى الكبائر والمعنى الا ماقل و صغر فانه مغفور ممن يجتنب الكبائر يعنى ان الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنب الكبائر قال تعالى { ان الحسنات يذهبن السيئات } وقال ان تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقيل هى النظر بلا تعمد فان أعاد النظر فليس بملم وهو مذنب والغمزة والقبلة كما روى ان نبهان التمار أتته امرأة لتشترى التمر فقال لها ادخلى الحانوت فعانقها وقبلها فقالت المرأة خنت اخاك ولم تصب حاجتك فندم وذهب الى رسول اللّه عليه السلام فنزلت وقيل هى الخطرة من الذنب اى ماخطره من الذنب على القلب بلا عزم . وازقوت بفعل نيابد . وقيل كل ذنب لم يذكر اللّه عليه حدا ولا عذابا وقال بعضهم اللهمم والالمام مايعمله الانسان الحين بعد الحين ولايكون له عادة ولا اقامة عليه قال محمد بن الحنفية كل ماهممت به من خير وشر فهو لمم دليله قوله عليه السلام ( ان للشيطان وللملك لمة فلمة الشيطان الوسوسة ولمة الملك الالهام ) وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما معناه ا لا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب ولم يثبت عليها فان اللّه يقبل توبته ويؤده قوله عليه السلام ( ان تغفر اللهم فاغفر جما واى عبد لك لا الما ) فالاستثناء على هذا متصل وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما ما رأيت اشبه باللمم مما نقله ابو هريرة رضى اللّه عن رسول اللّه عليه السلام ( ان اللّه كتب على ابن آدم حظه من الزنى فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق وزنى الشفتين القبلة وزنى اليدين البطش وزنى الرجلين المشى والنفس تتمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك كله او يكذبه فان تقدم فرجه كان زانيا والا فهو اللمم ) وفى الاسئلة المقحمة الذنوب كلها كبائر على الحقيقة لان الكل تتضمن مخالفة امر اللّه تعالى لكن بعضها اكبر من بعض عند الاضافة ولا كبيرة اعظم من الشرك واما اللمم فهو من جملة الكبائر والفواحش ايضا الا ان اللّه تعالى أراد باللمم الفاحشة التى يتوب عنها مرتكبها ومجترحها وهو قول مجاهد والحسن وجماعة من الصحابة منهم ابو هريرة رضى اللّه عنه { ان ربك واسع المغفرة } حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر فالجملة تعليل لاستثناء اللمم وتنبيه على ان اخراجه من حكم المؤاخذة به ليس لخلوه عن الذنب فى نفسه بل لسعة المغفرة الربانية وفى التأويلات النجمية كبائر الاثم ثلاث مراتب محبة النفس الامارة بالسوء ومحبة الهوى النافخ فى نيران النفس ومحبة الدنيا التى هى رأس كل خطيئة ولكل واحدة من هذه المحبات الثلاث فاحشة لازمة غير منفكة عنها اما فاحشة محبة النفس الامارة بالسوء فماوفقة الطبيعة ومخالفة الشريعة واما فاحشة محبة الهوى فحب الدنيا وشهواتها واما فاحشة محبة الدنيا فالاعراض عن اللّه والاقبال على ماسواه قوله الا اللمم اى الميل اليسير الى النفس والهوى والدنيا بحسب الضرورة البشرية من استراحة البدن ونيل قليل من حظوظ الدنيا بحسب الحقوق لابحسب الحظوظ فان مباشر الحقوق مغفور ومبادر الحظوظ مغرور كما قال ان ربك واسع المغفرة ومن سعة غفرانه ستر ظلمة الوجود المجازى بنور الوجود الحقيقى بالفناء عن ناسوتيته والبقاء بلا هوتيته انتهى قال بعض الكبار من استرقه الكون بحكم مشروع كالسعى فى مصالح العباد والشكر لاحد من المخلوقين من جهة نعمة اسداها اليه فهو لم يبرح عن عبوديته لله تعالى لانه فى ادآء واجب اوجبه الحق عليه واما تعبد العبد فمخلوق عن امر اللّه لايقدح فى العبودية بخلاف من استرقه الكون لغرض نفسى ليس للحق فيه رآئحة ا مر فان ذلك يقدح فى عبوديته لله تعالى ويجب عليه الرجوع الى الحق تعالى وقال بعض العارفين من المحال ان يأتى مؤمن معصية توعد ا لله عليها بالعقوبة فيفرغ منها الا ويجد فى نفسه الندم على وقوعها منه وقد قال صلى اللّه عليه وسلم ( الندم توبة ) وقد قام بهذا المؤمن الندم فهو تائب بلا شك فسقط حكم الوعيد لهذا الندم فانه لابد للمؤمن أن يكره المخالفة ولا يرضى بها فهو من كونه كارها لها ومؤمنا بأنها معصية ذو عمر صالح وهو من كونه فاعلا لها ذو عمل سيىء فهو من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وقد قال تعالى فيهم عيسى اللّه أن يتوب عليهم يعنى ليتوبوا واللّه غفور رحيم انتهى فعلى العاقل أن يندم على المعاصى الواقعة منه ولا يغتر بالرب الكريم وان كان اللّه واسع المغفرة فانه تعالى شديد البطش والاخذ نسأل اللّه العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة { هو } تعالى { اعلم } منكم { بكم } اى بأحوالكم يعلمها { اذ أنشأكم } اى خلقكم فى ضمن انشاء أبيكم آدم عليه السلام { من الارض } انشاء اجماليا { واذا أنتم اجنة } ووقت كونكم اجنة { فى بطون امهاتكم } على اطوار مختلفة مترتبة لايخفى عليه حال من أحوالكم وعمل من أعمالكم التى من جملتها اللمم الذى لولا المغفرة الواسطة لاصابكم وباله وضروره والاجنة جمع جنين مثل اسرة وسرير والجنين الولد مادام فى البطن وهو فعيل بمعنى مفعول اى مدفون مستتر والجنين الدفين فى الشىء المستتر فيه من جنة اذا ستره واذا خرج من بطن امه لايسعى الا ولدا او سقطا وفى الاشباه هو جنين مادام فى بطن امه فاذا انفصل ذكرا فصبى ويسمى رجلا كما فى آية الميراث الى البلوغ فغلام الى تسعة عشر فشاب الى أربعة وثلاثين فكهل الى احد وخمسين فشيخ الى آخر عمره هذا فى اللغة وفى الشرع يسمى غلاما الى البلوغ وبعده شابا وفتى الى ثلاثين فكهل الى خمسين وشيخ وتمامه فى ايمان البزازية فان قيل الجنين اذا كان اسما له مادام فى البطن فما فائدة قوله تعالى فى بطون امهاتكم قلنا فائدته المبالغة فى بيان كمال علمه وقدرته فان بطون الامهات فى غاية الظلمة ومن علم حال الجنين فيها لايخفى عليه شىء من أحواله { فلا تزكوا أنفسكم } الفاء لترتيب النهى عن تزكية النفس على ماسبق من أن عدم المؤآخذة باللمم ليس لعدم كونه من قبيل الذنوب بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه بصدوره عنكم اى اذا كان الامر كذلك فلا تثنوا عليها بالطهارة من المعصية بالكلية او بما يستلزمها من زكاء العمل ونماء الخير بل اشكروا اللّه تعالى على فضله ومغفرته وبالفارسية بس ستايش مكنيد نفسهاى خودرا به بى كناهى وبسيارى خيروخوبى اوصاف . وقال الحسن رحمه ا لله علم اللّه من كل نفس ماهى صانعة والى ماهى صائرة فلا تزكوا أنفسكم ولا تطهروها من الآثام ولا تمدحوهها بحسن الاعمال لان كل واحد من التخلية والتحلية انما يعتد به اذا كان خالصا لله تعالى واذا كان هو أعلم بأحوالكم منكم فأى حاحة الى التزكية همان به كرآبستن كوهرى ... كه همجون صدف سر بخود در برى اكر مسك خالص ندارى مكوى ... وكرهست خود فاش كردد ببوى منه آب زر جان من بربشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز واما من زمكاه الغير ومدحه فقد ورد فيه { احثوا فى جه المداحين } اى الذين يمدحون بما ليس فى الممدوح { التراب } على حقيقته او هو مجاز عن ردهم عن المدح لشلا يغتر الممدوح فيتجبر وقيل المراد به أن لا يعطوهم شيأ لمدحهم او معناه الامر بدفع المال اليهم لينقطع لسانهم ولا يشتغلوا بالهجوا وفيه اشارة الى أن المال حقير فى الواقع كالتراب قال ابو الليث فى تفسير المدح على ثلاثة اوجه الاول أن يمدحه فى وجهه فهو الذى نهى عنه والثانى أن يمدحه بغير حضرة ويعلم انه يبلغ فهذا ايضا ينهى عنه ومدح فى حال غيبته وهو لايبالى بلغه او لم يبلغه ومدح يمدحه بما هو فيه فلا بأس بهذا انتهى ( وفى المثنوى ) خلق مادر صورت خود كرد حق ... وصف ماز وصف او كيرد سبق جونكه آن خلاق شكر وحمد جوست ... آدمى را مدح جويى نيز خوست خاصه مرد حق كه در فضلست جست ... برشود زان باد جون خيك درست ور نه باشد اهل زان باد دروغ ... خيك بدريدست كى كيرد فروغ واما المدح بعد الموت فلا بأس به اذا لم يجاوز الحد كالروافض فى مدح اهل البيت { هو اعلم بمن اتقى } المعاصى جميعا وهو استئناف مقرر للنهى ومشعر تأن فيهم من يتقيها بأسرها وقيل كان ناس يعملون اعمالا حسنة ثم يقولون صلاتننا وصيامنا وحجنا فنزلت وهذا اذا كان بطريق الاعجاب او الرياء فأما من اعتقد أن ماعمله من الاعمال الصالحة من اللّه تعالى وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم فان المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر وفى التأويلات النجمية يشير به الى أن علم الانسان بنفسه علم اجمالى وعلمه تعالى به تفصيلى والعلم التفصيلى اكمل واشمل من العلم الاجمالى و ايضا علم الانسان بنفسه علم مقيد قواه البشرية وهو متناه بحسب تناهى قواه البشرية علمه تعالى به علم مطلق اذ علمه عين ذاته فى مقام الواحدية غير ذاته فى مقام الواحدية والعلم المطلق أحوط وأجمع من العلم المقيد وايضا الانسان مخلوق على صورة اللّه كما قال عليه السلام ( ان اللّه خلق آدم على صورته ) وفى رواية اخرى على صورة الرحمن واللّه تعالى عالم بصورته المنزهة عن الشكل المقدسة عن الهيئة والانسان غير عالم بها على كيفية علم اللّه اذلا يعلم اللّه الا اللّه كما قال { وما قدروا اللّه حق قدره } اللهم الا أن يفنى عن علمه المقيد ويبقى بعلمه المطلق هذا هو تحقيق اعلمية الحق تعالى وقوله { وهو اعلم بمن اتقى } اى بمن اتقى باللّه عما سواه بحيث جعل اللّه تعالى وقاية نفسه لينسب كل مايصدر عنه من العلم والعمل اليه فانه هو المؤثر فى الوجود ومنه كل فيض وفضل وخير وجود ٣٣ { أفرأيت الذى تولى } اى اعرض ان اتباع الحق والثبات عليه وبالفارسية أياديدى آن كسى را كه از يبرىء حق روى بكردانيد ٣٤ { واعطى قليلا } اى شيأ قليلا من ماله واعطاء قليلا وبالفارسية وبداداندكى ازمال خود براى رشوت تحمل عذاب ازو { واكدى } اى قطع عطيته وامسك بخلا من قولهم اكدى الحافر اى حافر البئر اذا بلغ الكدية اى الصلابة كالصخرة فلا يمكنه أن يحفر ثم استعمل فى كل من طلب شيأ فلم يصل اليه ولم يتممه ولم يبلغ آخره وفى القاموس اكدى بخل او قل خيره او قلل عطاءه وفى تاج المصادر قوله تعالى { واكدى } اى قطع القليل قالوا نزلت فى الوليد بن المغيرة كان يتبع رسول اللّه عليه السلام يعنى دربى حضرت رسالت ميرفت واستماع كلام وى ميكند در مجلس او . وطمع النبى عليه السلام فى اسلامه فعيره بعض المشركين وعاتبه وقال له تركت دين الاشياخ وضللتم فقال أخشى عذاب اللّه فضمن أن يتحمل عنه العذاب وكل شىء يخافه فى الآخرة ان اعطاه بعض ماله فارتد وتولى عن الوعظ استماع الكلام النبوى واعطاه بعض المشروط وبخل بالباقى فالذم آيل الى سبب القطع وهو البخل فلا يتوهم ان الآية مسوقة لذم فعل المتولى وقطع العطاء عن المتحمل المذكور ليس بمذموم ( وقال الكاشفى ) واكد وباز داشت باقى رابس جهل وبخل بايكديكر جمع كرد يقول الفقير الظاهر ان الآية مسوقة لذم التولى وسوء الاعتقاد فى نفع التحمل يوم القيامة كما دلت عليه الآية الآتية وقوله { وأعطى قليلا واكدى } مجرد بيان الحال المتولى المعطى فيما جرى بينه وبين المتحمل لاذم لبخله فى ذلك لكن لايخلو عن التهكم حيث انه بخل فيما اعتقد نفعه وقال مقاتل انفق الوليد على اصحاب محمد عليه السلام نفقة قليلة ثم انتهى عن ذلك انتهى ولا يخفى انه ليس لهذا المعنى ارتباط بما يعبد من الآيات وفيه اشارة الى السالك المنقطع فى اثناء السلوك الراجع من السير الى اللّه الى نفسه الشرية واستيفاء لذاتها الحيوانية بسبب سآ مه المشؤومة من المجاهدات البدنية والرياضيات النفسانية بعد ان صرف فى طريق السير والسلوك فلسا من رأس مال عمره ثم بخل به وقطعه عن الصرف فى طريق السعى والاجتهاد فى اللّه وصرف بقية رأس مال عمره فى تحصيل لذات النفس الحيوانية البشرية واستفاء شهواتها وحب الدنيا الدنية الخسيسة وهذا كله لعدم استعداده للوصول والوصال نعوذ باللّه من الحور بعد الكور ومن النكرة بعد المعرفة اندرين ره مى تراش ومى خراش ... تادم آخر دمى فارغ مباش ٣٥ { أعنده } آيا نزديك اوست { علم الغيب فهو يرى } الفاء للسببية والرؤية قلبية اى أعنده علم بالامور الغيبية التى من جملتها تحمل صاحبه عنه يوم القيامة فهو يعلم ان صاحبه بتحمل عنه قال ابن الشيخ ارأيت بمعنى اخبرت وأعنده علم الغيب مفعوله الثانى اى أخبرت أن هذا المعطى المكدى هل عنده علم ماغاب عنه من أحوال الآخرة فهو يعلم ان صاحبه يتحمل اوزاره على ان قوله يرى بمعنى يعلم حذف معفولاه لدلالة المقام عليهما ٣٦ { ام } أهو جاهل { لم ينبأ } لم يخبر { بما فى صحف موسى } اى اسفار التوراة قال الراغب الصحيفة المبسوطة من كل شىء كصحيفة الوجه والصحيفة التى كان يكتب فيها وجمعها صحائف وصحف والمصحف ماجعل جامعا للصحف المكتوبة وقال القهستاتى المصحف مثلث الميم ماجمع فيه قرءآن والصحف ٣٧ { وابراهيم الذى وفى } عطف على موسى اى وبما فى صحف ابراهيم الذى وفى اى وفروأتم مابتلى به من الكلمات كما مر فى سورة البقرة او أمر به من غير اخلال اهمال يقال اوفاه حقه ووفاه بمعنى اى أعطاه تاما وافيا ويجوز أن يكمون التشديد فيه للتكثير والمبالغة فى الوفاء بما عاهد اللّه اى بالغ فى الوفاء بما عاده اللّه وتخصيصه بذلك لاحتماله مالم يحتمل غيره كالصبر على نار نمرود حتى انه أتاه جبريل حين ألقى فى النار فقال ألك حاجة فقال اما اليك فلا وعلى ذبح الولد وعلى الهجرة وعلى ترك اهله وولده فى واد غير ذى رزع ويروى انه كان يمشى كل يوم فرسخا يرتاد ضيفا فان وجده اكرمه والا نوى الصوم ونعم ماقيل وفى ببذل نفسه للنيران وقلبه للرحمن و ولده للقربان وماله للاخوان وعن النبى عليه السلام وفى عمل كل يوم باربع ركعات وهى صلاة الضحى وفى الحديث القدسى ( ابن آدم اركع الى اربع ركعات من اول النهار اكفك آخره ) وروى الا اخبركم لم سمى اللّه خليله الذى وفى كان يقول اذا اصبح وأمسى فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون حتى يتختم الآيتين ذكره احمد فى مسنده الآيات الثلاث فى عين المعانى وعن ابى ذر الغفارى رضى اللّه عه قال قلت يارسول اللّه كم من كتاب انزل اللّه قال ( مائة كتاب واربعة كتب أنزل اللّه على آدم عشر صحائف وعلى شيث خمسين صحيفة وعلى ادريس ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عشر صحائف وانزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان ) قلت يارسول اللّه ما كانت صحف ابراهيم قال ( كانت امثالا منها ايها الملك المبتلى المغرور انى لم أبعث فتجمع الدنيا بعضها الى بعض ولكن بعثتك كيلا ترد دعوة المظلوم فانى لا أردها وان كانت من كافر ) وكان فيها امثال منها وعلى العاقل ما لم يكن مغلويا على عقله أن يكون له ساعات ساعة يناجى فيها ربه ويفكر فى صنع اللّه وساعة يحاسب نفسه فيما قدم واخر وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال فى المطعم والمشرب وغيرهما وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شانه حافظا للسانه ومن علم ان كلامه من عمله قل كلامه الا فيما يعنيه ويأتى مانقل من صحف موسى فى آخر سورة سبح اسم ربك الاعلى كذا فى فتح الرحمن وتقديم موسى لمى أن صحفه التى هى التوراة اشهر عندهم واكثر . يقول الفقير وايضا هو من باب الترقى من الاقرب الى الابعد لكون الاقرب اعرف وايضا ان موسى صاحب كتاب حقيقة بخلاف ابراهيم ٣٨ { الا تز وازرة وزر أخرى } اصله أن لاتزر على ان ان هى المخففة من الثقيلة وضمير الشأن هو اسمها محذوف والجملة المنفية خبرها ومحل الجملة الجر على انها مما فى صحف موسى او الرفع على انها خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل مافى صحفهما فقيل هو انه اى الشأن لاتحمل نفس من شأنها الحمل حمل نفس اخرى من حيث تتعرى منه المحمول عنها ولا يؤاخذ احد بذنب غيره ليتخلص الثانى من عقابه فالمراد بالوازرة هى التى يتوقع منها الوزر والحمل لا لتى وزرت وحملت ثقلا والافكان المقام أن يقال لاتحمل فارغة وزر اخرى اذ لا تحمل مثقلة بوزرها غير الذى عليها وفىهذا ابطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الاثم ولا يقدح فى ذلك قوله تعالى { كتبنا على بنى اسرآئيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا } اذ ليس المعنى ان عليه اثم مباشرة سائر القاتلين بل المعنى ان عليه فوق اثم مباشرته للقتل المحظور اثم دلالته وسببته لقتل هؤلاء وهما ليستا الا من اوزاره فهو لايحمل الا وزر نفسه وكذا قوله عليه السلام من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة فان ذلك وزر الاضلال الذى هو وزره ٣٩ { وان ليس للانسان الا ماسعى } ان مخففة من الثقيلة كأختها معطوفة عليها وللانسان خبر ليس والا ماسعى اسمها مصدرية ويجوز أن تكون موصولة والسعى المشى الذريع وهو دون العدو ويستعمل للجد فى الامر خيرا كان او شرا والمعنى وانه اى الشأن ليس للانسان فى الآخرة الا سعيه فى الدنيا من العمل والنية اى كما لايؤآخذ احد بذنب الغير لايثاب بفعله فهو بيان لعدم انتفاع الانسان بعمل غيره من حيث جلب النفع أثر بيان عدم انتفاعه من حيث دفع الضرر عنه وظاهر الآية يدل على انه لاينفع احدا عمل احد واختلوفا فى تأويلها فروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما عدم اثباته الانسان بسعى غيره وفعله وهذا منسوخ الحكم فى هذه الشريعة بقوله تعالى { الحقنا بهم ذريتهم } فيدخل الابناء الجنة بصلاح الآباء ويجعل الولد الطفل يوم القيامة فى ميزان ابيه ويشفع اللّه الآباء فى الابناء والابناء فى الآباء يدل على ذلك قوله تعالى { آباؤكم وابناؤكم لا تدرون أيهم اقرب لكم نفعا } قال عكرمة كان ذلك لقوم ابراهيم وموسى واما هذه الامة فلهم ماسعوا و ما سعى لهم غيرهم لما روى ان امرأة رفعت صبيا لها من محفة وقالت يارسول اللّه ألهذا حج قال ( نعم ولك اجر ) وقال رجل للنبى عليه اسلام ان امر افتلتت نفسها اى ماتت فجأة فهل لها أجر ان تصدقت عنها قال نعم وقال الربيع بن انس وان ليس للانسان الا ماسعى يعنى الكافر واما المؤمن فعله ماسعى وماسعى له غيره وكثير من الاحاديث يدل على هذا القول ويشهد له ان المؤمن يصل اليه ثواب العمل الصالح منغ يره ( روى ) ان عائشة رضى اللّه عنها اعتكفت عن اخيها عبدالرحمن رضى اللّه عنه بعد موته واعتقت عنه وقال سعد للنبى عليه السلام ان امى توفيت أفأ تصدق عنها قال نعم قال فأى الصدقة أفضل قال سقى الماء فحفر بئرا وجعلها فى سبيل اللّه وقال القرطبى فى تذكرته ويحتمل أن يكون قوله { وان ليس للانسان الا ماسعى } خالصا فى السيئة بدليل قوله عليه السلام ( قال اللّه اذا هم عبدى بحسنة ولم يعملها كتبتها عشار الى سبعمائة ضعف واذا هم بسيئة ولم يعلمها لم اكتبها عليه فان عملها كتبتها سيئة واحدة ) والقرءآن دال على هذا قال تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } وهذا ونحوه تفضل من اللّه وطريق العدل وان ليس للانسان الا ماسعى الا ان اللّه يتفضل عليه بما لم يجب له كما ان زيادة الاضعاف فضل منه كتب لم بالحسنة الواحدة عشرا الى سبعمائة ضعف الى الف الف حسنة وقد تفضل اللّه على الاطفال بادخالهم الجنة بغير عمل والحاصل ما كان من السعى فمن طريق العدل والمجازاة وما كان من غير السعى فمن طريق الفضل والتضعيف فكرامة اللّه تعالى اوسع واعظم من ذلك فانه يضاعف الحسنات ويتجاوز عن السيئات فمرتبة النفس الطعبية وكذا الشريعة والطريقة من الطريق الاولى ومرتبة الروح والسر وكذا المعرفة والحقيقة من الطريقة الثانية قال فى الاسئلة المقحمة اشارت الآية الى اصل النجاة المعهودة فى حكم الشريعة فان النجاة الاصلية الموعودة فى الكتاب والسنة بالعمل الصالح وفى النجاة بشرط المجازاة والمكافاة فاما التى هى من غير طريق المجازاة والمكافاة فهى بطريق تفضل اللّه وبطوله وعميم رحمته وكريم لطفه وقد فسرها رسول اللّه عليه السلام حيث قال ( ادخرت شفاعتى لاهل الكبائر من امتى أترونها للمؤمنين المتقين لا ولكنها للخطائين الملوثين ) وبيان الكتاب الى الرسول عليه السلام وسمعت الامام أبا بكر الفارسى بسمرقند يقول سمعت الاستاذ ابا اسحق الاسفرائينى يقول ان عبداللّه بن طاهر امير خراسان قال الحسن بن الفضل البجلى اشكلت على ثلاث آيات أريد أن تكشف عنى وتشفى العليل اولاها قوله تعالى فى قصة ابن آدم { فأصبح من النادمين } وصح الخبر بأن ( الندم توبة ) ولم يكن هذا الندم توبة فى حق قابيل وثالثتها قوله تعالى { اضعافا مضاعفة } زر والديك وقف على قبريهما ... فكأننى بك قد حملت اليهما الى قال فى آخرها وقرأت من آى الكتاب بقدرما ... تسطيعه ذاك اليهما قال الشيخ تقى الدين ابو العباس من اعتقد ان الانسان لاينتفع الا بعمله فقد خرق الاجماع وذلك باطل من وجوه كثيرة احداها ان الانسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع يعمل الغير والثانى ان النبى عليه السلام يشفع لاهل الموقف فى الحساب ثم لاهل الجنة فى دخولها ولاهل الكبائر فى الاخراج من النار وهذا الانتفاع بسعى الغير والثالث ان كل نبى وصالح له شفاعة وذلك انتفاع بعمل الغير الرابع ان الملائكة يدعون ويستغفرون لمن فى الارض وذلك منفعة بعمل الغير والخامس ان اللّه تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته وهذا انتفاع بغير عملهم والسادس ان اولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم وذلك انتفاع بمحض عمل الغير وكذا الميت بالصدفة عنه وبالعتق بنص السنة والاجماع وهومن عمل غيره وان الحج المفروش يسقط عن الميت بحج وليه عنه بنص السنة وكذا تبرأ ذمة الانسان من ديون الخلق اذا قضاها عنه قاض كما قال الشافعى اذا أنا مت فليغسلنى فلان اى من الدين وذلك انتفاع بعمل الغير وكذا من عليه تبعات ومظالم اذا حلل منها سقطت عنه وان الجار الصالح ينتفع بجواره فى الحياة والممات كما جاء فى الأثر ( وان جليس اهل الذكر يرحم بهم وهو لم يكن منهم ولم يجلس معهم ) لذلك بل لحاجة اخرى والاعمال بالنيات وكذا الصلاة على الميت والدعاء له فيها ينتفع بها الميت مع ان جميع ذلك انتفاع بعمل الغير ونظائر ذلك كثرة لاتحصى والآيات الدالة على مضاعفة الثواب كثيرة ايضا فلا بد من توجيه قوله تعالى { وان ليس للانسان الا ماسعى } فانه لاشتماله على النفى والاستثناء يدل على ان الانسان لاينتفع الا بعمل نفسه ولايجزى على عمله الا يقدر سعيه ولايزداد وهو يخالف الاقوال الواردة فى انتفاعه بعلم غيره وفى مضاعفة ثواب اعماله ولا يصح أن يؤول بما يخالف صريح الكتاب والسنة واجماع الامة فأجابوا عنه بوجوه منها انه منسوخ ومنها انه فى حق الكافر ومنها انه بالنسبة الى العدل لا الفضل وقد ذكرت ومنها ان الانسان انما ينتفع بعمل غيره اذا نوى الغير أن يعمل له حيث صار بمنزلة الوكيل عنه القائم مقامه شرعا فكان سعى الفقير بذلك كأنه سعيه وايضا ان سعى الغير انما لم ينفعه اذا لم يوجد له سعى قط فاذا وجد له سعى بان يكون مؤمنا صالحا كان سعى الغير تابعا لسعيه فكأنه سعى بنفسه فان علقة الايمان وصلة وقرابة كما قال عليه السلام ( مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) وقال عليه السلام ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) ثم شبك بين اصابعه فاذا سعى احد فى الايمان والعمل الصالح فكأنه سعى بتأييد عضو اخيه وسد ثلمته فكان سعيه سعيه والحاصل انه لما كان مناط منفعة كل ماذكر من الفوائد عمله الذى هو الايمان والصالح ولم يكن لشىء منه نفع مابدونهما جعل النافع نفس عمله وان كان بانضمام غيره اليه وفى اول باب الحج عن الغير من الهداية الانسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة او صوما او صدقة اوغيرها عند اهل السنة والجماعة وفى فتح الرحمن واختلف الائمة فيما يفعل من القرب كالصلاة والصيام وقرءآة القرءآن والصدقة ويهدى ثوابه للميت المسلم فقال ابو حنيفة واحمد يصل ذلك اليه ويحصل له نفعه بكرم اللّه ورحمته وقال مالك والشافعى يجوز ذلك فى الصدقة العبادة المالية وفى الحج واما غير ذلك من الطاعات كالصلاة والصوم وقرآءة القرآن وغيره لايجوز ويكون ثوابه لفاعله وعند المعتزلة ليس للانسان جعل ثواب عمله مطلقا لغيره ولايصل اليه ولاينفعه لقوله تعالى { وان ليس للانسان الا ماسعى } ولان الثواب الجنة وليس فى قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلا عن غيره واختلفوا فيمن مات قبل أن يحج فقال ابو حنيفة ومالك يسقط عنه الحج بالموت ولا يلزم الحج عنه الا أن يوصى بذلك وقال الشافعى واحمد لايسقط عنه ويلزم الحج عنه من رأس ماله واختلفوا فيمن لم يحج عن نفسه هل يصح أن يحج عن غيره فقال ابو حنيفة ومالك يصح ويجزى عن الغير مع الكراهة وقال الشافعى واحمد لايصح ولو فعل وقع عن نفسه واما الصلاة فهى عبادة بدنية لاتصح فيها النيابة بمال ولابدن بالاتفاق وعند ابى حنيفة اذا مات وعليه صلوات يعطى لكل صلاة نصف صاع من بر او صاع من تمر او شعير او قيمة ذلك فدية تصرف للمساكين وليس للمدفوع اليه عدد مخصوص فيجوز ان يدفع لمسكين واحد الفدية عن عدة صلوات ولايجوز أن تدفع فدية صلاة لا كثر من مسكين ثم لابد من الايصاء بذلك فلو تبرع الورثة بذلك جاز من غير لزوم وذللك عند ابى حنيفة خلافا للثلاثة ( وروى ) ان رجلا سأل النبى عليه السلام فقال كان لى ابوان ابرهما حال حياتهما فكيف ابرهما بعد موتهما فقال ( ان من البر بعد الموت أن تصلى لهما مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك ) رواه الدار قطنى عن على رضى اللّه عنه وهذا الحديث حجة لابى حنيفة فى تجويزه جعل العبادة البدنية ايضا لغيره خلافا للشافعى كما مر ( وروى ) ايضا ( من مر على المقابر قرأ قل هو اللّه احد عشر مرات ثم وهب اجرها للاموات أعطى من الاجر بعدد الاموات ) رواه الدار قطنى عن انس بن مالك رضى اللّه عنه مرفوعا فهذا ايضا حجة له فى تجويزه جعل ثواب التلاوة للغير خلافا للشافعى ( وروي ) عن النبى عليه السلام انه ضحى بكبشين املحين احدهما عن نفسه والآخرة عن امته المؤمنين متفق عليه اى جعل ثوابه لها وهذا تعليم منه عليه السلام بأن الانسان ينفعه عمل غيره والاقتدآء به عليه السلام هو الاستمساك بالعروة الوثقى وكذا قال الحسن البصرى رحمه اللّه رأيت عليا رضى اللّه عنه يضحى بكبشين وقال ان رسول اللّه اوصانى أن أضحى عنه وكان الشيخ الفقيه القاضى الامام مفتى الانام عزالدين بن عبدالسلام يفتى بانه لايصل الى الميت ثواب ما يقرأ ويحتج بقوله { وان ليس للانسان الا ماسعى } فلما توفى رأه بعض اصحابه ممن يجالسه وسأله عن ذلك وقال له انك كنت تقول لا يصل الى الميت ثواب مايقرأ ويهدى اليه فكيف الامر فقال له كنت اقول ذلك فى دار الدنيا القرآءة للقارىء وللميت ثواب الاستماع ولذلك تلحقه الرحمة قال اللّه تعالى { واذا قرىء القرءآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون } قال القرطبى ولا يبعد من كرم اللّه أن يلحقه ثواب القرآءة والاستماع جميعا ويلحقه ثواب مايهدى من قرآءة القرءآن وان لم يسمعه كالصدقة والاستغفار ولان القرءآن دعاء واستغفار وتصرع وابتهال وما تقرب المتقربون الى اللّه بمثل القرءآن انتهى. يقول الفقير فيه حجة على من انكر من اهل عصرنا جهر آية الكرسى اعقاب الصلوات واوجب اخفاءها وتلاوتها لكل واحد من الجماعة وذلك لان استماع القرءآن اتوب من تلاوته فاذا قرأ الموذن واستمع الحاضرون كانوا كأنهم قرأوا جمعيا واذا جاؤ وصول ثواب القرآءة والاستماع جميعا الى الميت فما ظنك بالحى اصلحنا اللّه واياكم ( وروى ) ان بعض النساء توفيت فرأتها فى المنام امرأة كانت تعرفها واذا عندها تحت السرير آنية من نور مغطاة فسألتها مافى هذه الاوعية فقالت فيها هدية اهداها الى ابو اولادى البارحة فلما استيقظت المرأة ذكرت ذلك لزوج الميتة فقال قرأت البارحة شيأ من القرءآن واهديته اليها وفى الحديث ( اذا مات الانسان انقطع عنه عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له ) قال القرطبى القرآءة فى معنى الدعا وذلك صدقة من الولد ومن الصاحب والصديق والمؤمنين قال ابن مالك فى شرح الحديث ( اذا مات الانسان انقطع عنه عمله ) اى تجدد الثواب له ( الا من ثلاث صدقة جارية ) كلاوقاف ( او علم ينتفع به ) قيل هو الاحكام المستنبطة من النصوص والظاهر انه عام متناول ماخلفه من تصنيف او تعليم فى العلوم الشرعية وما يحتاج اليه فى تعليمها قيد العلم بالمنتفع به لان مالا ينتفع به لايثمر اجرا ( او ولد صالح يدعو له ) قيد بالصالح لان الاجر لايحصل من غيره واما الوزر فلا يلتحق بالأب من سيئة ولده اذا كانت نيته فى تحصيل الخير وانما ذكر الدعاء له تحريضا للولد لان الاجر يحصل للوالد نم ولده الصالح كلما عمل عملا صالحا سوآء دعا لابيه او لاك كمن غرس سجرة يحصل له من اكل ثمرتها ثواب سوآء دعا له من اكلها او لم يدع وكذلك الام قال بعض الكبار النكاح سنة نبيك فلا ترغب عنه واطلب من اللّه من يقوم مقامك بعد موتك حتى لاينقطع عملك بموتك فان ابن آدم اذا مات انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم بثه فى الناس او ولد صالح يدعو له وفى لفظ الصدقة الجارية اشارة الى افضلية الماء ولذا حفر سعد بئرا لامه فان قلت مالتوفيق بين هذا الحديث وبين قوله عليه السلام ( من سن فى الاسلام سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة ) وقوله عليه السلام ( من مات يختم على عمله الا المرابط فى سبيل اللّه فانه ينمو له عمله الى يوم القيامة ) قلنا السنة المسنونة من جملة العلم المنتفع به ومعنى حديث المرابط ان ثواب عمله الذى قدمه فى حياته يمنو الى يوم القيامة واما الثلاثة المذكورة فى الحديث فانها اعمال تحدث بعد وفاته لاتنقطع عنه لانه سبب لها فيلحقه منها ثواب والحاصل ان المراد بهذا الحديث عمله المضاف الى نفسه فهو منقطع واما العمل المضاف الى غيره فلا ينقطع فاللغير أن يجعل ما له من أجر عمله الى من أراد وقال بعضهم فى الآية ليس كل عمل للانسان انما بعضه اللّه مثل الصوم كما قال ( الصوم لى وأنا أجزى به ) فثوابه فضل اللّه وهو رؤيته وتمسك بعض العلماء بهذا الحديث وظن ان الصيام مختص بعامله موفر له اجره لا يؤخذ منه شىء لمظلمة ظلمها وهذا القول مردود فان الحقوق تؤخذ من جميع الاعمال صياما كان او غيره وقيل ان الصوم اذا لم يكن معلوما لاحد ولا مكتوبا فى الصحف هو الذى يستره اللّه ويخبأه لعامله حتى يكون له جنة من العذاب فتطرح اولئك عليه سيئاته فتنصرف عنهم وبقية الصوم فلا تضر باصحابها لزوالها عنهم ولا به لان الصوم جنته وهذا تأويل حسن دافع للتعرض قال البقلى رحمه اللّه فى تأويل الآية ليس للصورة الانسانية الا ماسعت من الاعمال الزكية عن الرياء والسمعة يؤول ثوابها اليها من درجات الجنان اما مايتعلق بفضل اللّه وجوده من مشاهدته وقربته فهو للروح والروحانى الذى فى تلك الصورة فانه اذا استوفى درجات الجنان التى هى جزآء اعماله الصالحة تمتع ايضا بما يجد روحه من فضل اللّه المتعلق بكشف حجاب جماله وايضا ليس للانسان الا مايليق بالانسان من الاعمال واما الفضل كالمشاهدة والقربة فهو لله يؤتيه من يشاء فاذا وصل الى مشاهدة اللّه وتمتع بها فليس ذلك له انما ذلك اللّه وان كان هو متمتعا به وقال ابن عطاء ليس للانسان من سعيه الا ما نواه ان كان سعيه لرضى الرحمن فان اللّه يرزقه الرضوان وان كان سعيه للثواب والعطاء والاعواض فله ذلك وقال النصر ابادى سعى الانسان فى طريق السلوك لا فى طريق التحقيق فاذا تحقق يسعى به ولايسعى هو بنفسه واما قول العارف الجامى سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند فقد لاينافيه فانه لا فائدة فى السعى بدون الجذبة الالهية فالسعى منسوب الى السالك والجذبة مضافة الى اللّه تعالى واما المنتهى فالسعى والجذبة بالنسبة اليه كلاهما من اللّه تعالى اذا ليس بمتحقق من لم يكن حركاته وسكنانه باللّه ثم ان الطريق قد يثنى كطريق الحج من البر والبحر واما طريق الحق فمفرد اى من حيث الجمعية الوحدانية والا فالطريق الى اللّه بعدد انفاس الخلائق فعند النهاية يحصل الالتقاء ولذا قال تعالى { وان الى ربك المنتهى } مع انه فرق بين وصول ووصل كالناظرين كل بنظر بحسب قوة نور بصره وضعفه وان كان المرئى واحدا ثم ان اللّه يوصل السالك بعد موته الى محل همته لانه كان حاصل بسعيه وقد مر تحقيقه فى محله نسأل اللّه الوصول الى غاية المطالب بحرمة اسمه الواهب ٤٠ { وان سيعه } اى سعى الانسان وهو عمله كما فى قوله تعالى { ان سعيكم لشتى } وهو مع خبره معطوف على ما قبله من الأتزر الخ على معنى ان المذكورات كلها فى الصحف { سوف يرى } اى يعرض عليه ويكشف له يوم القيامة فى صحيفته وميزانه من أريته الشىء عرضته عليه وفى اشارة الى ان الانسان له مراتب فى السعى وبحسب كل مرتبة يجد سعيه فى الحال لايزيد ولا ينقص وايضا فى المآل واول مراتبه فى السعى مرتبة النفس وسعيه فى هذه المرتبة تزكية النفس عن المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية بالموافقات الشرعية والمخالفات الطبيعية اذ العلاج بضدها واثر هذا السعى ونتيجته حصول الجنات التى تجرى من تحتها الانهار والحور والقصور والغلمان كما اخبر الكتاب العزيز فى غير موضع والمرتبة الثانية والسعى فيها تصفية القلب عن صدأ الظلمات البشرية وغطاء الدورات الطبيعية واثر هذا السعى ونتيجته ترك حب الدجنيا وشهواتها ولذاتها وزخارفها ومالها وجاهها والمرتبة الثالثة والسعرى فيها تجلية السر بالصفات اللالهية والاخلاق الربانية واثر هذا السعى ونتيجته حصول شواهد التجليات الصفاتية والاسمائية والمرتبة الرابعة والسعى فيها تجلية الروح بالتجليات الذاتية والمشاهدات الحقائية واثر هذا السعى ونتيجته هو الفناء عن انانيته والبقاء بهويته الاحدية المطلقة عن التقييد والاطلاق واللاتقييد واللاطلاق وقال الواسطى فى الآية انه لم يكن مما يستجلب به شىء من الثواب وقال اسهل سوف يرى سعيه فيعلم انه لايصح للحق ويعلم ما الذى يستحق بسعيه وانه لو لم يلحقه فضل ربه لهلك بسعيه ٤١ { ثم يجزه } اى يجزى الانسان بسعيه اى جزآء عمله يقال جزآء عمله يقال جزاه اللّه بعمله وجزاه على عمله بحذف الجار وايصال الفعل { الجزآء الاوفى } اى الاوفر الاتم ان خيرا فخير وان شرا فشر وهو مفعول مطلق مبين للنوع قال الوراق { وان ليس للانسان الا ماسعى } ذلك فى بدايته { وان سعيه سوف يرى } ذلك فى توسط اموره ثم يجزاه الجزآء الا وفى ذلك فى نهاياته وله نهايتان باعتبار الفناء والبقاء ففى الفناء يحصل الجزآء الذى هو الشهود وفى البقاء يحصل الجزآء الذى هو تربية الجسد والوجود وذلك باستيفاء ماترك فى بداية سلوكه من المباحات المشروعة من الاكل والشرب والملبس والمنكح والتوسعة فى معايش الدنيا واسبابها فبعد تحققه بعالم الوحدة يرد الى عالم الكثرة ولكن لاتضره الكثرة اذا اصلا ٤٢ { وان الى ربك المنتهى } مصدر بمعنى الانتهاء اى انتهاء الخلق فى رجوعهم الى اللّه تعالى بعد الموت لا الى غيره لاستقلالا والا اشتراكا فيجازيهم باعمالهم وفى الحقيقة انتهاء الخلق اليه تعالى فى البداية والنهاية ألا الى اللّه تصير الامور اذلا له الا هو ( وفى المثنوى ) دست بربالاى دست اين تاكجا ... تا بيزدان كه اليه المنتهى كان يكى درياست بى غور وكران ... جمله درياها جوسيلى بيش ن حيلها و جارها كر ار هاست ... بيش الا اللّه انها جمله لاست قال ابن عطاء من كان منه مبدأه كان اليه منتهاه واذا وصل البعد الى معرفة الربوبية ينحرف عنه كل فتنة ولا يكون له مشيئة غير اختيار اللّه له قيل للحسين ما التوحيد قال أن تعتقد انه معلل الكل بقوله { هو الاول } وعند ذلك تطلب المعلومات منه الابتدآء واليه الانتهاء ذهبت المعلومات وبقى المعلل بها قال بعض الكبار من ادل دليل على توحيد اللّه تعالى عند من لاكشف عنده كونه تعالى عند النظار والفلاسفة علة العلل وهذا توحيد ذاتى ينتفى معه الشريك بلا شك غير ان اطلاق هذا اللفظ عليه تعالى لم يرد به الشرع فلا ندعوه به ولانطلقه عليه فاعلم ذلك ٤٣ { وانه } تعالى { هو } وحده { اضحك وابكى } الضحك انبساط الوجه وتكشر الاسنان من سرور النفس ولظهور الاسنان عنده سميت مقدمات الاسنان الضواحك والبكاء بالمدسيلان الدمع عن حزن وعويل يقال اذا كان الصوت اغلب كالرغاء وسائر هذه الابنية الموضوعة للصوت وبالقصر يقال ذا كان الحزن اغلب وقوله { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا } اشارة الى الفرح والترح وان لم يكن مع الضحك قهقهة ولامع البكاء اسالة دمع كما فى المفردات والمعنى هو خلق قوتى الضحك والبكاء فى الانسان منهما ينبعث الضحك والبكاء والانسان لايعلم ماتلك القوة اوهما كنايتان عن السرور والحزن كأنه قيل افرح واحزن لان الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء او عمايسر ويحزن وهو الاعمال الصالحة والاعمال الصاحة او اضحك فى الدنيا اهل النعمة وابكى اهل الشدة والمصيبة او اضحك فى الجنة اهلها وابكى فى النار اهلها او اضحك الارض بالنبات وابكى السماء بالمطرا والاشجار بالانوار والسحاب بالامطار او القراطيس بالارقام والاقلام بالمداد او اضحك القرد وابكى البعير او اضحك بالوعد وابكى بالوعيد او اضحك المطيع بالرضى وابكى العاصى بالسخط او اضحك قلوب العارفين بالحكمة وابكى عيونهم بالحزن والحرقة او اضحك قلوب اوليائه بأنوار معرفته وابكى قلوب اعدآئه بظلمات سخطه او اضح المستأنسين بنرجس مودته وياسمين قربته وطيب شمال جماله وابكى المشتاقين بظهور عظمته وجلاله او اضحك بالاقبال على الحق وابكى بالادبار عنه او اضحك الاسنان وابكى الجنان وبالعكس قال الشاعر السن تضحك والاحشاء تحترق ... وانما ضحكها زور ومختلق يارب باك بعين لادموع لها ... ورب ضاحك سن مابه رمق او اضحك بتجليه اللطفى الجمالى القلب المنور بنور اللطف والجمال وابكى بتجلية القهرى الجلالى النفس المظلمة بظلمة القهر والجلال او اضحك بتجلية الجلالى النفس على القلب عند استيلاء ظلمة النفس على القلب وابكى بتجلية الجمالى القلب على النفس عند غلبة انوار القلب على النفس وفى الآية دلالة على أن كل مايعمله الانسان فبقضائه وخلقه حتى الضحك والبكاء قالت عائشة رضى اللّه عنها مر النبى عليه السلام على قوم يضحكون فقال ( لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحتكم قليلا ) فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال ان اللّه تعالى يقول { وانه هو اضحك وابكى } فرجع اليهم فقال ( ماخطوت اربيعن خطوة حتى أتانى جبريل فقال ائت هؤلاء فقل لهم ان اللّه يقول هو اضحك وابكى ) وسئل طاهر المقدسى أتضحك الملائكة فقالت ماضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم وقال النبى عليه السلام لجبرآئيل ( مالى لم أر ميكائيل ضاحكا قط ) قال ماضحك ميكائيل منذ خلقت النار وقيل لعمر رضى اللّه عنه هل كان اصحاب رسول اللّه عليه السلام يضحكون قال نعم واللّه والايمان اثبت فى قلوبهم من الجبال الرواسى وعن سماك بن حرب قال قلت لجابر بن سمرة رضى اللّه عنه أكنت تجالس النبى عليه السلام قال نعم وكان اصحابه يجلسون فيتناشدون الشعر ويذكرون اشياء من امر الجاهلية فيضحكون ويتبسم معهم اذا ضحكوا يعنى النبى عليه السلام ولقى يحيى عيسى عليهما السلام فتبسم عيسى فى وجه يحيى فقال مالى اراك لاهيا كأنك آمن فقال مال اراك عابسا كأنك آيس فقالا لانبرح حتى ينزل علينا الوحى فأوحى اللّه تعالى احبكما الى احسنكما ظنا بى ( وروى ) احبكما الى الطلق البسام وقال الحسن يا ابن آدم تضحك ولعل كفنك خرج من عند القصار وبكى نوح عليه السلام ثلاثمائة سنة بقوله ان ابنى من اهلى وقال كعب لأن ابكى من خشية اللّه حتى تسيل دموعى على وجنتى احب الى من ان اتصدق بجبل ذهب والنافع بكاء القلب لا العين فقط بران ازدوسر جشمة ديده جوى ... ور الايشى دارى ازخود بشوى ٤٤ { وانه هو امات واحيى } لايقدر على الاحياء الاماتة غيره لاخلقا ولا كسبا فان اثر القاتل نقض البنية وتفريق الاتصال انما يحصل الموت عنده بفعل اللّه على العادة فاللعبد نقض البنية كسبا دون الاماتة وبالفارسية قادر براماته واحيا اوست وبس مى ميراند بوقت اجل دردينا وزنده ميسازد درقبر يا او سازنده اسباب موت وحياتست وكفته اند مرده ميسازد كافرانرا بنكرت وزنده ميكند مؤمنانرا بمعرفت ويقول بعض اماته واحيا بجهل وعلم است ياببخل وجود يابعدل وفضل يابه منع واعطا ، وقيل الخصب والجدب او الآباء اولانباء او ايقظ وانام او النطفة والنسمة ، ونزد محققان بهيبت وانس يابا ستتار وتجلى وامام قشيرى فرموده كه بميراند نفوس زاهد انرا بآثار مجاهدت وزنده كرداند قلوب عارفانرا بانوار مشاهدت ياهركه را مرتبه فنا فى اللّه رساند جرعه ازساغر بقا باللّه جشاند ، او امات النفس عن الشهوات الجسمانية واللذات الحيوانية واحيى القلب بالصفات الروحانية والاخلاق الربانية او امات النفس بغلبة القلب عليها واحيائه او امات القلب باستيلاء النفس عليه واحيائها وهذه الاحكام المختلفة مادام القلب فى مقام التلوين فاما اذا ترقى الى مقام الاطمئنان والتمكين فلا يصير القلب مغلوبا للنفس بل تكون النفس مغلوبة للقل ابد الآباد الى ان تموت تحت قهره بأمر به. يقول الفقير قد الاماتة على الاحياء رعاية للفاصلة ولان النطفة قبل النمسة ولان موت القلب قبل حياته ولان موت الجسد قبل حياته فى القبر وايضا فى تقديم الاماتة تعجيل لاثر القهر لينتبه المخاطبون وايضا ان العدم قبل الوجود ثم ان مآل الوجود الى الفناء او العدم فلا ينبغى الاغترار بحياة بين الموتين ووجود بين العدمين واللّه الموفق ٤٥ { وانه } وآنكه خداى تعالى { خلق الزوجين } بيافريد ازانسان دو صنف ، وفى بعض التفاسير من كل الحيوان وفيه ان كل حيوان لايخلق من النطفة بل بعضه من الريح كالطير فان البيضة المخلوقة منها الدجاجة مخلوقة من ريح الديك { الذكر والانثى } نرومادة ٤٦ { من نطفة } هى الماء الصافى ويعبر بها عن ماء الرجل كما فى المفردات { اذا تمنى } تدفق فى الرحم وتصب وبالفارسية ازآب منى وقتى كه ريخته شود دررحم وآدم وحوا وعيسى عليهما السلام ازين مستثنى اند فهو من امنى يمنى امناء وهو بالفارسية منى آوردن ، قال تعالى { أفرأيتم ماتمنون } وفى القاموس منى وامنى ومنى بمعنى او منى تمنى يقدر مها الولد من مناه اللّه يمينه قدره اذ ليس كل منى يصير ولدا وفيه اشارة الى انه تعالى خلق زوج ذكر الروح موصوفا بصفة الفاعلية وخلق زوجة انثى النفس موصوفة بصفة القابلية ليحصل للقلب من مقدمتى الروح والنفس نتيجة صادقة صالحة لحصول المطالب الدنيوية والاخروية من نطفة واقعة كائنة مستقرة فى رحم الارادة الازلية اذا تمنى اذا تحرك وتدفق فى رحم الارادة القديمة او اذا قدر المقدر بالحكمة البالغة قدم الذكر رعاية للفاصلة ولشرفة الرتبى وان كان الاصل فى العالم الانوثة ولذلك سرت فيه باسره ولكن لما كانت فى النساء اظهر حببت للاكابر حتى آجر موسى عليه السلام نفسه فى مهر امرأة عشر سنين وحتى ان اعظم ملوك الدنيا يكن عند الجماع كهيئة الساجد فاعلم ذلك فلما كان لايخلوا لعوالم عن نكاح صورى او معنوى كان نصف الخلق الذكر ونصفه الانثى وان شئت قلت الفاعل والقابل والانسان برزخ هاتين الحقيقتين ٤٧ { وان عليه } اى على اللّه تعالى { النشأة الاخرى } اى الخلقة الاخرى وهو الاحياء بعد الموت وفاء بوعده لا لانه يجب على اللّه كما يوهمه ظاهر كلمة على وفيه تصريح بأن الحكمة الالهية اقتضت النشأة الثانية الصورية للجزآء والمكافأة وايصال المؤمنين بالتدريج الى كمالهم اللائق بهم ولو اراد تعجيل اجورهم فى هذه الدار لضاقت الجنيا بأجر واحد منهم فما ظنك بالباقى ومن طلب تعجيل نتائج اعماله واحواله فى هذه الدار فقد اساء الادب وعامل الموطن بما لايقتضيه حقيقته اما اذا استقام العبد فى مقام عبوديته وعجل له الحق نتيجة ما او كرامة فان من الادب قبولها ان كانت مطهرة نم شوآئب الحظوظ وبالجملة فالخير فيما اختاره اللّه لك ثم ان النشأة الاخرى الصورية مترتبة على كمال الفناء الصورى مع الاستعداد والتهيىء لقبول الروح فكذا النشأة الاخرى المعنوية وهى البقاء والاتصاف بالصفات الالهية موقفة على تمام الفناء المعنوى والانسلاخ عن الاوصاف البشرية بالكلية مع الاستعداد والتهيىء لقبول الفيض وبالجملة فلا بد من كلتا النشأتين من صحة المزاج ألا ترى ان الجنين اذا فسد فى الرحم سقط بل الرحم اذا فسدت لم تقبل العلوق والى الولادة الثانية التى هى النشأة الاخرى اشار عيسى عليه السلام بقوله لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين ومعنى ملكوت السموات حقائقها وانوارها واسرارها فكل نبى و ولى وارث متحقق بهذا الولوج والاولادة الثانية ٤٨ { وانه هو اغنى } اعطى الغنى للناس بالاموال { واقنى } واعطى القنية وهى مايتأثل من الاموال اى يتخذ اصلا ويدخر بان يقصد حفظه استمثارا واستنماء وان لايخرج عن ملكه وفى المثل لاتقتن من كلب سوء جروا يقال قنوت الغنم وغيرها وقنيتها قنية وقنية أذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة وفى تاج المصادر الاقناء سرمايه دادن وخشود كردن ، قال بعضهم اغنىلا الناس بالكفاية والاموال واعطى القنية ما يدخرونه بعد الكفاية وقال الضحاك اغنى بالذهب والفضة والثياب والمسكن واقنى بالابل والبقر الغنم والدواب وافراد القنية بالذكر اى بعد قوله غعنى لانها اشرف الاموال وافضلها او معنى اقنى ارضى وتحقيقه جعل الرضى له قنية والاوفق لما تقدمه من الآى المشتملة على مراعاة صنعة الطباق ان يحمل على معنى افقر على ان تكون الهمزة ى فى اقنى للازالة كما قاله سعدى المفتى قال الجنيد قدس سره اغنى قوما به وافقر قوما منه وقال بعضهم فيه اشارة الى افاضة الفيض الالهى على القلب السليم المستقيم الثابت على دين اللّه كما قال عليه السلام ( اللهم ثبت قلبى على دينك ) وابقاء ذلك الفيض الالهى عليه بحيث لايستهلك الفيض ولايضمحل تحت غلبة ظلمة النفس الامارة بالسوء لتمكن ذلك القلب وعدم تلونه بخلاف القلب المتلون فانه لعدم تمكنه فى بعض الاوقات يتكدر بظلمة النفس ويزول عنه ذلك النور المفاض عليه المضاف اليه وهو المعنى بقوله اقنى اى جعل فيه ذلك النور قنية ثم ان الآية دلت على اباحة التأثل من الاموال النافعة دون غيرها ولذا انهى عن اقتناء الكلب اى امساكه بلا فائدة من جهة الزرغ او الضرع او نحو ذلك والنفس الامارة اشد من الكلب العقور ففى اقتناء الروح النامى مندوحة عن اقتنائها ابتر عقيم لاخير فها الاترى مرتبة النفس والطبيعة تبقى هنا ولانستصحب الانسان الكامل فى النشأة الجنانية اذا الجنان كالمرعى الطيب والروض الانف فلا يرعى فيها الا الروح الطيب والجسد النظيف ٤٩ { وانه هو رب الشعرى } اى رب معبودهم باعبدوا الرب دون المربوب والشعرى كوكب نير خلف الجوزآء يقال لها العبور بالمهملة كالصبور وهى اشد ضياء من الغميصاء الغين المعجمة والمضمومة وفتح الميم والصاد المهملة وهى احدى الشعريين يعنى ان الشعرى شعريان احداهما الشعرى اليمانية وتسمى ايضا الشعر العبور وثانيتهما الشعرى الشامية وتسمى ايضا الشعرى الغميصاء فصلت المجرة بينهما تزعم العرب ان الشعريين اختا سهيل وان الثلاثة كانت مجتمعة فانحدر سهيل نحو اليمن وتبعته العبور فعبرت المجرة ولقيت سهيلا واقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل فغمصت عينها اى كانت اقل نورا من العبور واخفى الغمص فى العين ماسال من الرمص يقال غمصت عينه بالكسر غمصا وكانت خزاعة تعبد الشعرى سن لهم ذلك ابو كبشة رجل من اشرافهم فقال لقومه ان النجوم تقطع السماء عرضا وهه ت قطعها طولا فليس شىء مثلها فعبدتها خزاعة وخالف ابو كبشة قريشا فى عبادة الاوثان ولذلك كانت قريش يسمون الرسول عليه السلام ابن ابى كبشة لايريدون بذلك اتصال نسبه اليه وان كان الامر كذلك اى لان ابا كبشة احد اجداد النبى عليه السلام من قبل امه بل يريدون به موافقته عليه السلام له فى ترك عبادة الاوثان واحداث دين جديد فالنبى عليه السلام كما وافق ابا كبشة فى مخالفة قريش بترك عبادة الاصنام خالفه ايضا بترك عبادة الشعرى وهو اشارة الى شعرى النفس المسماة بكلب الجبار التى عبدها خزاعة اهل الاهوآء وابو كبشة اهل البدع من الفلاسفة والزناندقة ٥٠ { وانه اهلك عادا الاولى } هى قوم هود عليه السلام اهلكوا بريح صرصر وعاد الاخرى ارم وقيل الاولى القدماء لانهم اولى الامم هلاكا بعد قوم نوح اى المراد بعاد جميع من انتسب الى عاد بن ارم بن عوص بن سام بن نوح ووصفهم بالاولية ليس للاحتراز عن عاد الاخيرة بل لتقدم هلاكهم بحبب الزمان على هلاك سائر الامم بعد قوم نوح قال فى التكملة وصف عاد بالاولى يدل على ان لها ثانية فالاولى هى عاد بن ارم قوم هود والثانية من ولدها وهى التى قاتلها موسى عليه السلام باريحاء كانوا تناسلوا من الهزيلة بنت معاوية وهى التى نجت من قوم عاد مع بنيها الاربعة عمر وعمرو وعامر والعتيد وكانت الهزيلة من العماليق ٥١ { وثمود } عطف على عاد لان مابعده لايعمل فيه لمنع ما النافية عن العمل وهم قوم صالح عليه السلام اهلكم اللّه بالصيحة { فما ابقى } اى احدا من الفريقين ويجوز ان يكون المعنى فما ابقى عليهما فالابقاء على هذا المعنى الترحم وهو بالفارسية بخشودن وانما لم يترحم عليهم لكونهم من اهل الغضب ورحمة اللّه لاهل اللطف دون القهر وفيه اشارة الى التربية فأولا باللطف وثانيا بالعتاب وثالثا بالعقاب فان لم يحصل التنبه فبالازالة والاهلاك وهكذا عادة اللّه فى خلقه فليتنبه العباد وليحافظوا على المراتب فى تربية عبيدهم وامائهم وخدمهم مطلقا ٥٢ { وقوم نوح } عطف عليه ايضا { من قبل } اى من قبل اهلاك عاد وثمود { انهم } اى قوم نوح { كانوا هلم اظلم } لنبيهم { واطغى } من الفريقين حين كانوا يؤذونه وينفرون الناس عنه وكانوا يحذرون صبيانهم ان يسمعوا منه وكانوا يضربونه عليه السلام حتى لايكون به حراك وما اثرت فيهم دعوته قريبا من الف سنة وما آمن معه الا قليل وفيه اشارة الى اهلاك صفات القلب من قبل ان يتمكن فى سفينة التوحيد فانهم كانوا مذبذبين منقلبين بين القلب وبين النفس ظالمين على القلب بمشاهدة الكثرة طاغين عليه بالميل الى النفس وصفاتها ٥٣ { والمؤتفكة } هى قرى قوم لوط عليه السلام يعنى شهرستان قوم لوط عليه السلام ، ائتفكت بأهلها اى انقلبت بهم وهو منصوب عطفا على عادا اى واهلك المؤتفكة وقيل هو منصوب بقوله { اهوى } اى اسقطها الى الارض مقلوبة بعد ان رفعها على جناح جبريل الى السماء فالاهوآء بمعنى انداختن ، وقال الزجاج القاها فى الهاوية ٥٤ { فغشاها ماغشى } من فنون العذاب ( وقال الكاشفى ) بس بيوشانيد آن شهرها را آنجه بيوشانيد يعنى سنكهاى نشان داده بران بارانيد ، وفيه من التهيل والتفضيع مالا غاية ورآءه قوله { ماغشى } مفعول ثان ان قلنا ان التضعيف للتعدية اى البس الهل المؤتفكة مالبسها اياه من العذاب كالحجارة المنضودة المسومة فمفعولا الفعل الاول مذكوران والثانى محذوفان وان قلنا انه للمبالغة والتكثير فهو فاعل كقوله { فغشيهم من اليم ماغشيهم } وفى الآية اشارة الى قرية القالب وانقلابها من اعلى الكمال الى اسفل النقصان ومن اعتدال المزاج الى انحرافه وذلك سبب ظلم النفس الامارة عليها باستيفاء الحظوظ والشهوات كما قال تعالى { وكم اهلكنا من قرية بطرت معيشتها } الآية ٥٥ { فبأى آلاء ربك تتمارى } الآلاء النعم واحدها الى والى والى كما فى القاموس والتمارى والامترآء والمماراة المحاجة فميا فيه مرية اى شك وتردد قال فى تاج المصادر التمارى بشك شدن وبايكديكر بستهيدن ، واسناد فعل التمارى الى الواحد باعتبار تعدده بحسب تعدد متعلقه والخطاب للرسول عليه السلام فهو من باب الالهاب والتعريض بالغير على طريقة قوله تعالى { لئن اشركت ليحبطن عملك } او لكل واحد واجعل الامور المعدودة آلاء مع ان بعضها نقم لما انها ايضا نعم من حيث انها نصرة للانبياء المؤمنين وانتقام لهم وفيها عظات وعبر للمعتبرين قال فى بحر العلوم وهلاك اعدآء اللّه والنجاة من صبحتهم وشرهم والعصمة من مكرهم من اعظم آلائه الواصلة الى المؤمنين قال المتبنى ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدو له ما من صداقته بد وقد امر نوحا بالحمد على ذلك فى قوله فقل { الحمد اللّه الذى نجانا من القوم الظالمين } وقد حمد هو بنفسه على ذلك فى موضع آخر تعليما لعباده حيث قال { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } وقد سجد عليه السلام سجدة الشكر حين رأى رأى ابى جهل قد قطعت فى غزوة بدر. وفى التأويلات النجمية يشير الى استحقاق الشكر الجزيل على آلائه التى عددها وسماها آلاء لاشتمالها على نعم المواعظ ونعم الزواجر واستبعاد الشك والمماراة فيها والخطاب لافراد الاماة لاشتمال النبى عليه السلام على امته كما قال { ان ابراهيم كان امته قانتا } انتهى ومعنى الآية اذا عرفت يامحمد هذه المذكورات فبأى نعمة من نعم ربك تتشكك بأنها ليست من عنداللّه او فى كونها نعمة وبالفارسية بس بكدامين از نعمتهاى آفريدكار خودشك مى آرى وجدال ميكنى ، فكما نصرت اخوانك من الانبياء الماضين ونصرت اولياءهم وهلكت اعدائهم فكذلك افعل بك فلا يكن قلبك فى ضيق وحرج مما رأيت من اصرار هؤلاء القوم وعنادهم واستكبارهم ٥٦ { هذا نذير من النذر الاولى } هذا اما اشارة الى القرءآن والنذير مصدر اى هذا القرءآن الذى تشاهدونه انذار كائن من قبيل الانذارات المتقدمة التى سمعتم عاقبتها او الى الرسول والنذير بمعنى المنذر اى هذا الرسول نذير من جنس المنذرين الاولين والاولى على تأويل الجماعة لمراعاة الفواصل وقد علمتم احوال قومهم المنذرين وفى التأويلات النجمية يشر الى القرءآن او الى الرسول وشبه انذارهما بانذار الكتب الماضية والرسول المتقدمة ، يقول الفقير فيه اشارة الى نذارة كمل ورئته عليه السلام فان كان نذير متأخر فهو قبيل النذر الاولى لاتحاد كلمتهم ودعوتهم الى اللّه على بصيرة وكذا مالهموا به من الانذارات بحسب الاعصار والمشارب فطوبى لاهل المتابعة وويل لاهل المخالفة بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكر هيج كس را ناييد بسند كه فردا بشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ جراحق نكردم بكوش بكمراه كفتن نكو ميروى ... كناه بزر كست وجور قوى مكو شهد شيرين شكر فايقست ... كسى را كه سقمونيا لايقست جه خوش كفت يكروزدار وفروش ... شفا بايدت داورى تلخ نوش ٥٧ { ازفت الآزفة } فى ايراده عقيب المذكورات اشعار بأن تعذيبهم مؤخر الى يوم القيامة تعظيما للنبى عليه السلام وان كانوا معذبين فى الدنيا ايضا فى الجملة واللام للعهد فلذا صح الاخبار بدونها ولو كانت للجنس لما صح لانه لافائدة من الاخبار بقرب آزفة ما فان قلت الاخبار بقرب الآزفة المعهودة لا فائدة فيه ايضا قلت فيه فائدة وهو التأكيد وتقرير الانذار والأزف ضيق الوقت لقرب وقت الساعة وعلى ذلك عبر عن القيامة بالساعة يقال أزف الترحل كفرح ازفا وازوفا دنا والأزف محركة الضيق كما فى القاموس والمعنى دنت الساعة الموصوفة بالدنو فى نحو قوله تعالى { اقترتب الساعة } اى فى الدلالة على كمال قربها لما فى صيغة الافتعال من المبالغة ففى الآية اشارة الى كمال قربها حيث نسب القرب الى الموصوف به ٥٨ { ليس لها من دون اللّه كاشفة } اى ليس لها انفس قادرة على كشفها اى ازالتها وردها عند وقوعها فى وقتها المقدر لها الا اللّه لكنه لايكشفها من كشف الضر اى ازاله بالكلية فالكاشفة اسم فاعل والتاء للتأنيث والموصوف مقدر او ليس لها الآن نفس كاشفة بتأخيرها الا اللّه فانه المؤخر لها يعنى لو وقت الآن لم يردها الى وقتها احد الا اللّه اى عالمة به من كشف الشىء اذا عرف حقيقته او مبينة له متى تقوم وفى القرءآن لايجليها لوقتها الا هو اوليس لها من غير اللّه كشف على ان كاشفة مصدر كالعاقبة والخائنة واما جعل التاء للمبالغة كتاء علامة فالمقام يأباه لايهامه ثبوت اصل الكشف لغيره وفى الآية اشارة الى قرب القيامة الكبرى ووقوع الطامة العظمى وهى ظهور الحقيقة المثلى لأهل الفناء عن نفوسهم والاقبال على اللّه بجمع الهمة وقوة العزيمة ليس لها من دون اللّه كاشفة بالنسبة الى اهل الحجاب لانهم مستغرقون فى بحر الغفلة مستهلكون فى أسر الشهوة والانسان فان فى كل آن وزمان وماله شعور بذلك فياليته كشف عن غطائه وتشرف برؤية اللّه ولقائه وقد قالوا قيامة العارفين دآئمة اى لانهم فى شهود الامر على ماكان عليه ولا يتوقف شهودهم على وقوع القيامة الظاهرة ومن هنا قال الامام على كرم اللّه وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فطوبى لمن زاد يقينه ووصل الى حق اليقين وتمكن فى مقام التحقيق واللّه المعين ٥٩ { أفمن هذا الحديث } آيا ازين سخن كه قرأنست { تعجبون } انكارا قال الراغب العجب والتعجب حالة تعرض للانسان عند الجهل بسبب الشىء ولهذا قال بعض الحكماء العجب مالا يعرف سببه ٦٠ { وتضحكون } استهزآء مع كونه ابعد شىء من ذلك قال الراغب واستعير الضحك للسخرية فقيل ضحكت منه { ولا تبكون } حزنا على مافرطتم فى شانه وخوفا من أن يحيق بكم ما حاق بالامم المذكورة ( روى ) انه عليه السلام لم ير ضاحكا بعد نزول هذه الآية وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه لما نزلت هذه الآية بكى اهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول اللّه عليه السلام حنينهم بكى معهم فبكينا لبكائه فقال عليه السلام ( لايلج النار من بكى من خشية اللّه ولايدخل الجنة مصر على معصية اللّه ولو لم تذنبوا لجاء اللّه بقوم يذنبون ثم يغفر لهم ) ( روى ) ان النبى عليه السلام نزل عليه جبريل وعنده رجل يبكى فقال له من هذا فقال فلان فاقل جبرائيل انا نزن اعمال بنى آدم كلها الا البكاء فان اللّه لطيفىء بالدمعة بحورا من نيران جهنم وفى الحديث ( ان هذا القرءآن نزل بحزن فاذا قرأتموه فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا ) وذلك فان الحزن يؤدى الى السرور والبكاء الى الضحك ( قال الصائب ) منال اى ساكن بيت الحزن ازجشم تاريكى ... كه خواهد صيقلى كشت از جمال روشن يوسف ( وقال ) خنده كردن رخنه در قصر حيات افكندنست ... خانه در بسته باشد تاغمين باشد كسى ٦١ { وانتم سامدون } اى لاهون او مستكبرون من سمد البعير فى مسيره اذا رفع رأسه قال الراغب السامد اللاهى الرافع رأسه او مغنون لتشغلوا الناس عن استماعه من السمود بمعنى الغناء على لغة حمير وكانوا اذا سمعوا القرءآن عارضوه بالغناه واللهو ليشغلوهم عن الاستماع او خاشعون جامدون من السمود يمعنى الجمود والخشوع والجملة حال من فاعل لاتبكون خلا ان مضمونها على الوجه الاخير قيد للمنفى والانكار وارد عل نفى الكباء والسمود معا وعلى الوجوه الاول قيد للنفى والانكار متوجه الى نفى البكاء وجمود السمود والاول او فى بحق المقام فتدبر كما فى الارشاد ٦٢ { فاسجدوا لله واعبدوا } الفاء لترتيب الامر او موجبه على ماتقرر من بطلان مقابلة القرءآن بالانكار واستهزآء ووجوب تلقيه بالايمان مع كمال الخضوع والخشوع اى واذا كان الامر كذلك فاسجدوا لله الذى انزله واعبدوه ولا تعبدوا غيره من ملك او بشر فضلا عن جماع لايضر ولا ينفع كالاصنام والكواكب قال فى عين المعانى فاسجدوا اى فى الصلاة اولاصح انه على الانفراد وهى سجدة التلاوة انتهى وهذا محل سجود عند ابى حنيفة والشافعى واحمد وهو قول عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه لانه صح عن رسول اللّه عليه اللام انه سجد بالنجم يعنى بعد تلاوته هذه السورة على قريش سجد وسجد معه المؤمن والمشرك والانس والجن كما سبق وليس يراها مالك لما روى عن زيد بن ثابت رضى اللّه عنه انه قرأ على النبى عليه السلام والنجم فلم يسجد فيها ( قال الكاشفى ) اين سجده دوازدهم است ازسجدات قرءآنى در فتوحات اين را سجده عبادت كفتنند كه امر آلهى بذلت ومسكنت مقترنست بوى وجز سالكان طريقت عبادت وعبوديت بسر منزل سراين سخن نرسيده اند. وفى التأويلات البقلى اى اذا قرب ايام الوصال فاشتاقوا وسارعوا فى بذل الوجود ووضع الخدود على التراب واعبدوا رب الارباب لوجود كشف النقاب قال شيخى وسندى روح اللّه روحه فى كتاب البرقيات له يعنى اسجدوا لله واعبدوا اللّه باللّه لا بالنفس اذا سجدتم وعبدتم له بسجدة القالب بالايقاد وعبادته بالاذعان فى مرتبة الشريعة وبسجدة القلب بالفناء وعبادته بالاستهلاك فى مرتبة الحقيقة حتى تكون سجدتكم وعبادتكم محض قربة الى اللّه فى المرتبة الاولى وصرف وصلة الى اللّه فى المرتبة الثانية وتكونوا م المقربين اولا مومن الواصلين ثانيا هذا شأن عباد اللّه المحدين المخلصين الفانين فى اللّه الباقين باللّه اما طاعة من عداهم فبأنفسهم وهواهم لعدم تخلصهم من الشوآئب النفسانية فى مقام الشريعة من الشوائب الغيرية فى مقام الحقيقة ، واعلم ان سجدة القالب وعبادته منقطعة لانقطلع سبها ومحلها وموطنها لانها حادثة فانية زآئلة واما سجدة القلب وعبادته وهى فناؤه فى اللّه ازلا وابدا بحسب نفسه وان كان باقيا باللّه بحسب تحلية الوجود فغير منقطعة بل هى دآئمة لدوام سببها وباقية لبقاء محلها وموطنها ازلا وابدا والمقصود من وضع السجدة والعبادة القالبية هو الوصول الى شهود السجدة والعبادة القلبية ولذا حبب الى النبى عليه السلام ثلاث الطيب والنساء والصلاة اما الاول فلأنه يوجد فى نفسه ذوق الانس والمحاضرة واما الثانى فلأنه يوجد فيه ذوق القربة والوصلة واما الثالث فلأنه يوجد فيه ذوق المكاشفة المشاهدة وهذه الاذواق انما يتحقق بها من الانس من هو الانسان الحقيقى المتحقق بسر الحضرة الاحدية والمتنور بنور الحضرة الواحدية وهو المنتفع بانسانيته انتفاعا تاما واما الانسان الحيوانى فلاحظ له من ذلك التحقق ولا نصيب له من هذا الانتفاع بل حظه ونصيبه انما هو الشهوات الطبيعية والانسان الاول فى اعلى عليين والثانى فى اسفل السافلين وبينهما بون بعيد كما بين الاوج والحضيض وبكمال علو الاول قد يستغنى عن الاكل والشرب كالملائكة بالاذواق الروحانية والتجليات الربانية فلك مدة كثيرة كما وقع لبعضهم ولتمام تسفل الثانى يأكل كما تأكل الانعام فلا يقتنع فى اليوم والليلة بمرة من الاكل بل يحتاج الى مرات منها والا يقع فى الاضطراب والذيول والنحول وربما تؤدى قلة الاكل الى هلاكه كما حكى ان شخصين احدهما سمين والآخر هزيل حبسا فى تهمة ومنع عنهما الغذآء اسبوعا فبعد الاسبوع تبين ان ليس لهما جرم فاذا السمين قد مات والهزيل حى وذلك لان من اعتاد الاكل اذا لم يجده هلك |
﴿ ٠ ﴾