سُورَةُ الْقَمَرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ آيَةً

١

{ اقتربت الساعة } الاقتراب نزديك آمدن . والساعة جزء من اجزآء الزمان عبر بها عن القيامة تشبيها لها بذلك لسرعة حسابها او لانها تقوم فىآخر ساعة من ساعات الدنيا او لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم او لغير ذلك ما بين فيما بين سبق والمعنى دنت القيامة وقرب قيامها ووقوعها لانه مابقى من الدنيا الا قليل كما قال عليه السلام ( ان اللّه جعل الدنيا كلها قليلا فما بقى منها قليل من قليل ومثل مابقى مثل الثعب ) اى الغدير شرب صفوة وبقى كدره فالاقتراب يدل على مضى الاكثر ويمضى الاقل عن قريب كما مضى الاكثر وبيانه انه مضى من يوم السنبلة وهو سبعة آلاف سنة وقد صح ان مدة هذه الامة تزيد عن الف بنحو اربعمائة سنة الى خمسمائة سنة ولايجوز الزيادة الى خمسمائة سنة بعد الالف لعدم ورود الاخبار فى ذلك ولاقتضاء البراهين والشواهد عند اهل الظواهر والبواطن من اهل السنة وقد قال عليه السلام الآيات بعد المائتين والمهدى بعد المائتين فتنتهى دورة السنبلة بظهور عيسى عليه السلام فيكون آدم فاتحها وعيسى خاتمها فعلى هذا فآدم ونبينا عليهما السلام اى وجودهما من اشراط الساعة فمعجزاته من انشقاق القمر ونحوه تكون كذلك.

يقول الفقير فان قلت فكم عمر الدنيا بأسرها وما قول العلماء فيه قلت اتفقوا على حدوث الدنيا وما قطعوا اي شىء فى مدتها والذى يلوح لى واللّه اعلم بحقيقة المدة انها ثلاثمائة وستون الف سنة وذلك لانه قد مثل دور السنبلة بجمعة من جمع الآخرة اى سبعة ايام وكل يوم ايام الآخرة الف سنة كما تعالى

{ وان يوما عند ربك كألف سنة } ولاشك ان بالجمعة اى الاسبوع يتقدر الشهر وبالشهر تتقدر السنة وعليه يحمل مارود عن ابن عباس رضى اللّه عنهما الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضى ستة آلاف سنة ومائة سنة وليأتين عليها زمن من سنين ليس عليها من يوحد وقد خاطبت الدنيا آدم عليه السلام فقالت يا آدم جئت وقد انقضى شبابى يعنى انقضى من عمرها ستون الف سنة تقريبا وهى جمال ماذكرنا من المدة ولاشك ان مابين الستين والسبعين دقاقة الرقاب فآدم انما جاء الى الدنيا وقد انقضى عمرها وبقى شىء قليل منها وعلى هذا المعنى يحمل قول من قال ان عمر الدنيا سبعون الف سنة فاعرف جدا فالساعة مقتربة عند اللّه وعند الناس لان كل آت قريب وان طالت مدته فكيف اذا قصرت

واما قوله تعالى

{ انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا } فبالنسبة الى الغافلين المنكرين ولاعبرة بهم والحكمة فى ذكر اقتراب الساعة تحذير المكلف وحثه على الطاعة تنبيها لعباده على ان الساعة من اعظم الامور الكونية على خلقه من اهل السموات والارض

واما تعيين وقت الساعة فقد انفرد الحق تعالى بعمله واخفاه عن عباده لانه اصلح لهم ولذا كان كل نبى قد انذر امته الدجال وفى الحديث

( ان بين يدى الساعة كذابين فاحذروهم ) والمراد بالكذابين الدجاجلة وهم الائمة المظلون ، يقول الفقير لاشك ان انذار الانبياء عليهم السلام حقيقة من امثال هؤلاء الدجاجلة من اممهم اذ لم يخل قرن منهم والافهم يعرفون ان الساعة انما تقوم بعد ظهور ختم النبيين وختم الامم وان الدجال الاعور الكذاب متاخر عن زمانه وانما يخرج من الالف الثانى بعد المائتين واللّه اعلم فكل كذاب بين يدى الساعة سوآء كان قبل مبعث النبى عليه السلام او بعده فانما هو من مقدمات الدجال المعروف كان كل اهل صدق من مقدمات المهدى رضى اللّه عنه

{ وانشق القمر } الانشقاق شكافته شدن ، دلت صيغة الماضى على تحقق الانشقاق فى زمن النبى عليه السلام ويدل قرءآة حذيفة رضى اللّه عنه وقت انشق القمر اى اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها ان القمر قد انشق وقد خطب حذيفة بالمدائن ثم قال الا ان الساعة قد اقتربت وان القمر قد انشق على عهد نبيكم وحذيفة ابن اليمان رضى اللّه عنه صاحب سر رسول اللّه عليه اللام كابن مسعود رضى اللّه عنه وعلى هذا القول عامة الصحابة ومن بعدهم وبه اخذ اكثر المفسرين فلا عبرة بقول من قال انه سينشق يوم القيامة كما قال تعالى

{ اذا السماء انشقت } والتعبير بالماضى للدلالة على تحققه على انا نقول يجوز أن يكون انشقاقه مرتين مرة فى زمانه عليه السلام اشارة الى قرب الساعة ومرة يوم القيامة حين انشقاق السماء وفى فتح البارى لابنر حجر حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلات مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث انتهى وقال الطيبى اسند ابو اسحق الزجاج عشرين حديثا الا واحدا فى تفسيره الى رسول اللّه عليه السلام فى انشقاق القمر وفى شرح الشريف للمواقف هذا متواتر رواه جمع كثير من الصحابة كابن مسعود وغيره قال سعدى المفتى فيه انهم لم يجعلوا حديث من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من انار وقد رواه ستون او اكثر من الصاحبة وفيه العشرة من المتواتر فكيف يجعل هذا منه انتهى ، يقول الفقير قد جعل ابن الصلاح ومن تبعه ذلك الحديث اى حديث من كذب الخ من المتواتر كما فى اصول الحديث على انه يجوز أن لايكون بعض مارواه جمع كثير من المتواتر لعدم استجماع شرآئطه ( امام زاهد رحمه اللّه ) آورده كه شبى ابو جهل وجهودى بحضرت بيغمبر عليه السلام رسيدند ابو جهل كفت اى محمد آيتى بمن نماى والاسر توبشمشير برميدارم آن حضرت فمودكه جه ميخواهى ابو جهل بجب وراست نكريست كه جه خواهد كه وقوع آن متعذر باشد يهودى كفت او ساحرست اورا بكرى كه ماه را بشكافد كه سحر درزمين متحقق ميشود وساحر را در آسمان تصرف نيست ابو جهل كفت اى محمد ماه را براى مابشكاف آن حضرت انكشت شهادت برآورد واشارت فرمود ماه رابشكافت فى الحال دونيم شد يك نيم برجاى خود قرار كرفت ويكى ديكر جايى ديكر رفت وباز كفت بكوى تاملتئم شود اشارت كرد هردونيمة بهم بيوستند

شق كشت ماه جارده برلوح سيز جرخ ... جون خامه دبير ز تيغ بنان او

( قال العطار قدس سره )

ماه را انكشت او بشكافته ... مهر ازفرمانش از بس تافته

( وفى المثنوى )

بس قمر كه امربشنيد وشتافت ... بس دونيمه كشت برجوخ وشكافت

( وقال الجامى )

جومه را برسرتير اشارت ... زد از سبابه معجز بشارت

دونون شدميم دور حلقه ماه ... جهل راساخت او شصت از دو بنجاه

بلى جون داشت ستش بر قلم بشت ... رقم زد خط شق برمه برانكشت

يهودى ايمان آورد وابو جهل لعين كفت جشم مابسحر رفته است وقمر را منشق بما نموده ، وقال بعض المفسرين اجتماع بعض صناديد قريش فقالوا ان كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين ووعدوا الايمان وكانت ليلة البدر فرفع عليه السلام اصبعه امر القمر بأن ينشق نصفين فانفلق فلقتين اى شقين فلقه ذهبت عن موضع القمر وفقلة بقيت فى موضعه وقال ابن مسعود رضى اللّه عنه رأيت حرآء بين فلقى القمر فعلى هذا فالنصفان ذهبا جميعا عن موضع القمر فقال بعضهم نصف ذهب الى المشرق ونصف الى المغرب واظلمت الدينا ساعة ثم طلعا والتقيا فى وسط السماء كما كان اول مرة فقال عليه السلام اشهدوا اشهدوا وعند ذلك قال كفار قريش سحركم ابن ابى كبشة فقال رجل منهم ان محمدا ان كان سحر القمر بالنسبة اليكم فانه لايبلغ من سحره أن يسحر جميع اهل الارض فسألوا من يأتيكم من البلاد هل رأوا هذا ، يعنى ازجماعت مسافران كه ازاطراف آفاق برسند سؤال كنيد تايشان ديده اند يانه ، فسألوا اهل الآفاق فأخبروا كلهم بذلك ، يعنى جون از آينده ورونده برسيدند همه جواب دادنكه درفلان شب ماه را دونيمه ديديم ، وهذا الكلام كما لايخفى بدل على انه لم يختص برؤية القمر منشقا اهل مكة بل راه كذلك جمع اهل الآفاق وبه يرد قول بعض الملاحدة لو وقع انشقاق القمر لاشترك اهل الارض كلهم فى رؤيته ومعرفته ولم يختص بها اهل مكة ولايحسن الجواب عند بأنه طلبه جماعة فاختصمت رؤيته بمن ا قترح وقوعه ولا بانه قد يكون القمر حنيئذ فى بعض المنازل التى تظهر لبعض اهل الآفاق دون بعض ولا بقول بعضهم ان انشاق القمر آية ليلية جرى مع طائفة فى جنح ليلة ومعظم الناس نيام كما فى انسان العيون وقال فى الاسئلة المقحمة لايستبعد اختفاؤه عن قوم دون قوم بسبب غيم او غيره يمنع من رؤيته اى فكان انشقاق القمر صحيحا لكنه لم ينقل بطريق التواتر ولم يشترك فيه العرب والعجم فى جميع الاقطار القاصية والدانية ولذا وقع فيه الاختلاف كما وقع فى المعراج والرؤية والى انشقاق القمر اشار الامام السبكى فى تائيته بقوله

وبدر الدياجى انشق نصفين عندما ... أرادت قريش منك اظهار آية

وصاحب القصيدة البردية بقوله ... أقسم بالقمر المنشق ان له

من قلبه نسبة مبرورة القسم ... يعنى لو أقسم احدان للقمر المنشق نسبة وشبها بقلبه المنشق يكون بارا وصادقا وصاحب الهمزية بقوله

شق عن صدره وشق له البدر ... ومن شرط كل شرط جزآء

اى شق عن صدره عليه السلام وشق لاجله القمر ليلة اربع عشرة وانما شق له لان من شرط كل شرط جزآء لانه لما شق صدره جوزى على ذلك بأعظم مشابه له فى الصورة وهو شق القمر الذى هو من أظهر المعجزات بل اعظمها بعد القرءآن ( كما قال الصائب )

هرمحنتى مقدمه راحتى بود ... شد همزبان حق جو زبان كليم سوخت

موسى كليم را انفلاق بحر بود ومصطفى حبيب را انشقاق قمر بود جه عجب كر بحر بر موسى بضرب عصا شكافته شد كه بحر مركوب وملموس است دست آدمى بدو رسد وقصد آدمى بوى أثر دارد اعجوبه مملكت انشقاق قمر است كه عالميان ازدر يافت آن عاجز ودست جن وانش از رسيدن بوى قاصر وبيان شق الصدر انه قالت حليمة امه عليه السلام من الرضاعة وهى من بنات بنى سعد بن بكر اسلمت مع اولادها زوجها بعد البعثة لما كان يوم من الايام خرج محمد مع اخوته من الرضاعة وكان يومئذ ابن خمس سنين على ماقال ابن عباس رضى اللّه عنهما فلما انتصف النهار اذا أنا بابنى حمزة يعدو وقد علاه العرق باكيا ينادى ياماه ياأبتاه ادركا ادركا اخرى القرشى فما أراكما تلحقانه الا ميتا قلت وما قصته قال بينا نحن نترامى بالجلة اذا أتاه رجل فاختطفه من بيننا وعلا به ذروة الجبل وشق صدره الى عانته فما أراه الا مقتولا قالت فأقبلت انا وزوجى نسعى سيعا فاذا أنا به قاعد على ذروة الجبل شاخص بعينه نحو السماء يتبسم فانكببت عليه وقبلت بين عينيه فقلت له فداك نفسى مالذى دهاك قال خير يا امه بينا انا الساعة قائم مع اخوتى نتقاذف بالجلة اذ اتانى رجلان علهيما ثياب بيض وفى رواية فأقبل الى طيران ابيضان كأنهما نسران وفى رواية كركيان والمراد ملكان وهما جبرآئيل وميكائيل وفى رواية وفى رواية أتانى ثلاثة رهط اى وهم جبرآئيل وميكائيل واسرافيل لان جبريل ملك الوحى الذى به حياة القلوب وميكائيل ملك الرزق الذىحياة الاجساد واسرافيل مظهر الحياة مطلقا فى يد احدهم ابريق من فضة وفى يد الثانى طست من زمرد اخضر مملوء ثلجا وهو ثلج اليقين فأخذونى من بين اصحابى وانطلقوا بى الى ذروة الجبل وفى رواية الى شفير الوادى فأضجعنى بعضهم على الجبل اضجاعا لطيفا ثم شق صدرى وانا انظر اليه فلم اجد لذلك حسا ولا الما ثم ادخل يده فى جوفى فأخرج احشاء بطنى فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها اى بالغ فى غسلها ثم اعادها مكانها وق الثانى وقال للاول تنح فقد انجزت ما أمرك اللّه فدنا منى فأدخل يده فى جوفى فانتزع قلبى وشقه باثنين فأخرج منه علقة سودآء فرمى بها وقال هذا حظ الشيطان اى محل غمزه ومحل مايليقه من الامور التى لاننبغى لان تلك العلقة خلقها اللّه فى قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه وبعض ورثته الكمل يقيىء دما اسود محترقا من نور التوحيد فيحصل به شرح الصدر وشق القلب ايضا ولايلزم من وجود القابل لما يلقيه الشيطان حصول الالقاء بالفعل قبل هذا الشق فانه عليه السلام معصوم على كل حال فان قلت فلم خلق اللّه هذا القابل فى هذه الذات الشريفة وكان من الممكن أن لايخلق فيها قلت لانه من جملة الاجزاء الانسانية فخلقت تكلمة للخلق الانسانى ثم تزعت تكرمة له اى لانه لو خلق خاليا عنها لم تظهر تلك الكرامة وفيه انه يرد على ذلك ولادته عليه السلام من غير قلفة وهى جلدة الذكر التى يقطعها الخاتن و اجيب بالفرق بينهما لان القلفة لما كانت تزال ولا بد من كل واحد مع مايلزم على ازالتها من كشف العورة كان نقص الخلقة الانسانية عنها عين الكمال قال عليه السلام ثم حشا قلبى بشىء كان معه وهو الحكمة والايمان ورده مكانه ثم ختمه بخاتم من نوريحا الناظرون دونه وفى رواية واقبل الملك وفى يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه ولا مانع من تعدد الختم فختم القلب لحفظ مافيه وبين الكتفين مبالغة فى حفظ ذلك لان الصدر وعاؤه القريب وجسده وعاؤه البعيد وخص بين الكتفين لانه اقرب اليه من القلب من بقية الجسد وهو موضع نفوذ خرطوم ابليس لان العدو يجيىء من ورآء ولذا سن الحجامة فيه ثم قال عليه السلام انا الساعة اجد برد الخاتم فى عروقى ومفاصلى وقام الثالث فقال تنحيا فقد انجز تماما امر اللّه فيه فدنا منى وامر يده على مفرق صدرى الى منتهى الشق فالتأم وانا انظر اليه وكانوا يرونه اثرا كأثر المخيط فى صدره وهو اثر مرور يد جبريل ثم انهضنى من الارض انهاضا لطيفا ثم قال الاول الذى شق صدرى زنه بعشرة من امته فوزننى فرجحتهم ثم قال زنه بعشرين فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فرجحتهم ثم قال زنه بالف فرجحتهم ثم قال دعه فلو وزنتموه بامته كلهم لرجحهم.

يقول الفقير هذا يدل على انه عليه السلام كما انه افضل من كل فرد فرد من افراد الموجودات فكذا افضل من المجموع ولا عبرة بقول من قال فى كونه افضل من المجموع توقف لانه جهل بشأنه العالى وانه احدية مجموع الاسماء الالهية وبرزخيتها فاعرف قال عليه السلام ثم انكبوا على وقبلوا رأسى ومابين عينى وقالوا ياحبيباه انك لو تدرى مايراد بك من الخير لقرت عيناك وتركونى قاعدا فى مكانى هذا وجعلوا يطيرون حتى دخلوا خلال السماء وانا انظر اليهم ولو شئت لارينك موضع دخولهم ، واعلم ان صدره الشريف شق مرار امرة لاخراج حظ الشيطان كما مر لانه لايليق به وعند مجيىء الوحى لتحمل ثقله وعند المعراج لتحمل اسراره ففى شرح الصدر مرارا امزيد تقوية لباطنه وهذا الشرح معنوى لأكامل امته ولا بد منه فى حصول الفيض الالهى يسره اللّه لى ولكم ثم انه بقى هنا معنى آخر كما قاله البعض وهو ان انشقاق القمر مجاز عن وضوح الامر ولايبعد ان يحمل بيت المثنوى على ذلك وهو

سايه خواب آرد ترا همجون سمر ... بر آيد شمس انشق القمر

اى وضح الامر واستبان وذلك لانه عند اقتراب الساعة ينكشف كل خفى ويظهر كل مستور ويستبين الحق من الباطل من كل وجه ويدل على هذا المعنى قوله عليه السلام اذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب فان المراد وضوح الامر فى آخر الزمان وظهور حقيقته ولذا يصير الناس بحيث ينكشف لأدنى سالك منهم فى مدة قليلة مالم ينكشف للامم الماضية فى مدة طويلة وذلك لان اللّه تعالى قال فى حق يوم القيامة

{ يوم تبلى السرآئر } فاذا قرب الزمان من ذلك اليوم يأخذ حكمه فيكون كشف الامور اكثر والخفايا اظهر وقال البقلى رحمه اللّه علم اللّه انتظار ارواح الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والاولياء العارفين وجميع الصالحين كشف جماله وقرب وصاله والدخول فى جواره فبشرهم اللّه تعالى بأنه مقرون بقدوم محمد عليه السلام فلما خرج بالنبوة شك فيه المشركون فأراهم اللّه صدق وعده بانشقاق القمر حتى يعرفوا ان اللّه تعالى يريد بالعالمين اتيان الساعة التى فيها كشوف العجائب وظهور الغرآئب من آيات اللّه وصفاته وذاته

وفى التأويلات النجمية اعلم ان الساعة اى القيامة ساعتان الكبرى وهى عامة بالنسبة الى جميع الخلائق وهى التى اقترتب والصغرى وهى خاصة بالنسبة الى السالكين ال اللّه برفع الاوصاف البشرية وقطع العلائق الطبيعية السائرين فى اللّه بالتجلى بالاوصاف اللالهية والاخلاق الربانية الراجعين من الحق الى الحق بالبقاء الحقانى بعد الفناء الخلقانى وبالجمع بعد الفرق وهى أعنى الساعة الصغرى واقعة اليوم فى كل آن ولله تجلى جلالى يفنى جمالى يبقى واليه اشارة قوله عليه السلام من مات فقد قامت قيامته فقد انشق قمر قلب السالك عن ظلمة النفس المظلمة باستيلاء نور شمس فلك الروح عليها فلا جرم وقعت الساعة بالنسبة الى القلب الحى المنور بالنور الالهى ووقعت القيامة الخاصة الشاملة على الموت والحشر والنشور فافهم ولاتعجب لئلا تكن ممن قال تعالى فيهم أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون واللّه الموفق والمعين

٢

{ وان يروا } يعنى قريشا

{ آية } من آيات اللّه دالة على قدرته وصدق نبوة حبيبه عليه السلام مثل انشقاق القمر ونظائره ومعنى تسمية ماجاءت به الانبياء معجزة هو ان الخلق عجزوا عن الاتيان بمثلها

{ يعرضوا } عن التأمل فيها ليقفو على حقيقتها وعلو طبقتها فيؤمنوا

{ ويقولوا } هذا

{ سحر مستمر } مطرد دآئم يأتى به محمد عليه السلام على ممر الزمان لايكاد يختلف بحال كسائر انواع السحر فالاستمرار بمعنى الاطراد يقال اطرد الشىء تبع بعضه بعضا وجرى وهو يدل على انهم رأوا قبله آيات اخرى مترادفة حتى قالوا ذلك وفيه تأييد ان انشقاق القمر قد وقع لا انه سينشق يوم القيامة كما قاله بعضهم وذلك لانه لو لم يكن الانشقاق من جنس الآيات لم يكن ذكر هذا القول مناسبا للمقام او مطردا بالنسبة الى جميع الاشخاص والبلاد حيث رأوه منشقا وقال بعضهم آن جاد وبيست دائم ورونده از زمين تا بآسمان ، ويجوز أن يكون مستمر من المرة بالكسر بمعنى القوة امررته فاستمر اذا حكمته فاستحكم فالاستمرار بمعنى الاستحكام اى قوى مستحكم لايمكن ازالته او قوى شديد يعلو كل سحر

وقيل مستمر ذاهب يزول ولايبقى عن قريب تمنية لأنفسهم وتعليلا فهو من المرور

٣

{ وكذبوا } اى النبى عليه السلام وما عاينوه من معجزات التى اظهرها اللّه على يده

{ وابتعوا اهواءهم } التى زينها الشيطان لهم من رد الحق بعد ظهوره او كذبوا الآية التى هى انشاق القمر واتبعوا اهوآءهم وقالوا سحر القمر او سحر اعيننا والقمر بحالة ولم يصبه شىء او انه خسوف فى القمر وظهور شىء من جانب آخر من الجو يشبه نصف القمر فهذه اهوآءهم الباطلة

بد كمانى لازم بد باطنان افتاده است ... كوشه از خلق جاكردم كمين بنداشتند

وذكرهما بلفلظ الماضى اى بعد يعرضوا ويقولوا بلفظ المستقبل للاشعار بأنهما من عادتهم القديمة وفيه اشارة الى المحجوبين المستغرقين فى بحر الدنيا وشهواتها فانهم اذا ظهر لهم خاطر رحمانى بالاقبال على اللّه ومتابعة الرسول وترك حب الدنيا ورفع شهواتها يعرضوا عن هذا الخاطر الرحمانى وينفوه ولا يلتفتوا اليه ولا يعتبروه بل يزدادوا فيما هم عليه من حب الدنيا ومتابعة النفس وموافقة الهوى ويرموه بالكذب وربما يرى بعضهم فى منامه انه لبس خرقة الفقرآء من خارج ولكن تحتها قميص حرير فهذا يدل على ان تجرده ليس من باطنه فتجرده الظاهرى وملاحظة الفناء القشرى ليس بنافع له جدا

{ وكل امر مستقر } اى وكل امر من الامور مستقر اى منته الى غاية يستقر عليها لا محالة ومن جملتها امر النبى عليه السلام فسيصير الى غاية يتبين عندها حقيقته وعلو شأنه وابهام المستقر عليه للتنبيه على كمال ظهور الحال وعدم الحاجة الى التصريح به او كل امر من امرهم امره عليه السلام مستقر اى سيثبت ويستقر على حالة خذلان او نصرة فى الدنيا وشقاوة او سعادة فى الآخرة فان الشىء اذا انتهى الى غايته ثبت واستقر يعنى ان الاستقرار كناية عن ملزومه وهو الانتهاء الى الغاية فان عنده يتبين حقيقة ك ل شىء من الخير والشر والحق والباطل والهوى والحجة وينكشف جلية الحال ويضمحل الشبه والالتباس فان الحقائق اما تظهر عند العواقب فهذا وعيد للمشركين ووعد وبشارة للرسول والمؤمنين ونظيره لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون اى كل نبأ وان طالت مدته فلا بد ان ينتهى الى غايته وتنكشف حقيقته من حق وباطل وفى عين المعانى وكل مر وعدهم اللّه كائن فى وقته اى لايتغير شىء عن مراد اللّه ولايغيره احد دون اللّه فهو يمضيه على الخلق فى وقته لانه مستقر لايزول وفيه اشارة الى ان امر محمد الروح وامر ابى جهل النفس له نهاية وغاية يستقر فيها اما الى السعادة الابدية بواسطة التخلق بالاخلاق الالهية

واما الى الشقاوة السرمدية بسبب الاتصاف بالصفات البشرية الحيوانية

٤

{ ولقد جاءهم } اى وباللّه لقد جاء اهل مكة فى القرءآن

{ من الانباء } جمع نبأ وهو خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم او غلبة ظن ولا يقال للخبر فى الاصل نبأ حتى يتضمن هذه الاشياء الثلاثة اى انباء القرون الخالية او انباء الآخرة وما وصف من عذاب الكفار فاللام عوض عن المضاف اليه وهو حال مما بعده

{ مافيه مزدجر } اى ازدجار من تعذيب ان أريد بالانباء انباء القرون الخالية او وعيد أريد بها انباء الاخرة او موضع ازدجار على ان فى تجريدية والمعنى انه فى نفسه موضع ازدجار ومظنة له كقوله تعالى

{ لقد كان لكم فى رسو اللّه اسوة حسنة } اى هو فى نفسه اسوة حسنة وتاء الافتعال تقلب دالا مع الدال والذال والزاى للتناسب فى المخرج او لتحصيل التناسب فان التاء مهموسة وهذه الحروف مجهورة يعنى ان اصله مزتجر لانه مفتعل من الزجر قلبت التاء ذالا لان الزاى حرف مجهور والتاء حرف مهموس والذال تناسب الزاى من الجهر وتناسب التاء فى المخرج يقال زجره وازدجره اى نهاه عن السوء ووغظه غير ان افتعل ابلغ فى المعنى من فعل قال الراغب الزجر طرد بصوت يقال زجرته فانزجر ثم يستعمل فى الطرد تارة وفى الصوت تارة وقوله تعالى مزدجر اى طرد ومنع عن ارتكاب المأثم

٥

{ حمة بالغة } غايتها متناهية فى كونها حكمة لاخلل فيها او قد بلغت الغاية فى الانذار والنهى والموعظة وهو بدل من ما او خبر لمحذوف وفى القاموس الحكمة بالكسر العدل والعلم والحلم والنبوة والقرءآن وفى المفردات الحكمة اصابة الحق بالعلم والفعل فالحكمة من اللّه معرفة الاشياء او ايجادها على غاية الاحكام ومن الانسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات واذا وصف القرآن بالحكيم فلتضمنه الحكمة وهى علمية والحكمة المنطوق بها هى العلوم الشرعية والطريقة والحكمة المسكوت عنها هى اسرار الحقيقة التى لايطلع عليها علماء الرسوم والعوام على ماينبغى فتضرهم او تهلكهم

{ فما تغنى النذر } نفى للاغنياء فمفعول تغنى محذوف اى لم تغن النذر شيأ او استفهام انكار فما منصوبة على انها مفعول مقدم لتغنى اى فأى اغناء تغنى النذر اذا خالفو او كذبوا اى لا تنفع كقوله

{ وما تغنى الآيات والنذر } عن قوم لايؤمنون جمع نذير بمعنى المنذر او مصدر بمعنى الانذار وفيه اشارة الى عدم انتفاع النفوس المتمردة بانذار منذر الروح وانذار منذر القلب اذ الروح مظهر منذر القرآن والقلب مظهر منذر الحقيقة

٦

{ فتول عنهم } لعلمك بان الانذار لايؤثر فيهم البتة ولا ينفع فالفاء للسببية وبالفارسية بس روى بكردان از ايشان تا وقت امر بقتال ومنتطر باش جزاى انشانرا

{ يوم يدع الداع } اصله يوم يدعو الداعى بالواو والياء لما حذف الواو من يدعو فى التلفظ لاجتماع الساكنين حذفت فى الخط ايضا اتباعا للفظ واسقطت الياء من الداعى للاكتفاء بالكسرة تخفيفا

قال بعضهم حذفت الياء من الداعى مبالغة فى التخفيف اجرآء لأل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف الياء مع التنوين كذلك مع ما عاقبه ويوم منصوب بينجرجون او باذكر والداعى اسرافيل عليه السلام ينفخ فى الصور قائما على صخرة بيت المقدس ويدعو الاموات وينادى قائلا أيها العظام البالية واللحوم المتزقة والشعور المتفرقة ان اللّه يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء او ان اسرافيل ينفخ وجبريل يدعو وينادى بذلك وعلى كلا القولين فالدعاء على حقيقته وقال بعضهم هو مجاز كالامر فى قوله تعالى

{ كن فيكون } يعنى ان الدعاء فى البعث والاعادة مثل كن فى التكوين والابتدآء بأن لايكون ثمة داع من اسرافيل او غيره بل يكون الدعاء عبارة عن نفاذ مشيئته وعدم تخلف مراده عن ارادته كما لايتخلف اجابة دعاء الداعى المطاع.

يقول الفقير الاولى بقاؤه على حقيقته لان اسرافيل مظهر الحياة وبيده الصور واللّه تعالى ربط الاشياء بعضها ببعض وان كان الكل بأرادته ومشيئته

{ الى شىء نكر } بضمتين صفة على فعل وقرىء بسكون الكاف وكلاهما بمعنى المنكر اى منكر فظيع ينكره النفوس لعدم العهد بمثله وهو هول يوم القيامة ومنه منكر ونكير لفتانى القبر لانه لم يعهد عند الميت مثلهما

٧

{ خشعا ابصارهم } حال من فاعل

{ يخرجون } والتقديم لان العامل فعل فعل متصرف اى يخرجون

{ من الاجداث } جمع محركة وهو القر اى من قبورهم حال كونهم اذلة ابصارهم من شدة الهول والضراعة اكثر ماتستعمل فيما يوجد فى القب كما روى اذا ضرع القلب خشعت الجوارح وخص الابصار بالخشوع لانه فيها اظهر منه فى سائر الجوارح وكذلك سائر مافى نفس الانسان من حياء او خوف ونحوه انما يظهر فى البصر

{ كأنهم جراد } اى يشبهن الجراد وهو بالفارسية ملخ ، سمى بذلك لجرده الارض من النبات يقال ارض مجرودة اى اكل ماعليها حتى تجردت كما فى المفردات

{ منتشر } فى الكثرة والتموج والتفرق فى الاقطار ومثله قوله { كالفراش المبثوث }

٨

{ مهطعين الى الداع } حال ايضا اى مسرعين الى جهة الداعى مادى اعناقهم اليه او ناظرين اليه لايقعلون بأبصارهم يقال هطع الرجل اذا أقبل ببصره على الشىء لايقلع عنه وأهطع اذا مد عنقه وصوب رأسه وأهطع فى عدوه اذا اسرع كما فى الجوهرى وفيه اشارة الى ذلة أبصار النفوس وعلتها فأنهار مدت من حب الدنيا وانطفاء ابصار القلوب عن شواهد الحق وانطماس ابصار الارواح عن شهود الحق والى ان هذه النفوس الرديئة تخرج من قبور صفاتها الرذيلة كالجراد الحريص على اكل زروع مزارع القلب من الاخلاق الروحانية منتشرين فى مزارع الورح ومغارس القلب بالفساد والافساد وترى هذه النفوس الخبيثة مسرعة الى اجابة داعى الشهوات النفسانية واللذات الجسمانية راغبة الى دعوته مقبلة على طلبه

{ يقول الكافرون } استئناف وقع جوابا عما نشأ من وصف اليوم بالاهوال واهله بسوء الحال كأنه قيل فماذا يكون حينئذ فقيل يقول الكافرين

{ هذا يوم عسر } اى صعب شديد علينا فيمكثون بعد الخروج من القبور واقفين اربعين سنة يقولون ارحنا من هذا ولو الى النار ثم يؤمرون بالحساب وفى اسناد القول المذكور الى الكفار تلويح بأن المؤمنين ليسوا فى تلك المرتبة من الشدة بل ذلك اليوم يوم يسير لهم ببركة ايمانهم وأعمالهم بل المطهرون المحفوظون الذين ماتندست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهر هم ايضا بالمخالفات الشرعية آمنون يغبطهم النبيون فى الذىهم عليه من الامن لما هم والنبيون عليه من الخوف على اممهم يعنى ان الانبياء والرسل عليهم السلام يخافون على اممهم للشفقة التى جبلهم اللّه عليها للخلق فيقولون فى ذلك اليوم سلم سلم وان كان لايحزنهم الفزع الاكبر لانهم آمنون من خوف العاقبة وفيه الشارة الى كفار النفوس اللئيمة يقولون بلسان الحال ولا ينفعهم المقال يوم قيامة اضطرابهم لما رأوا الفضيحة والقطيعة هذا يوم عسر صعب خلاصنا ومناصنا منه لانجاة لنا ولا منجاة الا الاستمساك بعروة وثقى الروح والقلب وما يقدرون على مايقولون لافساد استعدادهم بيد الامانى الكاذبة واختيار تلك الامانى الفاسدة الدنيوية على المطالب الصالحة الاخروية فعلى العاقل أن يختار الباقى على الفانى ولايغتر بالامانى بل يجتهد قبل الموت بأسباب الخلاص والنجاة لكى يحصل له فى الآخرة النعيم والدرجات والا فاذا خرج الوقت من اليد وبقيت اليد صفرا فى الغد فلا ينفع الاسف والويل نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا من الذين أجابوا داعى اللّه ورسوله وتشرفوا بالعمل بالقرءآن وقبوله وييسر لنا الفناء المعنوى قبل الفناء الصورى ويهيىء لنا من امرنا رشدا فانا آمنا به ولم نشرك بربنا احدا وهو المعين فى الآخرة والاولى بيده الامور ردا وقبولا

٩

{ كذبت قبلهم قوم نوح } اى فعل التكذيب قبل قومك يامحمد قوم نوح او كذبوا نوحا فالمفعول محذوف وهو شروع فى تعداد بعض الانباء الموجبة للازدجار وتسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم

{ فكذبوا عبدنا } نوحا تفسير لذلك التكذيب الهيم كما فى قوله تعالى

{ ونادى نوح ربه فقال رب } الخ فالمكذب فى المقامين واحد والفاء تفسيرية تفصيلية تعقيبية فى الذكر فان التفصيل يعقب الاجمال وفى ذكره بعنوان العبودية مع الاضافة الى نون العظمة تفخيم له عليه السلام ورفع لمحله وزيادة تشنيع لمكذبيه فان تكذيب عبد السلطان اشنع من تكذيب عبد غيره وفيه اشارة الى انه لاشىء اشرف من العبودية فان الذلة الحقيقية التى يقابلها مقام الربوبية مختصة باللّه تعالى فكذا العبودية مختصة بالعبد وهى المرادة بالتواضع وهى غير التملق فان التملق لاغيره به وفى الحديث ( انا سيد ولد آدم ولا فخر ) اى ليس الفخر لى بالرسالة وانما الفخر لى بالعبودية وخصوصا بالفقر الذى هو الخروج عن الوجود المجازى بالكلية

{ وقالوا } فى حقه هو او قالوا له انك

{ مجنون } اى لم يقتصروا على مجرد التكذيب بل نسبوه الجنون واختلال العقل وهو اجادة فى التكذيب لان من الكاذبين من يخبر بما يوافق العقل ويقبله والمجنون لايقول الا مالا يقبله العقل وياباه

{ وازدجر } عطف على قالوا فهو من كلام اللّه اى وزجر عن التبليغ بأنواع الاذية مثل الشتم والضرب والخنق والوعيد بالرجم قال الراغب وازدجر اى طرد واستعمال الزجر فيه لصياحهم بالمطرود نحو ان يقال اعزب عنى وتنح و ورآءك

وقيل هو من جملة ماقالوه اى هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتحبطته اى افسدته وتصرفت فيه وذهبت بليه وطارت بقلبه وفيه اشارة الى ان كل داع حق لابد وان يكذب لكثرة اهل البطلان وغلبة اهل البدع والاهوآء والطغيان وذلك فى كل عصر وزمان وايضا قوم نوح الروح وهم النفس الامارة وصفاتها لايقبلون دعوته الى اللّه لانهماكهم فى الشهوات واللذات وصعوبة الفطام عن المألوفات واللّه المعين فى جميع الحالات والمقامات

اين جهان شهوتى بتخانه ايست ... انبيا وكافران را لانه ايست

ليك شهوت بنده با كان بود ... زرنسوزد زانكه نقد كان بود

ذلة الارواح من اشباحها ... عزة الاشباح من ارواحها

كم نشين براسب توسن بى لكام ... عقل ودين را بيشوا كن والسلام

١٠

{ فدعا ربه } اى لما زجروا نوحا عن الدعوة وبلغ مدة التبليغ تسعمائة وخمسين سنة دعا ربه

{ انى } اى بأنى

{ مغلوب } من جهة قومى مالى قدرة على الانتقام منهم

{ فانتصر } اى فانتقم لى منهم وذلك بعد تقرر يأسه منهم بعد الليتا والتى فقد روى ان الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا فيفيق ويقول اللهم اغفر لقومى فانهم لايعلمون فلما اذن اللّه له فى الدعاء للاهلاك دعا فاجيب كما قال فى الصفات { ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون }

١١

{ ففتحنا ابواب السماء } اى طرقها وبالفارسية بس بكشاديم براى عذاب ايشان درهاء آسمانرا ازطرف مجره كما قال على رضى اللّه عنه

{ بماء منهمر } الهمر صب الدمع والماء يقال همره يهمره ويهمره صب نهمر هو وانهمر اى انسكب وسال والمعنى بماء كثير منصب انصبابا شديدا كما ينصب من افواه القرب لم ينقطع اربعين يوما وكان مثل الثلج بياضا وبردا وهو تمثيل لكثرة الامطار وشدة انصبابها سوآء جعل الباء فى قوله بماء للاستعانة وجعل الماء كالالة لفتح ابواب السماء وهو ظاهر او للملابسة

١٢

{ وفجرنا الارض عيونا } اى جعلنا الارض كلها كائنا عيون منفجرة اى جارية وكان ماء الارض مثل الحميم حرارة واصله وفجرنا عيون الارض فغير عن المفعولية الى التمييز قضاء الحق المقام من المبالغة لان قولنا فجرنا عيون الارض يكفى فى صحة تفجر مافيها من العيون ولا مبالغة فيه بخلاف فجرنا الارض عيونا فان معناه فرجنا اجزآء الارض كلها بجعلها عيون الماء ولاشك فى انه ابلغ

{ فالتقى الماء } اى ماء السماء وماء الارض وارتفع على اعلى جبل فى الارض ثمانين ذراعا والافراد حيث لم يقل الما آن لتحقيق ان التقاء الماءين لم يكن بطريق المجاورة والتقارب بل بطريق الاختلاط والاتحاد

{ على امر قد قدر } اى كائنا على حال قدر قدره اللّه من غير تفاوت او على حالة قدرت وسويت وهو ان قدر مانزل من السماء على قدر ماخرج من الارض او على امر قدره اللّه وهو هلاك قوم نوح بالطوفان فكلمة على على هذا للتعليل يقول الفقير انما وقع العذاب بالطوفان العام لان الماء اشارة الى العلم فلما لم ينتفعوا بعلم وتأثير الطوفان يظهر فى كل ثلاثين سنة مرة واحدة لكن على الخفة فيقع مطر كثير ويغرق بعض القرى والبيوت من السيل

١٣

{ وحملناه } اى نوحا ومن آمن معه

{ على ذات الواح } عريضة خشبا او عظما وكانت سفينة نوح من ساج وهو شجر عظيم ينبت فى ارض الهند او من خشب شمشاد ويقال من الجوز

{ ودسر } ومسامير جمع دسار من الدسر وهو الشديد بقهر يقال دسره بالرمح ( رورى ) انه ليس فى العنبر زكاة انما هو شىء دسره البحر سمى به المسمار لانه يدسر به منفذه اى بدفع قال فى عين المعانى دسرت بها السفينة اى شدت او لأنها تدسر اى تدفع بالدق فقوله

{ ذات الواح ودسر } صفة للسفينة اقيمت مقامها بأن يكنى بها عنها كما يكنى عن الانسان بقولهم هو مستوى القامة عريض الاظفار

١٤

{ تجرى بأعيننا } اى تجرى السفينة وتسير بمرأى منا اى محفوظة بحفظنا ومنه قولهم للمودع عين اللّه عليك

وقيل بأوليائنا يقال مات عين من عيون اللّه اى ولى من اوليائه

{ جزاء لمن كان كفر } مفعول له لما ذكر من فتح ابواب السماء وما بعده وكفر من كفران النعمة اى فعلنا ذلك المذكور اجرا وثوابا لنوح لانه كان نعمة كفروها فان كل نبى نعمة من اللّه على امته ورحمة اى نعمة ورحمة فكان نوح نعمة مكفورة ومن هذا المعنى ماحكى ان رجلا قال للرشيد الحمد لله عليك فقال مامعنى هذا الكلام فقال أنت نعمة حمدت اللّه عليها

١٥

{ ولقد تركناها } اى السفينة

{ آية } يعتبر بها من يقف على خبرها وقال قتادة ابقاها اللّه بياقردى من بلاد الجزيرة

وقيل على الجودى دهرا طويلا حتى نظر اليها او آئل هذه الامة وكم من سفينة كانت بعد قد صارت رمادا وفى تفسير ابى الليث

قال بعضهم بعنى ان تلك السفينة كانت باقية على الجبل قريبا من خروج النبى عليه السلام

وقيل بقيت خشبة من سفينة نوح هى فى الكعبة الآن وهى ساجة غرست حتى ترعرت اربعين سنة ثم قطعت فتركت حتى يبست اربعين سنة

وقيل بقى بعضها خشبها على الجودى الى هذه الاوقات ، يقول الفقير لعل بقاء بعض خشبها لكونها آية وعبرة والا فهو ليس بافضل من اخشاب منبر نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم فى المدينة وقد احترقت او اكلتها الارضة فاتخذت مشطا ونحوه مما يتبرك به ألا ترى ان مقام ابراهيم عليه السلام مع كونه حجرا صلدا لم يبق اثره بكثرة مسح الايدى ثم لم يبقى نفسه ايضا على ماهو الاصح والمعروف بالمقام الآن هو مقام ذلك المقام فاعرف وفى عين المعانى ولقد تركناها اى الغرق العام وهو اضمار الآية قبل الذكر كقوله انها تذكرة وقال بعضهم يعنى جنس السفينة صارت عبرة لان الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة واتخذوا السفن بعد ذلك فى البحر فلذلك كانت آية للناس ، يقول الفقير كيف يعرفونهها ولم يكن فى الدنيا قبل الطوفان الا البحر المحيط وذلك ان الهل تعالى امر الارض بعد الطوفان فابتلعت ماءها وبقى ماء السماء لم تبتلعه الارض فهذه البحور على وجه الارض منها

واما البحر المحيط فغير ذلك بل هو جرز عن الارض حين خلق اللّه الارض من زبده واليه الاشارة بقوله

{ وكان عرشه على الماء } اى العذب والبحور سبعة منها البحر المحيط وبعضهم لم يعد المحيط منها بل هو غير السبعة وكان نوح عليه السلام نجارا فجاء جبريل وعلمه صنعة السفينة

{ فهل من مدكر } اى معتبر بتلك الآية الحقيقة بالاعتبار فيخالف من اللّه ويترك المعصية واصله مذتكر على وزن مفتعل من الذكر فأدغمت الذال فى التاء ثم قلبت دالا مشددة

١٦

{ فكيف كان عذابى ونذر } استفهام تعظيم وتعجيب اى كانا على كيفية هائلة لايحيط بها الوصف والنذر جمع نذير بمعنى الانذار اصله نذرى بالياء حذفت اكتفاء بالكسرة وحد العذاب وجمع الانذارات اشارة الى غلبة الرحمة لان الانذار اشفاق ورحمة فقال الانذارات التى هى نعم ورحمة توارت عليهم فلما لم تنفع وقع العذاب وقعة واحدة فكانت النعم كثيرة والنقمة واحدة

١٧

{ ولقد يسرنا القرءآن } الخ جملة قسمية وردت فى اواخر القصص الاربع تنبيها على ان كل قصة منها مستقبلة بايجاب الادكار كافية فى الازدجار ومع ذلك لم تقع واحدة فى حيز الاعتبار اى وباللّه لقد سهلنا القرءآن لقومك بأن انزلنا على لغتهم كما قال فانما يسرناه بلسانك ووشحنا بانواع المواعظ والعبر وصرفنا فيه من الوعيد والوعد

{ للذكر } اى للتذكير والاتعاظ وعن الحسن عن النبى عليه السلام لولا قول اللّه

{ ولقد يسرنا القرءآن للذكر } لما اطاقت الالسن أن تتكلم به

{ فهل من مدكر } انكار ونفى للمتعظ على ابلغ وجه وآكده حيث يدل على انه لايقدر احد أن يجيب المستفهم بنعم وعن عبداللّه بن مسعود رضى اللّه عنه قال قرأت على النبى عليه السلام فهل من مذكر بالذال فقال عليه السلام فهل من مدكر بالدال قال فى برهنان القرءآن قوله فكيف كان الخ ختم به قصة نوح وعاد وثمود ولوط لما فى كل واحدة منها من التخويف والتحذير وما حل بهم فيتعظ به حافظ القرءآن وتاليه ويعظ غيره.

وفى الآيات اشارة الى مغلوبية نوح القلب فى يد النفس الامارة بغلبات الصفات البشرية عليه حتى دعا ربه فأجابه اللّه حتى غلبت صفاته الروحانية النوارنية على صفاتها الحيوانية الظلمانية وافاض من سماء الارواح العلوية مياه الرأفة والرحمة والكرامة من ارض البشرية عيون المعارف والحقائق فأهلك قومه المعبر عنهم بالنفس وصفاتها وتجاه على سفينة صفاته الروحانية وفيه اشارة اخرى وهى انه اذا زاد الكشف والعيان تستشرف الارواح على الفناء فيدخلها اللّه فى سفن العصمة ويجريها بشمال العناية وايضا ان الانبياء والاولياء سفن عنايته تعالى يتخلص العباد بهم من الاستغراق فى بحار الضلالة وظلمات الشقاوة لانهم محفوظون بحسن عنايته وعين كلاءته ومن استن بسنتهم نجا من الطغيان والنيران ودخل فى جوار الرحمن ( وفى المثنوى )

اينجنين فرمود آن شاء رسل ... كه منم كشتى درين درياى كل

ياكسى كودر بصير تهاى من ... شد خليفه راستى بر جاى من

كشتىء نوحيم در دريا كه تا ... رونكر دانى ز كشتى اى فتى

نسأل اللّه سبحانه أن يحفظنا فى سفينة العشريعة من الاعتماد على العقل والخيال ويعضمنا من الزيغ والضلال

١٨

{ كذبت عاد } اى هودا عليه السلام ولم يتعرض لكيفية تكذيبهم له روما للاختصار ومسارعة الى بيان مافيه الازدجار من العذاب

{ فكيف كان عذابى ونذر } هو لتوحيه قلوب السامعين نحو الاصغاء الى مايقلى اليهم قبل ذكره لا لتهويله و تعظيمه وتعجيبهم من حاله بعد بيانه كما قبله وما بعده كأنه قيل كذبت عاد فهل سمعتهم او فاسمعوا كيف كان عذابى وانذاراتى لهم فالنذر جمع نذير بمعنى الانذار

١٩

{ انا اسلنا عليهم ريحا صرصرا } استئناف ببيان ما اجمل اولا وصرصر من الصر وهو البرد او من صر الباب والقلم اى صوت اى ارسلنا وسلطانا عليهم ريحا باردة او شديدة الصوت والهبوب وهى ريح الديور وتقدم تفصيله فى فصلت وغيرها

{ فى يوم نحس } النحس ضد السعد اى شؤم

{ مستمر } صفة ليوم او نحس اى مستمر شؤمه عليهم او ابد الدهر فان الناس يتشاءمون باربعاء آخر الشهر قال ان الشيخ واشتهر بين بعض الناس التشاؤم بالاربعاء الذى يكون فى آخر الشهر بناء على قوله تعالى

{ فى يوم نحس مستمر } ومعلوم ان ليس المراد انه نحس على المصلحين بل على المفسدين حيث لم تظهر نحو سنته فى حق الانبياء والمؤمنين وفى الروضة الاربعاء مشؤم عندهم والذى لايدور وهو آخر اربعاء فى الشهر اشأم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما يرفعه آخر اربعاء الشهر يوم نحس مستمر قال الشاعر

لقاؤك للمبكر قال سوء ... ووجهك اربعاء لايدور

وقيل يحمد فى الاربعاء الاستحمام فانه يقال يخلط فى ذلك اليوم ماء من الجنة مع المياه وكذا يحمد ابتدآء الامور والمعنى مستمر عليهم شؤمه ونحو سته ازمنة ممتدة الى أن اهلكهم فاليوم بمعنى الحين والا فاليوم الواحد لايمكن أن يستمر سبع ليال وثمانية ايام والاستمرار على هذين الوجهين يحسب الزمان او المعنى شامل لجميعهم كبيرهم وصغيرهم فالمستمر بمعنى المطر بالنسبة الى الاشخاص او مشتد مرارته اى بشاعته وكان ابتدآؤه يوم الاربعاء آخر الشهر يعنى كانت ايام العجوز من صبيحة اربعاء آخر الشهر الى غروب الاربعاء آخر ( روى ) انه كان آخر ايامهم الثمانية فى العذاب يوم الاربعاء وكان سلخ صغر وهى الحسوم فى سورة الحاقة

٢٠

تَنْزِعُ النَّاسَ صفة لريحا اى ريحا تقلعهم روى انهم دخلوا الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح وصرعتهم موتى وقال مقاتل تنزع أرواحهم من أجسادهم وقال السهيلي دامت عليهم سبع ليال وثمانية ايام كيلا تنجو منهم أحد ممن في كهف او سرب فأهلكت من كان ظاهرا بارزا وانتزعت من البيوت من كان في البيوت او هدمتها عليهم وأهلكت من كان في الكهوف والأسراب بالجوع والعطش ولذلك قال فهل ترى لهم من باقية اى فهل يمكن أن يبقى بعد هذه الثمانية الأيام باقية منهم

كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ حال من الناس والاعجاز جمع عجز وعجز الإنسان مؤخره وبه شبه مؤخر غيره ومنه العجز لانه يؤدى الى تأخر الأمور والنخل من الجنس الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء واللفظ مفرد لكنه كثيرا ما يسمى جمعا نظرا الى المعنى الجنسي والمنقعر المنقلع عن أصله يقال قعرت النخلة قلعتها من أصلها فانقعرت اى انقعلت وفي المفردات منقعر اى ذاهب في قعر الأرض وانما أراد تعالى ان هؤلاء اجتثوا كما اجتث النخل الذاهب في قعر الأرض فلم يبق لهم رسم ولا اثر انتهى والمعنى منقلع عن مغارسه قيل شبهوا بأعجاز النخل وهى أصولها بلا فروع لان الريح كانت تقلع رؤسهم فتبقى أجسادا وجثثا بلا رؤوس وقال بعضهم كانت الريح تقعلهم وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فيبين الرأس من الجسد وفيه اشارة الى قوتهم وثباتهم في الأرض فكأنهم بحسب قوتهم وجسامتهم يجعلون أرجلهم غائرة نافزة في الأرض ويقصدون به المقاومة على الريح ثم ان الريح لما صرعتهم فكأنها قلعت اعجاز نخل منقعر وقال ابو الليث صرعتهم وكبتهم على وجوههم كأنهم اصول نخل منقلعة من الأرض فشبههم لطولهم بالنخل الساقطة قال مقاتل كان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعا وقال في رواية الكلبي كان طول كل واحد منهم سبعين ذراعا فاستهزأوا حين ذكر لهم الريح فخرجوا الى الفضاء وضربوا بأرجلهم وغيبوا في الأرض الى قريب من الركبة فقالوا قالا للريح حتى ترفعنا فجاءت الريح فدخلت تحت الأرض وجعلت ترفع كل اثنين وتضرب أحدهما بالآخر بعد ما ترفعهما في الهواء ثم تلقيهما في الأرض والباقون ينظرون إليهما حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالرمل والتراب عليهم وكان يسمع أنينهم من تحت التراب كذا وكذا يوما وتذكير صفة نخل للنظر الى اللفظ كما ان تأنيثها في قوله اعجاز نخل خاوية للنظر الى المعنى وكذا قوله جاءتها ريح عاصف ولسليمان الريح عاصفة

٢١

{ فكيف كان عذابى ونذر } تهويل لهما وتعجيب من امرهما بعد بيانهما فليس فيه شائبة تكرار كما فى الارشاد وقال فى برهان القرءآن اعاد فى قصة عاد كيف كان عذابى ونذر مرتين لان الاول فى الدنيا والثانى فى العقبى كما قال فى هذه القصة

{ لنذيقهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة اخزى }

وقيل الاول لتحذيرهم قبل هلاكهم والثانى لتحذير غيرهم بعد هلاكهم انتهى

٢٢

{ ولقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر } الكلام فيه كالذى مر فيما سبق وفيه اشارة الى اهل النفوس الامارة فانهم بواسطة انهماكهم فى الشهوات الجسمانية احتجبوا عن اللّه وموآئد كرمه فأرسل اللّه عليهم صرصر ريح اهوائهم الظلمانية وبدعهم الشيطانية فى يوم نحوسة الاحتجاب وسلطها عليهم فسقطوا على ارض الهوان والخذلان كأنهم اعجاز نخل منقلع عن تخوم الارض ساقط على وجه الارض مثل اجساد جامدة بلا رؤوس نعوذ باللّه من تجليات قهره وتسلط عذابه وغضبه فى يومه وشهره فعلى العاقل أن يتذكر بهذه الذكرى ويعتبر بهذه الآية الكبرى

جو بركشته بختى در افتد به بند ... از ونيكبختان بكيرند بند

توبيش از عقوبت در عفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير جوب

فلو آمن ايمان يأس او تاب توبة يأس لم يقبل

فراشو جوبينى در صلح ياز ... كه ناكه در توبه كردد فراز

مر وزير باركناه اى بسر ... كه حمال عاجز بود در سفر

كما ورد خفف الحمل فان العقبة كؤود

بى ينك مردان ببايد شتافت ... كه هركين سعادت طلب كرديافت

وليكن تودنيال ديوخسى ... ندانم كه در صالحان كى رسى

ثم ان سبب هلاك عاد بالريح اعتمادهم على قوتهم والريح اشد الاشياء قوة فاستأصلهم اللّه بها حتى يحصل الاعتبار لمن بعدهم من القرون فلا يعتمدوا على قواهم وفيه اشارة الى أن الريح هو الهوآء المتحرك فالخلاص من ذلك الهوآء انما هو بترك الهوى ومتابعة الهدى نسأل اللّه من فضله ذلك

٢٣

{ كذبت ثمود بالنذر } اى الانذارات والمواعظ التى سمعوها من صالح عليه السلام او بالرسل فان تكذيب للكل لاتفاقهم على الشرآئع

٢٤

{ فقالوا أبشر منا } اى كائنا من جنسنا وانتصابه بفعل يفسره مابعده فأداة الاستفهام داخلة على الفعل وان كان تقديرا كماهو الاصل

{ واحدا } اى منفردا لاتبع له او واحد من آحادهم لا من اشرافهم وتأخير هذه الصفة عن منا للتنبيه على ان كلا من الجنسية والوحدة ممايمنع الاتباع ولو قدمت عليه لفاتت هذه النكتة

{ نتبعه } فى امره

{ انا اذاً } اى على تقدير اتباعنا له كوهو منفرد ونحن امة جمة ايضا ليس بملك لما كان فى اعتقاد الكفرة من التنافى بين الرسالة والبشرية

{ لفى ضلال } عن الصواب

{ وسعر } اى جنون فان ذلك بمعزل عن مقتضى العقل

وقيل كان يقول لهم ان لم تتبعونى كنتم فى ضلال عن الحق وسعر اى نيران جمع سعير فعكسوا عليه لغاية عتوهم فقالوا ان اتبعناك كنا اذن كما تقول

٢٥

{ ءألقى الذكر } اى الكتاب والوحى

{ عليه من بيننا } وفينا من هو احق بذلك والاستفهام للانكار ومن بيننا حال من ضمير عليه اى أخص بالرسالة منفردا من بين آل ثمود والحال ان فيهم من هو اكثر مالا واحسن حالا

{ بل هوكذاب آشر } اى ليس الامر كذلك بل هو كذا وكذا حمله بطره على الترفع علينا بما ادعاه وأشر اسم فاعل مثل فرح بمعنى خودبسند وستيزنده وسبكسار ، وبابه علم والاشر التجبر والنشاط يقال فرس أشر اذا كان مرحا نشيطا

٢٦

{ سيعلمون غدا من } كيست ، فهو استفهام

{ الكذاب الأشر } حكاية لما قاله تعالى لصالح عليه السلام وعدا له ووعيدا لقومه والسين لتقريب مضمون الجملة وتأكيده والغد اليوم الذى يلى يومك الذى أنت فيه والمراد به وقت نزول العذاب فى الزمان المستقبل لا يوم بعينه ولا يوم القيامة لان قوله

{ انا مرسلوا الناقة } استئناف لبيان مبادى الموعود حتما والمعنى سيعلمون البتة عن قريب من الكذاب الاشر الذى حمله اشره وبطره على الترفع والتجبر أصالح ام من كذبه وفيه تشريف لصالح حيث ان اللّه تعالى سلب عنه بنفسه الوصف الذى أسندوه اليه من الكذب والاشر فان معناه لست أنت بكذاب اشر بل هم

٢٧

{ انا مرسلوا الناقة } مخرجوها من الهضبة التى سألوا او الهضبة الجبل المنبسط على الارض او جبل خلق من صخرة واحدة او الجبل الطويل الممتنع المنفرد ولايكون الا فى حمر الجبال كما فى القاموس ( روى ) انهم سألوه متعنتين ان يخرج من صخرة منفردة فى ناحية الجبل يقال لها الكاثبة ناقة حمراء جوفاء وبرآء عشرآء وهى لتى اتت عليها عشرة اشهر من يوم ارسل عليها الفحل فاوحى اللّه اليه انا مجرجوا لناقة على ماوصفوا

{ فتنة لهم } اى امتحانا فان المعجزة محنة واختبار اذ بها يتميز المثال من العذاب

{ فارتقبهم } فانتظرهم وتبصر مايصنعون

{ واصطبر } على اذيتهم صبرا بليغا

٢٨

{ ونبئهم } اخبرهم

{ ان الماء قسمة بينهم } مقسوم لها يوم ولهم يوم فالماء قسمة من قبيل تسمية المفعول بالمصدر كضرب الامير وبينهم لتغليب العقلاء

{ كل شرب } اى لك نصيب من الماء ونوبة الانتفاع منه

{ محتضر } يحضره صابحه فى نوبته فليس معنى كون الماء مقسوما بين القوم والناقة انه جعل قسمين قسم لها وقسم لهم بل معناه جعل الشرب بينهم على طريق المناوبة يحضره القوم يوما وتحضره الناقة يوما وقسمة الماء اما لان الناقة عظيمة الخلق ينفر منها حيواناتهم او لقلة الماء

٢٩

{ فنادوا } بس بخواندند قوم ثمود

{ صاحبهم } هو قدار بن سالف بضم القاف والدال المهملة وهو مشئوم آل ثمود ولذا كانت العرب تسمى الجزار قدارا تشبيها له بقدار بن سالف لانه كان عاقر الناقة كما سيجيىء وكان قصيرا شريرا ازراق اشقر احمر وكان يلقب بأحيمر ثمود تصغير احمر تحقيرا وفى كشف الاسرار يقال له احمر ثمود

وقيل اشأم عاد يعنى عادا الآخةر وهى ارم تشاءم به العرب الى يوم القيامة ومن هذا يظهر الجواب عما قال السجاوندى فى عين المعانى وقد ذكره زهير فى شعره

فتنتج لكم غلمان اشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

قيل هو غلط وهو احمر ثمود انتهى

{ فتعاطى فعقر } التعاطى مجاز عن الاجترآء لان التعاطى هو تناول الشىء بتكلف وما يتكلف فيه لابد أن يكون امرا هائلا لا يباشره احد الا بالجرآءة عليه وبهذا المجاز يظهر وجه التعقيب بالفاء فى فعقر الا فالعقر لايتفرع على نفس مباشرة القتل والخوض فيه والعقر بالفارسية بى كردن ، يقال عقر البعير والفرس بالسيف فالعقر اى ضرب به قوآئمه وبابه ضرب والمعنى فاجترأ صاحبهم قدار على تعاطى الامر العظيم غير مكترث له فاحدث العقر بالناقة ( قال الكاشفى ) محرك عقر ناقة دوزن بودند ، عنيزة ام غم وصدوق بنت المختار وفى التفاسير صدقة بدل صدوق وذلك لما كانت الناقة قد اضرب بمواشيها ، بس صدوق ابن عم خود مصدع بن دهررا بوصال خد وعده داد وعنيزة يكى ازدختران خودرا نامزد قدار كرده وهردو براه كذر ناقه كمين كردند جون ناقه از آب باز كشت اول بمصدع رسيده او تيرى بيفكندكه بايهاى ناقه بهم دوخت قدار نيزاز كمين كاه بيرون آمده بشمشير ناقه رابى كرد فمعنى فنادوا صاحبهم فنبهوه على مجيئها وقربها من مكمنه او انه لماهم بها هابها فناداه اصحابه فشجعوه او نادى مصدع بعدما رماها بسهم دونك الناقة فاضربها فضربها وجون از باى در آمداورا قطعه قطعه كردند وميان قوم منقسم ساختند وبجه او حنوبر آمده سه بانك كرد واز آنجابآ سمان رفت وكفتند اونيز كشته شد وبعد ازسه روز عذاب ثمود نازل شد

٣٠

{ فكيف كان عذابى ونذر } الكلام فيه كالذى مر فى صدر قصة عاد

٣١

{ انا ارسلنا عليهم صيحة واحدة } هى صيحة جبريل عليه اللام وذلك لانها هى الجزآء الوفاق لفعلهم فانهم صاروا سببا لصيحة الولد بقتل مه وفى الحديث ( لاتوله والدة بولدها ) اى لا تجعل والهة وذلك فى السبايا بأن يفرق بينها وبين ولدها وفى الحديث ( من فرق بين والدة وولدها فرق اللّه بينه وبين احبته يوم القيامة ) كما فى المقاصد الحسنة للسخاوى

{ فكانوا } اى فصاروا لاجل تلك الصيحة بعد ان كانوا فى نضارة وطيب عيش

{ كهشيم المحتظر } الهشم كسر الشىء الرخو كالنبات والهشيم بمعنى المهشوم اى المكسور وهو اليابس المتكسر من الشجر وغيره والحظر جمع الشىء فى حظيرة والمحظور الممنوع والمحتظر بكسر الظاء الذى يعمل الحظيرة ويتخذها قال الجوهرى الحظيرة التى تعمل للابل من الشجر لتقيها البرد والريح والمعنى كالشجر اليابس الذى يتخذه من يعول الحظيرة او كالحشيش اليابس الذى يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته فى الشتاء

٣٢

{ ولقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر } وفى الآيات ا شارة الى ثمود النفس الامارة بالسوء ومعاملتها مع نذير القلب فانه يدعوها الى الانسلاخ عن الصفات البشرية والتلبس بالصفات الروحانية وهى تدعى المجانسة معه اذ النفس والروحبل النفس اخت القلب من جانب ايسر البطن وكذا تدعى تقدم رتبتها على القلب وتصرفها فى القالب ومايحتوى عليه من القوى البشرية والطبيعية وتأخر رتبة القلب لانه حصل بعد ازدواج الروح مع النفس فبسبب تقدم رتبة النفس على القلب استنكفت النفس عن اتباعه وامتثال لاوامره وماعرفت ان تقدم الشرف والحسب اعلى وأفضل من تقدم الشرف والنسب ولذا قالت الحكماء توانكرى بهزست نه بما وبزركى بعقلست نه بسال وقال بعضهم

وما ينفع الاصل من هاشم ... اذا كانت النفس من باهله

وهى قبيلة عرفت بالدناءة والخساسة جدا فخطأت النفس نذير القلب مع ان الخاطئة نفسها وامتحنته باخراج الناقة وذلك ان حقيقة النفس واحدة غير متعددة لكن بحسب توارد الصفات المختلفة عليها تسمى بالاسماء المختلفة فاذا توجهت الى الحق توجها كليا تسمى بالمطمئنة واذا توجهت الى الطبيعة البشرية توجها كليا تسمى بالامارة واذا توجهت الى الحق تارة والى الطبيعة اخرى تسمى اللوامة فثمود النفس الامارة طلبت على جهة المكر والاستكبار من صالح رسول القلب المرسل من حضرة الروح أن يظهر ناقة النفس المطمئنة من شاهق جبل النفس الامارة بان يبدل صفتها من الامارية الى الاطمئنان فسأل صالح رسول القلب من حضرة الورح مسؤلها فأجابته اظهارا للقدرة والحكمة حتى غلبت انوار الروح وانطمست ظلمة النفس كما نطمس عند طلوع الشمس ظلام الليل وكان للنفس المطمئنة شرب خاص من المعارف والحقائق كما كان للنفس الامارة شرب خاص من المشارب الجسمانية فنادى الهوى واعوانه بعضهم بعضا باستخلاص النفس الامارة من استيلاء نور الروح عليها مخافة أن ينغمس الهوى ايضا تحت هذا النور فتعاطى بعض اصحاب الهوى ذلك وكانت النفس الامارة ما تمكنت من مقام الاطمئنان تمكنا مستحكما بحيث لاتتأثر بل كان لها بقية تلوين فقتلوها بابطال طمأنينتها فرجعت القهقرى فانقهرت النفس والهوى تحت صيحة القهر وصارت متلاشية فى حضرة القهر والخذلان محترقة بنار القطيعة والهجران كما قال

{ فكيف كان عذابى ونذر } فمن كان اهل الذكر والقرءآن اى الشهود والجمعى يعتبر بهذا الفراق ويجتهد الى أن يصل الى نهاية الاطمئنان على الاطلاق فان النفس وان تبدلت صفتها الامارية الى المطمئنة لايؤمن مكرها وتبدلها من المطمئنة الى الامارية ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشؤمة الى طبعها وجبلتها كما كان حال بلعام وبرصيصا ولذا قال عليه السلام ( لاتكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك ) وقال الجنيد قدس سره لاتألف النفس الحق ابدا ألا ترى ان الذمى وان قبل الخراج فانه لايألف المسلم الفة مسلم وفرخ الغراب وان ربى من الصغر وعلم فانه لايخلو من التوحش فالنفس ليست بأهل الاصطناع والمعروف والملاطفة ابدا وانما شأنها تضييقها ومجاهدتها ورياضتها الى مفارقة الروح من الجسد ( ولذا قال فى المثنوى )

اندرين ره مى خراش ومى تراش ... تادم آخر دمى فارغ مباش

ومنه يعلم سر قولهم ان ورد الاستغفار لايسقط بحال ولذا قال تعالى

{ فسبح بحمد ربك واستغفره } مع ظهور الفتح المطلق نسأل اللّه تعالى أن يجعلنا من العلماء العاملين والادباء الكاملين بسر النبى الامين

٣٣

{ كذبت قوم لوط بالنذر } اى بالانذارات او بالمنذرين كما سبق

٣٤

{ انا ارسلنا عليهم حاصبا } اى ريحا تحصبهم اى ترميم بالحصباء وهى حجارة دون ملىء الكف فالحصب الرمى بالحصى الصغار ومنه المحصب موضع الجمار وقول عمر رضى اللّه عنه حصبوا المسجد والحاصب اسم فاعل بمعنى رامى الحصباء وتذكيره مع اسناده الى ضمير الريح وهى مؤنث سماعى لتأويلها بالعذاب ، يقول الفقير لعل سر تعذيبهم بالحجارة لانهم حجروا ومنعوا من اللواطة فلم يمتنعوا بل رموا انطفهم الى غير محل الحرث فرماهم اللّه بالحجر ومن ثمة ذهب احمد بن حنبل رحمه اللّه الى أن حكم اللواطى أن يرجم وان كان غير محصن وايضا انهم يجلسون فى مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فاذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم اصابه كان اولى به

واما الريح فلانهم كانوا يضرطون فى مجالسهم علانية ولا يتحاشون

واما انقلاب قراهم فلانهم كانوا يقلبون المرد عند اللواطة فجازاهم اللّه بحسب أعمالهم وايضا قلبوا الحقيقة وعكسوها بأن تركوا محل الحرث واتوا الادبار

{ الا آل لوط } وهم اهل بيته الذين نجوا من العذاب وكانوا ثلاثة عشر

وقيل يعنى لوطا وابنتيه وفى كشف الاسرار يعنى بناته ومن آمن به من ازواجهن

{ نجيانهم بسحر } اى فى سحر من الاسحار وهو آخر الليل او السدس الاخير منه وفى المفردات السحر اختلاط ظلام آخر الليل بصفاء النهار وجعل اسماء لذلك الوقت ويجوز أن يكون حالا اى ملتبسين بسحر ( روى ) ان اللّه امره حتى خرج بهم بقطع من الليل فجاء العذاب قومه وقت السحر والاستثناء منقطع لانه مستقنى من الضمير فى عليهم وهو للمذكبين من قوم لوط ولا يدخل فيهم آل لوط لان المراد به من تبعه على دينه

٣٥

{ نعمة من عندنا } اى انعاما كائنا منا وهو علة لنجينا ويجوز أن يكون مصدرا من فعله ا من معنى نجيناهم لان نتجيتهم انعام

{ كذلك } اى مثل ذلك الجزآء العجيب

{ نجزى من شكر } نعمتنا بالايمان والطاعة يعنى كذلك ننجى المؤمنين

٣٦

{ ولقد انذرهم } لوط

{ بطشتنا } اى اخذتنا الشديدة بالعذاب

{ فتماروا } فكذبوا

{ بالنذر } متشاكين فتماروا ضمن معنى التكذيب فعدى تعديته من المرية واصله تماريوا على وزن تفاعلوا

٣٧

{ ولقد راودوه عن ضيفه } المراودة أن تنازع غيرك فى الارادة فترود غير مايروده وسبق تحقيقها فى وسورة يوسف والضيف بالفارسية مهمان المعنى ولقد أرادوا من لوط تمكينهم ممن اتاه من اضيافه وهم الملائكة فى صورة الشبان ومعهم جبريل وقصدوا الفجور بهم ظنا منهم انهم بشر

{ فطمسنا اعينهم } الطمس المحو واستئصال اثر الشىء اى فمسحناها وسويناها كسائر الوجه بحيث لم ير لها شق ( روى ) انهم لما دخلوا داره عنوة صفقهم جبريل بجناحه صفقة فتركتهم يترددون لايهتدون الى الباب حتى اخرجهم لوط والصفق الضرب الذى ليس له صوت

{ فذوقوا } اى فقلنا لهم على ألسنة الملائكة ذوقوا

{ عذابى ونذر } والمراد به الطمس فانه من جملة مانذره من العذاب وفيه اشارة الى أن طمس الابصار كان من نتائج مسح الابصار ولذا ورد فى القرءآن

{ ونحشره يوم القيامة اعمى } لانه اعرض عن ذكر اللّه ولم يلتفت اليه اصلا

٣٨

{ ولقد صبحهم بكرة } التصبيح بامداد بنزديك كسى آمدن ، اى جاءه وقت الصبح

{ عذاب } اى الخسف والحجارة

{ مستقر } يستقر بهم ويثبت لايفارقهم حتى يفضى بهم الى النار يعنى عذاب دآئم متصل بعذاب الآخرة وفى وصفه بالاستقرار بماء الى ان ماقبله من عذاب الطمس ينتهى به والحاصل ان العذاب الذى هو قلب قريتهم وجعل اعلاها اسفلها ورميهم بالحجارة غير العذاب الذى نزل بهم من طمس الاعين فانه عذاب دنيوى غير موصول بعذاب الآخرة

واما عذاب الخسف الحجارة فموصول به لانهم بهذا العذاب ينتقلون الى البرزخ الموصول بالآخرة كما اشار اليه قوله عليه السلام ( من مات فقد قامت قيامته ) اى من حيث اتصال زمان الموت بزمان القيامة كما ان ازمنة الدنيا يتصل بعضها ببعض

٣٩

{ فذوقوا عذابى ونذر } حكاية لما قيل لهم حينئذ من جهته تعالى تشديدا للعذاب

٤٠

{ ولقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر } مر مافيه من الكلام وفيه استئناف للتنبيه والايقاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة وكذا تكرير قوله تعالى

{ فبأى آلاء ربكما تكذبان } { ويل يومئذ للمكذربين } ونحوهما من الانباء والقصص المواعيد والزواجر والقواطع فان فى التكرير تقريرا للمعانى فى الاسماع والقلوب وتثبيتا لها فى الصدور وكلما زاد تكرير الشىء وترديده كان اقر له فى القل وامكن فى الصدر وارسخ فى الفهم واثبت للذكر وابعد من النسيان وفى القصة اشارة الى معاملة لوط الروح مع قوم النفس الامارة ومعاملة اللّه بهم من انجاء لوط الروح بسبب صفاته الروحانية واهلاك قومه بسبب صفاتهم البشرية الطبيعية كل من غلب عليه الشهوة البهيمية التى هى شهوة الجماع يجب عليه أن يقهر تلك الصفة ويكسرها باحجار ذكر لا اله الا اللّه ويعالج تلك الصفة بضدها وهو العفة التى هى هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذى هو افراط هذه القوة والخمود الذى هو تفريطها فالعفيف من يباشر الامور على وفق الشرع المروءة بخلاف اهل الشهوة فان الشهوة حركة للنفس طلبا للملائم وحال النفس اما افراط او تفريط فلا بد من اصلاحها من جميع القوى والصفات فانها هى التى حملت الناس على الفجور وايقاع الفتنة بينهم وتحريك الشرور

نمى تازداين نفس سركش جنان ... كه عقلش تواند كرفتن عنان

نسأل اللّه العون والتوفيق والثبات فى طريق التحقيق

٤١

{ ولقد جاء آل فرعون النذر } اكمتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بالنذر اى وباللّه لقد جاءهم الانذارات من جهة موسى وهرون عليهما السلام كأنه قيل فماذا فعلوا حنيئذ فقيل

٤٢

{ كذبوا بآياتنا كلها } يعنى الآيات التسع وهى اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وحل عقدة من لسانه وانفلاق البحر

{ فأخذناهم } بالعذاب عند التكذيب

{ اخذ عزيز } لايغالب يعنى كرفتن غالبى كه مغلوب نكردد در كرفتن

{ مقتدر } لايعجزه شىء والمقصود ان اللّه تعالى هو العزيز المقتدر ولذا اخذهم بتكذيبهم ولم يمنعه من ذلك مانع والمراد بالعذاب هو الاغراق فى بحر القلزم او النيل ، يقول الفقير لعل سر الغرق ان فرعون وصل الى موسى بسبب الماء الذى ساقه اليه فى تابوته فلم يشكر لانعمة الماء ولا نعمة موسى فانقلب الحال عليه بضد ذلك حيث اهلكه اللّه وقومه بالماء الذى هو سبب الحياة لغيرهم ووجه ادخال الطمس فى العذاب بالنسبة الى قوم لوط ودرج الطوفان ونحوه فى الآيات بالاضافة الى آل لوط ظاهر لان المقصود هو العذاب المتعلق بالوجود والطمس كذلك دون بعض آيات فرعون

٤٣

{ أكفاركم } يامعشر العرب

{ خير } عند اللّه قوة وشدة وعدة وعدة

{ من اولئكم } الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون والمعنى انه اصابهم ماصابهم مع ظهور خيريتهم منكم فيما ذكر من الامور فهل تطمعون أن لايصيبكم مثل ذلك انتم شر منهم مكانا واسوء حالا

{ ام لكم برآءة فى الزبر } اضراب وانتقال من التبكيت بما ذكر الى التبكيت بوجه آخر اى بل الكم برآءة وامن من عذاب اللّه بمقابلة كفركم ومعاصيكم نازلة فى الكتب السماوية فلذلك تصرون على ما أنتم عليه وتأمنون بتلك البرآءة والمعنى به الانكار يعنى لم ينزل لكم فى الكتب السماوية ان من كفر منكم فهو فى امن من عذاب الله

٤٤

{ ام يقولون } جهلا منهم

{ نحن جميع منتصر } تبكيت والالتفات للايذان باقتضاء حالهم للاعراض عنهم واسقاطهم عن رتبة الخطاب وحكاية قبائحهم لغيرهم يقال نصره من عدوه فانتصر اى منعه فامتنع اى بل آيقولون واثقين بشوكتهم نجن اولوا حزم ورأى امرنا مجتمع لانرام ولانضام او منتصر من الاعدآء منتقم لانغلب او متناصر بنصر بعضنا بعض على أن يكون افتعل بمعنى تفعل كاختصم والافراد فى منتصر باعتبار لفظ الجميع قال ابو جهل وقد ركب يوم بدر فرسا كميتا كان يعلفه كل يوم فرقا من ذرة وقد حلف انه يقتل محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم نحن تنتصر اليوم من محمد واصحابه فقتلوه يومئذ وجر رأسه الى رسول اللّه ابن مسعود رضى اللّه عنه وفيه اشارة الى كفار صفات النفس واختلاف انواعها مثل البهيمة والسبعية والشيطانية والهوآئية والحيوانية وتناصر بعضها بنصر بعض وتعاون بعض معاونة بعض

٤٥

{ سيهزم الجمع } رد وابطال لذلك والسين للتأكيد اى سيهزم جمع قريش البتة

{ ويولون الدبر } اى الادبار والتوحيد لارادة الجنس يعنى ينصرفون عن الحرب منهزمين وينصر اللّه رسوله والمؤمنين وقد كان كذلك يوم بدر قال سعيد بن المسيب سمعت عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه يقول لما نزلت

{ سيهزم الجمع ويولون الدبر } كنت لاأدرى اى جمع فلما كان يوم بدر رأيت رسول اللّه عليه السلام يلبس الدرع ويقول

{ سيهزم الجمع ويولون الدبر } فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول اللّه عليه السلام لانه اخبر عن غيب فكان كما اخبر قال ابن عباس رضى اللّه عنهما كان بين نزول هذه الآية وبين يوم بدر سبع سنين فالآية على هذا مكية

٤٦

{ بل الساعة موعدهم } اى ليس هذا تمام عقوبتهم بل القيامة موعد اصل عذابهم وهذا من طلائعه

{ والساعة } اظهارها فى موقع اضمارها لتربية تهويلها

{ ادهى } اعظم داهية وفى اقصى من الفظاعة والداهية الامر الفظيع لايهتدى الى الخلاص منه

{ وامر } اشد مرارة وفى اقصى نهاية من المرارة وحاصله ان موقف القيامة اهول من موقف بدر وعذابها اشد واعظم من عذابه لان عذاب الدنيا مثل الاسر والقتل والهزيمة ونحوها انموذج من عذاب الآخرة كما ان نارهاجزء من سبعين جزأ من نارها

٤٧

{ ان المجرمين } اى المشركين من الاولين والآخرين

{ فى ضلال وسعر } اى فى هلاك ونيران مسعرة والتسعير آتش نيك آفروختن

وقيل فى ضلال عن الحق فى الدنيا ونيران فى الآخرة

٤٨

{ يوم يسحبون } منصوب اما بما يفهم من قوله فى ضلال اى كائنون فى ضلال وسعر يوم يجرون

{ فى النار على وجوههم }

واما بقوله مقدر بعده اى يوم يسحبون يقال لهم

{ ذوقوا مس سقر } سقر علم جهنم ولذلك لم يصرف

وقيل اسم لطبقتها الخامسة من سقرته النار اذا بوخته اى غيرته والمس وهو ادراك بظاهر البشرة والمعنى قاسوا حرها وألمها فان مسها سبب للتألم بها فمس سقر مجاز عن ألمها بعلاقة السببية وفى القاموس

{ ذوقوا مس سقر } اى اول ماينالكم منها كقولك وجد مس الحمى انتهى وعن النبى صلّى اللّه عليه وسلّم ( اول الناس يقضى فيه يوم القيامة رجل استشهد أتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ماعملت فيها قال قاتلت فى سبيلك حتى استشهدت قال كذبت انما أردت أن يقال فلان جريىء فقد قيل فأمر به فحسب على وجه حتى ألقى فى النار ورجل تعلم العلم وقرأ القرءآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ماعملت فيها فقال تعلمت العلم وقرأت القرءآن وعملت قال كذبت انما أردت فلان عالم وفلان قارىء فقد قيل فأمر به فسحب وجهه حتى ألقى فى النار ورجل آتاه اللّه تعالى من انواع المال فأتى به فعرفه نعمة فعرفها فقال ماعملت فيها قال ماتركت من شىء يجب ان ينفق فيه لك قال كذبت انما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار ) وعن عطاء السلمى قال خرجت يوما مع اصحابى نستسقى فلقينى سعدون فقال ياعطاء هل خرجتم بقلوب سماوية او بقلوب ارضية قلت بل بقلوب سماوية فقال ياعطاء لاتتعوج فان الناقد بصير فخجلت منه فلما دعونا ولم نمطر قلت له ادع اللّه حتى يسقينا فرفع رأسه الى السماء فقال بسم اللّه الرحمن الرحيم ثم قال برحمة ما كان بينى وبينك البارحة أن تسقينا فلم يفرغ من كلامه حتى مطرنا ثم بكى ورجع والكلام فى تصحيح النية وتطهير القلب عن الغير والاخلاص لله تعالى ومن بقى فى صفات نفسه واعرض عن الحق وأقبل على الدنيا وشهواتها فهو يجر فى نار جنهم البعد والطرد ويذوف حر نار الهجران والخذلان

٤٩

{ انا كل شىء } من الاشياء وهو منصوب بفعل يفسره مابعده

{ خلقناه } حال كون ذلك الشىء ملتبسا

{ بقدر } متعين اقتضته الحكمة التى عليها يدور امر التكوين فقدر بمعنى التقدير وهو تسوية صورته وشكله وصفاته الظاهرة والباطنة على مقدار مخصوص اقتضته الحكمة وترتبت علهي المنفعة المنوطة بخلفه او خلقناه مقدرا مكتوبا فى اللوح قبل وقوعه لايغير ولا يبدل ( مصرع )

قضى اللّه امرا وجف القلب ... سر برخط لو ازلى دار وخموش

كز هرجه قلم رفته در نكشند ... فالمراد بالقدر تقديره فى علمه الازلى وكتبه فى اللوح المحفوظ وهو القدر المستعمل فى جنب القضاء فالقضاء وجود جميع المخلوقات فى اللوح المحفوظ مجتمعه والقدر وجودها فى الاعيان بعد حوصل شرآئطها ولذا عبر بالخلق فانه انما يتعلق بالوجود الظاهرى فى القوت المعين وفى الحديث ( كتب اللّه مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة وعرشه على الماء ) وعنه عليه عليه السلام ( كل شىء بقدر اللّه حتى العجز والكيس ) وعنه عليه السلام ( لايؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد لا اله الا اللّه وانى رسول اللّه بعثنى بالحق ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر خيره وشره ) اى حلوه ومره قال فى كشف الاسرار مذهب اهل سنت آنست كه نيكى وبدى هرجند فعل بنده است وبنده بدان مثاب ومعاقب است اما بخواست اللّه است وبقضا وتقدير او جنانكه رب العزة كفت

{ قل كل من عند اللّه } وقال تعالى

{ انا كل شىء خلقناه بقدر } قالى علهي السلام القدر خيره وشره من اللّه ففى الآية رد على القدرية والمعتزلة والخوارج

وفى التأويلات النجمية خلقنا كل شىء اى موجود علمى وعينى فى الازل بمقدار معين مثل ماقال الذى اعطى كل شىء خلقه ثم هدى اى كل شىء مخلوق على مقتضى استعداده الذاتى وقابليته ا لاصلية الازلية لا زآئد فيه ولا ناقص كما قال الغزالى رحمه اللّه ليس فى الامكان ابدع من هذا الوجود لانه لو كان ولم يظهر لكان بخيلا وهو جواد ولكان عاجزا وهو قادر

٥٠

{ وما امرنا } لشىء نريد تكوينه

{ ألا واحدة } اى كلمة واحدة لاتثنى سريعة التكوين وهو قوله تعالى

{ كن } او الا فعلة واحدة هوه الايجاد بلا معالجة ومعاناة

{ كلمح البصر } فى اليسر السرعة فان اللمح النظر بالعجلة فمعنى كلمح كنظر سريع قال فى القاموس لمح اليه كمنع اختلس النظر كألمح وفى المفردات اللمح لمعان البرق ورأيته لمحة برق قال ابن الشيخ لما اشتملت الآيات السابقة على وعيد كفار اهل مكة بالاهلاك عاجلا وآجلا والوعد للمؤمنين بالانتصار منهم جيىء بقوله

{ انا كل شىء خلقناه بقدر } تأكيدا للوعيد والوعد يعنى ان هذا الوعيد والوعد حق وصدق والموعود مثبتفى اللوح مقدر عند اللّه لايزيد ولا ينقص

{ وذلك على اللّه يسير } لان قضاءه فى خلقه اسرع من لمح البصر

وقيل معنى الآية معنى قوله تعالى

{ وما امر الساعة الا كلمح البصر } قال بعض الكبار ليس المراد بكلمة كن حرف الكاف والنون وانما المراد بها المعنى الذى به كان ظهور الاشياء فكن حجاب للمعنى لمن فهم وكل انسان له فى باطنه قوة كن وماله فى ظاهره الا المعتاد وفى الآخرة يكمون حكم كن منه فى الظاهر وقد يعطى اللّه ذلك لبعض الرجال فى هذه الدار بحكم الارث لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فانه تصرف بها فى عدة مواطن منه قوله فى غزوة تبوك كن أبا ذر فكا أبا ذر ثم لايخفى انه لم يعط احد من الملائكة وغيرهم حرف كن انما هى خاصة بالانسان لما انطوى عليه من الخلافة والنيابة

وفى التأويلات النحمية ومامر تجلينا للاشياء لها علويها وسفليها الا تجعل واحد اى واحدانى الوصف لاكثرة فيه لكن يتكثر بحسب المتجلى له ويظهر فيه بحسبه ظهور الصورة الواحدة فى المرآئى المتكثرة يظهر فى الكبير كبيرا وفى الصغير صغيرا وفى المستطيل مستطيلا وفى مستدير مسديرا والصورة على حالتها المخلوقة عليها باقية لاتغير ولا تبديل بها كما يلمح الناظر ويرى فى اللمحة الواحدة مايحادى بصره

٥١

{ ولقد اهلكنا اشياعكم } اى اشباهكم فى الكفر من الامم جمع شيعة هو من يتقوى به الانسان وينشر عنه كما فى المفردات وقال فى القاموس شيعة الرجل بالكسر اتباعه وانصاره والفرقة على حدة ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث

{ فهل من مدكر } متعظ يتعظ بذلك فيخاف وفيه اشارى الى انا بقدرتنا الازلية وحكمتنا البالغة اهلكنا وافنينا اشباهكم وامثالكم يارباب النفوس الامارة وياصحاب القلوب الجوالة اما بالموت الطبيعى

واما بالموت الارادى فهل من معتبر يعتبر هذا وهذا ويختار لنفسه الأليق والأحرى

٥٢

{ وكل شىء فعلوه } من الكفر والمعاصى مكتوب على التفصيل

{ فى الزبر } اى فى ديوان الحفظة جمع زبور بمعنى الكتاب فهو بمعنى مزبور كالكاتب بمعنى مكتوب وقال العزالى رحمه اللّه كل شىء فعله الامم فى كتب انبيائهم المنزلية علهيم كأفعال كفار زماننا فى كتابنا

٥٣

{ وكيل صغير وكبير } من الاعمال

{ مستطر } مسطور فى اللوح المحفوظ بتفاصيله يقال استطره كتبه كما فى القاموس قال يحيى بن معاذ رحمه اللّه من علم أن افعالهتعرض عليه فى مشهد الصدق وانه مجازى عليها اجتهد فى اصلاح افعاله واخلاص اعماله ولزم الاستغفار لما سلف من افراطه وقد روى ان النبى عليه السلام ضرب لصغائر الذنوب مثلا فقال انما محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بفلاة من الارض وحضر جميع القوم فانطلق كل واحد منهم بحطب فجعل الرجل يجيىء بالعود والآخر بالعود حتى جمعوا سوادا واججوا نارا فشووا خبر هم وان الذنب الصغير يجتمع على صاحبه فيهلكه الا أن يغفر اللّه اتقوا محقرات الذنوب فان لها من اللّه طالبا ولقد احسن من قال

خل الذنوب صغيرها ... وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماش فوق راض ... الشوك يحذر مايرى

لاتحقرن صغيرة ... ان الجبال من الحصى

٥٤

{ ان المتقين } اى من الكفر والمعاصى

{ فى جنات } اى بساتين عظيمة الشان بحيث لايوصف نعيمها و ما اعد فيها لاهلها

{ ونهر } اى انهار كذلك يعنى انهار الماء والخمر والعسل واللبين والافراد للفراد للاكتفاء باسم الجنس مراعاة للفواصل

٥٥

{ فى مقعد صدق } خبر عبد خبر وهو من اضافة والصدق بمعنى الجودة والمعنى فى مكان مرضى ومجلس حق سالم من اللغو والتأثيم بخلاف مجالس الدنيا فقل ان سلمت من ذلك

{ عند مليك } المراد من العندية قرب المنزلة والمكانة دون قرب المكان والمسافة والمليك ابلغ من المالك وهو بالفارسية بادشاه ، والتنكير للتعظيم والمعنى حال كونهم مقربين عند عزيز الملك واسعه لايقادر قدر ملكه فلا شىء الا وهو تحت ملكوته فأى منزلة اكرم من تلك واجمع للغبطة كلها والسعادة بأسرها

{ مقتدر } قادر لايعجزه شىء عال امره فى الاقتدار وفى التأويلات النجمية يعنى المتقين باللّه عما سواه فى جنات الوصلة وانهار مياه المعرفة والحكمة ينعمسون فيها ويخرجون منها درر المعارف ولآلىء العوارف فى مقعد صدق هو مقام الوحدة الذاتية فى مقام العندية كما قال عليه السلام ( اتيت عند ربى يطعمنى ويسقينى ) ودر كشف الاسرار آرده كه كلمة عند رقم تقريب وتخصيص دارد يعنى اهل قرب فردادران سرايدان اختصاص خواهند داشت وحضرت بيغمبر عليه السلام امروز درين سرا مخصوص بآن بوده كه ( ابيت عبد ربى ) وجون رته كه فردا خواص بان نازند امروز باى ادناى وى بوده بس از مرتبه اعلاى فرداى اوكه نشان تواند داد

اى محرم سر لايزال ... مرآت جمال ذى الجلالى

مهمان ابيت عند ريى ... صاحب دل لاينام قلبى

از قربت حضرت الهى ... هستى بمثابه كه خواهى

قربى بمارتش نسنجد ... در حوصله خرد نكنجد

كم كشته بود عبارت آنجا ... بلكه نرسد عبارت آنجا

وفى الآية اشارة الى ان تقوى توصل العبد الى جنات الدرجات وانهار العلوم والمعارف الحقيقية الالهية ثم الى مقام الصديقين ثم الى مقام الوحدة الذاتية المشار اليها بالعندية قال الامام جعفر الصادق رضى اللّه عنه مدح اللّه المكان بالصدق فلا يقعد فيه الا اهل الصدق وهو المقام الذى يصدق اللّه فيه وعده لاوليائه بأن يبيح لهم النظر الى وجهه الكريم قيمت وعز آن بقعه نه بمرع بريان وجوى روان وخيران حسان است بلكه بديدار جنانكه قيمت صدق بدر شاهوار كما قيل

وما عهدى بحب تراب ارض ... ولكن من يحل بها حبيب

اى خوشا عيشا كه مؤمنانراست دران مجلس انس وحظيره قدس باديه انتظار بريده بكعبة وصال رسيده خلعت رضا يوشيده شربت سرور ازجشمه وفا نوشيده عيش بى عتاب ونعمت بى حساب وديدار بى حجاب يافته ( روى ) صالح بن حبان عن عبداللّه بن بريدة انه قال فى هذه الآية ان اهل الجنته يدخلون كل يوم مرتين على الجبار تعالى فيقرأون عليه القرءآن وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذى له ومجلسى على منابر الدر والياقوت الزمرد والذهب والفضة باعمالهم فلم تقر اعينهم بشىء قط كما تقر اعينهم بذلك ولم يسمعوا شيأ اعظم ولا أحسن منه ثم ينصرفون الى رحالهم ناعمين قريرة اعينهم الى مثلها من الغد

قال بعضهم المراد بمن فى الآية هم الذين لاتحجبهم الجنة ولا النعيم ولا شىء عنه تعالى قال البقلى يا أخى هؤلاء غرباء اللّه فى الدنيا والآخرة ادخلهم فى اغرب المنازل وهو مقام المجالسة معه بحيث لايطلع عليه الا اهل الصدق فى طلبه وهم فقرآء المعرفة الذين قال عليه السلام فيهم

( الفقرآء جلساء اللّه ) ، سئل ابو يزيد البسطامى قدس سره عن الغريب قال الغريب من اذا طالبه الخلق فى الدنيا لم يجدوه ولو طالبه مالك فى النار لمن يجده ولو طالبه رضوان فى الجنة لم يجده فقيل اين يكون ياأبا يزيد فقال ان المتقين فى جنات الخ فلابد من الصدق وحدمة الصادقين حتى يصل الانسان الى هذا المطلب الجليل وهو على وجوه ومراتب اما الصدق فى القول فبصون اللسان عن الكذب الذى هو اقبح الذنوب قال عليه السلام ( التجار هم الكفار ) فقيل اليس اللّه قد احل البيع قال ( نعم ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون ) وقال عليه السلام الكذب ينقص الرزق فى الحديث ( اربع من كن فيه فهو منافق وان صام وعلى وزعم انه مسلم اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان واذا خاصم فجر )

واما الصدق فى الحال فبصون الحال عما ينقصه مثلا اذا عزم على امر وحال من التسليم والتوكل وغيرهما فصدقه بالاستمرار على عزيمته والاحتزاز عن النقض واهل السلوك تهتمون فى صدق الحال اشد الاهتمام ( روى ) ان واحدا منهم كان كثير الوجد والزعقات فجاء يوما واوداع خرقته عند الشيخ فى الحرم الشريف وقال ان صيحتى الآن لا مرأة عشقتها فأنا لا أريد أن اكون كاذبا فى حالى بأن ألبس لباس العشاق وانا على تلك الحال ثم انه بعد ايام جاء واخذ خرقته وقال الحمد الذى خلصنى منها وعدت الى حالى ومن قبيل الصدق فى الحال صدق لمريد فى ارادته فانه اذا وقع منه حركة مخالفة لارادة الشيخ فهو كاذب فى ارادته فان المريد من افنى ارادته فى ارادة الشيخ ففى ايى مرتبة من القال والحال وجد الصدق كان سبب النجاة وباعثا لرفع الدرجات قال الشاعر

سيعطى الصادقين بفضل صدق ... نجاة فى الحياة وفى الممات

وسبب هذا الشعر ان ثلاثة اخوة من الشأم كانوا يغزون فأسرهم الروم مرة فقال لهم الملك انى اجعلكم ملوكا وازوجكم بناتى ان قبلتم النصرانية فأبوا وقالوا يا محمداه فادخل اثنين فى الزيت المغلى واخذ الثالث علج وسلط عليه ابنته وكانت من اجمل النساء فأخذ الشاب فى صيام النهار وقيام الليل فآمنت البنت وخرجا الى الشام فجاء اخواه الشيهدان مع الملائكة ليلة وزوجاه المرأة وسألهما اخوهما عن حالهما فقالا ما كانت الا التى رأيت حتى دخلنا فى الفردوس وان اللّه تعالى أرسلنا اليك نشهد تزويجك بهذه الفتاة وكانا مشهورين بالشام حتى قال الشعرآء فيهما ابياتا منها ماذكرناه ( وروى ) جنيد البغدادى قدس سره عن امين المؤمنين على رضى اللّه عنه انه قال الصوف ثلاثة احرف فالصاد صادق وصبرو صفا والواو ود وورد ووفاء والفاء فقر وفرد وفناء فاذا لم توجد هذه الصفات فى لايكون صوفيا قال سهل رحمه اللّه اول خيانة الصديقين حديثهم مع انفسهم وسئل فتح الموصلى رحمه اللّه عن الصادق فأدخل يده فى كير الحديد واخرج حديدة محماة ووضعها على كفه وقال هذا هو الصدق قال جنيد البغدادى رحمه اللّه الصادق ينقلب فى اليوم اربعين مرة والمرآئى يثبت على حالة واحدة اربعين سنة وذلك لان مطلب العارفين من اللّه الصدق والعبودية والقيام بحق الربوبية من غير مراعاة حظ النفس وكل من عداهم من العابد والزاهد والعالم لايفارقون الحفظوظ والاغراض نسأل اللّه العافية

﴿ ٠