سُورَةُ الْحَدِيدِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً

١

{ سبح لله مافى السموات والارض } التسبيح تنزيه اللّه تعالى اعتقادا وقولا وعملا عما لايليق بجانبه سبحانه بدأ اللّه بالمصدر فى الاسرآء لانه الاصل ثم بالماضى فى الحديد والحشر والصف لانه اسبق الزمانين ثم بالمستقبل فى الجمعة والتغابن ثم بالامر فى الاعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها ففيه تعليم عباده استمرار وجود التسبيح منهم فى جميع الازمنة والاوقات والحاصل ان كلا من صيغتى الماضى والمضارع جردت عن الدلالة على مدلولها من الزمان المخوص فأشعر باستمراره فى الازمنة لعدم ترجيح البعض على البعض فالمكونات من لدن اخراجها من العدم الى الوجود مسبحة فى كل الاوقات لايتخص تسبيحها بوقت دون وقت بل هى مسبحة ابدا فى الماضى وتكون مسبحة ابدا فى المستقبل وفى الحديث ( أفضل الكلام اربع سبحان اللّه والحمد لله ولا اله الا اللّه واللّه اكبر لايضرك بأيهن بدأت ) وسئل على رضى اللّه عنه عن سبحان اللّه فقال كلمة رضى اللّه لنفسه وسبح متعد بنفسه كما فى قوله تعالى

{ وتسبحوه } واللام اما مزيدة للتأكيد كما فى نصحت له وشكرت له فى نصحته وشكرته او للتعليل والفعل منزل منزلة اللازم اى فعل التسبيح واوقعه واحدثه لاجل اللّه تعالى وخالصا لوجهه والمراد بما فى السموات والارض جميع المخلوقات من حى وجماد وجاء بما تغليبا للاكثر مع ان اكثر العلماء على ان مايعم العقلاء وغيرهم والمراد بستبيح الكل تسبيح عباده وقمال كما قال بعض الكبار قد أخذ اللّه بأبصار الانس والجن عن ادراك حياة الجمال الا من شاء اللّه والاشياء كلها انما خلقت له سبحانه لتسبح بحمده

واما انتفاعا بها انما هو بحكم التبعية لا بالقصد الاول قال الحسن البصرى رحمه اللّه لولا مايخفى عليكم من تسبيح من معكم فى البيوت ماتقاررت ثم وقال بعضهم لايصدر عن الحى الا حى ولو وجد من العالم موجود غير حى لكان غير مستند الى حقيقة الهية وذلك محال فالجماد ميت فى نظر المحجوب حى فى نفس الامر لاميت لان حقيقة الموت مفارقة حى مدبر لحى مدبر والمدبر والمدبر حى والفارقة نسية عدمية لا وجودية فان الشان اما هو عزل عن ولاية وانتقال من دار الى دار وليس من شرط الحى أن يحس لان الاحساس والحواس امر معقول زآئد على كونه حيا وانما هما من شرط العلم وقد لا يحس وقد لايحس وتأمل صاحب الآكلة اذا اكل مايغيب به احساسه كيف يقطع عضوه ولا يحص به مع انه حى ليس يميت وقال بعضهم كل شىء فى العالم يسبح اللّه بحمده الذى اطلعه اللّه على انه حمد به نفسه ويختلف ذلك باختلافهم الا الانسان خاصة فان بعضه يسبح بغير حمده ولايقبل من الحق بعض ماثنى به على نفسه فهو يؤمن ببعض وهو قوله

{ ليس كمثله شىء } ويكفر ببعض وهو تنزيه اللّه عما اضافه الى نفسه ووصف نفسه به من التشبيه بالمحدثات فقوله تعالى

{ وان من شىء الا يسبح بحمده } اى بالثناء الذى اثنى به الحق على نفسه انزله على السنة رسله لابما ولده العقل فان اللّه تعالى قال فى حق من سبح الحق بعقله

{ سبحان ربك رب العزة عما يصفون } اعلامنا انه ورآء كل ثناء واهل اللّه تعالى لابد لهم فى سلوكهم من سماع تسبيح كل شىء بلسان طلق لا لسان حال كما يعتقده بعضهم ثم ان اللّه تعالى من رحمته يأخذ اسماعهم بعد تحققهم ذلك ويبقى معهم العلم لانه لو أسمعهم ذلك على الدوام لطاشت عقولهم وفى الحديث ( ان كل شىء من الجماد والحيوان يسمع عذاب القبر الا الثقلين ) فثبت ان السموات والارض بجميع اجزآئهما وما فيها من الملك والشمس والقمر والنجوم والانس والجن والحيوان والنبات والجماد لها حياة وفهم وادراك وتسبيح وحمد كما قال تعالى

{ وان من شىء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم } واعلم ان اللّه تعالى هو المسبح اسم مفعول فى مقام التفصيل والمسبح اسم فاعل فى مقام الجمع فالتسبيح تنزيه الحق بحسب مقام الجمع والتفصيل من النقائص الامكانية ومن الكمالات الانسانية المختصة من حيث التقيد والتعين

{ وهو العزيز } بقدرته وسلطانه لا يمانعه ولا ينازعه شىء

{ الحكيم } بلطفه وتدبيره لايفعل الا ماتقتضيه الحكمة والمصلحة وفيه اشعار بعلية الحكم فان العزة وهى الغلبة على كل شىء تدل على كمال القدرة والحكمة تدل على كمال العلم والعقل يحكم بأن الموصوف بهما يكون منزها عن كل نقص كالعجز والجهل ونحوهما ولذا كان الامن كفرا لأن فيه نسبة العجز الى اللّه تعالى وكذا اليأس لان فيه نسبة البخل الى اللّه الجواد

﴿ ١