سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ آيَةً ١ { قد سمع اللّه قول التى تجادلك فى زوجها } سمع مجاز مرسل عن أجاب بعلاقة السببية والمجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمبالغة يعنى كار براندن باكسى بر سبيل نزاع ، واصله من جدلت الحبل اى احكمت فتله فكأنه المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه والمراد هنا المكالمة ومراجعة الكلام اى معاودته والمعنى قد أجاب اللّه دعاء المرأة التى تكالمك فى حق زوجها استفتاء وتراجعك الكلام فى شأنه وفيما صدر عنه فى حقها من ظهاره اياها بغير وجه مشروع وسبب مقبول { وتشتكى الى اللّه } عطف على تجادلك اى تتضرع الى اللّه وتظهر مابها من المكروه قال فى المفردات الشكاية والشكاة والشكوى اظهار البثت يقال شكوت واشتكيت واصل الشكوى فتح الشكوة واظهار مافيها وهى سقاء صغير يجعل فيه الماء وكان فى الاصل استعارة كقوله بثثت له مافى وعائى ونفضت مافى جرابى اذا اظهرت مافى قلبك وفى كشف الاسرار الاشتكاء اظهار مايقع بالانسان من المكروه والشكوى اظهار مايصنعه غيره به وفى تاج المصادر الاشتكاء كله كردن وشكوه كرفتن ، وهى قربة صيغرة والمجادلة هى خولة بنت ثلب بن ماللك ابن خزاعة الخزرجية وزوجها اوس بن الصامت اخو عبادة روى انها كانت حسنة البدن رآها اوس وهى تصلى فاشتهى مواقعتها فلما سلمت روادها فأبت وكان به خفة فغضب علهيا بمقتضى البشرية وقال انت على كظهر امى وكان اول اظهار وقع فى الاسلام ثم ندم على ماقال بناء على ان الظهار والايلاء كانا من طلاق الجاهلية فقال لها ما اظنك الى وقد حرمت على فشق ذلك عليها فاتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعائشة رضى اللّه عنها تغسل شق رأسه فقالت يارسول اللّه ان زوجى اوس بن الصامت أبو ولدى وابن عمى واحب الناس الى ظاهر منى وما ذكر طلاقا وقد ندم على فعله فهل من شىء يجمعنى واياه فقال عليه السلام ( ماأراك الا وقد حرمت عليه ) فقالت لاتقل ذلك يارسول اللّه وذكرت فاقتها ووحدتها بتفانى اهلها وان لها صبية صغارا فقالت ان ضممتهم الى جاعوا وان ضممتهم الى أبيهم ضاعوا فاعاد النبى عليه السلام قوله الاول وهو حرمت عليه فجعلت تراجع رسول اللّه مقالتها الاولى وكلما قال لها رسول اللّه حرمت عليه هتفت وقالت أشكو الى اللّه مما لقيت من زوجى حال فاقتى ووحدتى وقد طالت معه صبحتى ونفضت له بطنى تريد بذلك انى قد بلغت عنده سن الكبر وصرت عقيما لا ألد بعد وكانت فى كل ذلك ترفع رأسها الى السماء على ماهو عادة الناس استنزالا للامر الالهى من جانب العرش وتقول اللهم أنزل على لسان نبيك فقامت عائشة تغسل الشق الآخر من رأسه عليه السلام وهى مازالت فى مراجعة الكلام مع رسول اللّه وبث الشكوى الى اللّه حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات الاربع سمعا لدعائها وقبولا لشكواها فكانت سببا لظهور امر الظهار وفى قد اشعار بأن الرسول والمجادلة كانا يتوقعان أن ينزل اللّه حكم الحادثة ويفرج عنها كربها لانها انما تدخل على ماض متوقع { واللّه يسمع تحاوركما } اى يعلم تراجعكما وتخاطبكما وتجاوبكما فى أمر الظهار فان التحاور بمعنى التجاوب وهو رجع الكلام وجوابه يعنى يكديكر را جواب دادان ، من الحور بمعنى الرجوع وذلك كان برجوع الرسول الى الحكم بالحرمة مرة بعد أخرى ورجوع المجادلة الى طلب التحليل كذلك ومثله المحاروة فى البحث ومنه قولهم فى الدعاء نعوذ باللّه من الحور بعد الكور اى الرجوع الى النقصان بعد الوصول الى الزيادة او الى الوحشة بعد الانس وقال الراغب الحور التردد اما بالذات واما بالتفكر وقيل نعوذ باللّه من الحور بعد الكور اى من التردد بالامر بعد المضى فيه او من نقصان وتردد فى الحال بعد الزيادة فيها وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده وفى نظمها فى سلك الخطاب مع أفضل البريات تغليب اذ القياس تحاورها وتحاورك تشريفا لها من جهتين والجملة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فان الحافها فى المسألة ومبالغتها فى التضرع الى اللّه ومدافعته عليه السلام اياها بجواب منبىء عن التوقف وترقب الوحى وعلمه تعالى بحالهما من دواعى الاجابة وفى كشف الاسرار ليس هذا تكرارا لان الاولى لما حكته عن زوجها والثانى لما كان يجرى بينها وبين رسول اللّه لان الاول ماضى والثانى مستقبل { ان اللّه سميع بصير } مبالغ فى العلم بالمسموعات والمبصرات ومن قضيته أن يسمع تحاروهما ويرى مايقارونه من الهيئات التى من جملتها رفع رأسها الى السماء وسائر آثار التضرع يامن يرى مافى الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل مايتوقع يامن يرجى للشدآئد كلها ... يامن اليه المشتكى والمفزع مالى سوى قرعى لبانك حيلة ... ولئن رددت فاى باب أقرع حاشى للطفك أن تقنط عاصيا ... الفضل أجزل والمواهب اوسع وفى الآية دليل على ان امن انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له فى مهمه احد سوى ربه وصدق فى دعائه وشكواه كفاه اللّه ذلك من كان اضعف فالرب به ألطف دعاى ضعيفان اميد وار ... زباروى مردى به آيد بكار وفيها ان من استمع اللّه ورسوله والورثة الى كلامه فسائر الناس اولى ( روى ) ان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه مر بهذه المرأة فى خلافته وهو على حمار والناس معه فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت ياعمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك عمر ثم قيل لك امير المؤمنين فاتق اللّه ياعمر فاه من أيقن الموت خاف الفوت ومن أيقن الحساب خاف العذاب وهو واقف يسمع كلامها فقيل له يا امير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف الطويل فقال واللّه لو حبستنى من اول النهار الى آخره مازلت الا للصلاة المكتوبة أتدرون من هذه العجوز هى خولة بن ثعلب سمع اللّه قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولايسمعه عمر وهذه الفوقية لايلزم منها الجهة لان اللّه هو العلى المتعال فاعرف ثم انه من اكبر الذنوب أن يقول الرجل لاخيه اتقى اللّه فيقول فى جوابه عليك نفسك اى الزم نفسك أنت تأمرنى بهذا وذلك لانه اذا ذكر اسم اللّه يلزم التعظيم له سوآء صدر من مسلم او كافر وأعلم الناس لايستغنى عن تنبيه وايقاظ بكوى آنجه دانى سخن سود مند ... وكرهيج كس رانيا يد بسند يقال اللائق بالعاقل أن يكون كالنحل يأخذ من كل شىء ثم يخرجه عسلا فيه شفاء من كل دآء وشمعا له منافع لاسيما الضياء فطالب الحكمة يأخذها من كل مقام سوآء قعد او قام ( المرء لولا عرفه فهو الدمى ٠ ولامسك لولا عرفه فهو الدم ) العرف الاول بالضم بمعنى المعروف والثانى بالفتح الرآئحة و الدمى بضم الدال وفتح الميم جمع دمية وهى الصورة المنقشة من رخام او عاج ٢ { الذين يظاهرون منكم } أيها المؤمنون فلا يلحق بهم الذمى لانه ليس من اهل الكفارة لغلبة جهة العبادة فيها فلا يصح ظهاره { من نسائهم } هذا شروع فى بيان الظهار فى نفسه وحكمه المترتب عليه شرعا بطريق الاستئناف والظهار لغة مصدر ظاهر الرجل اى قال لزوجته أنت على كظهر امى و الظهر العضو والجارحة ويعبر عن البطن بالظهر اى أنت على حرام كبطن امى فكنى عن البطن بالظهر الذى هو عمود البطن لئلا يذكر مايقارب الفرج تأدبا ثم قيل ظاهر من امرأته فعدى بمن لتضمين معنى التجنب لاجتناب أهل الجاهلية من المرأة المظاهر منها اذ الظهار طلاق عندهم كما مر فى قولهم آلى منها لما ضمنه من معنى التباعد من الالية بمعنى الحلف وفى القرءآن واجنبنى وبنى أن نعبد الاصنام اى بعدنى واياهم من عبادة الاصنام فمعنى البعد انما هو الاجتناب ونحوه المتعدى بمن لان معنى الابتدآء الذى هو معنى من لايخلو عن البعد فان من معانى عن لا من ثم انه ألحق الفقهاء بالظهر نحو البطن والفخذ والفرج مما يحرم النظر اليها من الام فمن قال أنت على كبطن امى او فخذها او فرجها كان ظهارا بخلاف مثل اليد أو الرجل وكذا ألحقوا بالام سائر المحارم فلو وضع المظاهر مكان الام ذات رحم محرم منه من نسب كالخالة والعمة او رضاع او صهر كان ظهارا مثل أن يقول أنت عليه كظهر خالتى او عمتى او اختى نسبا او رضاعا او كظهر امرأة ابنى او أبى ولو شبهها بالخمر والخنزير أو الدم او الميتة او قتل المسلم او الغيبة والنميمة او الزنى او الربا او الرشوة فانه ظهار اذا نوى وفى أنت على كأمى صح نية الكرامة اى استحقاق البر فلا يقع طلاق ولا ظهار وصح نية الظهار بأن يقصد التشبيه بالام فى الحرمة فيترتب عليه احكام الظهار لاغير ونية الطلاق بأن يقصد ايجاب الحرمة فان لم ينو شيأ لغا وأنت على حرام كأمى صح فيه مانوى من ظهار او طلاق وايلاء ولو قال أنت امى او اختى او بنتى بدون التشبيه فهو ليس بظهار يعنى ان قال ان فعلت كذا فانت امى وفعلته فهو باطل وان نوى التحريم ولو قالت لزوجها أنت على كظهر امى فانه ليس بشىء وقال الحسن انه يمين وفى ايراد منكم مع كفاية من نسائهم مزيد توبيخ للعرب وتقبيح لعادتهم فى الظهار فاه كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الامم فلا يليق بهم بعد الاسم أن يراعوا تلك العادة المستهجنة فكأنه قيل منكم على عادتكم القبيحة المستنكرة ويحتمل أن يكون لتخصيص نفع الحكم الشرعى للمؤمنين بالقبول والاقتدآء به اى منكم أيها المؤمنون المصدقون بكلام اللّه المؤتمرون بأمر اللّه اذا الكافرون لايستمعون الخطاب ولا يعلمونن بالصواب وفى من نسائهم اشارة الى أن الظهار لايكون فى الامة ومن ذلك قالوا ان للظهار ركنا وهو التشبيه المذكور وشرطا وهو أن يكون المشبه منكوحة حتى لايصح من الامة واهلا وهو من كان من اهل الكفارة حتى لايصح للذمى والصبى والمجنون وحموهو حرمة الوطىء حتى يكفر مع بقاء اصل الملك { ماهن امهاتهم } خبر للموصول اى مانساؤهم امهاتهم على الحقيقة فهو كذب بحت يعنى ان من يقول لامرأته أنت على كظهر أمى ملحق فى كلامه هذا للزوج بالام وجاعلها مثلها وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين وكانوا يريدون بالتشبيه الحرمة فى المظاهر منها كالحرمة فى الام تغليظا وتشديدا فان قيل فحاصل الظهار مثلا أنت محرمة على كما حرمت على امى وليس فيه دعوى الامومة حتى تنفى وتثبت للوالدات يقال ان ذلك التحريم فى حكم دعوى الامومة او أن المراد نفى المشابهة لكن نفى الامومة للمبالغة فيه { ان } نافية بمعنى ما { امهاتهم } فى الحقيقة والصدق { الا اللائى } جمع التى اى النساء اللاتى { ولدنهم } اى ولدن المظاهر بن فلا تشبه بهن فى الحرمة الا من ألحقها الشرع بهن من ازواج النبى عليه السلام والمرضعات ومكوحات الآباء لكرامتهن وحرمتهن قد خلى بذلك فى حكم الامهات واما الزوجات فأبعد شىء من الامومة فلا تلحق بن بوجه من الوجوه { وانهم } اى وان المظاهرين منكم { ليقولن } يقولهم ذلك { منكرا من القول } على ان مناط التأكيد ليس صدور القول عنهم فان أمر محقق بل كونه منكرا اى عند الشرع وعند العقل والطبع ايضا كما يشعر به تنكيره وذلك لان زوجته ليست بامه حقيقة ولا ممن ألحقه الشرع بها فكان التشبيه بها الحاقا لأحد المتباينين بالآخر فكان منكرا مطلقا غير معروف { وزورا } اى كذبا باطلا منحرفا عن الحق فان الزور بالتحريك الميل فقيل للكذب زور بالضم لكونه مائلا عن الحق قال بعضهم ولعل قوله وزورا من قيل عطف السبب على المسبب فن قلت قوله أنت على كظهر امى انشاء لتحريم الاستمتاع بها وليس بخبر والانشاء لايوصف بالكذب قلت هذا الانشاء يتضمن الحاق الزوجة المحللة بالام المحرمة ابدا وهذا الحاق مناف لمقتضى الزوجية فيكون كاذبا وعن أبى بكر رضى اللّه عنه انه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ألا أنبئكم باكبر الكبائر ) قلنا بلى يارسول اللّه قال ( الاشراك باللّه وعقوق الوالدين ) وكان متكئا فجلس وقال ( ألا وقول الزور وشهادة الزور الا وقول الزور وشهادة الزو الا وقول الزور وشهادة الزور ) فما زال يقولها حتى قلت لايسكت رواه البخارى قال بعضهم لما كان مبنى طلاق الجاهلية الامر المنكر الزور لم يجعله اللّه طلاقا ولم تبق الحرمة الا الى وقت التكفير وقال الظهار الذى هو من طلاق الجاهلية ان كان فى الشرع بمقدار من الزمان اولا طلاقا كانت الآية ناسخة والا فلا لان النسخ انما يدخل فى الشرآئع وما قال عليه السلام انها حرمت فلا يعين شيأ من الطرفين الا أن بعض المفسرين جعله مؤيدا للوجه الاول { وان اللّه لعفو غفور } اى مبالغ فى العفو والمغفرة لما سلف منه على الاطلاق على المذهب الحق او بالمناب عنه على مذهب الاعتزال وذلك ان مادون الشرك حكمه موكول الى مشيئة اللّه ان شاء يغفره وان لم يتب العبد عنه وان شاء يغفره بعد التوبة وما اذا لم يتب عنه فعذبه عليه فانما يعذبه لى حسب ذنبه لكن الظاهر هنا الحث على التوبة لكون الكلام فى دم الظهار وانكاره ٣ { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } اللام والى يتعاقبان كثيرا نحو يهدى للحق والى الحق فالمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر ثم يعودون الى ماقالوا ولاى مافات عنهم بسببه من الاستمتاع بالتدارك والتلافى بالتقرر والتكرر ومنه قولهم عاد الغيث لعى ماأفسد اى تداركه باصلاح فافسده امساكه واصلاحه احياؤه ففيه اطلاق اسم السبب على المسبب فان العود الى الشىء من اسباب التدارك والوصول اليه فيكون مجازا مرسلا قال ابن الشيخ العود يستعمل على معنيين أحدهما أن يصير الى شىء قد كان عليه قبل ذلك فتركه فيكون بمعنى الرجوع الى مافارق عنه والآخر أن يصير ويتحول الى شىء وان لم يكن ذلك للتدارك والوصول هو العود بهذا المعنى وهو العود الى شىء مطلقا فحاصل المعنى ثم يعودون الى تدارك ماقالوا ودفع مالزم عليهم به من الفساد من حرمة الحلال ويجوز أن يكون المعنى ثم يريدون العود الى ماحرموا على أنفسهم بلفظ الظهار من الاستمتاع ففيه تنزيل للقول منزلة المقول فيه { فتحرير رقبة } التحرير جعل الانسان حرا وهو خلاف العبد والرقية ذات مرقوق مملوك سوآء كان مؤمنا او كافرا ذكرا او انثى صغيرا او كبيرا هنديا او روميا فالمعنى فتداركه او فالواجب اعتاق رقبة اى رقبة كانت وان كان تحرير المؤمن اولى والصالح أحسن فيعتقها مقرونا بالنية وان كان محتاجا الى خدمتها فلو نوى بعد العتق او لم ينو لم يجزىء وان وان وجد ثمن الرقبة وهو محتاج اليه فله الصيام كما فى الكواشى ولا يجزىء ام الولد والمدبر ولمكاتب الذى ادى شيأ فان لم يؤد جاز ويجب أن تكون سليمة من العيوب الفاحشة بالاتفاق وعند الشافعى يشترط الايمان قياسا على كفارة القتل كما قال تعالى { فتحرير رقبة مؤمنة } قلنا حمل المطلق على المقيد انما هو عند اتحاد الحادثتين واتحاد الحكم ايضا وهنا ليس كذلك والفاء للسببية ومن فوآئدها الدلالة على تكرير وجوب التحرير بتكرر الظهار لان تكرر السبب يوجب تكرر المسبب كقرآءة آية السجدة فى موضعين فلو ظاهر من امرأته مرتين او ثلاثا فى مجلس واحد او مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة { من قبل أن يتماسا } اى من قبل أن يستمتع كل من المظاهر والمظاهر منها بالآخر جماعا وتقبيلا ولمسا ونظرا الى الفرج بشهوة وذلك لان اسم التماس بتناول الكل وان وقع شىء من ذلك قبل التكفير يجب عليه أن يستغفر لانه ارتكب الحرام ولا يعود حتى يكفر وليس عليه سوى الكفارة الاولى بالاتفاق وان أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبى حنيفة رحمه اللّه ولا تسقط الكفارة بل يأتى بها على وجه القضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها فانه لايسقط عنه اتيانها بل يلزمه قضاؤها وفى الآية دليل على ان المرأة لايسعها أن تدع الزوج أن يقربها قبل الكفارة لانه نهاهما جميعا عن المسيس قبل الكفارة قال القهستانى لها مطالبة التكفير وكذا لو طلقها ثم تزوجها بعد العدة او زوج آخر حرم وطئها قبل التكفير ثم العود والموجب لكفارة الظهار عند أبى حنيفة رحمه اللّه هو العزم على جماعها فمتى عزم على ذلك لم تحل له حتى يكفر ولو ماتت بعد مدة قبل أن يكفر سقطت عنه الكفارة لفوت العزم على جماعها { ذلكم } اى الحكم بالكفارة أيها المؤمنون { توعظون به } الوعظ زجر يقترن بتخويف اى تزجرون به من ارتكاب المنكر المذكور فان الغرامات مزاجر من طعاطى الجنايات والمراد بذكره بيان ان المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذى هو علم فى استتباع الثواب العظيم بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة مايوجبه والحاصل ان فى المؤاخذة الدنيوية نفعا لكل من المظاهر وغير المظاهر بأن يحصل للمظاهر الكفارة والتدارك ولغير المظاهر الاحتياط والاجتناب كما قيل نرود مرغ سوى دانه فراز ... جون دكر مرغ بينداندر بند { واللّه بما تعلمون } من جناية الظهار والتكفير ونحو ذلك من قليل وكثير { خبير } اى علام بظواهرها وبواطنها ومجازيكم بها فحافظوا احدود ماشرع لكم ولا تخلوا بشىء منها ٤ { فمن لم يجد } اى فالمظاهر الذى لم يجد الرقبة وعجز عنها بأن كان فقيرا وقت التكفير وهو من حين العزم الى أن تقرب الشمس من الغروب من اليوم الاخير مما صام فيه من الشهرين فلا يتحقق العجز الحقيقى الا به والاعتبار بالمسكن والثياب التى لابد منها فان المعتبر فى ذلك هو الفضل والذى غاب ماله فهو واجد { فصيام شهرين } اى فعليه صيام شهرين { متتابعين } ليس فيهما رضمان والا الايام الخمسة المحرم وصومها اى يوما العيد وايام التشريق فيصلهما بحث لايفصل يوما عن يوم ولاشهرا عن شهر بالافطار فان افطر فيهما يوما أو اكثر بعذر او بغير عذر استأنف ولم يحسب ماصام بالا بالحيض كما سيجيىء { من قبل أن يتماسا } ليلا او نهارا عمدا او خطأ ولو جامع زوجة اخرى ناسيا لا يستأنف ولو أفطرت المرأة للحيض فى كفار القتل او الفطر فى رمضان لا تستأنف لكنها تصل صومها بأيام حيضها ثم انه ان صام بالاهلة أجزأه وان صام ثمانية وخمسين بأن كان كل من الشهرين ناقصا وان صامها بغيرها فلا بد من ستين يوما حتى لو أفطر صبيحة تسعة وخمسين وجب عليه الاستئناف { فمن لم يستطع } اى الصيام بسبب من الاسباب كالهرم والمرض المزمن اى الممتد الغير المرجو برؤه فانه بمنزلة العاجز من كبر السن وان كان يرجى برؤه واشتدت حاجته الى وطىء امرأته فالمختار أن يتنظر البرء حتى يقدر على الصيام ولو كفر بالاطعام ولم ينتنظر القدرة على الصيام أجزأه ومن الاعذار الشبق المفرط وهو أن لايصبر على الجماع فانه عليه السلام رخص للاعرابى أن يعطى الفدية لاجله { فاطعام ستين مسكينا } الاطعام جعله الغير طاعما ففيه رمز الى جواز التمليك والاباحة فى الكفارة والمسكين ويفتح ميمه من لاشىء له او له مالايكفيه وأسكنه الفقر اى قلل حركته والذليل والضعيف ما فى القاموس قال القهستانى فى شرح مختصر الوقاية قيد المسكين اتفاقى لجواز صرفه الى غيره من مصارف الزكاة. يقول الفير انما خص المسكين بالذكر لكونه أحق بالصدقة من سائر مصارف الزكاة كما ينبىء عنه ماسبق آنفا من تفسير القاموس واطعام ستين مسكينا وان أعطاه فى يوم واحد وبدفعات لايجوز على الصحيح فيطعم لكل مسكين نصف صاع من برا او صاعا من غيره كما فى الفطرة والصاع اربعة امداد ونصفه مدان ويجب تقديمه على المسيس لكن لايستأنف ان مس فى خلال الاطعام لان اللّه تعالى لم يذكر التماس مع الاطعام هذا عند أبى حنيفة رحمه اللّه واما عند الآخرين فالاطعام محمول على المقيد فى العتق والصيام ويجوز دفع الكفارة لكافر واخراج القيمة عند ابى حنيفة رحمه اللّه خلافا للثلاثة وفى الفقه هذا اذا كان المظاهر حرا فلو كان عبدا كفر بالصوم وان اعطاه الملى المال وليس له منعه عن الصوم فان أعتق وأيسر قبل التكفير كفر بالمال { ذلك } اى ذلك البيان والتعليم للاحكام والتنبيه علها واقع او فعنا ذلك { لتؤمنوا باللّه ورسوله } وتعملوا بشرآئعه التى شرعها لكم وترفضوا ما كنتم عليه من جاهليتكم ان قيل اذا كان ترك الظهار مفروضا فما بال الفقهاء يجعلونه بابا فى الفقه أجيب بأن اللّه وان أنكر الظهار وشنع على من تعود به من الجاهلين الا انه تعالى وضع له احكاما يعمل بها من ابتلى به من الغافلين فبهذا الاعتبار جعلوه بابا ليبينوا تلك الاحكام وزادوا قدر مايحتاج اليه من ان المحققين قالوا ان اكثر الاحكام الشرعية للجهال فان الناس لو احترفوا عن سوء المقال والفعال لما احتيج الى تكثير القيل والقال ودلت الآية على ان الظهار أكثر خطأ من الحنث فى اليمين لكون كفارته اغلظ من كفارة الحنث واللام فى لتؤمنوا للحكمة والمصلحة لانها اذا قارنت فعل لله تكون للمصلحة لانه الغنى المطلق واذا قارنت فعل العبد تكون للغرض لانه المحتاج المطلق فأهل السنة لايقولون لتلك المصلحة غرضا اذ الغرض فى العرف مايستكمل به طالبه استدفاعا لنقصان فيه تنفر عنه طبعه واللّه منزه عن هذا بلا خلاف والمعتزلة يقولون بناء على انه هو الشىء الذى لاجله يراد المراد ويفعل عندهم ولو قلنا بهذا المعنى لكنا قائلين بالغرض وهم لو قالوا بالمعنى لما كنا قائلين به { وتلك } اشارة الاحكام المذكورة من تحريم الظهار وايجاب العتق للواجد وايجاب الصوم لغير الواجد ان استطاع وايجاب الاطعام لمن لم يسطع { حدود اللّه } التى لايجوز تعديها وشرآئعه الموضوعة لعباده التى لايصح تجاوزها الى مايخالفها جمع حد وهو فى اللغة المنع والحاجز بين الشيئين الذى يمنع اختلاط احدهما بالآخر وحد الزنى وحد الخمر سمى بذلك لكونه مانعا لمتعاطيه عن المعاودة لمثله وجميع حدود اللّه على اربعة اضرب اما شىء لايجوز أن يتعدى بالزيادة عليه والا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض واما شىء يجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان منه واما شىء يجوز النقصان منه ولايجوز الزيادة عليه واما شىء يجوز الزيادة عليه والنقصان منه كما فى المفردات { وللكافرين } اى الذين لايعلمون بها ولا يقبلونها { عذاب اليم } عبر عنه بذلك للتغليظ على طريقة قوله تعالى { ومن فكر فان اللّه غنى عن العالمين } يعنى ان اطلاق الكفر لتأكيد الوجوب والتغليظ على تارك العمل لا لانه كفر حقيقة كما يزعمه الخوارج قال بعضهم فى قوله عليه السلام ( من ترك الصلاة فقد كفر ) اى قارب الكفر يقال دخل البلدة لمن قاربها قال فى برهان القرءآن قوله { وللكفارين عذاب اليم } وبعده { وللكافرين عذاب مهين } لان الاول متصل بضده وهو الايمان فتوعدهم على الكفر العذاب الاليم هو جزاء الكافرين والثانى متصل بقوله { كبتوا } وهو الاذلال والاهانة فوصف العذاب مثل ذلك فقال { وللكافرين عذاب مهين } انتهى والأليم بمعنى المؤلم اى الموجع كالبديع بمعنى المبدع او بمعنى المتألم لكن اسند مجازا الى العذاب مبالغة كأنه فى الشدة بدرجة تتألم بها نفسه وفى اثبات العذاب للكافرين حث المؤمنين على قبول الطاعة ولما نزلت هذه الآيات الاربع تلاها عليه السلام فقال لاوس بن الصامت رضى اللّه عنه ( هل تستطيع عتق رقبة ) قال اذن يذهب جل مالى قال ( فصيام شهرين متتابعين ) قال يارسول اللّه اذا لم آكل فى اليوم ثلاث مرات كل بصرى وخشيت أن تعشو عينى قال ( فاطعام ستين مسكينا ) قال لا الا أن تعيننى عليه قال ( اعينك بخمسة عشر صاعا وانا داع لك بالبركة ) وتلك البركة بقيت فى آله كما فى عين المعانى. يقول الفقير فى وجوه الاحكام المذكورة اما وجه العتق فلان العاصى اتسحق النار بعصيانه العظيم فجعل عتق المملوك فدآء لنفسه من النار كما قال عليه لسلام ( من أعتق رقبة مؤمنة أعتق اللّه بكل ارب منها اربا منه من النار ) ودل تقييد الرقبة بالمؤمنة على أفضلية اعتاق المؤمن وايضا ان ثمن العبد اكثر غالبا من فدية الاطعام والمال يعد من النفس لشدة علاقة النفس به ففى بذله تخليص لها من رذيلة البخل وتنحية لها عن النار واما الوجه فى الصيام فلأن الاصل فيه صيام شهر رمضان وهو ثلاثون يوما ففى صيام ستين يوما تضعيف المشقة وتشديد المحنة على النفس واما الوجه فى اطعام المساكين اما فى نفس الاطعام فلأن الصوم التخلق بوصف الصمدية فاذا فات عنه ذلك لزوم المعالجة بضده وهو الاطعام لان فى بذل المال اذابة النفس كما فى الصوم ومن هذا يعرف سر التنزيل من الرقبة الى الصوم ثم منه الى الاطعام واما فى عدد المساكين فلأن الاطعام بدل من الصيام وخلف له فروعى فيه من العدد ماروعى فى الصيام ويجوز أن يقال ان اللّه تعالى خلق آدم عليه السلام من ستين نوعا من طبقات الارض فأمر باطعام ستين مسكينا من اولاد آدم حتى تقع المكافأة لجميع اولاده لانه لايخرج احد منهم عن هذه الستين نوعا وايضا سر العدد كون عمر هذه الامة بين الستين والسبيعن فمن راعى العدد فكانما عبد اللّه ستين سنة التى هى مبلغ عمره ومنتهى امده بحسب الغالب فيتخلص من النار ولكن فيه اشارة الى فضيلة الوقت فانه اذا فات العمل من محله لاينجبر بالقضاء بكماله الاولى بل يصير ساقطا عن درجة الكمال الاولى بستين درجة ولذا وجب صيام ستين واطعامها ( قال المولى الجامى ) هردم از عمر كرامى هست كنج بى بدل ... ميرود كنجى جنين هر لحظه برباد آخ آخ ( وقال الشيخ سعدى ) مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف وفى الاشارة الى أن النفس مطية الروح وزوجته فاذا ظاهر زوج الورح من زوجة النفس بقطع الاستمتاع عنها لغلبة الروحانية عليها ثم بحسب الحكمة الالهية المقتضية لتعلق زوج الروح مع زوجة النفس أراد أن يستمتع منها فعلى زوج الروح يجب من طريق الكفارة تحرير رقبة عن ذلك الاستمتاع والتصرف فيها بأن لايستمتع ولا يتصرف فيها الا بامر الحق ومقتضى حكمته لا بمقتضى طبعه ومشتهيات هواه فانه لايجوز له وعلى تقدير شدة اشتباك زوج الروح بزوجة النفس وقوة ارتباطهما الذاتية ارتباط الراكب بالمركوب وارتباط ربان السفينة بالسفينة ان لم يقدر على تحرير رقبة عن هذا الارتباط فيجب على زوج الروح أن يصوم شهرين ممتابعين من قبل أن يتماسا يعنى أن يمسك نفسه عن الالتفات الى الكونين على الدوام والاستمرار من غير تخلل النفات وان لم يتمكن من قطع هذا التفات لبقاء من بقايا انانيته فيه فيجب عليه اطعام ستين مسكينا من مساكين القوى الروحانية المستهلكة تحت سلطنة النفس وصفاتها ليقيمهم على التخلق بالاخلاق الالهية والتحقق بالصفات الروحانية ٥ { ان الذين يحادون اللّه ورسوله } اى يعادونهما ويشاقونهما وكذا اولياء اللّه فان من عادى اولياء اللّه فقد عادى اللّه وذلك لان كلا من المتعاديين كما انه يكون فى عدوة وشق غيره عدوه الآخر وشقه كذلك يكون فى حد غير حد الآخر غير ان لورود المحادة فى اثناء ذكر حدود اللّه دون المعاداة والمشاقة من حسن الموقع مالا غاية ورآءه وبالفارسية مخالفت ميكنند باخدا ورسول او از حدود امر ونهى تجاوز مينمايند ، وقال بعضم المحادة مفاعلة من فلظ الحديد والمراد المقابلة بالحديد سوآء كان فى ذلك حديد حقيقة او كان ذلك منازعة شديدة شبيهة بالخصومة بالحديد وقال بعضهم فى معنى الآية يحادون اى يضعون او يختارون حدودا غير حدودهما ففيه وعيد عظيم للملوك والامرآء السوء الذين وضعوا امورا خلاف ماحده الشرع وسموها القانون و نحوه بادشاهى كه طرح ظلم افكند ... باى ديوان ملك خويش بكند { كبتوا } اى اخزوا يعنى خوار ونكو سار كرده شوند ، وفى المفردات الكبت الرد بعنف وتذليل وفى القاموس كبته يكبته صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظه واذله قال ابن الشيخ وهو يصلح لان يكون دعاء عليهم واخبارا عما سيكون بالماضى لتحققه اى سيكبتون ويدخل فيهم المنافقون والكافرون جمعيا اما الكافرون فمحادتهم فى الظاهر والباطن واما المنافقون ففى الباطن قط { كما كبت الذين من قبلهم } من كفار الامم الماضية المعادين للرسل عليهم السلام مثل اقوام نوح وهود وصالح وغيرهم ، وكان السرى رحمه اللّه يقول عجبت من ضعيف عصى قويا فيقال له كيف ذلك ويقول وخلق الانسان ضعيفا { وقد أنزلنا آيات بينات } حال من واو كبتوا اى كبتوا المحادتهم والحال انا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد اللّه ورسوله ممن قبلهم من الامم وفيما فعلنا بهم او آيات بينات تدل على صدق الرسل وصحة ماجاء به والسؤال بأن الانزال نقل الشىء من الأعلى الى الأسفل وهو انما يتصور فى الاجسام والآيات التى هى من الكلام من الاعراض الغير القارة فكيف يتصور الانزال فيها مجاب عنه بأن المراد منه انزال من يتلقف من اللّه ويرسل الى عباده تعالى فيسند اليها مجازا لكونها المقصودة منه أو المراد منه الايصال والاعلام على الاستعارة { وللكافرين } بتلك الآيات او بكل مايجب الايمان به { عذاب مهين } يذهب بعزهم وكبرهم من الاهانة بمعنى التحقير والمراد عذاب الكبت الذى هو فى الدنيا فيكون ابتدآء كلام او عذاب الآخر فيكون للعطف بمعنى ان لهم الكبت فى الدنيا ولهم عذاب مهين فى الآخرة فهم معذبون فى الدارين قال بعضهم وصف اللّه العذاب الملحق بالكفارين اولا بالايلام وثانيا بالاهانة لان الايلام يلحق بهم اولا ثم يهانون به واذا كانت الاهانة مافى الآخرة فالتقديم ظاهر وقد سبق غير هذا وفى الآية اشارة الى أن من يعادون مظاهر اللّه وهم الاولياء المتحققون باللّه المجتمعون باسماء اللّه ويشاققون مظاهر رسوله وهم العلماء القائمون باحكام الشرآئع حجوا وافحموا بأبلغ الحجج واظهر البراهين من الكرامات الظاهرة ونشر العلوم الباهرة وكيف لا وقد أنزلنا بصحة ولايتهم وآثار وراثتهم آيات بينات فمن سترها بستائر ظلمات انكاره قله عذاب القطعية الفظيعة والاهانة من غير ابانة ٦ { يوم يبعثهم اللّه } منصوب باذكر المقدر تعظيما لليوم وتهويلا له والمراد يوم القيامة اى يحييهم اللّه بعد الموت للجزآء { جميعا } اى كلهم بحيث لايبقى منهم احد غير مبعوث فيكون تأكيدا للضمير أو مجتمعين فى حالة واحدة فيكون حالا منه { فينبئهم بما عملوا } من القبائح ببينان صدورها منهم او بتصويرها فى تلكل النشأة بما يليق بها من الصور الهائلة على رؤوس الاشهاد وتخجيلا لهم وتشهيرا لحالهم وتشديدا لعذابهم والا فلا فائدة فى نفس الانباء لينبهوا على ماصدر منهم { احصاه اللّه } كأنه قيل كيف ينبئهم بأعمالهم وهى اعراض منقضية متثلاشية فيل احصاه اللّه اى أحاط به عددا وحفظه كما علمه لم يفت منه شىء ولم يغب قال الراغب الاحصاء التحصيل بالعدد يقال أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه لانهم كانوا يعتمدون اعتماد نافيه على الاصابع وقال بعضهم الاحصاء عد باحاطة وضبط اذا اصله العدد بآحاد الحصى للتقوى فى الضبط فهو اخص من العد لعدم لزوم الاحاطة فيه { ونسوه } اى والحال انهم قد نسوه لكثرته او لتهاونهم حين ارتكبوه لعدم اعتقادهم { واللّه على كل شىء شهيد } لايغيب عنه امر من الامور فالشهيد بمعنى الشاهد من الشهود بمعنى الحضور ، وكفته اند كواهست ومناسب آن مكافات خواهد فرمود وكسى كواهى اورد نتواند كرد حاكم زحكم دم نزندكر كواه نيست ... حاكم كه خود كواه بود قصه مشكلست فلابد من استحضار الذنوب والبكاء عليها وطلب التوبة من اللّه الذى يحصى كل شىء ولاينساه قبل أن يجيىء يوم ايفتضح فيه المصر على رؤوس الاشهادة ولا يقبل الدعاء والمعذرة من العباد ، واعلم ان القول بأنه تعالى شهيد قول بأنه حاضر لكن بالحضور العلمى لا بالحضور الجسمانى فانه منزه عن ذلك فقول من قال اللّه حاضر محمول على الحضور العملى فلا وجه لا كفار قائلة مع وجوده فى القرءآن ٧ { ألم تر أن اللّه يعلم مافى السموات وما فى الارض } استشهاد على شمول شهوده تعالى والهمزة للانكار المقرر بالرؤية لما أن الانكار نفى معنى ونفى النفى يقرر الاثبات فتكون الرؤية ثابتة مقرر والخطاب للرسول عليه السلام او لكل من يستحق الخطاب ولمعى أمل تعلم علما يقينيا بمرتبة المشاهدة انه تعالى يعمل مافى السموات ومافى الارض من الموجودات سوآء كان ذلك بالاستقرار فيهما او بالجزائية منهما ( روى ) عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انها نزلت فى ربيعة وحيبب ابنى عمرو وصفوان بن امية كانوا يوما يتحدثون فقال أحدهم ارتى اللّه يعلم ما نقول فقال الآخر يعلم بعضا وقال الثالث ان كان يعلم بعضه فهو يعلم كله وصدق لان من علم بعض الاشياء بغير سبب فقط علمها كلها لان كونه عالما بغير سبب ثابت له مع كل معلوم فنزلت الآية { مايكون من نجوى ثلاثة } ما نافية ويكون تامة بمعنى يوجع ويقع ومن مقحم ونجوى فاعله وهو مصدر بمعنى التناجى كالشكوى بمعنى الشكاية يقال نجاه نجوى ونجوى ساره كناجاه مناجاة والنجوى السر الذى يكتم اسم ومصدر كما فى القاموس وأصله أن تخلو فى نجوة من الارض اى مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله كأن المتناجى بنجوة من الارض لئلا يطلع عليه احد والمعنى مايقع من تناجى ثلاثة نفر ومسارتهم فالنجوى مصدر مضاف الى فاعله { الا هو } اى اللّه تعالى { رابعهم } اى جاعلهم اربعة من حيث انه تعالى يشاركهم فى الاطلاع عليها كما قال الحسين النورى قدس سره الا هو رابعهم علما وحكما لا نفاس وذاتا وهو استثناء مفرغ من اعم الاحوال اى مايوجد فى حال ما الا فى هذه الحال وفى الكلام اعتبار التصبير قال النصر ابادى من شهد معية الحق معه زجره عن كل مخالقة وعن ارتكاب كل محذور ومن لايشاهد معيته فانه مختط الى الشبهات والمحارم { ولا خمسة } اى ولا نجوى خمسة نفر { الا هو سادسهم } الا وهو تعالى جاعلهم ستة فى الاطلاع على ما وقع بينهم وتخصيص العددين بالذكر لخصوص الواقعة لان المنافقين المجتمعين فى النجوى كانوا مرة ثلاثة واخرى خمسة ويقال ان التشاور غالبا انما يكون من ثلاثة الى ستة ليكونوا اقل لفظا واجدر رأيا واكتم سرا ولذا ترك عمر رضى اللّه عنه حين علم بالموت امر الخلافة شورى بين ستة اى على أن يكون امر الخلافة بين ستة ومشاورتهم واتفاق رأيهم وفى الثلاثة اشارة الى الروح والسر والقلب وفى الخمسة اليها باضافة النفس والهوى ثم عمم الحكم فقال { ولا أدنى من ذلك } اى اقل مما ذكر كالاثنين والواحد فان الواحد ايضا يناجى نفسه وبالفارسية ونه كمتر باشد ازسه عدد { ولا اكثر } كالستة ومافوقها { الا هو معهم } اى اللّه مع المتناجين بالعلم والسماع يعلم مايجرى بينهم و لايخفى عليه ماهم فيه فكأنه ماشاهدهم ومحاضرهم وقد تعالى عن المشاهدة والحضور معهم حضورا جسمانيا { اينما كانوا } اى فى اى مكان كانوا من الاماكن ولو كانوا تحت الارض فان علمه تعالى بالاشياء ليس لقرب مكانى حتى يتفاوت باختلاف الامكنة ولو كانوا تحت الارض فان علمه تعالى بالاشياء ليس لقرب مكانى حتى يتفاوت باختلاف الامكنة قربا وبعدا اين معيت دربيابد عقل وهوش ... زين معيت دم مزن بتشين خموش قرب حق بابنده دورست از قياس ... بر قياس خود منه آنرا اساس قال بعض العارفين ، اكر مؤمنات امت احمد را خود اين تشريف بودى كه رب العاليمن درين سوره ميكويد كه مايكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم الى قوله { هو معهم } تمام بودى اصحاب كهف را باجلال رتبت ايشان وكمال منزلت ميكويد ، ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم افنظر كم من فرق بني من كان اللّه رابعهم وسادسهم وبين من كان اخس الحيوانات رابعهم وسادسهم وحظية المؤمن من المعية أن يعلم ان الخير فى أن يكون جليسه صالحا وكلامه نافعا ولا يتكلم بمالا طائل تحته فيكون عيبا فى حصيفته وعيشا فى صحبته ومعية اللّه تعالى على العموم كما صرح به قوله تعالى { وهو معكم أينما كنتم } ثم انه قد يكون له تعالى معية مخصوصة ببعض عباده بحسب فيضه وايصال لطفه اليه ونحو ذلك { ثم ينبئهم بما علموا } اى يخبرهم بالذى عملوه فى الدنيا { يوم القيامة } تفضيحا لهم واظهارا لما يوجب عذابهم { ان اللّه بكل شىء عليم } لان نسبة ذاته المقتضية للعلم الى الكل سوآء ، يعنى نسبت علم او باهمة معلومات يكسانست حالات اهل آسمانرا جنان داندكه حالات اهل زمين را وعلم او بمخفيات امور بدان وجه احاطه كندكه بحليات نهان وأشكارا هردوا يكسانست بر علمت ... نه اين رازود تربينى نه آنرا ديد تردانى من عرف انه العالم بكل شىء راقبه فى كل شىء واكتفى بعلمه فى كل شىء فكان واثقابه عند كل شىء ومتوجها له بكل شىء قال ابن عطاء اللّه متى علمت عدم اقبال الناس عليكم او توجههم بالذم اليكم فارجع الى علم اللّه فيك فان كل لايقنعك علمه فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الاذى منهم انتهى والتخلق بهذا الاسم تحصيل العلم وافادته للمحتاجين اليه ومن أدمن ذكر ياعلام الغيوب بصيغة الندآء الى أن يغلب عليه منه حال فانه يتكلم بالمغيبات ويكشف مافى الضمائر وترقى رحه الى أن يرقى فى العلم العلوى ويتحدث بامور الكائنات والحوادث قال الفقهاء من قال بأن اللّه تعالى علام بذاتته اى لا عالم بعلمه قادر بذاته اى لاقادر بقدرته يعنى لايثبت له صفة العلم القائمة بذاته ولا صفة القدرة كالمعتزلة والجهمية يحكم بكفره لان نفى الصفات الالهية كفر قال الرهاوى من اقر بوحدانية اللّه وانكر الصفات كالفلاسفة والمعتزلة لايكون ايمانه معتبرا كذا قالوا وفيه شىء بالنسبة الى المعتزلة فانهم من اهل القبلة ومن ثمة قال فى شرح العقائد والجمع بين قولهم لايكفر أحد من أهل القبلة وقولهم بكفر من قال بخلق القرءآن واستحالة الرؤية وسب الشيخين وامثال ذلك مشكل انتهى ٨ { الم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه } نزلت فى اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتحلقون ثلاثة وخمسة ويتغمازون بأعينهم اذا رأوا المؤمنين يريدون أن يغيظوهم فنهاهم رسول اللّه عليه السلام ثم عادوا لمثل فعلهم والخطاب للرسول والهمزة للتعجيب من حالهم وصيغة المضارع للدلالة على تكرر عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة قال الخدرى رضى اللّه عنه خرج عليه السلام ذات ليلة ونحن نتحدث فقال ( هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى ) فقلنا تبنا الى اللّه انا كنا فى حديث الدجال قال ألا اخبركم بما هو أخوف عليكم منه هو الشرك الخفى يعنى المراآة { ويتناجون } وراز ميكويند { بالاثم والعدوان ومعصية الرسول } عطف على قوله { يعودون } داخل فى حكمه وبيان لما نهوا عنه لضرره فى اليدن اى بما هو اثم فى نفسه وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول والعدوان الظلم والجور والمعصية خلاف الطاعة { واذا جاؤك } وجون برتو آنيد ، يعنى اهل النجوى { حيوك } ترا تحيت وسلام كنند والتحية فى الاصل مصدر حياك على الاخبار من الحياة فمعنى حياك اللّه جعل لك حياة ثم استعمل للدعاء بها ثم قيل لكل دعاء فغلب فى الاسلام فكل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول حياة او سبب حياة اما فى الدنيا واما فى الآخرة { بما لم يحيك به اللّه } اى بشىء لم يقع من اللّه أن يحييك به فيقولون السام عليك والسام بلغة اليهود ، مرك است ياقتل بشمشير ، وهم يوهمون انهم يقولون السلام عليك وكان عليه السلام يرد عليهم فيقول عليكم بدن الواو ورواية وعليكم بالواو خطأ كذا فى عين المعانى او يقولون العم صباحا وهو تحية الجاهلية من النعومة اى ليصر صاحبك ناعما لينا لابؤس فيه واللّه سبحانه يقول { وسلام على المرسلين } واختلفوا فى رد السلام على اهل الذمة فقال ابن عباس والشعبى وقتادة هو واجب لظاهر الامر بذلك وقال مالك ليس بواجب فان رددت فقل عليكم وقال بعضهم يقول فى الرد علاك السلام اى ارتفع عنك وقال بعضم المالكية يقول فى الرد السلام عليك بكسر السين يعنى الحجارة { ويقولون فى انفسهم } اى فميا بينهم ا ذا خرجوا من عندك { لولا يعذبنا بما نقول } لولا تحضيضية بمعنى هلا اى هلا يعذبنا اللّه ويغضب علينا ويقهرنا بجرآءتنا على الدعاء بالشر على محمد لو كان نبيا حقا { حسبهم } بس است ايشانرا { جهنم } عذابا مبتدأ وخبر أى محسبهم وكافيهم جهنم فى التعذيب من أحسبه اذا كفاه { يصلونها } يدخلونها ويقاسون حر هالا محالة وان لم يعجل تعذيبهم لحكمة والمراد الاستهزآء بهم والاستخفاف بشأنهم لكفرهم وعدم ايمانهم { فبئس المصير } اى جهنم قال فى برهان القرءآن الفاء لما فيه من معنى التعقيب اى فبس المصير ماصاروا اليه وهو جهنم انتهى قال بعض المفسرين وقوله ذلك من جلمة ماعفلوا عما عندهم من العلم فانهم كانوا اهل كتاب يعلمون ان بعض الانبياء قد عصاه امته وآذوه ولم يعجل تعذيبهم لحكمة ومصلحة علمها عند اللّه تعالى نتهى ، ثم ان اللّه يستجيب دعاء رسول اللّه عليه السلام كما روى ان عائشة رضى اللّه عنها سمعت قول اليهود فقالت علكيم السام والذام واللعن فقال عليه السلام ( ياعائشة ارفقى فان اللّه يحب الرفق فى كل شىء ولا يحب الفحش والتفحش الا سمعت ومارددت عليهم فقلت عليكم فيستجاب لى فيه ) وقس عليه حال الورثة الكاملين فان أنفاسهم مؤثرة فمن تعرض لواجد منهم بالسوء فقد تعرض لسوء نفسه وفى البستان كزيرى بجاهى در افتاده بود ... كه از هول او شير نرماده بود همه شب زفرياد وزارى نخفت ... يكى برسرش كوفت سنكى وكفت توهر كز رسيدى بفرياد كس ... كه ميخواهى امروز فريادرس كه بر جان ريشت نهد مرهمى ... كه جانها بنالد زدستت همى تومارا همى جاه كندى براه ... بسر لاجرم بر فتادى بجاه ٩ { يا أيها الذين آمنوا } بألسنتهم وقلوبهم { اذا تناجيتم } جون راز كوبيد بايكديكر ، يعنى فى انديتكم وخلواتكم { فلا تتناجوا بالاثم والعدون } كما يفعله المنافقون واليهود { وتناجوا بالبر والتقوى } اى بما يتضمن خبر المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول قال سهل رحمه اللّه بذكر اللّه وقرآءة القرءآن والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر { واتقوا اللّه الذى اليه تحشرون } وحده لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فيجازيكم بكل ماتأتون وما تذرون ، يعنى بسوى او جمع كرده خواهيد شد بس از موت ، دلت الآية على ان التناجى ليس بمنهى عنه مطلقا بل مأمور به فى بعض الوجوه ايجابا او استحبابا واباحة على مقتضى المقام ان قيل كيف يأمر اللّه بالاتقاء عنه وهو المولى الرحيم والقرب منه الذ المطالب والانس به اقصى المآرب فالتقوى توجب الاجتناب والحشر اليه يستدعى الاقبال اليه يجاب بأن فى الكلام مضافا اذا التقدير اتقوا عذاب اللّه او قهر اللّه او غيرها فان قيل ان العبد لو قدر على الخلاص من العذاب والقهر لأسرع اليه لكنه ليس بقادر عليه كما قال تعالى { ان يمسك اللّه بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله } والامر انما يكون بالمقدور { لايكلف اللّه نفسا الا وسعها } أجيب بأن المراد الاتقاء عن السبب من الذنوب المعاصى الصادرة عن العبد العاصى فالمراد واتقوا مايفضى الى عذاب اللّه ويقتضى قهره فى الدارين من الاثم والعدوان ومعصية الرسول التى هى السبب الموجب لذلك فالمراد النهى عن مباشرة الاسباب والامر بالاجتناب عها ان قيل ان ذلك الاتقاء انما يكون بتوفيق اللّه له فان وفق العبد له فلا حاجة الى الامر به وان لم يوفقه فلا قدرة له عليه والامر انما يحسن فى المقدور أجيب بأنه تعالى علمه الحق اولا ووهب له اردة جزئية يقدر بها على اخيتار شىء فله الاختيار السابق على ارادة اللّه تعالى ووجود الاختيار فى الفاعل المختار امر يطلع عليه كل احد حتى الصبيان ١٠ { انما النجوى } المعهودة التى هى التناجى بالاثم والعدوان بقرينة ليحزن { من الشيطان } لامن غيره فانه المزين لها والحامل عليها فكأنها منه { ليحزن الذين آمنوا } خبر آخر من الحزن بالضم بعده السكون متعد من الباب الاول لا من الحزن بفتحتين لازما من الرابع كقوله تعالى { ياعباد لاخوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } فيكون الموصول مفعوله وفى القاموس الحزن بالضم ويحرك الهم والجمع احزان وحزن كفرح وحزنه الامر حزنان بالضم وأحزنه جعله حزينا وحزنه جعل فيه حزنا وقال الراغب الحزن والحزن خشونة فى الارض وخشونة فى النفس لما يحصل فيها من الغم ويضاده الفرح ولاعتبار الخشونة بالغم قيل خشنت بصدره اذا احزنته والمعنى انما هى ليجعل الشيطان المؤمنين محزنين بتوهمهم انها فى نكبة أصابهم فى سيرتهم يعنى ان غزاتهم غلبوا وان أقاربهم قتلوا متألمين بذلك فاترين فى تدبير الغزو الى غير ذلك مايشوش قلوب المؤمنين وفى الحديث ( اذا كنتم ثلاث فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فان ذلك يحزنه ) { وليس } اى الشيطان او التناجى { بضارهم } بالذى يضر المؤمنين { الا باذن اللّه } اى بمشيئته وارادته اى ما أراده من حزن او وسوسة كما روى ان فاطمة رضى اللّه عنها رأت كأن الحسن والحسين رضى اللّه عنهما أكلا من أطيب جزور بعثه رسول اللّه اليهما فماتا فلما غدت سألته عليه السلام وسأل هو جبريل ملك الرؤيا فقال لاعلم لى به فعلم انه من الشيطان وفى الكشاف الا باذاللّه اى بمشيئته وهو أن يقضى الموت على أقاربهم او الغلبة على الغزاة قال فى الاسئلة المقحمة اين ضرر الحزن قلت ان الحزن اذا سلمت عاقبته لايكون حزنا فى الحقيقة وهذه نكتة اصولية اذ الضرر اذا كانت عاقبته الثواب لايكون ضررا فى الحقيقة والنفع اذا كانت عاقبته العذاب لايكون نفعا فى الحقيقة { وعلى اللّه } خاصة { فليتوكل المؤمنون } ليفوضوا امورهم اليه وليثقوا به ولا يبالوا بنجواهم فانه تعالى يعصمهم من شرها وضررها ، ذكر بما سخن خصم تندخوى مكوى كه اهل مجلس مارا ازان حسابى نيست وفى الآية اشارة الى أن الشيطان يناجى النفس الامارة ويزين لها المعارضات ونحوها ليقع القلب والروح فى الحزن والاضطراب وضيق الصدر ويتقاعد ان من شؤم المعارضة عن السير والطير فى عالم الملكوت ويحرمان من مناجاة اللّه والطبيعة والشيطان لانها ظلمانية وان كل موافقة فهى فى القلب والروح والسر لانها نورانية الا أن يغلب عليها ظلمة اهل الظلمة وتختفى انوارها تحت تلك الظلمة اختفاء نور الشمس تحت ظلمة السحاب الكثيف فليكن العبد على المعالجة دآئما لكن ينبغى له التوكل التام فان المؤثر فى كل شىء هو اللّه تعالى ١١ { يا ايها الذين آمنوا } يعنى المخلصين { اذا قيل لكم } من اى قائل كان من الاخوان { تفسحوا } التفسح جاى فراخ كردن وفراخ نشتن در مجلس ، وكذا الفسح لكن التفسح يعدى بفى والفسح باللام اى توسعوا ليفسح بعضكم عن بعض ولا تتضاموا من قولهم افسح اعنى اى تنح وأنت فى فسحة من دينك اى فى وسعة ورخصة وفلان فسيح الخلق اى واسع الخلق { المجالس } قال فى الارشاد متعلق بقيل. يقول الفقير الظاهر انه متعلق بقوله { تفسحوا } لأن البيهقى صرح فى تاج المصادر بان التفسح يعدى بفى على ما أشرنا اليه آنفا { فافسحوا } بس جاى كشاده كنيد بر مردم { يفسح اللّه لكم } اى فى كل ماتريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغيرها فان الجزآء من جنس العمل والآية عامة فى كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر سوىء كان مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكانوا يتضامون تنافسا فى القرب منه عليه السلام وحرصا على استماع كلامه او مجلس حرب وكانوا يتضامون فى مراكز الغزاة ويأتى الرجل الصف ويقول تفسحوا ويأبون لحرصهم على الشهادة او مجلس ذكر او مجلس يوم الجمعة وان كل واحد وان كان أحق بمكان الذى سبق السبق اليه لكنه يوسع لاخيه مالم يتأذ لذلك فيخرجه الضيق من موضعه وفى الحديث ( لايقيمن احدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا ) وفى رواية ( لايقيمن احدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا ) وقيل ان رجلا من الفقرآء دخل المسجد وأراد أن يجلس بجنب واحد من الاغنياء فلما قرب منه قبض الغنى اليه ثوبه فرأى رسول اللّه عليه السلام ذلك فقال للغنى ( أخشيت أن يعديه غناك ويعديك فقره ) وفيه حث على التواضع والجلوس مع الفقرآء والتوسعة لهم فى المجالس وان كانوا شعثا غبرا { واذا قيل انشزوا } يقال نشز الرجل اذا نهض وارتفع فى المكان نشزا والنشز كالفلس وكذا النشز بفتحتين المكان المرتفع من الارض ونشز فلان اذا قصد نشزا ومنه فلان عن مقره وقلب ناشز ارتفع عن مكانه رعبا والمعنى واذا قيل لكم قوموا للتوسعة على المقبلين اى من جاء بعدكم { فانشزوا } فارتفعوا وقوموا يعنى اذا كثرت المزاحمة وكانت بحيث لاتحصل التوسعة بتنحى احد الشخصين عن الآخرة حال قعود الجماعة وقيل قوموا جميعا تفسحوا حال القيام فانشزوا ولاتثاقلوا عن القيام او اذا قيل لكم قوموا عن مواضعكم فانتقلوا منها الى موضع آخر لضرورة داعية اليه اطيعوا من أمركم به وقوموا عن مجالسكم وتوسعوا لهم فقال عليه السلام ( قم يافلان ويافلان ) فأقام من المجلس بعدد المقبلين من اهل بدر فتغامز به المنافقون أنه ليس من العدل أن يقيم أحدا من مجلسه وشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف رسول اللّه عليه السلام الكراهية فى وجوههم فانزل اللّه الاية فالقائل هو الرسول عليه السلام ويقال واذا قيل انشزوا اى انهضوا عن مجلس رسول اللّه اذا امرتم بالنهوض عنه فانهضوا ولا تملوا رسول لله بالارتكان فيه او انهضوا ال الصلاة او الى الجهاد او الشهادة أو غير ذلك من اعمال الخير فانهضوا ولا تتنبطوا ولا تفرطوا فالقائل يعم الرسول وغيره { يرفع اللّه الذين آمنوا منكم } جواب للامر اى من فعل ذلك طاعة للامر وتوسعة للاخوان يرفعهم اللّه بالنصر وحسن الذكر فى الدنيا والايوآء الىغرف الجنان فى الآخرة لان من تواضع رفعه اللّه ومن تكبر وضعه فالمراد الرفعة المطلقة الشاملة للرفعة الصورية والمعنوية { والذين اوتوا العلم } اى ويرفع العلماء منهم خاصة فهو من عطف الخاص على العلم للدلالة على علو شأنهم وسمو مكانهم حتى كانهم جنس آخر { درجات } اى طبقات عالية ومراتب مرتفعة بسبب ماجمعوا من العلم والعمل لعلو درجته يقتضى للعمل المقرون به مزيد رفعة لايدرك شاؤه العمل الغارى عنه وان كان فى غاية الصلاح ولذا يقتدى بالعالم فى افعاله ولا يقتدى بغيره فعلم من هذا التقرير انه لاشركة للمعطوف عليه فى الدرجات كما قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ثم الكلام عند قوله منكم وينتصب الذين اوتوا العلم بفعل مضمر اى ويرفعهم درجات وانتصاب درجات اما على اسقاط الخافض اى الى درجات او على المصدرية اى رفع درجات فحذف المضاف او على الحالية من الموصول اى ذوى درجات { واللّه بما تعملون } اى بعملكم او بالذى تعملونه { خبير } علام لايخفى عليه شىء منه لاذاته جنسا او نوعا ولا كفيفة اخلاصا او نفاقا او رياء او سمعة ولا كمية قلة او كثرة فهو خبير بتفسحكم ونشزكم ونيتكم فيهما فلا تضيع عند اللّه وجعله بعضهم تهديدا لمن لم يمتثيل بالامر او استكرهه فلا بد من التفسح والطاعة وطلب العلم الشريف ويعلم من الآية سر تقدم العالم على غيره فى المجالس والمحاضر لان اللّه تعالى قجمه واعلاه حيث جعل درجاته عالية وفى الحديث ( فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ) اى فضل العالم الباقى باللّه على العابد الفانى فى اللّه كما فى التأويلات النجمية وقال فى عين المعانى المراد علم المكاشفة فى ماورد فضل العالم على العابد كفضلى على امتى اذ غيره وهو علم المعاملة تبع للعمل لثبوته شرطا له اذا لعلم انما يتعد به اذا كان مقرونا بعلم المعاملة قال بعضهم المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدرو ولا يقطع المسافة علم جندانكه بيشترتى خوانى ... جون عمل درتونيست نادانى وحي يمدح العلم فالمراد به العلم المقرون بالعمل رفعت آدمى بعلم بود ... هر كرا علم بيش رفعت بيش قيمت هركسى بدانش اوست ... سازدافزسون بعلم قيمت خويش ( وقال بعضهم ) مرابتجربه معلوم كشت آخر حال ... كه عزمرد بعلم است وعز علم بمال وعن بعض الحكماء ليت شعرى اى شىء ادرك من فاته العلم واى شىء فات من ادرك العلم وكل علم لم يوطد بعمل فالى ذل يصير وعن الزهرى رضى اللّه عنه العلم ذكر فلا يحبه الا ذكروه الرجال قال مقاتل اذا انتهى المؤمن الى باب الجنة يقال له لست بعالم ادخل الجنة بعملك ويقال للعالم قف على باب الجنة واشفع للناس وعن أبى الدردآء رضى اللعنه عنه قال لأن أعلم مسألة احب الى من أن أصلى مائة ركعة ولأن أعلم مسألة أحب الى من أن أصلى ألف ركعة قال ابو هريرة وابو ذر رضى اللّه عنهما سمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول ( اذا جاء الموت طالب العلم على هذه الحال مات وهو شهيد ) واعلم ان جميع الدرجات اما باعتبار تعدد اصحابها فان لكل عالم ربانى درجة عالية او باعتبار تعددها لقوله عليه السلام ( بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجة حضر الجواد المضمر سبعين سنة الحضر ) بضم الحاء المهملة ارتفاع الفرس فى عدوه والجواد الفرس السريع السير وتضمير الفرس ان تعلفه حتى سمن ثم ترده الى القوت وذلك فى اربعين يوما والمضمار الموضع يضمر فيه الخيل وغاية الفرس فى السباق ١٢ { ياأيها الذين آمنوا } بالايمان الخالص { اذا ناجيتم الرسول } المناجاة باكسى راز كفتن ، اى اذا كلمتموه سرا فى بعض شؤونكم المهمة الداعية الى مناجاته عليه السلام ومكالمته سرا بالفارسية جون خواهيدكه راز كوييد بارسول وفى بعض التفاسير اذا كالمتموه سرا استفسار لحال مايرى لكم من الرؤيا ففيه ارشاد للمقتدين الى عرضها على المقتدى بهم ليعبروها لهم ومن ذلك عظم اعتبار الواقعات وتعبيرها بين ارباب السلوك حتى قيل ان على المريد أن يعرض واقعته على شيخه سوآء عبر الشيخ او لم يعبر فان اللّه تعالى قال { ان اللّه يأمركم أن تودوا الامانات الى اهلها } وهى من جملة الامانة عند المريد لابد ان يؤديها الى الشيخ لما فيها من فائدة جليلة له وقوة لسلوكه وفى التعبير أثر قوى على ماقال عليه السلام ( الرؤيا على ماولت ) { فقدموا بين يدى نجواكم صدقة } اى فتصدقوا قبلها على المستحق كقول عمر رضى اللّه عنه افضل ماوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل امام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته فهو مستعار ممن له يدان على سبيل التخييل فقوله نجواكم استعارة بالكناية وبين يدى تخييلية وفى بعض التفاسير اذا أردتم عرض رؤياكم عليه ليعبرها لكم فتصدقوا قبل ذلك بشىء ليكون ذلك قوة لكم ونفعا فى اموركم والآية نزلت حين اكثر الناس عليه السؤال حتى اسأموه واملوه فأمرهم اللّه بتقديم الصدقة عند المناجاة فكف كثير من الناس اما الفير فعلسرته واما الغنى فلشحه وفى هذا الامر تعظيم الرسول ونفع الفقرآء والزجر عن الافراط فى السؤال والتمييز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا واختلف فى انه لنلدب او للوجوب لكنه نسخ بقوله تعالى { ءاشفقتم } الآية وهو وان كان متصلا به تلاوة لكنه متراخ عنه نزولا على ماهو شأن الناسخ واختلف فى مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ فقيل كان ساعة من النهار والظاهر انه عشر ايام لما روى عن على رضى اللّه عنه انه قال ان فى كتاب اللّه لآية ماعمل بها احد قبلى ولا يعمل بها احد بعدى كان لى دينار فصرفته وفى رواية فاشتريت به عشرة دراهم فكنت اذا ناجيته عليه السلام تصديقت بدرهم يعنى كنت اقدم بين يدى نجواى كل يوم درهما الى عشرة ايام و اسأله خصلة من الخصال الحسنة كا قال الكلبى تصدق به فى عشر كلمات سألهن رسول اللّه عليه السلام وهو على القول بالوجوب محمول على انه لم يتفق للاغنياء مناجاة فى مدته وهى عشرة ايام فى بعض الروايات اما لعدم المحوج اليها والاشفاق وعلى التقديرين لايلزم مخالفة الامر وان كان للاشفاق وفى بعض التفاسير ولا يظن ظان ان عدم عمل غيره من الصحابة رضى اللّه عنهم بهذا لعدم الاقدام على التصدق كلا كيف ومن المشهور صدقة أبى بكر وعثمان رضى اللّه عنهما بألوف من الدراهم والدنانير مرة واحدة فهلا يقدم هذا شأنه على تصدق دينار او دينارين وكذا غيرهما فلعله لم يقع حال اقتضت النجوى حينئذ وهذا لاينافى الجلوس فى مجلسه المبارك والتكلم معه لمصلحة دينية او دنيوية بدون النجوى اذا المناجاة تكلم خاص وعدم الخاص لايقتضى عدم العام كما لايخفى وعن على رضى اللّه عنه قال لما نزلت الآية دعانى رسول اللّه فقال ( ماتقول فى دينار ) قلت لايطيقونه قال ( فنصف دينار ) قلت لايطيقونه قال ( فكم ) قلت حبة او شعيرة قال ( انك لزهيد ) اى رجل قليل المال لزهدك فيه فقدرت على حالك ومافى بالك من الشفقة على المؤمنين وقوله حبة او شعيرة اى مقدارها من ذهب وعن ابن عمر رضى اللّه عنه كان لعلى رضى اللّه عنه ثلاث لو كانت لى واحدة منهم كانت أحب الى من حمر النعم تزويجه فاطمة رضى اللّه عنها واعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى قوله حمر النعم بسكون ميم الحمر وهى من انفس اموال العرب يضربون بها المثل فى نفاسة الشىء وانه ليس هناك اعظم منه قال بعضهم ان رسم النثارات للملوك والرؤساء مأخوذ من أدب اللّه تعالى فى شأن رسوله حيث قال { ياأيها الذين أمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة } { ذلك } التصدق { خير لكم } أيها المؤمنون من امساكه وبالفارسية بهترست مرشمارا زيراكه طاعت بيفزايد { وأطهر } لانفسكم من دنس الريبة ودرن البخل الناشىء من حب المال الذى هو من اعظم حب الدنيا وهو رأس كل خطيئة وبالفارسية وياه كيزه تر براى آنكه كناهان محو كند ، وهذا يشعر بالندب لكن قوله تعالى { فان لم تجدوا فان اللّه غفور رحيم } منبىء عن الوجوب لانه ترخيص لمن لم يجد فى المناجاة بلا تصدق والمعنى بالفارسية بس اكر نيابيد جيزى كه صدقه دهيد بس خداى تعالى آمر زنده است مركسى راكه اين كناه كند مهر بانست بنده راكه تكليف مالا يطاق ننمايد. قال بعض اهل الاشارة ان اللّه تعالى أدب اهل الارادة بهذه الآية أن لايناجوا شيوخهم فى تفسير الالهام واستفهام علم المكاشفة والاسرار الا بعد بذل وجودهم لهم والايمان بهم بشرط المحبة والارادة فان الصحة بهذه الصفة خير لقلوبهم واطهر لنوفسهم فان ضعفوا عن بعض القيام بحقوقهم ومعهم الايمان والارادة وعلموا قصورهم فى الحقيقة فان اللّه تعالى يتجاوز عن ذلك التقصير وهو رحيم بهم يبلغهم الى درجة الاكابر ( قال المولى الجامى ) جه سود اى شيخ هرساعت فزون خر من طاعت ... جونتوانى كه يك جواز وجود خويشتن كانى ... ١٣ { أأشقتهم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات } الاشفاق الخوف من المكروه ومعنى الاستفهام التقرير كان بعضهم ترك المناجاة للاشفاق ولا مخالفة للامر وجمع صدقات لجمع المخاطبين قال فى بعض التفاسير أفرد الصدقة اولا لكفاية شىء منها وجمع ثانيا نظرا الى كثرة التناجى والمناجى والمعنى اخفتم الفقر يا أهل الغنى من تقديم الصدقات فيكون المفعول محذوفا للاختصار وأن تقدموا فى تقدير لان تقدموا أو أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر قال الشاعر هو عليك ولا تولع باشفاق ... فانما مالنا للوارث الباقى { فاذا لم تفعلوا } ما أمرتم به وشق عليكم ذلك وبالفارسية بس جون نكر ديد اين كاررا { وتاب اللّه عليكم } بأن رخص لكم فى أن لاتفعلوه وأسقط عنكم تقديم الصدقة وذلك لانه لاودجه لحملها على قبول التوبة حقيقة اذ لم يقع منهم التقصير فى حق هذا الحكم بأن وقعت المناجاة بلا تصدق وفيه اشعار بأن أشفاقهم ذنب تجاوز اللّه عنه لما رأى منهم من الانفعال ماقام مقام توبتهم واذ على بابها يعنى الظرفية والمضى بمعنى انكم تركتم ذلك فيما مضى وتجاوز اللّه عنكم بفضله فتداركوه بما تؤمرون به بعد هذا وقيل بمعنى اذا للمستقيل كما فى قوله { اذا الاغلال فى اعناقهم } او بمعنى ان الشرطية وهو قريب مما قبله الا ان ان يستعمل فيما يحتمل وقوعه واللا وقوعه { فاقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } مسبب عن قوله { فاذا لم تفعلوا } اى فاذ فرطتم فيما أمرتم به من تقديم الصدقات فتداركوه بالمواظبة على اقامة الصلاة وايتاء الزكاة المفروضة { واطيعوا اللّه ورسوله } فى سائر الاوامر فان القيام بها كالجابر لما وقع فى ذلك من التفريط وهوتعميم بعد التخصيص لتتميم النفع { واللّه خبير بما تعملون } عالم بالذى تعملون من الاعمال الظاهرة والباطنة لايخفى عليه خافية فيجازيكم عليه فاعملوا ماأمركم به ابتغاء لمرضاته لالرياء وسمعة وتضرعوا اليه خوفا من عقوباته خصوصا بالجماعة يوم الجمعة ومن الادعية النبوية ( اللهم طهر قلبى من النفاق وعلم الرياء ولسانى من الكذب وعينى من الخيانة انك تعلم خائنة الاعين ما تخفى الصدور ) وفى تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر من بين العبادات المرادة بالامر بالطاعة العامة اشرة الى علو شانهما واناقة قدرهما فان الصلاة رئيس الاعمال البدنية جامعة لجميع انواع العبادات من القيام والركوع والسجود والقعود ومن التعوذ والبسملة والقرآءة والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على النبى عليه السلام من الدعاء الذى هو مخ العبادة ومن ذلك سميت صلاة وهى الدعاء لغة فهىعبادة من عبداللّه تعالى بها فهو محفوظ بعبادة العابدين من اهل السموات والارضين ومن تركها فهو محروم منها فطوبى لأهل الصلاة وويل لتاركها وان الزكاة هى ام الاعمال المالية بها يطهر القلب من دنس البخل والمال من خبث الحرمة فعلى هذا هى بمعنى الطهارة وبها ينمو المال فى الدنيا بنفسه لانه يمحق اللّه الربا ويربى الصدقات وفى الآخرة بأجره لانه تعالى يضاعف لمن يشاء وفى الحديث ( من تصدق بقدر تمرة من كسب حلال ولا يقبل اللّه الا الطيب فان اللّه يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى احدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل ) فعلى هذا هى من الزكاة بمعنى النماء اى الزيادة وفى البستان بدنا توانى كه عقبى خرى ... يخرجان من ورنه حسرت خورى زر ونعمت آيدكسى رابكار ... كه ديوان عقبى كند زر نكار ١٤ { الم تر } تعجيب من حال المنافقين الذين يتخذون اليهود اولياء ويناصحونهم وينقلون ايهم اسرار المؤمنين والخطاب للرسول عليه السلام او لكل من يسمع ويعقل وتعدية الرؤية بالى لكونها بمعنى النظر اى ألم تنظر يعنى أيا نمى نركى { الى الذين تولوا } من التولى بمعنى الموالاة الا بمعنى الاعراض اى والوا يعنى دوست كرفتند { قوما غضب اللّه عليهم } وهم اليهود كما انبأ عنه قوله تعالى { من لعنه اللّه وغضب عليه } والغضب حركة للنفس مبدأها ارادة الانتقام وهو بالنسبة اليه تعالى نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الأخذ الأليم والبطش الشديد او هتك الاسرار والتعذيب بالنار او تغيير النعمة { ماهم } اى الذين تولوا { منكم } فى الحقيقة { ولا منهم } اى من القوم المغضوب عليهم لانهم منافقون مذبذبون بين ذلك لهم وان كانوا كفارا فى الواقع لكنهم ليسوا من اليهود حالا لعدم اعتقادهم بما اعتقدوا وعدم وفائهم لهم ومالآ لان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار والجملة مستأنفة { ويحلفون على الكذب } الحلف العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة والحلف اصله اليمين التى يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ثم عبر به عن كل يمين اى يقولون واللّه انا لمسلمون فالكذب المحلوف عليه هو ادعاء الاسلام وهو عطف على تولوا وادخل فى حكم التعجيب وصيغة المضارع للدلالة على تكرر الحلف وتجدده حسب تكرر مايقتضيه { وهم يعلمون } ان المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس وهو الحلف على فعل او ترك ماض كاذبا عمدا سمى بالغموس لانه يغمس صاحبه فى الاثم ثم فى النار ولم يجعل حلفهم غموسا لان الغموس حلف على الماضى وحلفهم هذا على الحال والجملة حال من فاعل يحلفون مقيدة لكمال شناعة مافعلوا فان الحلف على مايعلم انه كذب فى اماية القبح وفى هذه التقييد دلالة على ان الكذب يعم مايعلم المخبر عدم مطابقته للواقع ومالا يعلمه فيكون حجة على النظام والجاحظ ( وروى ) انه عليه السلام كان فى حجرة من حجراته فقال ( يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان ) فدخل عبداللّه بن نبتل المنافق بتقديم النون على الباء الموحدة كجعفر وكان ازرق فقال له عليه السلام ( لم تشتمنى أنت وأصحابك ) فحلف باللّه مافعل فقال عليه السلام ( فعلت ) فانطلق بأصحابه فحلفوا باللّه ماسبوه فنزلت فالكذب المحلوف عليه على هذه الرواية هو عدم شتمهم ١٥ { اعد اللّه لهم } بسبب ذلك { عذابا شديدا } دردنيا بخوارى ورسوايى ودر آخرت بآتش دوزخ والمراد نوع من العذاب عظيم فالنوعية مستفادة من تنكير عذابا والعظيم من توصيفة بالشدة { انهم ساء ما كانوا يعملون } اى تمرنوا عليه واصروا وتمرنهم اى اعتيادهم واستمرار على مثل ماعملوه فى الحال من العمل السوء مستفاد من كان الدالة على الزمان الماضى اى العمل السىء دأبهم ١٦ { اتخذوا أيمانهم } الفاجرة التى يحلفون بها عند الحاجة واليمن فى الحلف مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المحالف والمعاهد عنده { جنة } وهى الترس الذى يجن صاحبه اى يستره والمعنى وقاية وسترة يسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم ونهب أموالهم ، يعنى بناهاى كه خون ومال ايشان درامان ماند ، فالاتخاذ عبارة عن اعدادهم لايمانهم الكاذبة وتهيئتهم الها الى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لاعن استعمالها بالفعل فان ذلك متأخر عن المؤآخذة المسبوقة بوقوع الجناية والخيانة واتخاذ الجنة لابد أن يكون قبل المؤآخذة وعن سببها ايضا كما تعرب عنه الفاء فى قوله { فصدوا } اى منعوا الناس وصرفوهم { عن سبيل اللّه } اى عن دينه فى خلال أمنهم وسلامتهم وتثبيط من لقوا عن الدخول فى الاسلام وتضعيف أمر المسلمين عندهم { فلهم } بسبب كفرهم وصدهم { عذاب مهين } مخزى بين اهل المحشر وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الاول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة ١٧ { لن تغنى عنهم اموالهم ولا أولادهم من اللّه } اى من عذابه تعالى { شيأ } قليلا من الاغناء يقال أغنى عنه كذا اذا كفاء يعنى انهم يحلفون كاذبين للوقاية المذكورة ولا تنفعهم اذا دخلوا النار أموالهم ولا اولادهم التى صانوها وافتخروا بها فى الدنيا او يقولون ان كان مايقول محمد حقا لندفعن العذاب عن أنفسنا بامولنا وأولادنا فأكذبهم اللّه بهذه الآية فان يوم القيامة يوم لاينفع فيه مال ولابنون ولايكفى أحد احدا فى شأن من الشؤون { اولئك } الموصوفون بما ذكر من الصفات القبيحة قال فى برهان القرءآن بغير واو موافقة للجمل التى قبلها ولقوله { اولئك حزب اللّه } { اصحاب النار } اى ملازموها ومقارنوها او مالكوها لكونها حاصلهم وكسبهم الذى اكتسبوه فى الدنيا بالسيئة المردية المؤدية الى التعذيب { هم فيها خالدون } لايخرجون منها ابدا وضميرهم لتقوية الاسناد ورعاية الفاصلة لا للحصر لخلود غير المنافقين فيها من الكفار ١٨ { يوم يبعثهم اللّه جميعا } يادكن روزى راكه برانكيزد خداى تعالى همه منافقان ازقبور وزنده كند بس ازمرك ، وجميعا حال من ضمير المفعول بمعنى مجموعين { فيحلفون } فى ذلك اليوم وهو يوم القيامة { له } اى اللّه تعالى على انهم مسلمون مخلصون كما قالوا { واللّه ربنا ماكنا مشركين } { كما يحلفون لكم } فى الدنيا { ويحسبون } فى الآخرة مصدره الحسبان وهو أن يحكم لاحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الاصبع ويكون بعرض أن يعترية فيه شك ويقاربه الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب احدهما الآخر { انهم } بتلك الأيمان الكاذبة { على شىء } من جلب منفعة او دفع مضرة كما كانوا عليه فى الدنيا حيث كانوا يدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم ويستجرون بها فوآئد دنيوية { الا انهم هم الكاذبون } المبالغون فى الكذب الى غاية لامطمح ورآءها حيث تجاسروا على الكذب بين يدى علام الغيوب وزعموا أن أيمانهم الفاجرة ترويج الكذب لديه كما تروجه عند الغافلين والأحرف تنبيه والمراد التنبيه على توغلهم فى النفاق وتعودهم به بحيث لاينكفون عنه موتا ولا حياة ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه وانهم لكاذبون ١٩ { استحوذ عليهم الشيطان } من حذت الابل اذا استوليت عليها وجمعتها وسقثها سوقا عنيفا اى استولى عليهم الشيطان وملكهم لطاعتهم له فى كل مايريد منهم حتى جعلهم رعيته وحزبه وهو مما جاء على الاصل كاستصوب واستنوق اى على خلاف قياس فان القياس أن يقال استحاذ فهو فصيح استعمالا وشاذ قياسا ( وحكى ) ان عمر رضى اللّه عنه قرأ استحاذ { فأسناهم ذكر اللّه } المصدر مضاف الى المفعول اى كان سببا بالاستيلا ء لنسيانه تعالى فلم يذكره بقلوبهم ولا بألسنتهم { اولئك } المنافقون الموصوفون بما ذكر من القبائح { حزب الشيطان } اى جنوده واتباعه الساعون فيما أمرهم به والحزب الفريق الذى يجمعه مذهب واحد { الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون } اى الموصوفون بالخسران الذى لاغاية ورآءه حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم قال بعض المشايخ بوأه اللّه الدرجات الشوامخ علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والملابس ويشغل قلبه عن التفكر فى ألاء اللّه ونعمه عليه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب واللغو والغيبة والبهتان وسمعه عن الحق بسماع اللهو والهذيان قال بعض أهل الاشارة اذا اراد الشيطان أن ينبت فى سبخة ارض النفس الامارة حنظل الشهوة يثبت اليها ويغربها على انفاذ مرادها فتكون النفس مركبة فيهجم الى بلد القلب ويخرجه بأن يدخل فيه ظلمة الطبيعة فلا ترى عين القلب مسلك الذكر وصفاته فلما احتجب عن الذكر صار وطن ابليس وجنوده وغلب الملعون عليه وهذا يكون بارادة اللّه تعالى وسببه استحواذ غرور الملعون وتزيينه بأن يلبس امر الدين بأمر الدنيا ويغوبه من طريق العلم فاذا لم يعرف دقائقه صار قرينه والشيطان دون الملك والرحمن اذلا يجتمع الحق مع الباطل نظر دوست نادر كند سوى تو ... جو در روى دشمن بود روى تو ندافى كه كمتر نهد دوست باى ... جو بيند كه دشمن بود درسراى ٢٠ { ان الذين يحادون اللّه ورسوله } اى يعادونهما ويخالفون أمرهما ويتعدون حدودهما ويفعلون معهما فعل من ينازع اخر فى ارض فيغلب على طائفة منها فيجعل لها حدا لايتعداه خصمه ولما كانوا لايفعلون ذلك الا لكثرة اعوانهم واتباعهم فيظن من رأهم انهم الآعزآء الذين لا أحد أعز منهم قال تعالى نافيا لهذا الغرور الظاهر { اولئك } الا باعد والاسافل بمافعلوا من المحادة { فى الاذلين } اى فى جملة من هو اذل خلق اللّه من الاولين والآخرين لاترى أحدا أذل منهم لان ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة اللّه متناهية كانت ذلة من يحاده كذلك وذلك بالسبى والقتل فى الدنيا وعذاب النار فى الىرخة سوآء كانوا فارس والروم او اعظم منهم سوقة كانوا او ملوكا كفرة كانوا او فسقه ٢١ { كتب اللّه } استنئاف وارد لتعليل كونهم فى الاذلين اى قضى وأثبت فى اللوح وحيث جرى ذلك مجرى القسم أجيب بما يجاب به { لاغلبن انا ورسولى } اكده لما لهم من ظن الغلبة بالكثرة والقوة والمراد والغلبة بالحجة والسيف او بأحد هما والغلبة بالحجة ثابتة لجميع الرسل لانهم الفائزون بالعاقبة الحميدة فى الدنيا والآخرة واما الغلبة بالسيف فهى ليست بثابته للجميع لان منهم من لم يأمر بالحرب قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة واذا انضم الى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف كان اقوى محالست جون دوست دارد ترا ... كه دردست دشمن كذارد ترا وعن مقاتل انه قال المؤمنون لئن فتح اللّه لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا اللّه تعالى على فارس والروم فقال رئيس المنافقين عبد اللّه بن أبى بن سلول أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التى غلبتم عليه واللّه انهم لاكثر عدد او أشد بطشا من أن تظنوا فيم ذلك فنزل قوله تعالى { كتب اللّه } الآية قال البقلى رحمه اللّه كتب اللّه على نفسه فى الازل ان ينصر اولياءه على اعدآئه من شياطين الظاهر والباطن ويعطيهم رايات نصرة الولاية فحيث تبدوا راياتهم التى هى سطوع نور هيبة الحق من وجوههم صار الاعدآء مغلوبين بتأييد اللّه ونصرته قال أبو بكر بن طاهر رحمه اللّه اهل الحق لهم الغلبة ابدا ورايات لاحق تسبق رايات غيره جميعا لان اللّه تعالى جعلهم اعلاما فى خلقه واوتادا فى ارضه ومفزعا لعباده وعمارة لبلاده فمن قصدهم بسوء كبه اللّه لوجهه واذله فى طاهر عزه { ان اللّه } تعليل للقهر والغلبة اكده لان افعالهم مع اوليائه افعال من يظن ضفعه { قوى } على نصر انبيائه قال بعضهم القوى هو الذى لايلحقه ضعف فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى افعاله ولايمسه نصب ولاتعب ولايدركه قصور ولاعجوز نقض ولا ابرام والقوة فى الاصل عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للعضف ويراد بها القدرة بالنسبة الى اللّه تعالى { عزيز } لايغلب عليه فى مراده حكمى كه آن زباركه كبريا يود ... كس را دران مجال تصرف كجا كبود فان قلت فاذا كان اللّه قويا عزيزا غير عاجز فما وجه انهزام المسلمين فى بعض الاحيان وقد وعد النصرة قلت ان النصرة والغلبة منصب شريف فلا يليق بالكافر لكن اللّه تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار واخرى على المؤمنين لانه لو شدد المحنة على الكفار فى جميع الاوقات وأزالها عن المؤمنين فى جميع الاوقات لحصل العلم الضرورى بأن الايمان حق وما سواه باطل ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط اللّه المحنة على أهل الايمان واخرى على اهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر فى الدلائل الدالة على صحة الاسلام فيعظم ثوابه عند اللّه ولان المؤمن قد يقدم على بعض المعاصى فيكون تشدد المحنة عليه فى الدينا تمحيصا لذنوبه وتطهيرا لقلبه واما تشديد المحنة على الكافر فهو من قبيل الغضب ألا ترى ان الطاعون مثلا رحمة للمؤمنين ورجز للكافرين وما من سابق عدل الا له لاحق فضل ولا سابق فضل الا له حق عدل غير أن اثرى العدل والفضل قد يتعلقان بالبواطن خاصة وقد يتعلق أحدهما بالظاهر والآخرة بالباطن وقد يكون اختلاف تعلقها فى حالة واحدة وقد يكون على البدل وعلى اقدر تعلق الأثر السابق يكون تعلق الأثر اللاحق وقد أجرى ا لله سبحانه آثار عدله على ظواهر أصفيائه دون بواطنهم ثم عقب ذلك بايراد آثار فضله على بواطنهم وظواهرهم حتى صار من قاعدة الحكمة والالهية تفويض مما لك الارض للمستضعفين فيها كالنجاشى حيث بيع فى صغره وذلك كثير موجود باستقرآء فمن كمال تربية الحكيم لمن يريد اعلاء شأنهم أن يجرى على ظاهرهم من آثار العدل مافيه تكميل لهم وتنوير لمداركهم وتطهير لوجودهم وتهذيب وتأديب الى غير ذلك من فوآئد التربية ومن تتبع احوال الاكابر من آدم عليه السلام وهلم جرا رأى من احسن بلاء اللّه مايشهد لما قرر بالصحة والمبتلى به يصبر على ذلك بل يتلذذ كماهو شأن الكبار هرجه از دست توآبد خوش بود ... كرهمه درياى بر آتش بود وفى الآية اشارة الى اعدآء النفوس الكافرة فانها تحمل القلوب والارواح على مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة وتمحو الذكر من ألواحها بغلبة المحبة الدنيا وشهواتها لكن اللّه تعالى ينصرها ويؤيدها حتى تغلب على النفوس الكافرة بسطوات الذكر فيحصل لها غاية الذلة كأهل الذمة فى بلدة المسلمين وذلك لان اللّه تعالى كتب فحائف الاستعدادات غلبتها على النفوس وذلك من باب الفضل والكرم ٢٢ { لاتجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر } الخطاب للنبى عليه السلام او لكل احد وتجدا مامتعد الى اثنين فقوله تعالى { يوادون من حاد اللّه ورسوله } مفعوله الثانى او الى واحد بأن كان بمنى صادف فهو حال من مفعوله لتخصيصه بالصفة وهو يؤمنون والموادة المحابة مفاعله من المودة بمعنى المحبة وهى حالة تكون فى القلب اولا ويظهر آثارها فى القلب ثانيا والمراد بمن حاد اللّه ورسوله المنافقون واليهود والفساق والظلمة والمبتدعة والمراد بنفى الوجدان نفى الموادة على معنى انه لاينبغى أن يتحقق ذلك حقه أن يمتنع ولا يوجد بحال وان جد فى طلبه كل أحد وجعل مالا ينبغى وجوده غير موجود لشركته فى فقد الخير ويجوز أن يقال لاتجد قوما كاملى الايمان على مايدل عليه سياق النظم فعدم الوجدان على حقيقته قال فى كشف الاسرار أخبر أن الايمن يفسد بموادة الكفار وكذا بموادة من حكمهم وعن سهل بن عبداللّه التسترى قدس سره من صحح ايمانه واخلص توحيده فانه لايأنس الى مبتدع ولايجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ولايظهر من نفسه العداوة والبغضاء ومن داهن مبتدعا سلبه اللّه حلاوة السنن ومن تحب الى مبتدع لطلب عز فى الدنيا او عرض منها اذله اللّه بتلك العزة وأفقره اللّه بذلك الغنى ومن ضحك الى مبتدع نزع اللّه نور الايمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب واما المعاملة للمبايعة العادية او للمجاورة او للمرافقة بحيث لاتضر بالدين فليست بمحرمة بل قد تكون مستحبة فى مواضعها قال ابن الشيخ المعنى لايجتمع الايمان مع ودادة اعدآء اللّه فان قيل اجتمعت الامة على أن يجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم فما هذه الموادة المحرمة فالجواب ان الموادة المحرمة هى ارادة منافعه دينا ودنيا مع كونه كافرا وما سوى ذلك جائز ( روى ) عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انه كان يقول ( اللهم لاتجعل لفاجر عندى نعمة فانى وجدت فيما أوحى الى لاتجد قوما ) الخ فعلم منه ان الفساق واهل الظلم داخلون فيمن حاداللّه ورسوله اى خالفهما وعاداهما واستدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم وهم القائلون بنفى كون الخير والشر كله بتقدير اللّه ومشيئته يعنى هم الذين يزعمون ان كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصى بتقدير شاللّه وسموا بذلك لمبالغتهم فى نفيه وكثرة مدافعتهم اياه وقيل لاثباتهم للعبد قدرة الايجاد وليس بشىء لان المناسب حينئذ القدرى بضم القاف { ولو كانوا } اى من حاد اللّه ورسوله وبالفارسية واكرجه باشند از مخالفان خدا ورسول ، والجمع باعتبار معنى من كما انلا الافراد فيما قبله باعتبار لفظها { آباءهم } اى آباء الموادين { او ابناءهم } قدم الاقدم حرمة ثم الاحكم محبة { او اخوانهم } نسبا { او عشيرتهم } العشيرة اهل الرجل الذين يتكثر بهم اى يصيرون بمنزلة العدد الكامل وذلك ان العشرة هو العدد الكامل فصار العشيرة لكل جماعة من أقارب الرجل يتكثر بهم والعشير والمعاشر قريبا او معارفا وفى القاموس عشيرة الرجل بنوا أبيه الادنون او قبيلته انتهى يعنى ان المؤمنين المتصلين فى الدين لايوالون هؤلاء الاقرباء بعد ان كانوا محادين اللّه ورسوله فكيف بغيرهم فان قضية الايمان باللّه ان يهجر الجميع بالكلية بل أن يقتلهم ويقصدهم بالسوء كما روى ان أبا عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر وان عبداللّه بن عبداللّه بن ابى بن سلول جلس الى جنب رسول اللّه عليه السلام فشرب رسول اللّه الماء فقال عبداللّه رضى اللّه عنه يارسول اللّه ابق فضلة من شرابك قال ( فما تصنع بها ) فقال اسقيها أبى لعل اللّه يطهر قلبه ففعل فآتهاها فقال ماهذا قال فضلة من شرا ب رسول اللّه جئتك بها لتشربها لعل اللّه يطهر قلبك فقال له أبوه هلا جئتنى ببول امك فرجع الى النبى عليه السلام فقال يارسول اللّه ائذن لى فى قتل أبى فقال عليه السلام ( بل ترفق به وتحسن اليه ) وان أبا قحافة قبل ان اسلم سب النبى عليه السلام فصكه أبو بكر رضى اللّه عنه صكة اى ضربه ضربة سقط منها فقال عليه عليه السلام ( او فعتله ) قال نعم قال ( فلا تعد اليه ) قال واللّه لو كان السيف قريبا منى لقتلته قال فى التكملة فى هذه الرواية نظر لان هذه السورة مدنية أبو بكر مع أبيه الآن بمكة انتهى. يقول الفقير لعله على قول من قال ان العشر الاولى من هذه السورة مدنى والباقى مكى وان أبا بكر رضى اللّه عنه دعا ابنه عبدالرحمن الى البراز يوم بدر فأمره عليه السلام أن يقعد قال يارسول اللّه دعنى اكن فى الرعلة الاولى وهى القطعة من الفرسان فقال عليه السلام ( متعنا بنفسك ياأبابرك أما تعلم ان بمنزلة سمعى وبصرى ) ، يقول الفقير يعلم منه فضل أبى بكر على على رضى اللّه عنهما فان هذا فوق قوله عليه السلام ( لعلى أنت منى بمنزلة هرون من موسى ) فتفطن لذلك وان مصعبا رضى اللّه عنه قتل أخاه عبدي بن عمير بأحد وان عمر رضى اللّه عنه قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وان عليا وحمزة وعبيد بن الحارث رضى اللّه عنهم قتلوا يوم بدر عتبة وشبية ابنى ربيعة والوليد بن عتبة وكانوا من عشيرتهم وقرابتهم وكل ذلك من باب الغيرة والصلابة كما قال عليه السلام ( الغيرة من الايمان والمنية من النفاق ومن لاغيره له لادين له ) ( وروى ) عن الثورى انه قال كانوا يرون انها نزلت فيمن يصحب السلطان ففيه زجر عن مصاحبتهم وعن عبدالعزيز بن أبى داؤد انه لقيه المنصور فى الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها وفى الحديث ( من مشى خلف ظالم سبع خطوات فقد أجرم ) وقد قال اللّه تعالى { انا من المجرمين منتقمون } { اولئك } اشارة الى الذين لا يوادونهم وان كانوا أقرب الناس اليهم وأمسهم رحما { كتب } اللّه سبحانه { فى قلوبهم الايمان } اى اثبته فيها وهو الايمان الوهبى ا لذى وهبه اللّه لهم قبل خلق الاصلاب والارحام اذ لا يزال بحال ابدا كالايمان المستعار وفيه دلالة على خروج العمل من مفهوم الايمان فان الجزء الثابت فى القلب ثابت فيه قطعا ولا شىء من اعمال الجوارح يثبت فيه وهو حجة ظاهرة على القدرية حيث زعموا أن الايمان والكفر يستقل بعملهما العبد { وأيدهم } اى قواهم واصله قوى يدهم { روح منه } اى من عنداللّه فمن لابتدآء الغاية وهو نور القرءآن او النصر على العدو او نور القلب وهو بادراك حقيقة لحال والرغبة فى الارتقاء الى المدارج الرفيعة الروحانية والخلاص من درك عالم الطبيعة الدنية وكل ذلك سمى روحا لكونه سببا للحياة قال سهل رحمه اللّه حياة الروح بالتأييد وحياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة الذكر بالذاكر وحياة الذاكر بالمذكور { ويدخلهم } فى الآخرة { جنات تجرى من تحتها } اى من تحت اشجارها او قصورها { الانهار } الاربعة يعنى جويها ازاب وشير وخمر وعسل { خالدين فيها } ابد الآباد لايقرب منهم زوال ولا موت ولا مرض ولا فقر كما قال عليه السلام ( ينادى مناد آن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وآن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وآن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وآن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ) { رضى اللّه عنهم } خشنود شد خداى ازايشان بطاعتى كه دردنيا كردند ، وفى الارشاد استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض عليهم من آثار رحمته العاجلة والآجلة والرضى ترك السخط { ورضوا عنه } وخشنود شدند ايشان ازخداى بكرامتى كه وعده كرده ايشانرا درعقبى ، وفى الارشاد بيان لابتهاجهم بما اوتوه عاجلا وآجلا { اولئك حزب اللّه } تشريف لهم ببيان اختصاصهم به عز وجل اى جنده وانصار دينه قال سهل رضى اللّه عنه الحزب الشيعة وهم الابدال وارفع منهم الصديقون { الا ان حزب لله هم المفلحون } الناجون من المكروه والفائزون بالمحبوب دون غيرهم المقابلين لهم من حزب الشيطان المخصوصين بالخذلان والخسران وهو بيان لاختصاصهم بالفوز بسعادة النشأتين وخير الدارين وقال بعض أهل الاشارة حزب اللّه أهل معرفته ومحبته وأهل توحيده هم الفائزون بنصرة اللّه من مهالك القهريات ومصارع الامتحانات وجدوا اللّه باللّه اذا ظهر واحد منهم ينهزم المبطلون ويتفرق المغالطون لان اللّه تعالى أسبل على وجوهم نور هيبته وأعطى لهم اعلام عظمته يفر منهم الاسود ويخضع لهم الشامخات كلأهم اللّه بحسن رعايته ونورهم بسنا قدرته ورفع لهم اذكارهم فى العالمين وعظم اقدارهم وكتم اسرادهم ، واما ثعلبى ازجرجانى كه اوازمشايخ خود شنيده كه داود عليه السلام از حق تعالى برسيد كه حزب توكيست خطاب آمد از حضرت عمزت كه الغاضة ابصارهم والسليمة اكفهم والنقية قلوبهم اولئك حزبى وحول عرشى هركه جشم اواز محارم فروبسته بود ودست او از آزار خلق واخذ حرام كوناه باشد ودل حود ازما سوى باكيزه كرده از جمله حزب حضرت اللّه است ودرين باب كفته اند ازهرجه نار واست بروديدها ببند ... وزهر جه نابسند بود دست بازدار لوح دل ازغبار تعلق بشوى باك ... تابا شدت بحلقه اهل قلوب بار وفى الآية اشارة الى ابوة الروح بالنسبة الى السر والخفى والقلب والنفس والهوى وصفاتها لولادة الكل عن مادة ازدواج الروح مع القالب والى نبوة الكل الى الروح والى اخوة السر مع النفس واخوة القلب مع الهوى وعشيرة صفاتهما مع الخفى لكون الكل من واد واحد واصل متحد هو الروح فمن قطع ارتباط التعلق مع النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الشيطانية بالتوجه الكلى الروحى والسرى والقلبى والخلفى الى الحضرة الالهية فهم الذين كتب اللّه فى ألواح قلوبهم وصفاح اسرارهم الايمان الحقيقى الشهودى العيانى وأيدهم بروح الشهود الكلى الجمعى الجامع بين شهود الوحدة الذاتية الحقيقية وبين شهود الكثرة الاسمائية النسبية والجمع بين الشهودين دفعة واحدة من غير تخلل بينهما ومن غير احتجاب أحدهما عن الآخر ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الانهار مياه التجليات الذاتية والصفاتية والاسمائية المشتملة على العلوم والمعارف والحقائق والحكم على الدوام والاستمرار رضى اللّه عنهم بفنائهم عن الناسوتية ورضوا عنه ببقائهم بلا هوتيته اولئك حزب اللّه اى مظاهر ذاته وصفاته واسمائه ألا ان حزب اللّه هم المفلحون لقيامهم بقيومية الحق تعالى ، واعلم انه كائن الدنيا والآخرة يومان متعاقبان متصلاقان فمن ذلك يعبر الدنيا باليوم وعن الآخرة بغد ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فانكم اليوم فى دار العمل والاحساب وأنتم غدا فى دار الآخرة ولاعمل ونعيم الدنيا منقطع دون نعيم الآخرة ثم ان هذا شأن الابرار واما المقربون فهم أهل اللّه لا أهل الدارين ونعيمهم ماذكر من التجليات فهم حزب اللّه حقيقة لكمال نصرتهم فى الدين ظاهرا او باطنا |
﴿ ٠ ﴾