سُورَةُ الْحَشْرِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً

١

{ سبح لله مافى السموات ومافى الارض } التسبيح تبعيد الهل عن السوء وتظهيره عما لايليق بشأن الوهيته ويكون بالجنان واللسان والحال والاول اعتقاد العبد بتعاليه عما لايليق بالالوهية وذلك لان من معانى التفعيل الاعتقاد بشىء والحكم به مثل التوحيد والتمجيد والتعظيم بمعنى الاعتقاد بالوحدة والمجد والعظمة والحكم بها وعلى هذا المعنى مثل التكفير والتضليل ومثل التجويز والترجيح والثانى القول بما يدعل على تعاليه مثل التكبير والتهليل والتأمين بمعنى أن يقول اللّه اكبر ولا اله الا اللّه وآمين وهو المشهور وعند الناس والثالث دلالة المصنوعات على ان صانعها متصف بنعوت الجلال متقدس عن الامكان وما يتبعه والمفسرون فسروا مافى القرءآن من امثال الآية الكريمة على كل من الثانى والثالث ليعم تسبيح الكل كذا فى بعض التفاسير وجمهور المحققين على ان هذا التسبيح تسبيح بلسان العبارة والاشارة لا بلسان الاشارة فقط فجميع الموجودات من العقلاء وغيرهم سبحه تعالى يعنى تسبيح ميكويد كه وبه باكى مستأنس ميكند مرخدايرا كه مستحق ثناست ، كما سبق تحقيقه فى اول سورة الحديد وفى مواضع أخر من القرءآن

بذكرش هرجه بينى در خروش است ... دل داند درين معنى كه كوش است

نه بلبل بر كلش تسبيح خوانست ... كه هر خارى به توحيد ش زبانست

وفى الحديث ( انى لأعرف حجرا بمكة كان سلم على قبل أن أبعث انى لأعرفه الآن ) وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل على ان شهادة الجوارح والجلود مما نطق به القرءآن الكريم وقال مجاهد كل الاشياء تسبح لله حيا كان او جمادا وتسبيحها سبحان اللّه وبحمده وهذا على الاطلاق

واما بالنسبة الى كل موجود فالتسابيح مختلفة فلكل موجود تسبيح مخصوص به من حيث مايقتضيه نشأته كما قال بعض الكبار فاذا رأيت هؤلاء العوالم مشتغلين بالذكر الذى أنت عليه فكشفك خيالى غير صحيح لاحقيقى وانما ذلك خيالك أقيم لك فى الموجودات فاذا شهدت فى هؤلاء تنوعات الاذكار فهو الكشف الصحيح انتهى

{ وهو العزيز } ذو العزة القاهرة

{ الحكيم } ذو الحكمة الباهرة وفى ايراد الوصفين بعد التسبيح اشارة الى الباعث له والداعى اليه لان العزة أثر الجلال والحكمة أثر الجمال فله الاتصاف بصفات الكمال

وفى التأويلات النجمية

{ سبح لله مافى السموات } واقامة البراهين القطعية والادلة الفكرية لعدم جدواها فى تحصيل المطلوب فان ذاته المطلقة جامعة للتنزيه العقلى والتشبيه النفسى كما قال

{ ليس كمثله شىء } وهو التنزيه

{ وهو السميع البصير } وهو التشبيه فجمعت ذاته المطلقة باحدية الجمعية بين التنزيه والتشبيه دفعة واحدة بحيث يكون التنزيه عين التشبيه والتشبيه عن التنزيه كما قال العارف المحقق قدس سره ( فان قلت بالامرين كنت مسددا ، وكنت اماما فى المعارف سيدا ) فان التنزيه نتيجة اسمه الباطن والتشبيه نتيجة اسمه الظاهر فافهم جدا وهو العزيز المنيع جنابه أن ينزه من غير التشبيه الحكيم الذى تقتضى حكمته أن لايشبه من غير التنزيه ( روى ) ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما قدم المدينة صالح بن النضير كأمير وهم رهط من اليهود من ذرية هرون أخى موسى عليه السلام قال السهيلى رحمه اللّه ونسبتهم الى هرون صحيحة لان النبى عليه السلام قال لصفية رضى اللع نها بنت حيى بن أخطب سيد بنى النضير وقد وجدها تبكى لكلام قيل لها أبوك هرون وعمك موسى وبعلك محمد عليه السلام والحديث معروف ومشهور وفى بعض الكتب من أولاد الكاهن بن هرون ونزلوا قريبا من المدية فى فتن بنى اسرآئيل انتظارا لبعثة النبى عليه السلام وكان يقال لهم ولبنى قريظة الكاهنان لانهم من أولاده ايضا وكان بنو النضير وقريظة وبنوا قينقاع فى وسط ارض العرب من الحجاز وان كانوا يهودا والسبب فى ذلك ان بنى اسرآئيل كانت تغير عليهم العمالييق فى ارض الحجاز وكانت منازلهم يثرب والجحفة الى مكة فشكت بنوا اسرآئيل ذلك الى موسى عليه السلام فوجه اليهم جيشا وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحدا ففعلوا ذلك وترك منهم ابن مالك لهم كان غلاما حسنا فرقوا له ثم رجعوا الى الشأم وموسى قد مات فقالت بنو اسرآئيل قد عصيتم وخالفتم فلا نؤويكم فقالوا نرجع الى البلاد التى غلبنا عليها ونكون بها فرجعوا الى يثرب فساتوطنوها وتناسلوا بها الى أن نزل عليهم الاوس والخزرج بعد سيل العرم فكانوا معهم الى الاسلام فلما هاجر عليه السلام عاهد بنى النضير على أن لايكونوا له ولا عليه فلما ظهر عليه السلام اى غلب يوم بدر قالوا فيما بينهم النبى الذى نعته فى التوراة لاترد له راية يعنى نتوان بودكه كسى بروى ظفر يابد يارايت اقبال وى كسى بيفكند ، فلما فكان يوم أحد ما كان ارتابوا ونكثوا فخرج كعب من الأشرف فى اربعين راكبا الى مكة فحالفوا قريشا عند الكعبة على قتاله عليه السلام وعاهدوا على الاضرار به ناقضين العهد ، كعب اشرف باقوم خود بمدينه باز آمد وجبريل امين رسول را خبرداد ازان عهد وبيمان كه درميان ايشان رفت ، فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الانصارى بفتح الميم وكان أخا كعب من الرضاعة فقتل كعبا غيلة بالكسر اى خديعة فان الغيلة أن يخدعه فيذهب به الى موضع فاذا صار اليه قتله وذلك انه أتاه ليلا فاستخرجه من بيته لقوله انى أتيتك لاستقرض منك شيأ من التمر فخرج اليه فقلته ورجع الى النبى عليه السلام واخبره ففرح به لانه أضعف قلوبهم وسلب وقوتهم وفى بعض الاخبار انه عليه السلام ذهب الى بنى النضير لاستعانة فى دية فى نفر من اصحابه اى دون العشرة فيهم أبو بكر وعمر وعلى رضى اللّه عنهم فقالوا له يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك وكان عليه السلام جالسا الى جنب جدار من بيوتهم فخلا بعضهم ببعض وقالوا انكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة فهل من رجل يعلو على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فيريحنا منه فقال احد ساداتهم وهو عمرو بن جحاش انا لذلك فقال لهم أحد ساداتهم وهو سلام بن مشكم لاتفعلوا واللّه ليخبرن بما هممتم به انه لنقض للعهد الذى بيننا وبينه فلما صعد الرجل ليلقى الصخرة أتى رسول اللّه الخبر من السماء بما أراد القوم فقام عليه السلام مظهرا انه يقضى حاجته وترك اصحابه فى مجالسهم ورجع مسرعا الى المدينة فسألوه فقال رأيته داخل المدينة فأقبل أصحابه حتى انتهوا عليه فأخبرهم بما أرادت بنوا النضير فندم اليهود وقالوا قد أخبر بأمرنا فأرسل عليه السلام اليهم محمد بن مسلمة رضى اللّه عنه ان اخرجوا من بلدى اى لان قريتهم زاهرة كانت من اعمال المدينة فلا تساكنونى بها فلقد هممتم بما هممتم من الغدر فسكتوا ولم يقولوا حرفا فأرسل اليهم المنافقون أن اقيموا فى حصونكم فانا نمدكم فارسلوا الى رسول اللّه انا لانخرج من ديانا فافعل مابدا لك وكان المتولى أمر ذلك سيد بنى النضير حيى بن أخطب والد صفية ام المؤمنين فاغتر بقول المنافقين فسار رسول اللّه عليه وسلم مع المؤمنين وهو على حمار مخطوم بليف وحمل رايته على رضى اللّه عنه حتى نزل بهم وصلى العصر بفنائهم وقد تحصنوا وقاموا على حصنهم يرمون النبل والحجارة وزربوا على الازقة وحصنوها فاحاصرهم النبى عليه السلام احدى وعشرين ليلة فلما قذف اللّه فى قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم الا الجلاء على أن يحمل كل ثلاث ابيات على بعير ماشاؤا من متاعهم الا السلاح.

بس ششنصد شتربار خودرا بر آراستند واظهار جلادت نموده دفعها ميزدند وسرور كويان از بازار مدينه كذشتندت ، فجاؤا الشأم الى اريحا من فلسطين والى اذرعات من دمشق الا أهل بيتين منهم آل أبى الحقيق وآل حيى بن أخطب فانهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة وهى بالكسرة بلد بقرب الكوفة ولم يسلم من بنى النضير الا رجلان احدهما سفيان بن عمير بن وهب والثانى سعد بن وهب اسلما على اموالهم فأحرزاه فأنزل اللّه تعالى

{ سبح لله } الى قوله

{ واللّه على كل شىء قدير } قال محمد جلاء بنى النضير كان مرجع النبى عليه السلام من احد سنة ثلاث من الهجرة وكان فتح بنى قريظة مرجعه من الاحزاب فى سنة خمس من الهجرة وبينهما سنتان وفى انسان العيون كانت غزوة بنى النضير فى ربيع الاول من السنة الرابعة والجلاء بالفتح الخروج من البلد والتفرق منه يقال أجليت القوم عن منازلهم وجلوتهم فاجلوا عنها وجلوا اى ابزتهم عنها قان اصل الجلو الكشف الظاهر ومنه الطريقة الجلوتية بالجيم فانها الجلاء والظهور بالصفات الالهية كما عرف فى محله والجلاء اخص من الخروج والاخراج يكون للجماعة والواحد

وقيل فى الفرق بينهما ان الجلاء كان مع الاهل والولد بخلاف الخروج فانه لايستلزم ذلك قال العلماء مصالحة اهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شىء لايجوز الآن وانما كان ذلك فى اول الاسلام ثم نسخ والآن لابد من قتالهم او سبيهم او ضرب الجزية عليهم

٢

{ هو الذى } اوست خداوندى كه ازروى اذلال

{ اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب } بيان لبعض آثار عزته واحكام حكمته اى امر باخراج اهل التوراة يعنى بنى النضير

{ من ديارهم } جمع دار والفرق بين الدار والبيت ان الدار دار وان زالت حوآئطها والبيت ليس بيت بعدما انهدم لان البيت اسم مبنى مسقف مدخله من جانب واحد بنى للبيتوتة سوآء كان حيطانه اربعة او ثلاثة وهذا المعنى موجود فى الصفة الا ان مدخلها واسع فيتناولها اسم البيت والبيوت بالمسكن اسم اخص والابيات بالشعر كما فى المفردات

{ لاول الحشر } اللام تتعلق باخرج وهى للتوقيت اى عند او حشرهم الى الشأم وفى كشف الاسرار اللام لام العلة اى اخرجوا ليكن حشرهم الشام اول الحشر والحشر اخراج جمع من مكان الى آخر وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط اذ كان انتقالهم من بلاد الشأم الى جانب المدينة عن اختيار منهم وهم اول من اخرج به جزيرة العرب الى الشأم فعلى هذا الوجه ليس الاول مقابلا للآخر وسميت جزيرة لانه أحاط بها بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات قال الخليل بن احمد مبدأ الجيرة من حفر أبى موسى الى اليمن فى الطول من رمل يبرين وهو موضع بحذآء الاحساء الى منقطع السماوة فى العرض والسماوة بالفتح موضع بين الكوفة والشأم او هذا اول حشرهم وآخر حشرهم اجلاء عمر رضى اللّه عنه اياهم من خيبر الى الشام وذلك حين بلغه الخبر عن النبى عليه السلام ( لايبقين دينان فى جزيرة العرب )

وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لان المحشر يكون بالشأم

{ ماظننتم } أيها المسلمون

{ ان يخرجوا } من ديارهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعددهم

{ وظنوا } اى هؤلاء الكافرون ظنا قويا هو بمرتبة اليقين فانه لايقع الا بعد فعل اليقين او مانزل منزلته

{ انهم مانعتهم حصونهم من اللّه } الحصون جمع حصن بالكسر وهو كل موضع حصين لايوصل الى جوفه والقلعة الحصن الممتنع على الجبل فالاول اعم من الثانى وتحصن اذا اتخذ الحصن مسكنا ثم تجوزيه فقيل درع حصينة لكونها حصنا للبدن وفرس حصان لكونه حصنا لراكبه والمعنى ظنوا ان حصونهم تمنعهم من بأس اللّه وقهره وقدم الخبر وأسند الجملة الى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم فى انفسهم انهم فى عزة ومنعة لايبالى بسببها فتقديم المسند يفيد قصر المسند اليه على المسند فان معنى قائم زيد أن زيدا مقصور على القيام لايتجاوزه الى القعود وكذا معنى الآية ان حصونهم ليس لها صفة غير المانعية ويجوز أن يكون مانعتهم خبرا لأن وحصونهم مرتفعا على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ فان قيل ما المانع من جعل مانعتهم مبتدأ وحصونهم خبرا فان كليهما معرفة قلت كون مانعتهم نكرة لان اضافتها غير مخصصة وان القصد الى الاخبار عن الحصون

{ فأتاهم اللّه } اى امر اللّه وقدره المقدور لهم

{ من حيث لم يحتسبوا } ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب من الاشرف غرة على يد اخيه فانه مما أضعف قوتهم وقل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب والفاء اما للتعقيب اشارة الى أن البأس لم يكن متراخيا عن ظنهم او للسبب اشارة الى انهم انما أخذوا بسبب اعجابهم بأنفسهم وقطعهم النظر الى قدرة اللّه وقوته

{ وقذف فى قلوبهم الرعب } القذف الرمى البعيد والمراد هنا الالقاء قال فى الكشاف قذف الرعب واثباته وركزه ومنه قالوا فى صفة الاسد مقذف لما ان قذف باللحم قذفا لا كتنازه وتداخل اجزآئه والرعب الانقطاع من امتلاء الخوف ولتصور الامتلاء منه قيل رعيت الحوض اى ملأته وباعتبار القطع قيل رعبت السنام اى قطعته

قال بعضهم الرغب خوف يملأ القلب فيغير العقل ويعجز النفس ويشوش الرأى ويفرق التدبير ويضر البدن والمعنى أثبت فيها الخوف الذى يرعبها ويملأها لان المعتبر هو الثابت وماهو سريع الزوال فهو كغير الواقع وقال بعضهم فلا يلزم التكرار لان الرعب الذى اشتمله قوله

{ فأتاهم اللّه } هو أصل الرعب وفرق بين حصول اصله وبين ثباته ودلت الآية على ان وقوع ذلك الرعب صار سببا فى اقدامهم على بعض الافعال وبالجملة فالفعل لايحصل الا عند حصول داعية متاكدة فى القلب وحصول تلك الداعية لايكون الا من اللّه فكانت الافعال بأسرها مستندة الى لله بهذا الطريق كذا فى اللباب

{ يخربون بيوتهم بأيديهم } الجملة استئناف لبيان حالهم عند الرعب اى يخربونها بأيديهم لسيدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة افواه الأزقة ولئلا تبقى بعد جلائهم مساكين للمسلمين ولينقلبوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل والاخراب والتخريب واحد يقال خرب المكان خرابا وهو ضد العمارة وقد اخربه وخربه اى افسده بالنقض والهدم غير أن فى التشديد مبالغة من حيث التكثير لكثرة البيوت وهو قرآءة أبى عمرو وفرق أبى عمرو بين الاخراب والتخريب فقال خرب بالتشديد بمعنى هدم ونقض وافسد واخرب بالهمزة ترك الموضع وقال اى ابو عمرو وانما اخترت التشديد لان الاخراب ترك الشىء خرابا بغير ساكن وبنوا النضير لم يتركوها خرابا وانما خربوها بالهدم كما يدل عليه قوله

{ بأيديهم وأيدى المؤمنين } ان قيل البيوت هى الديار فلم يقل يخربون ديارهم على وفق ماسبق وايضا كيف ماكان الاخراج من ديارهم وهى مخربة أجيب بان الدار ماله بيوت فيجوز اخراب بعضها وابقاء بعضها على مقتضى الرأى فيكون الخروج من الباقى على ان الاخراج لايقتضى العمارة اذ يجوز أن يكون باخراب المساكن والطرح منها قال سهل رحمه اللّه يخربون بيوتهم بأيديهم اى قلوبهم بالبدع وفى كشف الاسرار نخست دين ودل خويش ازروى باطن خراب كردند تا خرابى باطن بظاهر سرايت كرد وخانه خد نيز خراب كردند

{ وأيدى المؤمنين } حيث كانوا يرخبونها ازالة لمتحصنهم ومتمنعهم وتوسيعا لمجال القال واضرار ابهم واسناد هذا اليهم لما انهم السبب فيه فكأنهم كلفوهم اياه وامروهم به وهذا كما فى قوله عليه السلام

( لعن اللّه من لعن والديه ) وهو كقوله عليه السلام ( من اكبر الكبائر أن سب الرجل والديه ) فقالوا وكيف يسب الرجل والديه فقال ( يساب الرجل فيسب أباه فيسب أباه ويسب امه فيسب امه ).

يقول الفقير فى اشارة الى ان استناد الكفار الى الحصون والاحجار وان اعتماد المؤمنين على اللّه الملك الغفار ولاشك ان من اعتمد على المأ من الحقيقى ظفر بمراده فيه ديناه وآخرته ومن استند الى ما سوى اللّه تعالى خسر خسرانا مبينا فى تجارته وان الانسان بنيان الرب فربما قتل المرء نفسه وتسبب له فهدم بنيان اللّه فصار ملعونا وقس على هذا حال القلب فانه بيت اللّه واجتهد حتى لايغلب عليه النفس والشيطان ( قال الحافظ )

من آن نيكن سليمان بهيج نستانم ... كه كاه كاه برودست اهر من باشد

{ فاعتبروا } بس عبرت كيريد

{ ياولى الابصار } اى ياولى الالباب والعقول والبصائر يعنى اتعظوا بما جرى عليهم من الامور الهائلة على وجه لاتكاد تهتدى اليه الافكار واتقوا مباشرة ما أداهم اليه من الكفر والمعاصى وانتقلوا من حال الفريقين الى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الاسباب كبنى النضير الذين اعتمدوا على حصونهم ونحوها بل توكلوا على اللّه تعالى وفى عين المعانى فاعتبروا بها خراب جميع الدينا

جهان اى بسر مالك جاويد نيست ... ز دينا وفادارى اميد نيست

والاعتبار مأخوذ من العبور وهو المجاوزة من شىء الى شىء ولهذا سميت العبرة عبرة لانها تنتقل من العين الى الحد سمى اهل التعبير لان صاحبه ينتقل من المتخيل الى المعقول وسميت الالفاظ عبارات لانها تنقل المعانى من لسان القائل الى عقل المستمع ويقال السعيد من اعتبر بغيره لانه ينتقل عقله من حال ذلك الغير الى حاله نفسه

جو بركشته بتختى در افتند ببند ... ازونيك يختان بكيرند بند

والبصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة التى فيها ويقال القلب المدركة بصيرة وبصر ولايكاد يقال للجارحة بصيرة كما فى المفردات قال بعض التفاسير الابصار جمع بصر وهو مايكون فى الرأس وبه يشاهد عالم الملك وهو عالم الشهادة حتى لو كان بين الرآئي والمرئى مقدار عدة آلاف سنة يشاهده فى طرفة عين بوصول نور من حدقة العين الى المرئى حكاية للرآئى والبصيرة فى القلب كالبصر فى الرأس وبها يشاهد عالم الملكوت وهو عالم الغيب حتى لو كان المشاهد فى العالم وفى اللوح المحفوظ بل فى علم اللّه تعالى مما تتعلق مشيئة اللّه بمشاهدة احد اياه من عباده لشاهده فى آن واحد وقد يشاهد الممتنع والمحال وغير المتناهى بنوع مشاهدة كما نجده فى وجداننا وكل ذلك من غرآئب صنع اللّه وجعل البعض البصر ههنا مجازا عن المشاهدة لانه كثيرا مايكون ىلة لمشاهدتها ويكون هو معتبرا باعتبارها حتى لولاها يكون هو فى حكم المفقود وبهذا الاعتبار اورد الابصار فى مقام البصائر فقال فى تفسيره فتعظوا وانظروا فيما نزل بهم ياذوى العقول والبصائر وهذا هو الاليق بشأن الاتعاظ والاوفق لقوله تعالى فاعتبروا ياولى الالباب اذ للب وهو العقل الخالص عن الكدورات البشرية والبصيرة التى هى عين القلب حين ما كانت مجلوة خاصة بالعقلاء اللائقين للخطاب بالامر بالاعتبار

واما البصر فيوجد فى البهائم والبصيرة الغير المجلوة فتوجد فى العوام وجعله البعض الآخر على حقيقته فقال فى تفسيره فاعتبرنا من عاين تلك الوقائع لكن مآل القولين واحد اذ مجرد البصر المعاين لايفيد الاعتبار بلا بصيرة صحيحة وفى الوسيط معى الاعتبار النظر فى الامور ليعرف بها شىء آخر من جنسها قال يحيى بن معاذ رحمه اللّه من لم يعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة وقد استدل بالآية على حجية القياس من حيث انه أمر بالمجاوزة من حال الى حال وحملها عليها فى حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له كما فصل فى الكتب الاصولية وأشار بأهل الكتاب الى يهودى النفس ونصرانى الهوى وانما نسبنا التنصر الى الهوى والتهود الى النفس لغلبة عطلة النفس فان الهوى بالنسبة الى النفس كالروح بالنسبة الى الجسم البدنى ولهذا المعنى قيل الهوى روح النفس ينفخ فيها هوى الشهوات الحيوانية ويهوى الى هاوية الجحيم واللّه تعالى يستأصلها من ديار صفاتها الظلمانية بالصدمة الاولى من قتال الحشر الاول وظنوا ان حصون طباعهم الرديئة تمنعهم عن الانسلاخ من صفلتهم الخسيسة فأتاهم اللّه بالتجلى القهرى وقذف فى قلوب النفس والهوى رغب المفارقة بينهما فان كل واحد منهما كان متمسكا بالآخر تمسك الروح بالبدن وقيام البدن بالروح يخربون بيوت صفاتهم بأيدى اهوآئهم المضلة وبقوة أيدى الروح والسر والقلب لغلبة نوريتهم عليها فاعتبروا يا اولى الابصار الذى صار الحق تعالى بصرهم كما قال فى يبصر وبى يسمع وبى يبطش الحديث بطوله

٣

{ ولولا ان كتب اللّه } حكم

{ عليهم } اى على بنى النضير

{ الجلاء } اى الخروج من اوطانهم على ذلك الوجه الفظيع وقد سبق الكلام فى الجلاء ولولا امتناعية وما بعدها مبتدأ فان أن منخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن المقدر اى ولولا أنه وكتب اللّه خبرها والجملة فى محل الرفع بالابتدآء بمعنى ولولا كتاب اللّه عليهم الجلاء واقع فى علمه او فى لوحه

{ لعذبهم فى الدنيا } بالقتل والسبى كما فعل ببنى قريظة من اليهود ق لبعضهم لما استحقوا بجرمهم العظيم قهرا عظيما اخذوا بالجلاء الذى جعل عديلا لقتل النفس لقوله تعالى

{ ولو أنا كتبنا علم ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم مافعلوه الى قليل منهم } مع ان فيه احتمال ايمان بعضهم بعد مدة وايمان من يتولد منهم

{ ولهم فى الآخرة عذاب النار } استئناف غير متعلق بجواب لولا اذ لو كان معطوفا عليه لزم أن ينجوا من عذاب الآخرة ايضا لان لولا تقتضى انتفاء الجزآء لحصول الشرط وانما جيىء به لبيان انهم ان نجوا من عذاب الدنيا بكتابة الجلاء لانجاة لهم من عذاب الآخرة يقول الفقير لايلزم من نجاتهم من عذاب الدنيا أن لايكون جلاؤهم من قبيل العذاب وانما لم يكن منه بالنسبة الى عذاب الاستئصال والوجه فى جلائهم انهم قصدوا قتل النبى عليه السلام وقتله شر من ألف قتل فأخذوا بالجلاء ليموتوا كل يوم ألف مرة لان انقطاع النفس عن مألوفاتها بمنزلة موتها فجاء الجزآء من جنس العمل قال بعض أهل الاشارة ولولا ان كتب اللّه على يهودى النفس ونصرانى الهوى جلاء الانسلاخ من ديار وجوداتهم لعذبهم فى طلب الدنيا ومحبتها ولهم فى آخر الامر عذاب نار القطيعة عن مألوفاتهم الطبيعية ومستحسناتهم الحسية

٤

{ ذلك } اى ما حاق بهم وسيحيق

{ بأنهم } اى بسبب انهم

{ شاقوا اللّه ورسوله } خالفوا امرهما وفعلوا مما حكى عنهم من القبائح والمشاقة كون الانسان فى شق ومخالفة فى شق

{ ومن يشاق اللّه } كائنا من كان

{ فان اللّه شديد العقاب } له فهو نفس الجزآء بحذف العائد او تعليل للجزآء المحذوف اى يعاقبه اللّه فان اللّه شديد العقاب فاذا لهم عقاب شديد ايضا لكونهم من المشاقين وأيا ما كان فالشرطية تحقيق للسببية بالطريق البرهانى وفيه اشعار بأن المخالفة تقتضى المؤاخذة بقدر قوتها وضعفها فليحذر المؤمنون من العصيان مطلقا

همينست بسندست اكر بشنوى ... كه كرخار كارى سمن ندروى

اعلم ان اللّه الذى هو الاسم الاعظم جامع لجميع الاسماء الالهية المنقسمة الى الاسماء الجلالية القهرية والجمالية اللطيفة والتشاقق فيه استدعاء احد الشقين من التجليين الجمالى والجلالى بأن يطلب الطالب منه اللطف والجمال وهو ممن يستحق القهر والجلال لاممن يستحق اللطف والجمال فهو يستدعى من الحق شيأ لاتقتضى حكمته البالغة اعطاءه اياه وهو من قبيل التحكم الذى لايجوز بالنسبة الى اللّه تعالى كما قال تعالى

{ ومن الناس من يعبد اللّه على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان أصابه فتنة انقلب على وجهه } ( قال الحافظ )

درين جمن نكنم سرزنش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميدهند مى رويم

والمشاقة مع الرسول عليه السلام المنازعة فى حكمة امره ونهيه مثل اسرار الصلوات الخمس واختلاف اعدادها وقرآءتها جهرا وسرا ومثل اسرار الزكاة واختلاف احكامها ومثل احكام الحج ومناسكه ونحن امرنا بمحض الامتثال والانقياد وما كلفنا بمعرفة اسرارها وحقائقها والنبى عليه السلام مع كمال عرفانه وجلال برهانه يقول ان أتبع الا مايوحى الى وقال نحن نحكم بالظواهر واللّه يعلم السرآئر وقوله

{ فان اللّه شديد العقاب } ومن شدة عقابه ابتلاء عبده بامتثال هذه الاشياء مع عدم تكليفه اياه بمعرفة حقائقها والمراد بالعقاب الاتعاب والا فالاحكام من قبيل ارحمة لا العذاب ولذا من قال هذه الطاعات جعلها اللّه علينا عذابا من غير تأويل كفر

٥

{ ماقطعتم من لينة } ما شرطية نصب بقطعتم واللينة فعلة نحو حنطة من اللون على ان أصلها لونه فياؤها مقلوبة عن واو لكسرة ماقبلها نحو ديمة وفيمة وتجمع على ألوان وهى كضروب النخل كلها

وقيل من اللين وتجمع على لين وأليان وهى النخلة الكريمة الشجرة بكونها قريبة من الارض والطيبة الثمرة قال الراغب في المفردات اللين ضد الخشونة ويستعمل ذلك فى الاجسام ثم يستعار للخلق ولغيره من المعانى فيقال فلان لين وفلان خشن وكل واحد منهما يمدح به طورا ويذم به طورا بحسب اختلاف المواضع وقوله ماقطعتم من لينة اى من نخلة ناعمة ومخرجة مخرج فعلة نحو حنطة ولا يختص بنوع منه دون نوع انتهى والمعنى اى شىء قطعتم من نخلة من نخيلهم بأنواعها

وقيل للينة ضروب النخل كلها ماخلا العجوة والبرنية وهما أجود النخل

{ او تركتموها } اسمير لما وتأنيثه لتفسيره باللينة كما فى قوله تعالى

{ مايفتح اللّه للناس من رحمة فلا ممسك لها } { قائمة } حال من ضمير المفعول

{ على اصولها } كما كانت من غير أن تتعرضوا لها لشىء من القطع جمع اصل وهو مايتشعب منه الفرع

{ فباذن اللّه } فذاك اى قطعها وتركها بأمر اللّه فلا جناح عليكم فيه فان فى كل من القطع والترك حكمة ومصلحة

{ وليخزى الفاسقين } اى وليذل اليهود الخارجين عن دآئرة الاسلام اذن فى قطعها وتركها فهو علة لمحذوف يقال خزى الرجل لحقه انكسارا اما من نفسه وهو الحياء المفرط ومصدره الخزاية وما من غيره وهو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزى أذن اللّه فى قطعها وتركها لانهم اذا رأو المؤمنين يتحكمون فى اموالهم كيف احبوا ويتصرفون فيها حسبما شاؤا من القطع والترك يزدادون غيظا ويتضاعفون حسرة وذلك ان رسول اللّه عليه السلام حين أمر أن تقطع نخيلهم وتحرق قالت اليهود وهم بنوا النضير يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد فى الارض فما بال قطع النخيل واحراقها فشق ذلك على النبى عليه السلام كان فى أنفس المؤمنين ايضا من ذلك شىء فنزل وجعل أمر رسول اللّه أمره تعالى لانه عليه السلام ماينطق عن الهوى استدل به على جواز هدم ديار الكفرة وقطع اشجارهم مثمرة كانت او غير مثمرة واحراق زروعهم زيادة لغيظهم وتخصيص اللينة بالقطع ان كانت من الالوان ليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية اللتين هما كرام النخيل وان كانت هى كرام النخيل ليكون غيظهم أشد ويقال ان العتيق والجوة كانتا مع نوح فى السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصل الاناث لكها فلذا شق على اليهود قطعها وظهر من هذا أن اللون هو ماعدا العجوة والبرنى من انواع التمر بالمدينة والبرنى بالفارسية حمل مبارك او جيد لان اصله برنيك فعرب ومن انواع تمر المدينة الصيحانى وفى شرح مسلم للنووى ان انواع التمر مائة وعشرون وفى تاريخ المدينة الكبير للسيد السمنودى أن انواع التمر بالمدينة التى أمكن جمعها بلغت مائة وبضعا وثلاثين ويوافقه قوله بعضهم اختبرناها فوجدنا اكثر مما ذكره النووى قال ولعل مازال على ما ذكر حدث بعد ذلك

واما انواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر فقد نقل ان عالم فاس محمد بن غازى أرسل الى عالم سلجماسة ابراهيم بن هلال يسأله عن حصر انواع التمر بتلك البلدة فأرسل اليه حملا او حملين من كل نوع تمرة واحدة فأرسل اليه هذا ماتعلق به علم الفقير وأن تعدوا نعمة اللّه لاتحصوها وفى نسق الازهار ان بهذه البلدة رطبا يسمى البتونى وهو أخضر اللون واحلى من عسل النحل ونواه فى غاية الصغر وكانت العجوة خير أموال بنى النضير لانهم كانوا يقتاتوتها وفى الحديث

( العجوة من الجنة وتمرها يعذى أحسن الغذآء ) روى ان آدم عليه السلام نزل بالعجوة من الجنة وفى البخارى من تصبح كل يوم على سبع تمرات عجوة لم يصبه فى ذلك اليوم سم ولا سحر وقد جاء فى العجوة العالية شفاء وانها ترياق اول البكرة وفى كلام بعضهم العجوة ضرب من التمر اكبر من الصيحانى وتضرب الى السواد وهى مما غرسه النبى عليه السلام بيده الشريفة وقد علمت انها فى نخل بنى النضير وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما هبط آدم من الجنة بثلاثة اشياء بالآسة وهى سيدة ريحان الدنيا والسنبلة وهى سيدة طعام الدنيا والعجوة وهى سيدة ثمار الدنيا وفى الحديث ( ان العجوة من غرس الجنة وفيها شفاء وانها ترياق اول البركة وعليكم بالتمر البرنى فكلوه فانه يسبح فى شجره ويستغفر لآكله وانه من خير تمركم وانه دوء وليس بدآء ) وجاء بيت لاتمر فيه جياع أهله قال ذلك مرتين ولما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الخدود ودعون بالويل كما فى انسان العيون قال بعض أهل الاشارة يشير الى من قطع نخلة محبة الدنيا من ارض قلبه بأمر اللّه وحكمته المقتضية لذلك الامر بالقطع وهم المحرومون المنقطعون عن الدنيا ومحبتها وشهواتها ولذاتها المتوجهون الى طريق السلوك الى اللّه بتزكية النفس وتصفية القلب وتخلية السر وتحلية الروح والى من ترك الدنيا فى ارض قلبه قائمى على اصولها على حالها باذن اللّه وحمته البالغة المقتضية لابقائها وهم الكاملون المكملون الواصلون المواصلون الذين ليس للدنيا و لا للآخرة عندهم قدر ومقدار مازاغ نظر ظاهرهم ولا بصر باطنهم اليهما لاشتغالهم بذكر اللّه اى بذكر ذاته وصفاته واسمائه كما قال فى حقهم رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر اللّه وليخزى الفاسقين الذين خرجوا من مقام المعرفة والعرفان وما عرفوا ان للحق عبادا ليس للدنيا والآخرة عندهم قدر ومقدار ومازاغ بصر ظاهرهم ولا نظر باطنهم اليهما وطعنوا فيهم بمحبة الدنيا ونسبوا اليهم حب الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية فأخزاهم اللّه بشؤم هذا الطعن واللّه يشهد انهم لكاذبون ( قال الحافظ )

بس تجربه كرديم درين دير مكافات ... بادرد كشان هركه در افتاد بر افتاد

٦

{ وما أفاء الهل على رسوله } شروع فى بيان ح ال ماأخذ من أموالهم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والآجل وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع وما موصولة مبتدأ وقوله

{ فما أوجفتم } خبره ويجوز جلعها شرطية وقوله

{ فما اوجفتم } جوابا والفيىء فى الاصل بمعنى الرجوع وافاء أعاد وارجع فهو على اصل معناه هنا والمعنى ما أعاده اليه من مالهم اى جعله عائدا ففيه اشعار بأنه كان حقيقا بأن يكون له عليه السلام وانما وقع فى أيديهم بغير حق فرجعه اللّه الى مستحقه لانه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق ليتوسلوا به الى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين وهو عليه السلام رأسهم ورئيسهم وبه أطاع من أطاع فكان أحق به فالعود على هذا بمعنى أن يتحول الشىء الى ما فارق عنه وهو الاشهر ويجوز أن يكون معناه صيره له فالعود على هذا بمعنى أن يتحول الشىء الى مافارق عنه وان لم يكن ذلك التحول مسبوقا بالحصول له والحمل هنا على هذا المعنى لايحوج الى تكلف توجيه بخلاف الاول وكلمة على تؤيد الثانى وقال بعضهم أفاء اللّه مبنى على ان الفيىء الغنيمة فمعنى أفاء اللّه على رسوله جعله فيناله خاصة وقال الراغب الفيىء والفيئة الرجوع الى حالة محمودة

وقيل للغنيمة التى لايلحق فيها مشقة فيىء

قال بعضهم سمى ذلك بالفيىء تشبيها بالفيىء الذى هو الظل تنبيها على ان أشرف اعراض الدنيا يجرى مجرى ظل زآئل والفئة الجماعة المتظاهرة التى يرجع بعضهم الى بعض فى التعاضد وقال المتطرزى فى المغرب فى الفرق بين الغنيمة والفيىء والنفل ان الغنيمة عن أبى عبيد ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة وحكمها أن تخمس وسائرها بعد الخمس للغانمين خاصة والفيىء مانيل منهم بعد ماتضع الحرب اوزارها وتصير الدار دار اسلام وحمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس والنفل ماينفله الغازى اى يعطاه زآئدا على سهمه وهو أن يقول الامام او الامير من قتل قتيلا فله سلبه او قال للسرية ما أصبتم فلكم ربعه او نصفه ولا يخمس وعلى الامام الوفاء به وعن على بن عيسى الغنيمة اعم من النفل والفيىء اعم من الغنيمة لانه اسم لكل ماصار للمسلمين من أموال أهل الشرك قال أبو بكر الرازى فالغنيمة فيىء والجزية فيىء وما اهل الصلح فيىء والخراج فيىء لان ذلك كله مما أفاء اللّه على المسلمين من المشركين وعند الفقهاء كل مايحل أخذه من أموالهم فهو فيىء

{ منهم } اى بنى النضير

{ فما } نافية

{ اوجفتم عليه } اى فما أجريتم على تحصيله وتغنمه من الوجيف وهو سعرة السير يقال اوجفت البعير أسرعته وفى القاموس الوجيف ضرب من سير الخيل والابل

وقيل اوجف فأعجب

{ من خيل } من زآئدة بعد النفى اى خيلا وهو جماعة الافراس لا واحدا له او واحده خائل لانه يختال والجمع اخيال وخيول كما فى القاموس وقال الراغب الخيلاء التكبر من تخيل فضيلة تترا أى للانسان من نفسه ومنها تتأول لفظة الخيل لما قيل انه لايركب أحد فرسا الا وجد فى نفسه نخوة والخيل فى الاصل اسم للافراس والفرسان جميعا قال تعالى

{ ومن رباط الخيل } ويستعمل فى كل واحد منهما منفردا نحو ماروى يا خيل اللّه اركبى فهذا للفرسان وقوله عليه السلام ( عفوت لكم عن صدقة الخيل ) يعنى الافراس انتهى والخيل نوعان عتيق وهجين فالعتيق ما أبواه عربيان سمى بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه بالامور المنقصة وسميت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرق لانه لم يملكها ملك قط واذا ربط الفرس العتيق فى بيت الم يدخله شيطان والهجين الذى ابوه عربى وامه عجمية والفرق ان عظم البر ذونه اعظم من عظم الفرس وعظم الفرس اصلب وأثقل البر ذونة احمل من الفرس والفرس أسرع منه والعتيق بمنزلة الغزال والبر ذونة بمنزلة الشاة او الفرس برى المنامات كبنى آدم ولا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال للبعير لامرارة له اى له جسارة

{ ولاركاب } هى مايركب من الاب خاصة كما ان الراكب عندهم راكبها لاغير

واما راكب الفرس فانهم يسمونه فارسا ولا واحد لها من لفظها وانما الواحدة منها راحلة قال فى المفردات الركوب فى الاصل كون الانسان على ظهر حيوان وقد يستعمل فى السفينة والراكب اختص فى التعارف بممتطى البعير جمعه ركب وركبان وركوب واختص الركاب بالمركوب والمعنى ما قطعتم ولها شقة بعيدة ولا لقيتم مشقة شديدة ولا قتالا شديدا وذلك وانه كانت قرى بنى النضير على ميلين من المدينة وهى ساعة واحدة بحساب الساعات النجومية فذهبوا اليها مشيا وما كان فيهم راكب الا النبى عليه السلام وكان يركب حمارا مخطوما بليف على ماسبق او جملا على ماقاله البعض فافتتحها صلحا من غير أن يجرى بينهم مسايفة كأنه قال ما أفاء اللّه على رسوله منهم فما حصلتموه بكد اليمين وعرق الجبين

{ ولكن اللّه يسلط رسوله على من يشاء } اى سنته تعالى جارية علىأن يسلطهم على من يشاء من اعدآئهم تسليطا خاصا وقد سلط النبى عليه السلام على هؤلاء تسليطا غير معتاد من غير أن تقتحموا مضايق الحطوب وتقاسموا شدآئد الحروب فلا حق لكم فى اموالهم يعنى ان الامر فيه مفوض اليه يضعه حيث يشاء فلا يقسم قسمة الغنائم التى قوتل عليها واخذت عنوة وقهرا وذلك انهم طلبوا القسمة كخيبر فنزلت

{ واللّه على كل شىء قدير } فيفعل مايشاء كما يشاء تارة على الوجوه المعهودة واخرى على غيرها

تيغى آسمانش از فيض خود دهد آب ... تنها جهان بكيرد بى منت سباهى

اعلم ان الفيض الالهى الفائض من اللّه على ساحة قلب السالك على قسمين اما بالوهب المحض من خزانة اسمه الوهاب من غير تعمل من العامل فيه من ركض خيل النية الصالحة ومن سوق ركاب العمل الصالح من الفرآئض والنوافل فهو مقطوع الروابط من جانب السالك العامل فليس للسالك أن يضيف ذلك الفيض والوارد القلبى الى نفسه بوجه من الوجوه ولا الى الاعمال الصادرة منه بسبب الاعضاء والجوارح بل يتركه على صرافة الوهب الربانى وطراوة العطاء الامتنانى والآية الكريمة دالة على هذا القسم

واما مشوب بتعمله فهو من خزناة اسمه الجواد فله أن يضيفه الى نفسه واعضائه وجوارحه ليظهر اثره عليها كلها والآية الثالثة الآتية تشير الى القسم الثانى وقد جمع بينهما قوله

{ لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم } افن الاول اشارة الى الاول والثانى الى الثانى وأراد برسوله رسول القلب وانما سمى القلب بالرسول لان الرسالة من حضرة الروح الى النفس الكافرة والهوى الظالم بدعوتهما الى الحق تعالى بالايمان والهدى

٧

{ ما افاء اللّه على رسوله من اهل القرى } بيان لمصارف الفيىء بعد بيان افاءته عليه صلّى اللّه عليه وسلّم من غير ان يكون للمقاتلة فه حق ولذا لم يعطف عليه كأنه لما قيل ما افاء اللّه على رسوله من اموال بنى النضير شىء لم تحصلوه بالقتال والغلبة فلا يقسم قسمة الغنائم فكأنه قيل فكيف يقسم فقيل ما افاء اللّه الخ قال فى برهان القرءآن قوله وما أفاء اللّه وبعده ما أفاء اللّه بغير واو لان الاول معطوف على قوله ما قطعتم من لينة والثانى استئناف وليس له به تعلق وقول من قال بدل من الاول مزيف عند اكثر المفسرين انتهى واعادة عين العبارة الاولى لزيادة التقرير ووضع اهل القرى موضع ضميرهم للاشعار بشمول ما لعقاراتهم ايضا فالمراد بالقرى قرى بنى النضير ( وقال الكاشفى ) من اهل القرى از اموال واملاك اهل دهها وشهرها كه بحرب كرفته نشود وفى عين المعانى اى قريظة والنضير بالمدينة وفدك وخيبر.

وفى انسان العيون وفسرت القرى بالصغرى ووادى القرى اى بثلث ذلك كما فى الامتاع وينبع وفسرت بنى النضير وخيبر اى بثلاثة حصون منها وهى الكيتيه والوطيح والسلالم كما فى الامتاع وفدك اى نصفها قال العلماء كانت الغنائم فى شرع من قبلنا اللّه خاصة لايحل منها شىء لأحد واذا غنمت الانبياء عليهم السلام جمعوها فتنزل نار من السماء فتأخذها فخص نبينا عليه السلام من بينهم أن احلت له الغنائم قال عليه السلام ( احلت لى الغنائم ولم تحل لاحد من قبلى )

{ فلله وللرسول } يأمران ما احبا

وقيل ذكر اللّه للتشريف والتعظيم والتبريك وسهم النبى عليه السلام سقط بموته ( روى ) عن عمر ابن الخطاب رضى اللّه عنه ان اموال بنى النضير كانت مما افاء اللّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه فكانت لرسول اللّه خالصة وكان ينفق على اهله منها نفقة سنة وما بقى جعله فى الخيل والسلاح عدة فى سبيل اللّه

{ ولذى القربى } وهم بنوا هاشم وبنوا المطلب الفقرآء منهم لما حرموا الصدقة اى الزكاة وروى ابو عصمة عن ابى حنفيفة رحمه اللّه انه يجوز دفع الزكاة الى الهاشمى وانما كان لايجوز فى ذلك الوقت يجوز النفل بالاجماع وكذا يجوز النفل للغنى كذا فى فتاوى العتابى وذكر فى المحيط بعد ما ذكر هذه الرواية ( وروى ) ابن ساعدة عن ابى يوسف رحمه اللّه انه لابأس بصدقة بنى هاشم بعضهم على بعض ولا أرى الصدقة عليهم وعلى مواليهم من غيرهم كذا فى النهاية وقال فى شرح الآثار عن ابى حنيفة رحمه اللّه ان الصدقات كلها جائزة على بنى هاشم والحرمة كانت فى عهد النبى عليه السلام لوصول خمس الخمس اليهم فلما سقط ذلك بموته حلت لهم الصدقة قال الطحاوى وبالجواز نأخذ كذا فى شرح الوقاية لابن مالك

{ واليتامى } جمع يتيم واليتيم انقطاع الصبى عن ابيه قبل بلوغه وفى سائر الحيوانات من قبل امه

{ والمساكين } جمع مسكين ويفتح ميمه وهو من لاشىء له او له مالا يكفيه او اسكنه الفقر اى قلل حركته والذليل الضعيف كما فى القاموس وهو من السكون فنونه اصلية لانون جمع ولذلك تجرى عليه الاعاريب الثلاثة

{ وابن السبيل } اى المسافر البعيد عن ماله وسمى به لملازمة له كما تقول للص القاطع ابن الطريق وللمعمر ابن الليالى ولطير الماء ابن الماء وللغراب ابن دأية باضافة الابن الى دأية البعير لكثرة وقوعه عليها اذا دبرت والدأية الجنب قال اهل التفسير اختلف فى قسمة الفيىء قيل يسدس لظاهر الآية ويصرف منهم اللّه على عمارة الكعبة وسائر المساجد ويصرف مابقى وهى خمسة اسداس الستة الى المصارف الخمسة التى يصرف اليها خمس الغنيمة

وقيل يخمس لان ذكر اللّه للتعظيم ويصرف قول والى العساكر والثغور على قول وهو الاصح عند الشافعية والى مصالح المسلمين على قول

وقيل يخمس خمسة كالغنيمة فانه عليه السلام كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الاخماس الاربعة كما يشاء اى كان يقسم الفيىء اخماسا ويصرف الاخماس الاربعة لذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ويخمس الخمس الباقى ويختار خمس الخمس لنفسه ويصرف الاخماس الاربعة الباقية كما ياشاء والآن على الخلاف المذكور من صرف سهمه عليه السلام الى الامام او العساكر والثغور او مصالح المسلمين

وفى التأويلات النجمية ذووا القربى الروح والقلب والسر والخفى هم مقربوا الحق تعالى بقرب الحسب والنسب واليتامى المتولدات من النفس الحيوانية الباقية بعد فناء النفس بحسب سطوات تجليات القهر والمساكين هم الاعضاء والجوارح وابن السبيل القوى البشرية والحواس الخمس المسافرون الى عوالم المعقولات والمتخيلات الموهومات والمحسوسات بقدم العقل او الخيال والوهم والحس وقال بعض اهل الاشارة ذووا القربى هم الذين شاركوه فى بعض مقاماته عليه السلام واليتامى هم الذين انقطعوا عما دون الحق الى الحق فيقوا بين الفقدان والوجدان طلاب الوصول والمساكين هم الذين ليس لهم بلغة المقامات وليسوا بمتمكنين فى الحالات وابن السبيل هم الذين سافروا من الحدثان الى القدم

{ كيلا يكون } علة لقوله

{ فلله وللرسول } اى تولى اللّه قسمة الفيىء وبين قسمته لئلا يكون اى الفيىء الذى حقه أن يكون للفقرآء يعيشون به

{ دولة } بضم الدال وقرىء بفتحها وهى مايدول للانسان اى يدور من الغنى والجد والغلبة اى كيلا يكون جدا

{ بين الاغنياء منكم } يتكاثرون به والخطاب للانصار لانه لم يكن فى المهاجرين فى ذلك الوقت غنى كما فى فتح الرحمن او كيلا يكون دولة جاهلية بينكم فان الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة ويقولون من عزيز اى من غلب سلب فيجعلون الاستقلال بمال الغنيمة والانفراد به منوطا بالغلبة عليه فكل من غلب على شىء منه يستقل به ولا يعطىء الفقرآء والضعفاء شيأ منه ( قال الكاشفى ) در معالم آورده كه اهل جاهيت جون غنيمتى كرفتندى مهتر ايشان ربعى بر داشتى واز باقى نيز بر اى خود تحفه اختيار كردى وانرا صفى كفتندى وباقى را باقوم كذا شتى وتوانكران قوم بردرويشان دران قسمت حيف كردندى جمعى از رؤساى اهل ايمان درغانيم بنى النضير همين خيال بسته كفتند يارسول اللّه شما ربعى ونصفى مغنم را برداريد وبكذاريد تاباقى را قسمت كنيم حق سبحانه وتعالى آنرا خاصه حضرت بيغمبر عليه السلام كردانيد وقسمت آنرا بروجهى كه مذكور شد مقرر ساخت وفرمودكه حكم فى بيدا كرديم تانباشد آن فىء كردان دست بدست ميان توانكران از شما كه زياده از حق خود بردارند وفقر ارا اندك دهند يا محروم سازند جنانكه در زمان جاهليت بوده ،

وقيل الدولة بالضم ما يتداول كالغرفة اسم مايغترف اى ان الدولة اسم للشىء الذى يتداوله القوم بينهم فيكون مرة لهذا ومرة لهذا والتداول بالفارسية از يكديكر فرا كرفتن.

وتداول القوم كذا وداول اللّه بينهم كذا فالمعنى كيلا يكبون الفيىء شيأ يتداوله الاغنياء بينهم ويتعاورونه فلا يصيب الفقرآء والدولة بالفتح مصدر بمعنى التداول وفيه اضمار محذوف فالمعنى كيلا يكون ذا تداول بينهم او كيلا يكون امساكه واخذه تداولا لايخرجنه الى الفقراء

وقيل هى بالفتح بمعنى انتقال حالة سارة الى قوم عن قوم وتستعمل فى النفس الحالة السارة التى تحدث للانسان يقال هذه دولة فلان

وقيل الضم للاغنياء والفتح للفقرآء وفى الحديث ( اعتمنوا دولة الفقرآء ) كما فى الكواشى وفى الآية اشارة الى اعطاء كل ذى حق حقه كيلا يحصل بين الاغنياء والفقرآء نوع من الجور والدولة الجاهلية يقال كان الفقراء فى مجلس سفيان الثورى امرآء اى كالامرآء فى التقديم والاكوام والعزة

{ وما آتاكم الرسول } ما موصولة والعائد محذوف والايتاء الاعطاء المناولة اى ما اعطاكموه ايها المؤمنون من الفيىء

{ فخذوه } فانه حقكم

{ وما نهاكم عنه } اى عن اخذه

{ فانتهوا } عنه

{ واتقوا اللّه } فى مخالفته عليه السلام

{ ان لله شديد العقاب } فيعاقب من يخالف امره ونهيه والاول حمل الآية على العموم فالمعنى وما آتاكم الرسول من الامر مطلقا فيئا او غيره اصولا اعتقادية او فروعا عملية فخذوه اى فتمسكوا به فانه واجب عليكم ، هر شربتى از دست او درآيد بستانيد كه حيات شما در آنست وآن لوح راخوانيد كه نويسد زيرا ضروريات شما در صفحه او بيانست وما نهاكم عن تعاطيه ايا كان فانتهوا عنه زيرا امر ونهى او بحق است هركه ممتثل امر او كردد نجات يابد وهركه از نهى او اجتناب ننمايددر ورطه هلاك افتد

آنكس ه شد متابع امر توقد ندجا ... وانكو خلاف راى توورزيد قد هلك

وفيه دليل على ان كل ما امر به النبى عليه السلام امر من اللّه تعالى قال العلماء اتباع الرسول عليه السلام فى الفرآئض العينية فرض عين وفرض كفاية فى الفروش على سبيل الكفاية وواجب فى الواجبات وسنة فى السنن فما علمنا من افعاله واقعا على جهة نقتدى به فى اتباعه على تلك الجهة ومالم نعلم على اى جهة فعله فلنا فعله على أدنى منازل افعاله وهو الاباحة ( روى ) ن ابن مسعود رضى اللّه عنه لقى رجلا محرما وعليه ثيابه فقال انزع عنك هذا فقال الرجل أتقرأ على بهذا آية من كتاب اللّه قال نعم ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( وروى ) عن ابن مسعود رضى اللّه عنه ( قال لعن اللّه الواشمات ) اى فاعلات الوشم وهو مايوشم به اليد من نؤور أو نيلج قال فى القاموس الوشم كالوعد غرز الابرة فى البدن ور النليج عليه والنؤور كصبور النيلج ودخان الشحم وحصاة كالثمد تدق فيسفها اللثة ( والمستوشمات ) يقال استوشمت الجارية طلبت ان يوشم بها ( والمتنمصات للحسن ) وهى اى المتنصمة التى تنتف شعرها يعنى بركننده موى از براى حسن ، قال فى القاموس التمص نتف العشر ولعنت النامصة وهى مزينة النساء بالنمص والمتنمصة وهى مزينة به ( المغيرات خلق اللّه ) آن زنانى كه تغيير كنند آفريده خدارا ، ويدخل فيه تحديد الاسنان واصلاحها ببعض الآلات وثقب الانف

واما ثقب الاذن فمباح للنساء لاجل التزيين بالقرط وحرام على الرجال كحلق اللحية ( فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها ام يعقوب فجاءت ) بس آمدآن زن نزد ( ابن مسعود رضى اللّه عنه فقالت قد بلغنى انك قلت كيت وكيت ) يعنى مار رسيده است كه توكفته جنين وجنين ( فقال ومالى لا ألعن من لعن رسول اللّه ومن هو فى كتاب اللّه ) يعنى ابن مسعود كفت جكونه لعنت نكنم آنراكه لعنت كرده است رسول اللّه وآنراكه در كتاب اللّه است ( فقالت لقد قرأت مابين اللوحتين فما وحدت فيه ماتقول قال لئن كنت قرأته لقد وجدته اما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت بلى قال فانه عليه السلام قد نهى عنه ) ولذلك قرأ ابن عباس رضى اللّه عه هذه الآية للنهى عن الدباء والختم والنقير والمزفت والدباء بالضم والمد القرعة والختم بفتح الحاء والتاء وسكون النون قبلها جرة خضرآء والنقير مانقيب من حجر وخشب ونحوهما والمزفت بالضم والتشديد جرة او خابية طلبت ولطخت بالزفت بالكسر اى القار وحل عند الامام الاعظم اتخاذ نبيذ التمر والذرة ونحوه بأن يلقى فى هذه الاوعية وان حصل الاشتداد بسببها وفى الحديث

( القرءآن صعب عسر على من كرهه ميسر على من تبعه وحديثى صعب مستصعب وهو الحكمة فمن استمسك بحديثى وحفظه كان مع القرءآن ومن تهاون بحديثى خسر الدنيا والآخرة وامرتم أن تأخذوا بقولى وتتبعوا سنتى فمن رضى بقولى فقد رضى بالقرءآن ومن استهزأ بقولى فقد استهزأ بالقرءآن قال اللّه تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهو } ) وسئل سهل رحمه اللّه عن شرآئع الاسلام فقال ماآتاكم الرسول من خير الغيب ومكاشفة الرب فخذوه باليقين وما نهاكم عنه من النظر الى غير اللّه فانتهوا عنه

وفى التأويلات النجمية يخاطب به ذوى الحقوق من المراتب الاربع ويقال لهم ما أعطاكم رسول القلب من الفيض الذى حصل له بمددكم الصورى ومعونتكم المعنوية من قبل قتل النفس الكافرة والهوى الظالم فاقبلوه منه بحسن التلقى ولطف القبول وانه اعطاكم على حسب استعدادكم ومامنع عنه فامتنعوا عن الاعتراض عليه واتقوا اللّه فى الاعتراض فان اللّه شديد العقاب بحر مانكم من حسن التوجه اليه ولطف الاستفاطة عنه

٨

{ للفقراء المهاجرين } بدل من لذى القربى وما عطف عليه لا من اللّه والرسول والا يلزم دخول الرسول فى زمرة الفقرآء وهو لايسمى فقيرا لانه يوهم الذم والنقصان لان اصل الفقر كسر فقار الظهر من قولهم فقرته ولهذا سميت الحاجة والداهية فاقرة لانهما تغلبان الانسان وتكسران فقار ظهره واذا لم يصح تسيمة الرسول فقيرا فلأن لايصح تسميته تعالى فقيرا اولى من ان اللّه تعالى أخرجه عليه السلام من الفقرآء هنا بقوله

{ وينصرون اللّه ورسوله } بقى ان ابن السبيل الذى له مال فى وطنه لايسمى فقيرا نص عليه فى التلويح وغيره ومن أعطى اغنياء ذوى القربى كالشافعى خص الابدال بما بعده بخلاف أبى حنيفة رحمه اللّه فان استحقاق ذوى القربى الفيىء مشروط عنده بالفقر

واما تخصيص اعتبار الفقر بفيىء بنى النضير فتعسف ظاهر كما فى الارشاد

{ الذين اخرجوا من ديارهم } از سراهاى ايشان كه درمكه داشتند

{ واموالهم } ودور افتاده انداز مالهاى خود ، حيث اضطرهم كفار مكة الى الخروج واخذوا اموالهم ودور افتاده انداز مالهاى خود . حيث اضطرهم كفا مكة الى الخروج واخذوا اموالهم وكانوا مائة رجل فخرجوا منها والافهم هاجروا باختيارهم حبا لله ورسوله واختاروا الاسلام على ماكانوا فيه من الشدة حتى كان الرجل يعصب الحجر على بطنه ليقيم صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة فى الشتاء ماله دار غيرها وصح عن رسول اللّه عليه السلام انه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وقال عليه السلام ( ابشروا يامعشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل الاغنياء بنصف يوم ) وذلك مقدار خمسمائة عام

{ يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا } اى حال كونهم طالبين منه تعالى رزقا فى الدنيا ومرضاة فى الآخرة وصفوا اولا بما يدل على استحقاقهم للفيىء من الاخراج من الديار وقد أعاد ذلك ثانيا بما يوجب تفخيم شأنهم ويؤكده فهو حال من واو واخرجوا وفى ذكر حالهم ترقٍ من العالى الى الأعلى فان رضوان اللّه اكبر من عطاء الدنيا

{ وينصرون اللّه ورسوله } عطف على يبتغون فهى حال مقدرة اى ناوين نصرة اللّه باعلاء دينه ونصرة رسوله ببذل وجودهم فى طاعته او مقارنة فان خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين الى المدينة نصرة واى نصرة

{ اولئك } المهاجرون الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة

{ هم الصادقون } الراسخون فى الصدق حيث ظهر ذلك بما فعلوا ظهورا بينا كأن الصدق مقصور عليهم لكمال آثاره الصدق صدقة السر يعنى صدقه ملك سراست وصداق الجنة يعنى صداق سراى سرورست وصديق الحق يعنى صديق بادشاه حق است راست كارى بيشه كن كاندر مصاف رستخيز ، نيستند از خشم حق جزرا استنكاران رستكار مصطفى عليه السلام كفت مامهتر كليت عالم ايم وبهتر ذريت آدم ومارا بدين فخرنه شربتهاى كرم بردست مانهادند وهديتهاى شريف بحجره مافرستادند ولباسهاى نفيس درمايوشيدند وطراز اعزاز براستين ماكشيدند ومارا بدان هيج فخرنه كفتند مهترا بس اختيار توجيست وافتخار توبجيست كفت اختيار ما آنست وافتخار مابدانست كه روزى ساعتى جوييم وبا اين فقراى مهاجرين جون بلال وصهيب وسلمان وعمار ساعتى حديث اوكييم

بردل ذكر امتش نثارست مرا ... وزفقر لباس اختيارست مرا

دينار ودرم بجه كارست مرا ... باحق همه كارجن بكارست مرا

بدانكه فقر دواست يكى آنست كه رسول خدا ازان استعاذه كرده كفته أعوذ بك من الفقر وديكر آنست كه رسول خدا كفته الفقر فخرى آن يكى نزديك بكفر واين يكى نزديك بحق اما آن فقركه بكفر نزديك است فقر دلست كه علم وحكمت واخلاص وصبر ورضا وتسليم وتوكل ازدل ببرد تادل ازين ولايتها درويش كردد وجون زمين خراب شود دل خراب شود منزل شيطان كردد آنكه جون شيطان فرود آمد سباه شيطان روى بوى نهند شهوت وغضب وحسد وشرك وشك وشبه ونفاق ونشان اين فقر آن بودكه هرجه بيند همه كثر بيند سمع اوهمه مجاز شنود زبان همه دروغ وغيبت كويد قدم بكوى همه ناشايست نهد اين آن فقرست كه رسول خدا كفت كاد الفقر أن يكون كفرا اللّه انى أعوذ بك من الفقر والكفر اما آن فقركه كفت الفقر فخرى آنست كه مرداز دنيا برهنه كردد ودرين برهنكى بدين نزديك كردد وفى الخبر ( الايمان عريان ولباسه التقوى ) هما نست كد متصوفه آنرا تجريد كويندكه مرد مجرد شوادز رسوم انسانيت جنانكه تيغ مجرد شوادز نيام خويش وتيغ مادامكه درنيام باشد هنرش آشكارا نكردد وفعل او بيدا نيايد همجنين دل تادر غلاف انسانيت است هنروى آشكارا نكردد وازوى كارى نكشايد جون از غلاف انسانيت برهنه كردد صورتها وصفتها درو بنمايد ، وقال الشيخ نجم الدين الكاشفى رحمه اللّه الافتقار على ثلاثة اقسام افتقار الى اللّه دون الغير واليه الاشارة بقوله عليه السلام ( الفقر سواد الوجه فى الدارين ) انتها وفى كل من الاحاديث المذكورة معانٍ اخر جلية على اولى الالباب وطعن اهل الحديث فى قوله ( الفقر فخرى لكن معناه صحيح اللهم اغننى بالافتقار اليك ) وسئل الحسين رحمه اللّه من الفقرآء قال ( الذين وقفوا مع الحق راضين على جريان ارادته فيهم ) وقال بعضهم هم الذين تركوا اكل سبب وعلاقة ولم يلتفتوا من الكونين الى شىء سوى ربهم فجعلهم اللّه ملوكا وخدمهم الاغنياء تشريفا لهم

وفى التأويلات النجمية ابدل اللّه من ذوى القربى المهاجرين الى اللّه اى ذووا القربى هم المهاجرون من قرية النفس الى مدينة الروح والقلب بالسير والسلوك وقطع المفاوز النفسانية والبواد الحيوانية المخرجون من ديار وجوداتهم واموال صفاتهم واخلاقهم الى حضرة خالقهم ورازقهم طالبين من فضله وجوده جوده ونور رضوان صفاته ونعوته ناصرين اللّه بمظهريتم لله الاسم الجامع ورسوله بمظهريتهم لاحكامه وشرآئعه الظاهرة اولئك هم الصادقون فى مقام الفناء عنهم فى ذواتهم وصفاتهم وافعالهم والبقاء به اى بذاته وصفاته وافعاله جعلنا اللّه واياكم هكذا بفضله

٩

{ والذين تبوأوا الدار والايمان } كلام مستأنف مسوق لمدح الانصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفيىء بهم احسن رضى واكمله والانصار بنوا الاوس والخزرج ابنى حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الازد بن الغوث بن نيت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان قال فى القاموس قحطان بن عامر بن شالخ ابو حى انتهى وهو اصل العرب العرباء ومن الانصار غسان كشداد ماء قرب الجحفة نزل عليه قوم من ولد الازد فشربوا منه فنسبوا اليه وأصل البوآء مساواة الاجزآء فى المكان خلال النبو الذى هو منافاة الاجزآء يقال مكان بوآء اذا لم يكن نابيا بنازله وبوأت له مكانا سويت ( وروى ) انه عليه السلام كان يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله وتبوؤا المنزل اتخاذه منزلا والتمكن والاستقرار فيه فالمتبوأ فيه لابد أن يكون من قبيل المنازل والامكنة والدار هى المدينة وتسمى قديما يثرب وحديثا طيبة وطابة كذلك بخلاف الايمان فانه ليس من هذا القبيل فمعنى تبوئهم الدار والايمان انهم اتخذوا المدينة والايمان مباءة وتمكنوا فيهما اشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان

وقيل ضمن النبوؤ معنى اللزوم

وقيل تبوأوا الدار وأخلصوا الايمان او قبلوه او آثروه كقول من قال علفتها تبنا وماء باردا ، اى وسقيتها ماء باردا فاختصر الكلام

وقيل غير ذلك.

يقول الفقير لعل اصل الكلام والذين تبوأوا دار الايمان فان المدينة يقال لها دار الايمان لكونها مظهره ومأوى اصله كما يقال لها دار الهجرة وانما عدل الى ماذكر من صورة العطف تنصيصا على ايمانهم اذ مجرد التبوء لايكفى فى المدح

{ من قبلهم } اى من قبل هجرة المهاجرين فقدر المضاف لان الانصار لم يؤمنوا قبل المهاجرين بل منهم من آمن قبل الهجرة ومنهم من آمن بعدها قال بعدها

قال بعضهم مراد انصارندكه درديار خود ايمان آوردند وبد وسال بيش ازقدوم حضرت مساجد ساختند ، وربوا الاسلام كما يربى الطير الفرخ قال فى الارشاد يجوز أن يجعل اتخاذ الايمان مباءة ولزومه واخلاصه عبارة عن اقامة كافة حقوقه التى من جملتها اظهار عامة شعائره واحكامه ولا ريب فى تقدم الانصار فى ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن اظهار بعضها لا عن اخلاصه قلبا واعتقادا اذ لايتصور تقدمهم عليهم فى ذلك وفى الآية اشارة الى دار القلب التى هى دار الصدق والاخلاص والى الايمن الاختصاصى الوهبى بتحقيقه وتثبيته

{ يحبون من هاجر اليهم } خبر للموصول اى يحبونهم من حيث مهاجرتهم اليهم لمحتبهم الايمان ولان اللّه وحبيبه احباهم وحبيب الحبيب حبيب وفى كشف الاسرار كنايتست ازمهمان دوستى انصار

{ ولايجدون فى صدورهم } اى فى نفوسهم

{ حاجة } اى شيأ محتاجا اليه

{ مما اوتوا } اى مما اوتى المهاجرون من الفيىء وغيره ومن بيانية يقال خذ منه حاجتك اى ماتحتاج اليه والمراد من نفى الوجدان نفى العلم لان الوجدان فى النفس ادراك علمى وفيه من المبالغة ماليس فى يعلمون وقال بعضهم طلب محتاج اليه يعنى ان نفوسهم لم تبتغ ما اوتوا ولم تطمح الى شىء منه يحتاج اليه

وقيل وجدا على تقديمهم عليهم وغيظا وحسدا ونحو ذلك قال الراغب الحاجة الى الشىء الفقر اليه من محبته

{ ويؤثرون } اى يقدمون المهاجرين فالمفعول محذوف

{ على انفهسم } فى كل شىء من اسباب المعاش جودا وكرما حتى ان من كان عنده امرأتان كان ينزل عن احداهما ويزوجها واحدا منهم والايثار عطاؤك ما أنت تحتاج اليه وفى الخبر

( لم يجتمع فى الدنيا قوم قط الا وفيهم اسخياء وبخلاء الا فى الانصار فان كلهم اسخياء مافيهم بخيل )

{ ولو كان بهم خصاصة } اى حاجة وخلة واصلها خصاص البيت وهى فرجة شبه حالة الفقر والحاجة ببيت ذى فرج فى الاشتمال على مواضع الحاجة قال الرغب عبر عن الفقر الذى لايسد بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة والخص بيت من قصب وشجر وذلك لما يرى منه من الخصاصة وكان عليه السلام قسم أماول بنى النضير على المهاجرين ولم يعط الانصار الا ثلاثة نفر محتاجين ابا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة رضى اللّه عنهم وروى لم يعط الا رجلين سهلا وابا دجانة فان الحارث بن الصمة قتل فى بئر معونة وقال لهم ان شئتم قسمتم للمهاجرين من اموالكم ودياركم وشاركتموهم فى هذه الغنيمة وان شئتم كانت لكم دياركم واموالكم ولم يقسم لكم شىء من الغنيمة فقالت الانصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارانا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وكان عليه السلام أعطى بعض الاراضى وابقى بعضها يزرع له ولما أعطى المهاجرين امرهم برد ما كان للانصار لاستغنائهم عنهم ولانهم ولم يكونوا ملوكهم وانما كانوا دفعوا لهم تلك النخيل لنتفعوا بثمرها ويدخل فى ايثارهم المهاجرين بالفيىء سائر الايثارات وعن انس رضى اللّه عنه انه قال اهدى لرجل من الانصار رأس شاة وكان مجهودا فوجه به الى جار له زاعما انه احوج اليه منه فوجه جاره ايضا الى آخر فلم يزل يبعث به واحدا الى آخر حتى تداول ذلك الرأس سبعة بيوت الى أن رجع الى المجهود الاول قال حذيفة العدوى انطلقت يوم اليرموك اطلب ابن عم لى ومعى شىء من الماء وانا اقول ان كان به رمق سقيته فاذا أنا به فقلت اسقيك فأشار برأسه أن نعم فاذا برجل يقول آه آه فأشار الى ابنى عمى ان انطلق اليه فاذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك فأشار أن نعم فسمع آخر يقول آ آه فأشار هشام أن انطلق اليه فجئت اليه فاذا هو قد مات فرجعت الى هشام فاذا هو قد مات فرجعت الى ابن عمى فاذا هو قد مات وهذا من قبيل الايثار باللنفس وهو فوق الايثار بالمال

فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد

وقال فى التكملة الصحيح ان الآية نزلت فى أبى طلحة الانصارى رضى اللّه عنه حين نزل برسول اللّه عليه السلام ضيف ولمن يكن عنده مايضيفه به فقال ألا رجلا يضيف هذا رحمه اللّه فقام أبو طلحة فانطلق به الى رحله وقال لامرأته اكرمى ضيف رسول اللّه فنومت الصبية واطفأت السراج وجعل الضيف يأكل وهما يريان انهما يأكلان معا ولايفعلان فنزلت الآية وكان قناعت السلف اوفر ونفوسهم اقنع وبركتهم اكثر ونحن نؤثر أنفسنا على الغير فاذا وضعت مائدة بين ايدينا يريد كل منا آن يأكل قبل الآخر ويأخذ اكثر مما يأخذ الرفيق ولذلك لم توجد بركة الطعام وينفد سريعا ويروى انه وقع بين ملك ووزيره انه قال الملك ان العلماء احسن حالا واصلح بالا من الفقرآء وقال الوزير بخلاف ذلك ثم قال الوزير نمتحنهما فى أمرين فبعث احدا بعده آلاف درهم الى اهل المدرسة فقال اذهب وقل لهم ان الملك امرنى أن أعطى هذه الدراهم افضلكم واكملكم فمن هو فقال واحد منهم انا وقال الآخر كذب بل هو انا وهكذا ادعى كل منهم الافضلية فقال الرسول لم يتميز الأفضل عندى ولم أعرفه ولم يعط شيأ فعاد واخبر بما وقع ثم ارسل الوزير تلك الدراهم الى اهل الخانقاه ففعلوا عكس مافعله العلماء واعطى بيده سيفا فقال اذهب فقل لهم ان الملك امرنى أن اضرب عنق رئيسكم فمن هو فقال واحد انا وقال الآخر ل انا وهكذا قال كل منهم ايثار ابقاء اخيه واختيار فدآء رفيقه بنفسه فقال الرسول لم يتميز ماهو الواقع عندى فرجع وأخبر بما وقع فأرسل السيف الى العلماء ففعلوا عكس ما فعلوه الفقرآء فحج عليه بذلك الوزير على الامير وان تشاهد أن فقرآء زماننا على عكس هؤلاء الفقرآء فى البلاد والممالك قال أبو يزيد البسطامى قدس سره غلبنى رجل شاب من اهل بلخ حيث قال لى ماحد الزهد عندكم فقلت اذا وجدنا اكلنا واذا فقدنا صبرنا فقال هذا فعل كلاب بلخ عندنا بل اذا فقدنا شكرنا واذا وجدنا آثرنا

كريم كامل آنرامى شناسم اندرين دوران ... كه كرنانى رسد آزآسياى جرخ كردانش

زاستغناى همت باوجود فقر وبى بركى ... زخود واكير دوسازد ننثار بى نوا بانش

وفى العوارف من اخلاق الصوفية الايثار والمواساة وحملهم على ذلك فرط الشفقة والرحمة طبعا وقوة اليقين شرعا لانهم يؤثرون الموجود ويصبرون على المفقود قال يوسف بن الحسين رحمه اللّه من رأى لنفسه ملكا لايصح له الايثار لانه يرى نفسه احق بالشىء برؤية ملكه انما الايثار لمن يرى الاشياء للحق فمن وصل اليه فهو احق به فاذا وصل شىء من ذلك اليه يرى نفسه ويده فيه غصب اويد امانة يوصلها الى صاحبها ويؤديها اليه ، معاذ بن جبل راديدندكه دربازار مكه ميكر ديد وزيره تره ميجيد وميكفت هذا ملكك مع رضاك وملك الدنيا مع سخطك

خيز يارا تابميخانه زمانى دم زنيم ... آتش اندر ملكت آل بنى آدم زنيم

هرجه اسبابست جمع آييم وبس جمع آوريم ... بس بحكم حال بيزارى همه برهم زنيم

{ ومن يوق شح نفسه } وهركه نكاه داشته شود ازبخل نفس او يعنى منع كند نفس را از حب مال وبغض اتفاق الوقاية حفظ الشىء مما يؤذيه ويضره والشح بالضم والكسر بخل مع حرص فيكون جامعا بين ذميمتين من صفات النفس وأضافته الى النفس لانه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذى هو البخل اى ومن يوق بتوفيق اللّه شحها حتى يخالفها فيما يغلب علها من حب المال وبغض الاتفاق

{ فاولئك هم المفلحون } الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه والفلاح اسم لسعادة الدارين والجملة اعتراض وارد لمدح الانصار والثناء عليهم فان الفتوة هى الاوصاف المذكورة فى حقهم فلهم جلائل الصفات ودقائق الاحوال ولذا قال عليه السلام ( آية الايمان حب الانصار ) قال السهروردى فى العوارف السخاء صفة غريزية فى مقابلة الشح والشح من لوازم صقة النفس حكم اللّه بالفلاح لمن يوقى الشح اى لمن أنفق وبذلك والنبى عليه السلام نبه بقوله ( ثلاث مهلكات وثلاث منجيات ) فجعل احدى المهلكات شحا مطاعا ولم يقل مجرد الشح يكون مهلكا بل انما يكون مهلكا اذا كان مطاعا فاما كونه موجودا فى النفس غير مطاع لاينكر ذلك لانه من لوازم النفس مستمد من اصل جبلتها الترابى وفى التراب قبض وامساك وليس ذلك بالعجب من الآدمى وهو جبلى فيه وانما العجب وجود السخاء فى الغريزة وهو فى نفوس الصوفية الداعى لهم الى البذل والايثار والسخاء اتم واكمل من الجود وفى مقابلة الجود البخل وفى مقابلة السخاء الشح الجود والبخل يتطرق اليهما الاكتساب بطريق العادة بخلاف الشح والسخاء اذا كانا من ضرورة الغريزة وكل سخى جواد وليس كل جواد سخيا ولاحق تعالى لايوصف بالسخاء لان السخاء من نتيحة الغرآئز واللّه تعالى منزه عن الغريزة والجود يتطرق اليه الرياء ويأتى به الانسان متطلعا الى عوض من الخلق والثواب من اللّه تعالى والسخاء لا يتطرق اليه الرياء لانه ينبع من النفس الزكية المرتفعة عن الاعواض دنيا وآخرة لان طلب العوض مشعر بالبخل لكونه معلولا بالعوض فاتمحض سخاء فالسخاء لأهل الصفاء والايثار لاهل الانوار وقال الحسن رحمه اللّه الشح هو العمل بالمعاصى كأنه يشح بالطاعة فدخل فيه ماقيل الشح أن تطمح عين الرجل الى ماليس له وقال عليه السلام

( من الشح نظرك الى امرأة غيرك ) وذلك فان الناظر يشح بالغض والعفة فلا يفلح ( وروى ) ان رجلا قال لعبد اللّه بن مسعود رضى اللّه عنه انى أخاف أن اكون قد هلكت قال وما ذاك قال اسمع اللّه يقول

{ ومن يوق شحن نفسه فاولئك هم المفلحون } وأنا رجل شحيح لايكاد يخرج من يدى شىء فقال عبداللّه ليس المراد الشح الذى ذكر اللّه فى القرءآن أن تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذاك البخل ورئيس الشىء البخل وفسر الشح بغير ذلك وعن الحكيم الترمذى قدس سره الشح اضر من الفقر لان الفقير يتسع اذا وجد بخلاف الشحيح وعن أبى هريرة رضى اللّه عنه انه سمع رسول اللّه عليه السلام يقول ( لايجتمع غبار فى سبيل اللّه ودخال جنهم فى جوف عبد ابدا ولا يجتمع الشح والايمان فى قلب عبد ابدا ) وقال عليه السلام ( من أدى الزكاة المفروضة وقرى الضيف واعطى فى النائبة فقد برىء من الشح والشح اقبح من البخل ) وقال عليه السلام ( اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فانه اهلك من كان قبلكم فحملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلواك محارهم ) ( قال الحافظ )

احوال كنج قارون كايام داد برباد ... باغنجة باز كويد تا زر نهان ندارد

( وقال المولى الجامى فى ذم الخسيس الشحيح )

هرجند زندلاف كرم مرد درم دوست ... در يوزه احسان زدرا ونتوان كرد

ديرين مثلى هست كه از فضله حيوان ... نار نج توان ساخت ولى بو نتوان كرد

١٠

{ والذين جاؤا من بعدهم } هم الذين هاجروا بعد ماقوى الاسلام فالمراد جاؤا الى المدينة او التابعون باحسان وهم الذين بعد الفريقين الى يوم القيامة ولذلك قيل ان الآية قد استوعبت جميع المؤمنين فالمراد حينئذ جاؤا الى فضاء الوجود وفى الحديث ( مثل امتى مثل المطر لايدرى اوله خير ام آخره ) يعنى در منفعت وراحت همجون باران بهار انند بارانرانندكه اول آن بهترست ياآخر نفعى است عامر او عامه خلق را حال امت من همجنين است همان درويشان آخر الزمان آن شكستكان سرافكنده وهمين عزيزان وبزركوران صحابههمه برادرانند ودر مقام منفعت وراحت همه يكدست ويكسانند هم كالقطر حيث ماوقع نفع بر مثال بارانند ياران هركجاكه رسد نفع رساند هم در بوستان هم در خارستان هم بريحان وهم بر ام غيلان همجنين اهل اسلام درراحت يكديكر ورأفت بريكديكر يكسانند ويك نشانند

{ يقولون } خبر للموصول والجملة مسوقة لمدحهم بمحتبهم لمن تقدمهم من المؤمنين ومراعاتهم لحقوق الآخرة فى الدين والسبق بالايمان اى يدعون لهم قائلين

{ ربنا اغفر لنا } مافرط منا

{ ولاخواننا } أى فى الدين الذى هو اعز واشرف عندهم من النسب

{ الذين سبقونا بالايمان } وصفوهم بذلك اعترافا بفضلهم

جو خواهى كه نامت بود جاودان ... مكن نام نيك بزركان نهان

قدموا انفسهم فى طلب المغفرة لما فى المشهور من ان العبد لابد أن يكون مغفور له حتى يستجاب دعاؤه لغيره وفيه حكم بعدم قبول دعاء العاصين قبل أن يغفر لهم وليس كذلك كما دلت عليه الاخبار فلعل الوجه ان تقديم النفس كونها اقرب النفوس مع ان فى الاستغفار اقرارا بالذنب فالاحسن للعبد أن يرى او لاذنب نفسه كذا فى بعض التفاسير يقول الفقير نفس المرء أقرب اليه من نفس غيره فكل جلب او دفع فهو انما يطلبه اولا لنفسه لاعطاء حق الاقدم

واما غيره فهو بعده ومتأخر عنه وايضا ان ذنب نفسه مقطوع بالنسبة اليه

واما ذنب غيره فمحتمل فلعل اللّه قد غفر له وهو لايدرى وايضا تقديمهم فى مثل هذا المقام لايخلوا عن سوء أدب وسوء ظن فى حق السلف

{ ولاتجعل فى قلوبنا غلا } اى حقدا وهو ذميمة فاحشة فورد المؤمن ليس بحقود يعنى كينه كش.

قال الراغب الغل والغلول تدرع الخيانة والعداوة لان الغلالة اسم مايلبس بين الشعار والدتار وتستعار للدرع كما تستعار الدرع لها

{ للذين آمنوا } على اطلاق صحابة او تابعين وفيه اشارة الى أن الحقد على غيرهم لائق لغيرة الدين وان لم يكن الحسد لائقا ( قال الشيخ سعدى )

دلم خانه مهريارست وبس ... از ان مى نكنجد درو كين كس

{ ربنا انك رؤف رحيم } اى مبالغ فى الرأفة والرحمة فحقيق بأن يجيب دعاءنا وفى الآية دليل على ان الترحم والاستغفار واجب على المؤمنين الآخرين للسابقين منهم لاسيما لآبائهم ولمعلمهم امور الدين قالت عائشة رضى اللّه عنها امروا أن يستغفروا لهم فسبوهم وفى الحديث

( لاتذهب هذه الامة حتى يعلن آخرها اولها ) وعن عطاء قال قال عليه السلام ( من حفظنى فى اصحابى كنت له يوم القيامة حافظا ومن شتم اصحابى فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين ) فالرافضة والخوارج ونحوهم شر الخلائق خارجون من اقسام المؤمنين لان اللّه تعالى رتبهم على ثلاثة منازل المهاجرين والانصار والتابعين الموصوفين بما ذكر اللّه فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من اقسامهم قال حجة الاسلام الغزالى رحمه اللّه يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين رضى اللّه عنه وحكاياته وماجرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فانه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم اعلام الدين وماوقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة فلعل ذلك الخطأ فى الاجتهاد لا لطلب الرياسة او الدنيا كما لايخفى وقل فى شرح الترغيب والترهيب المسمى بفتح القريب والحذر ثم الحذر من التعرض لما شجر بين الصحابة فانهم كلهم عدول خير القرون مجتهدون مصيبهم له اجران ومخطئهم له أجر واحد وقال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام فى فصل آفات اللسان الخوض فى الباطل هو الكلام فى المعاصى كحكاية أحوال الوقاع ومجالس الخمور وتجبر الظلمة وحكاية مذاهب أهل الاهوآء وكذا حكاية ماجرى بين الصحابة رضى اللّه عنهم

اى دل از من اكر بجويى بند ... رو باصحاب مصطفى دل بند

همه ايشان آمده ذيشان ... خواهشى كن شفاعتى زيشان

وقال بعض أهل الاشارة ربنا اغفر لنا اى استر ظلمة وجودنا بنور وجودك واستر وجودات اخواننا الذين سبقونا بالايمان وهم الروح السر والقلب السابقون فى السلوك من قرية النفس الى مدينة الروح المؤمنين بأن الفناء الوجودى الامكانى يستلزم الوجود الواجبى الحقانى ولاتجعل فى قلوبنا شك الاثنينية والغيرية للذين آمنوا باخوانية المؤمنين لقوله تعالى

{ انما المؤمنون اخوة } انك رؤف بمن شاهد الكثرة قائمة بالوحدة رحيم بمن شاهد الوحدة ظاهرة بالكثرة وفى تكرير ربنا اظهار لكمال الضراعة وفى الأثر ( من حز به أمر فقال خمس مرات ربنا انجه اللّه مما يخاف ) قال الامام الرازى اعلم ان العقل يدل على تقديم ذكر اللّه فى الدعاء لان ذكر اللّه تعالى بالثناء والتعظيم بالنسبة الى جوهر الروح كالاكسير الاعظم بالنسبة الى النحاس فكما ان ذرة من الاكسير اذا وقعت على عالم النحاس انقلب الكل ذهبا ابريزا فكذا اذا وقعت ذرة من اكسير معرفة جلال اللّه تعالى على جوهر الروح قوى صفاء وكمل اشراقا ومتى صار كذلك كانت قوته أقوى وتأثيره اكمل وكان حضور الشىء المطلوب عنده اقوى واكمل وهذا هو السبب فى تقديم الدعاء بالثناء انتهى والوارد فى القرءآن من الدعاء مذكور غالبا بلفظ الرب فان على العبد أن يذكر اولا ايجاد اللّه واخراجه من العدم الى الوجود الذى هو أصل المواهب ويتفكر فى تربية اللّه اياه ساعة فساعة

واما دعوات رسول اللّه عليه السلام فاكثرها الابتداء بقوله اللهم لانه مظهر الاسم الجامع وقد كان يجمع بينهما ويقول اللهم ربنا كما جمع عيسى عليه السلام وقال اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء واللّه سميع الدعاء وقابل الرجاء

١١

{ الم تر } استئناف لبيان التعجب مما جرى بين الكفرة والمنافقين من الاقوال الكاذبة والاحوال الفاسدة والمعنى آيانكاه نكرده يامحمد أو يا من له حظ من الخطاب

{ الى الذين نافقوا } من اهل المدينة قال الراغب النفق الطريق النافذ والسرب فى الارض النافذ ومنه نافقاء اليربوع وقد نافق اليربوع ونفق ومنه النفاق وهو الدخول فى الشرع من باب والخروج عنه من باب على هذا نبه بقوله

{ ان المنافقين هم الفاسقون } اى الخارجوع عن الشرع

{ يقولون لاخوانهم الذين كفروا من اهل الكتاب } اللام للتبليغ والمراد بالاخوان بنوا النضير وبأخوتهم اما توافقهم فى الكفر فان الكفر ملة واحدة او صداقتهم وموالاتهم

{ لئن اخرجتم } اللام موطئة للقسم وهى اللام الداخلة على حرف الشرط بعد تمام القسم ظاهرا او مقدرا ليؤذن ان الجواب له للشرط وقد تدخل علىغير الشرط والمعنى واللّه لئن اخرجتم أيها لاخوان من دياركم وقراكم قسرا باخراج محمد واصحابه اياكم منها

{ لنخرجن معكم } البتة ونذهبن فى صحبتكم اينما ذهبتم لتمام المحبة بيننا وبينكم وهو جواب للقسم وجواب الشرط مضمر ولما كان جواب القسم وجواب الشرط متماثلين اقتصر على جواب القسم واضمر جواب الشرط وجعل المذكور جوابا للقسم بسعة وكذا قوله

{ لا يخرجون معهم } وقوله

{ لا ينصرونهم } كل واحد منهما جواب القسم ولذلك رفعت الافعال ولم تجزم وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه

{ ولا نطيع فيكم } اى فى شأنكم

{ احدا } يمنعنا من الخروج معكم

{ ابدا } وان طال الزمان ونصبه على الظرفية وهو لاستغراق المستقبل كما ان الازل لاستغراق الماضى ولاستعمالهما فى طول الزمانين جدا قد يضافان الى جمعهما فيقال أبد الآباد وازل الآزال

واما السرمد فلاستغراق الماضى والمستقبل يعنى لاستمرار الوجود لا الى نهاية فى جانبهما ( ومنه قول المولى الجامى )

دردت زازل آيد تاروز ابد بايد ... جوق شكر كزار دكس اين دولت سرمدرا

{ وان قوتلتم } اى قاتلكم محمد واصحابه حذفت منه اللام الموطئة

{ لننصرنكم } اى لنعاوننكم على عدوكم ولا نخذلكم

{ واللّه يشهد انهم لكاذبون } فى مواعيدهم المؤكدة بالايمان الفاجرة

١٢

{ لئن اخرجوا } قهرا واذلالا

{ لايخرجون معهم } الخ تكذيب لهم فى كل واحد من اقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم فى الكل على الاجمال

{ ولئن قوتلوا لاينصرونهم } وكانا الامر كذلك فان ابن أبى واصحابه ارسلوا الى بنى النضير وذلك سرا ثم اخلفوهم يعنى ان ابن أبى ارسل اليهم لاتخرجوا من دياركم واقيموا فى حصونكم فان معى ألفين من قومى وغيرهم من العرب يدخلون حصنكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل اليكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع بنوا النضير فيما قاله اللعين وهو جالس فى بيته حتى قال احد سادات بنى النضير وهو سلام بن مشكم لحيى بن أخطب الذى كان هو المتولى لامر بنى النضير واللّه ياحيى ان قول ابن ابى الباطل وليس بشىء وانما يريد أن يورطك فى الهلكة حتى تحارب محمدا فيجلس فى بيته ويتركك فقال حيى نأبى الا عداواة محمد والا قتاله فقال سلام فهو واللّه جلاؤنا من ارضنا وذهاب أموالنا وشرفنا وسبى ذرارينا مع قتل مقاتلينا فكان ماكان كما سبق فى اول السورة وفيه حجة بينة لصحة النبوة واعجاز القرءآن

اما الاول فلانه أخبر عما سيقع فوقع كما اخبر وذلك لان نزول الآية مقدم على الواقعة وعليه يدل النظم فان كلمة ان للاستقبال

واما الثانى فمن حيث الاخبار عن الغيب

{ ولئن نصروهم } على الفرض والتقدير

{ ليولن الادبار } فرارا وانهزاما جمع دبر ودبر الشىء خلاف القبل اى الخلف وتولية الادبار كناية عن الانهزام الملزوم لتولية الادبار قال فى تاج المصادر التولية روى فراكردن وبشت بكردانيدن . وهى من الاضداد

{ ثم لاينصرون } اى المنافقون بعد ذلك اى يهلكهم اللّه ولاينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم بنصرهم اليهود او لينهزمن اليهود ثم لاتنفعهم نصرة المنافقين وفى الآية تنبيه على ان من عصى اللّه ورسوله وخالف الامر فهو مقهور فى الدنيا والآخرة وان كان سلطانا ذا منعة وما يقع احيانا من الفرصة فاستدرج وغايته الى الخذلان

صعوه كوبا عقاب سازد جنك ... دهد از خون خود برش رارنك

واشارة الى ان الهوى وصفاته كالمنافقين والنفس الكافرة واتباعها كاليهود وبينهما اخوة وهى الظلمة الذاتية والصفاتية وبين حقائقهما وحقائق الروح والسر والقلب تنافر كتنافر النور والظلمة فالهوى وصفاته يقولون للنفس وصفاتها لان اخرجكم الروح والسر والقلب من ديار وجوداتكم وأنانياتكم بسبب غلبة انوارهم على ظلمات وجوداتكم لنخرجن معكم ولاتخالفكم وان قوتلتم بسيف الرياضة ورمح المجاهدة نقويكم بالقوى الشهوانية الحيوانية الهيمية السبعية وهم لايقدرون على شىء بغير اذن اللّه فهم كاذبون فى قولهم ولايخرج الهوى وصفاته معهم لان الهوى والنفس وان كانا متحدين بالذات لكنهما مختلفان بالصفات كاختلاف زيد وعمرو فى الصفات واتحادهما فى الذات وهو الانسانية وارتفاع احدهما لايستلزم ارتفاع الآخر والهوى بسبب غلبة روحانية القالب عليه يميل الى الروح تارة وبسبب غلطته ايضا يميل الى النفس اخرى فلا ينصر النفس دآئما ولئن نصرها بنفخ نار الظلمة فى حطب وجودها لينهزم بسبب سطوات اشعة انوار الروح والسر والقلب انهزام النور من الظلمة ونفار الليل من النهار ألا ان حزب اللّه هم الغالبون

١٣

{ لانتم } يامعشر المسلمين وبالفارسية هرآينه شماكه مؤمنانيد

{ اشد رهبة } الرهبة مخافة مع تحتزن واضطراب وهى هنا مصدر من المبنى للمفعول وهو رهب اى أشد مرهوبية وذلك لان أنتم خطاب للمسلمين والخوف ليس واقعا منهم بل من المنافقين فالمخاطبون مرهوبون غير خائفين

{ فى صدورهم } اى صدور المنافقين

{ من اللّه } اى من رهبة اللّه بمعنى مرهوبيته قال فى الكشاف قوله فى صدورهم دال على نفاقهم يعنى انهم يظهرون لكم فى العلانية خوف اللّه وأنتم اهيب فى صدورهم من اللّه فان قلت كأنهم كانوا يرهبون من اللّه حتى يكون رهبتهم منه أشد قلت معناه ان رهبتهم فى السر منكم أشد من رهبتهم من اللّه التى يظهر ومنها لكم وكانوا يظهرون رهبة شديدة من اللّه.

يقول الفقير انما رهبوا من المؤمنين لظهور نور اللّه فيهم فكما ان الظلمة تنفر من النور والاتقاومه فكذا أهل الظلمة ينفر من أهل النور ولايقوم معه ومرادنا بالظلمة ظلمة الشرك والكفر والرياء والنفاق وبالنور نور التوحيد والايمان والاخلاص والتقوى ولذلك قال تعالى

{ اعلموا ان اللّه مع المتقين } حيث ان اللّه تعالى اثبت معيته لأهل التقوى فنصرهم على مخالفيهم

{ ذلك } اى ماذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة اللّه

{ بانهم } اى بسبب انهم

{ قوم لايفقهون } اى شيأ حتى يعلموا عظمة اللّه تعالى فيخشوه حق خشيته قال بعض الكبار ليس العظمة بصفة للحق تعالى على التحقيق انما هى صفة للقلوب العارفة به فهى عليها كالردآء على لابسه ولو كانت العظمة وصفا للعظيم لعظم كل من رأه ولم يعرفه وفى الحديث ( ان اللّه يتجلى يوم القيامة لهذه الامة وفيها منافقوها فيقول أنا ربكم فيستعيذون به منه ولايجدون له تعظيما وينكرونه لجهلهم به ) فاذا تجلى لهم فى العلامة التى يعرفونه بها وجدوا عظمته فى قلوبهم وخروا له ساجدين والحق اذا تجلى لقلب عبد ذهب منه اخطار الاكوان ومابقى الا عظمة الحق وجلاله وفيه تنبيه على ان من علامات الفقه أن يكون خوف العبد من اللّه أشد من خوفه من الغير وتقبيح لحال اكثر الناس على ماترى وتشاهد قال عليه السلام ( من يرد اللّه به خيرا يفقهه فى الدين ) قال بعض العارفين الفقيه عند أهل اللّه هو الذى لايخاف الا من مولاه ولا يراقب الا اياه ولا يلتفت الى ماسواه ولا يرجوا الخير من الغير ويطير فى طلبه طيران الطير قال بعض الكبار لانقص الكمل من الرجال خوفهم من سبع او ظالم او نحو ذلك لان الجزع فى النشأة الانسانية اصلى فالنفوس ابدا مجبولة على الخوف ولذة الوجود بعدم العدم لايعدلها لذة وتوهم العدم العينى له ألم شديد فى النفوس لايعرف قدره الا العلماء باللّه فكل نفس تجزع من العدم أن يلحق بها او بما يقاربها وتهرب منه وترتاع وتخاف على ذهاب عينها فالكامل اضعف الخلق فى نفسه لما يشهده من الضعف فى تألمه بقرصة برغوث فهو آدم ملئان بذله وفقره مع شهوده اصله علما وحالا كشفا ولذلك لم يصدر قط من رسول ولا نبى ولا ولى كامل فى وقت حضوره انه ادعى دعوى تناقض العبودية ابدا

١٤

{ لايقاتلونكم } اى اليهود والمنافقون بمعنى لايقدرون على قتالكم ولايجترئون عليه

{ جميعا } اى مجتمعين منفقين فى موطن من المواطن

{ الا فى قرى } جمع قرية وهى مجتمع الناس للتوطن

{ محصنة } محكمة بالدروب والخنادق وما اشبه ذلك قال الراغب اى مجعولة بالاحكام كالحصون

{ او من ورآء جدر } دون أن يحضروا لكم ويبارزوكم اى يشافهوكم بالمحاربة لفرط رهبتهم جمع جدار وهو كالحائط الا ان الحائط يقال اعتبارا بالاحاطة بالمكان والجدار يقال اعتبار بالنتو والارتفاع ولذا قيل جدر الشجر اذا خرج ورقه كأنه حمص وجدر الصبى اذا خرج جدرية تشبيها بجدر الشجر

{ بأسهم بينهم شديد } استئناف سيق لبيان ان ماذكر من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم فى انفسهم فان بأسهم وحربهم بالنسبة الى اقرانهم شديد وانما ضعفهم وجبنهم بالنسبة اليكم بما قذف اللّه فى قلوبهم من الرعب وايضا ان الشجاع يجبن والعزيز يذل اذا حارب اللّه ورسوله قال فى كشف الاسرار اذا أراد اللّه نصرة قوم استأسد أرنبهم واذا أراد اللّه قهر قوم استرنب اسدهم

اكر مردى ازمردى خود مكوى ... نه هرشهسوارى بدر برى كوى

ان قيل ان البأس شدة الحرب فما الحاجة الى الحكم عليه بشديد أجيب بأنه أريد من البأس هنا مطلق الحرب فاخبر بشدته لتصريح الشدة او أريد المبالغة فى اثبات الشدة لبأسهم مبالغة فى شدة بأس المؤمنين لغلبته على بأسهم بتأييد اللّه ونصرته لهم عليهم والظرف متعلق بشديد والتقديم للحصر ويجوز أن يكون متعلقا بمقدر صفة او حالا اى باسهم الواقع بينهم او واقعا بينهم فقولهم الظرف الواقع بعد المعرفة يكون حالا البتة ليس بمرضى فان الامرين جائزان بل قد ترحج الصفة

{ تحسبهم } يا محمد او يأكل من يسمع ويعقل

{ جميعا } مجتمعين متفقين ذوى ألفة واتحاد

{ وقلوبهم شتى } اى والحال ان قلوبهم متفرقة لا الفة بينها فهم بخلاف من وصفهم بقوله

{ ولكن اللّه ألف بينهم } جمع شتيت كمرضى ومريض وبالفارسية براكنده وبريشان ، يقال شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت وجاؤا اشتاتا اى متفرقين فى النظام وفى الآية تشجيع لقلوب المؤمنين على قتالهم وتجسير لهم وان اللائق بالمؤمن الاتفاق والاتحاد صورة ومعنى كما كان المؤمنون متفقين فى عهد النبى عليه السلام ويقال الاتفاق قوة والافتراق هلكة والعدو ابليس يظفر فى الافتراق بمراده قال سهل أهل الحق مجتمعون ابدا موافقون وان تفرقوا بالابدان وتباينوا بالظواهر واهل الباطن متفرقون ابدا وان اجتمعوا بالابدان وتوافقوا بالظواهر لان اللّه تعالى يقول

{ تحسبهم } الخ

{ ذلك بأنهم } اى ماذكر من تشتت قلوبهم بسبب انهم

{ قوم لايعقلون } اى لايعقلون شيأ حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون فى تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وتشتت القلوب يوهن قواهم لان صلاح القلب يؤدى الى صلاح الجسد وفساده الى فساده كما قالوا كل اناء يترشح بما فيه علم ان اللّه تعالى ذم الكفار فى القرءآن بكل من عدم الفقه والعلم والعقل قال الراغب الفقه هو التوصل الى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم والعلم ادراك الشىء بحقيقته وهو نظرى وعملى وايضا عقلى وسمعى والعقل يقول للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذى يستفيده الانسان بتلك القوة عقل ولهذا قال امير المؤمنين على رضى اللّه عنه ، وان العقل عقلان ، فمسموع ومطبوع ، ولانفع مطبوع ، اذا لم يك مسموع ، كما لاتنفع الشمس ، وضوء العين ممنوع ، والى الاول أشار عليه السلام بقوله

( ماخلق اللّه شيأ اكرم عليه من العقل ) والى الثانى أشار بقوله ( ماكسب احد شيأ افضل من عقل بهدية الى هدى او يرده عن ردى ) وهذا العقل هو المعنى بقوله

{ ومايعقلها الا العالمون } وكل موضع ذم الكفار بعدم العقل فاشار الى الثانى دون الاول وكل موضع رفع التكليف عن لعبد لعدم العقل فاشارة الى الاول انتهى

وفى الحديث ( العقل نور فى القلب يفرق به بين الحق والباطل ) وعن انس رضى اللّه عنه قيل يارسول اللّه الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب قال ( وما من آدمى الا له ذنوب وخطايا يقترفها فمن كان سجيته العقل وغريزته اليقين لم تضره ذنوبه ) قيل كيف ذلك يارسول اللّه قال ( لانه كلما اخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه فيمحو ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة ) وعنه ايضا رضى اللّه عنه أتى قوم على رجل عند رسول اللّه حتى بالغوا فى الثناء بخصال الخير فقال رسول اللّه ( كيف عقل الرجل ) فقالوا يارسول اللّه نخبرك عنه باجتهاده فى العبادة واصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال نبى اللّه ( ان الأحمق يصيب بحمقه اعظم من فجور الفاجر وانما يرتفع العباد غدا فى الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم ) قال على بن عبيدة العقل ملك والخصال رعية فاذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل اليها فسمعه اعرابى فقال هذا الكلام يقطر عسله وقال بعضهم اذا كمل العقول نقص الفضول اى لان العقل يعقله ويمنعه عما لا يعنيه كل شىء اذا كثر رخص غير العقل فان اذا كثر غلا وقال اعرابى لو صور العقل لاضلمت معه الشمس ولو صور الحمق لاضاء معه الليل انور شىء والحمق اظلمه وقبل العاقل يعيش بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته اى ففى العقل قوة شجاعة الأسد ويعلم منه بالمقايسة ان فى الحمق ضعف حال الأرنب ونحوه

كشتى بى لنكر آمد مردشر ... كه زباد كر نيابد او حذر

لنكر عقلست عاقل را امان ... لنكرى در يوزه كن از عاقلان

١٥

{ كمثل الذين من قبلهم } خبر متبدأ محذوف تقديره مثلهم اى مثل المذكورين من اليهود والمنافقين وصفتهم العجيبة وحالهم الغريبة كمثل أهل بدر وهم مشركوا اهل مكمة او كمثل بنى قينقاع على ماقيل انهم اخرجوا قبل بنى النضير وبنوا قينقاع مثلثة النون والضم اشهر كانوا اشجع اليهود واكثرهم اموالا فلما كانت وقعة بدر اظهروا البغى والحسد ونبذوا العهد كبنى النضير فأخرجهم رسول اللّه من المدينة الى الشأم اى لان قريتهم كانت من اعمالها ودعا عليهم فلم يدر الحول عليهم حتى هلكوا اجمعون وقد عرفت قصتهم فى الجلد الاول

{ قريبا } انتصابه بمثل اذ التقارير كوقوع مثل الذين الخ يعنى بدلالة المقام لا لاقتضاء الاقرب اى فى زمان قريب قال مجاهد كانت وقعة بدر قبل غزوة بنى النضير بستة اشهر فلذلك قال قريبا فتكون قبل وقعة أحد

وقيل بسنتين فتكون تلك الغزوة فى السنة الرابعة لان غزوة بنى النضير كانت بعد أحد وهى كانت بعد بدر بسنة

{ ذاقوا وبال امرهم } قال الراغب الوبل والوابل المطر الثقيل القطار ولمراعاة الثقل قيل للامر الذى يخاف ضرره وبال وطعام وبيل والامر واحد الامور لا الاوامر اى ذاقوا سوء عاقبة كفرهم فى الدنيا وهو عذاب القتل ببدر وكانت غزوة بدر فى رمضان من السنة الثانية من الهجرة قبل غزوة بنى النضير

{ ولهم } فى الآخرة

{ عذاب أليم } مؤلم لايقادر قدره حيث يكون مافى الدنيا بالنسبة اليه كالذوق بالنسبة الى الاكل والمعنى ان حال هؤلاء كحال اولئك فى الدنيا والآخرة لكن لاعلى ان حال كلهم كحالهم بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك

واما حال المنافقين فهو مانطق به قوله تعالى

١٦

{ كمثل الشيطان } فان خبر ثان للمبتدأ المقدر مبين لحالهم متضمن لحال اخرى لليهود وهى اغترارهم بمقالة المنافقين اوله وخيبتهم آخرا وقد اجمل فى النظم الكريم حيث اسند كل من الخبرين الى المقدر المضاف الى ضمير الفريقين من غير تعيين ما أسند اليه بخصوصة ثقة بأن السامع يرد كلا من المثلين الى مايماثله كأنه قيل مثل اليهود فى حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم ومثل المنافقين فى اغرآئهم اياهم على القتال حسبما حكى عنهم كمثل الشيطان

{ اذ قال للانسان اكفر } قول الشيطان مجاز عن الاغوآء والآغراء اى اغراء على الكفر اغرآء الآمر المأمور على المأمور به

{ فلما كفر } الانسان المذكور اطاعة لاغوآئه وتبعا لاهوآئه

{ قال } الشيطان

{ انى بريىء منك } اى بعيد عن عملك وأملك غير راض بكفرك وشركك وبالفارسية من بيزارم ازتو ، يقال برىء يبرأ فهو بريىء واصل البرء والبرءآءة والتبرى التفصى مما يكره مجاورته قال العلماء ان أريد يد بالانسان الجنس فهذا التبرى من الشيطان يكون يوم القيامة كما ينبىء عنه قوله تعالى

{ انى اخاف اللّه رب العالمين } وان أريد ابو جهل على أن يكون اللام للعهد فقوله تعالى

{ اكفر } اى دم على الكفر.

بس جون برآن ثبات ورزيد ونهاك شرك درزمين دل او استحكام يافت ، قال انى الخى عبارة عن قول ابليس له يوم بدر لاغالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم فلما ترآءت الفثتان نكص على عقبيه وقل انى بريىء منكم انى أرى مالاترون انى أخاف شاللّه واللّه شديد العقاب يعنى لما قاتلوا ورأى ابليس جبرآئيل مع محمد عليهما السلام خافه فتبرأ منهم وانهزم

قال بعضهم هذا من كذبات اللعين وانه لو خاف حقيقة وقال صدقا لما استمر على ما ادى الى الخوف بعد ذلك كيف وقد طلب الانظار الى البعث للاغوآء وقال أبو الليث قال ذلك على وجه الاستهزآء ولا بعد ان يقول له ليوقعه فى الحسرة والحرقة انتهى ، يقول الفقير الظاهر ان الشيطان يستشعر فى بعض المواد جلال اللّه تعالى وعظمته فيخافه حذرا من المؤآخذة العاجلة وان كان منظرا ولا شك ان كل احد يخاف السطوة الالهية عند طهور اماراتها ألا ترى الى قوله تعالى

{ وظنوا انهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدين } على ان نحو قاطع الطريق وقاتل لنفس ربما فعل ما فعل وهو خائف من الأخذ

١٧

{ فكان عاقتبهما } اى عاقبة الشيطان وذلك الانسان وهو بالنصب على انه خبر كان واسمها قوله

{ أنهما فى النار } وقرىء بالعكس وهو اوضح

{ خالدين فيها } مقيمين لايبرحان وهو حال من الضمير المقدر فى الجار والمجرور المستقر وروى خالدان على انه خبرأن وفى النار لغو لتعلقه بخالدان

{ وذلك } اى الخلود فى النار

{ جزآء الظالمين } على الاطلاق دون هؤلاء خاصة وقال بعض أهل التفسير المراد بالانسان برصيصا الراهب من بنى اسرآئيل ، در روز كار فترت صومعه ساخته بود هفتاد سال دران صومعه مجاور كشته وخدايرا برستيده وابليس دركار وى فرومانده روزى مرده شياطين راجمع كرد وكفت من يكفينى امر هذا الرجل يكى كفت من اين كار كفايت كنم ومراد تو ازوى حاصل كنم بدر صومعه وى رفت برزى راهبان ومتعبدان كفت مرد راهم عزلت وخلوت مى طلبم تراجه زيان اكر من بصحبت توبيايم ودر خلوت خدايرا عبادت كنم برصيصا بصحبت وى تن درنداد وكفت انى لفى شغل عنك يعنى مرادر عبادت اللّه جندان شغلست كه براوى صحبت تونيست وعادت برصيصا آن بودكه جون درنمازشدى ده روز از نماز بيرون نيمادى وروزه دار بود وهرده روز افطار كردى شيطان برابر صومعه وى درنماز يستاد وجهد وعبادت خود برجهد وعبادت برصيصا اورا بخود راه داد جون آن عبادت وجهد فراوان وى ديد وخودرا در جنب وى قاصر ديد آنكه شيطان بعدازيك سال كفت مرا رفيقى ديكر است وظن من جنان بودكه تعبد واجتهاد توازوى زيادتست اكنون كه ترا ديدم نه جنانست كه مى بنداشتم وبا نزديك وى ميروم برصيصا مفارقت وى كراهيت داشت وبصحبت وى رغبتى تمام مى نمود شيطان كفت مرانا جارست رفتن اما ترا دعايى آموزم كه بيمار ومبتلى وديوانه كه بروى خوانى در وقت اللّه تعالى اورا شفادهد وترا اين به بشاد ازهزار عبادت كه كننى كه خلق خدا يرا ازتو نفع بودو راحت برصيصا كفت اين نه كار منست كه آنكه از وقت ورد خود بازمانم وسيرت وسريرت من در شغل مردم شود شيطان تا آنكه ميكوشيدكه آن دعا ويرا درآموخت واورا برسر آن خانه كفت ان بصاحبكم جنونا فأعالجه جون اوراديد كفت انى لا اقوى على جنه يعنى من باديو او برنيايم لكن شمارا رشاد كنم بكسى كه اورا دعا كند در وقت شفا يابد واو برصيصاى راهب است كه در صومعه نشيند اورا بروى بردند ودعا كرد وآن ديو ازوى باشد وصحت يافت بس اين شيطان برفت وزنى را از دختران ملوك بنى اسرآئيل رنجه وديوانه كرد وآن زن جمال باكمال داشت واورا سه برادر بودند شيطان بصورت طبيب بيش ايشان رفت وآن دختررا بوى نمودند كفت ان الذى عرض لها مارد لايطاق ولكن سأرشدكم الى من يدعو له يعنى بران راهب شويدكه دعا كند وشفايابد كفتند ترسيم كه فرمان مانبرد كفت صومعه سازيد درجنت صومعه وى وزن را دران صومعة بخابايد وباوى كوييد اين امانت است بنزديك تونهاديم ومارفيتم ازبهر خدا واميد ثواب نظر ازوى بازمكير ودعايى كن تاشفايابد ايشان همجنان كردند وراهب از صومعه خود بزير آمد واورا ديد زنى بغايت جمال واز جمال وى درفتنه افتاد شيطان او را آن ساعت وسوسه كردكه واقعها ثم تب زيرا كه درتوبه كشاده ورحمت خدا فراوانست راهب بفرمان شيطان كام خود ازوى برداشت وزن بار كرفت راهب بشيمان كشت واز فضيحت ترسيد همان شيطان دردل وى افكندكه اين زن را ببايد كشت وبنهان بايد كرد جون برادران آيند كويم كه ديواورا ببرد وايشان مرا براست دراند واز فضيحت ايمن كردم آنكه از زنا واز قتل توبه كنم برصيصا اورا كشت ودفن كرد جون برادران آمدند وخواهر را نديدند كفت جاء شيطانها فذهب بهاولم اقو عليه ايشان اورا راست داشتند وباز كستند شيطان آن برادر انرا بخواب نمودكه راهب خواهر شما كشت ودر فلان جايكه دفن كرد سه شب ببابى ايشانرا جنين خواب مى نمود تايشان رفتند وخواهر را كشته از خاك برداشتند برادران اورا ازصومعه بزير آوردند وصومعه خراب كردند واورا بيش بادشاه وقت بردند تا بفعل وكناه خود مقر آمد وبادشاه بفرمود تا اورا بردار كنند آن ساعت شيطان برا بروى آمد وكفت اين همه ساخته وآراسته منست اكر آنجه من فرمايم بجاى آرى ترا نجات وخلاص بديد آيد كفت هرجه فرمايى ترا اطاعت كنم كفت مراسجده بكن آن بدبخت اورا سجده كرد وكافر كشت واورا در كفر بردار كردند وشيطان آنكه كفت انى برىء منك انى أخاف اللّه رب العالمين فكان عاقبتهما يعنى الشيطان وبرصيصا العابد كان آخر امرهما انهما فى النار خالدين فيها وذلك جزآء الظالمين

خيالات نادان خلوت نشين ... بهم بركند عاقبت كفر ودين

كزودست بايد كزو برخورى ... نبايد كه فرمان دشمن برى

بى نيك مردان ببايد شتافت ... كه هركين سعادت طلب كرديافت

وليكن تو دنبال ديو خسى ... ندانم كه در صالحان كى رسى

والمراد من هذا الشيطان هو الشيطان الابيض الذى يأتى الصلحاء فى صورة الحق ( قال الكاشفى ) آن بى سعادت بعد از عبادت هفتاد سال بورطه شقاوت ابدى كرفتار كشت ، غافل مشوكه مركب مردان مردرا ، درسنكلاخ وسوسه بيها بريد اند وفى زهرة الرياض غير اللّه الايمان على برصيصا بعدما عبداللّه مائتين وعشرين سنة لم يعص اللّه فيها طرفة عين وكان ستون ألفا من تلامذته يمشون فى الهوآء ببركته وعبد اللّه حتى تعجب الملائكة من عبادته قال اللّه تعالى لهم لماذا تتعجبون منه انى لاعلم مالا تعلمون ففىعلمى انه يكفر ويدخل انلار ابدا فسمع ابليس وعلم ان هلاكه على يده فجاء الى صومعته على شبه عباد وقد لبس المسح فناداه فقال له برصيصا من أنت وما تريد قال انا عابد اكون لك عونا على عبادة اللّه ق لله برصيصا من أراد عبادة اللّه فاللّه يكفيه صاحبا فقام ابليس يعبد اللّه ثلاثى ايام ولم يأكل ولم يشرب قال برصيصا انا افطر وانام وآكل واشرب وأنت لاتأكل ثم قال انى عبدت اللّه مائتين وعشرين سنة فلا أقدر على ترك الأكل والشرب قال ابليس انا اذنبت ذنبا فمتى ذكرته يتنغص على النوم والأكل والشرب قال برصيصا ماحيلتى حتى اصير مثلك قال اذهب واعص اللّه ثم تب اليه فانه رحيم حتى تجد حلاوة الطاعة قال كيف اعصيه بعد عبادته كذا وكذا سنة قال ابليس الانسان اذا اذنب يحتاج الى المعذرة قال اى ذنب تشير به قال الزنى قال لا أفعله قال أن تقتل مؤمنا قال لا أفعله قال اشرب الخمر المسكر فانه اهون وخصمك اللّه قال اين أجده قال اذهب الى قرية كذا فذهب فرأى امرأة جميلة تبيع خمرا فاشترى منه الخمر وشربها وسكر وزنى بها فدخل عليهما زوجها فضربه وقتله ثم ان ابليس تمثل فى صورة الانسان وسعى به الى السلطان فأخذه وجلده للخمر ثمانين جلدة وللزنى مائة وامر بالصلب لاجل الدم فلما صلب جاء اليه ابليس فى تلك الصورة قال كيف ترى حالك قال من أطاع قرين السوء فجزآؤه هكذا قال ابليس كنت فى بلائك مائتين وعشرين سنة حتى صلبتك فلو أرد النزول انزلتك قال أريد واعطيك ماتريد قال اسجد لى مرة واحدة قال كيف اسجد على الخشب قال اسجد بالايماء فسجد وكفر فذلك قوله تعالى

{ كمثل الشيطان } الخ قال ابن عطية هذا اى كون المراد بالانسان برصيصا العابد ضعيف والتأويل الاول هو وجه الكلام وفى القصة تحذير عن فتنة النساء ( روى ) انه عليه السلام كان يصلى فى بيت ام سلمة رضى اللّه عنها فقام عمر بن ام سلمة ليمر بين يديه فأشار اليه ان قف فوقف ثم قامت زينب بنت ام سلمة لتمر بين يديه فأشار اليها أن قفى فأبت ومرت فلما فرغ من صلاته نظر اليها وقال ( ناقصات العقل ناقصات الدين صواحب يوسف صواحب كرسف ) يغلبن الكرام ويغلبهن اللثام قال الخبازى فى حواشى الهداية قال مولانا حميد الدين رحمه اللّه كرسف اسم زاهد وقع فى الفتنة بسبب امراة وقال المطرزى فى المغرب كرسف رجل من زهاد بنى اسرآئيل كان يقوم الليل ويصوم النهار فكفر بسبب امرأة عشقها ثم تداركه اللّه بما سلف منه فتاب عليه هكذا فى الفردوس ومنه الحديث

( صاحبات يوسف صاحبات كرسف ) انتهى.

قال ابن عباس رضى اللّه عنهما وكانت الرهبان فى بنى اسرائيل لايمشون الا بالتقية والكتمان وطمع أهل الفجور والفسق فى الاخبار فرموهم بالبهتان والقبيح حتى كان امر جريج الراهب فلما برأه اللّه مما رموه به انبسطت بعدها الرهبان وظهروا للناس وفى الحديث ( كان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة كان فيها فأتته امه وهو يصلى فقالت ياجريج فقال أى بقلبه اى رب امى وصلاتى فاقبل على صلاته فانصرفت فلما كان الغد أتته وهو يصلى فقالت ياجريج فقال اى رب امى وصلاتى فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان الغد أتته فقالت ياجريج فقال اى رب امى وصلاتى فأقبل على صلاته فقالت اللهم لاتمته حتى ينظر الى وجوه المومسات فتذاكر بنوا اسرآئيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغى يتمثل بحسنها فقالت اى شئتم لافتننه لكم قال اى النبى عليه السلام فتعرضت له فلم يلتفت اليها فأتت راعايا كان يأوى الى صومعته فامكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم فقالوا زنيت بهذه البغى فولدت منك فقال أين الصبى فجاؤا به فقال دعونى حتى أصلى فصلى فلما انصرف أتى بالصبى فطعن فى بطنه وقال ياغلام من أبوك فقال فلان الراعى قال اى النبى عليه السلام فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا له نبنى لك صومعتك من ذهب قال لا اعيدوها من طين كما كانت ففعلوا وبينا صبى يرضع من امه فمر رجل راكبا على دابة فارهة وهيئته حسنة فقالت امه اللهم اجعل ابنى مثل هذا فترك الثدى واقبل عليه فنظر اليه فقال اللهم لاتجعلنى مثله ثم اقبل على ثديه فجعل يرتضع قال اى الراوى وهو أبو هريرة رضى اللّه عنه فكأنى انظر الى رسول اللّه عليه السلام وهو يحكى ارتضاعه بأصابعه السبابة فى فمه فجعل يمصها قال اى النبى عليه السلام ومر بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهى تقول حسبى اللّه ونعم الوكيل فقالت امه اللهم لاتجعل ابنى مثملها فترك الرضاع ونظر اليها فقال اللهم اجعلنى مثلها فهناك تراجعا الحديث فقالت امه قد مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابنى مثله فقلت اللهم لاتجعلنى مثله ومروا بهذه الامة وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت فقلت اللهم لاتجعل ابنى مثلها فقلت اللهم اجعلنى مثلها قال اى الرضيع ان ذلك الرجل كان جبرا فقلت اللهم لاتجعلنى مثله وان هذه يقولون لها زنيت سرقت ولم تزن ولم تسرق فقلت اللهم اجعلنى مثلها) انتهى الحديث

وفيه اشارة الى انه ينبغى للمؤمن أن لايمد عينيه الى زخارف الدنيا ولا يدعو اللّه فيما لايدرى اهو خير له امر شر بل ينبغى له أن يطلب منه البرءآة من السوء وخير الدارين كما قال تعالى { ربنا آتنا فى الدينا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } نسأل اللّه سبحانه العفو والعافية مطلقا

١٨

{ يا أيها الذين آمنوا } ايمانا خالصا

{ اتقوا اللّه } فى كل ما تأتون وما تذرون فتحرزوا عن العصيان بالطاعة وتجنبوا عن الكفران بالشكر وتوقوا عن النسيان بالذكر واحذروا عن الاحتجاب عنه بأفعالكم وصفاتكم بشهود افعاله وصفاته

{ ولتنظر نفس ماقدمت لغد } ما شرطية اى اى شىء قدمت من الاعمال ليوم القيامة ، تا ارك تقديم خيرات وطاعت كند شكر كزارى نمايد ودرزيادتى آن كوشد واكر معاصى فرستاده توبه كندو بشيمان شوده عنبر عن يوم القيامة بالغد لدنوه لان كل آت قريب بعنى سماه باليوم الذى يلى يومك تقريبا له وعن الحسن رحمه اللّه لم يزل بقربه حتى جعله كالغد ونحوه قوله تعالى

{ كأن لم تغن بالأمس } يريد تقريب الزمان الماضى او عبر عنه به لان الدنيا اى زمانها كيوم والآخر كغده لاختصاص كل منهما بأحوال واحكام متشابهة وتعقيب الثانى الاول فقوله لغد استعارة يقول الفقير انما كانت الآخرة كالغد لان الناس فى الدنيا نيام ولا انتباه الا عند الموت الذى هو مقدمة القيامة كما ورد به الخبر فكل من الموت والقيامة كالصباح بالنسبة الى الغافل كما ان الغد صباح بالنسبة الى النائم فى الليل ودل هذا على ان الدنيا ظلمانية والاخرة نوارنية وتنكيره لتفخيمه وتهويله كأنه قيل لغد لايعرف كنهه لغاية عظمه واصله غدو حذفوا الواو بلا عوض واستشهد عليه بقول البيد

وما الناس الا كالديار واهلها ... بها يوم حلوها وغدوا بلاقع

اذ جاء به على اصله والبيت من ابيات العبرة

واما تنكير نفس فلاستقلال الانفس النواظر فيما قمن لذلك اليوم الهائل كأنه قيل ولتنظر نفس واحدة فى ذلك

قال بعضهم الاستقلال يكون بمعنى عد الشىء قليلا وبمعنى الانفراد فى الامر فعلى الاول يكون المراد استقلال اللّه النفوس الناطقة كما قال تعالى

{ لكن اكثر الناس لايعملون } { ولكن اكثرهم يجلهون } فكأنه اقيم الأكثر مقام الكل مبالغة فأمر على الوحدة فلا يضره وجود النفس الكاملة العاقلة الناظرة الى العواقب بالنظر الصائب والرأى الثاقب وعلى الثانى يكون المراد انفراد النفوس فى النظر واكتفاءها فيه بدون انضمام نظر الاخرى فى الاطلاع على ماقدمت خيرا او شرا قليلا او كثيرا وجودا او عدما وفيه حث عظيم

جهل من وعلم توفلك راجه تفاوت ... آنجاكه بصر نيست جه خوبى وجه زشتى

{ واتقوا اللّه } تكرير للتأكيد والاهتمام فى شأن التقوى واشارة الى ان اللائق بالعبد أن يكون كل امره مسبوقا بالتقوى ومختوما بها او الاول فى اداء الواجبات كما يشعر به مابعده من الامر بالعمل الثانى فى ترك المحارم كما يؤذن به الوعيد بقوله سبحانه

{ ان اللّه خبير بما تعملون } اى عالم بما تعملونه من المعاصى فيجزيكم يوم الجزآء عليها ، ودر كشف الاسرار فرمه ده كه اول اشارتست باصل تقوى ودوم بكمال آن يا اول تقواى عوامست وآن برهيز كرده باشد از محرمات وسوم تقواى خواص وآن اجتناب بود از هرجه مادون حقست

اصل تقوى كه زاد اين راهست ... ترك مجموع ماسوى اللهست

والتقوى هو التجنب عن كل مايؤثم من فعل او ترك وقال بعض البكار التقوى وقاية النفس فى الدنيا عن ترتب الضرر فى الآخرة فتقوى العامة عن ضرر الافعال وتقوى الخاصة عن ضرر الصفات وتقوى اخص الخواص عن جميع ماسوى اللّه تعالى ، عزيزى كفته است كه دنيا سفالى است وآن نيز درخواب وآخرت نيز جوهرى است يافته دربيدارى مردنه آنست كه درسفال بخواب ديده متقى شود مرد مردان آنست كه دركوهر دربيدارى يافته متقى شود فلابد من التقوى مع وجود العمل ( قال الصائب )

بى عمل دامن تقى زمناهى جبدن ... احتراز سك مسلخ بود از شاشه خويش

وفى الآية ترغيب فى الاعمال الصالحة وفى الأثر ( ان ابن آدم اذا مات قالت الناس ما خلف وقالت الملائكة ماقدم ) وعن مالك بن دينار رحمه اللّه مكتوب على باب الجنة وجدنا ماعلمنا ربحنا ماقدمنا خسرنا ماخلفنا

بقدر الكد تكتسب المعالى ... ومن الطلب العلى سهر الليالى

( وحكى ) عن مالك بن دينار رحمه اللّه ايضا انه قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا بسعدون المجنون فقلت له كيف حالك وكيف أنت فقال يا مالك كيف حال من أصبح وأمسى يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت مايبكيك قال واللّه مابيكت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى ولم يحسن فيه عملى ابكانى واللّه قلة الزاد وبعد المسافة والعقبة الكؤود ولا أدرى بعد ذلك اصير الى الجنة ام الى النار فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال وأنت أغتررت بما اغتبر به بنوا الدنيا زعم الناس انى مجنون ومابى جنة لكن حب مولاى قد خالط قلبى وجرى بين لحمى ودمى فأنا من حبه هائم مشغوف فقلت ياسعدون فلم تجالس الناس ولاتخالطهم فأنشد

كن من الناس جانبا ... وارض باللّه صاحبا

قلب الناس كيف ... شئبت تجدهم عقاربا

وفى التأويلات النجمية يايها الذى آمنوا بالايمان الحقيقى الشهودى الوجودى اجعلوا اللّه وقاية نفوسكم فى اضافة الكمالات اليه ولتنظر نفس كاملة عارفة بذات اللّه وصفاته ما هيأت لغد يوم الشهود واتقوا اللّه عن الالتفات الى غيره ان اللّه خبير بما تعملون من الاقبال على اللّه والادبار عن الدنيا ومن الادبار عن اللّه والاقبال على الدنيا انتهى ويدخل فى قوله نفس النفوس الجنية لانهم من المكلفين فلهم من التقوى والعمل ما للانس كما عرف فى مواضع كثيرة

١٩

{ ولاتكونوا } أيها المؤمنون

{ كالذين } اى كاليهود والمنافقين فالمراد بالموصول المعهودين بمعونة المقام او الجنس كائنا من كان من الكفار امواتا او احياء

{ نسوا اللّه } فيه حذف المضاف اى نسوا حقوقه تعالى ما قدروه حق قدره ولم يراعوا مواجب اموره ونواهيه حق رعايتها

{ فأنساهم } بسبب ذلك

{ أنفسهم } اى جعلهم ناسين لها فلم يسمعوا ماينفعها ولم يفعلوا مايخلصها فالمضى على اصله او أراهم يوم القيامة من الاهوال ماأنساهم أنفسهم فالمضى باعتبار التحقق قال الراغب النسيان ترك الانسان ضبط ما استودع اما لضعف قلبه وما عن غفلة او عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وكل نسيان من الانسان ذمه اللّه به فهو ماكان اصله من تعمد وماعذر فيه نحو ماروى عن النبى عليه السلام رفع عن امتى الخطأ والنيسان فهو مالم يكن سببه منه فقوله

{ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } هو ما كان سببه عن تعمد منهم وتركه على طريق الاهانة واذا نسب ذلك الى اللّه فهو تركه اياهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه كما قال فى اللباب قد يطلق النسيان على الترك ومنه نسو اللّه فنسهم اى تركوا طاعة الهل ترك الناسى فتركهم اللّه وقال بعض المفسرين ان قيل النسيان يكن بعد الذكر وهو ضد الذكر لانه السهو الحاصل بعد حصول العلم فهل كان الكفار يذكرون حق اللّه ويعترفون بربويته حتى ينسوا بعد أجيب بأنهم اعترفوا وقالو بلى يوم الميثاق ثم نسوا ذلك بعدما خلقوا والمؤمنون اعترفوا بها بعد الخلق كا اعترفوا قبله بهداية اللّه وراعوا حقها قل او كثر جل او صغر ( سئل ذو النون المصرى قدس سره ) عن سر ميثاق ألست بربكم هل تذكرة فقال كأنه الآن فى اذنى ، ودرنفخات مذكورست كه على سهل اصفهانى راكتند كه روز بلى راياد دارى كفت جون ندارم كويى دى بود شيخ الاسلام خواجه انصارى فرمودكه درين سخن نقص است صوفى رادى وفردا جه بود آن روز را هنوز شب درنيامده وصوفى درهمان روزست ، ويدل عليه قوله الآن انه على ماكان عليه ثم ان قوله تعالى

{ ولا تكونوا } الخ تنبيه على ان الانسان بمعرفته لنفسه يعرف اللّه فنسيانه هو من نسيانه لنفسه كما قال فى فتح الرحمن لفظ هذه الآية يدل على انه من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه وقد قال على رضى اللّه عنه اعرف نفسك تعرف ربك وقال سهل رحمه اللّه نسوا اللّه عند الذنوب فأنساهم اللّه أنفسهم عند الاعتذار وطلب التوبة ومن لطائف العرفى

مالب آلوده بهر توبه بكشاييم ليك ... بانك عصيان ميزند ناقوس استغفار ما

{ اولئك } الناسون المخذولون بالانساء

{ هم الفاسقون } الكاملون فى الفسوق والخروج عن طريق الطاعة وهم للحصر فأفاد ان فسقهم كان بحيث ان فسق الغير كأنه ليس بفسق بالنسبة اليه فالمراد هنا الكافرون لكن على المؤمن الغافل عن رعاية حق ربوبية اللّه ومراعاة حظ نفسه من السعادة الابدية والقربة من الحضرة الاحدية خوف شديد وخطر عظيم وفيه اشارة الى ان الذين نسوا اللّه هم الخارجون عن شهود الحق فى جميع المظاهر الجمالية والجلالية وحضوره الداخلقون فى مقام شهود أنفسهم فمن اشتغل بقضاء حظوظ نفسه بقى مع تجليات ربه مع اللّه كان من الغافلين عن اللذات الحقيقية ومن فنى عن شهوات نفسه بقى مع تجليات ربه

٢٠

{ لايستوى اصحاب النار } الذين نسوا الهل فاستحقوا الخلود فى النار والنار باللام من اعلام جهنم كالساعة للقيامة ولذا كثير ما تذكر فى مقابلة الجنة كما فى هذا المقام وجاء فى الشعر

الجنة الدار فالعم ان عملت بما ... يرضى الاله وان فرطت فالنار

هما محلان ماللناس غير هما ... فانظر لنفسك ماذا أنت تختار

والصيحة فى الاصل اقران الشىء بالشىء فى زمان ما قبل او كثر وبذلك يكون كل منهما صاحب الآخر وان كانت على المداومة والملازمة يكون كمال الصحبة ويكون الصاحب المصاحب عرفا وقد يطلق على الطرفين حينئذ صابح ومصاحب ايضا ومن ذلك يكنى عن زوجة بالصاحبة وقد يقال للمالك لكثرة صحبته بمملوكه كما قيل له الرب لوقوع تربية المالك على مملوكه فيقال صاحب المال كا يقال رب المال فاطلاق اصحاب النار واصحاب الجنة على أهلهما اما باعتبار الصحبة الابدية والاقتران الدآئم حتى لايقال للعصاة المعذبين بالنار مقدار ماشاء اللّه اصحاب النار او باعتبار الملك مبالغة ورمزا الى انها جزآء لاهلهما باعتبار كسبهما بأعمالهم الحسنة او السيئة

{ واصحاب الجنة } الذين اتقوا اللّه فاستحقوا الخلود فى الجنة قال فى الارشاد لعل تقديم اصحاب النار فى الذكر للايذان من اول الامر بأن القصور الذى ينبىء عنه عدم الاستوآء من جهتهم لامن جهة مقابليهم فان مفهوم عدم الاستوآء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وان جاز اعتباره بحب زيادة الزآئد لكن المتبادر اعتباره بحسب نقصان الناقص وعليه قوله تعالى

{ هل يستوى الاعمى والبصير ام هل تستوى الظلمات والنور } الى غير ذلك من المواضع

واما قوله تعالى

{ هل يتسوى الذين يعلمون والذين لايعلمون } فلعل تقديم الفاضل فيه لان صلته ملكة والاعدام مسبوقة بملكاتها وقال بعضهم قدم اصحاب النار لذكر الذين نسوا اللّه قبله ولكثرة اهلها ولان او طاعة اكثر الناس بالخوف ثم بالرجاء ثم بالمحبة فى البعض ولا دلالة فى الآية الكريمة على ان المسلم لايقتص بالكافر وان الكفار لايملكون أموال المسلمين بالقهر كما هو مذهب الشافعى لان المراد عدم الاستوآء فى الاحوال الاخروية كما ينبىء عنه التفسير من الفريقين بصاحبية النار وصاحبية الجنة وكذا قوله تعالى

{ اصحاب الجنة هم الفائزون } فانه استئناف مبين لكيفية عدم الاستوآء بين الفريقين فالفوز الظفر مع حصول السلامة اى هم الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه فهم اهل الكرامة فى الدارين واصحاب النار أهل الهوان فيهما وفيه تنبيه للناس بأنهم لفرط غفلتهم ومحبتهم العاجلة اتباع الشهوات كأنهم لايعرفون الفرق بين الجنة والنار وبين اصحابهما حتى احتاجوا الى الاخبار بعدم الاستوآء كما تقول لمن يعق أباه هو أبوك تجعله بمنزلة من لايعرفه فتنبه بذلك على حق الابوة الذى يقتضى البر والتعطف فكذا نبه اللّه تعالى الناس بتذكير سوء حال أهل النار وحسن حال أهل الجنة على الاعتبار والاحتراز عن الغفلة ورفع الرأس عن المعاصى والتحاشى من عدم المبالاة قال عليه السلام

{ ان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر الى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة واكرمهم على اللّه من ينظر الى وجهه غدوة وعشية } ثم قرأ

{ وجوده يومئذ ناضرة الى ربها ناضرة } وقال عليه السلام ( ان أهون اهل النار عذابا من له نعلان وشرا كان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل مايرى ان احدا أشد منه عذابا ) وروى الشيخ الحجازى ليلة يردد قوله تعالى

{ وجنة عرضها السموات والارض } ويبكى فقيل له قد ابكتك آية مايبكى عند مثلها فقال فما ينفعنى عرضها اذا لم يكن لى فيها موضع قدم وخرج على سهل الصعلوكى من مسخن حمام يهودى فى طمر أسود من دخانه فقال ألستم ترون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فقال سهل على البداهة اذا صرت الى عذاب اللّه كانت هذه جنتك واذا صرت الى نعيم اللّه كانت هذه سجنى فتعجبوا من كلامه ( قال الشيخ سعدى )

جومارا بدنياتو كردى عزيز ... بعقبى همان جشم داريم نيز

عزيزى وخوارى توبخشى وبس ... عزيز توخوارى نه بيند زكس

خدايا بعزت كه خوارم مكن ... بذل كنه شرمسارم مكن

قال بعض اهل الاشارة اصحاب النار فى الحقيقة اصحاب المجاهدات الذين احترقوا بنيرانها وأصحاب الجنة أصحاب المواصلات الذين وقعوا فى روح المشاهدات وفى الظاهر أصحاب النار أصحاب النفوس والاهوآء الذين أقبلوا على الدنيا وأصحاب الجن اصحاب القلوب والمراقبات قال الحسين النورى قدس سره اصحاب النار اصحاب الرسوم والعادات وأصحاب الجنة أصحاب الحقائق والمشاهدات والمعاينات

٢١

{ لو أنزلنا هذا القرءآن } العظيم الشأن المنزل عليكم ايها الناس المنطوى على فنون القوارع او المنزل عليك يا محمد او على محمد بحسب الالتفات فى الخطاب قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان السماء اطت يعنى آو ازداد من ثقل الالواح لما وضعها اللّه عليها فى وقت موسى فبعث اللّه لكل حرف منها ملكا فلم يطيقوا حلمها فخففها على موسى وكذلك الانجيل على عيسى والفرقان على محمد عليهم السلام ثم انه لايلزم فى الاشارة وجود جملة المشار اليه ذى الابعاض المترتبة وجودا بل يكفى وجود بعض الاشارة حقيقة ووجود بعض آخر حكما ويحتمل أن يكون المشار اليه هنا الآية السابقة من قوله تعالى

{ يا أيها الذين آمنوا } الخ فان لفظ القرءآن كما يطلق على المجموع يطلق على البعض منه حقيقة بالاشتراك او باللغة او مجازا بالعلاقة فيكون التذكير باعتبار تذكير المشار اليه

{ على جبل } من الجبال وهى ستى آلاف وستمائمة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول كما فى زهرة الرياض وهى محركة كل وتد للارض عظم وطال فان انفرد فأكمه وقنة بضم القاف و اعتبر معانية فاستعير واشتق منه بحسبه فقيل فلان جبل لايتد حرج تصور المعنى الثابت وجبله ا لله على كذا اشارة الى ماركب فيه من الطبع الذى يأبى على الناقل نقله

{ لرأيته } يامن من شأنه الرؤية اويا محمد مع كونه علما فى القسوة وعدم التأثر مما يصدمه

{ خاشعا } خاضعا ذليلا وهو حال من الضمير المنصوب فى قوله

{ لرأيته } لانه من الرؤية البصرية

قال بعضهم الخشوع انقياد الباطن للحق والخضوع انقياد الظاهر له وقال بعضهم الخضوع فى البدن والخشوع فى الصوت والبصر قال الراغب الخشوع ضراعة واكثر مايستعمل فميا يوجد فى الجوارح والضراعة اكثر ماتستعمل فيما يوجد فى القلب ولذلك قيل فيما روى اذا ضرع القلب خشعت الجوارح

{ متصدعا من خشية اللّه } اى متشققا منها أن يعصيه فيعاقبه والصدع شق فى الاجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما ومنه استعير الصداع وهو الانشقاق فى الرأس من الوجع قال العلماء هذا بيان وتصوير لعلو شأن القرءآن وقوة تأثير مافيه من المواعظ أريد به توبيخ الانسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه والمعنى لو ركب فى الجبل عقبل وشعور كما ركب فيكم أيها الناس ثم أنزل عليه القرءآن ووعد وأوعد حسب حالكم لخشع وخضع وتصدع من خشية اللّه حذرا من ان لايؤدى حق اللّه تعالى فى تعظيم القرءآن والامتثال لما فيه من امره ونهيه والكافر المنكر اقسى منه ولذا لا يتأثر اصلا ( مصراع ) اى دل سنكين تويك ذره سوهان كيرنيست ، وهو كما تقول لمن تعظه ولا ينجع فيه وعظك لو كلمت هذا الحجر لأثر فيه ونظيره قول الامام مالك للشافعى لو رأسيت أبا حنيفة رأيت رجلا لو كلمك فى هذه السارية ان يجعلها ذهبا لقامت حجته

دلرا اثر روى توكل بوش كند ... جانرا سخن خوب تو مدهوش كند

آتش كه شراب وصل تونوش كند ... از لطف تو سوختن فراموش كند

يقول الفقير فيه ذهول عن ان اللّه تعالى خلق الاشياء كلها ذات حياة وادراك فى الحقيقة والا لما اندك الجبل عند التجلى وملا شهد للمؤذن كل رطب ويابس سمع صوته ونحو ذلك وقد كاشف عن هذه الحياة اهل اللّه وغفل عنها المحجوبون على ما حقيق مرارا نعم فرق بين الجبل عند التجلى وعندما أنزل عليه القرءآن وبينه عند الاستتار وعدم الانزال فان اثر الحياة فى الصورة الاولى محسوس مشاهد للعامة والخاصة

واما فى الصورة الثانية فمحسوس للخاصة فقط فاعرف

{ وتلك الامثال } اشارة الى هذا المثل والى امثاله فى مواضع من التنزيل اى هذا القول الغريب فى عظمة القرءآن ودناءة حال الانسان وبيان صفتهما العجيبة وسائر الامثال الواقعة فى القرءآن فان لفظ المثل حقيقة عرفية فى القول السائر ثم يستعار لكل امر غريب وصفة عجيبة الشان تشبيها له بالقول السائر فى الغرابة لانه لابخلو عن غرابة

{ نضربها للناس } بيان ميكنيم مرانسانرا قد جاء فى سورة الزمر ولقد ضربنا للناس فى هذا القرءآن من كل مثال بالاخبار على المضى مع انها مكية وقال هنا نضربها بالاستقبال مع ان السورة مدنية فلعل الاول من قبيل عدما سيحقق مما حقق لتحققه بلا خلاف والثانى من قبيل التعبير عن الماضى بالمضارع لاحضار الحال او لارادة الاستمرار على الاحوال بمعنى ان شأننا ان نضرب الامثال للناس

{ لعلهم يتفكرون } اى لمصلحة التفكر ومنفعة التذكر ، يعنى شايد كه انديشه كنند دران وبهره بردارند ازان بايمان ، ولا يقتضى كون الفعل معللا بالحكمة والمصلحة ان يكون معللا بالغرض حتى تكون افعاله تعالى معلة بالاغراض اذا الغرض من الاحتياج والحكمة اللطف بالمحتاج وعن بعض العلماء انه قال من عجز عن ثمانية فعليه بثمانية اخرى لينال فضلها من أراد فضل صلاة الليل وهو نائم فلا يعص بالنهار ومن أراد فضل صيام التطوع وهو مفطر فليحفظ لسانه عما لايعنيه ومن أراد فضل العلماء فعليه بالتفكر ومن أراد فضل المجاهدين والغزاة وهو قاعد فى بيته فليجاهد الشيطان ومن أراد فضل الصدقة وهو عاجز فليعلم الناس ماسمع من العلم ومن أراد فضل الحج وهو عاجز فليتزم الجمعة ومن اراد فضل العابدين فليصلح بين الناس ولا يوقع العداوة ومن أراد فضل الابدال فليضع يده على صدره ويرضى لاخيه مايرضى لنفسه قال عليه السلام ( اعطوأ اعينكم حظها من العبادة ) قالوا ماحظها من العبادة يارسول اللّه قال

( النظر فى المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه ) ( وفى المثنوى )

خوش بيان كرد آن حكيم غزنوى ... بهر محجوبان مثال معنوى

كه ز قرآن كرنه بيند غير قال ... اين عجب نبودزاصحاب ضلال

كز شعاع آفتاب برز نور ... غير كرمى مى نيابد جشم كور

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ركعتان مقتصدتان فى تفكر خير من قيام اليلة بلا قلب وعن الحسن البصرى رحمه اللّه من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو ومن لم يكن نظره عبرة فهو لهو وعن أبى سليمان رحمه اللّه الفكرة فى الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لاهل الولاية والفكرة فى الآخرة تورث الحكمة وتحيى القلب وكثيرا ماينشد سفيان بن عيينة ويقول

اذا المرء كانت له فكرة ... ففى كل شىء له عبرة

والتفكر اما أن يكون فى الخالق او الخلق والاول اما فى ذاته او فى صفاته او فى افعاله اما فى ذاته فممنوع لانه لايعرف اللّه الا اللّه الا أن يكون التفكر فى ذاته باعتبار عظمته وجلاله وكبريائه من حيث وجوب الوجود ودوام البقاء وامتناع الامكان والفناء والصمدية التى هى الاستغناء عن الكل

واما فى صفاته فهو فيها باعتبار كمالها بحيث يحيط علمه بجميع المعلومات وقدرته بجميع الاشياء وارادته بجميع الكائنات وسمعه بجميع المسموعات وبصره بجميع المبصرات ونحو ذلك

واما فى افعاله فهو فيها بحسب شمولها وكثرتها ومتانتها ووقوعها على الوجه الاتم كل يوم هو فى شأن والثانى اما أن يكون فيما كان من العلويات والسفليات اوفيما سيكون من اهوال القيامة واحوال الآخرة الى الآباد قال بعض العارفين الفكر اما فى آيات اللّه وصنائعه فيتولد منه المعرفة

واما فى عظمة اللّه وقدرته فيتولد منه الحياة

واما فى نعم اللّه ومنته فيتولد منه المحبة

واما فى وعد اللّه بالثواب فيتولد منه الرغبة فى الطاعة وما فى وعيد اللّه بالعقاب فيتولد منه الرهبة من المعصية

واما فى تفريط العبد فى جنب اللّه فيتولد منه الحياء والندامة والتوبة ومن مهمات التفكر أن يتفكر المتفكر فى امر نفسه من مبدأه ومعاشه ومن اطاعته لربه ببدنه ولسانه وفؤاده ولو صرف عمره فى فكر نفسه نظرا الى اول أمره واوسطه وآخره لما اتم وفى الآية اشارة الى ان اللّه لو تجلى بصورة القرءآن الجمعى المشتمل على حروف الموجودات العلوية وكلمات المخلوقات السفلية على جبل الوجود الانسانى لتلاشى من سطوة التجلى والى ان العارف ينبغى أن يذوب تحت الخطاب الالهى من شدة التأثير والى ان هذه الامة حملوا بهمتهم مالم تحمله الجبال بقوتها كما قال تعالى { فأبين أن يحلمنها وأشقفن منها وحملها الانسان }

٢٢

{ هو اللّه الذى لا اله الا هو } هو فى اصل وضعه كناية عن المفرد المذكر الغائب وهى كناية عن المفردة المؤنثة الغائبة وكثيرا مايكنى به عمن لايتصور فيه الذكورة والانوثة كما هو ههنا فانه راجع الى اللّه تعالى للعلم به ولك أن تقول هو موضوع لمفرد ليس فيه تأنيث حقيقة وحكما وهر لمفرد يكون فيه ذلك وهو مبتدأ خبره لفظة اللّه بمعنى هو المعبود بالحق المسمى بهذا الاسم الاعظم الدال على جلال الذات وكمال الصفات فلا يلزم أن يتحد المبتدأ والخبر بأن يكون التقدير اللّه اللّه اذ لا فائدة فيه او اللّه بدل من هو والموصول مع صلته خبر المبتدأ او هو اشارة الى الشان واللّه مبتدأ والذى لا اله الا هو خبره والجملة خبر ضمير الشان ولا فى كلمة التوحيد لنفى فراد الجنس على الشمول والاستغراق واله مبنى على الفتح بها مرفوع المحل على الابتدآء والمراد به جنس المعبود بالحق لا مطلق جنس المعبود حقا او باطلا والا فلا يصح فى نفسه لتعدد الآلهة الباطلة ولا يفيد التوحيد الحق والا هو مرفوع على البدلية من محل المنفى او من ضمير الخبر المقدر للا والخبر قد يقدر موجود فيتوهم ان التوحيد يكون باعتبار الوجود لا الامكان فان نفى وجود اله غير اللّه لايستلزم نفى امكانه وقد يقدر ممكن فيتوهم ان اثبات الامكان لايقتضى الوقوع فكم من شىء ممكن لم يقع وقد يقدر لنا فيتوهم انه لابد من مقدر فيعود الكلام والجواب انه اذا كان المراد بالاله المعبود بالحق كما ذكر فهو لايكون الا ربع العالمين مستحقا لعبادة المكلفين فاذا نفيت الالوهية على هذا المعنى عن غيره تعالى واثبتت له سبحانه يندفع التوهم على التقدير كلها ان قيل ان أراد القائل لا اله الا اللّه شمول النفى له تعالى ولغيره فهو مشكل نعوذ باللّه مع ان الاستثناء يكون كاذبا وان أراد شموله لغيره فقط فلا حاجة الى الاستنثاء أجيب بأن مراده فى قلبه هو الثانى الا انه يرى التعميم ظاهرا فى اول الامر ليكون الاثبات بالاستنثاء آكد فى آخر الامر فالمعنى لا اله غيره وهذا حال الاستثناء مطلقا قال الشيخ أبو القاسم هذا القول وان كان ابتدآؤه النفى لكن المراد به الاثبات ونهاية التحقيق فان قول القائل لا الخ لى سواك ولا معين لى غيرك آكد من قوله أنت أخى ومعينى كل من لا اله الا اللّه ولا اله الا هو كلمة توحيد لو روده فى القرءآن بخلاف لا اله الا الرحمن فانه ليس بتوحيد مع ان اطلاق الرحمن على غيره تعالى غير جائز واطلاق هو جائز نعم ان الاولى كونه توحيدا الا انه لم يشتهر به التوحيد اصالة بخلافهما.

اعلم ان هو من اسماء الذات عند اهل المعرفة لانه بانفراده عن انضمام لفظ آخر اشارة الى اللّه مستجمع لجميع الصفات المدلول عليها بالاسماء الحسنى فهو جملة الاذكار عند الابرار قال الامام القشيرى رحمه اللّه هو للاشارة وهو عند هذه الطائفة اخبار عن نهاية التحقيق فاذا قلت هو لايسبق الى قلوبهم غيره تعالى فيكتفون به عن كل بيان يتلوه لاستهلاكهم فى حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على اسرارهم وقال الامام الفاضل محمد بن أبو بكر الرازى رحمه اللّه فى شرح الاسماء الحسنى ، اعلم ان هذا الاسم عند اهل الظاهر مبتدأ يحتاج الى خبر ليتم الكلام وعند اهل الطريق لايحتاج بل هو مفيد وكلام تام بدون شىء آخر يتصل به او يضم له لاستهلاكهم فى حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على اسرارهم وقال الشيخ العارف احمد الغزالى آخو الامام محمد الغزالى رحمه اللّه كاشف القلوب بقوله لا اله الا اللّه وكاشف الارواح بقو ل اللّه وكاشف الاسرار بقول هو هو لا الا اللّه قوت القلوب واللّه قوت الارواح وهو قوت الاسرار فلا اله الا اللّه مغناطيس القلوب واللّه مغناطيس الارواح وهو مغناطيس الاسرار والقلب والروح والسر بمنزلة درة فى صدفة فى حقة فانظر انه رحمه اللّه فى اى درجة وضع هو عن بعض المشايخ رأيت بعض الوالهين فقلت له ما اسمك فقال هو قلت من أنت قال هو قلت من أين تجيىء قال هو قلت من تعنى بقولك هو قال هو فما سألته عن شىء الا قال هو فقلت لعلك تريد اللّه فصاح وخرجت روحه فكن من الذاكرين بهو ولا تلتفت الى المخالفين فانهم من اهل لاهوآء ولكل من العقل والنفس والقلب والروح معنيان اما العقل فيطلق على قوة دراكة توجد فى الانسان بها يدرك مدركاته وعلى لطيفة ربانية هى حقيقة الانسان المستخدمة للبدن فى الامور الدنيوية والاخروية وهى العالم والعارف والعاقل وهى الجاهل والقاصر والغافل الى غير ذلك وكذا النفس تطلق على صفة كائنه فى الانسان جامعة للاخلاق المذمومة داعية الى الشهوات باعثة على الاهوآء والآفات وتطلق على تلك اللطيفة المذكورةكما قال بعض الافاضل

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... وتطلب الربح مما فيه خسران

عليك بالنفس فاستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم انسان

وكذا القلب يطلق على قطعة لحم صنوبرية تكون فى جوف الانسان وعلى تلك اللطيفة وكذا الروح يطلق على جسم لطيف وعلى اللطيفة الربانية المذكورة فكل من الالفاظ الأربعة يطلق على نفس الانسان الذى هو المتكلم والمخاطب والمثاب والمعاقب بالاصالة وتبيعتها يقع الثواب والعقاب للجسد الذى هو القفص لها فالتغاير على هذا اعتبارى فان النفس نفس باعتبار انها نفس الشىء وذاته وعقل باعتبار ادراكها وقلب باعتبار انقلابها من شىء الى شىء وروح باعتبار استراحتها بما يلائمها وتستلذ به وعلى المعانى الأخر لهن حقيقى ثم ان النفس اما أن تكون تابعة للهوى فهى الامارة لمبالغة أمرها للاعضاء بالسيئات فذكر دآئرة النفس لا اله الا اللّه

واما أن يهب اللّه له الانصاف والندامة على تقصيراتها والميل الى التدارك لما فات من المهمات فهى اللوامة للومها صاحبها بل نفسها على سوء عملها فذكر هذه الدآئرة اللّه اللّه ويقال لها دىئرة القلب لانقلابها الى جانب الحق

واما أن تطمئن الى الحق وتستقر فى الطاعة وتتلذذ بالعبادة فهى المطمئنة لاطمئنانها تحت أمر اللّه بحب اللّه ويقال لهذه الدآئرة دآئرة الروح لاستراحتها بعبادة اللّه وذكره وتلذذها بشكره وذكر هذ الدآئرة هو هو

واما ماقال بعض الكبار من ان الذكر بلا اله الا اللّه أفضل من الذكر بكلمة اللّه اللّه وهو هو من حيث انها جامعة بين النفى والاثبات ومحتوية على زيادة العلم والمعرفة فبالنسبة الى حال المبتدى فكلمة التوحيد تظهر مرءآة النفس بنارها فتوصل السالك الى دآئرة القلب وكلمة اللّه تنور القلب بنورها فتوصل الى دائرة الروح وكلمة هو تجلى الروح فتوصل من شاء اللّه الى دآئرة السر والسر لفظ استأثره المشايخ للحقيقة التى هى ثمرة الطريقة التى هى خلاصة الشريعة التى هى لازمة القبول لكل مؤمن اما أخذا مما روى عن النبى عليه السلام انه قال حكاية عن الله

( بينى وبين عبدى سر لايسعه ملك مقرب ولا نبى مرسل )

واما لكونه مستورا عن اكثر الناس ليس من لوازم الشريعة والطريقة ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم يشهد اللّه اينما يبد واه لا اله الا هو

هست هر ذره بو خدت خويش ... بيش عارف كواه وحدت او

باك كن جامى از غبار دويى ... لو خاطر كه حق يكيست نه دو

{ عالم الغيب والشهادة } اللام للاستغراق فيعلم كل غيب وكل شهادة اى ماغاب عن الحسن من الجواهر القدسية واحوالها وما حضر له من الاجرام واعراضها ومن المعدوم والموجود فالمراد بالغيب حينئذ ماغاب عن الوجود ومن السر والعلانية ومن الآخرة والاولى ونحو ذلك قال الراغب ماغاب عن حواس الناس وبصائرهم وما شهدوه بهما والمعلومات او معدومات يمتنع وجودها او معدومات يمكن وجودها

واما موجودات يمتنع عدمها او موجودات لايمتنع عدمه ولكل من هذه الاقسام الاربعة احكام وخواص والكل معلوم لله تعالى وقدم الغيب على الشهادة لتقدمه فى الوجود وعلق العلم القديم به من حيث كونه موجودا ، واعلم ان ماورد من اسناد علم الغيب الى اللّه فهو الغيب بالنسبة الينا لا بالنسبة اليه تعالى لانه لايخفى على اللّه شىء فى الارض ولا فى السماء واذا انتفى الغيب بالنسبة اليه انتفى العلم به ايضا وايضا لما سقطت جميع النسب والاضافات فى مرتبة الذات البحت والهوية انتفت النسبة العلمية مطلقا فانتفى العلم بالغيب فافهم

{ هو الرحمن الرحيم } كرر هو لان له شأنا شريفا ومقاما منيفا من اشتغل به ملك من اعرض عنه هلك واللّه تعالى رحمته الدنيوية عامة لكل انسى وجنى مؤمنا كان او كافار

اديم زمني سفره عام اوست ... برين خان يغما جه دشمن جه دوست

على ما قال عليه السلام أيها الناس ان الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وان الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر يحق فيها الحق ويبطل الباطل كونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فان كل ام يتبعها ولدها ولذلك يقال يارحمن الدنيا لان مافيه زيادة حرف يراد به زيادة فى المعنى ورحمته الاخروية خاصة بالمؤمنين ولذا يقال يارحيم الآخرة فعلى هذا فى معنى الرحمن زيادة باعتبار المنعم عليه ونقصان باعتبار الانواع والافراد فى تخصيص هذين الاسمين المنبيئن عن وفور رحمته فى الدارين تنبيه على سبق رحمته وتبشير للعاصين أن لايقنطوا من رحمة اللّه وتنشيط للمطيعين بأنه يقبل القليل ويعطى الجزيل وحظ العبد من اسم الرحمن الرحيم أن يكون كثير الرحمة بأن يرحم نفسه اولا ظاهرا وباطنا ثم يرحم غيره بتحصيل مراده وارشاده والنظر اليه بعين الرحمة كما قال بعض المشايخ

وارحم جميع الخالق كلهموا ... وانظر اليهم بعين اللطف والشفقة

وقر كبير همو وارحم صغير همو ... وراع فى كل خلق حق من خلقه

قال الزروقى رحمه اللّه كل الاسماء يصح التخلق بمعانيها الا الاسم اللّه فانه للتعلق فقط وكل الاسماء راجعة اليه فالمعرفة به معرفة بها ولابد للعبد من قلب مفرد فيه توحيد مجرد وسر مفرد وبه يحصل جميع المقاصد سئل الجنيد قدس سره كيف السبيل الى الانقطاع الى اللّه تعالى قال بتوبة الاصرار وخوف يزيل التسويف ورجاء يبعث على مسالك لعمل واهانة النفس بقربها من الاجل وبعدها من الأمل قيل له بما يصل العبد الى هذا قال بقلب مفرد فيه توحيد مجرد انهى وهو عجيب وفى التأويلات النجمية تشير الآية الى هويته الجامعة عالم غيب الوجود المسمى باسم الباطن وعالم الشهادة الوجود المسمى باسم الظاهر وهو الرحمن الرحيم اى هو المتجلى بالتجلى الرحمانى العام وهو المتجلى بالتجلى الرحيمى الخاص وهو المطلق عن العموم والخصوص فى عين العموم والخصوص غير اعتباراته وحيثياته

٢٣

{ هو اللّه الذى لا اله الا هو } كرر هو لابراز الاعتناء بامر التوحيد يعنى اوست خداى كه بهيج وجه نيست خداى سزاى برستش مكروى

{ الملك } بادشاهى كه جلال ذاتش ازوجه احتياج مصونست وكما صفاتش باستغناء مطلق مقرون فمعناه ذو الملك والسلطان والملك بالضم هو التصرف بالامر والنهى فى الجمهور وذلك يختص بسياسة الناطقين ولهذا يقال ملك الناس ولا يقال ملك الاشياء فقوله تعالى

{ ملك يوم الدين } تقديره الملك فى يوم الدين كما فى المفردات وعبدالملك هو الذى يملك نفسه وغيره بالتصرف فيه بما شاء اللّه وامره به فهو أشد الخلق على خليقته قال الامام الغزالى قدس سره مملكة العبد الخاصة به قلبه وقالبه وجنده شهوته وغضبه وهواه ورعيته لسانه وعيناه ويداه وسائر اعضائه فاذا ملكها ولم يطعها فقد نال تملكه درجة الملك فى عالمه ( قال الشيخ سعدى )

وجود توشهريست برنيك وبد ... توسلطان ودستور دانا خرد

هما ناكه دونان كردن فراز ... درين شهر كبرست وسودا وآز

جو سلطان عنايت كند بابدان ... كجا ماند آسايش بخردان

فان انظم اليه استغناؤه عن كل الناس واحتاج الناس كلهم اليه وفى حياتهم العاجلة والآجلة فهو الملك فى العالم العرضى وتلك رتبة الانبياء عليهم السلام فانهم استغنوا فى الهداية الى الحياة الآخرة عن كل احد الا عن اللّه تعالى واحتاج اليهم كل احد ويليهم فى هذا الملك العلماء الذين هم ورثة الانبياء وانما ملكهم بقدر مقدرتهم على ارشاد العباد واستغنائهم عن الاسترشاد وهذا الملك عطية للعبد من الملك الحق الذى لامثنوية فى ملكه والافلا ملك للعبد كما قيل لبعض العارفين الك ملك فقال انا عبد لمولاى فليس لى نملة فمن انا حتى اقول لى شء هذا كلام من استغرق فى ملاحظة ملكية اللّه ومالكيته فما حكى ان بعض الآمراء قال لبعض الصلحاء سلنى حاجتك قال أولى تقول هذا ولي عبدان هما سيداك قال من هما قال الشهوة والغضب وفى بعض الرواية الحرص والهوى غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك فهو اخبار عن لطف اللّه وتمليكه من ضبط نفسه واستخدامها فيما يرضاه الهل نصحا لذلك الأمير ولغيره من السامعين شاهدين او غائبين

قال بعضهم لبعض الشيوخ اوصنى فقال كن ملكا فى الدنيا تكن ملكا فى الآخرة معناه اقطع طمعك وشهوتك فى الدنيا فان الملك فى الحرية والاستغناء ومن مقالات أبى يزيد البسطامى قدس سره فى مناجاته الهى ملكى اعظم من ملكك وذلك لان اللّه تعلى ملك أبا يزيد وهو متناه وأبا يزيد ملك الهل وهو باق غير متناه وخاصية اسم الملك صفاء القلب حصول الفناء الاهمرة ونحوها فمن واضب عليه وقت الزوال كل يوم مائة مرة صفا قلبه وزال كدره ومن قرأه بعد الفجر مائة واحدى وعشرين مرة اغناه اللّه من فضله اما باسباب او بغيرها

{ القدوس } وهو من صيغ المالبغة من القدس وهو النزاهة والطهارة اى البليغ فى النزاهة عما يوجب نقصانا ما وعن كل عيب وهو بالعبرى قديسا ونظيره السبوح وفى تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال الزمخشرى ان الضفادع تقول فى نقيقها سبحان اللّه الملكم القدوس قال ثعلب كل اسم على فعول فهو مفتوح الاول الا السبوح القدوس فان الضم فيهما اكثر وقد يفتحان وقال بعضهم المفتوح قليل فى الصفات كثير فى الاسماء مثل التنور والسمور والسفود وغيرها قال بعض المشايخ حقيقة القدس الاعتلاء عن قبول التغير ومنه الارض المقدسة لانها لاتتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الارضين واتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بالجور والظلم والاعتدآء فى الاحكام وفيما يترتب عليها فان ملكه تعالى لايعرض له مايغيره لاستحالة ذلكفى وصفه وقال بعضهم التقديس التطهير وروح القدس جبريل عليه السلام لانه ينزل بالقدس من اللّه اى مايطهر به نفوسنا من القرءآن والحكمة والفيض الالهى والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة اى الشرك او لانه يتطهر فيه من الذنوب وكذلك الارض المقدسة وحظيرة القدس الجنة ( قال الكاشفى ) قدوس يعنى باك از شوائب مناقص ومعايب ومنزه از طوق آفات ونوايب.

وقال الامام الغزالى رحمه اللّه هن المنزه عن كل وصف يدركه حس او يتصوره خيال او يسبق اليه وهم او يختلج به ضمير أو يفضى به تفكر وليست أقول منزه عن العيوب والنقائض فان ذلك يكاد يقرب من ترك الأدب فليس من الأدب ان يقول القائل ملك البلد ليس بحائك ولا حجام ولا حذآء فان نفى الوجود يكاد يوهم امكان الوجود وفى ذلك الايهام نقص بل أقول القدوس هو المنزه عن كل وصف من اوصاف الكمال الذى يظنه اكثر الخلق كما لا قال الزروقى رحمه اللّه كل تنزيه توجه الخلق به الى الخالق فهو عائد اليهم لان الحق سبحانه فى جلاله لا يقبل ما يحتاج للتنزيه منه لاتصافه بعلى الصفات وكريم الاسماء وجميل الافعال على الاطلاق فليس لنا من تقدسه الا معرفة انه القدوس فافهم وعبد القدوس هو الذى قدسه اللّه عن الاحتجاب فلا يسع قلبه غير اللّه وهو الذى يسع قلبه الحق كما قال لايسعنى ارضى وسمائى ويسعنى قلب عبدى ومن وسع الحق قدس عن الغير اذا لايبقى عند تجلى الحق شىء غيره فلا يسع القدوس الا القلب المقدس عن الاكوان

قال بعضهم حظ العارف منه أن يتحقق انه لايحق الوصول الا بعد العروج من عالم الشهادة الى عالم الغيب وتنزيه السر عن المتخيلات والمحسوسات والتطواف حول العلوم الالهية والمعارف الزكية عن تعلقات الحس والخيال وتطهير القصد عن أن يحوم حول الحظوظ الحيوانية واللذآئذ الجسمانية فيقبل بشرا شره على اللّه سبحانه شوقا الى لقائه مقصور الهم على معارفه ومطالعة جماله حتى يصل الى جناب العز وينزل بحبوحة القدس وخاصية هذا الاسم انه اذا كتب سبوح قدوس رب الملائكة والروح على خبز اثر صلاة الجمعة واكله يفتح اللّه له العبادة ويسلمه من الآفات وذلك بعد ذكر عدد ماوقع عليه وفى الأربعين الادريسية ياقدوس الطاهر من كل آفة فلا شىء يعادله من خلقه قال السهر وردى من قرأه كل يوم الف مرة فى خلوة اربعين يوما شمله بما يريد وظهرت له قوة التأثير فى العالم

{ السلام } ذو السلامة من كل آفة ونقص وبالفارسية سالم از عيوب وعلل ومبرا از ضعف وعجز وخلل وهو مصدر بمعنى السلامة وصف به للمبالغة لكونه سليما من النقائض او فى اعطائه السلامة فيكون بمعنى التسليم كالكلام بمعنى التكليم فما ورد من قوله أنت السلام معناه أنت الذى سلم من كل عيب وبرىء من كل نقص وقوله ومنك السلام اى الذى يعطى السلامة فيسلم العاجز من المكاره ويخلصه من الشدآئد فى الدارين ويستر ذنوب المؤمنين وعيوبهم فيسلمون من الخزى يوم القيامة او يسلم على المؤمنين فى الجنة لقوله تعالى

{ سلاما قولا من رب رحيم } وقوله واليك يرجع السلام اشارة الى ان كل من عليها فان ويبقى وجه ربك وقوله وحينا ربنا بالسلام طلب السلامة منه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة قال الامام الغزالى رحمه اللّه ه الذى يسلم ذاته من العيب وصفاته من النقص وافعاله من الشر يعنى ليس فى فعله شر محض بل فى ضمنه خير اعظم منه فالمقضى بالاصالة هو الخير وهو والقدوس من الاسماء الذاتية الا أن يكون بمعنى المسلم قال الراغب السلام والسلامة التعرى من الآقات الظاهرة الباطنة قيل وصف اللّه بالسلام من حيث لا تلحقه العيوب والآفات التى تلحق الخلق انتهى وعبد السلام هو الذى تجلى له اسم السلام فسلمه من كل نقص آفاة وعيب فكل عبد سلم من الغش والحقد والحسد وارادة الشر قلبه وسلم من الآثام والمحظورات جوارحه وسلم من الانتكاس والانعكاس صفاته فهو الذى يأتى اللّه بقلب سليم وهو السلام من العباد القريب فى وصفه من السلام المطلق الحق الذى لامثنوية فى صفاته وأعنى بالانتكاس فى صفاته أن يكون عقله أسير شهوته وغضبه اذ الحق عكسه هو أن تكون الشهوة والغضب اسيرى العقل وطوعه فاذا انعكس فقد انتكس ولا سلامة حيث يصير الأمير مأمورا والملك عبدا ولن يوصف بالسلام والاسلام الا من سلم المسلمون من لسانه ويده وخاصية هذا الاسم صرف المصائب والآلام حتى انه اذا قرىء على مريض مائة واحدى عشرة مرة برىء بفضل اللّه مالم يحضر اجله او يخفف عنه

{ المؤمن } اى الموحد نفسه بقوله

{ شهد الكله انه لا اله الا هو } قاله الزجاج او واهب الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف قال ابن عباس رضى اللّه عنهما هو الذى آمن الناس من ظلمه وآمن من آمن من عذابه وهو من الايمان الذى هو ضد التخويف كما فى قوله تعالى

{ وآمنهم من خوف } وعنه ايضا انه قال اذا كان يوم القايمة اخرج أهل التوحيد من النار واول من يخرج من وافق اسمه اسم نبى حتى اذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبى قال اللّه لباقه أنتم المسلمون وانا السلام وأنتم المؤمنون وانا المؤمن فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين ( قال الكاشفى ) ايمن كننده مؤمنان ازعقوبت نيران با داعى خلق بايمان وامان يامصدق رسل باظهار معجزه وبرهان ، قال الامام الغزالى رحمه اللّه المؤمن المطلق هو الذى لايتصور امن وامان الا ويكون مستفادا من جهته وهو اللّه تعالى وليس يخفى ان الاعمى يخاف أن يناله هلاك من حيث لايرى فعينه البصيرة تفيد امنا منه والأقطع يخاف آفة لاتندفع الا باليد واليد السليمة أمان منها وهكذا جميع الحواس والاطراف ولمؤمن خالقها ومصورها ومقومها ولو قدرنا انسانا وحده مطلوبا من جهة اعدآئه وهو ملقى فى مضيق لاتتحرك عليه اعضاؤه لضعفه وان تحركت فلا سلاح معه وان كان معه سلاح لم يقاوم اعدآءه وحده وان كانت له جنود لم يأمن ان تنكسر جنوده ولا يجد حصنا يأوى اليه فجاء من عالج ضعفه فقواه وامده بجنود واسلحة وبنى حوله حصنا فقد افاده امنا وامانا فبالحرى أن يسمى مؤمنا فى حقه والعبد ضعيف فى اصل فطرته وهو عرضة الامراض والجوع والعطش من باطنه وعرضة الآفات المحرقة والمغرفة والجارحة والكاسرة من طاهره ولم يؤمنه من هذه المخاوف الا الذى اعد الادوية دافعه لامراضه والاطعمة مزيلة لجوعه والأشربة مميطة لعطشه والاعضاء دافعة عن بدنه والحواس جواسيس منذرة بما يقرب من مهلكاته ثم خوفه الأعظم من هلاك الآخرة ولايحصنه منها الا كلمة التوحيد واللّه هاديه اليها ومرغبه فيها حيث قال لاله الا اللّه حصنى فمن دخله أمن من عذابى فلا امن فى العالم الا وهومستفاد من اسباب هو منفرد بخلقها والهداية الى استعمالها وعبد المؤمن هو الذى آمنه اللّه من العقاب وآمنه الناس على ذواتهم وأموالهم واعراضهم ومن المصطلحات فحظ العبد من هذا الوصف أن يأمن الخلق كلهم جانبه بل يرجو كل خائف الاعتضاد به فى دفع الهلاك عن نفسه فى دينه ودنياه كما قال عليه السلام ( من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليؤمن من جاره بوآئقه ) فى ترجمة وصايا الفتوحات واكر خواهى كه از هيجكس نترسى هيج كس را مترسان تا ازهمه آمن باشى جون همه كسى ازتو آمن باشند شيخ اكبر قدس سره الاطهر فرموده كه در عنفوان شباب كه هنوز بدين طريق رجوع نكرده بودم در صحبت والده وجمعى در سفر بودم ناكاه ديدم كله كور خردر مرعى ومن برصيد ايشان عظيم حريص بودم وكو دكان من باره دور بودند در نفس من اين فكر افتادكه ايشانرا نر نجانم ودل بران نهادم وخاطررا برترك تعرض وايذاى ايشان تكين كردم وحصانى كه بروى سوار يودم بجانب ايشان ميل ميكرد سر او محكم كردم ونيزه بدست من بود جون بديشان رسيدم ودرميانه ايشان در آدم وقت بودكه سنان نيزه ببعضى ميرسيد واودر جرا كردن خود بود واللّه هيج يكى سر بر نداشت تامن از ميان ايشان كذشتم بعد ازان كود كان وغلامان رسيدند وآن جماعات حمر وحش از ايشان رميدند ومتفرق شدند ومن سبب آن نمى دانستم تا وقنى كه بطريق اللّه رجوع كردم ومرا در معامله نظر افتاد دانستم كه آن امان كه در نفس من بود در نفوس ايشان سرايت كرد واحق العباد بأسم المومن من كان سببا لأمن الحق من عذاب اللّه بالهداية الى طريق اللّه والارشاد الى سبيل النجاة وهذه حرفة الانبياء والعلماء ولذلك قال عليه السلام

( انكم تتهافتون فى النار تهافت الفراش وانا آخذ بحجزكم ) لعلك تقول الخوف من اللّه على الحقيقة فلا مخوف الا هو فهو الذى خوف عباده وه الذى خلق اسباب الخوف فكيف ينسب اليه الا من فجوابك ان الخوف مه والأمن منه وهو خالق سبب الأمن والخوف جميعا وكونه مخوفا لايمنع كونه مؤمنا كما ان كونه مذلا لم يمنع كونه معزا بل هو المعز والمذل وكونه خافضا لم يمنع كونه رافعا بل هو الرافع الخافض فكذلك هو المؤمن المخيف لكن المؤمن ورد التوقيف به خاصة دون المخوف وخاصية هذا الاسم وجود التأمين وحصول الصدق والتصديق وقوة الايمان فى العموم لذاكره ومن ذلك أن يذكره الخائف ستا وثلاثين مرة فانه يأمن على نفسه وماله ويزاد فى ذلك بحسب القوة والضعف

{ المهيمن } قال بعض المشايخ هذا الاسم من اسمائه التى علت بعلو معناها عن مجارى الاشتقاق فلا يعلم تأويله الا اللّه تعالى وقال بعضهم هو المبالغ فى الحفظ والصيانة عن المضار من قولهم هيمن الطائر اذا نشر جناحه على فرخه حماية له وفى الارشاد الرقيب الحافظ لكل شىء وقال الزروقى هو لغة الشاهد ومنه قوله تعالى

{ ومهيمنا عليه } يعنى شاهدا عالما وقال بعضهم مفيعل من الامن ضد الخوف واصله مؤأمن بهمزتين فقلبت الهمزة الثانية ياء لكراهة اجتماعهما فصار مؤيمن ثم سيرت الاولى هاء كما قالوا فى أراق الماء هراقه فيكون فى معنى المؤمن ( حكى ) ان ابن قتيبة لما قال فى المهيمن انه مصغر من مؤمن والاصل مؤيمن فأبدلت الهمزة هاء قيل له هذا يقرب من الكفر فليتق اللّه قائله وذلك لان فيه ترك التعظيم وقال الامام الغزالى رحمه اللّه معنى المهيمن فى حق اللّه انه القائم على خلقه باعمالهم وارزاقهم وآجالهم وانما قيامه عليهم باطلاعه واستيلائه وحفظه وكل مشرف على كنه الامر مستول عليه حافظ له فهو مهيمن عليه والاشراف يرجع الى العلم والاستيلاء الى كمال القدرة والحفظ الى الفعل فالجامع بين هذه المعانى اسمه المهيمن ولن يجمع ذلك على الاطلاق والكمال الا اللّه تعالى ولذلك قيل انه من اسماء اللّه تعالى فى الكتب القديمة وعبدالمهيمن هو الذى شاهد كون الحق رقيبا شهيدا على كل شىء فهو يرقب نفسه وغيره بايفاء حق كل ذى حق عليه لكونه مظهر الاسم المهيمن يعنى حظ العارف منه أن يراقب قلبه ويحفظ قواه وجوارحه ويأخذ حذره من الشيطان ويقوم بمراقبة عباد اللّه وحفظهم فمن عرف انه المهيمن خضع تحت جلاله وراقبه فى كل احواله واستحيى من اطلاعه عليه فقام بمقام المراقبة لديه ( حكى ) ان ابراهيم بن أدهم رحمه اللّه كان يصلى قاعدا فجلس ومد رجليه فهتف به هاتف هكذا تجالس الملوك وان الحريرى كان لايمد رجليه فى الخلوة فقيل له ليس يراك احد فقا حفظ الأدب مع اللّه احق.

يقول الفقير يقرب من هذا ما وقع لى عند الكعبة فانى بعدما طفت بالبيت استندت الى مقام ابراهيم حباله فقيل لى من قبل اللّه تعالى ماهذا البعد عين القرب فعلمت ان ذلك من ترك الأدب فى مجالسة اللّه معى فلم ازل ألازم باب الكعبة فى الصف الاول مدة مجاورتى بمكة وخاصية هذا الاسم الاشراف على البواطن والاسرار ومن قرأة مائة مرة بعد الغسل والصلاة فى خلوة بجمع خاطر نال ماأراد ومن نسبته المعنوية علام الغيوب عند التأمل وفى الاربعين الادريسية ياعلام الغيوب فلا يفوت شىء من علمه ولا يؤوده قال السهرودى من دوام عليه قوى حفظه وذهب نسيانه

{ العزيز } غالب در حكم يابخشنده عزت ،

قال بعضهم من عز اذا غلب فمرجعه القدرة المتعالية عن المعارضة والممانعة اومن عز عزازة اذا قل فالمراد عديم المثل كقوله تعالى

{ ليس كمثله شىء } وقال الامام الغزالى رحمه اللّه العزيز هو الخطير الذى يقل وجود مثله وتشتد الحاجة اليه ويصعب الوصول اليه فما لم يجمع هذه المعانى الثلاثة لم يطلق عليه العزيز فكم من شىء يقل وجوده ولكن اذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه لم يسم عزيرا وكم من شىء يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره ولكن اذا لم يصعب الوصول اليه لم يسم عزيزا كالشمس مثلا فانها لانظير لها والارض كذلك والنفع عظيم فى كل واحدة منهما الحاجة شديدة اليهما ولكن لاتوصفان بالعزة لانه لايصعب الوصول الى مشاتهما فلابد من اجتماع المعانى الثلاثة ثم فى كل واحد من المعانى الثلاثة كمال ونقصان فالكمال فى قلة الوجود أن يرجع الى الواحد اذ لا اقل من الواحد ويكون بحيث يستحيل وجود مثله وليس هذا الا اللّه تعالى فان الشمس وان كانت واحدة فى الوجود فليست واحدة فى الامكان فيمكن وجود مثلها والكمال فى النفاسة وشدة الحاجة أن يحتاج اليه كل شىء فى كل شىء حتى فى وجوده وبقائه وصفاته وليس ذلك الكمال الا لله تعالى وعبد العزيز هو الذى اعز اللّه بتجلى عزته فلا يلغبه شىء من أيدى الحدثان والاكوان وهو يغلب كل شىء قال الغزالى رحمه العزيز من العباد من يحتاج اليه عباد اللّه فى مهام امورهم وهى الحياة الاخروية والسعادة الابدية وذلك مما يقل لامحالة وجوده ويصعب ادراكه وهذه رتبة الانبياء عليهم السلام ويشاركهم فى العز من يتفرد بالقرب منهم اى من درجتهم فى عصرهم كالخلفاء وورثتهم من العلماء وعزة كل واحد بقدر علو رتبه عن سهولة النيل والمشاركة وبقدر غنائه فى ارشاد الخلق وقال بعضهم حظ العبد من هذا الاسم أن يعز نفسه فلا يستهينها بالمطامع الدنية ولايدنيها بالسؤال من الناس والافتقار اليهم قيل انما يعرف عزيزا من اعز امر اللّه بطاعته فاما من استهان باوامره فمن المحال أن يكون متحققا بعزته وقال الشيخ ابو العباس المرسى رحمه اللّه ولله مارأيت العز الا فى رفع الهمة عن المخلوقين فمن عرف انه العزيز لايعتقد لمخلوق جلالا دون جلال اللّه تعالى فالعزيز بين الناس فى المشهور من جعله اللّه ذا قدر ومنزلة بنوع شرف باق او فان فمنهم من يكون عزيزا بطاعة اللّه تعالى ومنهم من يكون بالجاه ومنهم من يكون عزيز بالعلم والمعرفة والكمال ومنهم من يكون بالسطوة والشوكة والمال ثم منهم من يكون عزيزا فى الدارين ومنهم من يكون فى الدنيا لافى العقبى ومنهم من يكون على العكس فكم من ذليل عند الناس عزيز عند اللّه وكم من عزيز عند الناس ذليل عند اللّه والعزيز عند المولى هو الاصل والاولى قال فى ابكار الافكار غير رسول لله عليه السلام اسم العزيز لان العزة لله وشعار العبد الذلة والاستكانة وخاصية هذا الاسم وجود الغنى والعز صورة او حقيقة او معنى فمن ذكره اربعين يوما فى كل يوم اربعين مرة اعانه اللّه واعزه فلم يحوجه الى أحد من خلقه وفى الاربعين الادريسية ياعزيز المنيع الغالب على امره فلا شىء يعادله قال السهر وردى رحمه اللّه من قرأه سبعة ايام متواليات كل يوم الفا اهلك خصمه وان ذكره فى وجه العسكر سبعين مرة ويثير اليهم بيده فانهم ينهزمون

{ الجبار } الذى جبر خلقه على ماأراد اى قهرهم واكرههم عليه او جبر أحوالهم اى اصلحها فعلى هذا يكون الجبار من الثلاثى لامن الافعال وجبر بمعنى اجبر لغة تميم وكثير من الحجازيين واستدل بورود الجبار من يقول ان امثله مبالغة تأتى من المزيد عن الثلاثى فانه من اجبره على كذا اى قهره وقال الفرآء لم اسمع فعال من افعل الا فى جبر ودراك فانهما من اجبر وأدرك قال الراغب اصل الجبر اصلاح الشىء بضرب من القهر وقد يقال فى اصلاح المجرد نحو قول على رضى اللّه عنه ياجابر كل كسير ومسهل كل عسير والاجبار فى الاصل حمل الغير على أن يجبر الامور لكن تعورف فى الاكراه المجرد وسمى الذين يدعون ان اللّه تعالى يكره العباد على المعاصى فى تعارف المتكلمين مجبرة وفى قول المتقدمين جبرية والجبار فى صفة الانسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من المعالى لايستحقها وهذا لايقال الا على طريقة الذم وفى وصف اللّه لانه الذى يجبر الناس بفائض نعمه او يقهرهم على مايريده من مرض وموت وبعث ونحوها وهو لايقهر الاعلى ماتقتضى الحكمة أن يقهر عليه فالجبار المطلق هو الذى ينفذ مشيئته على سبيل الاجبار فى كل أحد ولا ينفذ فيه مشيئة احد ( روى ) ان فى بعض الكتب الاليهة عبدى تريد وأريد ولايكون الا ماأريد فان رضيت بما أريد كفيتك ماتريد وان لم ترضى بما أريد أبقيتك فيما تريد ثم لايكون الا ماأريد وعبد الجبار هو الذى يجبر كسر كل شىء ونقصه لان الحق جبر حاله وجعله بتجلى هذا الاسم جابر الحال كل شىء مستعليا عليه من علم انه الجبار دق فى عينه كل جبار كان راجعا اليه فى كل امر بوصف الافتقار بجبر المكسور من اعماله وترك الناقص من آماله فتم له الاسلام الاستسلام وارتفعت همته عن الاكوان فيكون جبارا على نفسه جابرا لكسر عباده وقال بعضهم حظ العارف من هذا الاسم أن يقبل على النفس ويجبر نقائصها باستكمال الفضائل ويحملها على ملازمة التقوى والمواظبة على الطاعة ويكسر منها الهوى والشهوات بأنواع الرياضات ويرتفع عما سوى الحق غير ملتفت الى الخلق فيتحلى بحلى السكينة والوقار بحيث لايزلزله تعاور الحواديث ولا يؤثر فيه تعاقب النوافل بل يقوى على التأثير فى الانفس والآفاق بالارشاد والاصلاح وقال الامام الغزالى رحمه اللّه الجبار من العباد من ارتفع عن الاتباع ونال درجة الاستتباع وتفرد بعلو رتبته بحيث يجبر الخلق بهيئته وصورته على الاقتدآء وبمتابعته فى سمته وسيرته فيفيد الخلق ولا يستفيد يؤثر ولا يتأثر ويستتبع ولا يتبع ولا يشاهده احد الى ويفنى عن ملاحظة نفسه ويصير مستوفى الهم غير ملتفت الى ذاته ولا يطمع احد فى استدراجه واستتباعه وانما حظى بهذا الوصف سيد الاولين والآخرين عليه السلام حيث قال

( لو كان موسى بن عمران حيا ما وسعه الا اتباعى وانا سيد ولد آدم ولا فخر ) وخاصية هذا الاسم الحفظ من ظلم الجبابرة والمعتدين فى السفر والاقامة يذكر بعد قرآءة المسبعات عشر صباحا ومساء احدى وعشرين مرة ذكره الزروقى فى شرح الاسماء الحسنى

{ المتكبر } الذى تكبر عن كل مايوجب حاجة او انقصانا او البليغ الكبرياء والعظمة يعنى ان صيغة التفعل للتكلف بما لم يكن فاذا قيل تكبر وتسخى دل على انه يرى ويظهر الكبر والسخاء وليس بكبير ولا سخى والتكلف بما لم يكن كان مستحيلا فى حق اللّه تعالى حمل على لازمه وهو أن يكون ماقام به من الفعل على اتم مايكون واكمله من غير أن يكون هناك تكلف واعتمال حقيقة ومنه ترحمت على ابراهيم بمعنى رحمته كمال الرحمة واتممتها عليه فاذا قيل انه تعالى متكبر كان المعنى انه البالغ فى الكبر أقصى المراتب ( روى ) عن عبداللّه بن عمر رضى اللّه عنهما قال رأيت رسول اللّه عليه السلام قائما على هذا المنبر يعنى منبر رسول اللّه فى المدينة وهو يحكى عن ربه تعالى فقال ( ان اللّه عز وجل اذا كان يوم القيامة جمع السموات والارضيين فى قبضته تبارك وتعالى ثم قال هكذا وشد قبضته ثم بسطها ثم يقول انا اللّه انا الرحمن انا الرحيم انا الملك انا القدوس انا السلام انا المؤمن انا المهيمن انا العزيز انا الجبار انا المتكبر انا الذى بدأت الدنيا ولم تك شيأ انا الذى اعدتها اين الملوك اين الجبابرة )

قهار بى منازع وغفار بى ملال ... ديان بى معادل وسلطان بى سباه

باغيير او ضافت شاهى بود جنان ... بريك وجوب باره زشطرنج نام شاه

قال الراغب التكبر يقال على وجهين احدهما أن تكون الافعال الحسنة كثيرة فى الحقيقة وزآئدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف اللّه بالمتكبر وهو ممدوح والثانى أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك فى وصف عامة الناس والموصوف به مذموم وفى الحديث ( الكبرياء ردآئى والعظمة ازارى فمن نازعنى فى شىء منهما قصمته )

قال بعضهم الفرق بين المتكبر والمستكبر ان المتكبر عام لاظهار الكبر الحق كما فى اوصاف الحق تعالى ولاظهار الكبر الباطل كما فى قوله سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الارض بغير الحق والكبر ظن الانسان انه اكبر من غيره والتكبر اظهاره ذلك كما فى العوارف والاستكبار اظهار الكبرياء باطلا كما فى قوله تعالى فى حق ابليس استكبر وغير ذلك كما تجده فى موارد استعمالاته فى القرءآن والحديث وقال فى الاسئلة المقحمة مامعنى المتكبر من اسماء اللّه فان التكبر مذموم فى حق الخلق والجواب معناه هو المتعظم عما لايليق به سبحانه وهو من الكبرياء لامن التكبر ومعناه المبالغة فى العظمة والكبرياء فى اللّه وهو الامتناع عن الانقياد فلهذا كان مذموما فى حق الخلق وهو صفة مدح فى حق اللّه تعالى انتهى فان قلت ماتقول فى قوله عليه السلام حين قال له عمه ابو طالب ماطوعك ربك يامحمد ( وأنت ياعم لو أطعته أطاعك ) قلت هذه الاطاعة والانقياد للمطيع لا للخارج عن امره فلا ينافى عدم انقياده لغيره فهو المتكبر للمتكبر كما انه المطيع للمطيع

قال بعضهم المتكبر هو الذى يرى غيره حقيرا بالاضافة الى ذاته فنظير الى الغير نظر المالك الى عبده وهو على الاطلاق لا يتصور الا اللّه تعالى فانه المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة الى كل شىء من كل وجه ولذلك لايطلق علىغيره تعالى الا فى معرض الذم لما انه يفيد التكلف فى اظهار مالا يكون قال عليه السلام

( تحاجت النار والجنة فقالت هذه يدخلنى الجبارون المتكبرون وقالت هذه يدخلنى الضعفاء والمساكين فقال لهذه أنت عذابى اعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتى أرحم بك من اشاء ولكل واحدة منكما ملؤها ) من عرف علوه تعالى وكبرياءه لازم طريق التواضع وسلك سبيل التذلل قيل الفقير فى خلقه احسن منه فى جديد غيره فلا شىء احسن على الخدم من لباس التواضع بحضرة السادة قال بعض الحكماء ماعز اللّه عبدا بمثل مايدل على ذل نفسه ما اذله بمثل مايدل على عز نفسه ( حكى ) ان بعضهم قال رأيت رجلا فى الطوف وبين يديه خادمان يطردان الناس ثم بعد ذلك رأيته يتكفف على جسر فسألته عن ذلك فقال انى تكبرت فى موضع يتواضع الناس فيه فوضعناى اللّه فى موضع يترفع فيه الناس وعبد المتكبر هو الذى فنى تكبره بتذلله للحق حتى قام كبرياء اللّه مقام كبره فيتكبر بالحق على ما سواه فلا يتذلل للغير قال الامام العزالى قدس سره المتكبر من العباد هو الزاهد ومعنى زهد العارف ان يتنزه عما يغشل سره عن الحق ويتكبر فى كل شىء سوى اللّه تعالى فيكون مستحقرا للدنيا والآخرة مرتفعا عن أن يشغله كلتاهما عن الحق وزهد العارف معاملة ومعاوضة فهو انما يشترى بمتاع الدنيا متاع الآخرة فتيرك الشىء عاجلا طمعا فى اضعافه آجلا وانما هو مسلم ومبايعة ومن استعبدته شهوته المطعم والمنكح فهو حقير وانما المتكبر من يستحقر كل شهوة وحظ بتصور أن تشاركه فيها البهائم وخاصية هذا الاسم الجلالة ظهور الخير والبركة حتى ان من ذكره ليلة دخوله بزوجته عند دخوله عليها وقرأه قبل جماعها عشرا رزق منها ولدا صالحا ذكرا وفى الاربعين الادريسية ياجليل المتكبر على كل شىء فالعدل امره والصدق وعده قال السهر وردى رحمه اللّه مداومه بلا فترة يجل قدره ويعز أمره ولايقدر أحد على معارضته بوجه ولا بحال

{ سبحان اللّه عما يشركون } تنزيه له تعالى عما يشركون به تعالى او عن اشراكهم به اثر تعداد صفات لايمكن أن يشاركه تعالى فى شىء منها شىء ما اصلا اى سبحوا اللّه تسبيحا ونزهوه تنزيها عما يشركه الكفار به من المخلوقات فاللّه تعالى اورده لاظهر كمال كبريائه او للعجب من اثبات الشريك بعد ماعينوا آثار اتصافه بجلال الكبرياء وكمال العظمة

وفى التأويلات النجمية قوله سبحانه

{ هو اللّه الذى لا اله الا هو الملك } الخ يشير الى وحدانية ذاته وفردانية صفاته وتصرفه فى الاشياء على مقتضى حكمته الازلية والى نزاهته عن النقائص الامكانية ووصف الامن بين العدم المحض بسبب التحقق بالوجود المطلق والى حفظ الاشياء فى عين شيئيته واعزازه اولياءه وقهره واذلاله اعدآءه والى كمال كبريائه بظهوره فى جميع المظاهر والى نزاهة ذاته عما يشركون معنى فى ذاته وفى صفاته وفى عرآئس البقلى سبحان اللّه عما يشركون اليه بالنواظر والخواطر انتهى

٢٤

{ هو اللّه الخالق } اى المقدر للاشياء على مقتضى حكمته ووفق مشيئته فان اصل معنى الخلق التقدير كما يقال خلق النعل اذا قدرها وسواها بمقياس وان شاع فى معنى الايجاد على تقدير واستوآء وسوآء كان من مادة كخلق الانسان من نطفة ونحوه او من غير مادة كخلق السموات والارض وعبد الخالق هو الذى يقدر الاشياء على وفق مراد الحق لتجلية له بوصف الخلق والتقدير فلا يقدر الا بتقديره تعالى وخاصية هذا الاسم أن يذكر فى جوف الليل ساعة فما فوقها فيتنور قلب ذاكره ووجهه وفى الاربعين الادريسية خالق من فى السموات ومن فى الارض وكل اليه معاده قال السهروردى يذكر لجمع الضائع الغائب البعيد الغيبة خمسة آلاف مرة

{ البارىء } الموجد للاشياء بريئة من التافوت فان البرء الايجاد على وجه يكون الموجد بربئا من التفاوت والنقصان عما يقتضيه التقدير على الحكة البالغة والمصلحة الكاملة وعبدالبارىء هو الذى يبرأ عمله من التفاوت والاختلاف فلا يفعل الا مايناسب حضرة الاسم البارىء متعادلا متناسبا بريئا من التفاوت كقوله تعالى

{ ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت } وخاصية هذا الاسم أن يذكره سبعة أيام متوالية كل يوم مائة مرة للسلامة ومن الآفات حتى من تعدى التراب عليه فى القبر وفى الاربعين الادريسية يابارىء النفوس بلا مثال خلا من غيره قال السهروردى يفتح لذاكرة ابواب الغنى والعز والسلامة من الآفات واذا كتب فى لوح من قير وعلق على المجنون نفعه وكذلك اصحاب الامراض الصعبة

{ المصور } الموجد لصور الاشياء وكيفياتها كما أراد يعنى بحشنده صورت هر مخلوق ، كما يصور الاولاد فى الارحام بالشكل واللون المخصوص فان معنى التصوير تخصيص الخلق بالصور المتميزة والاشكال المتعينة قال الراغب الصورة ماتتميز به الاعيان عن غيرها وهى محسوسة كصورة الانسان ومعقولة كالعقل وغيره من المعانى وقوله عليه السلام ( ان اللّه خلق آدم على صورته ) أراد بالصورة ماخص الانسان به من الهيئة المدركة بالبصر وبالبصيرة وبها فضله على كثير من خلقه واضفاته على اللّه على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه بل على سبيل التشريف له كقوله بيت اللّه وناقة اللّه وروح اللّه.

يقول الفقير الضمير المجرور فى صورته يرجع الى اللّه لا الى آدم والصورة الالهية عبارة عن الصفات السبع المرتبة وهى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وآدم مظهر هذه الصفات بالفعل بخلاف سائر الموجودات واطلاق الصورة على اللّه تعالى مجاز عند أهل الظاهر اذ لا تستعمل فى الحقيقة الا فى المحدوسات

واما عند اهل الحقيقة فحقيقة لان العالم الكبير بأسره صورة الحضرة الالهية فرقا وتفصيلا وآدم صورته جمعا واجمالا

اى زهمه صورت خوب توبه ... صورك اللّه على صورته

روى تو آيينه حق بينى است ... در نظر مردم خود بين منه

بلكه حق آيننه وتو صورتى ... وهم توى رابميان ره مده

صورت از آيينه نباشد جدا ... انت به متحد فانتبه

هركه سر رشته وحدت نيافت ... بيش وى اين نكته بود مشتبه

رشته يكى دان وكره صد هزار ... كيست كرين نكته كشايد كره

هركه جو جامى بكره بندشد ... كر بسر رشته رود باز به

والحاصل ان الخالق هنا المقدر على الحكمة الملائمة لنظام العالم والبارىء الموجد على ذلك التقدير والمصور المبدع لصور الكائنات واشكال المحدثات بحيث يترتب عليها خواصهم ويتم بها كمالهم وبهذ ظهر وجه الترتيب بينهما واستلزام التصوير البرء والبرء الخلق استلزام الموقوف للموقوف عليه كما قال الامام العزالى رحمه اللّه وقدس سره قد يظن ان هذه الاسماء مترادفة وان الكل يرجع الى الخلق والاختراع ولاينبغى أن يكون كذلك بل كل مايخرج من العدم الى الوجود يفتقر الى التقدير اولا والى الايجاد على وفق التقدير ثانيا والى التصوير بعد الايجاد ثالثا واللّه تعالى خالق من حيث انه مقدر وبارىء من حيث انه مخترع موجد ومصور من حيث انه مرتب صور المخترعات احسن ترتيب وهذا كالبناء مثلا فانه محتاج الى مقدر يقدر مالابد منه من الخشب واللبن ومساحة الارض وعدد الابنية وطولها وعرضها وهذا يتولاه المهندس فيرسمه ويصوره ثم يحتاج الى بناء يتولى الاعمال التى عندها تحدث وتحصل اصول الابنية ثم يحتاج الى مزين ينقش ظاهره ويزين صورته فيتولاه غير النباء هذه هى العادة فى التقدير والبناء والتصوير وليس كذلك فى افعال اللّه تعالى بل هو المقدر والموجد والمزين فهو الخالق البارىء المصور فقدم ذكر الخالق على البارىء لان الارادة والتقدير متقدمة على تأثير القدرة وقدم البارىء على المصور لان ايجاد الذات متقدم على ايجاد الصفات وعن حاطب بن أبى بلتعة رضى اللّه عنه انه قرأ البارىء المصور بفتح الواو ونصب الرآء يبرأ المصور اى يميز مايصوره بتفاوت الهيئات واختلاف الاشكال وعبد المصور هو الذى لايتصور ولا يصور الا ماطابق الحق ووافق تصويره لان فعله يصدر عن مصوريته تعالى ولذا

قال بعضهم حظ العارف من هذه الاسماء أن لايرى شيأ ولايتصور امرا الا ويتأمل فيما فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع فيترقى من المخلوق الى الخالق وينتقل من ملاحظة المصنوع الى ملاحظة الصانع حتى يصير بحيث كلما نظر الى شىء وجد اللّه عنده وخاصية الاسم المصور الاعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار ونحوها حتى ان العاقر اذا ذكرته فى كل يوم احدى وعشرين مرة على صوم بعد الغروب وقبل الافطاعل سبعة ايام زال عقمها وتصور الولد فى رحمها باذن اللّه تعالى

{ له الاسماء الحسنى } لدلالتها على المعانى الحسنة كما سبق فى سورة طه ( قال الكشافى ) مر اوراست نامهاى نيكى كه در شرع وعقل بسنديده ومستحسن باشد ، والحسنى صيغة تفضيل لانها تأنيث الاحسن كالعليا فى تأنيث الاعلى وتوصيف الاسماء بها للزيادة المطلقة اذ لا نسبة لاسمائه الى غير الاسماء من اسماء الغير كما لانسبة لذاته المتعالية الى غير الذوات من ذوات الغير واسماء اللّه تسعة وتسعون على ماجاء فى الحديث ونقل صاحب اللباب عن الامام الرازى انه قال رأيت فى بعض كتب الذكر ان لله تعالى اربعة آلاف اسم الف منها فى القرءآن والاخبار الصحيحة والف فى التوراة والف فى الانجيل والف فى الزبور ( روى ) ان من دعاء رسو اللّه عليه السلام

( اسألك بكل اسم سميت به نفسك او انزلته فى كتابك او علمته احدا من خلقك او استأثرت به فى علم الغيب ) فلعل كونها تسعة وتعسين بالنظر الى الاشهر الاشرف الاجمع وتعدد الاسماء لايدل على تعدد المسمى لان الواحد يسمى ابا من وجه وجدا من وجه وخالا من وجه وعالما من جه وذاته متحدة قال عبدالرحمن البسطامى قدس سره فى ترويح القلوب اعلم ان من السر المكتوم فى الدعاء أن تأخذ حروف الاسماء التى تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الا الف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظر كم لها من الاعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد فى موضع خال من الاصوال بالشرآئط المعتبرة عند اهل الخلوة لاتزيد على العدد ولاتنقص منه فانه يستجاب لك بالوقت وهو الكبريت الاحمر باذن اللّه تعالى فان الزيادة على العدد المطلوب اسراف والنقص منه اخلال والعدد فى الذكر بالاسماء كسنان المفتاح لانها زادت ونقصت لاتفتح الباب وقس عليه باب الاجابة فافهم السر وصن الدر ، ثم اعلم ان العارفين يلاحظون فى الاسماء آلة التعريف واصل الكلمة والملامية يطرحون منها آلة التعريف لانها زآئدة على اصل الكلمة قال العلماء الاسم هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع والمسمى هو المعنى الموضع له والتسمية وضع اللفظ له او اطلاقه عليه واطلاق الاسم على اللّه تعالى توقيفى عند البعض بحث لايصح اطلاق شىء منه عليه الا بعد ان كان واردا فى القرءآن او الحديث الصحيح وقال آخرون كل لفظ دل على معنى يليق بجلال اللّه وشأنه فهو جائز الاطلاق والا فلا ومن أدلة الاولين ان اللّه عالم بلا مرية فيقال له عالم وعليم وعلام لوروده فى الشرع ولا يقال له عارف اوفقيه او متيقن الى غير ذلك مما يفيد معنى العلم ومن أدلة الآخرين ان الاسماء اللّه وصفاته مذكورة بالفارسية والتركية والهندية وغيرها مع انها لم ترد فى القرءآن والحديث ولا فى الاخبار وان المسلمين اجمعوا على جواز اطلاقها ومنها ان اللّه تعالى قال ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها والاسم لايحسن الا لدلالته على صفات الكمال ونعوت الجلال فكل اسم دل على هذه المعانى كان اسما حسنا وانه لافائدة فى الالفاظ الا رعاية المعانى فاذا كانت المعانى صحيحة كان المنع من اطلاق اللفظ المفيد غير لائق غاية مافى الباب أن يكون وضع اسم علما له مستحدثا وذكر مايوهم معنى غير لائق به تعالى ليس بأدب اما ذكر ماهو دال على معنى حسن ليس فيه ايهام معنى مستنكر مستنفر فليس فيه من سوء الأدب شىء

{ يسبح له مافى السموات والارض } ينطق بتنزهه عن جميع النقائص تنزها ظاهرا قال فى كشف الاسرار يسبح له جميع الاشياء اما بيانا ونطقا

واما برهانا وخلقا وقد مر الكلام فى هذا التسبيح مرارا وجمهور المحققين على انه تسبيح عبارة وهو لاينافى تسبيح الاشارة وكذا العكس

{ وهو العزيز الحكيم } الجامع للكمالات كافة فانها مع تكثرها وتشعبها راجعة الى الكمال فى القدرة والعلم قال الامام الغزالى رحمه اللّه الحيكم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة افضل الاشياء بأجل العلوم واجل الاشياء هو اللّه تعالى واجل العلوم هو العلم الازلى الدآئم الذى لايتصور زواله فليس يعلم اللّه حقيقة الا اللّه ومن عرف جميع الاشياء ولم يعرف اللّه قدر الطاقة البشرية لم يستحق أن يسمى حكيما فمن عرف اللّه فهو حكيم وان كان ضعيف القوة فى العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها الا نسبة حكمة العبد الى حكمة اللّه كنسبة معرفته الى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين ولكنه مع بعده عنه هو أنفس المعارف واكثرها خيرا ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا ما يذكر الا اولوا الالباب وعبد الحكيم هو الذى بصره اللّه بمواقع الحكمة فى الاشياء ووفقه للسداد فى القول والصواب فى العمل وهو يرى خللا فى شىء الا يسده ولا فسادا الا يصلحه وخاصية هذا الاسم دفع الدواهى وفتح باب الحكمة فمن اكثر ذكره صرف اللّه عنه مايخشاه من الدواهى وفتح له باب الحكمة وانما مدح اللّه نفسه بهذه الصفات العظام تعليما لعباده المدح بصفاته العلى بعد فهم معانيها ومعرفة استحقاقه بذلك طلبا لزيادة تقربهم اليه قال ابو الليث فى تفسيره فان قال قائل قد قال اللّه فلا تزكوا أنفسكم فما الحكمة فى ان اللّه تعالى نهى عن عباده عن مدح أنفسهم ومدح نفسه قيل له عن هذا السؤال جوابان احدهما ان العبد وان كان فيه خصال الخير فهو ناقص واذا كان ناقصا لايجوز له أن يمدح نفسه واللّه تعالى تام الملك والقدرة فيستوجب بهما المدح فمدح نفسه ليعلم عباده فيمدحوه والجواب الآخر أن العبد وان كان فيه خصال لخير فتلك افضل من اللّه تعالى ولم يكن ذلك بقوة العبد فلهذا لايجوز أن يمدح نفسه ونظير هذه ان اللّه تعالى نهى عباده أن يمنوا على احد بالمعروف وقد من على عباده للمعنى الذى ذكر فى المدح قال بعض الكبار تزكية الانسان لنفسه سم قاتل وهى من باب شهادة الزور لجهله بمقامه عند اللّه الا أن يترتب على ذلك مصلحة دينية فللانسان ذلك كما قال عليه السلام

( انا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ) اى لافتخر عليكم بالسيادة انما الفخر بالعبودية والفخر بالذات لايكون الا لله وحده

واما الفخر فى عباده فانما هو للرتب فيقال صفة العلم افضل من صفة الجهل ونحو ذلك ولايخفى ان الرتب نسبة عدمية فما افتخر من افتخر الا بالعدم ولذلك امر اللّه نبيه أن يقول انما انا بشر مثلكم فلم ير لذاته فضلا على غيره ثم ذكر شرف الرتبة بقوله يوحى الى ، اعلم ان الاولى لك أن تسكت عن بحثين وتكل العلم فيهما الى اللّه العليم الخبير احدهما مايكون بين العلماء من ان صفات اللّه الثابتة هل هى موجودات بوجودات مستقلة غير وجوده تعالى اولا بعد الايمان باتصافه تعالى بها وكمالها ودوامها والثانى مايكون بين المشايخ من ان الوجود هل هو واحد واللّه سبحانه وتعالى هو ذلك الوجود وسائر الموجودات مظاهر له لا وجود لها بالاستقلال او له تعالى وجود زآئد على ذاته واجب لها مقتضية هى اياه ولغيره تعالى من الموجودات وجودات اخر غير الوجود الواجب على ماهو البحث الطويل بنيهم والى ذلك يرشدك ماقالوا من ان ماتصف اللّه به فهو واجب لايتغير اصلا ومالم يتصف به فهو ممتنع لايكون قعطا فاذا اختلف اثنان فى ذاته وصفاته تعالى فلا جرم ان واحدا منهما اما بنفى الواجب او يثبت الممتنع وكلاهما مشكل وان مابهم علمه فالأدب فيه السكوت بعد الايمان بما ظهر من القرءآن والحديث واتفاق الصحابة رضى اللّه عنهم فان المرء لايسأل الا عن علم لزمه فى اقامة الطاعة وادامة العبادة لمولاه قال صاحب الشرعة ولا يناظر احد فى ذاته اللّه وصفاته المتعال عن القياس والاشباه والا وهام والخطرات وفى الحديث ( ان هلاك هذه الامة اذا نطقوا فى ربهم وان ذلك من اشراط الساعة ) فقد كان عليه السلام يخر ساجدا لله تعالى متى ماسمع مايتعالى عنه رب العزة ولايجيب السائل عن اللّه الا بمثل ماجاء به القرءآن فى آخر سورة الحشر من ذكر افعاله وصفاته ولا يدقق الكلام فيه تدقيقا فان ذلك من الشيطان وضرر ذلك وفساده اكثر من نفعه قال بعض الكبار مافى الفرق الاسلامية اسوء حالا من المتكلمين لانهم ادعوا معرفة اللّه بالعقل على حسب ماعطاهم نظرهم القاصر فان الحق منزه عن أن يدرك او يعلم بأوصاف خلقه عقلا كان او علما روحا كان او سرا فان اللّه ماجعل الحواس الظاهرة والباطنة طريقا الا الى معرفة المحسوسات لاغير والعقل بلا شك منها فلا يدرك الحق بها لانه تعالى ليس بمحسوس ولا بمعلوم معقول وقد تبين لك بهذا خطأ جميع من تكلم فى الحق وصفاته لما لم يعلمه من الحق ولا من رسله عليه السلام وقال بعض العارفين سبب توقف العقول فى قبول ماجاء فى الكتاب والسنة من آيات الصفات واخبارها حتى يؤول ضعفها وعدم ذوقها فلو ذاقوا كاذاقة الانبياء وعلموا على ذلك بالايمان كما عملت الطائفة لأعطاهم الكشف ما اجاله العقل من حيث فكره ولم يتوقفوا فى نسبة تلك الاوصاف الى الحق فاعلم ذلك وعمل به تعرف أن علم القوم هو الفلك المحيط الحاوى على جميع العلوم ( حكى ) ان الفاضل محمد الشهرستانى صاحب كتاب الملل والنحل كان من كبار المتكلمين وفحولهم وكان له بحث كثير فى علم الكلام ربما لم يسبق اليه سواه حتى جمع فى ذلك الكتاب تلك المباحث القطيعة ثم انتهى امره الى العجز فيه والتحير فى ذاته حتى رجع الى مذهب العجائز فقال عليكم بدين العجائز فانه من أسنى الجوآئز واشند

لقد طفت فى تلك المعاهد كلها ... وسيرت طرفى بين تلك المعالم

فلم أر الا واضعا كف حائر ... على ذقن اوقارعا سن نادم

ثم قال والوجه أن يعتقد العبد الدين الذى جاء به محمد عليه السلام ودعا اليه واليه اناب ولايدخل فى ذلك شيأ من نظر عقله لافى تنزيه ولا فى تشبيه بل يؤمن بكل آية جاءت فى ذاته اللّه وصفاته على بابها ويكل علمها الى اللّه الذى وصف ذاته بها هذا هو طريق السلامة والدين الصحيح وعلى ذلك كانت الصحابة والسلف الصالحون رضى اللّه عنهم واليه تنتهى الراسخون فى العلم والعقلاء المحققون عند آخر أمرهم ومن وفقه اللّه كان عليه وآل نظره اليه ومن بقى على ماأعطاه نظره واجتهاده فليس ذلك بمتبع محمدا عليه السلام فيما جاء به مطلقا لانه ادخل فيه حاصل نظره وتأويله واتكل على رأيه وعقله وهذه وصيتى اليكم ان أردتم السلامة وعدم المطالبة ومن أراد غير ذلك لم ينج من السؤال وكان على خطر فى المآل لان القطع بما اراد اللّه عسير فانا رأينا العقلاء اختلفت أدلتهم فى اللّه فالمعتزلى يخالف الاشعرى وبالعكس وهم يخالفون الحكماء وبالعكس كل طائفة تجهل الأخرى وتكفرها فعلمنا ان سبب ذلك هو اختلاف نظرهم وعدم عثورهم على الدليل الصحيح اما كلهم او بعضهم ورأينا الانبياء عليهم السلام لم يختلف منهم اثنان فى اللّه قط عز وجل وكل دعوا اليه تعالى على باب واحد وكان اختلافهم فى فروع الاحكام بحكم اللّه تعالى لافى اصولها قط قال اللّه تعالى سبحانه { شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا والذى اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }

فقوله ولا تتفرقوا فيه دليل على اجتماعهم على امر واحد فى الاصول لانه الفروع معلومة بوقوع الاختلاف فيها وذلك لاضر وانما يضر الاختلاف فى الاصول اذ لو وقع الاختلاف فيها لما وقع الاتفاق ولكانت الدعوة لاتصح لان الاله الذى يدعو أليه هذا غير الاله الذى يدعو ذلك اليه واللّه تعالى قال

{ والهكم اله واحد } وعم الطوآئف كلها من آدم عليه السلام بالخطاب وهلم جرا الى يوم القيامة الى هنا من كلامه اورده حضرة الشيخ صدر الدين قدس سره فى رسالته المعمولة وصية للطالبين وعظة للراغبين ، ثم اعلم ان من شرف هذه الاسماء المذكورة فى الآخرة ماقال ابو هريرة رضى اللّه عنه سألت حبيبى رسول اللّه عليه السلام عن اسم اللّه الأعظم فقال ( هو آخر الحشر ) وفى عين المعانى قال عليه السلام ( سالت جبريل عن اسم اللّه الأعظم فقال عليك بآخر الحشر فاكثر قرآءته فأعدت عليه فأعاد على ) وعنه عليه السلام ( من قال حين يصبح ثلاث مرات اعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرآ ثلاثى آيات من آخر الحشر وكل اللّه به سبعين الف ملك يصلون عليه ) وفى بعض الروايات ( يحرسنه حتى يمسى فان مات فى ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسى كان بتلك المنزلة ) رواه مقعل بن يسار رضى اللّه عنه وانما جمع بين استعاذة وقرآءة آخر الحشر واللّه اعلم لان فى الاستعاذة الاشعار بكمال العجز والعبودية وفى آخر الحشر الاقرار بجلال القدرة والعظمة والربوبية فالاول تخلية عن العجب والثانى تخلية بالايمان الحق وبهما يتحقق منزل قوله تعالى

{ الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } فيترتب عليه قوله تعالى

{ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } كما فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى رحمه اللّه وعن أبى امامة رضى اللّه عنه يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( من قرأ خواتيم الحشر من ليل او نهار فقبض من ذلك اليوم او الليلة فقد استوجب الجنة ) وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( من قرأ سورة الحشر لم يبق جنة ولا نار ولا عرش ولا كرسى ولاحجاب ولا السموات السبع والارضون السبع والهوام والطير والريح والشجر والدواب والجبال والشمس والقمر والملائكة الا صلوا عليه فان مات اى من يومه او ليلته مات شهيدا ) كما فى كشف الاسرار وقوله مات شهيدا اى يثاب ثواب الشهادة على مرتبة وللشهادة مراتب قد مرت

﴿ ٠