سُورَةُ الصَّفِّ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ آيَةً

١

{ سبح لله } نزهه عن كل مالايليق بجنابه العلى العظيم

{ مافى السموات } من العلويات الفاعلة

{ وما فى الارض } من السفليات القابلة آفاقا وانفسا اى سبحه جميع الاشياء من غير فرق موجود وموجود كما قال تعالى

{ وان من شىء الا يسبح بحمده } { وهو العزيز } الغالب الذى لايكون الا مايريد

{ الحكيم } الذى لايفعل الا بالحكمة فلا عزيز ولاحيكم على الاطلاق غيره فلذا يجب تسبيحه قال فى كشف الاسرار من أراد يصفو له تسبيحه فليصف عن آثار نفسه قلبه ومن أراد أن يصفو له فى الجنة عيشة فليصف عن اوضار الهوى دينه

٢

{ يا أيها الذين آمنوا } ايمانا رسميا

{ لم تقولون مالا تفعلون } روى ان المسلمين قالوا لو علمنا احب الاعمال الى اللّه تعالى لبذلنا فيه أموالنا وانفسنا فلما نزل الجهاد كرهوه فنزلت تعبيرا لهم بترك الوفاء ولم مركبة من اللام الجارة وما الاستفهامية قد حذفت ألفها تخفيفا لكثرة استعمالها معا كما فى عم وفيم ونظائرهما معناها لاى شىء تقولون نفعل مالا تفعلون من الخير والمعروف عل ان مدار التعبير والتوبيخ فى الحقيقة عدم فعلهم وانما وجهه الى قولهم تنبيها على تضاعف معصيتهم ببيان ان المنكر ليس ترك الخير الموعود فقط بل الوعد به ايضا وقد كانوا يحسبونه معروفا ولو قيل لم لا تفعلون ماتقولون لفهم منه ان المنكر هو ترك الموعود فليس المراد من ماحقيقة الاستفهام لان الاستفهام من اللّه محال لانه عالم بجميع الاشياء بل المراد الانكار والتوبيخ علىأن يقول الانسان من نفسه مالا يفعله من الخير لانه ان اخبر أنه فعل فى الماضى والحال ولم يفعله كان كاذبا وان وعد أن يفعله فى المستقبل ولايفعله كان خلفا وكلاهما مذموم كما قال فى الكشاف هذا الكلام يتناول الكذب واخلاف الموعود وهذا بخلاف ماذا وعد فلم يف بميعاده لعذر من الاعذار فانه لا اثم عليه وفى عرآئس البقلى حذر اللّه المريدين أن يظهروا يدعوى المقامات التى لم يبلغوا اليها لئلا يقعوا فى مقت اللّه وينقطعوا عن طريق الحق بالدعوى بالباطل وايضا زجر الاكابر فى ترك بعض الحقوق ومن لم يوف بالعهود ولم يأت بالحقوق لم يصل الى الحق والحقيقة وايضا ليس للعبد فعل ولا تدبير لانه اسير فى قبضة العزة يجرى عليه احكام القدرة وتصاريف المشيئة فمن قال فعلت او أتيت او شهدت فقد نسى مولاه وادعى ماليس له ومن شهد من نفسه طاعة كان الى العصيان اقرب لان النسيان من العمى وفى التأويلات النجمية ياأيها المؤمنون المقلدون لم تذمون الدنيا بلسان الظاهر وتمدحونها بلسان الباطن شهادة ارتكابكم انواع الشهوات الحيواينة واصناف اللذات الجسمانية او تمدحون الجهاد بلسانكم وتذمونه بقلوبكم وذلك يدل على اعراضكم عن الحق واقبالكم على النفس والدنيا وهذا كبر مقتا عند اللّه تعالى كما قال

٣

{ كبر مقتا عند اللّه ان تقولوا مالا تفعلون } كبر من باب نعم وبئس فيه ضمير مبهم مفسر بالنكرة بعده وأن تقولوا هو المخصوص بالذم والمقت البغض الشديد لمن يراه متعاطيا لقبيح يقال مقته فهو مقيت وممقوت وكان يسمى تزوج امرأة الأب نكاح المقت وعند اللّه ظرف للفعل بمعنى فى علمه وحكمته والكلام بيان لغاية قبح مافعلوه اى عظم بغضا فى حكمته تعالى هذا القول المجرد فهو أشد ممقوتية ومبغوضية فمن مقته اللّه فله النار ومن احبه اللّه فله الجنة ( قال الكاشفى ) ونزد بعضى علما آيت عامست يعنى هركه سخنى كويد ونكند درين عتاب داخلست ويا آن علما نيزكه خلق رابعمل خير فرمايند وخود ترك نمايند اين سياست خواهد بود

لاتنه عن خلق وتأتى مثله ... عار عليك اذا فعلت عظيم

واوحى اللّه تعالى الى عيسى عليه السلام يابن مريم عظ نفسك فان اتعظت فعظ الناس والا فاستحى منى وحضرت بيغمبر عليه السلام درشب معراد ديدكه لبهاى جنين كسان بمقراض آتشبن مى بريدند

ازمن بكوى علام تفسير كوى را ... كردر عمل نكوشى نادان مفسر

بار درخت لعم ندايم بجز عمل ... باعلم اكر عمل نكنى شاخ بى برى

قيل لبعض السلف حدثنا فسكت ثم قيل له حدثنا فقال لهم اتأمروننى أن اقول مالا افعل فأستعجل مقت اللّه قال القرطبى رحمه اللّه ثلاث آيات منعتنى ان اقص على الناس

{ أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفكسم } وما اريد ان اخالفكم الى مانهاكم عنه

{ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون } وقد ورد الوعيد فى حق من يترك العلم فالخوف اذا على كل منهما فى درجة متناهية فيكف على من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف واكثر الناس فى هذا الزمان هكذا والعياذ باللّه تعالى قال فى اللباب ان الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة اللّه أن يفى به فان من التزم شيأ لزم شرعا اذا الملتزم اما نذر تقرب مبتدأ كقوله لله على صلاة او صوم او صدقة ونحوه من القرب فليزمه الوفاء اجماعا او نذر مباح وهو ماعلق بشرط رغبة كقوله ان قدم عائبى فعلى صدقة او بشرط رهبة كقوله ان كفانى اللّه شر كذا فعلى صدقة ففيه خلاف فقال مالك وابو حنيفة يلزمه الوفاء به وقال الشافعى فى قول لايلزم وعموم الآية حجة لنا لانها بمطلقها تتناول ذم من قلا مالا يفعله على اى وجه كان من مطلق اى مقيد بشرط

٤

{ ان اللّه يحب الذين يقاتلون } اعدآء اللّه

{ فى سبيله } فى طريق مرضاته واعلاء دينه اى يرضى عنهم وثنى عليهم

{ صفا } صف زده در برابر خصم ، وهو بيان لما هو مرضى عنده تعالى بعد بيان ماهو ممقوت عنده وهذا صريح فى ان ماقاوه عبارة عن الوعد بالقتال وصفا مصدر وقع موقع الفاعل او المفعول ونصبه على الحالية من فاعل يقاتلون اى صافين انفسهم او مصفوفين والصف ان يجعل الشىء على خط مستو كالناس والاشجار

{ كأنهم بنيان مرصوص } حال من المستكن فى الحال الاولى والبنيان الحائط وفى القاموس البناء ضد الهدم بناه بنيا وبناءه وبنيانا وبنية وبناية والنباء المبنى والبنيان واحد لايجمع دل عليه تذكير مرصوص وقال بعضهم بينان جمع بنيانه على حد نخل ونخلة وهذا النحو من الجمع يصح تأنيثه وتذكيره الرص اتصال بعض البناء بالبعض واستكامه كما قال فى تاج المصادر الرص استوار بر آوردن بنا ، قال ابن عباس رضى اللّه عنهما يوضع الحجر على الحجر ثم يرص باحجار صغار ثم يوضع اللبن عليه فيسيمه اهل مكة المرصوص والمعنى حال كونهم مشبهين فى تراصهم من غير فرجة وخلل ببنيان رص بعضه الى بعض ورصف حتى صار شيأ واحدا وقال الراغب بينان مرصوص اى محكم كأنما بنى بالرصاص يعنى كوبيا ايشان در اسحكام بنا اندريخته ازار زير كنايتست ازثبات قدم ايشان در معركه حرب وبيكديكر باز جسبيدن ، وقول قول الفرآء وتراصوا فى الصلاة اى تضايقوا فيها كما قال عليه السلام ( تراصوا بينكم فى الصلاة لايتخللكم الشياطين فالرحمة فى مثل هذا المقام رحمة فلابد من سد الخلل او المحاذاة بالمناكب كالبنيان المرصوص ) ولاينافيه قول سفيان ينبغى أن يكون بين الرجلين فى الصف قدر ثلثى ذراع فذاك فىغيره كما فى المقاصد الحسنة وعن بعضهم فيه دليل على فضل القتل راجلا لان الفرسان لايصطفون على هذه الصفة كما فى الكشاف.

يقول الفقير الدليل على فضل الراكب على الراجل ان له سهمين من الغنيمة وانما حث عليه السلام على التراص لان المسلمين يومئذ كانوا راجلين غالبا ولم يجدوا راحلة ونحوها الا قليلا قال سعيد ابن جبير رضى اللّه عنه هذا تعليم من اللّه للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم ولذلك قالوا لايجوز الخروج من الصف الا لحاجة تعرض للانسان او فى رسالة يرسله الامام او منفعة تظهر فى المقام المنتقل اليه كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها وفى الخروج عن الصف للمبارزة خلاف لابأس بذلك ارهابا للعدو وطلبا للشهادة وتحريضا على القتال

وقيل لايبرز احد لذلك لان فيه رياء او خروجا الى ما نهى اللّه عنه وانما تكون المبارزة اذا طلبها الكافر كما كانت فى حروب النبى عليه السلام يوم بدر وفى غزوة خيبر قال فتح الرحمن اما حكم الجهاد فهو فرض كفاية على المستطيع بالاتفاق اذا فعله البعض سقط عن الباقين وعند النفير العام وهو هجوم العدو يصير فرض عين بلا خلاف ففى الآية زجر عن التباطىء وحث على التسارع ودلالة على فضيلة الجهاد وروى فى الخبر انه لما كان يوم مؤتة بالضم موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر ابن أبى طالب وفيه كانت تعمل السيوف كما فى القاموس وكان عبداللّه بن رواحة رضى اللّه عنه احد الآمراء الذين امرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ناداهم ياهل المجلس هذا الذى وعدكم ربكم فقاتل حتى قتل فى مسجده على حياته وجلس اليه رسول اللّه يوما وقال امرت أن أجلس وامر ابن رواحة أن يمضى فى كلامه كما فى كشف الاسرار ثم ان الجهاد اما مع الاعدآء الظاهرة كالفكار والمنافقين

واما مع الاعدآء الباطنة كالنفس والشيطان وقال عليه السلام

( المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة اللّه المهاجر من هاجر الخطايا والذنوب واعظم المجاهدة فى الطاعة الصلاة لان فيها سر الفناء وتشق على النفس )

٥

{ واذ قال موسى لقومه } كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال واذ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبى عليه السلام بطريق التلوين اى اذكر لهؤلاء المؤمنين المتقاعدين على القتال وقت قول موسى لبنى اسرآئيل حين نديهم الى قتال الجبابرة بقوله

{ ياقوم ادخلوا الارض المقدسة التى كتب اللّه لكم ولاترتدوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين } فلم يمتثلوا بأمره وعصروه أشد عصيان حيث

{ قالوا ياموسى ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون } الى قوله

{ فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون } واصروا على ذلك وآذوه عليه السلام كل الأذية كذا فى الاشاد.

يقول الفقير لاشك ان قتل الآعداء من باب التسبيح لانهم الذين قالوا اتخذ اللّه ولدا وعبدوا معه الاصنام فكان فى مقالتهم توسيع ساحة التنزيه ولذا بدأ اللّه تعالى فى عنوان السورة بالتسبيح وأشار بلفظ الحكيم الى ان القتال من باب الحكمة وانه من باب دفع القضاء بالقضاء على مايعرفه اهل اللّه وبلفظ العزيز الى غلبة المؤمنين المقاتلين ثم انهم كرهوا ذلك كأنهم لم يثقوا بوعد اللّه بالغلبة ووقعوا من حيث لم يحتسبوا فى ورطة نسبة العجز الى اللّه سبحانه ولذا تقاعدوا عن القتال وبهذا التقاعد حصلت الاذية له عليه السلام لان مخالفة اولى الامر اذية لهم فأشار الحق تعالى بقصة موسى الى ان الرسول حق وان الخروج عن طاعته فسق وان الفاسق مغضوب اللّه تعالى لان الهداية من باب الرحمة وعدمها من باب السخط والعياذ باللّه تعالى من سخطه وغضبه وأليم عذابه وعقابه

{ ياقوم } اى كروه من ، فأصله ياقومى ولذا تكسر الميم ولولا تقدير الياء لقيل ياقوم بالضم لانه حينئذ يكون مفردا معرفة فيبنى على الضم وهو ندآء بالرفق والشفقة كما هو شأن الانبياء ومن يليهم

{ لم تؤذوننى } جرامى رنجانيد مرا ، اى بالمخالفة والعصيان فيما امرتكم به والا ذى مايصل الى الانسان من ضرر اما فى نفسه او فى جسمه او قنياته دنيويا كان او أخرويا قال فى القاموس آذى فعل الأذى وصاحبه اذى واذاة واذية ولا تقل ايذآء انتهى فلفظ الايذآء فى افواه العوم من الاغلاط وربما تراه فى عبارات بعض المصنفين

{ وقد تعلمون انى رسول اللّه اليكم } جملعة حالية مؤكدة لانكار الأذية ونفى سببها وقد لتحقيق العلم لا للتوقع ولا للتقريب ولا للتقليل فانهم قالوا ان قد اذا خدلت على الحال تكون للتحقيق واذا دخلت على الاستقبال تكون للتقليل وصيغة المضارع للدلالة على استمرار العلم اى والحال انكم تعلمون علما قطيعا مستمرا بمشاهدة ماظهر بيدى من المعجزات انى مرسل من اللّه اليكم لأرشدكم الى خير الدنيا والآخرة ومن قضية علمكم بذلك أن تبالغوا فى تعظيمى وتسارعوا الى طاعتى فان تعظيمى تعظيم لله واطاعتى اطاعة له وفيه تسلية للنبى عليه السلام بأن الاذية قد كانت من الامم السالفة ايضا لأنبيائهم والبلاء اذا عم خف وفى الحديث

( رحمة اللّه على أخى موسى لقد اوذى باكثر من هذا فصبر ) وذلك انه عليه السلام لما قسم غنائم الطائف قال بعض المنافقين هذه القسمة ماعدل فيها ما أريد بها وجه اللّه فتغير وجهه الشريف وقال ذلك

{ فلما زاغوا } الريغ الميل عن الاستقامة والنزايغ التمايل اى اصروا على الزيغ عن الحق الذى جاء به موسى واستمروا عليه

{ ازاغ اللّه قلوبهم } اى صرفها عن قبول الحق والميل الى الصواب لصرف اختبارهم نحو الغى والضلال وقال الراغب فى المفردات اى لما فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك وقال جعفر لما تركوا او امر الخدمة نزع اللّه من قلوبهم نور الايمان وجعل للشيطان اليهم طريقا فأزاغهم عن طريق الحق وادخلهم فى مسالك الباطل وقال الواسطى لما زاغوا عن القربة فى العلم ازاغ اللّه قلوبهم فى الخلقة وقال بعضهم لما زاغوا عن العبادة ازاغ اللّه قلوبهم عن الارادة يقول الفقير لما زاغوا عن رسالة موسى ونبوته أزاغ اللّه قلوبهم عن ولايته وجمعيته فهم رأوا موسى على انه موسى لا على انه رسول نبى فحرموا من رؤية الحق تعالى

{ واللّه لايهدى القوم الفاسقين } اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ماقبله من الازاغة وموذن بعليته اى لايهدى القوم الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق المصرين على الغواية هداية موصلة الى البغية لاهداية موصلة الى مايوصل اليها فانها شاملة للكل والمراد جنس الفاسقين وهم داخلون فى حكمهم دخولا اوليا ووصفهم بالفسق نظرا الى قوله تعالى

{ فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } وقوله تعالى

{ فلا تأس على القوم الفاسقين } قال الامام هذه الآية تدل على عظم اذى الرسول حتى انه يؤدى الى الكفر وزيغ القلوب عن الهدى انتهى ، ويتبعه اذى العالمين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لان العلماء ورثة الانبياء فأذاهم فى حكم أذاهم فكما ان الانبياء والاولياء داعون الى اللّه تعالى على بصيرة فكذلك رسل القلوب فانهم يدعون القوى البشرية والطبيعية من الصفات البشرية السفلية الاخلاق الروحانية العلوية ومن ظلمة الخلقية الى نور الحقية فمن مال عن الحق وقبول الدعوة لعدم الاستعداد الذاتى ضل بالتوجه الى الدنيا والاقبال عليها فأنى يجد الهداية الى حضرة الحق سبحانه

٦

{ واذ قال عيسى ابن مريم } اما معطوف على اذ الاولى معمول لعاملها

واما معمول لمضمر معطوف على عاملها وابن هنا وفى عزيز ابن اللّه باثبات الالف خطا لندرة وقوعه بين رب وعبد وذكر وانثى

{ يابنى اسرآئيل } اى فر زندان يعقوب ، ناداهم بذلك استمالة لقلوبهم الى تصديقه فى قوله

{ انى رسول اللّه اليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة } فان تصديقه عليه اللام اياها من اقوى الدواعى الى تصديقهم اياه اى ارسلت اليكم لتبليغ احكامه التى لابد منها فى صلاح اموركم الدينية ، والدنيوية در حالتى كه باور دارنده ام من آنجيز را كه بيش منسب ازكتاب تورات يعنى قبل ازمن نازل شده ومن تصديق كرده م كه آن ازنزد خداست ، وقال ابو الليث يعنى اقرأ عليكم الانجيل موافقا للتوراة فى التوحيد وبعض الشرآئع قال القاضى فى تفسيره ولعله لم يقل ياقوم كما قال موسى لانه لانسب له فيهم اذ النسب الى الآباء والا فمريم من بنى اسرآئيل لان اسرآئيل لقب يعقوب ومريم من نسله ثم ان هذا دل على ان تصديق المتقدم من الانبياء والكتب من شعائر اهل الصدق ففيه مدح لامة محمد عليه السلام حيث صدقوا الكل

{ ومبشرا } التبشير مرده دادن

{ برسول يأتى من بعدى } معطوف على مصدقا داع الى تصديقه عليه السلام من حيث ان البشارة به واقعة فى التوراة والعامل فيهما ما فى الرسول من معنى الارسل الجار فانه صلة للرسول والصلاة بمعزل عن تضمن معنى الفعل وعليه يدور العمل اى ارسلت اليكم حال كونى مصدقا لما تقدمنى من التوراة ومبشرا بمن يأتى من بعدى من رسول وكان بين مولده وبين الهجرة ستمائة وثلاثون سنة وقال بعضهم بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيئه او ليكون معجزة لعيسى عند ظهوره والتبشير به تبشير بالقرءآن ايضا وتصديق له كالتوراة

{ اسمه احمد } اى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم يريد أن دينى التصديق بكتب اللّه وانبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر فذكر اول الكتب المشهورة الذى يحكم به النبيون والنبى الذى هو خاتم النبيين وعن اصحاب رسول اللّه انهم قالوا اخبرنا يارسول اللّه عن نفسك قال انا دعوة ابراهيم وبشرى عيسى ورأت امى رؤيا حين حملتنى انه خرج منها نور اضاء لها قصور بصرى فى ارش الشأم وبصرى كحبلى بلد الشام وكذا بشر كل نبى قومه بنبينا محمد عليه السلام واللّه تعالى افرد عيسى عليه السلام بالذكر فى هذا الموضع لانه آخر نبى قبل نبينا فبين ان البشارة به عمت جميع الانبياء واحدا بعد واحد حتى انتهت الى عيسى كما فى كشف الاسرار وقال بعضهم كان بين رفع المسيح ومولد النبى عليه السلام خمسمائة وخمس واربعون سنة تقريبا وعاش المسيح الى ان رفع ثلاثا وثلاثين سنة وبين رفعه والهجرة الشريفة خمسمائة وثمان وتسعون سنة ونزل عليه جبريل عشر مرات وامته امة مرحومة جامعة لجميع الملكات الفاضلة قيل قال الحواريون لعيسى ياروح اللّه هل بعدنا امة قال نعم امة محمد حكماء وعلماء ابرار واتقياء كأنهم من الفقه انبياء يرضون من اللّه باليسير من الرزق ويرضى اللّه منه اليسير من العمل واحمد اسم نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى كتاب تلقيح الاذهان سمى من حيث تكرر حمده محمدا ومن حيث كونه حامل لوآء الحمد احمد انتهى قال الراغب احمد اشارة للنبى عليه السلام باسمه تنبيها على انه كما وجد اسمه احمد يوجد جسمه وهو محمود فى اخلاقه وافعاله واقواله وخص لفظ احمد فيما بشر به عيسى تنبيها انه احمد منه ومن الذين قبله انتهى ويوافقه مافى كشف الاسرار من ان الالف فيه للمبالغة فى الحمد وله وجهان احدهما انه مبالغة من الفاعل اى الانبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة وهو اكثر مناقب واجمع للفضائل والمحاسن التى يحمد بها انتهى

زصد هزار محمد كه در جهان آيد ... يكى بمزلت وفضل مصطفى ترسد

قال ابن الشيخ فى حواشيه يحتمل أن يكون احمد منقولا من الفعل المضارع وأن يكون منقولا من صفة وهى افعل التفضيل وهو الظاهر وكذا محمد فانه منقول من الصفة ايضا وهو فى معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فانه محمود فى الدنيا بما هدى اليه ونفع به من العلم والحكمة ومحمود فى الآخرة بالشفاعة وقال الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام احمد اسم علم منقول من صفة لا من فعل وتلك الصفة افعل التى يراد بها التفضيل فمعنى احمد الحامدين لربه عز وجل وكذلك قال هو فى المعنى لانه يفتح عليه فى المقام المحمود بمحامد لم تفتح على احد قبله فيحمد ربه بها وكذلك يعقد لوآء الحمد

واما محمد فمنقول من صفة ايضا وهو فى معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فحمد هو الذى حمد مرة بعد مرة كما ان المكرم من اكرم مرة بعد مرة وكذلك الممدح ونحو ذلك فاسم محمد مطابق لمعناه واللّه تعالى سماه به قبل أن يسمى به نفسه فهذا علم من اعلام نبوته اذ كان اسمه صادقا عليه فهو محمود فى الدنيا بما هدى اليه ونفع به من العلم والحكمة وهو محمود فى الآخرة بالشفاعة فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضى اللفظ ثم انه لم يكن محمدا حتى كان حمد ربه فنبأه وشرفه ولذلك تقدم اسم احمد على الاسم الذى هو محمد فذكره عيسى عليه لسلام فقل اسمه احمد ذكره موسى عليه السلام حين قال له ربه تلك امة احمد فقال اللهم اجعلنى من امة احمد فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمد لان حمده لربه كان قبل حمد الناس فلما وجد بعث كان محمدا بالفعل وكذلك فى الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التى يفتحها عليه فيكون احمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته فانظر كيف كان ترتيب هذا الاسم قبل الاسم الآخر فى الذكر وفى الوجود وفى الدنيا وفى الآخرة تلح لك الحكمة الالهية فى تخصيصه بهذين الاسمين وانظر كيف انزلت عليه سورة الحمد وخص بها دون سائر الانبياء وخص بلوآء الحمد وخص بالمقام المحمود وانظر كيف شرع له سنة وقرءآنا أن يقول عند اختتام الافعال وانقضاء الامور الحمد لله رب العالمين قال اللّه تعالى

{ وقضى بينهم بالحق }

وقيل

{ الحمد لله رب العالمين } وقال ايضا

{ وآخر دعواهم الحمد لله رب العالمين } تنبيها لنا على ان الحمد مشروع عند انقضاء الامور وسن عليه السلام الحمد بعد الاكل والشرب وقال عند انقضاء السفر آئبون تائبون لربنا حامدون ثم انظر لكونه عليه السلام خاتم الانبياء ومؤذنا بانفصال الرسالة وانقطاع الوحى ونذيرا بقرب الساعة وتمام الدنيا مع ان الحمد كما قدمنا مقرون بانقضاء الامور مشروع عندها تجد معانى اسمه جميعا وما خص به من الحمد والمحامد مشاكلا لمعناه مظايقا لصفته وفى ذكره برهان عظيم وعلم واضح على نبوته وتخصيص اللّه له بكرامته وانه قدم له هذه المقامات قبل وجوده تكرمة له وتصديقا لامره عليه السلام انتهى كلام السيهلى.

يقول الفقير الذى يلوح بالبال ان تقدم الاسم احمد على الاسم محمد من حيث انه عليه السلام كان اذ ذاك فى عالم الارواح متميزا عن الاحد بميم الامكان فدل قلة حروف اسمه على تجرده التام الذى يقتضيه موطن عالم الارواح ثم انه لما تشرف بالظهور فى عالم العين الخارج وخلع اللّه عليه من الحكمة خلعة اخرى زآئدة على الخلع التى قبلها ضوعف حروف اسمه الشريف فقيل محمد على ما يقتضيه موطن العين ونشأة الوجود الخارجى ولا نهاية للاسرار والحمد لله تعالى قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى كتاب مواقع النجوم مانتظم من الوجود شىء بشىء ولا انضاف منه شىء الى شىء الا لمناسبة بينهما ظاهرة او باطنة فالمناسبة موجودة فى كل الاشياء حتى بين الاسم والمسمى ولقد أشار أبو يزيد السهيلى وان كان اجنبيا عن اهل هذه الطريقة الى هذا المقام فى كتاب المعارف والاعلام له فى اسم النبى عليه السلام محمد واحمد وتلكم على المناسبة التى بين افعال النبى عليه السلام واخلاقه وبين معانى اسميه محمد واحمد انتهى كلام الشيخ أشار رضى اللّه عنه الى ماقدمناه من كلام السهيلى وقال بعضه العارفين سمى عليه السلام بأحمد لكون حمده اتم واشتمل من حمد سائر الانبياء والرسل اذ محامدهم لله انما هى بمقتضى توحيد الصفات والافعال وحمده عليه السلام انما هو بحسب توحيد الذات المستوعب لتوحيد الصفات والافعال انتهى.

قال فى فتح الرحمن لم يسم بأحمد أحد غيره ولا دعى به مدعو قبله وكذلك محمد ايضا لم يسم به احد من العرب ولاغيرهم الى أن شاع قبيل وجود عليه السلام وميلاده اى الكهان والاحبار ان نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب ابناءهم بذلك رجاء أن يكون احدهم هو وهم محمد بن احيحة بن الجلاح الاوسى ومحمد بن مسلمة الانصارى محمد بن الرآء البكرى محمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمدان الجعفى ومحمد بن خزاعة السلمى فهم ستة لاسابع لهم ثم حمى اللّه كل من تسمى به ان يدعى النبوة او يدعيها احد له او يظهر عليه سبب يشكك احدا فى امره حتى تحققت السمتان له عليه السلام ولم ينازع فيهما انتهى.

واختلف فى عدد اسماء النبى عليه السلام فقيل له عليه السلام ألف اسم كما ان لله تعالى ألف اسم وذلك فانه عليه السلام مظهر تام له تعالى فكما ان اسماءه تعالى اسماء له عليه السلام منه جهة الجمع فله عليه السلام اسماء أخر من جهة الفرق على متقتضيه الحكمة فىهذا الموطن فمن اسمائه محمد اى كثير الحمد لان اهل السماء والارض حمدوه فى الدنيا والآخرة ومنها احممد اى اعظم حمدا من غيره لانه حمد اللّه تعالى بمحامد لم يحمد بها غيره ومنها المقفى بتشديد الفاء وكسره لانه أتى عقيب الانبياء وفى قفاهم وفى التكملة هو الذى قفى على اثر الانبياء اى اتبع آثارهم ومنه نبى التوبة لانه كثير الاستغفار والرجوع الى اللّه او لان التوبة فى امته صارت اسهل الا ترى ان توبة عبدة العجل كانت بقتل النفس او لان توبة امته كانت ابلغ من غيرهم حتى يكون التائب منهم كمن لا ذنب له لايؤاخذه به فى الدنيا ولا فى الآخرة وغيرهم يؤاخذ فى الدنيا لا فى الآخرة منها نبى الرحمة لان كان سبب الرحمة وهو الوجود لقوله تعالى ( لولاك لما خلقت الافلاك ) فى كتاب البرهان للكرمانى لولاك يا محمد لما خلقت الكائنات خاطب اللّه النبى عليه السلام بهذا القول انتهى قيل الاولى ان يحترز عن القول بأنه لولا الانبياء عليه السلام لان لما خلق اللّه آدم وان كان هذا شيأ يذكره الواعظ على رؤوس المنابر يرون به تعظيم محمد عليه السلام لان النبى عليه السلام وان كان عظيم المرتبة عند اللّه لكن لكل نبى من الانبياء مرتبة ومنزلة وخاصية ليست لغيره فيكون لك نبى اصلا لنفسه كما فى التاتار خانية.

يقول الفقير كان عليه السلام نبى الرحمة لانه هو الأمان الاعظم ماعاش و مادامت سنته باقية على وجه الزمان قال تعالى

{ وما كان اللّه ليعذبهم وانت فيهم وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون } قال امير المؤمنين على رضى اللّه عنه كان فى الارض امانان فرفع احدهما وبقى الآخر فاما الذى رفع فهو رسول اللّه عليه السلام

واما الذى بقى فالاستغفار وقرأ بعد هذه الآية ومنها نبى الملحمة اى الحرب لانه بعث بالقتال فان قلت المبعوث بالقتال كيف يكون رحمة قلت كان امم الانبياء يهلكون فى الدنيا اذا لم يؤمنوا بهم بعد المعجزات ونبينا عليه السلام بعث بالسيف ليرتدعوا به عن الكفر ولا يستأصلوا وفى كونه عليه السلام نبى الحرب رحمة ومنها الماحى وهو الذى محا اللّه به الكفر او سيئات من اتبعه ومنه الحاشر وهو الذى يحشر الناس على قدمه اى على اثره ويجوز أن يراد بقدمه عهده وزمانه فيكون المعنى ان الناس يحشرون فى عهده اى فى دعوته من غير أن تنسخ ولا تبدل ومنها العاقب وهو الذى ليس بعده نبى لا مشرعا ولا متابعا اى قد عقب الانبياء فانقطعت النبوة قال عليه السلام ( ياعلى أنت منى بمنزلة هرون من موسى ) الا انه لانبى بعدى اى بالنبوة العرفية بخلاف النبوة التحقيقية التى هى الانباء عن اللّه فانها باقية الى يوم القيامة الا انه لايجوز أن يطلق على أهلها النبى لايهامه النبوة العرفية الحاصلة بمجيىء الوحى بواسطة جبرآئيل عليه السلام ومنها الفاتح فان اللّه فتح به الاسلام ومنها الكاف قيل معناه الذى ارسل الى الناس كافة وليس هذا بصحيح لان كافة لايتصرف منه فعل فيكون منه اسم فاعل وانما معناه الى كف الناس عن المعاصى كذا فى التكملة.

يقول الفقير هاذ اذا كان الكاف مشددا

واما اذا كان مخففا فيجوز أن يشاربه الى المعنى الاول كما قال تعالى

{ يس } أى يا سيد البشر ومنها صاحب الساعة لانه بعث مع الساعة نذير للناس بين يديى عذاب شديد ومنه الرؤف والرحيم والشاهد والمبشر والسراج المنير وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد اللّه وقثم اى الجامع للخير ومنها ، ن ، اشارة الى اسم النور والناصر ومنها المتوكل والمختار والمحمود والمصطفى واذا اشتقت اسماؤه من صفاته كثرت جدا ومنها الخاتم بفتح التاء اى احسن الانبياء خلقا وخلقا فكأنه جمال الانبياء كالخاتم الذى يتجمل به اى لما اتقنت به النبوة وكملت كان كالخاتم فكأنه الذى يختم به الكتاب عند الفراغ منه

واما الخاتم بكسر التاء فمعناه انه آخر الانبياء فهو اسم فاعل من ختم ومنها راكب الجمل سماه به شيعا النبى عليه السلام فان قلت لم خص بركوب الجمل وقد كان يركب غيره كالفرس والحمار قلت كان عليه السلام من العرب لامن غيرهم كما قال احب العرب لثلاث لانى عربى والقرءآن عربى ولسان اهل الجنة عربى والجمل مركب العرب مختص بهم لاينسب الى غيرهم من الامم ولايضاف لسواهم منها صاحب الهرواة سماهبه سطيح الكاهن والهراوة بالكسر العصا فان قلت لم خص بالعصا وقد كان غيره من الانبياء يمسكها قلت العصا كثيرا ماتستعمل فى ضرب الابل وتخص بذلك كما قال به فى صفة البعير

ينوخ ثم يضرب بالهراوى ... فلا عرف لديه و لانكير

فركوبه الجمل وكونه صاحب هراوة كناية عن كونه عربيا

وقيل هذا اشارة الى قله فى الحديث فى صفة الحوض اذ ود الناس عنه بعصاى ومنه روح الحق سماه به عيسى عليه السلام فى الانجيل وسماه ايضا المنخنا بمعنى محمد ياخود آنكه خداى بفرستد اورا بعد ازمسيح ، وفى التكملة هو بالسريانية ومنها حمياطى بالعبرانية وبر قليطس بالرومية بمعنى محمد وماذ ماذ بمعنى طيب طيب وفار قليطا مقصورا بمعنى احمد وروى فار قلبط بالباء

وقيل معناه الذى يفرق بين الحق والباطل وروى ان معناه بلغة النصارى ابن الحمد فكأنه محمد واحمد ( وروى ) انه عليه السلام قال ( اسمى فى التوراة احيد لانى احيد امتى عن النار واسمى فى الزبور الماحى محا اللّه بى عبدة الاوثان واسمى فى الانجيل احمد وفى القرءآن محمد لانى محمود فى اهل السماء والارض ) فان قلت قال رسول اللّه عليه السلام ( لى خمسة اسماء ) فذكر محمدا احمد والماحى والحاشر والعاقب وقد بلغت اكثر من ذلك قلت تخصيص الوارد لاينافى ماسواه فقد خص الخمسة اما لعلم السامع بما سواها فكأنه قال لى خمسة زائدة على ما تعلم او لفضل فيها كأنه قال لى خمسة اسماء فاضلة معظمة او لشهرتها كأنه قال لى خمسة اسماء مشهورة او لغير ذلك مما يحتمله اللفظ من المعانى

وقيل لان الموحى اليه فى ذلك الوقت كان هذه الاسماء

وقيل كانت هذه الاسماء معروفة عند الامم السالفة ومكتوبة فى الكتب المتقدمة وفيه ان اسماءه الموجودة فى الكتب المتقدمة تزيد على الخمسة كما فى التكملة لابن عسكر

{ فلما جاءهم } اى الرسول المشبر به الذى اسمه احمد كما يدل عليه الآيات اللاحقة

واما ارجاعه الى عيسى كما فعله بعض المفسرين فبعيد جدا وكون ضمير الجمع راجعا الى بنى اسرآئيل لاينافى ماذكرنا لان نبينا عليه السلام مبعوث الى الناس كافة

{ بالبينات } اى بالمعجزات الظاهرة كالقرءآن ونحوه والباء للتعدية ويجوز أن تكون للملابسة

{ قالوا هذا } مشيرين الى ماجاء به او اليه عليه السلام

{ سحر مبين } ظاهر سحريته بلا مرية وتسميته عليه السلام سحرا للمبالغة ويؤيده قرآءة من قرأ هذه ساحر وفى الآية اشارة الى عيسى القلب واسرآئيل الروح وبنية النفس والهوى وسائر القوى الشريرة فانها متولدة من الروح والقالب منسلخة عن حكم ابيها فدعاها عيسى القلب لعلو مرتبته عليه فلما جاءها بصور التجليات الصفاتية والاسمائية قالت هذا ارم وهمى متخيل لا وجود له ظاهر البطلان وهكذا براهين اهل الحق مع المنكرين

٧

{ ومن اظلم ممن افترى على اللّه الكذب } وكيست ستمكار تر از ان كس كه دروغ مى سازد بر اللّه ، والفرق بين لكذب والافترآء ه أن الافترآء افتعال الكذب من قول نفسه والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه

{ هو } اى والحال ان ذلك المفترى

{ يدعى } من لسان الرسول

{ الى الاسلام } الذى به سلامة الدارين اى اى الناس اشد ظلما ممن يدعى الاسلام الذى يوصله الى سعادة الدارين فيضع موضع الاجابة الافترآء على اللّه بقوله لكلامه الذى هو دعاء عباده الى الحق هذا سحر فاللام فى الكذب للعهد اى هو أظلم من كل ظالم وان لم يتعرض ظاهر الكلام لنفى المساوى ومن الافترآء على اللّه الكذب فى دعوى النسب والكذب فى الرؤيا والكذب فى الاخبار عن رسو اللّه عليه السلام.

واعلم ان الداعى فى الحقيقة هو اللّه تالى كما قال تعالى

{ واللّه يدعو الى دار السلام } بأمره الرسول عليه السلام كما قال

{ ادع الى سبيل ربك } وفى الحديث عن ربيعة الجرشى ( قال أتى نبى اللّه عليه السلام فقيل له لتنم عينك ولتسمع اذنك وليعقل قلبك ) قال فنامت عيناى وسمعت اذناى وعقل قبلى فقيل لى سيد نبى دارا فصنع مأدبة وارسل دعايا فمن أجاب الداعى دخل الدار واكل من المأدبة ورضى عنه السيد من لم يجب الداعى لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد قال فاللّه السيد ومحمد الداعى والدار الاسلام والمأدبة الجنة ودخل دعوة النبى دعوة ورثته لقوله أدعو الى اللّه على بصيرة انا ومن اتبعنى ولابد أن يكون الداعى اميرا او مأمورا وفى المصابيح فى كتاب العلم قال عوف بن مالك رضى اللّه عنه لايقص الا امير اومأمور او مختال رواه أبو داود وابن ماجه قوله او مختال هو المتكبر والمراد به هنا الواعظ الذى ليس بأمير ولا مأمور مأذون من جهة الامير ومن كانت هذه صفته فهو متكبر فضولى طالب للرياسة

وقيل هذا الحديث فى الخطبة خاصة كما فى المفاتيح

{ واللّه لايهدى القوم الظالمين } اى لايرشدهم الى ما فيه فلاحهم لعدم توجههم اليه

٨

{ يريدون ليطفئوا نور اللّه } الاطفاء الاخماد وبالفارسية فروكشتن آتش وجراغ ، اى يريدون أن يطفئوا دينه او كتابه او حجته النيرة واللام مزيدة لما فيها من معنى الارادة تأكيدا لها كما زيدت لما فيها من معنى الاضافة تأكيدا لها فى لا أبا لك او يريدون الافترآء ليطفئوا نور اللّه وقال الراغب فى المفردات الفرق ان فى قوله تعالى

{ يريدون أن يطفئوا نور اللّه } يققصدون اخفاء نور اللّه وفى قوله تعالى

{ ليطفئوا } يقصدون امرا يتوصلون به الى اطفاء نور اللّه

{ بافواههم } بطعنهم فيه وبالفارسية بدهنهاى خود يعنى بكفتار نابسنديده وسختان بى ادبانه ، مثلث حالهم بحال من ينفخ فى نور الشمس ليطفئه

{ واللّه متم نوره } اى مبلغه الى غايته بنشره فى الآفاق واعلائه جلمة حالية من فاعل يريدون او يطفئوا

{ ولو كره الكافرون } اتمامه ارغاما لهم وزيادة فى مرض قلوبهم ولو بمعنى ان وجوابه محذوف اى وان كرهوا ذلك فاللّه يفعله لا محالة ( قال الكشافى ) وكراهت ايشانرا اثرى نيست در اطفاى جراغ صدق وصواب همجون ارادت خفاش كه غير موثر است درنابودن آفتار.

شب بره خواهد كه نبود آفتاب ... تاببند ديده او مرزو بوم

دست قدرت هر صباحى شمع مهر ... مى فروزد كورى خفاش شوم

( وفى المثنوى )

شمع حق را بف كنى تواى عجوز ... هم توسوزى هم سرت اى كنده بوز

كمى شود دريا زبور سك نجس ... كى شود خورشيد از يف منطمس

هركه بر شمع خدا آرد بفو ... شمع كى ميرد بسوزد بوز او

جون تو خفاشان بسى بينند خواب ... كين جهان مانده يتيم از آفتاب

اى بريده آن لب وحلق ودهان ... كه كند تعف سوى مه يا آسمان

تف برويش باز كردد بى شكى ... تف سوى كردون نيابد مسلكى

تا قيامت تف بر وبار دز رب ... همجون تبت بر روان بو لهب

قال ابن الشيخ اتمام نوره لما كان من اجل النعم كان استكراه الكفار اياه اى كافر كان من اصناف الكفرة غاية فى كفران النعمة فلذلك اسند كراهة اتمامه الى الكافرين فان لفظ الكافر أليق بهذا المقام

واما قوله

{ ولو كره المشركون } فانه قد ورد فى مقابلة اظهار دين الحق الذى معظم اركانه التوحيد وابطال الشرك وكفار مكة كارهون له من اجل انكارهم للتوحيد واصرارهم على الشرك فالمناسب لهذا المقام التعرض لشركهم لكونه العلة فى كراهتهم الدين لحق قال بعض جحدوا ما ظهر لهم من صحة نبوة النبى عليه السلام وانكروه بالسنتهم واعرضوا عنه بنفوسهم فقيض اللّه لقبوله انفسا اوجدها على حكم السعادة وقلوبا زينها بأنوار المعرفة واسرارا نورها بالتصديق فبذلوا له المهج والأموال كالصديق والفاروق واجلة الصحابة رضى اللّه عنهم

يقول الفقير هكذا احوال ورثة النبى عليه السلام فى كل زمان فان اللّه تعالى تجلى لهم بنور الازل والقدم فكرهه المنكرون وأرادوا أن يطفئوه لكن اللّه اتم نوره وجعل لاهل تجليه اصحابا واخوانا يذبون عنهم وينفذون امورهم الى أن يأتيهم امر اللّه تعالى يقضوا نحبهم وفى الآية اشارة الى ان النفس لابد وأن تسعى فى ابطال نور القلب اطفائه لان النفس والهوى من المظاهر القهرية الجلالية المنسوبة الى اليد اليسرى والروح والقلب من المظاهر الجمالية اللطيفة المنسوبة الى اليد اليمنى كماجاء فى الحديث ( الربانى )

( ان اللّه مسح يده اليمنى على ظهر آدم الأيمن فاستخرج منه ذرارى كالفضة البيضاء وقال هؤلاء للجنة ومسح يده اليسرى على ظهر آدم الأيسر فاستخرج منه كالحمة السودآء وقال هؤلاء للنار ) فلا بد للنفس من السعى فى اطفاء نور القلب وللقلب ايضا من السعى فى اطفاء نار النفس ولو كره الكافرون الساترون القلب بالنفس الزارعون بذر النفس فى ارض القلب

٩

{ هو الذى ارسل رسوله } محمد صلّى اللّه عليه وسلّم

{ بالهدى } بالقرءآن او بالمعجزة فالهدى بمعنى مابه الاهتدآء الى الصراط المستقيم

{ ودين الحق } والملة الحنيفية التى اختارها لرسوله ولامته وهو من اضافة الموصوف الى صفته مثل عذاب الحريق

{ ليظهره على الدين كله } ليجعله ظاهرا اى عاليا وغالبا على جميع الأديان المخالفة له

{ ولو كره المشركون } ذلك الاظهار ولقد انجز اللّه وعده حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان الا وهومغلوب مقهور بدين الاسلام فليس المراد انه لايبقى دين آخر من الأديان بل العلو والغلبة والأديان خمسة اليهودية والنصرانية والمجوسية والشرك والاسلام كما فى عين المعانى للسجاوندى وقال السهيلى فى كتاب الامالى فى بيان فائدة كون ابواب النار سبعة وجدنا الاديان كما ذكر فى التفسير سبعة واحد للرحمن وستة للشيطان فالتى للشيطان اليهودية والنصرانية والصابئية وعبادة الاوثان المجوسية وامم لاشرع لهم ولايقولون بنبوة وهم الدهرية فكأنهم كلهم على دين واحد أعنى الدهرية وكل من لايصدق برسول فهؤلاء ستة اصناف والصنف السابع هو من اهل التوحيد كالخوارج الذين هم كلاب النار وجميع اهل البدع المضلة والجبابرة الظلمة والمصرون على الكبائر من غير توبة ولا استغفار فان فيهم من ينفذ فيه الوعيد ومنهم من يعفو اللّه عنه فهؤلاء كلهم صنف واحد غير انه لايحتم عليهم بالخلود فيها فهؤلاء سبعة اصناف ستة مخلدون فى النار وصنف واحد غير مخلد وهم منتزعون يوما لقيامة من اهل دين الرحمن ثم يخرجون بالشفاعة فقد وافق عدد الابواب عدد هذه الاصناف وتبينت الحكمة فى ذكرها فى القرءآن لما فيها من التخويف والارهاب فنسأل اللّه العفو العافية والمعافاة وفى بعض التفاسير الاشراك هو اثبات الشريك لله تعالى فى الالوهية سوآء كانت بمعنى وجوب الوجود او استحقاق العبادة لكن اكثر المشركين لم يقولوا بالاول لقوله تعالى

{ لئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن اللّه } فقد يطلق ويراد به مطلق الكفر بناء على ان الكفر لايخلو عن شرك مايدل عليه قوله تعالى

{ ان اللّه لايغفر ان يشرك به ويغفر مادون ذلك } فان المعلوم فى الدين انه تعالى لايغفر كفر غير المشركين المشهورين من اليهود والنصارى فيكون المراد لايغفر أن يكفر به وقد يطلق ويراد به عبدة الاصنام وغيرها فان أريد الاول فى قوله

{ ولو كره المشركون } يكون ايراده ثانيا لوصفهم بوصف قبيح آخر وان أريد الثانى فلعل ايراد الكافرين اولا لما ان اتمام اللّه نوره يكون بنسخ غير الاسلام والكافرون كلهم يكرهون ذلك وايراد المشركين ثانيا لما ان اظهار دين الحق يكون باعلاء كلمة اللّه واشاعة التوحيد المنبىء عن بطلان الآلهة الباطلة وأشد الكارهين لذلك المشركون واللّه اعلم بكلامه

وفى التأويلات النجمية هو الذى ارسل رسول القلب الى امة العالم الاصغر الذى هو المملكة الانفسية الاجمالية المضاهية للعالم الاكبر وهو المملكة الآفاقية التفصيلية بنور الهداية الازلية ودين الحق الغالب على جميع الأديان وهو الملة الحنيفية السهلة السمحاء ولو كره المشركون الذين اشركوا مع الحق غيره وما عرفوا ان الغير والغيرية من الموهومات التى اوجدتها قوة الوهم والا ليس فى الوجود الا اللّه وصفاته انتهى ( قال الكمال الخجندى )

له فى كل موجود علامات وآثار ... دو عالم برزمعشوقست كويك عاشق صادق

( وقال المولى الجامى )

كرتويى جمله در فضاى وجود ... هم خود انصاف ده بكو حق كو

درهمه اوست بيش جشم شهود ... جيست بندارى هستىء من وتو

يقول الفقير هذه الكلمات المنبئة عن وحدة الوجود قد اتفق عليها اهل الشهود قاطبة فالطعن لواحد منهم بأن وجودى طعن لجميعهم وليس الطعن الا من الحجاب الكثيف والجهل العظيم والا فالامر اظهر على البصير

١٠

{ يا أيها الذين آمنوا هل ادلكم } آيا دلالت كنم شمارا

{ على تجارة } سيأتى بيان معناها

{ تنجيكم } ان تكون سببا لانجاء اللّه اياكم وتخليصه وافادت الصفة المقيدة ان من التجارة مايكون على عكسها كما أشار اليها قوله تعالى

{ يرجون تجارة لن تبور } فان بوار التجارة وكسادها يكون لصاحبها عذابا أليما كجمع المال وحفظه ومنع حقوقه فانه وبال فى الآخرة فهى تجارة خاسرة وكذا الاعمال التى لم تكن على وجه الشرع والسنة او أريد بها غير اللّه

{ من عذاب اليم } اى مؤلم جسمانى وهو ظاهر وروحانى وهو التحسر التضجر كأنهم قالوا كيف نعمل او ماذا نصنع فقيل

١١

{ تؤمنون باللّه ورسوله } مراد آنست كه ثابت باشيد برايمان كه دارين

{ وتجاهدون فى سبيل اللّه بأموالكم } بما لهاى خودكه زاد وسلاح مجاهدان خربد

{ وانفسكم } وبنفسهاى خود كه متعرض قتل وحرب شويد ، قدم الاموال لتقدمها فى الجهاد او للترقى من الأدنى الى الأعلى وقال بعضهم قدم ذكر المال لان الانسان ربما يضن بنفسه ولانه اذا كان له مال فانه يؤخذ به النفس لتغزو وهذا خبر فى معنى الامر جيىء به للايذان بوجوب الامتثال فكأنه وقع فأخبر بوقوعه كما تقول غفر اللّه لهم جعلت المغفرة لقوة الرجاء كأنها كانت ووجدت وقس عليه نحو سلمكم اللّه وعافاكم اللّه واعاذكم اللّه وفى الحديث ( جاهدوا المشركين باموالكم وأنفسك وألسنتكم ) ومعنى الجهاد بالألسنة اسماعهم مايكرهونه ويشق عليهم سماعه من هجو وكلام غليظ ونحو ذلك وأخر الجهاد بالألسنة لانه اضعف الجهاد وأدناه ويجوز أن يقال ان اللسان احد وأشد تأثيرا من السيف والسنان قال على رضى اللّه عنه ، جراحات السنان لها التثام ، ولا يلتام ماجرح اللسان فيكون من باب الترقى من الأدنى الى الأعلى وكان حسان رضى اللّه عنه يجلس على المنبر فيهجوا قريشا باذن رسول اللّه عليه السلام ثم ان التجارة التصرف فى راس المال طلبا للربح والتاجر الذى يبيع ويشترى وليس فى كلام العرب تاء بعدها جيم غير هذه اللفظة

واما تجاه فاصلها وجاه وتجوب وهى قبيلة من حمير فالتاء للمضارعة طمعا لنيل الفضل والزيادة فان التجارة هى معاوضة المال بالمال لطمع الريح والايمان والجهاد شبها بها من حيث ان فيهما بذل النفس والمال طمعا لنيل رضى اللّه تعالى والنجاة من عذابه ( قال الحافظ )

فداى دوست نكرديم عمر مال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد

{ ذلكم } اى ماذكر من الايمان والجهاد بقسمية

{ خير لكم } على الاطلاق او من اموالكم وانفسكم

{ ان كنتم تعلمون } اى ان كنتم من اهل العلم فان الجهلة لايعتد بافعالهم او ان كنتم تعلمون انه خير لكم حيئنذ لانكم اذا علمتم ذلك واعتقدتموه احببتم الايمان والجهاد فوق ماتحبون أنفسكم وأموالكم فتخلصون وتفلحون فعلى العاقل تبديل الفانى بالباقى فانه خير له وجاء رجل بناقة مخطومة وقال هذه فى سبيل اللّه فقال عليه السلام

( لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة ) بزركى فرموده كه اصل مرابحه درين تجارت اينست كه غير حق رابدهى وحق را بستانى ودر نفحات ازابى عبد اللّه اليسرى قدس سره نقل ميكندكه بسروى آمد وكفت سبوى روغن داشتم كه سرمايه من بود ازخانه بيرون مى آوردم بيفتادوبشكست وسرمايه من ضايع شد كفت اى فرزند سرمايه خود آن سازكه سرمايه بدرتست واللّه كه بدر ترا هيج نيست دردنيا وآخرت غير اللّه شيخ الاسلام عبد اللّه الانصارى قدس سره فرمودكه سود تمام آن بودكه بدرش هم نبودى اشارت بمرتبه فناست درباختن سود وسرمايه در بازار شوق لقا

تاجند ببازار خودى بست شوى ... بشتاب كه از جام فنامست شوى

ازمايه سود دوجهان دست بشوى ... سود توهمان به كه تهى دست شوى

ودخل فى الآية جهاد أهل البدعة وهم ثنتان وسبعون فرقة ضالة آن كافر خرابى حصن اسلام خواهد اين مبتدع ويرانى حصار سنت جويد آن شيطان در تشويش ولايت دل كوشد اين هواى نفس زيرو زبرىء دين توخواهد حق تعالى ترابر هريكى ازين دشمنان سلاحى داده تا اورابدان قهر كنى قتال باكافران بشمشيرسياست است وبامبتدعان بتيغ زبان وحجت وبا شيطان بمداومت ذكر حق وتحقيق كلمه وبا هواى نفس بتير مجاهدة وسنان رياضت اينست بهين اعمال بنده وكريده طاعات رونده جنانجه رب العزة كفت ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون وقال بعض الكبار يا أيها الذين آمنوا بالايمان التقليدى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون باللّه رسوله اى تحقيقا ويقينا استدلاليا وبعد صحة الاستدلال تجاهدون فى سبيل اللّه بأموالكم وانفسكم لان بذل المال والنفس فى سبيل اللّه لايكون الا بعد اليقين.

واعلم ان التوحيد اما لسانى

واما عيانى اما التوحيد اللسانى المقترن بالاعتقاد الصحيح فأهله قسمان قسم بقوا فى التقليد الصرف ولم يصلوا الى حد التحقيق فهم عوام المؤمنين وقسم تشبثوا بذيل الحجيج والبراهين النقلية والعقلية فهؤلاء وان خرجوا عن حد التقليد الصرف لكنهم لم يصلوا الى نور الكشف والعيان كما وصل اهل الشهود والعرفان

واما التوحيد العيانى فعلى مراتب المرتبة الاولى توحيد الافعال والثانية توحيد الصفات والثالثة توحيد الذات فمن تجلى له الافعال توكل واعتصم ومن تجلى له الصفات رضى وسلم ومن وصل الى تجلى الذات فنى فى الذات بالمحو والعدم

١٢

{ يغفر لكم ذنوبكم } فى الدنيا وهو جواب الامر المدلول عليه بفلظ الخبر ويجوز أن يكون جوابا لشرط او لاستفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا او هل تقبلون وتفعلون مادللتكم عليه يغفر لكم وجعله جوابا لهل أدلكم بعيد لان مجرد الدلالة لايوجب المغفرة

{ ويدخلكم } فى الآخرة

{ جنات } اى كل واحد منكم جنة ولابعد من لطفه تعالى أن يدخله جنات بأن يجعلها خاصة له داخلة تحت تصرفه والجنة فى اللغة البستان الذى فيه اشجار متكاثفة مظلة تستر ماتحتها

{ تجرى من تحتها } أى من تحت اشجارها بمعنى تحت اغصان اشجارها فى اصولها على عروقها او من تحت قصورها وغرفها

{ الانهار } من اللبن والعسل الخمر والماء الصافى

{ ومساكن طيبة } اى ويدخلكم مساكن طيبة ومنازل نزهته كائنة

{ فى جنات عدن } اى اقامة الخلود بحيث لايخرج منها من دخلها يعارض من العوارض وهذا الظرف صفة مختصة بمساكن وهى جميع مسكن بمعنى المقام والسكون ثبوت الشىء بعد تحرك ويستعمل فى الاستيطان يقال سكن فلان فى مكان كذا استوطنه واسم المكان مسكن فمن الاول يقال سكنت ومن الثانى يقال سكنته قال الراغب اصل الطيب مايستلذه الحواس وقوله ومساكن طيبة فى جنات عدن اى طاهرة زكية مستلذة وقال بعضهم طيبتها سعتها ودوام امرها وسئل رسول اللّه عليه السلام عن هذه المساكن الطيبة فقال ( قصر من لؤلؤ فى الجنة فى ذلك القصر سبعون دارا من ياقوته حمرآء فى دار سبعون بيتا من زمردة خضرآء فى كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة قال فيعطى اللّه المؤمن من القوة فى غداة واحدة مايأتى على ذلك كله ) قال فى الكبير أراد بالجنات البساتين التى يتناولها الناظر لانه تعالى قال بعده

{ ومساكن طيبة فى جنات عدن } والمعطوف يجب أن يكون مغايرا للمعطوف عليه فتكون مساكنهم فى جنات عدن ومناظهرهم الجنات التى هى البساتين ويكون فائدة وصفها بأنها عدن انها تجرى مجرى الدار التى يسكنها الانسان

واما الجنات الأخر فهى جارية مجرى البساتين التى قد يذهب الانسان اليها لاجل التنزه وملاقاة الاحباب وفى بعض التفاسير تسمية دار الثواب كلها بالجنات التى هيى بمعنى البساتين لاشتمالها على جنات كثيرة مترتبة على مراتب بحسب استحاقاقات العالمين من الناقصين والكاملين ولذلك أتى بجنات جمعا منكرا ثم اختلفوا فى عدد الجنات المشتملة على جنات متعددة فالمروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انها سبع جنة الفردوس جنة عدن جنة النعيم ودار الخلد وجنة المأوى ودار السلام وعليون فى كل واحدة منها مراتب ودرجات متفاوتة على تفاوت الاعمال والعمال ( وروى ) عنه انها ثمان دار الجلال ودار القرار ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم وقال ابو الليث الجنان اربع كما قال تعالى

{ ولمن خاف مقام ربه جنتان } ثم قال

{ ومن دونهما جنتان } فذلك جنان اربع احداهن جنة الخلد والثانية جنة الفردوس والثالثة جنة المأوى والرابعة جنة عدن وابو ابها ثمانية بالخبر وخازن الجنة يقال له رضوان وقد ألبسه اللّه الرأفة والرحمة كما ان خازن النار ويقال له مالك قد ألبسه اللّه الغضب والهيبة وميل الامام الغزالى رحه اللّه الى كون الجنان اربعا فلعل الجنات فى الآية باعتبار الافراد لا باعتبار الاسماء ومايستفاد من قلتها بحسب ان الجمع السالم من جموع القلة ليس بمراد فانها من الوجود الانسانى اربع جنان فالغالب فى الجنة الاولى التنعم بمقتضى الطبيعة من الاكل والشرب والوقاع وفى الثانية التلذذ بمقتضى النفس كالتصرفات وفى الثالثة التلذذ بالاذواق الروحانية كالمعارف الالهية وفى الرابعة التلذذ بالمشاهدات وذلك على أعلى اللذات لانها من الخالق وغيرها من المخلوق ان قلت لم لم تذكر ابواب الجنة فى القرءآن وانها ثمانية كما ذكرت ابواب النار كما قال تعالى

{ لها سبعة أبواب } قلت ان اللّه سبحانه انما يذكر من اوصاف الجنة مافيه تشويق الهيا وترغيب فيها وتنبيه على عظم نعميها وليس فى كونها ثمانية او اكثر من ذلك او اقل زيادة فى معنى نعيمها بل لو دخلوا من باب واحد او من ألف باب لكان ذلك سواء فى حكم السرور بالدخول ولذلك لم يذكر اسم خازن الجنة اذ لا ترغيب فى ان يخبر عن اهل الجنة انهم عند فلان من الملائكة او فى كرامة فلان وقد قال

{ وسقاهم ربهم شرابا طهورا } ولا شك أن من جدثت عنه انه عند الملك يسقيه ابلغ من الكرامة من أن يقال هو عند خادم من خدام الملك او فى كرامة ولى من اوليائه بخلاف ذكر ابواب النار وذكر مالك فان فيه زيادة ترهيب قال سهل قدس سره اطيب المساكن مازال عنهم جميع الاحزان واقر أعينهم بمجاورته فهذا الجوار فوق سائر الجوار وقال بعضهم ومساكن طيبة برؤية الحق تعالى فان المساكن انما تطيب بملاقاة الاحباب ورؤية العاشق جمال المعشوق ووصول المحب الى صحبة المحبوب وكذا مساكن القلوب انما تطيب بتجلى الحق ولقاء جماله جعلنا اللّه واياكم من اهل الوصول واللقاء البقاء

{ ذلك } اى ماذكر من المغفرة وادخال الجنات المذكورة بما ذكر من الاوصاف الجميلة

{ الفوز العظيم } الذى لافوز ورآءه قال بعض المفسرين الفوز يكون بمعنى النجاة من المكروه وبمعنى الظفر بالبغية والاول يحصل بالمغفرة والثانى بادخال الجنة والتنعيم فيها وعظمه باعتبار انه نجاة لا ألم بعده وظفر لا نقصان فيه شانا وزمانا ومكانا لانه فى غاية الكمال على الدوام فى مقام النعيم علم ان الآية الكريمة أفادت ان التجارة دنيوية واخروية فالدنيا موسم التجارة والعمر مدتها والاعضاء والقوى رأس المال والعبد هو المشترى من وجه والبائع من وجه فمن صرف رأس ماله الى المنافع الدنيوية التى تنقطع عند الموت فتجارته دنيوية كاسدة خاسرة وان كان بتحصيل علم دينى او كسب عمل صالح فضلا عن غيرهما

( فانما الاعمال بالنيات ولكل امرىء مانوى ) ومن صرفه الى المقاصد الأخروية التى لاتنقطع ابدا فتجارته رآئجة رابحة حرية بأن يقال

{ فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } ولعل المراد من التجارة هنا بذل المال والنفس فى سبيل اللّه وذكر الايمان لكونه اصلا فى الاعمال ووسيلة فى قبول الآمال وتوصيف التجارة بالانجاء لان النجاة يتوقف عليها الانتفاع فيكون قوله تعالى

{ يغفر لكم } بيان سبب الانجاء وقوله

{ يدخلكم } بما يتعلق به بيان المنفعة الحاصلة من التجارة مع ان التجارة الدنيوية تكون سببا للنجاة من الفقر المنقطع والتجارة الأخروية تكومن سببا للنجاة من الفقر الغير المنقطع قال عليه السلام ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) يعنى ان نعمتى الصحة والفراغ كرأس المال للمكلف فينبغى أن يعامل اللّه الايمان به وبرسوله ويجاهد مع النفس لئلا يغبن ويربح فى الدنيا والآخرة ويجتنب معاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح ( قال الحافظ )

كارى كنيم ورنه خجالت براورد ... روزى كه رخت جان بجهان دكر كشيم

( وقال أيضا )

كوهر معرفت اندوز كه ياخود ببرى ... كه نصيب دكر انست نصاب زروسيم

( وقال أيضا )

دلا دلالت خيرى كنم براه نجات ... مكن بفسق مباهات زهدهم مفروش

( وقال المولى الجامى )

از كسب معارف شده مشغوف زخارف ... در هاى ثمين داده وخر مهره خريده

( وقال )

جان فداى دوست كن جامى كه هست ... كمترين كارى درين ره بذل روح

١٣

{ واخرى } اى ولكن الى هذه النعم العظيمة نعمة اخرى عاجلة فأخرى مبتدأ حذف خبره والجملة عطف على يغفر لكم على المعنى

{ تحبونها } وترغبون فيها وفيه تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل وتوبيخ على محبته وهو صفة بعد صفة لذلك المحذوف

{ نصر من اللّه } بدل او بيان لتلك النعمة الاخرى يعنى نصر من اللّه على عدوكم قريش وغيرهم

{ وفتح قريب } اى عاجل عطف على نصر ( قال الكاشفى ) مراد فتح مكة است يافتح روم وفارس ابن عطا فمرمودن كه نصر توحيد است وفتح نظر بجمال ملك مجيد.

وقد بين انواع الفتوح فى سورة الفتح بمقتضاه فى طريق الجهاد الاصغر وان كان تجارة رابحة الا ان اصحابها لم يتخصلوا بعد من الاعواض والاغراض فللسالك الى طريق الجهاد الاكبر تجارة أخرى فوق تلك التجارة اربح من الاولى هى نصر من اللّه بالتأييد الملكوتى والكشف النورى وفتح قريب الوصول الى مقام القلب ومطالعة تجليات الصفات وحصول مقام الرضى وانما سماه تجارة لان صفاتهم الظلمانية تبدل هناك بصفات اللّه النورانية وانما قال تحبونها لان المحبة الحقيقية لاتكون الا بعد الوصول الى مقام القلب ومن دخل مقام المحبة بالوصول الى هذا المقام فقد دخل فى اول مقام لخواص فالمعتبر من المنازل منزل المحبة واهله عبيد خلص لايتوقعون الاجرة بعملهم بخلاف من تنزل عن منزلة المحبة فانهم اجرآء يعلمون للاجرة قال بعض العارفين من عبداللّه رجاء للثواب وخوفا من العقاب فمعبودة فى الحقيقة هو الثواب والعقاب والحق واسطة فالعبادة لاجل تنعم النفس فى الجنة والخلاص من النار معلول ولهذا قال المولى جلال الدين الرومى قدس سره

هشت جنت هفت دوزخ بيش من ... هست بيدا همجوبت بيش شمن

( وقال بعضهم )

طاعت ازبهر جزا شرك خفيست ... ياخدا جوباش ويا عقبى طلب

واعلم ان من جاهد فانما يجاهد لنفسه لانه يتخلص من الحجاب فيصل الى الملك الوهاب

{ وبشر المؤمنين } عطف على محذوف مثل قل

{ ياأيها الذين آمنوا } وبشرهم يا أكمل الرسل بأنواع البشارة الدنيوية والاخروية فلهم من اللّه فضل واحسان فى الدارين وكان فى هذا دلالة على صدق النبى لانه اخبر عما يحصل ويقع فى المستقبل من الايام على ماخبره

وفى التأويلات النجمية يشير الى تواتر النعم وتواليها وفتح مكة القلب بعد النصر بخراب بلدة النقص وبشر المؤمنين المحبين الطالبين بالنصر على النفس فتح مكة القلب انتهى وفيه اشارة الى ان بلدة النفس انما تخرب بعد التأييد الملكوتى وامداد جنود الروح بان تغلب القوى الروحانية على القوى النفسانية كما يغلب اهل الاسلام على اهل الحرب فيخلصون القلعة من ايدى الكفار وزيلون آثار الكفر و الشرك بجعل الكنائس مساجد وبيوت الاصنام معابد ومساكن الكفار مقار المؤمنين المخلصين واللّه المعين على الفتح المطلق كل حين

١٤

{ يا أيها الذين آمنوا كونوا انصار اللّه } اى انصار دينه جمع نصير كشريف واشراف

{ كما قال عيسى ابن مريم للحواريين } سيأتى بيانهم

{ من } كيستند

{ انصارى الى اللّه } قال بعض المفسرين من يحتمل ان يكون استفهاما حقيقة ليلعلم وجود الانصار ويتسلى به ويحتمل العرض والحث على النصرة وفيه دلالة على ان غير اللّه تعالى لايخلوا عن الاحتياج والاستنصار وانه فى وقته جائز حسن اذا كان لله فى اللّه والمعنى من جندى متوجها الى نصرة اللّه كما يقتضيه قوله تعالى

{ قال الحواريون نحن انصار اللّه } فان قوله عيسى لا يطابق جواب الحواريين بحسب الظاهر فان ظاهر قول عيسى يدل على انه يسأل من ينصره فكيف يطابقه جواب الحواريين بانهم ينصرون لله ايضا لاوجه لبقاء قول عيسى على ظاهره لان النصرة لاتتعدى بالى فحمل الانصار على الجند لانهم ينصرون ملكهم ويعينونه فى مراده ومراده عليه السلام نصرة دين اللّه فسأل من يتبعه ويعينه فى ذلك المراد ويشاركه فيه فقوله متوجها حال من ياء المتكلم فى جندى والى متعلق به لا بالنصرة والاضافة الاولى اضافة احد المتشاركين الىلآخر لما بينهما من الاختصاص يعنى الملابسة المضححة للاضافة المجازية لظهور ان الاختصاص الذى تقتضيه الاضافة حقيقة غير متحقق فى اضافة انصارى والاضافة الثانية اضافة الفاعل الى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى ان كونوا انصار اللّه كما كان الحواريون انصاره حين قال لهم عيسى من انصارى الى اللّه او قل لهم كونوا كما قال عيسى للحواريين والحواريون اصفياؤه وخلصانه من الحور وهو البياض الخالص وهم اول من آمن به وكانوا اثنى عشر رجلا قال مقاتل قال اللّه لعيسى اذا دخلت القرية فائت النهر الذى عليه القاصرون فاسألهم النصرة فأتاهم عيسى وقال من انصارى الى اللّه فقالوا نحن ننصرك فصدقوه ونصروه ( وقال الكاشفى ) وفى الواقع نصرت كردند دين عيسى رابعد از رفع وى وخلق را بخدا دعوت نمودند ، فالحواريون كانوا قصارين

وقيل كانوا صيادين قال بعض العلماء انما سموا حواريين لصفاء عقائدهم عن التردد والتلوين او لانهم كانوا يطهرون نفوس الناس بافادتهم الدين والعلم المشار اليه بقوله تعالى

{ انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا } وانما قيل كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه وانما قيل كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس وقودهم الى الحق وقوله عليه السلام ( الزبير ابن عمتى وحواريى ) وقوله يوم الاحزاب ( من يأتينى بخبر القوم ) فقال الزبير انا فقال عليه السلام ( ان لكل نبى حواريا وحواريى الزبير ) فشبهه بهم فى النصرة وقال بعض المفسرين دل الحديث على ان الحواريين ليسوا بمختصين بعيسى اذ هو فى معنى الاصحاب الاصفياء وقال معمر رضى اللّه عنه كان يحمد اللّه لنبينا عليه السلام حواريون نصروه حسب طاقتهم وهم سبعون رجلا وهم الذين بايعوه ليلة العقبة وقال السهيلى كونوا انصار اللّه فكانوا انصارا وكانوا حواريين والانصار الاوس الخزرج ولم يكن هذا الاسم قبل الاسلام حتى سماهم اللّه به وكان له عليه السلام حواريون ايضا من قريش مثل الخلفاء الاربعة والزبير وعثمان بم مظعون وحمزة بن عبد المطلق وجعفر بن ابى طالب ونحوهم

{ فآمنت طائفة } اى جماعة وهى اقل من الفرقة لقوله تعالى

{ فلولا نفر من كل فرقه منهم طائفة } { من بنى اسرآئيل } اى آمنوا بعيسى واطاعوه فيما امرهم به من نصرة الدين

{ وكفرت طائفة } اخرى به وقاتلوه

{ فايدنا الذين آمنوا } اى قوينا مؤمنى قومه بالحجة او بالسيف وذلك بعد رفع عيسى

{ على عدوهم } اىعلى الذين كفروا وهو الظاهر فايراد العدو اعلام منه ان الكافرون عدو للمؤمنين عداوة دينية

وقيل لما رفع عيسى عليه السلام تفرق القوم ثلاث فرق فرقة قالوا كان اللّه فارتفع وفرقة قالوا كان ابن اللّه فرفعه اللّه اليه وفرقة قالوا كان عبدا لله ورسوله فرفعه اللّه وهم المؤمنون وابتع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى

{ فايدنا الذين آمنوا على عدوهم } { فأصبحوا } صاروا

{ ظاهرين } غالبيين عالين يقال ظهرت على الحائط علوته وقال قتادة فأصبحوا ظاهرين بالحجة والبرهان كما سبق لأنهم قالوا فيما روى ألستم تعلمون ان عيسى عليه السلام كان ينام واللّه تعالى لاينام انه يأكل ويشرب واللّه منزه عن ذلك وفى الآية اشارة الى غلبة القوى الروحانية على القوى النفسانية لان القوى الروحانية مؤمنون متنورون بنور اللّه متقون عما سوى اللّه تعالى والقوى النفسانية كافورن مظلمون بظلمة الاكوان متلوثون بالعلاقات المختلفة ولاشك ان اللّه مع الذين اتقوا الذين هم محسنون فبنور الاسلام والايمان والتقوى والهدى يزيل ظلمة الشرك والكفر والتعلق والهوى مع ان اهل الايمان وان كانوا اقل من اهل الكفر فى الظاهر لكنهم اكثر منهم فى الباطن فهم السواد الاعظم والمظاهر الجمالية ، واعلم ان الجهاد دآئم ماض الى يوم القيامة انفسا وآفاقا لان الدنيا مشتملة على اهل الجمال والجلال وكذا الوجود الانسانى مادام فى هذا الوطن فاذا صار الى الموطن الآخر فما اهل جمال فقط وهو فى الجنة

واما اهل جلال فقط وهو فى الدار واللّه يحفظنا واياكم

﴿ ٠