سُورَةُ الْجُمُعَةِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ إِحْدَى عَشَرَةَ آيَةً

١

{ يسبح لله مافى السموات ومافى الارض } جميعا من حى وجامد تسبيحات مستمرة فما فى السموات هى البدائع العلوية ما فى الارض هو الكوآئن السفلية فللكل نسبة الى اللّه تعالى بالحياة والتسبيح

{ الملك } بادشاهى كه ملك او دائمست وبى زوال

{ القدوس } باك از سمت عيب وصفت اختلال

{ العزيز } الغالب على كل ما أراد

{ الحكيم } صاحب الحكمة البديعة البالغة وقد سبق معانى هذه الاسماء فى سورة الحشر والجمهور على جر الملك وما بعده على انها صفات لاسم اللّه عز وجل.

يقول الفقير بدأ الل تعالى هذه السورة بالتسبيح لما فيها من ذكر البعثة اذا خلاء العالم من المرشد معاف للحكمة ويجب تنزيه اللّه عنه ولما اشتملت عليه من بيان ادعاء اليهود كونهم ابناء اللّه واحباءه ولما ختمت به من ذكر ترك الذكر واستماع الخطبة المشتملة على الدعاء والحمد والتسبيح ونحو ذلك وفى التأويلات النجمية يعنى ينزه ذاته المقدسة مافى سموات المفهوم من مفهومات العامة ومفهومات الخاصة ومفهومات اخص الخاصة وما فى ارض المعلوم من معلومات العامة ومعلومات الخاصة ومعلومات اخص الخاصة وانما أضفنا السموات الى المفهوم واضفنا الارض الى المعلوم لفوقية رتبة الفهم على ربتة العلم وذلك قوله

{ ففهمناها سليمان وكلا آتينا حموعلما } ويدل على ذلك اصابة سليمان حقيقة المسألة المخصوصة بحسب نور الفهم لابحسب قوة العلم وهو العزيز الذى يعز من يشاء بخلعة نور الفهم الحكيم الذى يشرف من يشاء بحكمته بلبسه ضياء العلم

٢

{ هو الذى بعث فى الاميين } جمع امى منسوب الى امة العرب وهم قسمان فعرب الحجاز من عدنان وترجع الى اسماعيل عليه السلام وعرب اليمن ترجع الى قحطان وكل منهم قبائل كثيرة والمشهور عند اهل التفسير ان الامى من لايكتب ولا يقرأ من كتاب وعند اهل الفقه من لايعلم شيأ من القرءآن كأنه بقى على ماتعلمه من امه من الكلام الذى يتعلمه الانسان بالضرورة عند المعاشرة والنبى الامى منسوب الى الامة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم كقولك علمى لكونه على عادة العامة

وقيل سمى بذلك لانه لم يكتب ولم يقرأ من كتاب وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان اللّه له عنه بقوله

{ سنقرئك فلا تنسى }

وقيل سمى بذلك لنسبته الى ام القرى وفى كشف الاسرار سمى العرب اميين لانهم كانوا على نعت امهاتهم مذ كانت بلا خط ولا كتاب نسبوا الى ماولدوا عليه من امهاتهم لان الخط والقرآءة والتعليم دون ماجبل الخلق عليه ومن يحسن الكتابة من العرب فانه ايضا امى لانه لم يكن لهم فى الاصل خط ولا كتابة قيل بدئت الكتابة بالطائف تعلمها ثقيف واهل الطائف من اهل الحيرة بكسر الحاء وسكون المثناة من تحت بلد قرب الكوفة واهل الحيرة اخذوها من اهل الانبار وهى مدينة قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسخ ولم يكن فى أصحاب رسول اللّه عليه السلام كاتب الا حنظلة الذى يقال له غسيل الملائكة ويسمى حنظلة الكاتب لانه ظهر الخط فى الصحابة بعد فى معاوية بن سفيان وزيد بن ثابت وكانا يكتبان لرسول اللّه عليه السلام وكان له كتاب ايضا غيرهما واختلفوا فى رسول اللّه عليه السلام انه هل تعلم الكتابة بآخرة من عمره اولا لعلمائنا فيه وجهان وليس فيه حديث صحيح ولما كان الخط صنعة ذهنية وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية لم يحتج اليه نم كان القلم الاعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره وعدم كتابته مع علمه بها معجزة باهرة له عليه السلام اذا كان يعلم الكتاب علم الخط واهل الحرف حرفتهم وكان اعلم بكل كمال اخروى او دنيوى من اهله ومعنى الآية هو الذى بعث فى الاميين اى فى العرب لان اكثرهم لايكتبونولا يقرأون من بين الامم فغلب الاكثر وانما قلنا اكثرهم لانه كان فيهم من يكتب ويقرأ وان كانوا على قلة

{ رسولا } كائنا

{ منهم } اى من جملتهم ونسبهم عربيا اميا مثلهم.

تارسالت اوازتهمت دور باشده فوجه الامتنان مشاكلة حاله لاحوالهم ونفى التعلم من الكتب فهم يعلمون نسبه واحواله ، ودر كتاب شعيا عليه لسلام مذكور است كه انى ابعث اميا فى الاميين واختم به النبيين ( قال الكاشفى ) ودر اميت آن حضرت عليه السلام نكتهاست ايجا بسه بيت اختصار ميرد

فيض ام الكتاب بروردش ... لقب امى ازان خدا كردش

لوح تعليم ناكرفته بير ... همه زاسرار لوح داده خبر

برخط اوست انس وجانراسر ... كه نخواندست خط ازان جه خطر

والبعث فى الاميين لاينافى عموم دعوته عليه السلام فالتخصيص بالذكر لا مفهوم له ولو سلم فلا يعارض المنطوق مثل قوله تعالى

{ وما أرسلناك الا كافة للناس } على انه فرق بين البعث فى الاميين والبعث الى الاميين فبطل احتجاج اهل الكتاب بهذه الآية على انه عليه السلام كان رسول اللّه الى العرب خاصة رد اللّه بذلك ماقال اليهود للعرب طعنا فيه نحن اهل الكتاب وأنتم اميون لاكتاب لكم

{ يتلو عليهم آياته } اى القرءآن مع كونه اميا مثلهم لم يعهد منه قرآءة ولا تعلم والفرق بين التلاوة والقرآءة ان التلاوة قرآءة القرءآن متتابعة كالدراسة والا وارد المظفة والقرءآة اعم لانها جمع الحروف باللفظ لا اتباعها

{ ويزكيهم } صفة اخرى لرسولا معطوفة على يتلو أى يحملهم على مايصبرن به ازكياء من خبائث العقائد والاعمال وفيه اشارة الى قاعدة التسليك فان المزكى فى الحقيقة وان كان هو اللّه تعالى كما قال بل اللّه يزكى من يشاء الا ان الانسان الكامل مظهر الصفات الالهية جميعا ويؤديد هذا المعنى اطلاق نحو قوله تعالى

{ من يطع الرسول فقد أطاع اللّه } { ويعلمهم الكتاب والحكمة } قال فى الارشاد صفة اخرى لرسولا مترتبة فى الوجود على التلاوة وانما وسط بينهما التزكية التى هى عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العلمية وتهذيبها المتفرغ على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصلة بالعلم المترتب على التلاوة للايذان بأن كلا من الامور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر فلو روعى ترتيب الوجود لتبادر الى الفهم كون الكل نعمة واحدة وهو السر فى التعبير عن القرءآن تارة بالآيات وأخرى بالكتاب والحكمة رمزا الى انه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة انتهى

وقال بعضهم ويعلمهم القرءآن والشريعة وهى ماشرع اللّه لعباده من الاحكام او لفظه ومعناه او القرءآن والسنة كما قاله الحسن او الكتاب الخط كما قاله ابن عباس او الخير والشر كما قاله ابن اسحق والحكمة الفقه كما قاله مالك او العظة كما قاله الاعمش او كتاب احكام الشريعة واسرار آداب الطريقة حال معانيه الحكمية والحكمية ولكن تعليم حقائق القرءآن وحمه مختص باولى الفهم وهم خواص الاصحاب رضى اللّه عنهم وخواص التابعين من بعدهم الى قيام الساعة لكن معلم الصحابة عموما وخصوصا هو النبى عليه السلام بلا واسطة ومعلم التابعين قرنا بعد قرن هو عليه السلام ايضا لكن بواسطة ورثة امته وكمل اهل دنيه وملته لو لم يكن سوى هذا التعليم معجزة لكفاه قال البوصرى فى القصيدة البردية

كفاك بالعلم فى الامى معجزة ... فى الجاهلية والتأديب فى اليتم

اى كفاك العلم الكائن فى الامى فى وقت الجاهلية وكفاك ايضا تنبيه على الآداب لعلمه بها فى وقت اليتم معجزة

{ وان كانوا من قبل لفى ضلال مبين } ان ليست شرطية ولا نافية بل هى المخففة واللام هر الفارقة بينها وبين النافية والمعنى وان الشأن كان الاميون من قبل بعثته مجيئه لفى ضلال مبين من الشرك خبث الجاهلية لاترى ضلالا اعظم منه وهو بيان لشدة افتقارهم الى من يرشدهم وازاحة لما عسى يتوهم من تعلمه عليه السلام من الغير فان المبعوث فيهم اذا كانوا فى ضلال قبل البعثة زال توهم انه تعلم ذلك من احد منهم قال سعدى المفتى والظاهر ان نسبة الكون فى الضلال الى الجميع من باب التغليب والا فقد كان فيهم مهتدون مثل ورقة بن نوفل وزيد بن نفيل وقس بن ساعدة وغيرهم ممن قال رسول اللّه عليه السلام فى كل منهم يبعث امة واحدة.

يقول الفقير هو اعتراض على معنى الازاحة المذكورة لكنه ليس بشىء فان اهتدآء من ذكره من نحو ورقة انما كان فى باب التوحيد فقط فقد كانوا فى ضلال من الشرآئع والاحكام ألا ترى الى قوله تعالى

{ ووجدك ضالا فهدى } مع انه عليه السلام لم يصدر منه قبل البعثة شرك ولا غيره من شرب الخمر والزانى واللغو واللهو فكونهم مهتدين من وجه لا ينافى كونهم ضالين من وجه آخر دل على هذا المعنى قوله تعالى

{ يتلو عليهم } الخ فان بالتلاوة وتعليم الاحكام والشرآئع حصل تزيكة النفس والنجاة من الضلال مطلقا فاعرفه

٣

{ وآخرين منهم } جمع آخر بمعنى غير وهو عطف على الاميين اى بعثه فى الاميين الذين على عهده وفى آخرين من الاميين او على المنصوب فى يعلمهم اى يعلمهم ويعلم آخرين منهم وهم الذين جاؤا من العرب فمنهم متعلق بالصفة لآخرين اى وآخرين كائنين منهم مثلهم فى العربية والامية وان كان المراد العجم فمنهم يكون متعلقا بآخرين ( قال الكاشفى ) اصح اقوال آنست كه هركه باسلام در آمده ودرمى آيد بعد از وفات آن حضرت عليه السلام همه درين آخرين داخلند ، فيكون شاملا لكل من اسلم وعمل صالحا الى يوم القيامة من عربى وعجمى وفى الحديث ( ان فى اصلاب رجال من امتى رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب ) ثم تلا الآية

{ لمايلحقوا بهم } صفة لآخرين اى لم يلحقوا بالاميين بعد ولم يكونوا فى زمانهم وسيلحقون بهم ويكونون بعدهم عربا وعجما وذلك لما ان منفى لما لابد أن يكون مستمر النفى الى الحال وأن يكون متوقع الثبوت بخلاف منفى لم فانه يحتمل الاتصال نحو

{ ولم اكن بدعائك رب شقيا } والانقطاع مثل

{ لم يكن شيأ مذكورا } ولهذا جاز لم يكن ثم كان ولم يجز لما يكن ثم كان بل يقال لما يكن وقد يكون ( روى ) سهل بن سعد الساعدى رضى اللّه عنه ان النبى عليه السلام قال ( رأيتنى أسقى غنما سودا ثم اتبعتها غنما عفرا اولها يا أبا بكر ) فقال يانبى اللّه اما السود فالعرب

واما العفر فالعجم تتبعك بعد العرب فقال عليه السلام ( كذلك اولها الملك يعنى جبرآئيل عليه السلام ) يقال شاة عفراء يعلو بياضها حمرة ويجمع على عفر مثل سودآء وسود

وقيل لما يلحقوا بهم فى الفضل والمسابقة لان التابعين لايدركون شيأ مع الصحابة وكذلك العجم مع العرب ومن شرآئط الدين معرفة فضل العرب على العجم وحبهم ورعاية حقوقهم وفى الآية دليل على ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رسول نفسه وبلاغه حجة لاهل زمانه ومن بلغ لقوله تعالى

{ ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده } { وهو العزيز } المبالغ فى العزة والغلبة ولذلك مكن رجلا اميا من ذلك امر العظيم

{ الحكيم } المبالغ فى الحكمة ورعاية المصلحة ولذلك اصطفاه من بين كافة البشر

٤

{ ذلك } الذى امتاز به من بين سائر الافراد وهو أن يكون نبى ابناء عصره ونبى ابناء العصور الغوابر

{ فضل اللّه } واحسانه

{ يؤتيه من يشاء } تفضلا وعطية لا تأثير للاسباب فيه فكان الكرم منه صر فالا تمازجه العلل ولا تكسبه الحيل

{ واللّه ذو الفضل العظيم } الذى يستحقر دونه نعم الدنيا ونعيم الآخرة وفى كشف الاسرار

{ واللّه ذو الفضل العظيم } على محمد وذو الفضل العظيم على الخلق بارسال محمد اليهم وتوفيقهم لمابيعته انتهى.

يقول الفقير وايضا

{ واللّه ذو الفضل العظيم } على اهل الاستعداد من امة محمد بارسال ورثة محمد فى كل عصر اليهم وتوفيقهم للعمل بموجب اشاراتهم ولولا اهل الارشاد والدلالة لبقى الناس كالعميان لايدرون اين يذهبون وانما كان هذا الفضل عظيما لان غايته الوصول الى اللّه العظيم وقل بعض الكبار

{ واللّه ذو الفضل العظيم } اذ جميع الفضائل الاسمائية تحت الاسم الاعظم وهو جامع احدية جميع الاسماء

وقيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذهب اهل الدثور بالاجور فقال ( قولوا سبحان اللّه والحمد لله والا اله الا اللّه واللّه اكبر ولا حول ولا قوة الا باللّه العلى العظيم ) فقالوها وقالها الأغنياء فقيل انهم شاركونا فقال

{ ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء } وفى بعض الروايات ( اذا قال الفقير سبحان اللّه والحمد لله ولا اله الا اللّه واللّه اكبر مخلصا وقال الغنى مثل ذلك لم يلحق الغنى بالفقير فى فضله وتضاعف الثواب وان أنفق الغنى معها عشرة آلاف درهم وكذلك اعمال البر كلها ) ( قال الشيخ سعدى قدس سره )

نقنطار زر بخش كردن زكنج ... نباشد جو قيراطى ازدست رنج

٥

{ مثل الذين حملوا التوراة } اى علموها وكلفوا العمل بها وهم اليهود ومثلهم صفتهم العجيبة

{ ثم لم يحملوها } اى لم يعملوا بما فى تضاعيفها من الآيات الى من جملتها الآيات الناطقة بنوبة رسول اللّه عليه السلام واقتنعوا بمجرد قرآءتها

{ كمثل الحمار } الكاف فيه زآئدة كما فى الكواشى والحمار حيوان معروف يعبر به عن الجاهل كقولهم هو اكفر من الحمير اى اجهل لان الكفر من الجهالة فالتشبيه به لزيادة التحقير والاهانة ولنهاية التهكم والتوبيخ بالبلادة اذا لحمار يذكر بها والبقر وان كان مشهورا بالبلادة الا انه لا يلائم الحمل

تعلم يافتى فالجهل عار ... ولا يرضى به الا حمار

{ يحمل اسفارا } اى كتبا من العلم يتعب بحملها ولا ينتفع بها ويحمل اما حال والعامل فيها معنى المثل اوصفة للحمار اذ ليس المراد معينا فان المعرف بلام العهد الذهنى فى حكم النكرة كما فى قول من قال ولقد امر على اللئيم يسبنى والاسفار جمع سفر بسكر السين وهو الكتاب كشبر واشبار قال الراغب السفر الكتاب الذى يسفر عن الحقائق اى يكشف وخص لفظ الاسفار فى الآية تنبيها على ان التوراة وان كانت تكشف عن معانيها اذا قرئت وتحقق مافيها فالجاهل لايكاد يستبينها كالحمار الحامل لها وفى القاموس السفر الكتاب الكبير او جزء من اجزآء التوراة وفى هذا تنبيه من اللّه على انه ينبغى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم مافيه ويعمل به لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء ( قال الشيخ سعدى ) مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب

علم جندانكه بيشتر خوانى ... جون عمل درتونيست تادانى

نه محقق بود نه دانشمند ... جار بايى برو كتابى جند

آن تهى معزرا جه علم وخبر ... كه برو هيز مست با دفتر

( وقال الكاشفى )

كفت ايزد يحمل اسفاره ... بار باشد علم كان نبود زهو

علمهاى اهل دل حمالشان ... علمهاى اهل تن احما لشان

جون بدل خوانى زحق كيرى سبق ... جون بكل خوانى سبه سازى ورق

وفى التأويلات النجمية يعنى مثل يهود النفس فى حمل توراة العلم والمعرفة بصحة رسالة القلب وعدم اتباع رسومه واحكامه كمثل الحمار البدن فى حمله اثقال الامتعة النفسية الا قمشة الشريفة والملابس الفاخرة والطيالس الناعمة فكما ان حمار البدن لايعرفها ولا يعرف شرفها ولا كرامتها كذلك يهود النفس لاتعرف رفعة رسول القلب ولا رتبته ونعم مايحكى عن بعض الظرفاء انه حضر دعوة لطعام فلم يلتفتوا اليه اوجلسوه فى مكان نازل ثم انه خرج واستعار ألبسة نفيسة وعاد الى المجلس فلما رأوه على زى الاكابر عظموه واجلسوه فوق الكل فلما حضر الطعام قال ذلك الظريف خطابا لكمه كل والكم لايدرى مالطعام وم اللذة لكن نظر اهل الصورة مقصور على الظاهر لايرون الفضل الا بالزخارف والزين فما أبعد هؤلاء عن ادراك المعانى والحقائق

{ بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات اللّه } اى بئس مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآيات اللّه على أن التمييز محذوف والفاعل المفسر له مستتر والمذكور هو المخصوص بالذم وهم اليهود الذين كفروا بما فى التوراة من الآيات الشاهدة بصحة نبوة محمد عليه السلام

{ واللّه لايهدى القوم الظالمين } الواضعين للتكذيب فى موضع التصديق او الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد باختيار الضلالة على الهداية والشقاوة على السعادة والعداوة على العناية كاليهود ونظائرهم وفيه تقبيح لهم بتشبيه حالهم بحال الحمار والمشبه بالقبيح قبيح وقد قال تعالى

{ ان أنكر الاصوال لصوت الحمير } فصوت الجاهل والمدعى منكر كصوت الحمار وأضل وانزل فهو ضار محض وفى الحمار نفع لانه يحمل الاثقال ويركبه النساء والرجال وقد قال فى حياة الحيوان ان اتخذ خاتم من حافر الحمار الاهلى ولبسه المصروع لم يصرع ثم ان فى الحمار شهوة زآئدة على شهوات سائر الحيوانات وهى من الصفات الطبيعية البهيمية فمن أبدلها بالعفة نجا وسلم من التشبيه المذكور وكم ترى من العلماء الغير العاملين ان اعينهم تور على نظر الحرام ومع الهم من النحاك يتجاوزون الى الزنى لعدم قوتهم الشهوية بالشريعة اقوالهم لا أعمالهم واحوالهم نسأل اللّه العصمة مما يوجب المقت والنقمة انه ذو المنة والفضل والنعمة

٦

{ قل يا أيها الذين هادوا } من هاد يهود اذا تهود أى تهودوا التهود جهود شدن ودين جهود داشتن وبالفارسية ايشان كه جهود شديد وازراه راست بكشتيد ، فان المهاداة الممايلة ولذا قال بعض المفسرين اى مالوا عن الاسلام والحق الى اليهودية وهى من الاديان الباطلة كما سبق قال الراغب الهود الرجوع برفق وصار فى التعارف التوبة

قال بعضهم يهود فى الاصل من قولهم انا هدنا اليك اى تبنا وكان اسم مدح ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازما لهم وان لم يكن فيه معنى المدح كما ان النصارى فى الاصل من قولهم نحن انصار اللّه ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم ثم ان اللّه تعالى خاطب الكفار فى اكثر المواضع بالواسطة ومنها هذه الآية لانهم ادخلوا الواسطة بينهم وبين اللّه تعالى وهى الاصنام

واما المؤمنون فان اللّه تعالى خاطبهم فى اغلب المواضع بلا واسطة مثل يايها الذين آمنوا لامنهم اسقطوا الوسائط فأسقط اللّه بينه وبينهم الوسائط

{ ان زعمتم } الزعم هو القول بلا دليل والقول بأن الشىء على صفة كذا قولا عير مستند الى وثوق نحو زعمتك كريما وفى القاموس الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد واكثر مايقال فيما يشك فيه انتهى.

فبطل ماقال بعضهم من ان الزعم بالضم بمعنى اعتقاد الباطل وبالفتح بمعنى قول الباطل قال الراغب الزعم حكاية قول يكون مظنة للكذب ولهذا جاء فى القرءآن فى كل موضع ذم القائلون به

وقيل للمتكفل والرئيس زعيم للاعتقاد فى قولهم انه مظنة للكذب

{ انكم اولياء اللّه } جمع ولى بمعنى الحبيب

{ من دون الناس } صفة اولياء اى من دون الاميين وغيرهم ممن ليس من بنى اسرآئيل وقال بعضهم من دون المؤمنين من العرب والعجم يريد بذلك ما كانوا يقولون نحن ابناء اللّه واحباؤه ويدعون ان الدار الآخرة لهم عند اللّه خالصة وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا فأمر رسول اللّه عليه السلام بأن يقول لهم اظهار لكذبهم ان زعمتم ذلك

{ فتمنوا الموت } اى فتمنوا من اللّه أن يميتكم من دار البلية الى دار الكرامة وقولوا اللهم أمتنا والتمنى تقدير شىء فى النفس وتصويره فيها وبالفارسية آرزوا خواستن ،

قال بعضهم الفرق بين التمنى والاشتهاء ان التمنى اعم من الاشتهاء لانه يكون فى الممتنعات دون الاشتهاء

{ ان كنتم صادقين } جوابه محذوف لدلالة ماقبله عليه اى ان كنتم صادقين فى زعمكم واثقين بأنه حق فتمنوا الموت فان من أيقن انه من اهل الجنة احب أن يتخلص اليها من هذه الدار التى هى قرارة اكدار ولا يصل اليها احد الا بالموت قال البقلى جرب اللّه المدعين فى محبته بالموت وافرز الصادقين من بينهم لما غلب عليهم من شوق اللّه وحب الموت فتبين صدق الصادقين ههنا من كذب الكاذبين اذ الصادق يختار اللحوق اليه والكاذب يفر منه قال عليه السلام ( من احب لقاء اللّه احب اللّه لقاءه ومن أبغض لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه ) قال الجنيد قدس سره المحب يكون مشتاقا الى مولاه ووفاته احب اليه من البقاء اذ علم ان فيه الرجوع الى مولاه فهو يتمنى الموت ابدا

٧

{ ولا يتمنونه ابدا } اخبار بما سيكون منهم وابدا ظرف بمعنى الزمان المتطاول لا بمعنى مطلق الزمان والمراد به ماداموا فى الدنيا وفى البقرة

{ ولن يتمنوه } لان دعواهم فى هذه السورة بالغة قاطعة وهى كون الجنة لهم بصفة الخلوص فمبالغ فى الرد عليهم بلن وهو ابلغ ألفاظ النفى ودعواهم فى الجمعة قاصرة مترددة وهى زعمهم انهم واولياء اللّه فاقتصر على لا كما فى برهان القرءآن

{ بما قدمت ايديهم } الباء متعلقة بما يدل عليه النفى اى يأبون التمنى بسبب اماعملوا من الكفر والمعاصى الموجبة لدخول النار نحو تحريف احكام التوراة وتغيير النعت النبوى وهم يعرفون انهم بعد الموت يعذبون بمثل هذه المعاصى ولما كانت اليد بين جوارح الانسان مناط عامة افاعليه عبر بها تارة عن النفس وأخرى عن القدرة يعنى ان الايدى هنا بمعنى الذوات استعملت فيها الزيادة احتياجها اليها فكأنها هى

{ واللّه عليم بالظالمين } وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم فى كل امورهم اى عليم بهم وبما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصى المفضية الى افانين العذاب وبما سيكن منهم من الاحتراز عما يؤدى الى ذلك فوقع الامر كما ذكر فلم يتمن منهم احد موته وفى الحديث ( لايتمنين احدكم الموت اما محسنا فان يعيش يزدد خيرا فهو خير له

واما مسيئا فلعله ان يستعتب ) اى يسترضى ربه بالتوبة والطاعة وما روى عن بعض ارباب المحبة من التمنى فلغاية محبتهم وعدم صبرهم على الاحتراق بالافتراق ولا كلام فى المشتاق المغلوب المجذوب كما

قال بعضهم

غافلان ازمرك مهلت خواستند ... عاشقان كفتند نى نى زود بان

فللتمنى اوقات واحوال يجوز باعتبار ولايجوز بآخر اما الحال فكما فى الاشتياق الغالب

واما الوقت فكما أشار اليه قوله عليه لسلام ( اللهم انى اسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحسب المساكين فاذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنى اليك غير مفتون ) ( روى ) انه عليه لسلام قل فى حق اليهود ( لو تمنوا الموت لغص كل انسان بريقه فمات مكانه ومابقى على وجه الارض يهودى ) ثم ان الموت هو الفناء عن الارادات النفسانية والاوصاف الطبيعية كما قال عليه السلام ( موتوا قبل أن تموتوا ) فمن له صدق ارادة وطلب يحب ان يموت عن نفسه ولا يبالى سقط على الموت ام سقط الموت عليه وان كان لذلك مرا فى الظاهر لكنه حلو فى الحققة وفيه حياة حقيقية وشفاء للمرض القلبى

جه خوش كفت بكروزدار وفروش ... شفا بايدت داروى تلخ وش

واما من ليس له صدق ارادة وطلب فانه يهرب من المجاهدة مع النفس ويشفق ان يذبح بقرة الطبيعة فهو عند الموت الطبيعى يقاسى من المرارات مالا تفى ببيانه العبارات واللّه الحفيظ

٨

{ قل ان الموت الذى تفرون منه } ولا تجسرون على أن تتمنوه مخالفة أن تؤخذوا بوبال كفركم

{ فانه ملاقيكم } البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه يعنى بكيرد شمارا وشربت آن بجشيد وفرار سودى ندارده ، والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف اى باعتبار كون الموصوف بالموصوف فى حكم الموصول اى ان فررتم من الموت فانه ملاقيكم كأن الفرار سبب لملاقاته وسرعة لحوقه اذ لايجد الفار بركة فى عمره بل يفر الى جانب الموت فيلاقيه الموت ويستقبله وقد قيل اذا ادبر الامر كان العطب فى الحيلة

{ ثم } اى بعد الموت الاضطرارى الطبيعى

{ تردون } الرد صرف الشىء بذاته او بحالة من احواله يقال رددته فارتد والآية من الرد بالذات مثل قوله تعالى

{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } ومن الرد الى حالة كان عليها قوله تعالى

{ يردوكم على ادباركم } { الى عالم الغيب والشهادة } الذى لاتخفى عليه احوالكم اى ترجعون الى حيث لاحاكم ولا مالك سواه وانما وصف ذاته بكونه عالم الغيب والشهادة باعتبار أوحوالهم الباطنة واعمالهم الظاهرة وقد سبق تمام تفسيره فى سورة الحشر

{ فينبئكم } بس خبر دهدشمارا

{ بما كنتم تعملون } من لكفر والمعاصى والفواحش الظاهرة والباطنة بأن يجازيكم بها

وفى التأويلات النجمية يشير الى الموت الارادى الذى هو ترك الشهوات ودفع المستلذات الذى تجتنبون منه لضعف همتكم الروحانية ووهن نهمتكم الربانية فانه ملاقيكم لايفارقكم ولكن لاتشعرون به لانهماككم فى بحر الشهوات الحيوانية واستهلاككم فى تبار مشتهياتكم الظلمانية فانكم فى لبس من خلق جديد ولا تزالون فى الحشر والنشر كا قال وجاءكم الموج من كل مكان اى موج الموت فى كل لذة شهية ونعمة نعيمة ثم تردون الى عالم الغيب غيب النيات وغيب الطويات القلبية السرية والشهادة شهادة الطاعات والعبادات فينبئكم اى فيجازيكم بما كنتم تعملون بالنية الصالحة القلبية او بالنية الفاسدة النفسية انتهى ، وفيه اشارة الى انه كما لاينفع الفرار من الموت الطبيعى كذلك لاينفع الفرار من الموت الارادى لكن ينبغى للعاقل آن يتنبه لفنائه فى كل آن ويختار النفاء حبا للبقاء مع اللّه الملك المنان.

اعلم ان الفرار الطبيعى من الموت بمعنى استكراه الطبع وتنفره منه معذور صاحبه لان الخلاص منه عسير جدا الا للمشتاقين الى لقاء اللّه تعالى ( حكى ) انه كان ملك الملوك أراد أن يسير فى الارض فدعا بثياب ليلبسها فلم تعجبه فطلب غيرها حتى لبس ما اعجبه بعد مرات وكذا طلب دابة فلم تعجبه حتى أتى بدواب فركب احسنها فجاء ابليس فنفخ فى منخره فملأه كبرا ثم سار وسارت معه الخيول وهو لاينظر الى الناس كبرا فجائه رجل رث الهيئة فسلم فلم يرد عليه السلام فأخذ بلجام دابته فقال ارسل اللجام فقد تعاطيت امرا عظيما قال ان لى اليك حاجة قال اصبر حتى انزل قال لا الا الآن فقهره على لجام دابته قال اذكرها قال هو سر فدنا اليه فساره وقال انا ملك الموت فتغير لون الملك واضطرب لسانه ثم قال دعنى حتى ارجع الى اهلى واقضى حاجتى فأودعهم قال لا واللّه لاترى اهلك ومالك ابدا فقبض روحه فخر كأنه خشبة ثم مضى فلقى عبدا مؤمنا فى تلك الحال فسلم فرد عليه السلام فقال ان لى اليك حاجة اذكرها فى اذنك فقال هات فساره انا ملك الموت فقال مرحبا واهلا بمن طالت غيبته فواللّه ما كان فى الارض غائب أحب الى أن القاه منك فقال ملك الموت اقض حاجتك التى خرجت لها فقال مالى حاجى اكبر عندى ولا احب من لقاء لله قال فاختر على اى حالة شئت أن اقبض روحك فقال أتقدر على ذلك قال نعم انى امرت بذلك قال فدعنى حتى اتوضأ واصلى فاقبض روحى وانا ساجد فقبض روحه وهو ساجد ( وفى المثنوى )

بس رجال از نقل عالم شادمان ... وز بقايش شادمان اين كودكان

جونكه آب خوش نديدآن مرغ كور ... بيش او كوثر نمايد آب شور

واما الفرار العقلى بمعنى استكراهه الموت او بمعنى الانتقال من مكان الى مكان فالاول منهما ان كان من الانهماك فى حظوظ الدنيا فمذموم وان كان من خوف الموقف فصاحبه معذور كما حكى ان سليمان الدارانى قدس سره قال قلت لامى أتحبين الموت قالت لا قلت لم قالت لانى لو عصيت آدميا ماشتهيت لقاءه فكيف احب لقاءه وقد عصيته وقس عليه الاستكراه رجاء الاستعداد لما بعد الموت

واما الثانى منهما فغير موجه عقلا ونقلا اذا المشاهدة تشهد أن لامخلص من لموت فأينما كان العبد فهو يدرك

واما الفرار من بعض الاسباب الظاهرة للموت كهجوم النار الحرقة للدور والسيل المفرط فى الكثرة والقوة حمل العدو الغالب والسباع والهوام الى غير ذلك فالظاهر انه معذور فيه بل مأمور

واما الفرار من الطاعون فما يرجحه العقل والنقل عدم جوازه ، اما العقل فما قاله الامام الغزالى رحمه اللّه من ان سبب الوباء فى الطب الهوآء المضر واظهر طرق التداوى الفرار من المضر ولا خلاق انه غير منهى عنه الا ان الهوآء لايضر من حيث انه يلاقى ظاهر البدن من حيث دوام الاستنشاق له فانه اذا كان فيه عفونة ووصل الى الرئه والقلب وباطن الاحشاء اثر فيها بطول الاستنشاق فلا يظهر الوباء على الظاهر الا بعد طول التأثير فى الباطن فالخروج من البلد لايخلص غالبا من الاثر الذى استحكم من قبل ولكنه يتوهم الخلاص فيصير هذا من جنس الموهومات كالرقى والطيرة وغيرهما وانه لو رخص للاصحاء فى الخروج لما بقى فى البلد الا المرضى الذين اقعدهم الطاعون وانكسرت قلوبهم ولم يبق فى البلد من يسقيهم الماء ويطعمهم الطعام وهم يعجزون عن مباشرتهما بأنفسهم فيكون ذلك سعيا فى اهلاكهم تحقيقا وخلاصهم منتظركما ان خلاص الاصحاء منتظر فلو اقاموا لم تكن الاقامة قاطعة لهم بالموت ولو خرجوا لم يكن الخروج قاطعا بالخلاص وهو قاطع فى اهلاك الباقين والمسلمون كالبنيان يشد بعضهم بعضا المؤمنون كالجسد الواحد اذا اشتكى مه عضو تداعى الى الاشتكاء سائر اعضائه هذا هو الذى يظهر عندنا فى تعليل الهى وينعكس هذا فيما اذا لم يقدم بعد على البلد فانه لم يؤثر الهوآء فى باطنه وليس له حاجة اليهم ،

واما النقل فقوله تعالى

{ ألم ترى الى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم احياهم } فانه انكار لخروجهم فرارا منه وتعجيب بشأنهم ليعتبر العقلاء بذلك ويتيقنوا أن لامفر من قضاء اللّه فالمهنى عنه هو الخروج فرارا فان الفرار من القدر لايغنى شيأ وفى الحديث ( الفار من الطاعون كالفار من الزخف والصابر فيه له اجر شهيد ) وفى الحديث ( يختصم الشهدآء والمتوفون على فراشهم الى ربنا عز وجل فى الذين يتوفون فى الطاعون فيقول الشهدآء اخواننا قتلوا كما قتلنا ويقول المتوفون اخواننا ماتوا على فراشهم كما متنا فيقول ربنا انظروا الى جراحهم فان اشبهت جراحهم جراح المقتولين فانهم منهم فاذا جراحهم قد اشبهت جراحهم ).

يقول الفقير دل عليه قوله عليه السلام فى الطاعون ( انه وخز اعدآئكم من الجن ) والوخز طعن ليس بنافذ والشيطان له ركض وهمر ونفث ونفخ ورخز والجنى اذا وخز العرق من مراق البطن اى مارق منها ولان خرج من وخزه الغدة وهى التى تخرج فى اللحم فيكون وخز الجنى سبب الغدة الخارجة فحصل التوفيق بين حديث الوخز وبين قوله عليه السلام ( غدة كغدة البعير تخرج من مراق البطن ) وباقى مايتعلق بالطاعون سبق فى سورة البقرة وقد تكفل بتفاصيله رسالة الشفاء لادوآء الوباء لابن طاش كبرى فارجع

٩

{ ياأيها الذين آمنوا اذا نودى للصلاة } الندآء رفع الصوت وظهوره ونداء الصلاة مخصوص فى الشرع بالالفاظ المعروفة والمراد بالصلاة صلاة الجمعة كل دل عليه يوم الجمعة والمعنى فعل الندآء لها اى اذن لها والمعتبر فى تعلق الامر الآتى هو الاذان الاول فى الاصح عندنا لان حصول الاعلام به لا الاذان بين يدى المنبر وقد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مؤذن واحد فكان اذا جلس على المنبر اذن على باب المسجد فاذا نزل اقام الصلاة ثم كان ابو بكر وعمر رضى اللّه عنهما على ذلك حتى اذا كان عثمان رضى اللّه عنه وكثرت الناس وتباعدت المنازل زاد مؤذنا آخر فأمر بالتأذين الاول على دار له بالسوق يقال لها الزورآء ليسمع الناس فاذا جلس على المنبر اذن المؤذن الثانى فاذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه

{ من يوم الجمعة } بضم الميم وهو الاصل والسكون تخفيف منه ومن بيان لاذا وتفسير لها اى لا بمعنى انها لبيان الجنس على ماهو المتبادر فان وقت الندآء جزء من يوم الجمعة لايحمل عليه فكيف يكون بيانا له بل المقصود انها لبيان ان ذلك الوقت فى اى يوم من الايام اذ فيه ابهام فتجامع كونهنا بمعنى فى كما ذهب اليه بعضهم وكونها للتبعيض كما ذهب اليه البعض الآخر وائما سمى جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة فهو على هذا الاسم اسلامى

وقيل اول من سماه جمعة كعب بن لؤى بالهمزة تصغير لأى سماه بها لاجتماع قريش فيه اليه وكانت العرب قبل ذلك تسميه العروبة بمعنى الظهور وعروبة وباللام يوم الجعة كما فى القاموس وقان ابن الاثير فى النهاية الافصح انه لايدخلها الالف واللام

وقيل ان الانصار قالوا قبل الهجرة لليهود يوم يجمعون فيه فى كل سبعة ايام وللنصارى مثل ذلك فهلموا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر اللّه ونصلى فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا الى سعد بن زرارة رضى اللّه عنه بضم الزاى فصلى بهم ركعتين وذكرهم فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه وحين اجتمعوا ذبح لهم شاة فتعشوا وتغذوا منها لقلتهم وبقى فى اكثر القرى التى يقال فيها الجمعة عادة الاطعام بعد الصلاة الى يومنا هذا فأنزل اللّه آية الجمعة فهى اول جمعة فى الاسلام

واما اول جمعمة جمعها رسول اللّه عليه السلام فهى انه لما قدم المدينة مهاجرا نزل قبا على بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر بيع الاول حين امتد الضحى ومن تلك السنة يعد التاريخ الاسلامى فأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس واسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة ماعدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة فى بنى سالم بن عوف فى بطن وادٍ لهم قد اتخذ القوم فى ذلك الموضع مسجدا فخطب وصلى الجمعة وهى اول خطبة خطبها بالمدينة وقال فيها

( الحمد لله واستعينه واستهديه وأومن به ولا اكفره واعادى من يكفر به وأشه أن لا اله الا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الاجل من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعص اللّه ورسوله فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا اوصيكم بتقوى اللّه فان خير ما أوصى به المسلم المسلم ان يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى اللّه واحذر ماحذركم اللّه من نفسه فان تقوى منعمل به ومخافته من ربه عنوان صدق على مايبغيه من الآخرة ومن يصلح الذى بينه وبين اللّه من امره فى السر والعلانية لاينوى به الا وجه اللّه يكون له ذكرا عاجل امره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء الى ماقدم وما كان مما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه امدا بعيدا ويحذركم اللّه نفسه واللّه رؤف بالعباد هو الذى صدق قوله وانجز وعده ولا خلف لذلك فانه يقول مايبدل القوى لدى وما انا بضلام للعبيد فاتقوا اللّه فى عاجل امركم وآجله فى السر والعلانية فانه مايتق اللّه يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا ومن يتق اللّه فقد فاز فوزا عظيما وان تقوى اللّه توقى مقته وتوقى عقوبته وتوقى سخطه وان تقوى اللّه تبيض الوجه وترضى الرب وترفع الدرجة فخذوا بحظكم ولاتفرطوا فى جنب اللّه فقد علمكم فى كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين فأحسنوا كما احسن اللّه اليكم وعادوا اعدآءه وجاهدوا فى اللّه حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة ولاحول ولاقوة الا باللّه فاكثروا ذكر اللّه واعملوا لما بعد الموت فان من يصلح مابينه وبين اللّه يكفر اللّه مابينه وبين الناس ذلك بان اللّه يقضى على الناس ويقضون عليه ويملك من الناس ولايملكون منه اللّه اكبر ولاحول ولا قوة الى باللّه العلى العظيم ) انتهت الخطبة النبوية ثم ان هذه الآية رد لليهود فى طعنهم للعرب وقولهم لنا السبت ولا سبت لكم

{ فاسعوا الى ذكر اللّه } قال الراغب السعى المشى السريع وهو دون العدو اى امشوا واقصدوا الى الخطبة والصلالة لاشتمال كل منهما على ذكر اللّه وما كان من ذكر رسول اللّه والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين واتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو فى حكم ذكر اللّه

واما ماعدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم وهم احقاء بعكس ذلك فمن ذكر الشيطان وهو من ذكر اللّه على مراحل كما فى الكشاف وبالفارسية رغبت كنيد بدان وسعى نماييد دران.

وعن الحسن رحمه اللّه اما واللّه ماهو بالسعى على الاقدام ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة الا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنيات والخشوع والابتكار ولقد ذكر الزمخشرى فى الابتكار قولا وافيا حيث قال وكانت الطرقات فى ايام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة اى مملوءة بالمبكرين الى الجمعة يمشون بالسرج وفى الحديث ( اذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على ابواب المسجد بأيديهم صحف من فضة واقلام من ذهب يكتبون الاول فالاول على مراتبهم فاذا خرج الامام طويت الصحف واجتمعوا للخطبة والمهجر الى الصلاة كالمهدى بدنه ثم الذى يليه كالمهدى بقرة ثم الذى يليه كالمهدى شاة حتى ذكر الدجاجة والبيضة ) وفى عبارة السعى اشارة الى النهى عن التثاقل وحث على الذهاب بصفاء قلب وهمة لابكسل نفس وغمة وفى الحديث ( اذا اذن المؤذن اى فى الاوقات الخمسة ادبر الشيطان وله حصاص ) وهو بالضم شدة العدو وسرعته وقال حماد بن سلمة قلت لعاصم بن أبى النجود ما الحصاص قال اما رأيت الحمار اذا اصر باذنيهاى ضمهما الى رأسه ومصع بذنبه اى حركه وضرب به وعدا اى اسرع فى المشى فذلك حصاصه وفيه اشارة الى ان ترك السعى من فعل الشيطان وهذا بالنسبة الى غير المريض والاعمى والعبد والمرأة والمقعد والمسافر فانهم ليسوا بمكلفين فهم غير منادين اى لاسعى من المرضى والزمنى والعميان وقد قال تعالى

{ فاسعوا }

واما النسوان فهن امرن بالقرار فى البيوت بالنص والعبد والمسافر مشغولان بخدمة المولى والنقل قال النصر آبادى العوام فى قضاء الحوآئج فى الجمعات والخواص فى السعى الى ذكره لعلمهم بأن المقادير قد جرت فلا زيادة ولا نقصان وقال بعضهم الذكر عند المذكور حجاب والسعى الى ذكر اللّه مقام المريدين يطلبون من المذكور محل قربة اليه والدنو منه

واما المحقق فى المعرفة وقد غلب عليه ذكر اللّه اياه بنعت تجلى نفسه لقلبه

{ وذروا البيع } يقال فلان يذر الشىء اى يقذفه لقلة اعتداده به ولم يستعمل ماضيه وهو وذر اى اتركوا المعاملة فالبيع مجاز عن المعاملة مطلقا كالشرآء والاجارة والمضاربة وغيرها ويجوز ابقاء البيع على حقيقته ويلحق به غيره بالدلالة وقال بعضهم النهى عن البيع يتضمن النهى عن الشرآء لانهما متضايفان لايعقلان الا معا فاكتفى بذكر احدهما عن الآخر واراد الامر بترك مايذهل عن ذكر اللّه من شواغل الدنيا وانما خص البيع والشرآء من بينها لان يوم الجمعة يوم تجمع فيه الناس من كل ناحية فاذا دنا وقت الظهيرة يتكاثر البيع والشرآء فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول عن ذكر اللّه والمضى الى المسجد قيل لهم بادروا تجارة الآخرة واتركوا تجارة الدنيا واسعوا الى ذكر اللّه الذى لاشىء انفع منه واربح وذروا البيع الذى نفعه يسير وربحه قليل

{ ذلكم } اى السعى الى ذكر اللّه وترك البيع

{ خير لكم } من مباشرته فان نفع الآخرة اجل وابقى

{ ان كنتم تعلمون } الخبر والشر الحقيقين روى انه عليه السلام خطب فقال

( ان اللّه افترض عليكم الجمعة فى يومى هذا وفى مقامى هذا فمن تركها فى حياتى وبعد مماتى وله امام عادل او جائر من غير عذر فلا بارك اللّه له ولاجمع اللّه شمله ألا فلا حج له ألا فلا صوم له ومن تاب تاب اللّه عليه )

١٠

{ فاذا قضيت الصلاة } التى نوديتم لها اى اديت وفرغ منها

{ فانتشروا فى الارض } لاقامة مصالحكم والتصرف فى حوآئجكم اى تفرقوا فيها بأن يذهب كل منكم الى موضع فيه حاجة من الحوآئج المشروعة التى لابد من تحصيلها للمعيشة فانقلت مامعنى هذا الامر فانه لو لبث فى المسجد الى الليل يجوز بل هو مستحب فالجواب ان هذا امر الرخصة لا امر العزيمة اى لاجناح عليكم فى الانتشار بعدما اديتم حق الصلاة

{ وابتغوا من فضل اللّه } اى الربح يعنى اطلبوا لأنفسكم واهليكم من الرزق الحلال بأى وجه يتيسر لكم من التجارة وغيرها من المكاسب المشروعة دل هذا المعنى سبب قوله

{ واذا رأوا تجارة } الخ كما سيأتى فالامر للاطلاق بعد الحظر اى للاباحة لا للايجاب كقوله

{ واذا حللتم فاصطادوا } وذكر الامام السرخسى ان الامر للايجاب لما روى انه عليه السلام قال ( طلب الكسب بعد الصلاة هو الفريضة بعد الفريضة ) وتلا قوله تعالى

{ فاذا قضيت الصلاة } وقل انه للندب فعن سيعد بن جبير اذا انصرفت من الجمعة فساوم بشىء وان لم تشتره وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما لم يؤمروا بطلب شىء من الدنيا انما هو عبادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة اخ فى اللّه وعن الحسن وسعيد بن المسيب طلب العلم ( قال الكاشفى ) وكفته اند انتشارهم در زمين مسجداست جهت رفتن بمجلس علما ومذكران ،

وقيل صلاة التطوع والظاهر ا ن مثل هذا ارشاد للناس الى ماهو الاولى ولاشك فى اولوية المكاسب الاخروية مع ان طلب الكفاف من الحلال عبادة وربما يكون فرضا ان الاضطرار

{ واذكروا اللّه } بالجنان واللسان جمعيا

{ كثيرا } اى ذكرا كثيرا او زمانا كثيرا ولاتخصوا ذكره تعالى بالصلاة.

يقول الفقير انما امر تعالى بالذكر الكثير لان اللسان هو العالم الاصغر المقابل للعالم الاكبر وكل مافى العالم الاكبر فانه يذكر اللّه تعالى بذكر مخصوص له فوجب على اهل العالم الاصغر أن يذكروا اللّه تعالى بعدد أذكار اهل العالم الاكبر حتى تتقابل المرءآتان وينطبق الاجمال والتفصيل فان قلت فهل فى وسع الانسان أن يذكر اللّه تعالى بهذه المرتبة من الكثرة قلت نعم اذا كان من مرتبة السر بالشهود التام والحضور الكامل كما قال ابو يزيد البسطامى قدس سره الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه بالحضور انتهى وقد يقيم اللّه القليل مقام الكثير كما رى ان عثمان رضى اللّه عنه صعد المنبر فقال الحمد لله فارتج عليه فقال ان أبا بكر وعمر رضى اللّه عنها كانا يعدان لهذا المقام مقالا وانكم الى امام فعال احوج منكم الى امام قوال وستأتيك الخطب ثم نزل ومنه قال امامنا الاعظم ابو حنيفة رحمه اللّه ان اقتصر الخطيب على مقدار مايسمى ذكر اللّه كقوله الحمد لله سبحان اللّه جاز وذلك لان اللّه تعالى سمى الخطبة ذكرا له على انا نقول قوله عثمان ان ابا بكر وعمر الخ كلام ان كلام من باب الخطبة لاشتماله على معنى جليل فهو يجامع قول صاحبيه والشافعى لابد من كلام يسمى خطبة وهذا مما لا يتنبه له احد والحمد لله على الهامه وقال سعيد بن جبير رضى اللّه عه الذكر طاعة اللّه فمن أطاع اللّه فقد ذكر ومن لم يطعه فليس بذاكر وان كان كثير التسبيح والذكر بهذا المعنى يتحقق فى جميع الاحوال قال تعالى

{ رجال لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر اللّه } والذكر الذى امر بالسعى اليه اولا هو ذكر خاص لايجامع التجارة اصلا اذا المراد منه الخطبة والصلاة امر به اولا ثم قال اذا فرغتم منه فلا تتركوا طاعته فى جميع ما تأتونه وتذرونه

{ لعلكم تفلحون } كى تفوزوا بخير الدارين ، الحاصل ذكروى موجب جميعت ظاهر وباطن وسبب نجات دنيا وآخرتست

از ذكر خدا مباش يكدم غافل ... كز ذكر بود خير دو عالم حاصل

ذكراست كه اهل شوق رادرهمه حال ... آسايش جان باشد وآرامش دل

وفى التأويلات النجمية اذا حصلت لكم ياهل كمال الايمان الذوقى العيانى صلاة الوصلة والجمعية والبقاء والفناء فسيروا فى ارض البشرية بالاستمتاع بالشهوات المباحة والاسترواح بالروآئح الفائحة والمراتعة فى المراتع الارضية وابتغوا من فضل اللّه من التجارات المعنوية الرابحة واذكروا نعم اللّه عليكم الظاهرة من الفناء من ناسوتيتكم الظلمانية والباطنة من البقاء بلاهويته النوارنية لعلكم تفوزون بهذه النعم الظاهرة والباطنة بارشد الطالبين الصادقين المتوجهين الى اللّه بالورح الصافى والقلب الوافى قال فى الاشباه والنظائر اختص يوم الجمعة باحكام لزوم صلاة الجمعة واشتراط الجماعة لها وكونها ثلاثة سوى الامام والخطبة لها وكونها قبلها شرط وقرآءة السورة المخصوصة لها وتحريم السفر قبلها بشرطةه واستنان الغسل لها الطيب ولبس الاحسن وتقليم الاظفار وحلق الشعر ولكن بعدها افضل والبخور فى المسجد والتبكير لها والاشتغال بالعبادة الى خروج الخطيب ولايسن الابراد بها ويكره افراده بالصوم وافراد ليلته بالقيام وقرآءة الكهف فيه ونفى كراهة النافلة وقت الاستوآء على قول أبى يوسف المصحح المعتمد وهو خير ايام الاسبوع ويوم عيد وفيه ساعة اجابة وتجتمع فيه الارواح وتزار فيه القبور ويأم الميت فيه من عذاب القبر ومن مات فيه اوفى ليلته امن من فتنة القبر وعذابه ولا تسجر فيه جهنم وفيه خلق آدم وفيه اخرج من الجنة وفيه تقوم الساعة وفيه يزور اهل الجنة ربهم سبحانه وتعالى انتهى واذا وقعت الوقفة بعرفة يوم الجمعة ضوعف الحج سبعين لان حج الوداع كان كذلك ذكره فى عقد الدرر واللآلى

١١

{ واذا رأوا } اى علموا

{ تجارة } هى تجارة دحية بن خليفة الكلبى

{ او } سمعوا

{ لهوا } هو مايشغل الانسان عما يعنيه ويهمه يقال ألهى عن كذا اذا اشغله عما هو أهم والمراد هنا صوت الطبل ويقال له اللهو الغليظ وكان دحية اذا قدم ضرب الطبل ليعلم به ( قال الكاشفى ) وكاروان جون رسيدى طبل شادى زدندى ، كما يرمى اصحاب السفينة فى زماننا البنادق وما يقال له بالتركى ، طوب ، او كانوا اذا اقبلت العير استقبلوها اى اهلها بالطبول والدفوف والتصفيق وهو المراد باللهو

{ انفظوا اليها } الفض كسر الشىء وتفريق بين بعضه وبعض كفض ختم الكتاب ومنه استعير انفض القم اى تفرقوا وانتشروا كما فى تاج المصادر الانفضاض شكسته شدن وبرا كنده شدن ، وحد الضمير لان العطف بأولا يثنى معه الضمير وكان المناسب ارجاعه الى احد الشيئين من غير تعيين الى ان تخصيص التجارة برد الكناية اليها لانها المقصودة وللدلالة على ن الانفضاض اليها مع الحاجة اليها والانتفاع بها اذا كان مذموما فما ظنك بالانفضاض الى اللهو وهو مذموم فى نفسه ويجوز أن يكون الترديد للدلالة على ان منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته فاذا كان الطبل من اللهو وان كان غليظا فما ظنك بالمزمار ونحو وقد يقال الضمير للرؤية المدلول عليها بقوله رأوا وقرىء اليهما على ان او للتقسيم ( روى ) ان دحية بن خليفة الكلبى قدم المدينة بتجارة من الشام كان ذلك قبل اسلامه وكان بالمدينة مجاعة وغلاء سعر وكان معه جميع مايحتاج اليه من بر ودقيق وزيت وغيرها والنبى عليه السلام يخطب يم الجمعة فملا علم اهل المسجد ذلك قاموا اليه خشية أن يسبقوا اليه يعنى تابيشى كيرند از يكديكر بخريدن طعام ، فما بقى معه عليه السلام الا ثمانية او احد عشر او اثنا عشر او اربعون فيهم ابو بكر وعمر وعثما وعلى وطلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص وعبدالرحمن بن عوف وابو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد وبلا وعبد اللّه بن مسعود وفى رواية عمار بن ياسر بدل عبد اللّه وذكر مسلم ان جابرا كان فيه وكان منهم ايضا امرأة فقال عليه السلام ( والذى نفس محمد بيده لو خرجوا جميعا لاضرم اللّه عليهم الوادى نارا ) وفى المعانى لولا الباقون لنزل عليهم الحجارة

{ وتركوك } حال كونك

{ قائما } اى على المنبر ( روى ) عن جابر بن عبداللّه رضى اللّه عنه قال كان النبى عليه السلام يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس ومن ثمة كانت السنة فى الخطبة وفيه اشعار بأن الاحسن فى الوعظ على المنبر يوم الجمعة القيام وان جاز القعود لانه والخطبة من واد واحد لاشتماله على الحمد والثناء التصلية والنصيحة والدعاء قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره ان الخطبة عبارة عن ذكر اللّه والموعظة للناس وكان عليه السلام مستمرا فى ذكر اللّه تعالى ثم لما أراد التنزل لارشاد الناس بالموعظة جلس جلسة خفيفة غايته ان ماذكره الفقهاء من معنى الاستراحة لازم لما ذكرنا وكان عليه السلام يكتفى فى الاوائل بخطبة واحدة من غير أن يجلس اما لانه لعظم قدره كان يجمع بين الوصال والفرقة او لان افعاله كانت على وفق الوحى ومقتضى امر اللّه فيجوز أن لايكون مأمورا بالجلسة فى الأوآئل ثم صار على قياس النسخ وايضا وجه عدم جلوسه عليه السلام فى الخطبة فى بعض الاوقات هو انه عليه السلام كان يرشد اهل الملكوت كما يرشد اهل الملك فمتى كان ارشاده فى الملكوت لا يتنزل ولايجلس ومتى كان فى الملك بأن لم يكن فى مجلس الخطبة من هو من اهل الملكوت يتنزل ويجلس مجلس الملك فان معاشر الانبياء يكلمون الخلق على قدر عقولهم ومراتبهم وكان عليه السلام متى أراد الانتقال من ارشاد اهل الملك الى ارشاد اهل الملكوت يقول

( أرحنى يابلال ) ومتى أراد التنزل من ارشاد اهل الملكوت الى ارشاد اهل الملك يقول لعائشة رضى اللّه عنها ( كلمينى ياحميرآء ) ، اعلم انه كان من فضل الاصحاب رضى اللّه عنهم وشأنهم أن لايفعلوا مثل ماذكر من التفرق من مجلس النبى عليه السلام وتركه قائما فذكر بعضهم وهو مقاتل بن حيان ان الخطبة يوم الجمعة كانت بعد الصلاة مثل العيدين فظنوا انهم قد قضوا ما كان عليهم وليس فى ترك الخطبة شىء فحولت الخطبة بعد ذلك فكانت قبل الصلاة كان لايخرج واحد لرعاف او احداث بعد النهى حتى يستأذن النبى عليه السلام يشير اليه بأصبعه التى تلى الابهام فيأذن له النبى عليه السلام يشير اليه بيده قال الامام السهيلى رحمه اللّه وهذا الحديث الذى من اجله ترخصوا لانفسهم فى ترك سماع الخطبة وان لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بأصحاب رسول اللّه عليه السلام موجب لانه كان صحيحا.

يقول الفقير هب انهم ظنوا انهم قد قضوا ما كان عليهم من فرض الصلاة فكيف يليق بهم أن يتركوا مجلس النبى عليه السلام ومن شانهم أن يستمعوا ولم يتحركوا كأن على رؤسهم الطير ولعل ذلك من قبيل سائر الهفوات التى تضمنت المصالح والحكم الجليلة ولو لم يكن الا كونه سببا لنزول هذه الآية التى هى خير من الدنيا وما فيها لكفى وفيها من الارشاد الالهى لعباده مالا يخفى

{ قل ماعند اللّه } من الثواب يعنى ثواب نماز واستماع خطبه ولزوم مجلس حضرت بيغمبر عليه السلام وما موصولة خاطبهم اللّه بواسطة النبى عليه السلام لان الخطاب مشوب بالعتاب

{ خير } بهتراست وسودمندتر

{ من اللهو } از استماع لهو

{ ومن التجارة } واز نفع تجارت فان نفع ذلك محقق مخلد بخلاف مافيهما من النفع المتوهم فنفع اللهو ليس بمحقق ونفع التجارة ليس بمخلد وما ليس بمخلد فمن قبيل الظن الزآئل ومنه يعلم وجه تقديم اللهو فان للاعدام تقدسا على الملكات قال البقلى وفيه تأديب المريدين حيث اشتغلوا عن صبحة المشايخ بخلواتهم وعباداتهم لطلب الكرامات ولم يعلموا ان مايحدون فى خلواتهم بالاضافة الى مايجدون فى صحبة مشايخهم لهو قال سهل رحمه اللّه من شغله عن ربه شىء من الدنيا والآخرة فقد اخبر عن خسة طبعه ورذالة همته لان اللّه فح له الطريق اليه واذن له فى مناجاته فاشتغل بما يفنى عا لم يزل ولا يزال وقال بعضهم ما عند اللّه للعباد والزهاد غدا خير مما نالوه من الدنيا نقدا وما عند اللّه للعارفين نقدا من واردات القلوب وبوادر الحقيقة خير مما فى الدنيا والعقبى

{ واللّه خير الرازقين } لانه موجد الارزاق فاليه اسعوا ومنه اطلبوا الرزق ( قال الكشافى ) وخداى تعالى بهترين روزى دهند كانست يعنى آنانكه وسائط ايصال رزقند وقت باشدكه بخيلى كنند وشايد نيز مصلحت وقت نداننت نقلست كه بكى ازخلفاى بعداد بهلول را كفت بياتا روزى هرروز تو مقرر كنم تاوقت متعلق بدان نباشد بهلول جواب دادكه جنين ميكردم اكر جند عيب نبودى اول آنكه توندانند كه مراجه بايد دوم نشناسى كه مراكى بايد سوم معلوم ندارى كه مرا جند بايد وحق تعالى كافل رزق منست اين همه ميداند وازروى حكمت بمن ميرساند وديكر شايد كه برمن غضب كنى وآن وظيفه ازمن باز كيرى وحق سبحانه وتعالى بكناه ازمن روزى باز نميدارد

خدايى كه اوساخت ازنيست هست ... بعصيان در رزق بكرس نيست

از وخواه روزى كه بخشنده اوست ... بر آرنده كارهر بنده اوست

وقيل لبعضهم من اين تأكل فقال من خزانة ملك لايدخلها اللصوص ولا يأكلها السوس وقال حاتم الاصم قدس سره لامرأته انى أريد السفشر فكم اضع لك من النفقة قالت بقدر ماتعلم انى اعيش بعد سفرك فقال وماندرى كم نعيش قالت فكله الى من يعلم ذلك فلما سافر حاتم دخل النساء عليها يتوجعن لها من كونه سافر وتركها بلا نفقة فقالت انه كان اكالا ولم يكن رزاقا

قال بعضهم قوله تعالى

{ خير من اللهو } وقوله

{ خير الرازقين } من قبيل الفرض والتقدير اذ لاخيريه فى اللّه ولا رازق غير اللّه فكان المعنى ان وجد فى اللهو خير فماعند اللّه اشد خيرية منه وان وجد راقون غير اللّه فاللّه خيرهم واقواهم قوة اولاهم عطية والرزق هو المنتفع به مباحا كان او محظورا

وفى التأويلات النجمية

{ واللّه خير الرازقين } لاحاطته على رزق النفس وهو الطاعة والعبادة بمقتضى العلم الشرعى ورزق القلب وهو المراقبة المواظبة على الاعمل القلبية من الزهد والورع والتوكل والتسليم والرضى والبسط والقبض والانس والهيبة ورزق الروح بالتجليات والتنزلات والمشاهدات والمعاينات ورزق السر برفع رؤية الغير والغيرية ورزق الخفاء بالنفاء فى اللّه والبقاء به وهو خير رزق فهو خير الرازقين ( وفى المثنوى )

هرجه ازيارت جدا اندازد آن ... مشنو آنرا كه زيان دارد زيان

كربود آن سود صد در صد مكير ... بهر زرمكسل زكنجور اى فقير

آن شنوكه جند يزدان زجر كرد ... كفت اصحاب نبى را كرم وسرد

زانكه دربانك دهل درسال تنك ... جمعه را كردند باطل بى درنك

تانبايد ديكران ارزان خرند ... زان سبب صرفه زما ايشان برند

ماند بيغمبر بخلوت درنماز ... بادوسه درويش ثابت برنياز

كفت طبل ولهو وبازركانى ... جو نتان ببريد از ربانى

قد فضضتم نحو قمح هائما ... ثم خليتم نبيا قائما

بهر كندم تخم باطل كاشتند ... وآن رسول حق را بكذا شتند

صحبت او خير من لهواست ومال ... بين كرا بكذاشتى جشمى بمال

خودنشد حرص شمارا اين يقين ... كه منم رزاق وخير الرزاقين

آنكه كندم راز خودروزى دهد ... كى توكلهات را ضايع كند

ازبى كندم جدا كشتى ازان ... كه فرستادست كندم زآسمان

وفى الاحياء يستحب أن يقول بعد صلاة الجمعة اللهم ياغنى ياحميد يامبدى يا معيد يارحيم ياودود أغننى بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك فيقال من دوام على هذا الدعاء اغناه اللّه تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لايحتسب وفى الحديث ( من قال يوم الجمعة اللهم أغننى بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك سبعين مرة لم تمر به جمعتا حتى يغنيه اللّه ) رواه انس بن مالك رضى اللّه عنه

﴿ ٠