سُورَةُ التَّغَابُنِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ آيَةً

١

{ يسبح لله ما فى السموات } من الروحانيات

{ وما فى الارض } من الجسمانيات اى ينزهه سبحانه جميع ما فيهما من المخلوقات عما لا يليق بجناب كبريائه تنزيها مستمرا والمراد ان تسبيح الاشارة الذى هو الدلالة فتعم ما كل حى وجماد أو تسبيح العبارة الذى هو أن يقول سبحان اللّه فتعمهما ايضا عند اهل اللّه وعن بعضهم سمعت تسبيح الحيتان فى البحر المحيط يقلن سبحان الملك القدوس رب الاقوات والارزاق والحيوانات والنباتات ولولا حياة كل شئ من رطب ويابس ما اخبر عليه السلام انه يشهد للمؤذن وكم بين اللّه ورسوله مما جميع الملخوقات عليه من العلم باللّه والطاعة له والقايم بحقه فآمن بعضهم وصدق

وقيل ما اضافه اللّه الى نفسه وما أضاف اليه رسول وتوقفت بعضهم فلم يؤمنوا ولم يسمعوا وتأونوا الامر بخلاف ما هو عليه وقصدهم بذلك أن يكونوا من المؤمنين وهم فى الحقيقة من المكذبين لترجحيهم حسهم على الايمان بما عرفه لهم ربهم لما لم يشاهدوا ذلك مشاهدة عين وعن بعض العارفين فى الاية اى يسبح وجودك بغير اختيارك وأنت غافل عن تسبيح وجودك له وذلك ان وجودك قائم فى كل لمحة بوجودة يحتاج الى الكينونة بتكوينه اياه ابن قلبك ولسانك اذا اشتغل بذكر غيرنا وفى الحقيقة لم يتحرك الوجود الا بأمر ومشيئته وتلك الحركة اجابة داعى القدم فى جميع مراده وذلك محض التقديس ولكن لا يعرفه الا العارف بالوحدانية

{ له الملك } الدائم الذى لا يزول وهو كمال القدرة ونفاذ التصر وبالفارسية مروراست بادشاهى كه ارض وسما وما بينهما بيافريد

{ وله الحمد } اى حمد الحامدين وهو الثناء بذكر الاوصاف الجميلة والافعال الجزيلة وتقديم الجار والمجرور للدلالة على تأكيد الاختصاص وازاحة الشبهة بالكلية فان اللام مشعر بأصل الاختصاص قدم او اخرأى له المك وله الحمد لا لغيره أذ هو المبدئ لكل شئ وهو القائم به والمهيمن عليه المتصرف فيه كيف يشاء وهو المولىلاصول النعم وفروعها ولوا انه انعم بها على بعاده لما قدر أحد على ادنى شئ فالمؤمنون يحمدونه على نعمه وله الحمد فى الاولى والآخرة

واما ملك غيره فاسترعاء من جنابه وتسليط منه وحمد غيره اعتداد بأن نعمة اللّه جرت على يده فللبشر ملك وحمد من حيث الصورة لا من حيث الحقيقة

باغير او اضافت شاهى بود جنان ... بريك دوجوبباره زشطرنج نام شاه

{ وهو على كل شئ قدير } لان نسبة ذاته المقتضية للقدرة الى الكل سوآء فهو القادر على الايجاد والاعدام والاسقام والابرآء والعزاز والذلال والتبييض والتسويد ونحو ذلك من الامور الغير المتناهية

قال بعضهم ثقدرة اللّه تصلح للخلق وقدرة العبد تصلح للكسب فالعبد لا يوصف بالقدرة على الخلق والحق لا يوصف بالقدرة على الكسب فمن عرف انه تعالى قادر خسى من سطوات عقوبته عند مخالفته وامل لطائف نعمته ورحمته عند سؤال حاجته لا بوسيلة طاعته بل بكرمه ومنته وفى التأويلات النجمية ينزه ذاته المسبحة المقدسة عن الامثال والاضداد والاشكال والانداد ما فى السموات القوى الروحانية وما فى ارض القوى الجسمانية له ملك الوجود المطلق وله الحمد على نعمة ظهوره فى الوجود المقيد وهويته المطلقة قادرة على ظهورها بالاطلاق والتقييد وهى فى عينها منزهة عنهما وهما نسبتان اعتباريتان.

٢

{ وهو الذى خلقكم } خلقا بديعا حاويا لجميع مبادى الكمالات العلمية والعملية ومع ذلك

{ فمنكم كافر } اى فبعضكم او فبعض منكم مختار للكفر كاسب له حسبنا تقتضيه خلقته ويندرج فيه المنافق لانه كافر مضمر وكان الواجب عليكم جميعا ان تكونوا مختارين للايمان شاكرين لنعمة الخلق والايجاد وما يتفرع عليها من سائر النعم فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنهم منه بل تشعبتم شعبا وتفرقتم فرقا قال فى فتح الرحمن الكفر فعل الكافر والايمان فعل المؤمن والكفر والايمان اكتساب العبد لقول النبى عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة وقوله فطرة اللّه التى فطر الناس عليها فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير اللّه ومشيئته فالمؤمن بعد خلق اللّه اياه يختار الايمان لان اللّه تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق اللّه اياه يختار الكفر لان اللّه تعالى قدر عليه ذلك وعلمه منه وهذا طريق اهل السنة انتهى وفى الآية رد للدهرية والطبيعية فانهم ينكرون خالقية اللّه تعالى والخالق هو المخترع للاعيان المبدع لها ( حكى ) ان سنيا ناظر معتزليا فى مسألة القدرة فقطف المعتزلى تفاحة من شجرة وقال للسنى أليس انا الذى قطفت هذه فقال له السنى ان كنت الذى قطفتها فرجها على ما كانت عليه فأفحم المعتزلى وانقطع وانما ألزمه بذلك لان القدرة التى يحصل بها الايجاد لا بد أن تكون صالحة للضدين فلو كان تفريق الاجزآء بقدرته لكان فى قدرته وصلها ومن أدب من عرف انه سبحانه هو المنفرد بالخلق والايجاد أن لا يجحد كسب العبد ولا يطوى بساط الشرع فى الابتلاء بالامر والنهى ولا يعتقد ان للعبد على اللّه حجة بسبب ذلك ( حكى ) ان بعض الاكابر تعجب من تجاسر الملائكة فى قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ثم قال ما عليهم شئ هو أنطفهم فبلغ قوله يحيى بن معاذ الرازى رضى اللّه عنه فقال صدق هو انطقهم ولكن انظر كيف أفحمهم بين بذلك ان مجرد الخلق من جهة الحق لا يكون عذرا للبعيد فى سقوط اللوم عنهم

{ ومنكم مؤمن } مختار للايمان كاسب له ويندرج فيه مرتكب الكبيرة الغير التائب والمبتدع الذى لا تفضى بدعته الى الكفر وتقديم الكفر عليه لانه الا نسب بمقام التوبيخ والأغلب يما بينهم ولذا يقول اللّه فى يوم الموقف يا آدم أخرج بعث النار يعنى ميز اهلها المبعوث اليها قال وما بعث النار اى عدده قال اللّه من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون وفى التنزيل ولكن اكثر الناي لا يؤمنون وقليل من عبادى الشكور والايمان اعظم شعب الشكر ( روى ) ان عمر رضى اللّه عنه سمع رجلا يقول اللهم اجعلنا من القليل فقال له عمر ما هذا الدعاء فقال الرجل انى سمعت اللّه يقول وقليل من عبادى الشكور فانما ادعو أن يجعلنى من ذلك القليل فقال عمر كل الناس اعلم من عمر.

يقول الفقير هذا القول من عمر من قبيل كسر النفس واستقصار العلم والمعرفة واستقلالهما على ما هو عادة الكمل فلا ينافى كماله فى الدين والمعرفة حتى يكون ذلك سببا لجرحه فى باب الخلافة كما استدل به الطوسى الخبيث على ذلك فى كتاب التجريد له وفى الحديث ( الا ان ابن آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا ) ومن هنا

قال بعضهم قوم طلبوه فخذلهم وقوم هربوا منه فأدركهم . ابراهم خواص قدس سره كفت درباديه وقتى بتجريد مى رفتم بيرى راديدم كوشه نشسته وكلاهى برسر نهاده وبزارى وخوارى مى كريست كفتم يا هذا توكيستى كفت من ابو مره ام كفتم جرامى كريى كفت كيست بكريستن سزا وارتراز من جهل هزار سال يدان دركاه خدمت كرده ام ودرافق اعلى ازمن مقدم تركس نبودا كنون تقدير الهى وحكم غيبى نكر كه مرابجه روز آورد آنكه كفت اى خواص نكر تابدين جهد وطاعت خويش غره نباشى كه بعنايت واختيار اوسست نه بجهد وطاعت بنده بمن يك فرمان آمدكه آدم راسجده كن نكردم وآدم را فرمان آمدكه ازان درخت مخور خورد ودركار آدم عنايت بود عذرش بنهادند وزلت اودر حساب نياوردند ودركار من عنايت نيود طاعت ديرينه من زلت شمردند

من لم يكن للوصال اهلا ... فكل احسانه ذنوب

ومن هنا يعرف سر قول الشيخ سعدى

هركه در سايه عنايت اوست ... كنهش طاعتست ودشمن دوست

{ واللّه بما تعلمون } مطلقا

{ بصير } فيجازيكم بذلك فاختاروا منه ما يجديكم من الايمان والطاعة واياكم وما يرديكم من الكفر والعصيان قال القاسم رحمه اللّه خاطبهم مخاطبة حال كونهم ذرا فسماهم كافرين ومؤمنين فى ازله واظهرهم حين اظهرهم على ما سماهم وقدر عليهم فأخبر بأنه علم ما يعملونه من خير وشر . واعلم ان اللّه تعالى يعلم لكنه يحلم ويقدر لكنه يغفر الا ان من أقصته السوابق لم تدنه الوسائل ومن اقعده جده لم ينفعه كده قيل ان بعض الاكابر بلغه أن يهوديا أوصى أن يحمل من بدله اذا مات ودفين فى بيت المقدس فقال ايكابر الازل أما علم انه لو دفن فى فراديس العلى لجاءت جهنم بأنكالها وحملته الى نفسها والناس على اربعة اقسام اصحاب السوابق وهم الذين تكون فكرتهم ابدا فيما سبق لهم م اللّه لعلمهم ان الحكم الازلى لا يتغير باكتساب العبيد واصحاب العواقب وهم الذين يكفرون ابدا فيما يختم به امرهم فان الامور بخواتمها والعاقبة مستورة ولهذا قيل لا يغرنكم صفاء الاوقات فان تحتها غوامض الآفات واصحاب الوقت وهم الذين لا يتفكرون فى السوابق ولا فى اللواحق اى العواقب بل يشتغلن بمراعاة الوقت وادآء ما كلفوا من احكام ولهذا قيل الارف ابن وقته

وقيل الصوفى من لا ماضى له ولا مستقبل ( وفى المثنوى )

صوفى ابن الوقت باشد اى رفيق ... نيست فردا كفتن از شرط طريق

والقسم الرابع هم الذين غلب عليهم ذكر الحق فهم مشغولون بشهود الوقت عن مراعاة الوقت وفى الآية اشارة الى هويته المطلقة عن النسب والاضافات خلقكم اى تجلى لتعيناتكم الجنسة والنوعية والشخصية من غير تقييد وانحصار فمنكم اى فمن بعض هذه التعينات كافر يسر الحق المطلق بالحق المقيد ويقول بالتفرقة دفاعا لطعن الطاعن ومن بعض هذه التعينات مؤمن يؤمن بظهور الحق فى خلل ويستر الخلق بالحق ويقول بالجميعة تأنيسا للمكاشفين بالحقائق واللّه بما تعملون بصير من ستر الحق بالخلق دفعا للطاعن ومن ستر الخلق بالحق تأنيسا للطالب الواجد.

٣

{ خلق السموات والارض بالحق } اى بالحكمة البالغة المتضمنة للمصالح الدينية والدنيوية والمراد السموات السبع والارضون السبع كما يدل عليه التصريح فى بعض الماضع قال تعالى خلق سبع سموات طباقا وقال تعالى اللّه الذى خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن فان قلت ما وجه عدم ذكر العرش والكرسى فى اثمال هذه المواضع مع عظم خلقهما قلت انهما وان كانا من السماء لان السماء هو الفلك والفلك جسم شفاف محيط بالعلم وهما اوسع الافلاك احاطة الا ان آثارهما غير ظاهرة مكشوفة بخلاف السموات والارض وما بينهما فانها أقرب الى المخاطبين المكلفين ومعلوم حالها عندهم وكشوفة آثارها ومنفعتها ولذها قالوا ان الشمس تنضج الفواكه والقمر يلونها والكواكب تعطيها الطعم الى غير ذلك مما لا يتناهى على ان التغيرات فيها اظهر فهى على عظم القدرة أدل وقد قال تعالى كل يوم هو فى شأن واكثر هذه الشؤون فى عالم الكوت والفساد الذى هو عبارة عن السموات والارض اذ هما من العنصريات بخلاف العرش والكرسى فانهما من الطبيعات ولهذا لا يفنيان

{ وصوركم فأحسن صوركم } الفاء للتفسير اى صوركم احسن تصوير وخلقه فى أحسن تقويم واودع فيكم من القوى والمشاعر الظاهرة والباطنة ما نيط بها جميع الكمالات البارزة والكامنة وزينكم بصفوة صفات مصنوعات وخصكم بخلاصة خصائص مبدعاته وجعلكم انموذج جميع مخلوقاته فى هذه النشأة فلكم جمال الصورة وأحسن الاشكال ولذا لا يتمنى الانسان أن يكون صورته على خلاف ما هو عليه لكون صورته أحسن من سائر الصور ومن حسن صورته امتداد قامته وانتصاب خلقته واعتدال وجوده ولا يقدح فى حسنه كون بعض الصور قبيحا بالنسبة الى بعض لان الحسن وهو الجمال فى الخلق والخلق على مراتب كما قالت الحكماء شيئان لا غاية لهما الجمال والبيان ولكم ايضا جمال المعنى وكمال الخصال

بدرون تست مصرى كه تويى شكر ستانش ... جه غمست اكرزبيرون مدد شكر ندارى

شده غلام صورت بمثال بت برساتن ... توجو يوسفى وليكن سوى خود نظرندارى

بخدا جمال خود راجو در آينه بينى ... بت خويش هم توباشى بكسى كذرندارى

والمعتدبه هو الحسن المعنوى لان اللّه خلق آدم على صورته اى على الصورة الالهية التى هى عبارة عن صفاته العليا واسمائه الحسنى والا فالحسن الصورى يوجد فى الكافر أيضا

ره راست بايدنه بالى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جوماست

نعم قد يوجب سيرة حسنة وخلق حميد فى الكافر كعدل انوشروان مثلا لكن المعتد به ما يكون مقارنا بالايمان الذى هو احسن السير قال بعض الكبار كل من كان فيه صفة العدل فهو ملك وان كان الحق تعالى ما استخلفه بالخطاب الالهى فان من الخلفاء من أخذ المرتبة بنفسه من غير عهد الهى اليه بها وقام بالعدل فى الرعايا بالعدل ومعلوم ان كسرى فى ذلك العدل على غير شرع منزل لكنه نائب للحق من ورآء الحجاب وخرج بقولنا وقام بالعدل فى الرعايا من لم يقم بالعدل كفرعون وامثاله من المنازعين لحدود اللّه والماغالبين لجنابه بمغالبة رسله فان هؤلاء ليسوا بخلفاء اللّه تعالى كالرسل ولا نوابا له كالملوك العادلة بل هم اخوان الشياطين قال الحسين رحمه اللّه أحسن الصور صورة اعتقت من ذلك كن وتولى الحق تصويرها بيده ونفخ فيها من روحه وألبسها شواهد النعت وحلاها بالتعليم شفاها واسجد لها الملائكة المقربين واسكنها فى جواره وزين باطنها بالمعرفة وظاهرها بفنون الخدمة والجمع فى قوله فاحسن صوركم باعتبار الانواع لان صورة الرومى ليست كصورة الهندى الى غير ذلك والافراد وهو ظاهر

{ واليه المصير } اى والى اللّه الرجوع فى النشأة الاخرى لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فأحسنوا سرآئركم باستعمال تلك القوى والمشاعر فيما خلقن له حتى يجازيكم بالانعام لا بالانتقام فكم من صورة حسناء تكون فى العقبى شوهاء بقبح السريرة والسيرة وكم من صورة قبيحة تكون حسناء بحسنهما

جه غم زمنقصت صورت اهل معنى را ... جوجوان زروم بود كوتن ازحبش مى باش

وقد ثبت ان ضرس الكافر يوم القيامة مثل جبل احد وان غلظ جسده مسافة ثلاثة ايام وانه يسوء خلقه فتغلظ شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخى شفته السلفى حتى تضرب سرته وان اهل الجنة ضوء وجوههم كضوء القمر ليلة البدر او على أحسن كوكب درى فى السماء وهم جرد مرد مكحلون ابناء ثلاثة وثلاثين فطوبى لاهل اللطافة وويل لاهل الكثافة.

اعلم ان اللّه تعالى خلق سموات الكليات وارض الجزئيات بمظهرية الحق وظهره فيهما بحسب استعداد الكل لا بحسبه وتجلى فى مظاهرب صور الانسان بحسبه اى بجمع الاسماء والصفات ولذا قال تعالى فأحسن صوركم اى جعل صوركم احدية جمع جميع المظهريات الجامعة لجميع المظاهر السماوية العلوية والارضية السفلية كما قال عليه السلام ان اللّه خلق آدم على صورته يعنى اورد الاسم الجامع فى عنوان الخلق اشارة الى تلك الجميعة فكان مصير الانسان الى الهوية الجامعة لجميع الهويات لكن حصل التفاوت بين افراده بحسب التجلى والاستتار والفعل والقوة فليس لاهل الحجاب أن يدعى كمالات اهل الكشف للتفاوت المذكور فيا عجبا من انسان خفى عليه ما دفن فى ارض وجوده من كنز الهى غيبى من نال اليه لم يفتقر ابدا وكيف قنع بقشر مع امكان تحصيل اللب وكيف اقام فى الحضيض مع سهولة العروج الى الاوج

جه شكرهاست درين شهركه قانع شده اند ... شاهبازان طريقت بمقا مكسىم

٤

{ يعلم ما فى السموات والارض } من الامور الكلية والجزئية والاحوال الجلية والخفية

{ ويعلم ما تسرون وما تعلنون } اى ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الامور والتصريح به مع اندراجه فيما قبله لانه الذى يدور عليه الجزآء ففيه تأكيد للوعد الوعيد وتشديد به مع اندراجه فيما قبله لانه الذى يدور عليه الجزآء ففيه تأكيد للوعد والوعيد وتشديد لهما قال فى برهان القرآن انما كرر ما فى اول السورة لاختلاف تسبيح اهل الارض واهل السماء فى الكثرة والقلة والبعد والقرب من المعصية والطاعة وكذلك اختلاف ما تسرون وما تعلنون فانما ضدان ولم يكرر ما فى السموات والارض لان الكل بالاضافة الى علم اللّه جنس واحد لا يخفى عليه شئ

{ واللّه عليم بذات الصدور } اى هو محيط بجميع المضمرات المستكنة فى صدور الناس بحيث لا تفارقها اصلا فكيف يخفى عليه ما يسرونه وما يعلنونه وبالفارسية وخداى تعالى داناست بآنجه درسينهاست ازخواطر وافكار . وانما قيل لها ذات الصدور وصاحبتها لملابستها لها وكونها مخزونة فيها ففى الآية ترقٍ من الاظهر الى الاخفى لانه عالم بما فى السموات وما فى الارض وبما يصدر من بنى آدم سرا وعلنا وبما لم يصدر بعد بل هو مكنون فى الصدور واظهار الجلال للاشعار بعلية الحكم وتأكيد استقلال الجملة قبل وتقديم القدرة على العلم لان دلالة المخلوقات على قدرته بالذات وعلى علمه بما فيها من الاتفاق والاختصاص ببعض الجهات الظاهرة مثل كون السماء فى العلو والارض فى السفل او الباطنة مثل أن يكون السماء متحركة والارض ساكنة ال غير ذلك فان للمتكلمين مسلكين فى اثبات العلم الولى ان فعله تعالى متقن اى محكم خال عن وجوه الخلل ومشتمل على حكم ومصالح متكثرة وكل من فعله متقن فهو عالم والثانى انه فاعل بالقصد والاختيار لتخصيص بعض الممكنات ببعض الانحاء ولا يتصور ذلك الا مع العلم وفى قوله وما تسرون اشارة الى علماء الظاهر من الحكماء والمتكلمين والى علومهم الفكرية النظرية وما يسرون فيها من عقائدهم الفاسدة ومقاصدهم الكاسدة وفى قوله وما تعلنون اشارة الى علماء الباطن من المشايخ والصوفية والى معارفهم ومواجيدهم الذوقية الكشفية وما يظهرون منها من الكرامات وخوارق العادات واللّه عليم بصدور عمل كل واحد من صدور قلوبهم بحسب الرياء الاخلاص والحق والباطل.

٥

{ ألم يأتكم } أيها الكفرة والالف للاستفهام ولم للجحد ومعناه التحقيق

{ نبأ الذين كفروا } اى خبر قوم نوح ومن بعدهم من الامم المصرة على الكفر

{ من قبل } اى قبلكم فيكون متعلقا بكفروا او قبل هذا الوقت او هذا العصيان والمعاداة فيكون ظرفا لألم يأتكم

{ فذاقوا وبال امرهم } عطف على كفروا والذوق وان كان فى التعارف للقليل لكنه مستصلح للكثير والوبال الثقل والشدة المترتبة على امر من الامور والوبل المطر الثقيل القطار مقابل الطل وهو المطر الخفيف وامرهم كفرهم فهو واحد الامور عبر عنه بذلك للايذان بأنه امر هائل وجناية عظيمة والمعنى فذاقوا فى الدنيا من غير مهلة ما يستتبعه كفرهم من الضرر والعقوبة واحسوه احساس الذآئق المعطوم يعنى بس جشيدن كران بارئ خود ودشوارئ سر انجام خويش وضرر كفر وعقوبت اودردنيا بغرق وريح صرصر وعذاب يوم الظلة وامثال آن . وفى ايراد الذوق رمز الى ان ذلك المذوق العاجل شئ حقير بالنسبة الى ما سيرون من العذاب الآجل ولذلك قال تعالى

{ ولهم } فى الآخرة

{ عذاب أليم } اى مؤلم لا يقادر قدره وفيه اخبار بأن ما أصابهم فى الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم والا لم يعذبوا فى الآخرة بخلاف المؤمنين فان ما أصابهم فى الدنيا من الآلم والاوجاع والمصائب كفارة لذنوبهم على ما ورد فى الاخبار.

٦

{ ذلك } اى ما ذكر من العذاب الذى ذاقوه فى الدنيا وما سيذوقونه فى الآخرة

{ بأنه } اى بسبب ان الشان

{ كانت تأتيهم رسلهم بالبينات } اى بالمعجزات الظاهرة والباء اما للملابسة او للتعدية

{ فقالوا } عطف على كانت

{ ابشر } آيا آدميان مثل ما

{ يهدوننا } راه نمايند مارا . اى قال كل قوم من المذكورين فى حق رسولهم الذى اتاهم بالمعجزات منكرين لكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك ابشر وآدمى مثلنا يهدينا ويرشدنا الى الدين او الى اللّه والتقرب منه كما قالت ثمود ابشرا منا واحد نتبعه انكروا أن يكون الرسول بشرا ولم ينكروا أن يكون المعبود حجرا وقد أجمل فى الحكاية فأسند القول الى جميع الاقوام وأريد بالبشر الجنس فوصف بالجمع كما أجمل الخطاب والامر فى قوله تعالى يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وارتفاع بشر على انه فاعل فعل مضمر يفسره مان بعده فيكون من باب الاشتغال وهو اولى من جعله مبتدأ وما بعده خبرا لان اداة الاستفهام تطلب الفعل ظاهرا او مضمرا قال القاشانى لما حجبوا بصفات نفوسهم عن النور الذى هو به يفضل عليهم بما لا يقاس ولم يجدوا منه الا البشرية انكروا هدايته فان كان كل عارف لا يعرف معروفه الا بالمعنى الذى فيه فلا يوجد النور الكمالى الا بالنور الفطرة ولا يعرف الكمال الا الكامل ولهذا قيل لا يعرف اللّه غير اللّه وكل طالب وجد مطلوبه بوجه ما والا لما امكنه التوجه نحوه وكذا كل مصدق بشئ فانه واحد للمعنى المصدق به فما بى نفسه من ذلك المعنى فلما لم يكن فيهم شئ من النور الفطرة اصلا لم يعرفوا منه الكمال فأنكروه ولم يعرفوا من الحق شيأ ولم يحدث فيهم طلب حتى يحتاجوا الى الهداية فأنكروا الهداية وقال بعضهم العارفين معرفة مقام الاولياء أصعب من الممكن من معرفة اللّه تعالى لان اللّه تعالى معروفة بكماله وجماله وجلاله وقهره بخلاف الولى الكامل فانه ملآن من شهود الضعف يأكل ويشرب ويبول مثل غيره من الخلق ولا كرامة له تظهر الا بأن يناجى ربه وانى للخلق معرفة مقامه و واللّه لو كشف للخلق عن حقيقة الولى لعبد كما عبد عيسى عليه السلام ولو كشف لهم عن مشرقات نوره لانطوى نور الشمس والقمر من مشرقات نور قلبه ولكن فى ستر الحق تعالى المقام الولى حكم واسرار وأدنى ما فى الستر أن لا يتعرض احد لمحاربة اللّه تعالى اذا آذاهم بعد أن عرفهم انهم اولياء اللّه فكان ستر مقامهم عن اخلق رحمة بالخلق وفتحا لباب اعتذار من آذاهم من غالب الخلق فان الاذى لم يزل من الخلق لهم فى كل عصر لجهلهم بمقامهم

{ فكفروا } ابى بالرسل بسبب هذا القول لانهم قالوه استصغارا لهم ولم يعلموا الحكمة فى اختيار كون الرسل بشرا

{ وتولوا } عن التدبير فيما اتوا به من البينات وعن الايمان بهم

{ واستغنى اللّه } اى اظهر استغناءه عن ايمانهم وطاعتهم حيث اهلكهم وقطع دابرهم ولوا غناه تعالى عنهما لما فعل ذلك وقال سعدى والمفتى هو حال بتقدير قد وهو بمعنى غنى الثلاثى والمراد كمال الغنى اذا لطلب يلزمه الكمال

{ واللّه غنى } عن العالمين فضلا عن ايمانهم وطاعتهم

{ حميد } يحمده كل مخلوق بلسان الحال ويدل على اتصافه بالصفات الكمالية او يحمده اولياؤه وان امتنع اعداؤه والحمد هو ذكر اوصاف الكمال من حيث هو كمال ومن عرف انه الحميد فى ذاته وصفاته وافعاله شغله ذكره والثناء عليه فان العبد وان كثرت محامده من عقائد واخلاقه وافعاله واقواله فلا يخلو عن مذمة ونقص الا النبى عليه السلام فانه محمد واحمد ومحمود من كل وجه وله المحمدة والكمال وفى الاربعين الادريسية يا حميد الفعال ذا المن على جميع خلقه بلطفه قال السهروردى رحمه اللّه من داومه يحصل له من الاموال مالا يمكن ضبطه.

٧

{ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا } الزعم ادعاء العلم فمعنى أزعم زيدا قائما أقول انه كذا ففى تصدير الجملة بقوله ازعم اشعار بأنه لا سند للحكم سوى ادعائه اياه وقوله به ويتعدى الى مفعولين تعدى العلم وقد قام مقامهما ان المخففة مع ما فى حيزها فأن مخففة لانصابة لئلا يدخل ناصب على مثله والمراد بالموصول كفار مكة اى زعموا وادعوا ان الشان لن يبعثوا بعد موتهم ابدا ولن يقاموا ويخرجوا من قبورهم وعن شريح رضى اللّه عنه لكل شئ كنية وكنية الكذب زعموا قال بعض المخضرمين لابنه هب لى من كلامك كلمتين زعم وسوف انتهى ويكره للرجل ان يكثر لفظ الزعم وامثاله فانه تحديث بكل ما سمع وكفى بذلك كذبا واذا أراد أن يتكلم تكلم بما هو محقق لا بما هو مشتبه بذلك يتخلص من أن يحدث بكل ما سمع فيكون معصوما من الكذب كذا فى المقاصد الحسنة

{ قل } ردا لهم وابطالا لزعمهم باثبات ما نفوه

{ بلى } اى تبعثون فان لا يجاب النفى الذى قبله وقوله

{ وربى لتبعثن ثم لتنبئون بما عملتم } اى لتحاسبن وتجزون بأعمالكم جملة مستقلة داخلة تحت الامر واردة لتأكيد ما أفاده كلمة بلى من اثبات البعث وبيان تحقق امر آخر متفرع عليه منوط به ففيه تأكيد لتحقق البعث بوجهين فقوله وربى قسم لعل اختياره ههنا لما ان فى البعث اظهار كمال الربوبية المفيدة لتمام المعرفة وايثار دوام التربية بالنعم الجسمانية الظاهرة والنعم الروحانية الباطنة وقوله لتبعثن اصله لتبعثون حذفت واوه لاجتماع الساكنين بمجيئ نون التأكيد وان كان على حده طلبا للخفة واكتفاء بالضمة وهو جواب قسم قبله مؤكد باللام المؤكدة للقيم وثم لتراخى المدة لطوب يوم القيامة او لتراخى الرتبة وظاهر كلام اللباب أن يكون وربى قسما متعلقا بما قبله قد تم الكلام عنده وحسن الوقف عليه ويجعل تبعثن بما عطف عليه جواب قسم آخر مقدر مستانف لتأكيد الاول لعل فائدة الاخبار بالقسم مع ان المشركين ينكرون الرسالة كما ينكرون البعث ابطال لزعمهم بالتشديد والتأكيد ليتأثر من قدر اللّه له الانصاف وتتأكد الحجة على من لم يقدر له وكان محروما بالكلية

{ وذلك } اى ما ذكر من البعث والجزآء

{ على اللّه يسير } اى سهل على اللّه لتحقق القدرة التامة وقبول المادة واذا كان الامر كذلك.

٨

{ فآمنوا } بصرف ارادتكم الجزئية الى اسباب حصول الايمان

{ باللّه } الباعث من القبور المجازى على كل عمل ظاهر أو مستور

{ ورسوله } محمد صلّى اللّه عليه وسلّم الذى اخبر عن شؤون اللّه تعالى وصفاته

{ والنور الى انزلنا } اى انزلناه على رسولنا وهو القرءآن فانه بأعجازه بين بنفسه . انه حق نازل من عند اللّه مبين لغيره ومظهر للحلال و الحرام كما ان النور كذلك والالتفات الى نون العظمة لابراز كمال العناية

{ واللّه بما تعملون } من الامثتال بالامر وعدمه

{ خبير } فمجمازيكم عليه.

٩

{ يوم يجمعكم } ظرف لتنبئون وما بينهما اعتراض او معقول الذكر الظاهر ان الخطاب لمن خوطب اولا بقوله ألم يأتكم

{ ليوم الجمع } ليوم يجمع فيه الاولون والآخرة من الجن والانس واهل السماء والارض اى لاجل ما فيه من الحساب والجزآء وهو يوم القيامة فللام للعهد اى جمع هذا اليوم عن النبى عليه السلام اذا جمع اللّه الاولين والآخرين جاء مناد ينادى بصوت يسمع الخلائق كلهم سيعلم اهل الجسم اليوم من اولى بالكرم ثم يرجع فينادى ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم يرجع فينادى ليقم الذين كانوا يحمدون اللّه فى البأساء والضرآء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا الى الجنة ثم يحاسب سائر الناس

وقيل المراد مع اللّه بين العبد وعمله

وقيل بين الظالم والمظلوم او بين كل شئ وامته

{ ذلك } اليوم

{ يوم التغابن } تفاعل من الغبن وهو أن تخسر صاحبك فى معاملة بينك وبينه بضر من الاخفاء والتغابن أن يغبن بعضهم بعضا ويوم القيامة غبن بعض الناس بعضا بنزول السعدآء منازل الاشقيا لو كانوا شعدآء وبالعكس وفيه تهكم لان نزولهم ليس بغبن ان كون نزول الاشقياء منازل السعدآء من النار لو كانوا اشقياء باعتبار الاستعارة التهكمية والا فهم بنزولهم فى النار لم يغبنوا اهل الجنة وفى الحديث ما من عبد يدخل الجنة الا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا وما من عبد يدخل النار الا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة وتخصيص التغابن بذلك اليوم للايذان بأن التغابن فى الحقيقة هو الذى يقع فيه مالا يقع فى امور الدنيا فاللام للعهد الذى يشار به عند عدم المعهود الخارجى الى الفرد الكامل اى التغابن الكامل العظيم الذى لا تغابن فوقه قال القاشانى ليس التغابن فى الامور الدنيوية فانها امور فانية سريعة الزوال ضرورية الفناء لا يبقى شئ منها لاحد فان فات شئ من ذلك أو أفاته احد ولو كان حياته فانما فات او افيت ما لزم فواته ضرورة فلا غبن ولا حيف حقيقة وانما الغبن والتغابن فى افاته شئ لو لم يفته لبقى دآئما وانتقع به صاحب سرمدا وهو النور الكمالى والاستعدادى فتظهر الحسرة والتغابن هناك فى اضاعة الربح ورأس المال فى تجارة الفوز والتجارة كام قال فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فمن اضاع استعداده او اكتسب منه شيأ ولم يبلغ غايته كان مغبونا بالنسبة الى الكمال التام وكأنما ظفر ذلك الكامل بمقامه ومرامه وبقى هذا متحسرا فى نقصانه انتهى وقال الراغب يوم التغبن يوم القيامة لظهور الغبن فى المبايعة المشار اليها بقوله ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة اللّه وبقوله ان اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وقوله الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنا قليلا فلعلهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوا من ذلك جميعا وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقالوا تبدوا الاشياء بخلاف مقاديرها فى الدنيا وقال بعضهم يظهر يومئذ غبن الكافر بترك الايمان وغبن المؤمن بتقصيره فى الاحسان واذا دخل العارف الجنة ورآه صاحب الحال فانه يراه كما يرى الكوكب الدرى فى السماء فيتمنى أن يكون له مثل مرتبة العارف فلا يقدر عليها فيتحسر على تفويته اسباب ذلك فى الدنيا وقد ورد لا يتحسر اهل الجنة فى الجنة الا ساعة مرت بهم لم يذكرو اللّه فيها قيل اشد الناس غبنا يوم القيامة ثلاثة نفر عالم علم الناس فعملوا بعلمه وخالف هو علمه فدخل غيره الجنة بعلمه ودخل هو النار بعمله وعبد أطاع اللّه بقوة مال سيده وعسى اللّه سيده فدخل العبد الجنة بقوه مال مالكه ودخل مالكه النار بمعصية اللّه وولد ورث مالا من ابيه وأبوه شح به وعصى اللّه فيه فدخل أبوه ببخله النار ودخل هو بانفاقه الخير الجنة

بخور اى نيك سيرت وسره مرد ... كان نكون بخت كرد كرد ونخورد

وفى الحديث لا يلقى اللّه احد الا نادما ان كان مسيئا ان لم يحسن وان كان محسنا ان لم يزدد وقال بعض العافرين لا يجوز الترقى فى الآخرة الا فى مقام حصله المكلف فى هذه الدار فمن عرف شيأ وتعلقت همته بطلبه كان له اما عاجلا

واما آجلا فان ظفر به فى حياته كان ذلك اختصاصا واعتناء وان لم يظفر به فى حياته معجلا كان مدخرا له بعد المفارقة يناله ثم ضرورة لازمة ومن لم يتحقق بمقام فى هذا الموطن لم يظفر به ثم ولذلك سمى يوم التغابن لانقطاع الترقى فيه فاعلم ذلك وقال بعضهم الغبن كل الغبن أن لا يعرف الصفاء فى الكدورة واللطف فى صورة القهر فتوحش عن الحق بالتفرقة وهو فى عين الجمع والانس وايضا يقع الغبن لمن كان مشغولا بالجزآء والعطاء ورؤية الاعواض

واما من كان مشغولا بمشاهدة الحق فقد خرجعن حد الغبن وايضا يقع الكل فى الغبن اذا عاينوا الحق بوصفه وهم وجدوه اعظم وأجل مما وجدوه فى مكاشفاتهم فى الدنيا فيكونون مغبونين حيث لم يعرفوه حق معرفته ولم يعبدوه حق عبادته وان كانوا لا عيرفونه ابدا حق معرفته واى غبن اعظم من هذا اذ يرونه ولا يصلون الى حقيقة وجوده وقال ابن عطاء رحمه اللّه تغابن اهل احلق على مقادير الضياء عند الرؤية والتجلى وقال بعض الكبار يوم شهود الحق فى مقام الجمعية يوم غبن اهل الشهود والمعرفة على اهل الحجاب والغفلة فانهم فى نعيم القرب والجمع واهل احجاب فى جحيم البعد والفراق

{ ومن يؤمن باللّه } بالصدق والاخلاص بحسب نور استعداده

{ ويعمل صالحا } اى عملا صالحا بمقتضى ايمانه فان العمل انما يكون بقدرالنظر وهو اى العمل الصالح ما يبتغى به وجه اللّه فرضا او نقلا ( روى ) ان ابراهيم بن ادهم رحمه اللّه أراد ان يدخل الحمام فطلب الحمامى الاجرة فتأوه وقال اذا لم يدخل احد بيت الشيطان بلا أجره فانى يدخل بيت الرحمن بلا عمل

{ يكفر } اى يغفر اللّه ويمح

{ عنه سيئاته } يوم القيامة فلا يفضحه به

{ ويدخله } بفضله وكرمه لا بالايجاب

{ جنات } على حسب درجات اعماله

{ تجرى من تحتها } اى من تحت صورها واشجارها

{ الانهار } الاربعة

{ خالدين فيها } حال من الهاء فى يدخله وحد أولا حملا على لفظ من ثم جمع حملا على معناه

{ ابدا } نصب على الظرف وهو تأكيد للخلود

{ ذلك } اى ما ذكر من تكفير السيئات وادخال الجنات

{ الفوز العظيم } الذى لا فوز ورآءه لانطوآئه على النجاة من أعظم الهليكات والظفر بأجل الطيبات فيكون على حالا من الفوز الكبير لانه يكون يجلب المنافع كما فى سورة البروج والفوز العظيم فى الحقيقة هو الانخلاع عن الوجود المجازى والتلبس بلباس الوجود الحقيقى وذلك موقوف على الايمان الحقيقى الذوقى والعمل الصالح المقارن بشهود العامل فان نور الشهود حينئذ يستر ظلمان وجوده الاشافى وينوره بنور الوجود الحقيقى ويدخل جنات الوصول والوصل الى تحرى من تحتها الانهار مملوءه من ماء المعارف والحكم.

١٠

{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } تصريح بما علم التزاما والمرد بالآيات اما القرءآن او المعجزات وان كلا منهما آية الصدق الرسول

{ اولئك اصحاب النار } اى هلها اما بمعنى مصاحبوها خلودهم فيها او مالكوها تنزيلا لهم منزلة الملاك للتهكم حال كونهم

{ خالدين فيها } اى ابدا بقرينة المقابلة

{ وبئس المصير } اى لنار كأن هاتين الآيتين الكريمتين بيان لكيفية التغابن وانما قلنا كأن لان الواو يمانع الحمل على البيان كما عرف فى المعانى وفى الآية اشارة الى المحجوبين عن اللّه المحرومبين من الايمان الحقيقى به بأن يكون ذلك بطريق الذوق والوجدان لا بطريق العلم والبرهان المكذبين آيات اللّه الظاهرة فى خواص عبادة بحسب التجليات فانهم اصحاب نار الحجاب وجحيم الاحتجاب على الدوام والاستمرار وبئس المصير هذه النار فعلى العقال أن يجتهد حتى يكشف اللّه عمى قلبه وغشاوة بصيرته فيشاهد آثار اللّه وآياته فى الانفس واآفاق ويتخلص من الحجاب على الاطلاق ففى نظر العارفين عبرة وحكمة وفى حركاتهم شأن ومصلحة ( حكى ) ان أبا حفص النيسابورى رحمه اللّه خرج مع اصحابه فى الريبيع للتنزه فمر بدار فيها شجرة مزهرة فوقف ينظر اليها معتبرا فخرج من الدار شيخ مجوسى فقال له يا مقدم الاخيار هل تكون ضيفا لمقدم الاشرار فقال نعم فدخلوا وكان معهم من يقرأ القرءآن فلما فرغ قال لهم المجوسى خذوا هذه الدراهم واشتروا بها طعاما من السوق من اهل ملتكم لانكم تتنزهون عن طعامنا ففعلوا فلما أرادوا الخروج قال المجوسى للشيخ لا افارقك بل اكون احد اصحابك ثم اسلم هو واولاده ورهطه وكانوا بضع عشرة نفسا فقالأبو حفص لأصحابه اذا خرجتم للتنزه فاخرجوا هكذا.

جون نظر ميداشت ارباب شهود ... مؤمن آمد بى نفاق اهل جحود

١١

{ ما } نافية ولذا زاد من المؤكدة

{ أصاب } الخلق يعنى نرسد بهيج كس

{ من مصيبة } من المصائب الدنيوية فى الابدان والأولاد والأموال

{ الا باذن اللّه } استثناء مفرغ منصوب المحل على الحال اى ما أصاب مصيبة ملتبسة بشئ من الاشياء الا باذن اللّه اى بتقديره وارادته كائنها بذاتها متوجهة الى الانسان متوقفة على اذنه تعالى ان تصيبه وهذا لا يخالف قوله تعالى فى سورة الشعرآء وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير اى بسبب معاصيكم ويتجاوز عن كثير منها ولا يعاقب عليها اما اولا فلان هذا القول فى حق المجرمين فكم من مصيبة تصيب من أصابته لامر آخر من كثرة الأجر للصبر وتكفير السيئات لتوفيه الأجر الى غير ذلك وما أصاب المؤمنين فمن هذا القبيل

واما ثانيا فلان ما أصاب من ساء بسوء فعله فهو لم يصب الا باذن اللّه وارادته ايضا كما قال تعالى قل كل من عند اللّه اى ايجادا وايصالا فسبحان من لا يجرى فى ملكه الا ما يشاء وكان الكفار يقولون لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم اللّه عن المصائب فى اموالهم وابدانهم فى الدنيا فبين اللّه ان ذلك انما يصيبهم بتقديره ومشيئته وفى اصابتها حكمة لا يعرفها الا هو منها تحصيل اليقين بأن ليس شئ من الامر فى يديهم فيبر أون بذلك من حولهم وقوتهم الى حول اللّه وقوته ومنها ما سبق آنفا من تكفير ذنوبهم وتكثير مثوباتهم بالصبر عليها والرضى بقضاء اللّه الى غير ذلك ولو لم يصب الانبياء والاولياء محن الدنيا وما يطرأ على الاجسام لافتتن الخلق بما ظهر على أيديهم من المعجزات والكرامات على ان طريان الآلام والاوجاع على ظواهرهم لتحقق بشريتهم لا على بواطنهم لتحقق مشاهدتهم والانس بربهم كأنهم معصومون محفوظون منها لكون وجودها فى حكم العدم بخلاف حال الكفار والاشرار نسأل العفو والعافية من اللّه الغفار وفى الآية اشارة الى اصابة مصيبة النفس الامارة بالاستيلاء على القلب والى اصابة مصيبة القلب السيار بالغلبة على النفس فانهما باذن تجلية القهرى للقلب الصافى بحسب الحكمة او باذن تجلية اللطفى الجمالى للنفس الجانية بحسب النقمة

{ ومن يؤمن باللّه } يصدق به ويعلم انه لا يصيبه مصيبة الا باذن اللّه والاكتفاء بالايمان باللّه لانه الاصل

{ يهد قلبه } عند اصابتها للثبات والاسترجاع فيثبت ولا يضطرب بأن يقول قولا ويظهر وصفا يدل على التضجر من قضاء اللّه وعدم الرضى به ويسترجع ويقول انا اللّه وانا اليه راجعون ومن عرف اللّه واعتقد انه رب العالمين يرضى بقضائه ويصبر على بلائه فان التربية كما تكون بما يلائم الطبع تكون بما يتنفر عنه الطبع

وقيل يهد قلبه اى يوفقه لليقين حتى يعلم ان ما أصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه فيرضى بقضائه ويسلم لحكمه

وقيل يهد قلبه اى يلطف به ويشرحه لازدياد الطاعة والخير وبالفارسية اللّه راه نما يددل اورا به بسند كارى ومزيد طاعت.

وقال ابو بكر الوراق رحمه اللّه ومن يؤمن باللّه عند الشدة والبلاء فيعلم انها من عدل اللّه يهد قلبه الى حقائق الرضى وزوآئد اليقين وقال أبو عثمان رحمه اللّه من صحح ايمانه باللّه يهد قلبه لاتباع سنن نبيه عليه السلام وعلامة صحة الايمان المداومة على السنن وملازمة الاتباع وترك الآرآء والاهوآء المضلة وقال بعضهم ومن يؤمن باللّه تحقيقا يهد قلبه الى العمل بمقتضى ايمانه حتى يجد كمال مطلوبه الذى امن به ويصل الى محل نظره وقال بعضهم ومن يؤمن باللّه بحسب ذاته نور قلبه بنور المعرفة باسمائه وصفاته اذ معرفة الذات تستلزم معرفة الصفات والاسماء من غير عكس وباعتبار سبق الهداية ولحوقها فان الايمان باللّه انما هو بهداية سابقة وهداية القلب انما هى هداية لاحقة يندفع توهم ان الايمان موقوف على الهداية فاذا كانت هى موقوفة عليه كما تفيده من الشرطية لما ان الشرط مقدم على المشروط لدار فان للهداية مراتب تقدما وتأخرا لا تنقطع ولذلك ندعو اللّه كل يوم ونقول مرارا اهدنا الصراط المستقيم بناء على ان فى كل عمل نريده صراطا مستقيما يوصل الى رضى اللّه تعالى

وقيل انه مقلوب ومعناه من يهد قلبه يؤمن باللّه . وروى فى يهد سبع قراآت المختار من السبع يهد مفردا غائبا راجعا ضميره الى اللّه مجزوز الآخر ليكون جواب الشرط المجزوم من الهداية وقرئ نهد بالنون على الالتفات منها ايضا ويهد مجهولا برفع قلبه على انه قائم مقام الفاعل منها ايضا ويهد بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ورفع قلبه ايضا بمعنى يهتد كقوله تعالى آمن لا يهدى الا أن يهدى ويهدأ من باب يسأل ويهدا بقلبها ألفا ويهد بحذفها تخفيفا فيهما والمعنى يطمئن ويسكن الى الحق

{ واللّه بكل شئ } من الاشياء التى من جملتها القلوب واحوالها كتسليم من انقاد لامره وكراهة من كرهه وكآفاتها وخلوصها من الآفات

{ عليم } فيعلم ايمان المؤمن وخلوصه ويهدى قلبه الى ما ذكر.

١٢

{ واطيعوا اللّه } اطاعة العبد لمولاه فيما يأمره

{ واطيعوا الرسول } اطاعة الامة لنبيها فيما يؤديه عن اللّه اى لا يشغلنكم المصائب عن الاشتغال بطاعته والعمل بكتابه وعن الاشتغال بطاعة الرسول واتباع سنته وليكن جل همتكم في السرآء والضرآء العمل بما شرع لكم قال القاشانى وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول على حسب معرفتكم باللّه وبالرسول فان اكثر التخلف عن الكمال والوقوع فى الخسران والنقصان انما يقع من التقصير فى العمل وتاخر القدم لا من عدد النظر كرر الامر للتأكيد والايذان بالفرق بين الطاعتين فى الكيفيىة وتوضيح مورد التولى فى قوله

{ فان توليتم } اى اعرضتم عن اطاعة الرسول

{ فانما على رسولنا البلاغ المبين } تعليل للجواب المحذوف اى فلا بأس عليه اذما عليه الا التبليغ المبين وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه واظهار الرسول مضافا الى نون العظمة فى مقام اضماره لتشريفه عليه السلام والاشعار بمدار الحلم الذى هو كون وظيفته عليه السلام محض البلاغ ولزيادة تشنيع التولى عنه وفى التأويلات النجمية أطيعوا اللّه بتهيئة الاسباب بمظهرية ذاته وصفاته واطيعوا الرسول بتحصيل القابلية لمظهرية احكام شريعته الظاهرة وآداب طريقته الباطنة فان اعرضتم عن تهيئة الاسباب والاستعداد وتصفية هذين الامرين الكليين بالاقبال على الدنيا والاستهلاك فى بحر شهواتها فانما على رسولنا البلاغ المبين وعليكم العذاب المهين.

١٣

{ اللّه لا اله } فى الوجود

{ الا هو } جملة من مبتدأ وخبر اى هو المستحق للعبودية لا غير وهو القدر على الهداية والضلالة لا شريك له فى الارشاد والاضلال وليس بيد الرسول شئ من ذلك

{ وعلى اللّه } اى عليه تعالى خاصة دون غيره لا استقلالا ولا اشتراكا

{ فليتوكل المؤمنون } فى تثبيت قلوبهم على الايمان والصبر على المصائب واظهار الجلالة فى موضع الاضمار للاشعار بعلية التوكل والامر به فان الالوهية مقتضية للتبتل اليه تعالى بالكلية وقطع التعلق عما سواه بالمرة وفى الآية بعث لرسول اللّه وللمؤمنين وحث لهم على الثبات على التوكل والازدياد فيه حتى ينصرهم على المكذبين وعلى من تولى عن الطاعة وقبول احكام الدين . واعلم ان التوكل من المقامات العالية وهو اظهار العجز والاعتماد على الغير وفى الحدآئق التوكل هو الثقة بما عند اللّه واليأس مما فى أيديى الناس وظاهر الامر يفيد وجوب التوكل مع انه غير موجودفى اكثر الناس فيلزم أن يكونوا عاصين ولعل المأمور به هو التوكل العقلى وهو أن يعتقد العبد انه ما من مراداته الدنيوية والاخروية الا وهو يحصل من اللّه فيثق به فى حصوله ويرجو منه وان كانت النفس تلتفت الى الغير وتتوقع منه نظرا الى اعتقاد سببيته واللّه مسبب الاسباب

واما التوكل الطبيعى الذى لا يكون ثقة صاحبه طبعا الا باللّه وحجه ولا اعتماده الا عليه فى جميع مقاصده مع قطع النظر عن الاغيار كلها رأسا فهو عسير قلما يوجد الا فى الكمل من الاولياء كما حكى عن بشر الحافى رحمه اللّه انه جائه جماعة من الشأم وطلبوا منه أن يحج معهم فقال نعم ولكن بثلاثة شروط أن لا نحمل معنا شيأ ولا نسأل احدا ولا نقبل من احد شيأ فقالوا

اما الاول والثانى فنقدر عليه اما الثالث فلا نقدر فقال أنتم الذين تحجون متوكلين على زاد الحاج

وقيل من ادعى التوكل ثم شبع فقد حمل زادا وعن بعضهم انه قال حججت اربع عشرة مرة حافيا متوكلا وكان يدخل الشوك فلا اخرجه لئلا ينقص توكلى وعن ابراهيم الخواص رحمه اللّه بينما أناسير فى البادية اذ قال لى اعرابى يا ابراهيم التوكل عندنا فاقم عندنا حتى يصح توكلك أما تعلم ان رجاءك دخول بلد فيه اطعمة يعملك ويقويك اقطع رجاءك عن دخول البلدان فتوكل فاذا كان رجاء دخول البلدان مانعا عن التوكل التام فما ظنك بالاقامة فى بلاد خصبة ولذا اوقع اللّه التوكل على الجلالة لانها جامعة لجميع الاسماء فلاتوكل عليه توكل تام والتوكل على الاسماء الجزئية توكل ناقص قمن عرف اللّه وكل اليه اموره وخرج هو من البين ومن جعل اللّه وكيله لزمه ايضا أن يكون وكيلا لله على نفسه فى استحقاق حقوقه وفرآئضه وكل ما يلزمه فيخاصم نفسه فى ذلك ليلا ونهارا أى لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفة فان الاوقات سريعة المرور خاك دردستش بودجون بادهنكام اجل . هركه اوقات كرامى صرف آب وكل كند.

١٤

{ يا أيها الذين آمنوا } ايمانا خالصا

{ ان من ازواجكم } جمع زوج يعم الحليل والحليلة وسيجئ ما فى اللباب

{ واولادكم } جمع ولدي يعم الابن والبنت

{ عدوا لكم } يشغلونكم عن طاعة اللّه وان لم يكون لهم عداوة ظاهرة فان العدو لا يكون عدوا بذاته وانما يكون عدوا بفعله فاذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا ولا فعل اقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاقة او يخاصمونكم فى اموار الدنيا واشد المكر ما يكون فى الدين فان ضرره اشد من ضرر ما يكون فى الدنيا وجاء فى الخبر ليس عدوك الذى لقيته فقتلته وآجرك اللّه على قتله ولكن اعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك وامرأتك تضاجعك على فراشك وولدك من صلبك قدم الازواج لانها مصادر الاولاد ولانها لكونها محل الشهوات ألصق بقلوب الناس وأشد اشغالا لهم عن العبودية ولذا قدمها اللّه تعالى فى قوله زين للناس حب الشهوات من النساء وفى الالباب ان قوله ان من ازاجكم يدخل فيه الذكر فكما ان الرجل تكون زوجته وولده عدوا له كذلك المرأة يكون زوجها عدوا لها بهذا المعنى فيكون الخطاب هنا عاما على التغليب ويحتمل أن يكون الدخول باعتبار الحكم لا باعتبار الخطاب

{ فاحذروهم } الحذر احتراز عن مخيف والضمير للعدو فانه يطلق على الجمع

قال بعضهم احذروهم اى احفظوا أنفسكم من محبتهم وشدة التعلق والاحتجاب بهم ولا تؤثروا حقوقهم على حقوق اللّه تعالى وفى الحديث ( اذا كان امر آؤكم خياركم واغنياؤكم اسخياءكم وامركم شورى بينكم اى ذا تشاور لا ينفرد احد برأى دون صاحبه فظهر الارض خير لكم من بطنها واذا كان امراؤكم شراركم واغنياؤكم بخلاءكم وامركم الى نسائكم فبطن اللّه خير لكم من ظهرها ) وفى الحديث ( شاوروهن وخالفوهن ) وقد استشار النبى عليه السلام ام سلمة رضى اللّه عنها كما فى قصة صلح الحديبية فصار دليلا لجواز استشارة المرأة الفاضلة ولفضل ام سلمة ووفور عقلها حتى قال امام الحرمين لا نعلم امرأة اشارة برأى فأصابت الا ام سلمة كذا قال وقد استدرك بعضهم ابنة شعيب فى امر موسى عليهما السلام ( حكى ) ان خسروا كان يحب اكل السك فكان يوما جالسا فى المنظرة وشيرين عنده اذ جاء صياد ومعه سمكة كبيرة فوضعها بين يديه فأعجبته فأمر له بأربع آلاف درهم فقالت شيرين بئس ما فعلت لانك اذا أعطيت بعد هذا احدا من عسكرك هذا القدر احتقره وقال أعطانى عطية الصياد فقال خسروا لقد صدقت لكن يقبح على الملوك أن يرجعوا فى عطياتهم فقالت شيرين تدعو الصياد وتقول له هذه السمكة ذكر او انثى فان قال ذكر فقل انما أردنا انثى وان قال انثى فقل انما أردنا ذكرا فنودى الصياد فعاد فقال له الملك هذه المسكة ذكر أو انثى فقال هذه السمكة خشى فضحك خسروا من كلامه وامر له بأربعة آلاف درهم اخرى فقبض ثمانية آلاف درهم ووضعها فى جرابه معه وحملها على كاهله وهم بالخروج فوقع من الجراب درهم واحد فوضع الصياد الجراب وانحنى على الدرهم فأخذه والملك وشيرين ينظران اليه فقالت شيرين للملك أرأيت الى خسة هذا الرجل وسفالته سقط من درهم واحد فألقى عن كاهله ثمانية آلاف درهم وانحنى على ذلك الدرهم وأخذه ولم يسهل عليه أن يتركه فغضب الملك وقال لقد صدقت يا شيرين ثم امر باعادة الصياد فقال يا دنيئ الهمة لست بانسان ما هذا الحرص والتهالك على درهم واحد فقبل الصياد الارض وقال انى لم ارفع ذلك الدرهم لخطره عندى وانما رفعته عن الارض لان على احد وجهيه اسم الملك وعلى الآخر صورته فخشيت أن يأتى احد بغير علم فيضع عليه قدمه فيكون ذلك استخفافا بالملك وصورته فتعجب خسروا من كلامه فأمر له بأربعة آلاف درهم اخرى وكتب وصية للناس بأن لا تطيعوا النساء اصلا ولا تعملوا برأيهن قطعا ( وحكى ) ان رجلا من بنى اسرآئيل أتى سليمان عليه السلام وقال يا بنى اللّه أريد أن تعلمنى لسان البهائم فقال سليمان ان كنت تحب ان تعلم لسان البهائم أنا اعلمك ولكن اذا اخبرت احدا تموت من ساعتك فقال لا اخبر احدا فقال سليمان قد علمتك وكان للجرل ثور وحمار يعمل عليهما فى النهار فاذا امسى ادخل عليهما علفا فحط العلف بين يديهما فقال الحمار للثور اعطنى الليلة عشاءك حتى يحسب صاحبنا انك مريض فلا يعمل عليك ثم انى أعطيك عشائى فى الليلة القابلة فرفع الثور رأسه من علفه فضحك الرجل فقلت امرأته لم تضحك قال لا شئ فلما جاءت الليلة القابلة أعطى الرجل للحمار علفه وللثور علفه وقال الثور اقضنى السلف الى عندك فانى أمسيت مغلوبا من الجوع والتعب فقال له الحمار انك لا تدرى كيف كان الحال قال الثور وما ذاك قال ان صاحبنا البارحة ذهب وقال لجزار ثورى مريض اذبحه قبل أن عجف فاصبر الليلة وأسلفنى ايضا عشاءك حتى اذا جاءك الجزاء صباحا وجدك عجيفا ولا يذبحك فتنجو من الموت ولو تعشيت يمتلئ بطنك فيخشى عليك أن يحسبك سمينا فيذبحك انى أرد لك ما أسفلتنى الليلتين فرفع رأسه عن علفه ولم يأكل فضحك الرجل فقال المرأة لم تضحك اخبرنى والا طلقنى فقال الرجل اذا اخبرتك بما ضحكت اموت من ساعتى فقالت لا أبالى فقال ائتينى بالدواة والقرطاس حتى اكتب وصيتى ثم اخر ثم اموت فناولته فبينما هو يكتب اذ طرحت المرأة كسرة من الخبز الى الكب فسبق الديك واخذها بمنقاره قال الكلب ظلمتنى قال الديك صاحبنا يريد الموت فتكون ان تشبعانا من وليمة المأتم ولكن بحن نبقى فى مبيتا الى ثلاثة ايام لا يفتح لنا البا وان يمت برضى امرأته ابعده اللّه واسخطه فان لى تسع نسوة لا تقدر واحد منهن أن تسأل عن سرى ولو كنت أنا مكانه لأضربنها حتى تموت او تتوب وبعد ذلك لا تسأل عن سر زوجها فأخذ الرجل عصا ولم يزل يضربها حتى ثابت من ذلك

زنى راكه جهلست وبارساتى ... بلا برسر خود نه زن خواستى

وافادت من التبعيضية فى قوله ان من ازواجكم الخ ان منها ما ليس بعدو كما قال عليه السلام الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة وقال عليه السلام ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللّه خيرا له من زوجة صالحة ان امرها اطاعته وان نظر اليها سرته وان اقسم عليها أبرته وان غاب عنها نصحته فى نفسها وما له فاذا كانت المرأة على هذه الاوصاف فهى ميمونة مباركة والا فهى مشئومة منحوسة.

كرا خانه آباد وهمخوا به دوست ... خدارا برحمت نظر سوى اوست

{ وان تعفوا } عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن تكون متعلقة بامور الدنيا او بامور الدين لكن مقارنة للتوبة

{ وتصفحوا } يترك التثريب والتعبير يقال صفحت عن فلان اذا أعرضت عن ذبنه والتثريب عليه

{ وتغفروا } باخفائها وتمهيد عذرها

{ فان اللّه غفور رحيم } يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم وهذا كقوله وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس بك به علم فلا تطعمهما وصاحبنهما فى الدنيا معروفا نزلت فى عوف بن مالك الا شجعى رضى اللّه عنه كان ذا اهل وولد وكان اذا أراد الغزو بكوه ورققوه وقالوا الى من تدعنا فيرق ويقيم . وأراد الخطيئة وهو شاعر مشهور سفرا فقال لامرأته

عدى السنين لغيبتى وتصبرى ... وذرى الشهور فانهن قصار

فأجابته

واذكر صبابتنا اليك وشوقنا ... وارحم بناتك انهن صغار

وقيل ان ناسا من المؤمنين أرادوا الهجرة من مكة فثبطهم ازواجهم واولادهم فزينوا لهم القعود قيل قالوا لهم اين تذهبوا وتدعون بلدكم وعشيرتكم واموالكم فغضبوا عليهم وقالوا لئن جمعنا اللّه فى دار الهجرة لم نصبكم بخير فلما هاجروا منعوهم الخير فحثوا على أن يعفوا عنهم ويردوا اليهم البر والصلة قال القاشانى وان تعفوا بالمداراة وتصفحوا عن جرآئمهم بالحلم وتغفروا جناياتهم بالرحمة فلا ذنب ولا حرج انما الذنب فى الاحتجاب بهم وافراط المحبة وشدة التلعق لا فى مراعاة العدالة والفضيلة ومعاشرتهم بحسن الخلق فانه مندوب بل اتصاف بصفات اللّه فان اللّه غفور رحيم فعليكم بالتخلق باخلاقه وفى الحث على العفو والصفح اشارة الى أن ليس المراد من الامر بالحذر تركهم بالكلية والاعراض عن معاشرتهم ومصاحبتهم كيف والنساء من اعظم نعم الجنة وبها نظام العالم فانه لولا الازواج لما وجد الانبياء والاولياء والعلماء والصلحاء وقد خلق المخلوقات لاجلهم ومن اللّه على عباده تذكير النعمة حيث قال خلق لكم من أنفسكم ازواجا وهذا كما روى عنه عليه السالم انه كان يقول اتقوا الدنيا ولنساء فان الامر بالاتقاء انما هو للتحذير عما يضر فى معاشرتها لا للترك بالكلية فكما ان الدنيا لا تترك بالكلية ما دام المرء حبا وانما يحذر من التلعق بها ومحبتها الشاغلة عن محبة اللّه تعالى فكذا النساء ولأمر ما حبب اللّه اليه عليه السلام النساء وقال عليه السلام

( اذا مات الانسان انقطع عنه عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له ) كما سبق بيانه فى سورة النجم فقد حث عليه السلام على وجود الولد الصالح ولم يعده من الدنيا بل عده من الخير الباقى فى الدنيا وبه يحصل العمر الثانى وفى الآية اشارة الى أن النفوس الامارة واللوامة واولادها وهى صفات تلك النفوس واخلاقها الشهوانية عدو للانسان يمنعه عن الهجرة الى مدينة القلب فلا بد من الحذر عن متابعتها ومخالتطها بالكلية وتصرفاتها فى جميع الاحوال وأن تعفو عن هفواتهم الباطلة الواقعة منهم فى بعض الاوقات لكونهم مطية لكم وتصفحوا بعد التوبيخ والتعيير وتغفروا بأن تستروا ظلمتهم بنور ايمانكم وشعاع معرفة قلوبكم فان اللّه غفور ساتر لكم يستر بلطفه رحيم بكم بافاضة رحمته عليك وجعلنا اللّه واياكم من اهل تقواه ومغفرته وتغمدنا بأنواع رحمته.

١٥

{ انما اموالكم واولادكم فتنة } بلاه ومحنة يوقعونكم فى الاثم والعقوبة من حيث لا تحتسبون ( قال الكاشفى ) آز مايش است تا ظاهر كرددكه كدام از ايشان حق را برايشان ايثار ميكند وكدام دل درمال ولد بسته از محبت الهى كرائه ميكيرد . وجيئ بانما للحصر لان جميع الاموال والولاد فتنة لانه لا يرجع الى مال او ولد الا هو مشتمل على فتنة واشتغال قلب وتأخير الاولاد من باب الترقى من الأدنى الى الأعلى لان الاولاد ألصق بالقلوب من الاموال لكونهم من اجزاء الآباء بخلاف الاموال فانها من توابع الوجود وملحقاته ولذا جعل توحيد الافعال فى مقابلة الفناء عن الاولاد وتوحيد الذات فى مقابلة الفناء عن النفس

{ واللّه عنده اجر عظيم } لمن آثر محبة اللّه وطاعته على محبة الاموال والاولاد والتدبير فى مصالحهم زهدهم فى الدنيا بان ذكر عيبها ورغبهم فى الآخرة بذكر نعيمها وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه لا يقولن احدكم اللهم اعصمنى من الفتن فانه ليس احد منكم يرجع الى مال وولد الا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم انى اعوذ بك من مضلات الفتن نظيره ما حكى عن محمد ابن المنكدر رحمه اللّه انه قال قلت ليلة فى الطواف اللهم اعصمنى واقسمت على اللّه تعالى فى ذلك كثيرا فرأيت فى المنام كأن قائلا يقول لى انه لا يفعل ذلك قلت لم قال لانه يريد أن يعصى حتى يغفر وهذا من الاسرار المصونة والحكم المسكوت عنها وفى مشكاة المصابيح كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب اذ جاء الحسن والحسين رضى اللّه عنهما عليها قميصان احمران يمشيان ويعثران فنزل عليه السلام من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال ( صدق اللّه انما اموالكم واولادكم فتنة ) نظرت الى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم اصبر حتى قطعت حديثى رفعتهما ثم اخذ عليه السلام فى خبطته قال ( ابن عطية وهذه ونحوها هى فتنة الفضلاء فاما فتنة الجهال الفسقة فمؤدية الى كل فعل مهلك ) يقال ان اول ما يتعلق بالرجل يوم القيامة اهله واولاده فيوقفونه بين يديى اللّه تعالى ويقولون يا ربنا خذ بحقنا منه فانه ما علمنا ما نجهل وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه وتأكل عياله حسناته فلا يبقى له حسنة ولذا قال عليه السلام ( يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له اكل عياله حسناته ) وعن بعض السلف العيال سوس الطاعات وهو دود يقع فى الطعام والثوب وغيرهما ومن ثم ترك كثير ممن السلف المال والاهل رأسا واعرضوا عنهما بالكلية لان كل شئ يضل عن اللّه فهو مشئوم على صاحبه ولذا كان عليه السلام يقول فى دعائه ( اللهم من أحبنى وأجاب دعوتى فأقلل ماله وولده ومن أبغضنى ولم يجب دعوتى فاكثر ماله وولده ) وهذا للغالب عليهم النفس

واما قوله عليه السلام فى حق انس رضى اللّه عنه ( اللهم أكثر ماله وولده وبارك فيما أعطيته فهو لغيره )

١٦

{ فاتقوا اللّه ما استطعتم } اى ابذلوا فى تقواه جهدكم وطاقتكم قال بعضم اى ان علمتم ذلك وانتصحتم به فاتقوا ما يكون سببا لمؤاخذة اللّه اياكم من تدبير امورهما ولا ترتكبوا ما يخالف امره تعالى من فعل او ترك وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى اتقوا اللّه حق تقاته لما اشتد عليهم بان قاموا حتى ورمت اقدامهم وتقرحت جباههم فنزلت تيسيرا لعباد اللّه وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما انها آية محكمة لا ناسخة فيها لعله رضى اللّه عنه جمع بين الآيتين بأن يقول هنا وهنالك فاتقوا اللّه حق تقاته ما استطعتم واجتهدوا فى الاتصاف به بقدر طاقتكم فانه لا يكلف اللّه نفسا الا وسعها وحق التقوى ما يحسن أن يقال ويطلق عليه اسم التقوى وذلك لا يقتضى أن يكون فوق الاستطاعة وقال ابن عطاء رحمه اللّه هذا لن رضى عن اللّه بالثواب فاما من لم يرض عنه الا به فان خطابه فاتقوا اللّه حق تقاته أشار رضى اللّه عنه الى الفرق بين الابرار والمقربين فى حال التقوى فقوله تعالى فاتقوا اللّه ما استطعتم ناظر الى الابرار وقوله تعالى فاتقوا اللّه حق تقاته ناظر الى المقربين فان حالهم الخروج عن الوجود المجازى بالكلية وهو حق التقوى وقال القاشانى فاتقوا اللّه فى هذه المخالفات والآفات فى مواضع البليات ماستطعتم بحسب مقامكم ووسعكم على قدر حالكم ومرتبتكم قال السرى قدس سره المتقى من لا يكون رزقه من كسبه . ودر كشف الاسرار آورده كه دريك آيت اشارت ميكند بواجب امر ودرديكرى بواجب حق جون واجب امر بيامد واجب حق را رقم نسخ بركشيد زيراكه حق بنده راكه مطالبت كند بواجب امر كند تافعل اودر دائره عفو داخل تواندشد واكراورا بواجب حق بكيرد طاعت ومعصيت هزار ساله آنجا يكرنك دارد

بى نيازى بين واستغنانكر ... خواه مطرب باش وخواهى نوحه كر

اكرهمه انبيا واولياء بهم آيند آن كيست كه طاقت آن داردكه بحق اوجل جلاله قيام نمايد ياجبوا حق اوباز دهد امر او متناهيست اما حق او متناهى نيست زيرا كه بقاى امر ببقاى تكليف است وتكليف درد نياست كه سراى تكليف است اما بقاى حق ببقاى ذاتست وذات متناهى نيست بس حق متناهى نيست واجب امر برخيزداما واجب حق برتخبزد دنيا دركذرد ونوبت امر باوى در كذرد اما نوبت حق نفر كز در نكذرد امروز هركسى را سودايى درسرست كه درا مر مى نكرند انبيا ورسول بنبوت ورسالت خونش مى نكرند فرشتكان بطاعت وعبادت خود مى نكرند مؤحدان ومجتهدان ومؤمنان ومخلصان بتوحيد وايمان واخلاص خويش مى نكرند فردا جون سرادقات حق ربوبيت باز كشند انبيا باكمال حال خويش حديث علم خود طى كنند كويند لا علم لنا ملائكة ملكوت صومعه اى عبادت خود آتش درزنند كه ما عبد ناك حق عبادتك عارفان وموحدان كيوند ما عرفناك حق معرفتك

{ واسمعوا } مواعظه

{ واطيعوا } اوامره

{ وانفقوا } مما رزقكم فى الوجوه التى امركم بالانفاق فيها خالصا لوجهه عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان المراد انفاق الزكاة والظاهر العموم وهو مندرج فى الاطاعة ولعل افراده بالذكر لما ان الاحتياج اليه كان اشد حينئذ وان المال شقيق الروح ومحبوب النفس ومن ذلك قدم الاموال على الاولاد فى المواضع حتى قال الامام الغزالى رحمه اللّه انه قد يكون حب المال من اسباب سوء العاقبة فانه اذا كان حب المال غالبا على حب اللّه فحين علم محب المال ان اللّه يفرقه عن محبوب عقد فى قلبه البغض لله نعوذ باللّه من ذلك وهذا كما ترى ان احدا اذا احب دنياه حبا غالبا على حب ابنه فلو قصد الابن أن يأخذها منه لأبغض الابن واحب هلاكه

{ خير الانفسكم } خبر لكان المقدر جوابا للاوامر اى يكن خيرا لأنفسكم او مفعول لفعل محذوف اى ائتوا وافعلوا خيرا لأنفسكم واقصدوا ما هو أنفع لها وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الاوامر وبيان لكون الامور المذكورة خيرا لأنفسهم من الاموال والأولاد وما هم عاكفون عليه من حب الشهوات وزخارف الدنيا

{ ومن يوق شح نفسه } اى ومن يقه اللّه ويعصمه من بخل نفسه الذى هى الرذيلة المعجونة فى طينة النفس وقد سبق بيانه فى سورة الحشر وبالفارسية وهركه نكاه داشت ازبخل نفس خود يعنى حق خدا يرا امساك نكند ودر راه وى بذل مى نمايد.

وهو مجهول مجزوز الآخر بمن الشرطية من الوقاية المتعدية الى المفعولين وشح مفعول ثان له باق على النصب والاول ضمير من القائم مقام الفاعل

{ فاولئك هم المفلحون } الفائزون بكل مرام وفى الحديث ( كفى بالمرء من الشخ أن يقول آخذ حقى لا اترك منه شيأ ) وفى حديث الاصمعى أتى اعرابى قوما فقال لهم هذا فى الحق او فيما هو خير منه قالوا وما خير من الحق قال التفضل والتغافل افضل من اخذ الحق كله كذا فى المقاصد الحسنة ( روى ) عن النبى عليه السلام انه كان يطوف بالبيت فاذا رجل متعلق باستار الكعبة وهو يقول ( برحمة هذا البيت الا غفرت لى ) وقال عليه السلام ( وما ذنبك صفه لى ) قال هو اعظم من ان اصفه لك قال ( ويحك ذنبك اعظم ام الارضون ) قال بل ذنبى يا رسول اللّه قال ( ويحك ذنبك اعظم ام الجبال ) قال بل ذنبى يا رسول اللّه قال

( فذنبك اعظم ام السموات ) قال بل ذنبى قال ( فذنبك اعظم ام العرش ) قال بل ذنبى اعظم قال ( فذنبك اعظم ام اللّه ) قال بل اللّه اعظم واعلى قال ( ويحك صف لى ذنبك ) قال يا رسول اللّه انى ذو ثروة من المال وان السائل ليأتينى ليسألنى فكأنما يستقبلنى بشعله من النار فقال عليه السلام ( عنى )

يعنى دورشو ازمن . لا تحرقنى بنارك فهو الذى بعثنى بالهداية والكرامة لو قمت بين الركن والمقام ثم بكيت ألفى عام حتى تجرى من دموعك الانهار وتسقى بها الاشجار ثم مت وأنت لئيم لكبك اللّه فى النار اما علمت ان البخل كفر وان الكفار فى النار ويحك أما علمت ان اللّه يقول ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه ومن يوق شح نفسه فأولئك المفلحون

فروماند كاترا درون شادكن ... زروز فرو ماندكى ياد كن

نه خواهنده بر در ديكران ... بشكرانه خواهنده ازدر مران

وفى الآية اشارة الى ان الانفاق على الغير علما او مالا انفاق على نفسك بالحقيقة كنفس واحدة لانتفاء الغيرة فى الاحدية وان من وفق لانفاق الوجود المجازى فى اللّه فاز بالموجود الحقيقى من اللّه تعالى.

١٧

{ ان تقرضوا اللّه } بصرف اموالكم الى المصار التى عينها وبالفارسية اكر فرض دهيد خدا يرا يعنى صرف كنيد در آنجه فرمايد

وذكر القرض تلطف فى الاستدعاء كما فى الكشاف قال فى اللباب القرض القطع ومنه المقراض لما يقطع به وانقرض القوم اذا هلكوا وانقطع اثرهم

وقيل للقرض قرض لانه قطع شئ من المال هذا اصل الاشتقاق ثم اختلفوا فيه فقيل اسم لكل ما يلتمس الجزآء عليه

وقيل أن يعطى احد شيأ ليرجع اليه ثم قيل لفظ القرض هنا حقيقة على المعنيين

وقيل مجاز على الثانى لان الراجع ليس مثله بل بدله واليه يميل ما فى الكشاف فى سورة البقرة اقراض اللّه مثل لتقديم العمل الذى يطلب ثوابه لعله الوجه فيكون بقرض استعارة تصريحية تبيعة وقوله

{ قرضا حسنا } تصريحية اصليه اى مقرونا بالاخلاص وطيب النفس قال سهل رضى اللّه عنه القرض الحسن المشاهدة بقلوبكم لله فى اعمالكم كما قال ان تعبد اللّه كأنك تراه وقرضا ان كان بمعنى اقراضا كان نصبه على المصدرية وان كان بمعنى مقرضا من النفقة كان مفعولا ثانيا لتقرضوا لان الاقراض يتعدى الى مفعولين ففى التعبير عن الانفاق بالاقراض وجعله متعلقا باللّه الغنى مطلقا والتعبير عن النفقة بالقرض اشارة الى حسن قبول اللّه ورضاه والى عدم الضياغ وبشارة باستحقاق المنفق ببركة انفاقه لتمام الاستحقاق

{ يضاعفه لكم } من المضاعفة بمعنى التضعيف اى التكثير فليس المفاعلة هنا للاشتراك اى يجعل لكم اجره مضاعفا ويكتب بالواحد عشرة وسبعين وسبعمائة واكثر بمقتضى مشيئته على حسب النيات والاوقات والمحال

{ ويغفر لكم } ببركة الانفاق ما فرط منكم من بعض الذنوب

{ واللّه شكور } يعطى الكثير بمقابلة اليسير من الطاعة او يجازى العبد على الشكر وهو الاعتراف بالنعمة على سبيل الخضوع فسمى جزآء الشكر شكرا او اللّه شكور بمعنى انه كثير الثناء على عبده بذكر افعاله الحسنة وطاعته فالشكر الثناء على المحسن بذكر احسانه وهذا المعنى مختار الامام القشيرى رحمه اللّه والشكور مبالغة الشاكر والشاكر من له الشكر سئل بعضهم من اشكر الشاكرين فقال الطاهر من الذنوب بعد نفسه من المذنبين والمجتهد فى النوافل بعد أدآء الفرآئض بعد نفسه من المقصرين والراضى بالقليل من الدنيا يعد نفسه من الراغبين والقاطع بذكر اللّه دهره يعد نفسه من الغافلين والراغب فى العمل يعد نفسه من المفلسين فهذا اشكر الشاكرين ومن ادب من عرف انه تعالى شكور أن يجد فى شكره ولا يفتر وبواظب على حمده ولا يقصر والشكر على اقسام قلبك بغير ذكره ومعرفته وشكر جوارحك فى غير طاعته وشكر بالقلب وهو آن لا تشغل قلبك بغير ذكره ومعرفته وشكر باللسان وهو أن لا تستعمله فى غير ثنائه ومدحته وشكر بالمال وهو أن لا تنفقه فى غير رضاه ومحبته

نفس مى نيارم زد از شكر دوست ... كه شكرى نه دانم كه درخورد اوست

عطا بيست هر موى از وبر تنم ... جكونه بهر موى شكرى كنم

واحسن وجوه الشكر لنعم اللّه أن لا تستعملها فى معاصيه بل فى طاعته وخاصية اسم الشكور التوسعة ووجود العافية فى البدن وغيره بحيث لو كتبه من به ضيق فى النفس وتعب فى البدن اعياء اشد الاعياء وثقل فى الجسم وتمسح به وشرب منه برئ باذن اللّه تعالى وان تمسح به ضعيف البصرعلى عينيه وجد بركة ذلك ويكتب احدى واربعين مرة

{ حليم } لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة ذنوبكم بالبخل والامساك ونحوهما فيحلم حتى يظن الجاهل انه ليس يعلم ويستر حتى يتوهم الغافل انه ليس يبصر

قال الامام الغزالى رحمه اللّه الحليم هو الذى يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الامر ثم لا يستفزه غضب ولا يعتريه غيظه ولا يحمله على المسارعة الى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش كما قال اللّه تعالى ولو يؤاخذه اللّه الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ( حكى ) ان ابراهيم عليه السلام لما رأى ملكوت السموات والارض رأى عاصيا فى معصيته فقال اللهم أهلكه فأهلكه اللّه ثم رأى آخر فدعا عليه فأهلكه اللّه ثم رأى آخر فدعا عليه فأهلكه اللّه ثم رأى رابعا فدعا عليه فأوحى اللّه اليه ان قف يا ابراهيم فلو اهلكنا كل عاص رأيناه لم يبق احد من الخلق ولكنا بحلمنا لا نعذبهم بل نمهلهم فاما أن يتوبوا

واما أن يصروا فلا يفوتنا شئ قيل الحلم حجاب الآفات

وقيل الحلم ملح الاخلاق . وشتم الشعبى رجل فقال ان كنت كاذبا غفر اللّه لك وان كنت صادقا غفر اللّه لى وكان الاحنف يضرب به المثل فى الحلم وهو يقول انى صبور ولست بحليم والفرق بين الحليم ولاصبور ان المذنب لا يأمن العقوبة فى صفة الصبور كما يأمنها فى صفة الحليم يعنى ان الصبور يشعر بانه يعاقب فى الآخرة بخلاف الحليم كما فى المفاتيح والتخلق بالاسم الحليم انما هو بأن يصفح عن جنايات الناس ويسامح لهم فيما ياملونه به من السيئات بل يجازيهم بالاحسان تحقيقا للحلم والغفران وفى الاربعين الادريسية يا حليم ذا الأناة فلا يعادله شئ من خلقه قال السهروردى رحمه اللّه من ذكره كان مقبول القول وافر الحرمة قوى الجاش بحيث لا يقدر عليه سبع ولا غيره والأناة على وزن القناة وهو التثبت والوقار.

١٨

{ عالم الغيب والشهادة } خبر بعد خبر أى لا يخفى عليه خافية ( وقال الكاشفى ) ميداند آنجه ظاهر ميكنند از تصدق وانجه بنهان ميدارند دردلها از ريا واخلاص.

وقد سبق الكلام عليه فى اواخر سورة الحشر ولعل تقديم الغيب به لا بالصورة ولذا رد بلعم بن باعور

وقيل كلب اصحاب الكهف قال ابو على الدقاق قدس سره لما صرفوا ذلك الكلب ولم ينصرف أنطقه اللّه تعالى فقال لم تصرفوننى ان كان لكم ارادة فلى ايضا ارادة وان كان خلقكم فقد خلقنى ايضا فازدادوا بكلامه يقينا ولم سمعوا كلامه اتفقوا على استصحابه معهم الا انهم قالوا يستدل علينا بآثار قدمه فالحلية فحمله الاولياء على اعناقهم وهم يمشون لما ادركه من العناية الازلية وكذا لم يكن فى الملائكة اكبر قدرا ولا اجل خطرا من ابليس الا ان الحكم الازلى بشقاوته كان خفيا عن العباد فلما ظهر فيه الحكم الازلى لعنه من عرفه ومن لم يعرفه

كليد قدر نيست دردست كس ... تواناى مطلق خدايست وبس

ززنبور كرد اين حلاوت بديد ... همانكس كه در مار زهر آفريد

خدايا بغفلت شكستيم عهد ... جه زور آورد باقضا دست جهد

جه بر خيزد از دست تدبيرما ... همين نكته بس عذر تقصيرما

همه هرجه كردم توبرهم زدى ... جه قوت كندبا خداى خودى

نه من سرز حكمت بدرمى روم ... كه حكمت جنين مى رود بر سرم

وقال الحافظ الشيرازى رحمه الله

نفش مستورى ومستى نه بدست من وتست ... آنجه سلطان ازل كفت بكن آن كردم

( وقال ايضا )

درين جمن نكنم سرزنش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميد هندمى رويم

وعن عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( ما من مولود يولد الا فى شبابيك رأسه مكتوب خمس آيات من سورة التغابن ) يعنى يست هيج مولودى كه مولودمى شود مكركه در مشبكهى سرش مكتوبست بنج آيت از سوره تغابن.

والشبابيك جمع شباك بالضم كزنار مثل خفافيش وخفاش او جمع شباكة بمعنى المشبك وهو ما تداخل بعضه فى بعض وفى الحديث ( من قرأ سورة التغبان رفع عنه موت الفجاءة ) وهى بالمدمع ضم الفاء وبالقصر مع فتح الفاء البغتة دون تقدم مرض ولا سبب.

﴿ ٠