سُورَةُ الطَّلَاقِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ اثْنَتَا عَشَرَةَ آيَةً

١

{ يا ايها النبى اذا طلقتم النساء } التطليق طلاق دادن يعنى عقده نكاح راحل كردن وكشادن . قال فى المفردات اصل الطلاق التخلية من وثاق ويقال اطلقت البعير من عقاله وطلقته وهو طالق وطلق بلا قيد ومنه استعير طلقت المرأة اذا خليتها فهى طالب اى مخلاة عن حبالة النكاح انتهى والطلاق اسم بمعنى التطليق كالسلام والكلام بمعنى التسليم والتكليم وفى ذلك قالوا المستعمل فى المرأة لفظ التطليق وفى غيرها لفظ الاطلاق حتى لو قال اطلقتك لم يقع الطلاق ما لم بنوا ولو قال طلقتك وقع نوى او لم ينوى والمعنى اذا اردتم تطليق النساء المدخول بهن المعتدات بالاقرآء وعزمتم عليه بقرينة فطلقوهن فان الشئ لا يترتب على فنسه ولا يؤمر أحد بتحصيل الحاصل ففيه تنزيل المشارف للشئ فان الشئ لا يترتب على نفسه ولا يؤمر احد بتحصيل الحاصل ففيه تنزيل المشارف للشئ منزلة الشارع فيه والظهر انه من ذكر السبب وارادة المسبب وتخصيص الندآء به عليه السلام مع عموم الخطاب لأمته ايضا لتحقيق انه المخاطب حقيقة ودخول فى الخطاب بطريق استتباعه عليه السلام اياهم وتغليبه عليهم ففيه تغليب المخاطب على الغائب والمعنى اذا طلقت انت وامتك وفى الكشاف خص النبى بالندآء وعم بالخطاب لان النبى امام امته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم يا فلان افعلوا كيت وكيت اظهار التقدمه واعتبار لترؤسه وانه لسان قومه فكأنه هو وحده فى حكم كلهم لصدورهم عن رأيه كما قال البقلى اذا خاطب السيد بان شرفه على الجمهور اذ جمع الجميع فى اسمه ففيه اشارة الى سر الاتحاد وفى كشف السرار فيه اربعة اقوال احدها انه خطاب للرسول وذكر بلفظ الجمع تعظيما كما يخاطب الملوك بلفظ الجمع والثانى انه خطاب له والمراد امته والثالث ان التقدير يا أيها النبى والمؤمنون اذا طلقتم فحذف لان الحكم يدل عليه والرابع معناه يا أيها النبى قل للمؤمنين اذا طلقتم انتهى.

يقول الفقير هذا الاخير انسب بالمقام فيكون مثل قوله يا أيها النبى قل لازواجك قل للمؤمنين قل للمؤمنات ولان النبى عليه السلام وان كان اصيلا فى المأمورات كما ان امته اصيل فى المنهيات الا ان الطلاق لما كان ابغض المباحات الى اللّه تعالى كما سيجيئ كان الاولى أن يسند التطليق الى امته دونه عليه السلام مع انه عليه السلام قد صدر منه التطليق فانه طلق حفصة بنت عمر رضى اللّه عنهما واحدة فلما نزلت الآية راجعها وكانت علامة كثرة الحديث قريبا منزلتها من منزلة عائشة رضى اللّه عنهما فقيل له عليه السلام راجعها فانها صوامة قوامة وانها من نسأئك فى الجنة حكاه الطبرى وفى الحديث بيان فضل العلم وحفظ الحديث ومحبة اللّه الصيام والقيام وكرامة اهلهما عنده تعالى.

وآورده اندكه عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما زن خودرا درحال حيض طلاق اد حضرت رسالت فرمود تارجوع كندو آنكاه كه از حيض باك شود اكرخواهد طلاق دهدو درين باب آيت آمد . والقول الاول هو الامثل والاصح فيه انه بيان لشرع مبتدأ كما فى حواشى سعدى المفتى

{ فطلقوهن لعدتهن } العدة مصدر عده يعده وسئل رسول اللّه عليه السلام متى تكون القيامة قال ( اذا تكاملت العدتان ) اى عدة اهل الجنة وعدة اهل النار اى عددهم وسمى الزمان الذى تتربص فيه المرأة عقيب الطلاق او الموت عدة لانها تعد الايام المضروبة عليها وتنتظرأ وان الفرج الموعود لها كما فى الاختيار والمعنى فطلقوهن مستقبلات لعدتهن متوجهات اليها وهى الحيض عند الحنفية فاللام متعلقة بمحذوف دل عليه معنى الكلام والمرأة اذا طلقت فى طهر يعقب القرء الاولى من اقرآئها فقد طلقت مستقبلة عدتها والمراد أن يطلقن فى طهر لم يقع فيه جماع ثم يخلين حتى تنقضى عدتهن وهذا احسن الطلاق وأدخله فى السنة وابعده من الندم لانه ربما ندم فى ارسال الثلاث دفعة فالطلاق السنى هو ان يكون فى طهر لم يجامعها فيه وان يرفق الثلاث فى الاطهار الثلاثة وأن يطلقها حاملا فانها اذا على طهر ممتد فتطليقها حلال وعلى وجه السنة والبدعى على وجوه ايضا منها أن يكون فى طهر جامع فيه لما فيه من تطلويل العدة ايضا على قول من يجعل العدة بالاطهار وهو الشافعى حيث ان بقية الطهر لا تحتسب من العدة ومنها ما كان فى الحيض او النفاس لما فيه من تطيل العدة ايضا على قول من يجعل العدة بالحيض وهو ابو حنيفة رحمه اللّه لان بقية الحيض لا تحتسب الا أن مما لا يلزمها العدة بالقرآء فان طلاقها لا يتقيد بزمان دون زمان ومنها ما كان بجمع الثلاث اى ان يطلقها ثلاثا دفعة او فى طهر واحدة متفرقة ويقع الطلاق المخالف للسنة فى قول عامة الفقهاء وهو مسيئ بل آثم ولذا كان عمر رضى اللّه عنه لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا الا اوجعه ضربا وطلق رجل امرأته ثلاثا بين يديه عليه السلام فقال ( اتلعبون بكتاب اللّه وانا بين اظهركم ) اى مقيم بينكم وفيه اشارة الى ان ترك الأدب فى حضور الاكابر افحش ينبغى أن يصفع صاحبه اشد الصفع وقال الشافعى اللام فى لعدتهن متعلقة بطلقوهن لانها للتوقيت بمعنى عند أوفى فيكون المعنى فى الوقت الذى يصلح لعدتهن وهو الطهر وقال ابو حنيفة رحمه اللّه الطلاق فى الحيض ممنوع بالاجماع فلا يمكن جعلها للتوقيت فان قلت قوله اذا طلقتم النساء عام يتناول المدخول بهن وغير المدخول بهن من ذوات الاقرآء واليائسات والصغائر والحوامل فكيف صح تخصيصه بذوات الاقرآء المدخول بهن قلت لا عموم ثمة ولا خصوص ولكن النساء اسم جنس للاناث من الانس وهذه الجنسية معنى قائم فى كلهن وفى بعضهن فجاز أل يراد بالنساء هذا وذاك فلما قيل فطلقوهن لعدتهن علم انه اطلق على بعضهن وهن المدخول بهن من المعتدات بالحيض فان قلت الطلاق موقوف على النكاح سابقا او لاحقا والنكاح موقوف على الرضى من المنكوحة او من وليها فيلزم أن يكون الطلاق موقوفا على الرضى بالنكاح وهو واقع غير باطل لا موقوفا على الرضى نفسه الى هو الباطل الغير الواقع فتكفر.

واعلم ان النكاح والطلاق امران شرعيان من الامور الشرعية العادية لهما حسن موقع وقبح موقع بحسب الاحوال والاوقات وقد طلق عليه السلام حفصة رضى اللّه عنه تطليقة واحدة رجعية كما سبق وكذا تزوج سودة بنت زمعة بمكة بعد موت خديجة رضى اللّه عنها وقبل العقد على عائشة رضى اللّه عنها ثم طلقها بالمدينة حين دخل عليها وهى تبكى على من قتل من اقاربها يوم بدر فاستشفعت الى النبى عليه السلام ووهبت يومها لعائشة فراجعها فان قلت كيف فعل رسول اللّه ذلك وقد قال ( ابغض الحلال الى اللّه الطلاق ) وقال عليه السلام ( يا معاذ ما خلق اللّه شيأ على وجه الارض احب اليه من العتاق خلق اللّه شيأ ابغض اليه من الطلاق ) وذلك لان النكاح يؤدى الى الوصال والطلاق يؤدى الى الفراق واللّه يحب الوصال ويبغض الفراض لا شمس ليوم الفراق ولا ا لليلة القطيعة.

رابعه عدويه كفته كه كفر طعم فراق دارد وايمان لذت وصال.

وقس عليه الانكار والاقراره وآن طعم واين لذت فرادى قيامت بديد آيدكه دران صحراى هببت وعرصه سياست قومى را كويند فراق لا وصال وقمى راكويند وصال لا نهاية له

سوختكان فراق همى كويند ... فراق او ززمانى هزار روز آرد

بلاى اوزشبى هم هزار سال كند ... افروختكان وصال همى كويند

سرابرده وصلت كشيد روزنواخت ... بطبل رحلت برزد فراق يار دوال

وفى الحديث ( تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز منه العرش ) وعنه عليه السلام ( لا تطلقوا النساء الا من ريبة فان اللّه لا يحب الذواقين والذواقات ) وعنه عليه السلام ( ايما امرأة سألت زوجها طلاقا فى غير ما باس فحرام عليها رآئحة الجنة ) قلت يحتمل أن يكون فى ذلك حكمة لا نطلع عيلها بعد ان علمنا انه عليه السلام نبى حق لا يصدر منه ما هو خلاف الحق وقد دل الحديث الآخر ان النهى انما يكون عما لاوجه فيه وأن يكون لاظهار جواز الطلاق والرجعة منه كما وجهوا بذلك ما وقع من غلبة النوم عليه وعلى اصحابه ليلة التعريس الى أن طلعت الشمس وارتفعت بمقدار فان بذلك علم شرعية القضاء وأن يصلى بالجماعة وأن يصدر منه عليه السلام الاحاديث المذكورة بعد ما وقع قضية حفصة وسودة رضى اللّه عنهما وان يكون من قبيل ترك الاولى وقد جوزوا ذلك للانبياء عليهم السلام فان قلت لعل ما فعله اولى من وجه وان كان ما امر اللّه به اولى من وجه آخر قلت لا شك ان ما امر اللّه به كان ارجح وترك الارجح ترك الاولى هذا ولعل ارجحية المراجعة فى وقت لا تقتضى ارجحية ترك الطلاق على فعله فى وقت آخر لان فى كل وقت احتمال ارجحية امر اللّه اعلم.

يقول الفقير امده اللّه القدير ان النبى عليه السلام كان قد حبب اليه النساء لما يحب فى النكاح من ذوق القربة والوصلة فالنكاح اشارة الى مقام الجمع الذى هو مقام الاولوية كما دل عليه قوله عليه السلام ( أرحمنى يا بلال ) والطلاق اشارة الى مقام الفرق الذى هو مقام النبوة كما دل قوله عليه السلام ( كلمينى يا حميرآء ) فالاول وصل الفصل والثانى فصل الوصل وان كان عليه السلام قد جمع بين الفصل والوصل والفرق والجمع فى مقام واحد وهو جمع الجمع كما دل عليه قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك

{ واحصوا العدة } الاحصاء دانستن وشمردن برسبيل استقصاء . اى واضبطوها بحفظ الوقت الذى وقع فيه الطلاق واكملوها ثلاثة اقرآء كوامل لا نقصان فيهن اى ثلاث حيض كما عند الحنفية لان الغرض من العدة استبرآء الرحم وكماله بالحيض الثلاث لا بالاطهار كما يغسل الشئ ثلاث مرات لكمال الطهارة والمخاطب بالاحصاءهم الازواج لا الزوجات ولا المسلمون ولا يلزم تفكيك الضمائر ولكن الزوجات داخلة فيه بالالحاق وقال ابو الليث امرالرجال بحفظ العدة لان فى النساء غفلة فربما لا تحفظ عدتها واليه مال الشفى حيث قال وشمار كنيد اى مردان عدت زنانرا كه ايشان ازضبط عاجزند يا ازا حصاى آن غافل . فالزوج يحصى ليتمكن من تفريق الطلاق على الاقرآء اذا أراد أن يطلق ثلاثا فان ارسال الثلاث فى طهر واحد مكروه عن أبى حنيفة واصحابه وان كان لا بأس به عند الشافعى وأتباعه حيث قال لا اعرف فى عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح وليعلم بقاء زمان الرجعة ليراجع ان حدثت له الرغبه فيها وليعلم زمان وجوب الانفاق عليه وانقضائه وليعلم انها هل تستحق عليه أن يسكنها فى البيت اوله أن يخرجها وليتمكن من الحاق نسب ولدها به وقطعه عنه قالوا وعلى الرجال فى بعض المواضع العدة ( منها انه اذا كان للرجل اربع نسة فطلق احداهن لا يحل له أن يتزووج بامرأة اخرى ما لم تنقض عدتها ومنها انه اذا كان له امرأة ولها اخت فطلق امرأته لا يحل له أن يتزوج باختها ما دامت فى العدة ) ومنها انه اذا اشترى جارية لا يحل له أن يقربها ما لم يستبرئها بحيضة ( ومنها انه ان تزوج حربية لا يحل له أن يقربها ما لم يتبرئها بحيضة ومنها انه اذا بلغ المرأة وفاة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت ثم جاء زوجها الاول فهى امرأته لانها كانت منكوحته ولم يعترض شئ من اسباب الفرقة فبقيت على النكاح السابق ولكن لا يقربها حتى تنقضى عدتها من النكاح الثانى ووجوب العدة لا يتوقف على صحة النكاح اذا وقع الدخول بل تجب العدة فى صورة النكاح الفاسد ايضا على تقدير الدخول ) ومنها انه اذا تزوج حربية مهاجرة الى دارا بأمان وتركت زوجها فى دار الحرب فلا تحل له ما لم يستبرئها بحيضة عند الامامين وقال ابو حنيفة لا يجب عليه العدة ( ومنها انه اذا تزوج امرأة حاملا لا يحل له ان يطأها حتى تضع الحمل ) ومنها انه اذا تزوج بامرأة وهى حائض لا يحل له ان يقربها حتى تتطهر من حيضها ومنها انه اذا تزوج بامرأة نفساء لا يحل له ان يقربها حتى تتطهر من نفساها ومنها انه اذا زنى بامرأة ثم تزوجها لا يحل له ان يقربها ما لم يستبرئها بحيضة

{ واتقوا اللّه ربكم } فى تطويل العدة عليهن والاضرار بهن بايقاع طلاق ثان بعد الرجعة فالامر بالتقوى متعلق بما قبله وفى وصفه تعالى بربوبيته لهم تأكيد للامر ومبالغة فى ايجاب الاتقاء والتقوى فى الاصل اتخاذ الوقاية وهى ما يقى الانسان مما يكرهه ويؤمل ان يحفظه ويحول بينه وبين ذلك المكروه كالترس ونحوه ثم استعير فى الشرع لاتخاذ ما يقى العبد بوعد اللّه ولطفه من قهره ويكون سببا لنجاته من المضار الدآئمة وحياته بالمنافع القائمة وللتقوى فضائل كثيرة ومن اتقى اللّه حق تقواه فى جميع المراتب كوشف بحقائق البيان فلا يقع له فى الاشياء شك ولا ريب

{ لا تخرجوهن } بيرون كنيد زنان مطلقه

{ من بيوتهن } من مساكنهن التى يسكنها قبل العدة اى لا تخرجوهن من مساكنكم عند الفراق الى ان تنقضى عدتهن وانما اضيفت اليهن مع انها لا زواجهن لتأكيد النهى ببيان كمال استحقاقهن لسكناها كأنها املاكهن وفى ذكر البيوت دون الدار اشارة الى ان اللازم على الزوج فى سكناهن ما تحصل المعيشة فيه لان الدار ما يشتمل البيوت

{ ولا يخرجن } ولو باذن منكم فان الاذن بالخروج فى حكم الاخراج ولا اثر عندنا لاتفاقهما على الانتقال لان وجوب ملازمة مسكن الفراق حق الشرع ولا يسقط باسقاط العبد كما قال فى الكشاف فان قلت ما معنى الاخراج وخروجهن قلت معنى الاخراج اى لا يخرجهن البعولة غضبا عليهن وكراهة لمساكنتهن او لحاجة لهم الى المساكن وان لا يأذنوا فهن فى الخروج اذا طلبن ذلك ايذانا بأن اذنهم لا اثر له فى دفع الحظر ولا يخرجن بأنفسهن ان اردن ذلك انتهى فان خرجت المعتدة لغير ضرورة او حاجة اثمت فان وقعت ضرورة بأن خافت هدما او حرقا لها ان تخرج الى منزل آخر وذكل ان كانت لها حاجة من بيع غزل او شرآء قطن فيجوز لها الخروج نهارا لا ليلا كما فى كشف الاسرار

{ الا ان يأتين بفاحشة مبينة } اى الزنى فيخرجن لاقامة الحد عليهن ثم يعدن وبالفارسية مكر بيارند كردار ناخوش كه روشن كننده حالزنان بود دربد كردارى.

وقال بعضهم مبينة هنا بالكسر لازم بمعنى بين متبينة كمين من الابانة بمعنى بين والفاحشة ما عظم قبحه من الافعال والاقوال وهو الزنى فى هذا المقام

وقيل البذآء بالمد وهو القول القبيح واطالة اللسان فانه فى حكم النشور فى اسقاط حقهن فالمعنى الا ان يبذون على الازواج واقاربهم كالأب والأخ فيحل حينئذ اخراجهن وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما هو كل معصية وهو استثناء من الاول اى لا تخرجوهن فى حال من الاحوا لالا حال كونهن آتيان بفاحشة او من الثانى للمبالغة فى النهى عن الخروج ببيان ان خروجها فاحشة اى لا يخرجن الا اذا ارتكبن الفاحشة بالخروج يعنى ان من خرجت اتت بفاحشة كما يقال لا تكذب لا ان تكون فاسقا يعنى ان تكذب تكن فاسقا

{ وتلك } الاحكام

{ حدود اللّه } الى عينها لعباده والحد الحاجز بين الشيئين الذى يمنع اختلاط احدهما بالآخر

{ ومن يتعد } اصله يتعدى فحذفت اللام بمن الشرطية وهو من التعدى المتعدى بمعنى التجاوز أى ومن يتجاوز

{ حدود اللّه } حدوده المذكورة بأن أخل بشئ منها على ان الاظهار فى حيز الاضمار لتهويل امر التعدى والاشعار بعلية الحكم فى قوله تعالى

{ فقد ظلم نفسه } اى اضربها قال البقلى قدس سره ان اللّه حد الحدود بأوامره ونواهيه لنجاة سلاكها فاذا تجاوزوا عن حدوده يسقطون عن طريق الحق ويضلون فى ظلمات البعد وهذا اعظم الظلم على النفوس اذ منعوها من وصولها الى الدرجات والقبى

قال بعضهم التهاون بالامر من قلة المعرفة بالآمر فلا بد من الخوف او الرجاء او الحياء او العصمة فى علم اللّه فهى اسباب اربعة لا خامس لها حافظة من الوقوع فيما لا ينبغى فمن ليس له واحد من هذه الاسباب وقد وقع فى المعصية وظلم النفس فالكامل يعطى نفسه حقها ظاهرا وباطنا ولا يظلمها ( حكى ) ان معروف الكرخى قدس سره رأى جارية من الحور العين فقال لمن انت يا جارية فقالت لمن لا يشرب الماء المبرد فى الكيزان وكان قد برد له كوز ماء لشريه فتناولت الحورآء الكوز فضربت به الارض فكسرته قال السرى السقطى رحمه اللّه ولقد رأيت قطعه فى الارض لم ترفع حتى عفا عليها التراب فكانت الحورآء لمعروف حين امتنع من شرب الماء المبرد وكانت جزآء له فى اعطائه نفسه حقها فان فى جسده من يطلب ضد الجارية ونحوها فلا بد من اعطاء كل ذى حق حقه

لا تدرى تعليل لمضمون الشرطية اى فانك ايها المتعدى لا تدرى عاقبة الامر وقال بعضهم لا تدرى نفس { لعل اللّه } شايد خدى تعالى

{ يحدث } يوجد فى قلبك فان القلوب بين اصبعين من اصابع اللّه يقلبها كيف يشاء والحدوث كون الشئ بعد ان لم يكن عرضا كان ذلك او جوهرا او احداثه ايجاده

{ بعد ذلك } الذى فعلت من التعدى

{ امرا } يقتضى خلاف ما فعلته فيبدل ببغضها محبة وبالاعراض عنها اقبالا اليها ولا يتسنى تلافيه برجعة او استئناف نكاح فالامر الذى يحدث اللّه تعالى ان يقلب قلبه عما فعله بالتعدى الى خلافه فالظلم عبارة عن ضرر دنيوى يلحقه بسبب تعديه ولا يمكن تداركه او عن مطلق الضرر الشامل للدنيوى والاخروى ويخص التعليل بالدنيوى ليكون احتراز الناس منه اشد واهتمامهم بدفعه اقوى وفى الآية دلالة على كراهة التطليق ثلاثة بمرة واحدة لان احداث الرجعة لا يكون بعد الثلاث ففى الثلاث عون للشيطان وفى تركها رغم له فان الطلاق من اهم مقاصده كما روى مسلم من حديث جابر رضى اللّه عنه قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول

( ان عرش ابليس على البحر فيبعث سراياه ) اى جنوده واعوانه من الشياطين ( فيفتنون الناس فاظمهم عنده الاعظم فتنة يجيئ احدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيأ ثم يجيئ احدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدينه منه ويقول نعم انت اى نعم المضل او الشرير ) انت فيكون نعم بكسر النون فعل مدح حذفا لمخصوص به او نعم انت ذاك الذى يستحق الاكرام فيكون بفتح النون حرف ايجاب.

٢

{ فاذا بلغن } بس جون برسدزنان

{ اجلهن } اى شارفن آخر عدتهن وهى مضى ثلاث حيض ولو لم تغتسل من الحيضة الثالثة وذلك لانه لا يمكن الرجعة بعد بلوغهن آخر العدة فحمل البلوغ على المشارفة كما قال فى المفردات البلوغ والبلاغ الانتهاء الى اقصى القصد والمبتغى مكانا كان او زمانا او أمرا من الامور المقدرة وربما يعبر به عن المشارفة عليه وان لم ينته اليه مثل فاذا بلغن الخ فانه للمشارفة فانها اذا انتهت الى اقصى الاجل لا يصح للزوج مراجعتها وامساكها والاجل المدة المضروبة للشئ

{ فأمسكوهن } اى فأنتم بالخيار فان شئتم فراجعوهن والرجعة عند ابى حنيفة تحصل بالقول وكذا بالوطئ واللمس والنظر الى الفرج بشهودة فيهما

{ بمعروف } بحسن معاشرة وانفاق لائق وفى الحديث ( اكمل المؤمنين احسنهم حلقا وألطفهم بأهله ) ( او فارقوهن ) يا جدا شويد از ايشان وبكذاريد

{ بمعروف } بايفاء الحق واتقاء الضرار بأن يراجعها ثم يطلقها تطويلا للعدة

{ وأشهدوا } كواه كيريد.

اى عند الرجعة والفرقة قطعا للتنازع اذ قد تنكر المرأة بعد انقضاء العدة رجعته فيما وربما يموت احدهما بعد الفرقة فيدعى الباقى منهما ثبوت الزوجية لاخذ الميراث وهذا امر ندب لا وجوب

{ ذوى عدل } تثنية ذا منصوب ذو بمعنى الصاحب اى أشهدوا اثنين رمنكمؤ اى من المسلمين كما قال الحسن او من احراركم كما قاله قتادة يكونان عادلين لا ظالمين ولا فاسقين والعدالة هى الاجتناب عن الكبائر كلها وعدم الاصرار على الصغائر وغلبة الحسنات على السيئات والالمام من غير اصرار لا يقدح فى العدالة اذ لا يوجد من البشر من هو معصوم سوى الانبياء عليهم السلام كذا فى الفروع

{ واقيموا الشهادة } ايها الشهود عند الحاجة خالصة

{ لله } تعالى وذلك ان يقيموها للمشهود له وعليه الغراض من الاغراض سوى اقامة الحق ودفع الظلم فلو شهد لغرض لا لله برئ بها من وبال كتم الشهادة لكن لا يثاب عليها لان الاعمال بالنبيات والحاصل ان الشهادة امانة فلا بد من تأدية الامانة كما قال تعالى ان اللّه يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى اهلها فلو كتمها فقد خان والخيانة من الكبائر دل عليه قوله تعالى ومن يكتمها فانه آثم قلبه

{ ذلكم } اشارة الى الحث على الشهادة والاقامة او على جميع ما فى الآية من ايقاع الطلاق على وجه السنة واحصاء العدة والكف عن الاخراج والخروج والاشهاد واقامة الشهادة بادآئها على وجهها من غير تبديل وتغيير

{ يوعظ به } الوعظ زجر يقترن بتخويف

{ من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر } اذ هو المنتفع به والمقصود تذكيره ولم يقل ذلكم توعظون به كما فى سورة المجادلة لتهييج المؤمنين على الغيرة فان من لا غيرة له لا دين له ومن مقتضى الايمان باللّه مراعاة حقوق المعبودية والربوبية وباليوم الآخر الخوف من الحساب والعذب والرجاء للفضل والثواب فالمؤمن بهما يستحيى من الخالق والخلق فلا يترك العمل بما وعظ به ودلت الآية على ان للانسان يومين اليوم الاول هو يوم الدنيا واليوم الآخر هو يوم الآخرة واليوم عرفا زمان طلوع الشمس الى غروبها وشرعا زمان طلوع الفجر الثانى الى غروب الشمس وهذان المعنيان ليسا بمرادين هنا وهو ظاهر فيكون المراد مطلق الزمان ليلا او نهارا طويلا كان او قصيرا وذلك الزمان اما محدود وهو زمان الدنيا المراد باليوم الاول او غير محدود وهو زمان الآخرة المراد باليوم الآخر الذى لا آخر له لتأخيره عن يوم الدنيا وجوزوا ان يكون المراد من اليوم الآخر ما يكون محدود ايضا من وقت النشور الى ان يستقر الفريقان مقرهما من الجنة والنار فعلى هذا يمكن ان يكونا مستعارين من اليومين المحدودين بالطلوع والغروب اللذين بينهما زمان نوم ورقدة ويراد بما بين ذينك الزمانين زمان القرار فى القبول قبل النشور كما قال تعالى حكاية من بعثنا من مرقدنا وعلى هذا يقال ليوم الآخرة عند كما مر فى اواخر سورة الحشر قال بعض الكبارعلمك باليقظة بعد النوم وعلمك بالبعث بعد الموت والبرزخ واحد غير ان للبرزخ بالجسم تعلقا فى النوم لا يكون بالموت وكما تستيقظ على ما نمت عليه كذلك تبعث على ما مت عليه فهو امر مستقر فالعاقل يسعى فى اليوم المنقطع اليوم لا ينقطع ويحيى على الايمان والعمل ليكون موته ونشره عليهما

{ ومن يتق اللّه } فى طلاق البدعة فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فى الاشهاد وغيره من الامور

{ يجعل له مخرجا } مصدر ميمى اى خروجا وخلاصا مما عسى يقع فى شأن الازواج من الغموم والوقوع فى المضايق ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب وبالفارسية بيرون شدن.

وقال بعضهم هو عام اى ومن يتق اللّه فى كل ما يأتى وما يذر يجعل له خروجا من كل ضيق يشوش البال ويكدر الحال وخلاصا من غموم الدنيا والآخرة فيندرج فيه ما نحن فيه اندراجا وليا وعن النبى عليه السلام انه قرأها فقال ( مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدآئد يوم القيامة ) وفى الجلالين ( من الشدة الى الرخاء ومن الحرام الى الحلال ومن النار الى الجنة ) او اسم مكان بمعنى يخرجه الى مكان يستريح فيه وفى فتح الرحمن يجعل له مخرجا الى الرجعة وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه سئل عمن طلق امرأته ثلاثا او ألفا هل له من مخرج فقال لم يتق اللّه فلم يجعل له مخرجا بانت منه بثلاث والزيادة اثم فى عنقه ويقال المخرج على وجهين احدهما ان يخرجه من تلك الشدة والثانى ان يكرمه بالرضى والصبر فانه من قبيل العافية ايضا كما قال عليه السلام

( واسأل اللّه العافية من كل بلية ) فالعافية على وجهين احدهما ان يسأله أن يعافيه من كل شئ فيه شدة فان الشدة انما يحل اكثرها من اجل الذنوب فكأنه سأل ان يعافيه من البلاء ويعفو عنه الذنوب التى من اجلها تخل الشدة بالنفس والثانى انه اذا حل بلاء ان لا يكله الى نفسه ولا يخذله وان يكلأه ويرعاه وفى هذه المرتبة يصبر البلاء ولاء والمحنة منحة والمقت مقة والألم لذة والصبر شكرا ولا يتحقق بها الا الكمل.

٣

{ ويزرقه } بعد ذلك الجعل

{ من حيث لا يحتسب } من ابتدآئيه متعلقة بيرزقه اى من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه فيوفى المهر ويؤدى الحقوق ويعطى النفقات قال فى عين المعانى من حيث لا يرتقب من الخاون او يعتد من الحساب

از سببها بكذر وتقوى طلب ... تاخدا روزى رساند بى سبب

حق رجابى بحشدت رزق حلال ... كه نباشد در كمان ودر خيال

وقال عليه السلم ( انى لاعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق اللّه ) فما زال يقرأها ويعيدها وعنه عليه السلام من اكثر الاستغفار جعل اللّه له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ( وروى ) ان عوف بن مالك الاشجعى رحمه اللّه اسر المشركون انه سالما فأتى رسول اللّه فقال اسر ابنى وشكا اليه الفاقة فقال عليه السلام اتق اللّه واكثر لا حول ولا قوة الا باللّه العلى العظيم ففعل فبينما هو فى بيته اذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الابل غفل عنها العدو فاستقاها فنزلت ( وقال الكاشفى ) عوف بازن خود بقول حضرت عليه السلام عم نمودند ابدك فرصتى رابسر عوف ازاهل شرك خلاص يافته وجهار هزار كوسفند ايشانرا رانده بسلامت بمدينه آمد واين آيت نزل شدكه هركه تقوى ورزد روزى حلال يابد.

وفى عين المعانى فأفلت ابنه بأربعة آلاف شاة وبالامتعة وفى الجلالين واصاب ابلا لهم وغنما فساقها الى ابيه.

آورده اندكه درروز كار خلافت عمر رضى اللّه عنه مردى بيامد وازعمر توليت عمل خواست تادر ديوان خلافت عاملباشد عمر كفت قرآن دانى كفت ندانم كه نيا موخته ام عمر كفت ما عمل بكسى ندهيم كه قرآن نداند مردباز كشت وجهدى وربح عظيم برخود نهاد در تعلم قرآن بطمع آنكه عمر اورا عمل دهد جون قرآن بيا موخت ويدد كرفت بركات قرآن وخواندن ودانستن اورا بدان جاى رسانيدكه دردل وى نه حرص ولايت ماندنه تقاضاى دبدار عمر بس روزى عمر اورا ديد كفت يا هذا هجرتنا اى جوانمرد جه افتاد كه بيكبار كى هجرت ما اختيار كردى كفت يا امير المؤمنين نونه اران مردان باشى كه كسى وادارد كه هجرت تواخيار كند ليكن قرآنبياموختم وجنان توانكردل كشتم كه از خلق واز عمل بى نياز شدم عمر كفت آن كدام آيت است كه ترابدن دركاه بى نيازى دركشيد كفت آن آيت كه درسورة الطلاق است

{ ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب } وعلم ان كل واحد من الضيق والرزق يكون دنيويا واخرويا جسمانيا وروحانيا وان أعسر الضيق ما يكون اخرويا واوفر الرزق ما يكون روحانيا فمن يتق اللّه حق التقوى يجعل له مخرجا من مضار الدارين ويرزقه من منافعهما فان قيل أن أتقى الاتقياء هم الانبياء والاولياء مع ان اكثرهم ابتلى بالمشقة الشديدة والفاقة المديدة كما قال عليه السلام

( اشد الناس بلاء الانبياء والاولياء ثم الامثل فالامثل ) اجيب بأن اشد الشدة وامد المدة ما يكون خرويا وهم مأمونون من ذلك بلطف اللّه وكرمه الا ان اولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

واما ما ما اصابهم فى الدنيا باختيارهم للأجر الجليل وبغير اختبار للصبر الجميل فله غاية حميدة ومنفعة عظيمة واللّه عليم حكيم بفعل ما يشاء ويحكم ما يريد

قال بعضهم شكا اليه عيله السلام بعض الصحابة الفاقة فقول عليه السلام ( دم على الطهارة يوسع عليك الرزق ) فقال كم من مستديم للطهارة لا رتب له كفايته فضلا عن أن يوسع عليه ويوحه بأن تخلف الأ كالتوسيع مثل لمانع لا ينافى الاقتضاء اى اقتضاء العلة لمعلولها واثرها اما عند القائلين بتخصيص العلة فظاهر

واما عند غيرهم فيجعل عدم المانع جزء العلة ومن المانع الغفلة وغلبة بعض الجنايات وعند غلبة احد الضدين لا يبقى للآخر تأثير.

يقول الفقير والذى يقع فى قلبى ان اصحاب الطهارة الدآئمة مرزوقون بأنواع ارزق المعنوى والغذآه الروحانى من العلوم والمعارف والحكم والحقائق والتضييق لبعضهم فى الرزق الصورى والغذآء الجسمانى انما هو لتطبيق الفقر الظاهر بالباطن والفقر الباطن هو الغنى المطلق لقوله عليه السلام اللهم أغنى بالافتقار اليك فأصحاب الطهارة الدآئمة مرزوقون ابدا اما ظاهرا وباطنا معا

واما باطنا فقط على ان لاهلها مراتب من حيث البداية والنهاية ولن ترى من اهل النهاية محروما من الرزق مطلقا الا نادرا واللّه الغنى وفى التأويلات النجمية ومن يتق اللّه اى يجعل ذاته الملطقة جنة ذاته وصفاته وافعاله تعالى جنة افعاله باضافة الاشياء كلها خلقا وايجادا الى ذاته وصفاته وافعاله يجعل له مخرجا من مضايق ذاته وصفاته وافعاله الى وسائع ذاته وصفاته وافعاله ويرزقه من حيث لا يحتسب من فيض اسمه الوهاب على طريق الوهب لا على طريق الكسب والاجتهاد

{ ومن يتوكل على اللّه } التوكل سكون القلب فى كل موجود ومفقود وقطع القلب عن كل علاقة والتعلق باللّه فى جميع الاحوال

{ فهو } اى اللّه تعالى

{ حسبه } بمعنى محسب اى كاف يعنى كافى المتوكل فى جميع اموره ومعطيه حتى يقول حسبى فان قلت اذا كان حكم اللّه فى الرزق لا يتغير فما معنى التوكل قلت معناه ان المتوكل يكون فارغ القلب ساكن الجاش غير كاره لحكم اللّه فلهذا كان التوكل محمدوا قال عليه السلام ( لو أنكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا )

ومعناه تذهب اول النهار خماصا اى ضامرة البطون من الجوع وترجع آخر النهار بطانا اى ممتلئة البطون وليس فى الحديث دلالة على القعود على الكسب بل فيه ما يدل على طلب الرزق وهو قوله تغدو تروح وانما التوكل بعد الحركة فى امر المعاش كتوكل الزارع بعد القاء الحب فى الارض وكان السلف يقولون اتجرون واكتسبو فانكم فى زمان اذا احتاج احدكم كان اول ما يأكل دينه وربما رأوا رجلا فى جماعة جنازة فقالوا له اذهب الى دكانك ( وفى المثنوى )

كر توكل ميكنى دركاركن ... كشت كن بس تكيه بر جباركن

رزمز الكاسب حبيب اللّه شنو ... از توكل درسبب كاهل مشو

واما الذين قعدوا عن الحركة والكسب وهم الكمل فطريقتهم صعبة لا يسلكها كل ضامر فى الدين ودل الحديث المذكور على ان التوكل الحقيقى ان لا يرجع المتوكل الى رزق معين وغذآء موظف كالطير حتى لا ينتقض التوكل اللهم الا ان يكون من الكمل فان المعين وغيره سوآء عنده لتعلق قلوبهم باللّه لا بغيره وفى التأويلات النجمية ومن يتوكل فى رزق نفسه من الاحكام الشرعية وفى رزق قلبه من الواردات القلبية وفى رزق روحه من العطايا والمنح الالهية الروحانية فاللّه الاسم الاعظم حسبه من حيث الاسماء الكافية او التوكل نفسه حسبه فيكون الضمير راجعا الى التوكل

{ ان اللّه بالغ امره } بالاضافة اى منفذ امره ومتم مراده وممضى قضائه فى خلقه فيمن توكل عليه وفيمن لم يتوكل عليه الا ان من توكل عليه يكفر عنه شيئاته ويعظم له اجرا وفى التأويلات النجمية ان اللّه بالغ امره فى كل مأمور بما هو منتهاه واقصاه وقرئ بتنوين بالغ ونصب امره اى يبلغ ما يريد ولا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب ( كما قال الكاشفى ) رساننده است كار خودرا بهر جاخواهد يعنى آنجه مراد حق سبحانه باشد از وفوت نشود.

وقرئ بالغ امره على الفاعلية اى نافذ امره وفى القاموس امر اللّه بلغ اى بالغ نافذ يبلغ اين اريد به

{ قد جعل اللّه لكل شئ } من الشدة والرخاء والفقر والغنى والموت والحياة ونحو ذلك

{ قدرا } اى تقديرا متعلقا بنفس ذاته وبزمانه وقومه وبجميع كيفياته واوصافه وانه بالغ ذلك المقدر على حب ما قدره وبالفارسية اندازه كه ازان درنكذرداو.

مقدارا وحدا معينا او وقتا واجلا ونهاية ينتهى اليه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ولا يتأتى تغييره يعنى بامقدارى از زمانكه بيش وبس نيقتد وفى التأويلات النجمية اى رتبة وكما لا يليق بذلك الشئ وقال القاشانى ومن يتوكل على اللّه بقطع النظر عن الوسائط والانقطاع اليه من الوسائل فهو كافيه يوصل اليه ما قدر له ويسوق اليه ما قسم لاجله من انصبة الدنيا والآخرة ان اللّه يبلغ ما أراد من امره لا مانع له ولا عائق فمن تيقن ذلك ما خاف احدا ولا رجا وفوض امره اليه ونجا قد عين اللّه لكل امر حدا معينا ووقتا معينا فى الازل لا يزيد بسعى ساع ولا ينتقص بمنع مانع وتقصير مقصر ولا يتأخر عن وقته ولا يتقدم عليه والمتيقن لهذا الشاهد له متوكل بالحقيقة انتهى وفى المفردات تقدير اللّه الاشياء على وجهين احدهما باعطاء القدرة والثانى أن يجعلها علىت مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة وذلك ان فعل اللّه ضربان ضرب اوجده بالفعل ومعنى ايجاده بالفعل انه ابدعه كاملا دفعة لا يعتريه الكون والفساد الى ان يشاء ان يغنيه او يبدله كالسموات وما فى فيها ومنه ما جعل اصوله موجودة بالفعل واجزائه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى غير ما قدر فيه كتقديره فى النواة ان ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون وتقدير منى الآدمى ان يكون منه الانسان دون سائر الحيوان فتقدير اللّه على وجهين احدهما بالحكم منه ان يكون كذا ولا يكون كذا اما على سبيل الوجوب

واما على سبيل الامكان وعلى ذلك قوله تعالى قد جعل اللّه لك شئ قدرا والثانى باعطاء القدرة عليه انتهى والآية بيان لوجوب التوكل عليه وتفويض الامر اليه لانه اذا علم ان كل شئ من الرزق وغيره لا يكون الا بتقدير اللّه وتوقيته لا يبقى الا التسليم للقدر والتوكل ( قال الكاشفى ) بناى اين آيت برتقوى وتوكلست تقوى نفحه بوستان قربست واز رتبه معيت خبر دهدكه ان اللّه مع الذين اتقوا وتوكل رائحه كلزار كفايتست واز بوى ريحان محبت رسدكه ان اللّه يحب المتوكلين وبى اين دوصفت قدم در طريق تحقيق نتوان نهاد

سلوك راه معنى راتوكل بايد وتقوى ... توكل مركب راهست وتقوى توشه رهرو

قال سهل قدس سره لا يصح التوكل الا للمتقين ولا تتم التقوى الا بالتوكل ولذلك قرن اللّه بينهما فقال ومن يتق اللّه الخ وقال بعضهم من تحقق فى التقوى هون اللّه على قلبه الاعراض عن الدنيا ويسر له امره فى الاقبال عليه والتزين بخدمته وجعله اماما لخلقه يقتدى به اهل الاراداة فيحملهم على اوضح السنن واوضح المناهج وهو الاعراض عن الدجنيا والاقبال على اللّه تعالى وذلك منزلة المتقين وقال سهل رحمه اللّه من يكل اموره الى ربه فان اللّه يكفيه هم الدارين اجمع قال الربيع رحمه اللّه ان اللّه قضى على نفسه ان من توكل عليه كفاه ومن آمن به هداه ومن اقرضه جازاه ومن وثق به انجاه ومن دعاه اتاه وتصديق ذلك فى كتاب اللّه ونمن يتوكل على اللّه فهو حسبه ومن يؤمن باللّه يهد قلبه من ذا الذى يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له ومن يعتصم باللّه فقد هدى الى صراط مستقيم أجيب دعوة الداعى اذا دعان.

٤

{ واللائى } من الموصولات جمع التى يعنى آن زنان كه

{ يئسن من المحيض من نسائكم } اللاتى دخلتم بهن لكبرهن ويبسهن وقدروه بستين سنة وبخمس وخمسين فلو رأته بعد ذلك لا يكون حيضا قوله يئسن فعل ماض واليأس القنوط ضد الرجاء يقال يئس من مراده ييأس يأسا وفى معناه أيس يأيس يأسا واياسا لا ايساً وفاعلهما آيس لا يائس يقال امرأة آيس اذا كان يأسها من الحيض دون آيسة لان التاء انما زيدت فى المؤنث اذا استعلمت الكلمة للمذكر ايضا فرقا بينهما واذا لم تستعمل له فأى حاجة الى الزيادة ومن ذلك يقال امرأة حائض وطالق وحامل بلا تاء اذا كان حملها من الولد

واما اذا كان يأسها وحملها من غير الحيض وحمل الولد يقال آيسة وحاملة وفى المغرب اليأس انقطاع الرجاء

واما الا ياس فى مصدر الآيسة من الحيض فهو فى الاصل ايئاس على افعال حذفت منه الهمزة التى هى عين الكلمة تخفيفا والمحيض الحيض وهو فى اللغة مصدر حاضت الانثى فهى حائض وحائضة اى خرج الدم من قبلها ويكون للأرنب والضبع والخفاش كام ذكره الحاحظ وفى القاموس حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهى حائض وحائضا من حوآئض وحيض سال دمها والمحيض اسم ومصدر قيل ومنه الحوض لان الماء يسيل اليه والحيضة المرة انتهى وفى الشرع دم ينفضه رحم امرأة بالغة لاداء بها ولا اياس لها اى يجعلها الشارع منقطعة الرجاء عن رؤية الدم ومن الاولى لابتدآء الغاية ومتعلقة بالفعل قبلها والثانية للتبيين ومتعلقة بمحذوف

{ ان ارتبتم } من الارتياب بالفارسية بشك شدن.

اى شككتم واشكل عليكم حكمهن لانقطاع دمهن بكبر السن وجهلتم كيف عدتهن

{ فعدتهن ثلاثة اشهر } فقوله واللائى يئسن الخ مبتدأ خبره فعدتهن وقوله ان ارتبتم اعتراض وجواب الشرط محذوف اى ارتبتم فيه فاعلموا انها ثلاثة أشهر كذا قالوا والأشهر جمع شهر وهو مدة معروفة مشهورة باهلال الهلالك او باعتبار جزء من اثنى عشر جزأ من دوران الشمس من نقطة الى تلك النقطة قال فى القاموس الشهر العدد المعروف من الايام لانه يشهر بالقمر

{ واللآئى } وآن زنان كه

{ لم يحضن } اى ما رأين الدم لصغرهن اى فعدتهن ايضا كذلك فحذف ثقة بدلالة ما قبله عليه والشابة التى كانت تحيض فارتفع حيضها بعذر من الاعذار قبل بلوغها سن الآيسات فعند أبى حنيفة والشافعى لا تنقضى عدتها حتى يعادوها الدم فتعتد بثلاثة اقرآء او تبلغ سن الآيسات فتعتد بثلاثة اشهر وضع السجاوندى الطاء الدالة على الوقف الملطق على وضعه وقانونه فى لم يحضن لانقطاعه عما بعده وكان الظاهر أن يضع الميم الدالة على اللازم لان المتبادر الاتصال الموهم معنى فاسدا العله نظر الى ظهور عدم حمل التى لم تحض لغصرها

{ وأولات الاحمال } واحدتها ذات بمعنى صاحبة والاحمال جمع حمل بالفتح بالفارسية بار.

والمراد الحبل الى الثقل المحمول فى الباطن وهو الولد فى البطن والمعنى وذوات الاحمال من النساء والحبالى منهن

{ اجلهن } اى منتهى عدتهن

{ أن يضعن حملهن } سوآء كن مطلقات او متوفى عنهن ازواجهن فلو وضعت المرأة حملها اى ولدت وحطت ما فى بطنها يعنى ازبالا بزير آورد.

بعد طلاق الزوج او وفاته بلحظة انقضت عدتها وحلت للازواج فكيف بعد ساعة او يوم او شهر وقد نسخ به عموم قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشرا لتراخى نزوله عن ذلك وقد صح ان سبيعة بنت الحارث الاسلمية ولدت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول اللّه عليه السلام فقال ( قد حللت فتزوجى )

{ ومن يتق اللّه } فى شأن الحكامه وحقوق

{ يجعل له من امره يسرا } اى يسهل عليه امره ويوفقه للخير ويعصمه من لمعاصى والشر بسبب التقوى فمن للبيان قدم على المبين للفواصل او بمعنى فى

٥

{ ذلك } المذكور من الاحكام وافراد الكاف مع ان الخطاب للجمع كما يفصح عنه ما بعده لما انها لمجرد الفرق بين الحاضر والمنقضى لا للتعيين خصوصية المخاطبين

{ امر اللّه } حكمه الشرعى

{ انزله } من اللوح المحفوظ

{ اليكم } الى جانبكم وقال ابو الليث انزله فى القرآن على نبيكم لتستعدوا للعمل به فاياكم ومخالفته

{ ومن يتق اللّه } بالمحافظة على احكامه

{ يكفر عنه سيئاته } يسترها لرضاه عنه باتقانه وبالفارسية بيوشد خدى تعالى از وبديهاى ويرا.

وربما يبدلها حسنات

{ ويعظم له اجرا } بالمضاعفة وبالفارسية وبزرك ساز دبراى او مزدرا يعنى اورامزد زياده دهدر آخر.

قال بعضهم يعطيه اجرا عظيما اى اجر كان ولذلك نكر فالتنكير للتعميم المنبئ عن التتميم قال فى برهان القرآن امر بالتقوى فى احكام الطلاق ثلاث مرات وعد فى كل مرة نوعا من الجزآء فقال اولا يجعل له مخرجا يخرجه مما دخل فيه وهو يكرهه ويهيئ له محبوبه من حيث لا يأمل وقال فى الثانى يسهل عليه الصعب من امره ويفتح له خيرا من طلقها والثالث وعد عليه الجزآء بأفضل الجزآء وهو ما يكون فى الآخرة من النعماء.

٦

{ أسكنوهن من حيث سكنتم } استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله من الحث على التقوى كانه قيل كيف نعمل بالتقوى فى شان المعتدات فقيل اسكنوهن من حيث سكنتم اى بعض مكان سكناكم والخطاب للمؤمنين المطلقين

{ من وجدكم } اى من وسعكم اى مما تطيقونه يعنى مسكن ايان بقدر طاقت وتواناى خويش سازيد والوجد القدرة والغنى يقال افتقر فلان بعد وجده وهو عطف بيان لقوله من حيث سكنتم وتفسير له وفى عين المعانى ومن لتبيين الجنس لما فى حيث من الابهام انتهى واعترض عليه ابو حيان بأنه لم يعهد فى عطف البيان اعادة العامل انما عهد ذلك فى البدل فالوجه جعله بدلا قال قتادة ان لم يكن الا بيت واحد اسكنها فى بعض جوانبه قال صاحب اللباب ان كانت الدار التى طلبها فيها ملكه يجيب عليهأن يخرج منها ويترك الدار لها مدة عدتها وان كانت باجرة فعليه الاجرة وان كانت عارية فرجع المعير فعليه ان يكترى لها دارا تسكنها قال فى كشف الاسرار

واما المعتدة من وطئ الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب او خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وان كانت حاملا

{ ولا تضاروهن } اى ولا تقصدوا عليهن الضرر فى السكنى بأى وجه كان فان المفاعلة قد لا تكون للمشاركة وبالفارسية ورنج مرسانيد مطلقات را

{ لتضيقوا عليهن } فى المسكن ببعض الاسباب من انزال من لا يوافقهن او يشغل مكانهن او غير ذلك وتلجئوهن الى الخروج وبالفارسية براى آنكه تنك كردانيد برايشان مساكن ايشان.

وفيه حث المروءة والمرحمة ودلالة على رعاية الحق السابق حتى يتيسر لها لاتدارك فى امر المعيشة من تزوج آخر أو غيره

{ وان كن } اى المطلقات

{ اولات حمل } ذوات حبل وبالفارسية خدواندبار.

يعنى حاملة واولات منسوب بالكسر على قانون جمع المؤنث وتنوين حمل للتعميم يعنى اى حمل كان قريب الوضع او بعيده

{ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فيخرجن من العدة وتتخلصوا من كلفة الاحصاء ويحل لهن زوج غيركم ايا شئن فالبائن بالطلاق اذا كانت حاملا لها النفقة والسكنى بالانفاق

واما البائن الحائل اى غير الحامل فتستحق النفقة والسكنى عند أبى حنيفة كالحامل الى أن تنقضى عدتها بالحيض او بالاشهر خلافا للثلاثة

واما المتوفى عنهن ازواجهن فلا نفقة لهن من التركة ولا سكنى بل تعتد حيث تشاء وان كن اولات حمل لوقوع الاجماع على ان من اجبر الرجل على النفقة عليه من امرأة او ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه من ماله بعد موته فكذا المتوفى عنها الحامل وهو قول الاكثرين قال ابو حنيفة تجب النفقة والسكنى لكل مطلقة سوآء كانت مطلقة بثلاث او واحدة رجعية او بائنة ما دامت على العدة اما المطلقة الرجعية فلانها منكوحة كما كانت وانما يزول النكاح بمضى العدة وكونه فى معرض الزوال بمضى العدة لا يسقط نفقتها كما لو آلى وعلق طلاقها بمضى شهر فالمطلقة الرجعية لها النقة والسكنى بالاجماع

واما المبتوتة فعندنا لها النفقة والسكنى ما دامت فى العدة لقوله تعالى اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم اذا المعنى اسكنوا المعتدات مكانا من المواتضع التى تسكنونها وأنفقوا عليهن فى العدة من سعتكم لما قرأ ابن مسعود رضى اللّه عنه اسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وعند الشافى علها السكنى لهذه الآية ولا نفقة لها الا أن تكون حاملا لقوله تعالى وان كن اولات حمل الخ فان قلت فاذا كانت كل مطلقة عندكم يجب لها النفقة فما فائدة الشرط فى قوله وان كن اولات حمل الخ قلت فائدته ان مدة الحمل ربما طالبت فظن ظان ان النفقة تسقط اذا مضى مقدار عدة الحامل فنفى ذلك الوهم كما فى الكشاف

{ فان أرضعن لكم } الرضاع لغة شرب اللبن من الضرع او الثدى وشريعة شرب الطف حقيقة او حكما لللبن خالص او مختلفط غالبا من آدمية فى وقت مخصوص والارضاع شيردادن يعنى هؤلاء المطلقات ان ارضعن لكم ولدا من غيرهن او منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية وعلاقة النكاح قال لكم ولم يقل اولادكم لما قال تعالى والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فالاب يجب عليه ارضاع الولد دون الام وعليه أن يتخذ له ظئزالا اذا تطوعت الام بارضاعه وهى مندوبة الى ذلك ولا تجبر عليه ولا يجوز استئجار الام عند أبى حنيفة رحمه اللّه ما دامت زوجة معتدة من نكاح

{ فآتوهن اجورهن } على الارضاع ان طلبن او رجون فان حكمهن فى ذلك حكم الاظئآر حينئذ قال فى اللباب فان طلقها فلا يجب عليها الارضاع الا أن لا يقبل الولد ثدى غيرها فيلزمها حينئذ فان اختلفا فى الاجر فان دعت الى اجرة المثل وامتنع الأب الا تبرعا فالام اولى بأجر المثل اذ لا يجد الأب متبرعة وان دعا الأب على اجر المثل وامتنعت الام لتطلب شططا فالأب اولى به فان اعسر الأب بأجرتها اجبرت على ارضاع ولدها انتهى ان قيل ان الولد للأب فلم لا يتبعه فى الحرية والرقية بل يتبع الام لانها اذا كانت ملكا لغير الأب كان الولد ملكا له وان كان الأب حرا واذا كانت حرة كان الولد حرا وان كان الأب رقيقا اجيب أن الفقهاء قالوا فى وجهه رجح ماء الام على ماء الأب فى الملكية لان ماءها مستقر فى موضع وماء الأب غير معلوم أفادت هذه المسألة ان الماليكة تغلب الوالدية والتحقيق ان الاحكام شرعية لا عقلية والعلم عند شارعها يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد

{ وائتمروا } ايها الآباء والامهات

{ بينكم } ميان يكدركر دركار فرزند

{ بمعروف } اى تشاوروا وحقيقته ليأمر بعضكم بعضا يجميل فى الارضاع والأجر فيه فى وجوب الاشفاق عليه فالائتمار بمعنى التآخر كالاشنوار بمعنى التشاور يقال ائتمر القوم وتأمروا اذا امر بعضهم بعضا يعنى الافتعال قد يكون بمعنى التفاعل وهذا منه

{ وان تعاسرتم } يقال تعاسر القوم اذا تحروا تعسير الامر اى تضايقتم وبالفارسية واكر دشوار كنيد ومضايقه نماييد اى بدر ومادر رضاع ومزد دادن يعنى شوهر از اجرا باكند يازن شيرندهد

{ فسترضع له } اى للأب كما فى الكشاف وهو الموافق لقوله فان ارضعن لكم او للصبى والولد كما فى الجلالين وتفسير الكاشفى ونحوهما وفيه ان الظاهر حينئذ أن يقول فسترضعه

{ اخرى } اى فستوجد ولا نعوز مرضعة اخرى غير الام ترضعه يعنى مرددايه كيرد براى رضيع خود ومادررا باكراه واجبار نفر مايد.

وفيه معاتبة للام على المعاسرة كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى سيقضيها غيرك تريد ان تبق غير مقضية فأنت ملوم قال سعدى المفتى ولا يخلو عن معاتبة الأب ايضا حيث اسقط فى الجواب عن حيز شرف الخطاب مع الاشارة الى انه ان ضويقت الام فى الاجر فامتنعت من الارضاع لذلك فلا بد من ارضاع امرأة اخرى نوهى ايضا تطلب الأجر فى الأغلب الا كثر والام اشفق واحن فهى به اولى وبما ذكرنا يظهر كمال الارتباط بين الشرط والجزاء.

٧

{ لينفق } الام الامر

{ ذو سعة } خداوند فراخى وتوانكرى

{ من سعته } ازغناى خود يعنى بقدر تواناى خويش برمطلقه ومرضعة نفقه كنيد.

ومن متعلقة بقوله لينفق

{ ومن قدر عليه رزقه } اى ضيق وكان بمقدار القوت وبالفارسية وهركه تنك كرده شده است برو روزى او يعنى فقير وتنكدست است.

ومن هذا المعنى اشتق الا قدراى القصير العنق وفرس اقدر يضع حافر رجله موضع حافريده وقوله تعالى وعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره اى ما يليق بحاله مقدرا عليه

{ فلينفق مما آتاه اللّه } وان قل اى لينفق كل واحد من الموس والمعسر ما يبلغه وسعه ويطيقه

{ لا يكلف اللّه نفسا الا ما آتاها } من المال جل او قل فانه تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها وبالفارسية وتكليف نفر مايد خداى تعالى هيج تنى رامكر آنجه بدو عطا كرده است ازمال يعنى تكليف مالا يطاق نفر ما يد.

وقد اكد ذلك بالوعد حيث قال

{ سيجعل اللّه بعد عسر يسرا } اى عاجلا او آجلا اذ ليس فى السين دلالة على تعين زمان وكل آت قريب ولو كان الآخرة وبالفارسية زود المعسر اليس وفرج اللّه فان الانتظار عبادة وفيه تطييب لقلب المعسر وتغريب له فى بذل مجهوده ووعد لفقرآء ذلك الوقت بفتح ابواب الرزق عليهم او لفقرآء الازواج ان انفقوا ما قدرو عليه ولم يقصروا.

يقول الفقير لا بعد فى ذلك من حيث ان القراءآن ليس بمحصور لالتفات فى مثل هذه المقام الى سوق الكلام قال البقلى سيجعل اللّه بعد ضيق الصدر من الاختمام بالرزق وانفاقه سعة الصدر ويسر السخاء والطمأنينة والرضى باللّه وايضا سيجعل اللّه بعد عسر الحجاب للمشتاقين يسر كشف النقاب فى التأويلات النجمية يعنى كل ذى سعة مأمور بانفاق ما يقدر على انفاق فالخفى المنفق عليه من جانب الحق ينفق على الروح من سعته والروح ينفق على السر من سعته والسر ينفق على القلب من سعته ونالقلب ينفق على النفس من سعته والنفس ينفق على الصدر من سعته والصدر ينفق على الجسم من سعته ومن قدر عليه رزقه من الفيوض الالهية فلينفق مما آتاه اللّه بحسب استعداده لا يكلف اللّه نفسا الا ما آتاها فى استعدادها الازلى وقابليتها الغيبية سيجعل اللّه بعد عسر انقطاع الفيض يسر اتصال الفيض.

٨

{ وكأين من قرية } بمعنى كم الخبرة فى كونها للتكثير والقرية اسم للموضع الى يجتمع فيه الناس والمعنى وكثر من اهل قرية وبالفارسية وبسيار ازاهل ديهى وشهرى.

فهو من حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه ثم وصفه بصفته او من المجاز العقلى والاسناد الى المكان وهذه الآية تحذير للناس عن المخالفة فى الاحكام المذكور وتأكيد لاجيابها عليهم

{ عتت عن امر ربها ورسله } قال فى المفردات العتو النبو عن الطاعة وفى القاموس عتا عتو وعتيا وعتيا استكبر وجاوز اتلحد فهو عات وعتى انتهى والعتو لا يتعدى بعن وانما عدى بها لتضمينه معنى الاعراض كأنه قيل اعرضت عن امرر بها وامر رسل ربها بسبب التجاوز عن الحد فى التكبر والعناد وفى ايراده صفة الرب توبيخ لهم وتجهيل لما ان عصيان البعي لربهم ومولاهم طغيان وجهل بشأن سيدهم مالكم وبمرتبة انفسهم ودوام احتياجهم اليه فى التربية قوله وكأين مبتدأ ومن قرية بيان له وعتت خبر المبدأ

{ فحاسبناها حسابا شديدا } اى ناقشناها فى الحساب وضيقنا عليها فى الدنيا واخذناها بدقائق ذنوبها وجرآئمها من غير عفو بنحو القحط والجوع والامراض والاوجاع والسيف وتسليط الاعدآء عليها وغير ذلك من البلايا مقدما معجلا على استئصالهم وذوقها العذاب الاكبر لترجع الى اللّه تعالى لان البلاء كالسوط للسوق فلم تفعل ولم ترفع رأسا فابتلاها اللّه بما فوق ذلك كما قال

{ وجنبناها عذابنا نكرا } اى منكرا عظيما هائلا متنفرا عنه بالطبع لشدته وايلامه او غير متوقع فانهم كانوا لا يتوقعونه ولو قيل لهم لما يصدقونه والقهر الغير المتوقع اشد ألما واللطف الغير المتوقع اتم لذة وبالفارسية وعذاب كرديم ايشانرا عذابى جنانكه نديده بودند ونشناخته.

وهو العذاب العاجل بالاستئصال بنحو الاغراق والاحراق والريح والصيحة فالنكر الامر الصعب الذى لا يعرف والانكار ضد العرفان.

يقول الفقير اضاف اللّه المحاسبة والتعذيب الى نفسه مع ان سببهما كان العتو عن امره وامر رسله لان الرسل كانوا فانين فى اللّه فاتخذوا اللّه وكيلا فى جميع امورهم وتركوا التصرف والتعرض للقهر ونحوه وذلك انهم قد بثعوا بعد رسوخهم ولهذا صبروا على تكذيب امم لهم ولو بعثوا قبل الرسوخ ربما بطشوا بمن كذبهم واهلكوه وقس عليهم احوال الكمل من الاولياء.

٩

{ فذاقت } بس بجشيديد اهل آن ديه

{ وبال امرها } اى ضرر كفرها وثقل عقوبة معاصيها اى احسته احساس الذآئق المطعوم

{ وكان عاقبة امرها خسرا } هائلا لا خسر ورآؤه يعنى زيانكارى وكدام زيان ازان بدتركه ازحيات ومنافع آن محروم شدند وبعقوبات مبتلى كشتند.

فتجارتهم خسارة لا ربح فيها لتضييعهم بضاعة العمر والصحة والفراغ بصرفها فى المخالفات قال فى المفردات الخسر والخسران انتقاض رأس المال وينسب الى الانسان فيقال خسر فلان والى الفعل فيقال خسرت تجارته ويستعمل ذلك فى القنيات الخاريجة كالمال والجاه فى الدنيا وهو الاكثر وفى النفسية كالصحة والسلامة والعقل والايمان والثواب وفى الآية اشارة الى اهل قرية الوجود الانسانى وهو النفس والهوى وسائر القوى فانها اعرضت عن حكم الروح فلم تدخل فى حكم الشريعة وكذا عن متابعة امر القلب والسر والخفى فعذبت بعذاب الحجاب واستهلكت فى بحر الدنيا وشهواتها ولذاتها وكان عاقبة امرها خسران الضلالة ونيران الجهالة.

١٠

{ اعد اللّه لهم } مع ذلك فى الآخرة ولام لهم لام التخصيص لا لام النفع كما فى قولهم دعا له فى مقابلة دعا عليه

{ عذابا شديدا } اى قدره فى علمه على حسب حكمته او هيأ اسبابه فى جهنم بحيث لا يوصف كهنه فهم اهل الحساب والعذاب فى الدنيا والآخرة لا فى الدنيا فقط فان ما اصابهم فى الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم لعدم رجوعهم عن الكفر فعذبوا بعذاب الآخرة ايضا وهذا المعنى من قوله فحاسبناها الى هنا وهو اللائق بالنظم الكريم هكذا ألهمت به حين المطالعة ثم وجدت فى تفسير الكواشى وكشف الاسرار وأبى الليث والاسئلة المقحمة ما يدل على ذلك والحمد لله تعالى فلا حاجة الى ان يقال فيه تقديما وتأخيرا وان المعنى انا عذبناها عذابا شديدا فى الدنيا ونحاسبها حسابا شديدا فى الآخر على ان لفظ الماضى للتحقيق كأكثر ألفاظ القيامة فان فيه وفى نحوه تكلفا بينا على ما ارتكبه من يعد من اجلاء المفسرين ودل قوله فى الاثر حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا على ان المحاسبة عامة لما فى الدارين وان المراد بها فى بعض المواضع هو التضييق والتشديد مطلقا

{ فاتقوا اللّه يا أولى الالباب } اى اعتبروا بحال الامم الماضين من المنكرين المعاندين وما نزل بهم من العذاب والوبال فاتقوا اللّه اوامره ونواهيه ان خلصت عقولكم من شوب الوهم فان اللب هو العقل الخالص من شوآئب الوهم وذلك بخلوص القلب من شوآئب صفات النفس والرجوع الى الفطرة الاولى واذا خلص العقل من الوهم والقلب من النفس كان الايمان يقينا فلذلك وصفهم بقوله

{ الذين آمنو } اى الايمان التحققى اليقينى العيانى الشهودى وفيه اشارة الى ان منشأ التقوى هو الخلوص المذكور ولا ينافى ذلك زيادة الخلوص بالتقوى فكم من شئ يكون سببا لاصل شئ آخر ويكون سببا فى زيادته وقوته على ذلك الآخر وبكمال التقوى يحصل الخروج من قشر الوجود المجازى والدخول فى لب الوجود الحقيقى والاتصاف بالايمان العيانى

قال بعضهم الذين آمنوا حقا وصدقا ويجوز أن يكون صفة كاشفة لا مقيدة فانه لا يليق أن يعد غير المؤمنين من اولى الالباب اللهم الا أن يراد باللب العقل العارة عن الضعف بأى وجه كان من البلادة والبله والجنون وغيرها فنخصيص الامر بالتقوى بالمؤمنين من بينهم لانهم المنتفعون انتهى والظاهر ان قوله الذين آمنوا مبتدأ خبره قوله تعالى

{ قد انزل اللّه اليكم } والخطاب من قبيل الالتفات

{ ذكرا } هو النبى عليه السلام كما بينه بأن ابدل منه قوله

١١

{ رسولا } وعبر عنه بالذكر لمواظبته على تلاوة القرآن او تبليغه والتذكير به وعبر عن ارساله بالانزال بطريق الترشيح اى للتجوز فيه عليه السلام بالذكر او لانه مسبب عن انزال الوحى اليه يعنى ان رسول اللّه شبه بالذكر الذى هو القرآن لشدة ملابسته به فأطلق عليه اسم المشبه به استعارة تصريحية وقرن به ما يلائم المستعار منه وهو الانزال ترشيحا لها او مجازا مرسلا من قبيل اطلاق اسم السبب على المسبب فان انزال الوحى اليه عليه السلام سبب لارساله وقال بعضهم ان التقدير قد انزل اللّه اليكم ذكرا يعنى القرءآن وارسل اليكم رسولا يعنى محمدا عليه السلام لكن الايجاز اقتضى اختصار الفعل الناصب للرسول وقد دل عليه القرينة وهوقوله انزل نظيره قوله علفتها تبنا وماء باردا اى وسقيتها ماء باردا فيكون الوقف فى ذكرا تاما بخلافه اذا كان بدلا وقال القاشانى قد انزل اللّه اليكم ذكرا اى فرقانا مشتملا على ذكر الذات والصفات والاسماء والافعال والمعاد رسولا اى روح القدس الذى انزله به فأبدل منه بدل الاشتمال لان انزال الذكر هو انزاله بالاتصال بالروح النبوى والقاء المعنانىن فى القلب

{ يتلو } يقرأ ويعرض

{ عليكم } يا اولى الالباب او يا ايها المؤمنون

{ آيات اللّه } اى القرءان

{ مبينات } اى حال كون تلك الآيات مبينات ومظهرات لكم ما تحتاجون اليه من الاحكام اومبينات بالفتح بمعنى واضحات لخافاء فى معانيها عند الاهالى اولا مرية فى اعجازها عند البلغاء المنصفين وانما يتلوها او انزله

{ ليخرج } الرسول ويخلص او اللّه تعالى

قال بعضهم اللام متعلقة بأنزل لا بقوله يتلو لان يتلو مذكورعلى سبيل التبعية دون انزل

{ الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الموصول عبارة عن المؤمنين بعد انزاله والا فاخراج الموصوفين بالايمان من الكفر لا يمكن اذ لا كفر فيهم حتى يخرجوا منه اى ليحصل لهم الرسول ما هم عليه الآن من الايمان والعمل الصالح باخراجهم عما كانوا عليه أو ليخرج اللّه من علم او قدر انه سيؤمن ولم يقل ليخرجكم اظهار لشرف الايمان والعمل الصالح وبيانا لسبب الاخراج وحثا على التحقق بهما

{ من الظلمات الى النور } اى من الضلالة الى الهدى ومن الباطل الى الحق ومن الجهل الى العلم ومن الكفر الى الايمان ومن الشهبات الى الدلالات والبراهيم ومن الغفلة الى اليقظة ومن الانس بغير اللّه الى الانس باللّه على طبقاتهم ودرجاتهم فى السعى والاجتهاد بعناية اللّه تعالى وفى التأويلات النجمية ليخرج الذين آمنوا بالايمان العلمى وعملوا الصالحات بمقتضى العلم الظاهر لا بمقتضى الحال من ظلمات التقييد بالاعمال والاحوال الى نور الاطلاق برؤية فاعلية الحق فى الاشياء انتهى.

يقول الفقير انما جمع الظلمات لتراكمها وتكاثفها ولكثرة اسبابها وانواعها ولذا قال تعالى قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر اى شدآئدهما فانها كالظمات وكذا الاعمال السيئة ظلمات يوم القيامة كما ورد فى حق الظلم

{ ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحا } خالصا من الرياء والتصنع والغرض وهو استئناف لبيان شرف الايمان والعمل الصالح ونهاية امر من اتصف بهما تنشيطا وترغيبا لغير اهلهما لهما قال بعض الكبار لو كان الايمان بذاته يعطى مكارم الاخلاق لم يقل للمؤمن افعل كذا واترك كذا وقد توجد مكارم الاخلاق بدونه وللايمان وللمكارم آثار ترجع على اصحابها فى اى دار كان كما ورد فى حق أبى طالب فانه قال العباس رضى اللّه عنه يا رسول اللّه ان أبا طالب كان بحوطك وينصرك فهل ينفعه ذلك قال نعم ولولا انا كان فى الدرك الاسفل من النار وكما رؤى ابو لهب فى المنام وهو يمص ماء من ابهامه ليلة الاثنين لعتقه بعض جواريه حين بشرته بولادة رسول اللّه عليه السلام وكما قيل انه عليه السلام لما عرج به اطلع على النار فرأى حظيرة فيها رجل لا تمسه النار فقال عليه السلام

( ما بال هذا الرجل فى هذه الحظيرة لا تمسه النار ) فقال جبريل عليه السلام هذا خاتم طى صرف اللّه عنه عذاب جهنم بسخائه وجوده كما فى انيس الوحدة وجليس الخلوة فاذا كانت المكارم بهذه المرتبة بلا ايمان فكيف مع ايمان وعطف العمل الصالح من الصلاة والزكاة وغيرهما على الايمان الذى هو تصديق القلب عن المحققين والتصديق مع الاقرار عند البعض يفيد المغايرة على ما هو المذهب الاصح وهو كاف فى دخول الجنة بوعد اللّه وكرمه فى القول الحق المثبت بالادلة القوية فذكر العمل الصالح بعده للاهتمام والحث عليه اخبارا بأن اهله يدخلون ابتدآء بلا حساب او بحساب بسير

{ يدخله جنات تجرى من تحتها } اى من تحت قصورها او اشجارها

{ الانهار } الاربعة المذكورة فى سورة محمد عليه السلام

{ خالدين فيها } مقيمين فى تلك الجنات دآئمين فيها وو حال من مفعول يدخله والجمع باعتبار معنى من كما ان الافراد فى الشمائر الثلاثة باعتبار لفظها

{ ابدا } ظرف زمان بمعنى دآئما غير منقطع فيكون تأكيدا للخلود لئلا يتوهم ان المراد به المكث الطويل المنقطع آخرا

{ قد احسن اللّه له رزقا } حال اخرى منه وفيه معنى التعجب والتعظيم لما رزقه اللّه المؤمنين من الثواب لان الجملة الخبرية اذا لم يحصل منها فائدة الخر ولا لازمها تحمل على التعجب اذا اقتضاه المقام كأنه قيل ما احسن رزقهم الذى رزقهم اللّه وما اعظمه فرزقا ظاهره المفعولية لأحسن والتنوين للتعظيم لاعداده تعالى فيها ما هو خارج عن الوصف او للتكثير عددا لما فيه مما تشتهيه الانفس من الرزق والانفس او مددا لان اكلها دآئم لا ينقطع ولا بعد فى أن يكون له بمعنى اليه ويكون رزقا تمييزا بمعنى قد هيأ له واعد ما يحسن اليه به من جهة الرزق قال بعض الكبار الجزآء على الاعمال فى حق العارفين من عين المئة فهو جزآء العمل لا جزآء العامل فافهم قال فى الاسئلة المقحمة الظاهر ان الرزق الحسن مال فى قدر الكفاية بلا زيادة تطغى ولا حاجة تنسى.

يقول الفقير هذا التفسير ليس فى محله لان المراد رزق الآخرة كما دل عليه ما قبل الآية لا رزق الدنيا وفى التأويلات النجمية ومن يؤمن باللّه ايمانا حقيقيا عيني ويعمل عملا صالحا منزها عن رؤيته مقدسا عن نسبته الى العامل المجازى يدخله جنات المكاشفات والمشاهدات والمعاينات والمحاضرات من غير الفترة الحجابية قد احسن اللّه له رزقا فرزق الروح بالتفريد ورزق القلب بالتجريد ورزق السر بالتوحيد ورزق الخفى بالفناء والبقاء.

١٢

{ اللّه الذى } الخ مبتدأ وخبر اى الملك القادر الذى

{ خلق سبع سموات } بيافريد فت آسمان بعضى بالاى بعض.

نكرها للتعظيم المفيد لكمال قدرة صانعها او لكفايته فى المقصود من اثبات قدرته الكاملة على وفق حكمته الشاملة وذلك يحصل باخبار خلقه تعالى سبع سموات من غير نظر الى التعبين

{ ومن الارض } اى وخلق من الارض

{ مثلهن } اى مثل السموات السبع فى العدد والطباق وبالفارسية وبيافريد از زمين مانند آسمانها بعضى درتحت بعض.

فقوله مثلهن منصوب بفعل مضمر بعد الواو دل عليه الناصب لسبع سموات وليس بمعطوف على سبع سموات لانه يستلزم الفصل بين حرف العطف وهو صرف واحد وبين المعطوف بالجار والمجرور وصرح سيبويه وابو على بكراهيته فى غير موضع الضرورة واختلف فى كيفية طبقات الارض فالجمهور على انها سبع ارضين طبقا بعضها فوق بعض بين كل ارض وارض مسافة كما بين السماء والارض وفى كل ارض سكان من خلق اللّه وقال الضحاك مطبقة بعضها فوق بعض من غير فتوق وفرجة اى سوآء كان بالبحار او بغيرها بخلاف السموات قال القرطبى والاول الاصح لان الاخبار دالة عليه كما روى البخارى وغيره من ان كعبا حلف بالذى فلق البحر لموسى ان صهيبا حدثه ان النبى عليه السلام لم ير قرية يريد دخولها الا قال حين يراها اللهم رب السموات السبع وما اظللن ورب الارضين السبع وما اقللن ورب الشياطين وما اضللن ورب الرياح وما اذرين نسألك من خير هذه القرية وخير اهلها وخير من فيها ونعوذ بك من شرها وشر اهلها وشر من فيها ( روى ) شيبان ابن عبد الرحمن قنادة عن الحسن عن أبى هريرة رضى اللّه عنه قال بينهما النبى عليه السلام جالس اذا أتى عليهم سحاب فقال ( هل تدرون ما هذا العنان ) قالوا اللّه ورسوله اعلم قال ( هذه زوايا الارض يسوقها اللّه الى قوم لا يشكر ولا يدعونه ) ثم قال ( هل تدرون ما الذى فوقكم ) قالوا اللّه ورسوله اعلم قال ( فانها الرقيع سقف محفوظ وبحر مكفوف ) ثم قال ( هل تدرون ما بينكم وبينها ) قالوا اللّه ورسوله اعلم قال ( فوقها العرش وبينه وبين السماء كبعد ما بين سماءين او كما قال ) ثم قال ( هل تدرون ما تحتكم ) قالوا اللّه ورسوله اعلم قال ( الارض وتحتها ارض اخرى بينهما خمسمائة عام ) ثم قال ( والذى نفس محمد بيده لو أنكم ادلتم بحبل لهبطتم على اللّه ) ثم قرأ عليه السلام ( هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم كما فى خريدة العجائب وفى المقاصد الحسنة لو أنكم لدليتم بحبل الى الارض السفلى لهبط على اللّه فسره بعض اهل العلم فقال انما هبط على علم اللّه وقدرته وسلطانه وعلم اللّه وقدرته وسلطانه فى كل مكان وهو على العرش كما وصف )

فى كتابه انتهى.

قال شيخنا معناه ان علم اللّه شمل جميع الاقطار فالتقدير لهبط على علم اللّه واللّه تعالى منزه عن الحلول فى الاماكن فاللّه سبحانه كان قبل أن يحدث الاماكن انتهى كلام المقاصد الحسنة قال بعض العارفين فيه اشارة الى انه ما من جوهر فى العالم العلوى والسفلى الا وهو مرتبط بالحق ارتباط الرب بالمربوب وفى الحديث ( اجتمع املاك عند الكعبة واحد نازل من السماء وواحد صاعد من الارض السفلى وثالث من ناحية المشرق ورابع من ناحية المغرب فسأل كل واحد صاحبه من اين جئت فكلهم قالوا من عند اللّه ثم نرجع ونقول قال ارض بعضها فوق بعض وغلظ كل ارض مسيرة خمسمائة عام ) وكذا ما بينهما على ما دل عليه حديث ابى هريرة وفى الحديث ( من اخذ من الارض شبرا بغير حقه خسف به يوم القيامة الى سبع ارضين ) قال ابن الملك وفيه اشعار بأن الارض فى الآخرة ايضا سبع طباق وفى الكواشى قيل ما فى القرءآن آية تدل على ان الارضين سبع الا هذه الآية وان ما يبن كل سمائين مسيرة خمسمائة عام وكذا غلظ كل سماء والارضون مثل السموات فكما ان فى كل سماء نوعا من الملائكة يسبحون اللّه ويقدسونه ويحمدونه فكذا لكل ارض اهل على صفة وهيئة عجيبة ولكل ارض اسم خاص كما ان لكل سماء اسما خاصا وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان نافع بن الازرق سأله هل تحت الارضين خلق قال نعم ق فما الخلق قال اما ملائكة او جن وعن عطاء بن يسار فى هذه الآية فى كل ارض آدم كآدمكم ونوح مثل نوحكم وابراهيم مثل ابراهيمكم وعيسى كعيساكم قالوا معناه ان فى كل ارض خلق اللّه لهم سادة يقومون عليهم مقام آدم ونوح وابراهيم وعيسى فينا قال السخاوى فى المقاصد الحسنة حديث الارضون سبع فى كل ارض من الخلق مثل ما فى هذه حتى آدم كآدمكم وابراهيم كابراهيمكم وهو مجهول ان صح نقله عن ابن عباس رضى اللّه عنهما على انه اخذه عن الاسر الاسرآئيليات اى اقاويل بنى اسرآئيل مما ذكر فى التوراة او اخذه من علمائهم ومشايخهم كما فى شرح النخبة وذلك وامثاله اذا لم يخبر به ويصح سنده الى معصوم فهو مردود على قائله انتهى كلام المقاصد مع تفسير الاسرائيليات وقال فى انسان العيون قد جاء عن ابن عباس رضى اللّه عنهما فى قوله تعالى ومن الارض مثلهن قال سبع ارضين فى كل ارض نبى كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وابراهيم كابراهيمكم وعيسى كعيساكم رواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الاسناد وقال البيهقى اسناده صحيح لكنه شاذ بالمرة اى لانه لا يلزم من صحة الاسناد صحة المتن فقد يكون فيه مع صحة اسناده ما يمنع صحته فهو ضعيف قال الجلال السيوطى ويمكن أن يؤول على ان المراد بهم النذر الذين كانوا يبلغون الجن عن انبياء البشر ولا يبعد أن يسمى كل منهم باسم النبى الذى يبلغ عنه هذا كلامه وحينئذ كان لنبينا عليه السلام رسول من الجن اسمه كاسمه ولعل المراد اسمه المشهور وهو محمد فلينأمل انتهى ما فى انسان العيون ونظير هذا المقام قول حضرة الشيخ الشهير بافتاده خطابا لحضرة محمود الهدائى قدس سرهما الآن عوالم كثيرة يتكلم فيها محمود وافتاده كثير قال فى خريدة العجائب وليس هذا القول اى خبر فى كل ارض آدم الخ بأعجب من قول الفلاسفة ان الشموس شموس كثيرة والاقمار اقمار كثيرة ففى كل اقليم شمس وقمر ونجوم وقالت القدماء الارض سبع على المجاورة والملاصقة وافتراق الاقاليم لا على المطابقة والمكابسة واهل النظر من المسلمين يميلون الى هذا القول ومنهم من يرى ان الارض سبع على الانخفاض والارتفاع كدرج المراقى ( حكى ) الكلبى عن ابى صالح عن ابى عباس رضى اللّه عنهما انها سبع ارضين متفرقة بالبحار يعنى الحائل بين كل ارض وارض بحار لا يمكن قطعها ولا الوصول الى الارض الاخرى ولا تصل الدعوة اليهم وتظل الجميع السماء قال الماوردى وعلى هذا اى وعلى انها سبع ارضين وفى كل ارض سكان من خلق اللّه تختص دعوة الاسلام بأهل الارض العليا دون من عداهم وان كان فيهن من يعقل من خلق وفى مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان احدهما انهم يشاهدون السماء من كل جانب من ارضهم ويستمدون الضياء منها وهذا قول من جعل الارض مبسوطة والثانى انهم لا يشاهدون السماء وان اللّه خلق لهم ضياء يشاهدونه وهذا قول من جعل الارض كرة قال سعدى المفتى وقد تؤول الآية تارة بالاقاليم السبعة اى فتكون الدعوة شاملة لجميعها وتارة بطبقات العناصر القوابل بالنسبة الى الاثيريات فهى ارضها التى ينزل عليها منها لاصور الكائنة وهى النار الصرفة والطبقة الممتزجة من النار والهواء المسماة كرة الاثير التى فيها لاشهب وذوات الاذناب وغيرها وطبقة الزمهرير وطبقة النسيم وطبقة الصعيد والماء المشحونة بالنسيم الشاملة للطبقة الطينية التى هى السادسة وطبقة الارض الصفرة عند المركز وان حملناها على مراتب الغيوب السبعة المذكورة من غيب القوى والنفس والعقل والسر والروح والخفى غيب الغيوب اى عين جمع الذات فالارضون هى الاعضاء السبعة المشهورة وفى التأويلات النجمية هى طبقات القوب من الصدر والقلب والفؤاد والروع والشغاف والمهجة والروح واراضى النفوس وهى النفس الأمارة واللوامة والملهمة والمطمئنة والنفس المعدنية

والنباتية والحيوانية

{ يتنزل الامر } اى امر اللّه واللام عوض عن المضاف اليه

{ بينهن } اى بين السموات السبع والارضين السبع والظاهران الجملة استئنافية للاخبار عن شمول جريان حكمه ونفوذ امره فى العلويات والسفليات كلها فالامر عند الاكثير القضاء والقدر بمعنى يجرى قصاؤه وينفذ حكمه بين السماء السابعة التى هى اعلى السموات وبين الارض السابعة التى هى اسفل الارضين ولا يقتضى ذلك أن لا يجرى فى العرش والكرسى لان المقام اقتضى ذكر ما ذكره والتخصيص بالذكر لا يقتضى التخصيص بالحكم كذ قالوا

يقول الفقير تحقيق هذا المقام يستدعى تمهيد مقدمة وهى انه استوى الامر الارادى الايجادى على العرش كما استوى الامر التكليفى الارشادى على الشرع الذى هو مقلوب العرش والتجليات الايجادية الامرية المتنزلة بين السموات السبع والارضين السبع موقوفة على استوآء امر تمام حصول الاركان الاربعة على العرش وتلك الامور الاربعة هى الحركة المعنوية الاسمائية والحركة النورية الروحانية والحركة الطبيعية المثالية والحركة الصورية الحسية وهى حركة العرش فالعرش مستوى امره الايجادى لا مستوى نفسه تعالى عن ذلك ومنه ينزل الامر الالهى بينهن وهى التجليات الالهية الدنيوية والرزخية والحشرية والنيرانية والجنانية وكلها تجليات وجودية اشير اليها بقوله تعالى كل يوم هو فى شأن وبقوله يعلم ما يلج فى الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعجر فيها

واما التجليات الشهودية فما كانت تكون فى الدنيا والآخرة لقلوب اهل الكمال وارواحهم واسرارهم من الانبياء العظام والاولياء الكرام فمعنى الآية يتنزل امر اللّه بالايجاد والتكوين وترتيب النظام والتكميل بين كل سماء وارض من جانب العرش العظيم ابدا دآئما لان اللّه تعالى لم يزل ولا يزال خالقا فى الدنيا والآخرة فيفى ويعدم عوالم ويوجد ويظهر عوالم اخرى لا نهاية لشؤونه فهو كل يوم وآن فى امر وشأن بحسب مقتضيات استعدادات اهل العصر وموجبات قابليات اصحاب الزمان

{ لتعملوا ان اللّه على كل شئ قدير } متعلق بخلق او يتنزل او بما يعلمهما اى فعل ذلك لتعملوا ان من قدر على ما ذكر قادر على كل شئ ومنه البعث اللحساب والجزاء فتطيعوا امره وتقبلوا حكمه وتستعدوا لكسب السعادة والخلاص من الشقاوة واللام لام المصلحة والحكمة لان فعله تعالى خال عن العبث ( روى ) عن الامام الاعظم انه قال ان هذه الآية من أخوف الآيات فى القرءآن لا لام الغرض فانه تعالى منزه عن الغرض اذ هو لمن له الاحتياج واللّه غنى عن العالمين

{ وان اللّه قد احاط بكل شئ علما } كما أحاط به قدرة لاستحالة صدور الافاعيل المذكورة ممن ليس كذلك والاحاطة العلم البالغ وبالفارسية وبدرستى كه فرارسيده است بهمه جيزازروى علم يعنى علم وقدرت او محيط است بهمه اشيا از موجودات علمى وعينى هيج جيز ازدائره علم وقدرت او خارج نيست

رمزيست زسر قدرتش كن فيكون ... بادانش او يكيست بيرون ودرون

درغيب وشهادة ذره نتوان يافت ... از دائره قدرت وعلمش بيرون

ويجوز أن يكون العامل فى اللام بيان ما ذكر من الخل قوتنزل الامر اى اوحى ذلك وبينه لتعلموا بما ذكر من الامور التى تشاهدونها والتى تتلقونها من الوحى من عجائب المصنوعات انه لا يخرج عن علمه وقدرته شئ ما اصلا قوله علما نصب على التمييز اى أحاط علمه بكل شئ كما فى عين المعانى أو على المصدر المؤكد لان المعنى وان اللّه قد علم كل شئ علما كما فى فتح الرحمن قال البقلى قدس سره لو كان للانسان قدرة المعرفة كالارواح لم يخاطبه بالعلل والاستدلال ليعلم برؤية الاشياء وجود الحق وكان كالارواح فى الخطاب بلا علة فى تعريف نفسه ايها يقول ألست بربكم اذ هناك خطاب وشهود وتعريف بغير علة فلما علم عجزه وهو فى عالم الجسم عن حمل واردات الخطاب الصرف أحاله الى الشواهد بقوله خلق سبع سموات الخ وليس بعارف فى الحقيقة من عرفه بشئ من الاشياء او سببب من الاسباب فمن نظر الى خلق الكون يعرف انه ذو قدرة واسعة وذو احاطة شاملة ويخاف من قهره ويذوب قلبه بعلمه فى رؤسة اطلاع الحق عليه قال الشيخ نجم الدين فى تأويلاته وفى هذه الآية الكريمة غوامض من اسرار القرءآن مكنونة ويدل عليه قول ابن عباس رضى اللّه عنهما لما سئل عن هذه الآية وقال لو فسرتها لقطعوا حلقومى ورجمونى والمعنى الذى أشار اليه رضى اللّه عنه مما لا يعبر عنه ولا يشار اليه ولكن يذاق.

﴿ ٠