سُورَةُ التَّحْريِمِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ اثْنَتَا عَشَرَةَ آيَةً

١

{ يا ايها النبى لم تحرم ما احل اللّه لك } اصل لم لما والاستفهام لانكار التحريم وهو بالفارسية حرام كردن.

كما ان الحلال حلال كردن.

روى ان النبى عليه السلام خلا بسريته مارية القبطية التى اهداها اليه المقوقس ملك مصر فى يوم عائشة رضى اللّه عنها ونوبتها وعلمت بذلك حفصة رضى اللّه عنها فقال لها اكتمى على ولا تعلمى عائشة فقد حرمت مارية على نفسى وابشرك ان أبا بكر وعمر رضى اللّه عنهما يملكان بعدى امر امتى فأخبرت به عائشة رضى اللّه عنها ولم تكتم وكانا متصادقتين متظاهرتين على سائر ازواج النبى عليه السلام قال السهيلى رحمه اللّه امرها أن لا تخبر عائشة ولا سائر ازواجه بما رأت وكانت رأته فى بيت مارية بنت شمعون القبطية ام ولده ابراهيم المتوفى فى الثدى وهو ابن ثمانية عشر شهرا فخشى أن يلحقهن بذلك غيرة واسر الحديث الى حفصة فأفشته

وقيل خلا بها فى يوم حفصة كما قال بعض اهل التفسير كان رسول اللّه عليه السلام يقسمك بين نسائه فلما كان يوم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه استأذنت رسول اللّه فى زيارة ابيها فاذن لها فلما خرجت ارسل رسول اللّه الى ام ولده مارية القبطية ( قال كشف الاسرار ) دربيرون مدينه در نخلستان درسرايى مقام داشت كه زنان رسول نمى خواستندكه درمدينه بايشان نشيند وكاه كاه رسول خدا از بهر طهرات بيرون شدى واورا ديدى انتهى.

فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول اللّه ووجهه يقطر عرقا وحفصة تبكى فقال ما يبكيك فقالت انما أذنت لى من أجل هذا أدخلت امتك بيتى ثم وقعت عليها فى يومى على فراشى فلو رأيت لى حرمة وحقا ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن فقال رسول اللّه ( أليس هى جاريتى أحلها اللّه لى اسكنى فهى حرام على ألتمس بذلك رضاك فلا تخبرى بها امرأة منهن ) فلما خرج رسول اللّه قرعت حفصة الجدار الذى بينها وبين عائشة فقالت ألا أبشرك ان رسول اللّه قد حرم عليه امته مارية وقد أراحنا اللّه منها وأخبرت عائشة بما رأت فلم تكتم فطلقها رسول اللّه بطريق الجزآء على افشاء سره واعتزل نساءه ومكث تسعا وعشرين ليلة فى بيت مارية قال أبو الليث أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة مؤاخذته عليهن حتى نزلت الآية ودخل عمل رضى اللّه عنه على بنته حفصة وهى تبكى فقال أطلقكن رسول اللّه فقالت لا أدرى هو ذا معتزلا فى هذه المشربة وهى بفتح الرآء وضمها الغرفة والعلية كما فى القاموس ( روى ) انه قال لها فى آل الخطاب خير لما طلقك قال عمر فأتيته عليه السلام فدخلت وسلمت عليه فاذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر فى جنبه فقلت أطلقت نساءك يا رسول اللّه فقال لا فقلت اللّه اكبر لو رأيتنا يا رسول اللّه وكنا معرش قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم وطفقن نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتبسم رسول اللّه وقال عمر للنبى عليه السلم لا تكترث بأمر نسائك واللّه معك وأبو بكر معك وأنا معك فنزلت الآية موافقة لقول عمر قالت عائشة رضى اللّه عنها لام مضت تسع وعشرون ليلة دخل على رسول اللّه فقلت يا رسول انك أقسمت أن لا ندخل علينا وانك قد دخلت فى تسع وعشرين أعدهن فقال ان الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر كذلك ونزل جبريل فقال لرسول اللّه عن أمر اللّه راجع حفصة فانها صوامة قوامة وانها لمن نسائك فى الجنة وكان تحته عليه السلام يومئذ تسع نسوة خمس من قريش عائة بنت أبى بكر وحفصة بنت عمر وام حبيبة بنت أبى سفيان وام سلمة بنت امية وسودة بنت زمعة وغير القرشيات زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حييى بن أخطب الخيبرية وجويرة بنت الحارث المصطلقية.

ونقلست كه حضرت بيغمبر صلّى اللّه عليه وسلّم عسل وشربت او وهرجيز كه حلو باشد دوست داشتى وقتى زينب رضى اللّه عنها مقدارى عسل داشت كه بعضى خويشان وى درمكه بطريق هديه فرستاده بودهركاه آن حضرت عليه السلام بخانه وى آمدى زينب شربت فرمودى وآن حضرت راد خانه وى بسبب آن توقف بيشتر واقع شدى آن حال بربعضى ازواج طاهرات كران آمد عائشه وحفصه اتفاق نمودندكه جون آن حضرت بعد از آشاميدن شربت عسل درخانه وى نزد هركدام ازمادر آيند كوييم ازتوبوى مغافير ميشنويم ومغفور بالضم صمغ درختيست كه عرفط خوانند ازدرختان باديه واكرجه شيرينست ولكن رايحه كريهه دارد وحضرت بوى خوش دوست ميداشت براى مناجات ملك وازروايح ناخوش محترزمى بود بس آن حضرت روزى شرب آشاميد ونرد هر كدام آمد از ازواج كفتند يا رسول اللّه ازشما رايحه مغفور مى آيد وايشان درجواب فزمودندكه مغفور نخورده ام اما درخانه زينت شربت عسل آشاميده ام كفتند جرست النحلة العرفط يعنى ان تلك النحلة اكلت العرفط وبالفارسية زنبور آن عسل ازشكوفه عرفط جريده بود والجرس خوردن منج جرارا.

وفى القاموس الجرس اللحس باللسان امام زاهد رحمه اللّه آورده كه جون اين صورت مكرر وجود كفرت حضرت عليه السلام فر مود حرمت العسل على نفسى فواللّه لا آكله ابدا واين سوكند بدان خورد تاديكر كس ويرا ازان عسل نيارد فنزلت الآية قال ابن عطية والقول الاول وهو ان الآية نزلت بسبب مارية اصح واوضح وعليه تفقه الناس فى الآية وقال فى كشف الاسرار قصة العسل اسند كام قال فى اللبابين ان هذا هو الاصح لانه مذكور فى الصحيحين انتهى وقصة مارية اشبه ومعنى الآية لم تحرم ما احل اللّه لك من ملك اليمين او من العسل اى تمتنع من الانتفاع به مع اعتقاد كونه حلا لا لك لان اعتقاد كونه حراما بعد ما احل اللّه مما لا يتصور من عوام المؤمنين فكيف من الانبياء قال الفقهاء من اعقتد من عند نفسه حرمة شئ قد احله اللّه فقد كفر اذما أحله اللّه لا يحرم الا بتحيم اللّه اياه بنظم القرءآن او بوحى غير متلو واللّه تعالى انما أحل لحكمة ومصلحة عرفها فى احلاله فاذا حرم العبد كان ذلك قلب المصلحة مفسدة

{ تبتغى مرضاة ازواجك } الابتغاء جستن.

والمرضاة مصدر كالرضى وفى بعض التفاسير اسم مصدر من الرضوان قلب واوها ألفا والازواج جمع زوج فانه يطلق على المرأة ايضا بل هو الفصيح كما قال فى المفردات وزوجة لغة رديئة وجمع الازواج مع ان من ارضاها النبى عليه السلام فى هذه القصة عائشة وحفصة رضى اللّه عنهما اما لان ارضاءما فى الامر المذكور ارضاء لكلهن او لان النساء فى طبقة واحدة فى مثل تلك الغيرة لانهن جبلن عليها على انه مضى ما مضى من قول السهيلى او لان الجمع قد يطلق على الاثنين او للتحذير عن ارضاه من تطلب منه عليه السلام ما لا يحسن وتلح عليه أيتهن كانت لانه عليه السلام كان حييا كريما والجملة حال من ضمير تحم اى حال كونك مبتغيا وطالبا لرضى ازواجك والحال انهن أحق بابتغاء رضاك منك فانما فضيلتهن بك فالانكار وارد على مجموع القيد والمقيد دفعة واحدة فمجموع الابتغاء والتحريم منكر نظيره قوله تعالى لا تأكلوا الربا اضعاف مضاعفة وفيه اشارة الى فضل مارية والعسل وفى الحديث ( اول نعمة ترفع من الارض العسل ) وقد بين فى سورة النحل

{ واللّه غفور } مبالغ فى الغفران قد غفر لك وستر ما فعلت من التحريم وقصدت الرضى لان الامتناع من الانتفاع باحسان المولى الكريم يشبه عدم قبول احسانه

{ رحيم } قد رحمك ولم يؤاخذك به وانما عاتبك محافظة على عصمتك ( قال الكاشفى ) مهربان كه كفارت سوكند توفرم د قال فى كشف الاسرار هذا اشد ما عوتب به رسول اللّه فى القرءآن وقال البقلى ادب اللّه نبيه أن لا يستبد برأيه ويتبع ما يوحى اليه كما قال بعض المشايخ فى قوله لتحكم بين الناس بما أراك اللّه ان المراد به الوحى الذى يوحى به اليه لا ما يراه فى رأيه فان اللّه قد عاتبه لما حرم على نفسه ما حرم فى قصة عائشة وحفصة فلو كان الدين بالرأى لكان رأى رسول اللّه اولى من كل رأى انتهى كلام ذلك البعض وفيه بيان ان من شغله شئ من دون اللّه وصل اليه منه ضرب لاتبرأن جراحته الا باللّه لذلك قال عقيب الآية واللّه غفور رحيم قال ابن عطاء لما نزلت هذه الآية على النبى عليه السلام كان يدعو دائما ويقول اللهم انى اعوذ بك من كل قاطع يقطعنى عنك

آزرده است كوشه نشين از وداع خلق ... غافل كه اتصال حقست انقطاع خلق

٢

{ قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم } الفرض هنا بمعنى الشرع والتبيين كما دل عليه لكم فان فرض بمعنى اوجب انما يتعدى بعلى والتحلة مصدر حلل بتضعيف العين بمعنى التحليل اصله تحللة كتكرمة وتعلة وتبصرة وتذكرة من كرم وعلل وبصر وذكر بمعنى التكريم والتعليل والتبصير والتذكير الا ان هذا المصدر من الصحيح خارج عن القياس فانه من المعتل اللام نحو سمى تسمية او مهموز اللام مثل جزأ تجزئة والمراد تحليل اليمين كان اليمين عقد والكفارة حل يقال حلل المين تحليلا كفرها اى فعل ما يوجب الحنيث وتحلل فى يمينه استثنى وقال ان شاء اللّه وقوله عليه السلام ( لا يموت لرجل ثلاث اولاد فتمسه النار الا تحلة القسم ) اى قدر ما يقول ان شاء اللّه كا فى المفردات او قدر ما يبر اللّه قسمه فيه بقوله وان منكم الا واردها قال فى تاج المصدر قوله فعلته تحلة القسم اى لم أفعله الا بقدر ما حللت به يمينى أن لا أفعله ولم ابالغ ثم قيل لكل شئ لم يبالغ فيه تحليل يقال ضربته تحليلا والباب بدل على فتح الشئ ومعنى الكفارة الاطعام والكسوة او العتق او الصوم على ما مر تفصيله فى سورة المائدة ومعنى الآية شرع اللّه لكم تحليل ايمانكم وبين لكم ما تنحل به عقدتها من الكفارة وهى المرادة ههنا لا الاستثناء اى أن يقول ان شاء اللّه متصلا حتى لا يحنث فان الاستثناء المتصل ما كان مانعا من انعقاد اليمين جعل كالحل فالتحليل لما عقدته الايمان بالكفارة او بالاستثناء وبالفارسية بدرستى كه بيان كرد خداى تعالى براى شما فرو كشادن سوكند هاى شمارا بكفارت يعنى آنجه بسوكند ببنديد بكفارت توان كشاد.

قال فى الهدايه ومن حرم على نفسه شيأ مما يملكه لم يصر محرما وعليه ان استباحه واقدم عليه كفارة فتحريم الحلال يمين عند أبى حنيفة رحمه اللّه ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه فاذا حرم طعاما فقد خلف على اكله او أمة فعلى وطئها قال ابن عباس رضى اللّه عنهما التحريم هو اليمين فلو قال لامرأته أنت على حرام فلو نوى الطلاق طلقت وان نوى اليمين كان يمينا وان أراد الكذب لم يقع شئ وكذا لو حرم طعاما على نفسه ونى اليمين كان يمينا خلاف للشافعى كما فى عين المعانى وقال بعضهم لم يثبت عن رسول اللّه عليه السلام انه قال لما احله اللّه هو حرام على وانما امتنع عن مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله واللّه لا أقربها بعد اليوم فقيل له لم تحرم ما احل اللّه لك اى لم تمنع منه بسبب اليمين يعنى اقدم على ما حلفت عليه وكفر عن يمينك وظاهر قوله تعالى قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم انه كانت منه بيمين فان قلت هل كفر رسول اللّه لذلك قلت عن الحسن البصرى قدس سرة انه لم يكفر لانه كان مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وانما هو تعليم للمؤمنين وعن مقاتل انه اعتق رقبة فى تحريم مارية وعاودها لانه لا ينافى كونه مغفورا له أن يكفر فهو والامة سوآء فى الاحكام ظاهرا

{ ولقد مولاكم } سيدكم ومتولى اموركم

{ وهو العليم } بما يصلحكم فيشرعه لكم

{ الحكيم } المتقن فى أفعاله واحكامه فلا يأمركم ولا ينهاكم الا حسبما تقتضيه الحكمة.

٣

{ واذ اسر النبى } الاسرار خلاف الاعلان ويستعمل فى الاعيان والمعانى والسر هو الحديث المكتتم فى النفس واسررت الى فلان حديثا افضيت به اليه فى خفية فالاسرار الى الغير يقتضى اظهار ذلك لمن يفضى اليه بالسر وان كان يقتضى اخفاءه من غيره فاذا قولهم اسررت الى فلان يقتضى من وجه الاظهار ومن وجه الاخفاء والنبى رسول اللّه عليه السلام فان اللام للعهد واذ ظرف اى اذكر الحاديث وقت الاسرار والأكثر المشهور انه مفعول اى واذكر يا محمد وقت اسرار النبى واخفائه على وجه التأنيت والتعتب او واذكروا أيها المؤمنون فالخطاب ان كان له عليه السلام فالاظهار فى مقام الاضمار بأن قيل واذ أسررت للتعظيم بايراد وصف ينبئ عن وجوب رعاية حرمته ولزوم حماية حرمه عما يكرهه وان كان لغيره عموما على الاشتراك او خصوصا على الانفراد وذكره بوصف النبى للاشعار بصدقه فى دعوى النبوة

{ الى بعض ازواجه } وهى حفصة رضى اللّه عنها تزوجها النبى عليه السلام فى شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل احد بشهرين وكانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين وقريش تبنى البيت وماتت بالمدينة فى شعبان سنة خمس واربعين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو امير المدينة يومئذ وحمل سريرها وحمله ايضا أبو هريرة وقد بلغت ثلاثا وستين سنة وأبو حفص أبوها عمر رضى اللّه عنه كناه به رسول اللّه عليه السلام وحفص ولد الاسد

{ حديثا } قال الراغب كل كلام يبلغ الانسان من جهة السمع او الوحى فى يفظته او منامه يقال له حديث والمراد حديث تحريم مارية او العسل اوامر الخلافة قال سعدى المفتى فيه ان تحريم العسل ليس مما اسر الى حفصة بل كان ذلك عند عائشة وسودة وصفية رضى اللّه عنهن

{ فما نبأت به } اى اخبرت حفصة صاحبتها التى هى عائشة بالحديث الذى اسره اليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأفشه اليها

{ واظهره اللّه عليه } اى أطلع اللّه النبى على افشاء حفصة ذلك الحديث على لسان جبريل فالضمير راجع الى الحديث بتقدير المضاف واظهر ضمن معنى اطلع من ظهر فلان السطح اذا علاه وحقيقته صار على ظهره واظهره على السطح اى رفعه عليه فاستعير للاطلاع على الشئ وهو من باب الافعال بمعنى بررسانيدن كسى را برنهانى وديده وركردانيدن.

قال الراغب ظهر الشئ اصله أن يحصل شئ على ظهر الارض فلا يخفى وبطن اذا حصل فى بطنان الارض فيحقى ثم صار مستعملا فى كل بارز للبصر والبصيرة

{ عرف } ألنبى حفصة والتعريف بالفارسية بيا كاهيدن

{ بعضه } اى بعض الحديث الذى افشته الى صاحبتها على طريق العتاب بأن قال لها ألم أك امرتك أن تكتمى سرى ولا تبديه لأحد وهو حديث الامامة ( روى ) انه عليه السلام لما عاتبها قالت والذى بعثك بالحق ما ملكت نفسى فرحا بالكرامة التى خص اللّه بها أباها وبعض الشئ جزء منه

{ واعرض عن بعض } اى عن تعريف بعض تكرما وهو حديث مارية وقال بعضهم عرف تحريم الامة واعرض عن تعريف امر الخلافة كراهة أن ينتشر ذلك فى الياس وتكرما منه وحلما وفيه جواز اظهار الشيوخ الفراسة والكرامات لمريديهم لتزيد رغبتهم فى الطريقة وفيه حث على ترك الاستقصاء كريم قط وقال بعضهم ما زال التغافل من فعل الكرام

{ فلما نبأها به } اى اخبر النبى حفصة بالحديث الذى أفشته بما اظهره اللّه عليه من انها افشت سره

{ قالت من انبأك هذا } من أخبرك عنى هذا تعنى افشاءها للحديث ظنت أن عائشة اخبرته وفيه تعجب واستبعاد من اخبار عائشة بذلك لانها اوصتها بالكتم ولم يقل من نبأك ليوافق ما قبله للتفنن

{ قال } النبى عليه السلام

{ نبأنى } بفتح ياء المتكلم

{ العليم الخبير } الذى لا يخفى عليه خافية فسكتت وسلمت ونبأ ايضا من قبيل التفنن يقال ان انبأ ونبأ يتعديان الى مفعولين الى الاول بنفسهما والى الثانى بالباء وقد يحذف الاول للعلم به وق يحذف الجار ويتعدى الفعل الى لاثانى بنفسه ايضا فقوله تعالى فلما نبأها به على الاستعمال الاول وقوله فلما نبأت به على الاستعمال الثانى وقوله من أنباك على الاستعمال الثالث وقوله العليم هو ولعالم والعلامة من اسمائه سبحانه ومن أدب من علم انه سبحانه عالم بكل شئ حتى بخطرات الضمائر ووساوس الخواطر أن يستحيى منه ويكف عن معاصيه ولا يغتر بجميل ستره ويخشى بغتات قهره ومفاجأة مكره وعن بعضهم انه قال كنت جائعا فقلت لبعض معارفى انى جائع فلم يطعمنى شيأ فمضيت فوجدت درهما ملقى فى الطريق فرفعته فاذا عليه مكتوب اما كان اللّه عالما بجوعك حتى طلبت من غيره والخبير بمعنى العليم وقال الامام الغزالى قدس سره اذا اعتبر العلم الملطق فهو العليم مطلقا واذا أضيف الى الغيب والامور الباطنه فهو الخبير واذا أضيف الى الامور الظاهرة فهو الشهيد واذا علم العبد انه تعالى خبير بأفعاله مطلع على سره علم انه تعالى احصى عليه جميع ما عمله او اخفى فى عمله وان كان هو قد نسيه فيخجل خجلا يكاد يهلكه ( حكى ) ان رجلا تفكر يوما فقال عمرى كذا كذا سنة يكون كذا كذا شهرا يكون منها كذا كذا يوما فبلغ عمره من الايمام ألو فل كثيره فقال لو لم اعص اللّه كل يوم الا معصية واحدة لكان فى ديوان عملى كذا كذا ألف معصية وانى فى كل يوم عملت كثيرا من المعاصى ثم صاح وفارق الدنيا ( يقول الفقير ).

مذنبم كرجه ولى رب غفوريم كرست ... بمن افناده دهد از كرمش شايد دست

٤

{ أن تتوبا الى اللّه } خطابا لحفصة وعائشة رضى اللّه عنهما فالالتفات من الغيبة الى الخطاب للمبالغة فى الخطاب لكن العتاب يكون للاولياء كما ان العقاب يكون للاعدآء كما قيل

اذا ذهب العتاب فليس ود ... ويبقى الود ما بقى العتاب

ففيه ارادة خير لحفصة وعائشة بارشادهما الى ما هو اوضح لهما

{ فقد صغت قلوبكما } الفاء للتعليل كما فى قولك اعبد ربك فالعبادة حق والا فالجزاء يجب أن يكون مرتبا على الشرط مسببا عنه وصغوا قلبيهما كان سابقا على الشرط وكذا الكلام فى وان تظاهرا الخ والمعنى فقد وجد منكما ما يوجب التوبة من ميل قلوبكما عما يجب عليكما من مخالصة رسو لاللّه وحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه من صغا يصغو صغوا مال واصغى اليه مال بسمعه قال الشاعر

تصغى القلوب الى اغر مبارك ... من آل عباس بن عبد المطلب

وجمع القلوب لئلا يجمع بين تثنيتين فى كلمة فرار من اجتماع المتجانسين وربما جمع

{ وان تظاهرا عليه } باسقاط احدى التاءين وهو تفاعل من الظهر لانه اقوى الاعضاء اى تتعاونا على النبى عليه السلام بما يسوءه منالافراط فى الغيرة وافشاء سره وكانت كل منكما ظهر لصاحبتهما فيه

{ فان اللّه هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } قوله هو مبتدأ ثان جيء به لتقوى الحكم لا للحصر والا لانحصرت الولاية له عليه السلام فى اللّه تعالى فلا يصح عطف ما بعده عليه وقوله وجبريل عطف على موضع اسم ان بعد استكمالها خبرها وكذا قوله وصالح المؤمنين واليه مال السجاوندى رحمه اللّه اذ وضع علامة الوقف على المؤمنين والظاهر ان صالح مفرد ولذلك كتبت الحاء بدون واو الجمع ومنهم من جوز كونه جمعا بالواو والنون وحذفت النون بالاضافة وسقطت واو الجمع فى التلفظ لالتقاء الساكنين وسقت فى الكتابة ايضا حملا للكتابة على اللفظ نحو يمح اللّه الباطل ويدع الانسان وسندع الزبانية الى غير ذلك والمعنى فلن يعدم هو اى النبى عليه السلام من يظاهره فان اللّه هو ناصره وجبريل رئيس الملائكة المقربين قرينه ورفيقه ومن صلح من المؤمنين اتباعه واعوانه فيكون جبريل وما بعده اى على تقدير العطف داخلين فى الولاية لرسول اللّه ويكون جبريل ايضا ظهيرا له بدخوله فى عموم الملائكة ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله مولاه ويكون جبريل مبتدأ وما بعده عطفا عليه وظهير خبر للجميع تختص الولاية باللّه قال ابن عباس رضى اللّه عنهما أراد بصالح المؤمنين أبا بكر وعمر رضى اللّه عنهما قال فى الارشاد هو اللائق بتوسيطه بين جبريل والملائكة فانه جمع بين الظهير المعنوى والظهير الصورى كيف لاوان جبريل ظهيره يؤيده بالتأييدات الالهية وهما وزيراه فى تدبير امور الرسالة وتمشية الاحكام ظاهرة ومعاون آن حضرت كه رضاى او بررضاى فرزندان خود ايثار كنند.

ولأن بيان مظاهرتهما له عليه السلام اشد تأثيرا فى قلوب بنتيهما وتوهينا لامرهما فكان حقيقا بالتقدم بخلاف ما اذا أريد به جنس الصالحين كما هو المشهور وعن بعضهم ان المراد بصالح المؤمنين الاصحاب او خيارهم وعن مجاهد هو على رضى اللّه عنه يقول الفقير يؤيده قوله عليه السلام يا على أنت منى بمنزلة هرون من موسى فان الصالحين الانبياء هم عليه السلام كما قال تعالى وكلا جعلنا صالحين وقال حكاية عن يوسف الصديق عليه السلام وألحقنى بالصالحين فاذا كان على بمنزلة هرون فهو صالح مثله وقال السهيلى رحمه اللّه لفظ الآية عام فالاولى حملها على العموم قال الراغب الصلاح ضد الفساد الذى هو خروج الشئ عن الاعتدال والانتفاع قل او كثروهما مختصان فى اكير الاستعمال هو خروج الشئ عن الاعتداء والانتفاع قل او كثروهما مختصان ف اكثر الاستعمال بالافعال وقوبل الصلاح فى القرءآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة ( وروى ) ان رجلا قال لابراهيم بن أدهم قدس سره ان الناس يقولون لى صالح فبم اعرف انى صالح فقال اعرض اعم لك فى السر على الصالحين فان قبولها واستحسنوها فاعلم انك صالح والا فلا وهذا من كلم الحكمة

{ والملائكة } مع تكاثر عددهم وامتلاء السموات من جموعهم ( وقال الكاشفى ) وتمام فرشتكان آسمان وزمين

{ بعد ذلك } اى بعد نصرة اللّه وماموسه الاعظم وصالح المؤمنين وفيه تعظيم لنصرتهم لانها من الخوارق كما وقعت فى بدر ولا يلزم منه افضليه الملائكة على البشر

{ ظهير } خبر والملائكة والجملة معطوفة على جملة فان اللّه هو مولاه وما عطف عليه اى فوج مظاهر له معين كأنهم يد واحدة على من يعاديه فما ذا يفيد تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه وما ينبئ عنه قوله تعالى بعد ذلك من فضل نصرتهم على نصرة غيرهم من حيث ان نصرة الكل نصرة اللّه بهم وبمظاهرتهم افضل من سائر وجوه نصرته يعنى ان نصرة اللّه اما نصرة ذاتية بلا آلة ولا سبب او نصرة بتوسط مخلوقاته والثانى يتفاوت بحسب تفاوت قدرة المخلوقات وقوتهم ونصرة الملائكة اعظم وابعد رتبة بالنسبة الى سائر المخلوقات على حسبت تفاوت قدرتهم وقوتهم فانه تعالى مكن الملائكة على ما لم يمكن الانسان عليه فالمراد بالبعدية ما كان بحسب الرتبة لا الزمان بأن يكون مظاهرة الملائكة اعظم بالنسبة الى نصرة المؤمنين وجبريل داخل فى عموم الملائكة ولا يخفى ان نصرة جميع الملائكة وفيهم جبريل اقوى من صرة جبريل وحده قال فى الارشاد هذا ما قالوا ولعل الانسب أن يجعل ذلك اشارة الىمظاهرة صالح المؤمنين خاصة ويكون بيان بعدية مظاهرة الملائكة تداركا لما يوهمه الترتيب من افضلية المقدم اى فى نصرة فكأنه قيل بعد ذكر مظاهرة صالح المؤمنين وسائر الملائكة بعد ذلك ظهير له عليه السلام ايذانا يعلو رتبة مظاهرتهم وبعد منزلتها وجبرا لفصلها عن مظاهرة جبريل

قال بعضهم لعل ذكر غير اللّه مع ان الاخبار بكونه تعالىمولاه كاف فى تهديدهما لتذكير كمال رفعة شأن النبى عليه السلام عند اللّه وعند الناس وعند الملائكة اجمعين.

يقول الفقير ايده اللّه القدير هذا ما قالوا والظاهر ان اللّه تعالى مع كفاية نصرته ذكر بعد نفسه من كان اقوى فى نصرته عليه السلام من المخلوقات لكون المقام مقام التظاهر لكون عائشة وحفسة متظاهرتين وزاد فى الظهير لكون المقام مقام التهديد ايضا وقدم جبريل على الصلحاء لكونه او نصير له عليه السلام من المخلوقا وسفيرا بينه وبين اللّه تعالى وقدم الصلحاء على الملائكة لفضلهم عليهم فى باب النصرة لان نصرة الملائة نصرة بالفعل القالبى ونصرة الصلحاء نصرة به وبالهمة وهى اشد وما يفيد البعدية من افضلية تظاهرهم على تظاهر الصلحاء فمن حيث الظاهر اذ هم اقدر على الافعال الشاقة من البشر فاقتضى مقام التهديد ذكر البعدية وفى قوله وصالح المؤمنين اشارة الى غريبة الطعنى اللّه تعالى عليها وهى ان صالحا اسم النبى عليه السلام كما فى المفردات فان قلت كيف هو ونصرة النبى لنفس محال قلت هذه نصرة من مقام ملكيته لمقام بشريته ومن مقام جمعه لمقام فرقه ومن مقام ولايته لمقام نبوته كالتسليم فى قوله السلام عليك أيها النبى ان صح انه عليه السلام قال فى تشهده ونظيره نصرة موسى عليه السلام لنفسه حين فر من القبط كما قال ففرت منكم وذلك لان فيه نصرة نفسه الناطقة لنفسه الحيوانية وفيه اشارة ايضا الى القلب والقوى الروحانية المنصورة على النفس بتأييد اللّه تعالى وتأييد ملك الالهام قال بعض الكبار ليس فى العالم العظم قوة من المرأة يسر لا يعرفه الا من عرف فيمن وجد العالم وبأى حركة اوجده الحق تعالى وانه عن مقدمتين فانه نتيجة والناتج طالب والطالب مفتقر والمنتوج مطلوب والمطلوب له عزة الافتقار اليه والشهوة فى ذلك غالبة فقد بان لك محل المرأة من الموجودات وما الذى ينظر اليها من الحضرة الالهية وبما ذا كانت لها القوة وقد نبه تعالى على ما خصها به من القوة بقوله وان تظاهرا الخ وما ذكر الا معينا قويا من الملائكة الذين لهم الشدة والقوة فان صالح المؤمنين يفعل بالهمة وهو اقوى من الفعل فان فهمت فقد رميت بك على الطريق فانه تعالى نزل الملائكة بعد ذكره نفسه وجبريل وصالح المؤمنين منزلة المعينين ولا قوة الا باللّه وقد ابخر الشيخ افضل الدين الأحمدى فدس سره انه تفكر ذات ليلة فى قوله تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو قال فقلت اين المنازع الذى يحتاج فى مقاتلته الى جنود السموات والارض وقد قال تعالى واللّه جنود السموات والارض واذا كان هؤلاء جنوده فمن يقاتلون وما خرج عنهم شخص واحد فاذا بها تف يقول لى لا تعجب فثمة ما هو اعجب فقلت وما هو فقال الذى قصه اللّه فى حق عائشة وحفصة قلت وما قص فتلا وان تظاهرا الخ فهذا اعجب من ذكر الجنود انتهى قال فتحرك خاطرى الى معرفة هذه العطمة التى جعل اللّه نفسه فى مقابلتها وجبريل وصالح المؤمنين فأخبرت بها فى واقعة فما سررت بشئ سرورى بمعرفه ذلك وعلمت من استندنا اليه ومن يقربهما وعلمت ان اللّه تعالى لولا ذكر نفسه فى النصرة ما استطاعت الملائكة والمؤمنون مقاومتها وعلمت انهما حصل لهما من العلم باللّه والتأثير فى العلم ما اعطاهما هذه القوة وهذا من العلم الذى كهيئة المكنون فشكرت اللّه على ما اولى انتهى وكان الشيخ على الخواص قدس سره يقول ما أظن احدا من الخلق استند الى ما استند اليه هاتان المرأتان يقول لوط عليه السلام لو أن لى بكم قوة او آوى الى ركن شديد فكان عنده واللّه الركن الشديد ولكن لم يعرفه وعرفتاه عائشة وحفصة فلم يعرف قدر النساء لا سيما عائشة وحفصة الا قليل فان النساء من حيث هن لهن القوة العظيمة حتى ان اقوى الملائكة المخلوقة من انفاس العامة الزكية من كان مخلوقا من أنفاس النساء ولو لم يكن فى شرفهن الا استدعاؤهن اعظم ملوك الدنيا كهيئة السجود لهن عند الجماع لكان فى ذلك كفاية فان السجود أشرف حالات العد فى الصلاة ولولا الخوف من اثاره امر فى نفوس السامعين يؤديهم الى امور يكون فيها حجابهم عما دعاهم الحق تعالى اليه لأظهرت من ذلك عجبا ولكن لذلك اهل واللّه عليم وخبير.

٥

{ عسى ربه } سز است وشايد بروردكار او.

يعنى النبى عليه السلام

{ ان طلقكن } اكر طلاق دهدشمارا كه زنان اوييد . وهو شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجواب محذوف او متقدم اى ان طلقكن فعسى

{ أن يبدله } اى يعطيه عليه السلم بدلكن

{ ازواجا } مفعول ثان ليبدله وقوله

{ خيرا منكن } صفة للازواج وكذا ما بعده من قوله مسلمات الى ثيبات وفيه تغليب المخاطب على الغائبات فالتقدير ان طلقكما وغير كما او تعميم لخطاب لكل الازواج بأن يكن كلهن مخاطبات لما عاتبهما بأنه قد صغت قلوبكما وذلك يوجب التوبة شرع فى تخوفيهما بان ذكر لهما انه عليه السلام يحتمل أن يطلقكما ثم انه ان طلقكما لا يعود ضرر ذلك الا اليكما لانه يبدله ازواجا خيرا منكما وليس فى الآية ما يدل على انه عليه السلام لم يطلق حفصة وان فى النساء خيرا منهن فان تعليق الطلاق للكل لا ينافى تطليق واحدة وما علق بام لم يقع لا يجب وقوعه يعنى ان هذه الخيرية لما علقت بما لم يقع لم تكن واقعة فى نفسها وكان الل عالما بأنه عليه السلام لا يطلقهن ولكن اخير عن قدرته على انه ان طلقهن ابدله خيرا منهن تخويفا لهن كقوله تعالى وان نتولوا يستبدل قوما غيركم لم لا يكونوا امثالكم فانه اخبار عن القدرة وتخويف لهم لا ان فى الوجود من هو خير من اصحاب محمد عليه السلام قيل كل عسى فى القرءآن واجب الا هذا

وقيل هو اليضا واجب ولكن اللّه علقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن فان المذهب انه ليس على وجه الارض نساء خير من امهات المؤمنين الا انه عليه السلام اذا طلقهن لعصيانهن له وأذاهن اياه كان غيرهن من الموصوفات بهذه الصفات مع الطاعة لرسول اللّه خيرا منهن وفى فتح الرحمن عسى تكون للوجوب فى ألفاظ القرآن واجب الا هذا

وقيل هو ايضا واجب ولكن اللّه علقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن فان المذهب انه ليس على وجه الارض نساء خير من امهات المؤمنين الا انه عليه السلام اذا طلقهن لعصبانهن له وأاهن اياه كان غيرهن من الموصوفات بهذه الصفات مع الطاعة لرسول اللّه خيرا منهن وفى فتح الرحمن عسى تكون للوجوب فى ألفاظ القرءآن الا فى موضعين احدهما فى سورة محمد هل عسيتم اى علمتم او تمنيتم والثانى هنا ليس بواجب لان الطلاق معلق بالشرط فلما لم يوجد الشرط لم يوجد الابدال

{ مسلمات مؤمنات } مقرات باللسان مخلصات بالجنان فليس من قبل التكرار او منقادات انقيادا ظاهريا بالجوارح مصدقات بالقلوب

{ قانتات } مطيعات اى مواظبات على الطاعة او مصليات

{ تائبات } من الذنوب

{ عابدات } متعيدات او متذللات لامر الرسول عليه السلام

{ سائحات } صائمات سمى الصائم سائحا لانه يسيح فى النهار بلا زاد فلا يزال ممسكا الى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم فى امساكه الى أن يجيء وقت افطاره وقال بعضهم الصوم ضربان صوم حقيقى وهو ترك المطعم والمشرك والمنح وصوم حكمى وهو حفظ الجوارح من المعاصى كالسمع والبصر واللسان والسائح هو الذى يصوم هذا الصوم دون الاول انتهى او مهاجرات من مكة الى المدينة اذ فى الهجرة مزيد شرف ليس فى غيرها كما قال ابن زيد ليس فى امة محمد سياحة الا الهجرة والسياحة فى اللغة الجولان فى الارض

{ ثيبات } شوهر ديدكان

{ وابكارا } ودحتران بكر.

والثيب الرجل الداخل بامرأة والمرأة المدخول بها يستوى فيه المذكر ولمؤنث فيجمع المذكر على ثيبين والمؤنث على ثيبات من ثاب اذا رجع سميت به المرأة لانها راجعة الى زوجها ان اقام بها والى غيره ان فارقها او الى حالتها الاولى وهى انه لا زوج لها فهى لا تخلو عن الوثب اى الرجوع وقس عليها الرجل وسميت العذرآء بالبكر لانها على اول حالتها التى طلعت عليها قال الراغب سميت التى لم تفتض بكرا اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فما يراد له النساء ففى البكر معنى الاولية والتقدم ولذا يقال البكرة لاول النهار والباكورة للفاكهة التى تدرك او لا وسط بينهما العاطف دون غيرهما لتنا فيهما وعدم اجتماعه٩ما فى ذات واحد بخلاف سائر الصفات فكأنه قيل ازواجا خيرا منكن متصفات بهذه الصفات المذكورة المحودة كائنات بعضها ثيبات تعريضا لغيرعائشة وبعضها ابكارا تعريضا لها فانه عليه السلام تزوجها وحدها بكرا وهو الوجه فى ايراد الواو الواصلة دون او الفاصلة لانها توهم ان الكل ثيبات او كلها ابكار قال السهيلى رحمه اللّه ذكر بعض اهل العام ان فى ههذا اشارة الى مريم البتول وهى البكر والى آسية بينت مراحكم امرأة فرعون وان اللّه سيزوجه عليه السلام اياهما فى الجنة كما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال أبو الليث رحمه اللّه تكون وليمة فى الجنة ويجتمع عليها اهل الجنة فيزوج اللّه هاتين المرأتين يعنى آسية ومريم من محمد عليه السلام وبدأ بالثيب قبل البكر لان زمن آسية قبل زمن مريم ولان ازواج النبى عليه السلام كلهن ثيب الا واحدة وافضلهن خديجة وهى ثيبت فتكون هذه القبيلة من قبيلة الفضل والزمان ايضا لانه تزوج الثيب منهن قبل البكر وفى كشف الاسرار ( روى ) عن معاذ بن جبل رضى اللّه عنه ان النبى عليه السلام دخل على خديجة وهى تجود بنفسها يعنى وى وفات ميكند.

فقال أتكرهين ما نزل بك يا خديجة وقد جعل اللّه فى الكرة خيرا كثيرة فاذا قدمت على ضر انك فاقريئهن منى السلام فقالت يا رسول اللّه ومن هن قال مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وحليمة اخت موسى فقالت بالرفاء والبنين اى اعرست ملتبسا بالرفاء وهو التئام والانفاق والمقصود حسن المعاشرة وكان هذا دعاء الاوآئل للمعرس واحترز بالبنين عن البنات ثم نهى النبى عليه السلام عن هذا الاول وامر بأن يقول من دخل على الزوج بارك اللّه لك وبارك عليك وجمع بينكما فى خير ثم ان المراد من الابدار أن يكون فى الدنيا كما افاده قوله تعالى ان طلقكن لان نساء الجنة يكن ابكارا سوآء كن فى الدنيا ثيبات او ابكارا وفى الحديث

( ان الرجل من اهل الجنة ليتزوج خمسمائة حورآء واربعة آلاف ثيبت وثمانية الاف بكر يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره فى الدنيا ) فان قلت فاذا يكون اكثر اهل الجنة النساء وهو مخالف لقوله عليه السلام ( يا معشر النساء تصدقن فانى أريتكن اكثر اهل النار ) قلت لعلم المراد بالرجل بعض الرجال لان طبقات الابرار والمقربين متفاوته كما دل عليه قوله عليه السلم ( أدنى اهل الجنة الذى له اثنتان وسبعون زوجة وثمانون ألف خادم ولا بعد فى كثرة الخادم ) لما

قال بعضهم ان اطفال الكفار خدام اهل الجنة على ان الخدام لا ينحصرون فيهم بل لاهل الجنة خدام اخر فان قلت كان عليه السام يحب الأخف الأيسر فى كل شئ فلما ذا كثر من النساء ولم يكتف منهن بواحدة او ثنتين قلت ذلك من اسرار النبوة ولذا لم يشبع من الصلاة ومن النساء ( روى ) انه عليه السلام أعطى قوة أربعين رجلا فى البطش والجماع وكل حلال يكدر النس الا الجماع الحلال فانه يصفيها ويجلى العقل والقلب والصدر ويورث السكون باندفاع الشهودة المحركة على ان شهوة الخواص ليست كشهوة العوام فان نار الشهوة للخواص بعد نور المحبة وللعوام قبله ثم ان فى الآيات المتقدمة فوآئد منها ان تحريم الحلال غير مرضى كما ان ابتغاء رضى الزوج بغير وجهه وجه ليس بحسن ومنها ان افشاء السر ليس فى المروءة خصوصا افشاء اسرار السلاطين الصورية والمعنوية لا يعفى وكل سر جاوز الاثنين شاع اى المسر والمسر اليه او الشفتين ومنها ان من الواجب على اهل الزلة التوبة والرجوع قبل الرسوه واشتداد القساوة ومناه ان الكبارة وجمال الصورة وطلاقة اللسان ونحوها وان كانت نفاسة جسمانية مرغوبة عند الناس لكن الايمان والاسلام والقنوت والتوبة ونحوها نفاسة روحانية مقبولة عند اللّه وشرف الحسب أفضل من شرف النسب والعلم الدينى والأدب الشرعى هما الحسب المحسوب من الفضائل فعلى العاقل أن يتجلى بالورع وهو الاجتباب عن الشبهات والتقوى وهو الاجتناب عن المحرمات ويتزين بزين انواع المكارم والاخلاق الحسنة والاوصاف الشريفة المستحسنة.

٦

{ يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم } امر من الوقاية بمعنى الحفظ والحماية والصيانة اصله او قيوا كاضربوا والمراد بالنفس هنا ذات الانسان لا النفس الامارة والمعنى احفظوا وبعدوا أنفسكم وبالفارسية نكاه داريد نفسهاى خودرا ودور كنيد . يعنى بترك المعاصى وفعل الطاعت

{ وأهليكم } بالنصح والتأديب والتعليم اصله أهلين جمع اهل حذفت النون بالاضافة وقد يجمع على اهالى على غير قياس وهو كل من فى عيال الرجل والنفقته من المرأة والولد والأخ والاخت والعم وابنه والخادم ويفسر بالاصحاب ايضا ودلت الآية على وجوب الأمر بالمعروف للأقرب فالأقرب وفى الحديث ( رحم اللّه رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل اللّه يجمعكم معهم فى الجنة ) وفى الحديث ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) وهو من الرعاية بمعنى الحفظ يعنى كلكم ملتزم بحفظ ما يطالب به من العدل ان كان وليا ومن عدم الخيانة ان كان موليا عليه وكلكم مسئول عما التزم حفظه يوم القيامة فالامام على الناس راع والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولد وعبد الرجل راع على مال سيده والكل مسئول

وقيل أشد الناس عذابا يوم القيامة من جهل اهله وخص الأهلين بالنصيحة مع ان حكم الاجانب كحكمهم فى ذلك لان الاقارب اولى بالنصيحة لقربهم كما قال تعالى قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وقال تعالى وانذر عشيرتك الاقربين ولان شرآئط الامر والنهى قد لا توجد فى حق الاجانب بخلاف الاقارب لا سيما الاهل فان الرجل سلطان اهله وقال بعض اهل الشارة فى الآية طهروا أنفسكم عن دنس محبة الدنيا حتى تكون اهاليكم صالحين بمتابعتكم فاذا رغبتم فى الدنيا فهم يشتغلون بها فان زلة الامام زلة المأمومين وقال القاشانى رحمه اللّه الأهل بالحقيق هو الذى بينه وبين الرجل تعلق روحانى واتصال عشقى سوآء اتصل به اتصالا جسمانيا ام لا وكل ما تعلق به تعلقا عشقيا فبالضرورة يكون معه فى الدنيا والآخرة فوجب عليه وقايته وحفظه من النارى كوقاية نفسه فان زكى نفسه عن الهيئات الظلمانية وفيه ميل ومبحة لبعض النفوس المنغمسة فيها لم يزكها بالحقيقة لانه بتلك المحبة ينجذب اليها فيكون معها فى الهاوية محجوبا بها سوآء كانت قواه الطبيعية الداخلة فى تركيبه ام نفوسا انسانية منتكسة فى عالم الطبيعة خارجة عن ذاته ولهذا يجب على الصادق محبة الاصفياء والاولياء ليحشر معهم فان المرء يحشر مع من احب

{ نارا } نوعا من النار

{ وقودها } ما يوقد به تلك النار يعنى حطبها وبالفارسية آتش انكيزوى.

فالوقود بالفتح اسم لما توقد به النار من الحطب وغيره والوقود بالضم مصدر بمعنى الانقاد وقرئ به بتقدير اسباب وقودها او بالحمل على المبالغة

{ الناس } كفار الانس والجن وانما لم يذكر الجن ايضا لان المقصود فى الآية تحذير الانس ولان كفار الجن تابعة لكفار النس لان التكذيب انما صدر اولا من الانس

{ والحجارة } اى تتقد بها ايضا اتقاد غيرها بالحطب ففيه بيان لغاية احراقها وشدة قوتها فان انقاد النار بالحجارة مكان الحطب من الشجرة يكون من زيادة حرها ولذلك قال عليه السلام باركم جزء من سبعين جزأ من نار جهنم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما هى حجارة الكبريت وهى اشد الاشياء حرا اذا اوقد عليها ولها سرعة الاتقاد ونتن الرآئحة وكثرة الدخان وشدة الالتصاق بالابدان فيكون العذاب بها اشد

وقيل وقودها الناس اذا صاروا اليها ولحجارة قبل أن يصيروا اليها ( قال الكاشفى ) تابتان سنكين كه كفارمى برستند.

دليله قوله تعالى انكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم وقرن الناس بالحجارة لانهم نحتوها واتخذوها اربابا من دون اللّه يا كنجهاى زروسيم كه منشأ آن سنكست

زدوسيمند سنك زرد وسفيد ... اندرين سنكها مينداميد

دلى ازسنك سختتربايد ... كه زسمكيش راحت افزايد

دل ازين سنك اكرتوبرنكنى ... سرز حسرت بسى بسنك زنى

وقيل أراد بالحجارة الذين هم فى صلابتهم عن قبول الحق كالحجارة كمن وصفهم بقوله فهى كالحجارة او اشد قسوة كما قال فى التأويلات النجمية يا أيها الذينان آمنوا بالايمان العلمى قوا أنفسكم واهليكم من القوى الروحانية نار حجاب البعد والطرد التى يوقدها حطب وجود الناسين ميثاق ألست بربكم قالوا بلى وحجارة قلوبهم القاسية وهم الصفات البشرية الطبيعية الحيوانية البهيمية السبعة الشيطانية انتهى وامر اللّه المؤمنين باتقاء هذه النار المعدة للكافرين كما نص عليه فى سورة البقرة حيث قال فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين للمبالغة فى التحذير ولان الفساق وان كانت دركاتهم فوق دركات الكفار فانهم تبع للكفار فى دار واحد فقيل للذين آمنوا قوا أنفسكم باجبناب الفسوق مجاورة الذين اعدت لهم هذه النار اصالة ويبعد أن يأمرهم بالتوقى عن الارتداد كما فى التفسير الكبير

{ عليها } اى على تلك النار العظيمة

{ ملائكة } تلى امرهم وتعذيب اهلها وهم الزبانية التسعة عشر واعوانهم فليس المراد بعلى الاستعلاء الحسى بل الولاية والقيام والاستيلاء والغلبة على ما فيها من الامور قال القاشانى هى القوى السماوية والملكوتيه الفعالة فى الامور الارضية التى هى روحانيات الكواكب السبعة والبروج الاثنى عشر المشار اليها بالزبانية التسعة عشر وغيرها من المالك الذى هو الطبيعة الجسمانية الموكلة بالعالم السفلى وجميع القوى والملكوت المؤثرة فى الاجسام التى لو تجردت هذه النفوس الانسانية عنها ترقت من مراتبها والصلب بعالم الجبروت وصارت مؤثرة فى هذه القوى الملكونية ولكنها لما انغمست فى الامور البدنية وقرنت أنفسها بالاجرام الهيولانية المعبر عنها بالحجارة صارت متأثرة منها محبوسة فى اسرها معذبة بأيديها

{ غلاظ } غلاظ القلوب بالفارسية سطبر جكران.

جمع غليظ بمعنى خشن خال قلبه عن الشفقة والرحمة

{ شداد } شداد القوى جمع شديد بمعنى القوى لانهم اقوياء لا يعجزون عن الانتقام من اعدآء اللّه على ما مروا به

وقيل غلاظ الاقوال شداد الافعال اقوياء على الافعال الشديده يعملون بأرجلهم كما يعملون بأيديهم اذا استرحموا لم يرحموا لانهم خلقوا من الغضب وجبلوا على القهر لا لذة لهم الا فيه فمقتضى جبلتهم تعذيب الخلق بلا مرحكمة كام ان مقتضى الحيوان الاكل والشرب ما بين منكى احدهم مسيرة سنة او كما بين المشرق والمغرب بضرب احدهم بمقمعته ضربة واحدة سبعين ألفا فيهوون فى النار

{ لا يعصون اللّه ما امرهم } اى امره فى عقوبة الكفار وغيرها على انه بدل اشتمال من اللّه وما مصدرية او فيما امرهم به على نزع الخافض وما موصولة اى لا يمتنعون من قبول الامر ويلتمزنه ويعزمون على اتيانه فليست هذه الجملة مع التى بعدها فى معنى واحد ( وقال الكاشفى )

برشوت فرفته نشوند تامخالفت امربايد كرد ... كأعوان ملوك الدنيا يمتنعن بالرشوة

{ ويفعلون ما يؤمرون } اى يؤدون ما يؤمرون به من غير تثاقل وتوان وتأخير وزيادة ونقصان وقال القاضى لا يعصون اللّه ما امرهم فيما مضى ويستمرون على فعل ما يؤمرون به فى المستقبل

قال بعضهم لعل التعبير فى الامر اولا بالماضى مع نفى العصيان بالمستقبل لما ان العصيان وعدمه يكونان بعد الامر وثانيا بالمستقبل لما امرهم بعذاب الاشقياء يكون مرة بعد مرة قال بعض الكبار فى هذه الآية دليل على عصمة جميع الملائكة السماوية وذلك لانهم عقول مجردة بلا منازع ولا شهوة فيهم مطيعون بالذات بخلاف البشر والملائكة الى السماء ابدا كما ان منهم من لا ينزل من السماء الى الارض ابدا وفيها دليل ايضا على انه لا نهى عند هؤلاء الملائكة فلا عبادة للنهى عندهم ففاتهم اجر ترك المنهيات بخلاف الثقلين وملائكة الارض فانهم جمعوا بين اجر عبادة الامر واجر اجتناب النهى قال الكرمانى فى شرح البخارى ان قلت التروك ايضا عمل لان الاصح ان الترك كف النفس فيحتاج الى النية قلت نعم اذا كان المقصود امثال امر الشارع وتحصيل الثواب اما فى اسقاط العقاب فلا فالتارك للزنى يحتاج فيه لتحصيل الثواب الى النبة وما اشتهر ان التروك لا تحتاج اليها يريدون به فى الاسقاط يعنى لو أريد بالتروك وتحصيل الثواب وامتثال امر الشارع لا فيه من قصد الترك امتثالا لامر الشارع فتارك الزنى ان قصد تركه امتثال الا مريثات

٧

{ يا أيها الذين كفروا } ايى يقال لهم عند ادخال الملائكة اياهم النار حسما امرو وابه يعنى جون زبانيه كافران رابكناه دوزخ آرند ايشان آغاز اعتذار كرده داعية خلاصى نمايند بس حق تعالى باملائكة كويد يا ايها الذين كفروا

{ لا تعتذروا اليوم } اى فى هذا اليوم يعنى عذر مكوييد امر وزكه عذر مقبول نيست وفائده نخواهد داد.

قال القاشانى اذ ليس بعد خراب البدن ورسوخ الهيئات المظلمة الى الجزآء على اعمال لامتناع الاستكمال ثمه والاعتذار بالفارسية عذر خواستن.

يقال اعتذرت الى فلان من جرمى ويعدى بمن والمعتذر قد يكون محقا وغير محق قال الراغب العذر تجرى الانسان ما يمحو به وذلك ثلاثة اضرب ان يقول لم أفعل او يقول فعلت لاجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا او يقول فعلت ولا أعود ونحو ذلك وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر وليس كل عذر توبة واعتذرت اليه تيت بعذر وعذرته قبلت عذره

{ انما تجزون ما كنتم تعملون } فى الدنيا من الكفر والمعاصى بعد ما نهيتم عنها اشد النهى وامرتم بالايمان والطاعة فلا عذر لكم قطعا أى حقيقة وانهى عن الاتيان بما هو عذر صورة فى حسبانهم وفى بعض التفاسير لا تعذروا اليوم لما انه ليس لكم عذر يعتد به حتى يقبل فينفعكم وهذا النهى لهم ان كان قبل مجيئ الاعتذار منهم فيوافق ظاهر قوله تعالى ولا يؤذن لهم فيعتذرون وان كان بعده فيؤول هذا القول وقال لا يؤذن لهم أن يتموا اعتذارهم ولا يسمع اليه وفى التأويلات النجمية قل للذين ستروا الحق بالباطل وحجبوا عن شهود الحق فى الدنيا لا تطلبوا مشاهدة الحق فى الآخرة انما تكافأون بعدم رؤية الحق اليوم لعدم رؤيتكم له فى يوم الدنيا كما قال ومن كان فى هذه اعمى فهو فى الآخرة اعمى واضل سبيلا انتهى.

قال بعض العارفين لا يتحسر يوم القيامة على فوات الاعمال الصالحة الا العامة اما العارفون فلا يرون لهم عملا يتحسرون على فواته بل ولا يصح الفوات ابدا انما هى قسمة عادلة يجب على كل عبد الرضى بها وقول الانسان أنا مقصر فى جنب اللّه هو من باب هضم النفس لا حقيقة اذ لا يقدر احد أن ينقص مما قسم له ذرة ولا يزيد عليه ذرة فلا يصح الخدم الا فى عمال توهم العبد انهاله ثم فوتها وذلك لا يقوله عارف ( مصراع ) در دائره قسمت من نقطه تسلم.

٨

{ يا أيها الذين آمنوا توبا الى اللّه توبة نصوحا } التوبة أبلغ وجوه الاعتذار بان يقول فعلت وأسأت وقد اقلت وفى الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من العمال بالاعادة فمتى اجتمع هذه الاربعة قد كملت شرائط التوبة كما فى المفردات والنصح تحرى فعل او قول فيه صلاح صاحبه والنصوح فعول من ابينة المبالغة كقولهم رجل صبور وشكور اى بالغة فى النصح وصفت التوبة بذلك على الاسناد المجازى وهو وصف التائبين وهو أن ينصحوا أنفسم بالتوبة فيأتوا بها على طريقتها وذلك أن يتوبوا من القبائح لقبحها نادمين عليها مغتمين اشد الاغتمام لارتكابها عازمين على انهم لا يعودون فى قبيح من القبائح الا أن يعود اللبن فى الضرع وكذا لو حزوا بالسيف واحرقوا بالنار موطنين أنفسم على ذلك بحيث لا يلويهم عنه صارف اصلا وعن على رضى اللّه عنه انه سمع اعرابيا يقول اللهم انى استغفرك وأتوب اليك فقال يا هذا ان سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين قال وما التوبة قال ان التوبة يجمعها ستة اشياء على الماضى من الذنوب الندامة وللفرآئض الاعادة اى القضاء صلاة او صوما او زكاة او نحوها ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تذيب نفسك فى طاعة اللّه كما ربيتها فى المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصى قال سعدى المفتى والمذهب السنى انه يكفى فى تحقق التوبة الندم والعزم على أن لا يعود بخلاف اهل الاعتزال حيث يلزم فى تحققها عندهم رد المظالم وهو عندنا غير واجب فى التوبة قال بعض الكبار ما لم يتكن التوبة عامة من جميع المخالفات فهى ترك لا توبة

وقيل نصوحا من نصاحة الثوب بالفتح وهى بالفرسية جامعه دوختن اى توبة ترفوا خروقك فى دينك وترم خللك وفى الحديث ( المؤمن واه راقع فطوبى لمن مات على رقعه ) ومعناه أن يخرق دينه ثم يرقعه بالتوبة ونحوه استقيموا ولن تحصوا اى لن تستطيعوا أن تستقيموا فى كل شئ حتى لا تميلوا ومنه يا حنظلة ساعة فساعة ومن بلاغات الزمخشرى ما منع قول الناصح أن يروقك وهو الذى ينصح خروقك شبه فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب

وقيل خالصة من قولهم عسل ناصح اذا خلص من الشمع شبه التوبة فى خلوصها بذلك وكذا تخلص قول الناصح من الغشب بتخلص العسل من الخلط ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس اى تدعوهم الى مثلها لظهور اثرها فى صاحبها واستعماله الجد والعزيمة فى العمل بمقتضياتها وقال ذو النون المصرى قدس سره التوبة ادمان البكاء على على ما سلف من الذنوب والخوف من الوقوع فيها وهجران اخوان السوء وملازمة اهل الجنة وقال التسترى رحمه اللّه هى توبة ا لسنى لا المبتدع لانه لا توبة له بدليل قوله عليه السلام حجر اللّه على كل صاحب بدعة أن يتوب وقال الواسطى قدس سره هى أن يتوب لا لغرض وقال الشيخ أبو عبد اللّه بن حفيف قدس سره طالب عباده بالتوبة وهو الرجوع اليه من حيث ذهبوا عنه والنصوح فى التوبة الصدق فيها وترك ما منه تاب سرا وعلنا وقولا وفكرا وقال القاشانى رحمه اللّه مراتب التوبة كمراتب التقوى فكما ان اول مراتب التقوى هو الاجتناب عن المنهيات الشرعية وآخرها الاتقاء عن الانانية والبقية فكذلك التوبة اولها الرجوع عن المعاصى وآخرها الرجوع عن ذنب الوجود الذى هو من امهات الكبائر عند اهل التحقيق

{ عسى ربكم } شايد بروردكار شما وفى كشف الاسرار اللّه برخود واجب كرد نائب را از شما

{ أن يكفر عنكم سيئاتكم } يسترها بل يمحوها ويبدلها حسنات

{ ويدخلكم جنات } جمع جنات اما لكثرة المخاطبين لان لكل منهم جنة او لتعددها لكل منهم من الانواع

{ تجرى من تحتها الانهار } قال فى الارشاد ورود صيغة الاطماع والترجية للجرى على سنن الكبرياء فان الملوك يجيبون بلعل وعسى ويقع ذلك ذلك موقع القطع والاشعار بأنه تفضل والتوبة غير موجبة له وان العبد ينبغى أن يكون بين خوف ورجاء وان بالغ فى اقامة وظائف العبادة.

يقول الفقير التكفير اشارة الى الخلاص من الجحيم لان السيئات هى سبب العذاب فاذا ذال السب زال المسبب وادخال الجنات اشارة الى التقريب لان الجنان موضع القرب والكرامة وجريان الانها اشارة الى الحياة الأبدية لان الماء اصل الحياة وعنصرها فلا بد للانسان فى مقابلة هذه الانهار من ماء العلم ولبن الفطرة وعسل الالهام وخمر الحال فكما ان الحياة المعنوية فى الدنيا انما تحصل بهذه الاسباب فكذا الحياة الصورية فى الآخرة انما تحصل بصورا

{ يوم لا يخزى اللّه النبى } ظرف ليدخلكم والاخزآء دور كردن ورسوا كردن وخوار كردن وهلاك كردن.

ومعنى هذه الكلمة يقرب بعضها من بعض كما فى تاج المصادر والنبى المعهود.

يعنى روزى كه حجل نكند خداى تعالى بيغمبررا يعنى نه نفس اورا عذاب كندونه شفاعت اورا درباره عاصبان مردود سازد.

قال بعض اهل التفسر يخزى اما من الخزى وهو الفضاحة فيكون تعريضا للكفرة الذين قال اللّه تعالى فيهم ان الخزى اليوم والسوء على الكافرين او من الخزاية بمعنى الحياء والخجل وهو الأنسب هنا بالنظر الى شأن الرسول خصوصا اذا تم الكلام فى النبى وان أريد المعنى الاول حينئذ يجوز أن يكون باعتبار أن خزى الامة لا يخلو عن انشاء خزى ما فى الرسول على ما يشعر به قوله فى دعائه اللهم لا تخزنا يوم القيامة ولا تفضحنا يوم اللقاء بعض الاشعار حيث لم يقل لا تخزنى كما قال ابراهيم عليه السلا ولا تخزنى يوم يبعثون ليكيون دعاؤه عاما لامته من قوة رحمته وأدخل فيهم نفسه العالية من كمال مروءته قيل الخزى كناية من العذات لملازمة بينهما والاولى العموم لكل خزى يكون سببا من الاسباب من الحساب والكتاب والعقاب وغيرها

{ والذين آمنوا معه } عطف على النبى ومعه صلة لا يخزى اى لا يخزى اللّه معه الذين آمنوا اى يعمهم جميعاً بأن لا يخزيهم او حال من الموصول بمعنى كائنين معه او متعلق بآمنوا وهو الموافق لقوله تعالى واسلمت مع سليمان اى ولا يخزى المؤمنين الذين اتبعوه فى الايمان كما قال آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون وذلك بسوء الحساب والتعبير والعتاب وذل الحجاب ورد الجواب فيحاسبهم حسابا يسيرا بل ويرفع الحساب عن بعضهم ويلاطفهم ويكشف لهم جماله ويعطى مأمولهم من الشفاعة لاقاربهم واخوانهم ونحولهم وقال داود القيصرى رحمه اللّه فى قوله تعالى واسلمت مع سليمان اى اسلام سليمان اى اسلمت كما اسلم سليمان ومع فى هذا الموضع كمع فى قوله يوم لا يخزى اللّه النبى والذين آمنوا معه وقوله وكفى باللّه شهيدا محمد رسول اللّه والذين معه ولا شك ان زمان ايمان المؤمنين ما كان مقارنا لزمان ايمان الرسول وكذا اسلام بلقيس ما كان عند اسلام سليمان فالمراد كما انه آمن باللّه آمنوا باللّه وكما انه اسلم اسلمت لله انتهى كلام القيصرى وتم الكلام عند قوله معه وفيه تعريض بمن اخزاهم اللّه من اهل الكفر ولافسوق كما سبق واستحماد الى المؤمنين على انه عصمهم من مثل حالهم

وقيل قوله والذين الخ مبتدأ خبره ما بعده من قوله نورهم الخ او خبره معه والمراد بالايمان هو الكامل حينئذ حتى لا يلزم أن لا يدخل عصاة المؤمنين النار

{ نورهم } اى نور ايمانهم وطاعتهم على الصراط قال فى عين المعانى نور الاخلاص على الصراط لاهل المعاملة بمنزلة الشمع ونور الصدق لارباب الاحوال بمنزلة القمر ونور الوفاء لاهل المحبة بمنزلة شعاع الشمس

{ يسعى } السعى المشى القوى السريع ففيه اشارة الى كمال اللمعان

{ بين ايديهم } اى يضيء بين ايديهم يعنى قدامهم جمع يد يراد بها قدام الشئ لتكون بين اليدين غالبا فالجمع اما باطلاقه على التثنية او بكثرة ايدى العباد

{ وبأيمانهم } جمع بيمين مقابل الشمال اى وعن ايمانهم وشمائلهم على وجه الاضمار يعنى جهة ايمانهم وشمائلهم او عن جميع جهاتهم وانما اكتفى بذكرهما لانهما أشرف الجهاد ومن ادعيته عليه السلام اللهم اجعل فى قلبى نورا وفى سمعى نورا وفى بصرى نورا وعن يمينى نورا وعن شمالى نورا وأمامى نورا وخلفى نورا وفوقى نورا وتحتى نورا واجعلنى نورا وقال بعضهم تخصيص الأيدى والايمان لان ارباب السعادة يؤتون صحائف اعمالهم منهما كما ان اصحاب الشقاوة يؤتون من شمائلهم و ورآء ظهورهم فيكون ذلك علامة لذلك وقائدا على الصراط الى دخول الجنة وزينة لهم فيها وقال القاشانى نورهم يسعى بين أيديهم اى الذين لهم بحسب النظر والكمال العلمى وبأيمانهم اى الذى لهم بحسب العمل وكماله اذ لنور العلمى من منبع الوحدة والعلمى من جانب القلب الذى هو يمين النفس او نور السابقين منهم يسعى بين أيديهم ونور الابرار منهم يسعى بايمانهم وقد سبق تمامه فى سورة الحديد وفى الحديث من المؤمنين من نوره ابعد ما بيننا وبين عدن ابين ومنهم من نوره لا يجاوز قدمه

{ يقولون } اى يقول المؤمنون وهو الظاهر او الرسول لامته والمؤمنون لانفسهم اذا طفئ نور المنافقين اشفاقا اى يشفقون على العادة البشرية على نورهم ويتفكرون فميا مضى منهم من الذنوب فيقولون

{ ربنا } اى بروردكارما

{ اتمم لنا نورنا } نكاه دار وباقى دار نورما تابسلامت بكذريم.

فيكون المراد بالاتمام هو الادامة الى ان يصلوا الى دار السلام

{ واغفر لنا } يعنى از ظلمت كناه باك كن

{ انك على كل شئ قدير } من الاتمام والمغفرة وغيرهما

وقيل يدعون تقربا الى اللّه تعالى مع تمام نورهم كقوله واستغفر لذنبك وهو مغفور له قال فى الكشاف كيف يتقربون وليست الدار دار تقرب قلت لما كانت حالهم كحال المتقربين يطلبون ما هو حاصل لهم من الرحمة سماه تقربا

وقيل يتفاوت نورهم بحسب اعمالهم فيسألون اتمامه نقضلا فيكون قوله يقولون من باب بنو افلان قتلوا زيدا

وقيل السابقون الى الجية يمرون مثل البرق على الصراط وبعضهم كالريح وبعضهم حبو او زخفا واولئك الذين يقولون ربنا اتمم لنا نورنا وقال سهل قدس سره لا يسقط الافتقار الى اللّه عن المؤمنين فى الدنيا ولآخرة وهم فى العقبى اشد افتقار اليه وان كانوا فى دار العز والغنى ولشوقهم الى لقائه يقولون اتمم لنا نورنا.

واعلم ان ما لا يتم فى هذه الدار لا يتم هناك الا ما كان متعلق النظر والهمة هنا فاعرف ثم ان الانوار كثيرة نور الذات ونور الصفات ونور الافعال ونور الافعال ونور العبادات مثل الصلاة والوضوء وغيرهما كما قال عليه السلام فى حديث طويل ( والصلاة نور والسر فيه ان المصلى يناجى ربه ويتوجه اليه ) وقد قال عليه السلام ( ان العبد اذا قام يصلى فان اللّه ينصب له وجهه تلقاءه واللّه نور وحقيقة العبد ظلمانية فالذات المظلمة اذا واجهت الذات النيرة وقابلتها بمحاذات صحيحة فانها تكتسب من انوار الذات النيرة ألا ترى ان القمر الذى هو فى ذاته جسم اسود مظلم كشيف صقيل كيف يكتسب النور من الشمس بالمقابلة وكيف يتفاوت اكتسابه للنور بحسب التفاوت الحاصل فى المحاذاة والمقابلة فاذا تمت المقابلة وصحت المحاذاة كمل اكتساب النور وفى الحديث بشر المشائين فى الظلم الى المساجد بالنور التام فى يوم القيامة وفيه اشارة الى ان كل ظلمة ليست بعذر لترك الجماعة بل الظلمة الشديدة فان الاعذار التى تبيح التخلف عن الجماعة المرض الذى يبيح التيمم ومثله كونه مقطوع اليد والرجل من خلاف او مفلوجا او لا يستطيع المشى او أعمى او المطر والطين والبرد الشديد والظلمة الشديدة للصحيح وكذا الخوف من السلطان او غيره من المتغلبين وفى الحديث وددت انا قد رأينا اخواننا )

قالوا يا رسول اللّه ألسنا اخوانك قال انتم اصحابى واخواننا الذين لم يأتوا بعد فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من امتك يا رسول اللّه فقال أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهرانى خيل دهم بهم ألا يعرف خليله قالوا بلى يا رسول اللّه قال فانهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وانا فرطهم على الحوض استعار عليه السلام لأثر الوضوء من البياض فى وده المتوضى ويديه ورجليه بنور الوضوء يوم القيامة من البياض الذى فى وجه الفرس ويديه ورجليه فان الغر جمع الاغر والغرة بالضم بياض فى جبهة الفرس فرق الدرهم والتحجيل بتقديم الحاء المهملة بياض قوآئم الفرس كلها ويكون فى رجلين ويد وفى رجلين فقط وفى رجل فقط ولا يكون فى اليدين خاصة الا مع الرجلين والدهم جمع الأدهم بمعنى الاسود فان الدهمة بالضم السواد والبهم جمع الأبهم وفرس بهيم اذا كان على لون واحد لم يشبه غيره من الالوان ومنه استعير ما روى انه يحشر الناس يوم القيامة بهما بالضم اى ليس بهم شئ مما كان فى الدنيا نحو البرص والعرج والفرط بفتحتين المتقدم لاصلاح الحوض والدلو

٩

{ يا ايها النبى } اى رسول خبر دهنده يا بلند قدر

{ جاهد الكفار } بالسيف يعنى جهادكن با كافران بشمشير

{ والمنافقين } بالحجة او بالوعيد والتهديد او بالقائم بوجه قهر أو بافساد سرهم وقال القاشانى جاهد الكفار والمنافقين للمضادة الحقيقية بينك وبينهم قيل النفاق مستتر فى القلب ولم يكن للنبى عليه السلام سبيل الى ما فى القلوب من النفاق والاخلاص الابعد اعلام من قبل اللّه فأمر عليه السلام بمجاهدة من علمه منافقا باعلام اللّه اياه باللسان دون السيف لحرمة تلفظه بالشهادتين وأن يجرى عليه احكام المسلمين ما دام ذلك الى أن يموت

{ واغلظ عليهم } واستعمل الحشونة على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة وفيه اشارة الى ان الغلظة على اعدآء اللّه من حسن الخلق فان ارحم الرحماء اذا كان مأمورا بالغلظة عليهم فما ظنك بغيره فهى لا تنافى الرحمة على الاحباب كما قال تعالى أشدآء على الكفار رحماء بينهم

{ ومأواهم جهنم } سيرون فيها عذاب غليظا يعنى ومقام باز كشت كفران ومنافقان اكر ايمان نيارند ومخلص نشوند دوزخست.

قال القاشانى ما داموا على صفتهم او دآئما ابدا الزوال استعدادهم او عدمه

{ وبئس المصير } اى جهنم او مصيرهم وفيه تصريح بما علم التزاما مبالغة فى ذمهم وفيه اشارة الى نبى القلب المجاهد فى سبيل اللّه فانه مأمور بجهاد الكفار اى النفس الامارة بالسوء وصفاتها الحيوانية الشهوانية وبجهاد المنافقين اى الهوى المتبع وصفاته البهيمية والسبعية وبالغلظة عليهم بسيف الرياضة ورمح المجاهدة ومقامهم جهنم البعد والحجاب وبئس المصير اذ ذل الحجاب وبعد الاحتجاب اشد من شدة العذاب.

يقول الفقير اذا كان الاعدآء الظاهرة يحتاجون الى الغلظة والشدة فما ظنك باعدى الاعدآء وهى النفس الامارة ففى الغلظة عليها نجاة وفى اللين هلاك ولذا قال بعض الشعراء

هست نرمى آفت جون سمور ... وزدرشتى مى برد جان خاربشت

وفى المثل العصا لمن عصا وقول الشيخ سعدى

درشتى ونرمى بهم در بهست ... جو فصاد جراح ومرهم نهست

يشير الى ان للمؤمن صفحة الجمال والجلال وبهاء الكمال فأول المعاملات الجمال لان اللّه تعالى سبقت رحمته ثم الجلال فلما لم تقبل الكفار الدعوة بالرفق واللين وكذا المنافقون الاخلاص واليقين امر اللّه تعالى نبيه عليه السلام بالغلظة عليهم ليظهر احكام كل من الاسماء المتقابلة ففيه اشارة الى ان من خلق للرحمة وهم المؤمنون الا يغضب عليهم لوا يغلظ لانه قلب الحكمة وعكس المصلحة وان من خلق للغضب وهم الكفار والمنافقون لا يرحم لهم ولا يرفق بهم لذلك ودخل فيهم اهل البدعة للغضب وهم الكفار والمنافقون لا يرحم لهم ولا يرفق بهم لذلك ودخل فيهم اهل البدعة ولذا لا يجوز أن يلقاهم السنى بوجه طلق وقد عاب اللّه بعض من فعل ذلك فعلى المؤمن أن يجتهد فى طريق الحق حتى يدفع كيد الأعدآء ومكر الشياطين عن الظاهر والباطن ويديم ذلك لان به يحصل الترقى الذى هو من خصائص الانسان ولذا خص الجهاد بالثقلين

واما جهاد الملائكة فبالتبعية او بتكثير السواد فاعرف.

١٠

{ ضرب اللّه مثلا للذين كفروا } ضرب المثل فى امثال هذه المواضع عبارة عن ايراد حالة غريبة ليعرف بها حالة اخرى مشاكلة لها فى الغرابة اى يجعل اللّه مثالا لحال هؤلاء الكفرة حالا ومآلا على ان مثلا مفعول ثان لضرب واللام متعلقة به

{ امرأة نوح وامرأة لوط } اى حالهما مفعوله الاول اخر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما ويتضح بذلك حال هؤلاء وامرأة نوح هى واعلة بالعين المهمله او والعة وامراة لوط هى واهلة بالهاء

{ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين } بيان لحكالهما الداعية لهما الى الخير والصلاة والمراد بكونهما تحتهما وكونهما فى حكمهما وتصرفهما بعلاقة النكاح والزواج وصالحين صفة عبدين اى كانتا تحت تكاح نبيين وفى عصمة رسولين عظيمين الشان متمكنتين من تحصيل خير الدنيا والآخرة وخيازة سعادتهما واظهار العبدين المراد بهما نوح ولوط لتعظيمهما بالاضافة التشريفية الى ضمير التعظيم والوصف بالصلاح والا فيكفى أن يقول تحتهما وفيه بيان شرف العبودية والصلاح

{ فخانتاهما } بيان لما صدر عنهما من الجناية العظيمة مع تحقق ما ينفيهما من صحة النبى والخيانة ضد الامانة فهى انما تقال اعتبارا بالعهد والامانة اى فخانتاهما بالكفر والنفاق والنسبة الى الجنون والدلالة على الاضياف ليتعرضوا لهم بالفجور لا بالبغاء فانه ما بغت امرأة نبى قط فالبغى للزوجة شد فى ايراث الانفة لاهل العار والناموس من الكفر وان كان الكفر اشد منه فى أن يكون جرما يؤاخذ به العبد يوم القيامة وهذا تصوير لحالهما المحاكية لهؤلاء الكفرة فى خيانتهم لرسول اللّه عليه السلام بالكفر والقصيان مع تمكنهم التام من الايمان والطاعته

{ فلم يغنيا } الخ بيان لما ادى اليه خيانتهما اى فلم يغن النبيان

{ عنهما } اى عن تينك المرأتين بحق الرواج

{ من اللّه } اى من عذابه تعالى

{ شيأ } من الاغناء اى لم يدفعا العذاب عنهما زن نوح غرق شد بطوفان وبر سرزن لوط سنك باريد

{ وقيل } لهما عند موتهما او يوم القيامة وصيغة المضى للتحقق قاله الملائكة الموكلون بالعذاب

{ ادخل النار مع الداخلين } اى مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الاولياء ذكر بلفظ المذكر لانهن لا ينفردن بالدخول واذا اجتمعا فالغاية للذكور وقطعت هذه لآية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره من غير موافقة له فى الطريقة والسيرة وان كان بينه وبينه لحكمة نسب او وصلة صهر قال القاشانى الوصل الطبيعية والاتصلات الصورية غير معتبرة فى الامور الاخروية بل المحبة الحقيقية والاتصالات الروحانية هى المؤثرة فحسب والصورية التى بحسب اللحمية الطبيعية والخلط والمعاشرة لا يتبقى لها اثر فيما بعد الموت اذ لا انساب بينهم يوم القيامة وقيس عليه النسب الباطنى فان جميع القوى الخيرية والشريرة وان تولدت من بين زوجى الروح والجسد لكن الشريرة ليست من اهل الروح فى الحقيقة مثل ولد نوح فكل من السعدآء والاشقياء مفترقون فىلدارين

جه نسبت است برندى صلاح وتقويرا ... سماع وعظ كجا نغمه رباب كجا

١١

{ وضرب اللّه مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون } اى جعل حالها مثلا لحال المؤمنين فى ان وصلة الكفر لا تضرهم حيث كانت فى الدنيا تحت اعدآء اللّه وهى فى اعلى غرف الجنة والمراد آسية بنت مزاحم يقال رجل آسى وامرأة آسية من الأسى وهو الحزن قال بعض الكبار الحزن حلية الادباء ومن لم يذق طعام الحزن لم يذق لذة العبادة على انواعها او من الاسو وهو المداواة والآسى بالمد الطبيب ويقال هذا حث للمؤمنين على الصبر فى الشدة حتى لا يكونوا فى الصبر عند الشدة اضعف من امرأة فرعون التى صبرت على اذى فرعون كما سيجئ

{ اذ قالت } ظرف للمثل المحذوف اى ضرب اللّه مثلا للمؤمنين حالها اذ قالت

{ رب } اى بروره كار من

{ ابن لى } على ايدى الملائكة او بيدقدرتك فانه روى ان اللّه تعالى خلق جنة عدن بيده من غيرواسطة وغرس شجرة طوبى بيدة

{ عندك بيتا فى الجنة } اى قريبا من رحمتك على ان الظرف حال من ضمير المتكلم لان الل منزه عن الحلول فى مكان او ابن لى فى اعلى درجات المقربين فيكون عند ظرفا للفعل وفى الجنة صفة لبيتا وفى عين المعانى عندك اى من عندك بلا استحقاق منى بل كرامة منك ( روى ) انها لما قالت ذلك رفعت الحجب حتى رأت بيتها فى الجنة من درة بيضاء وانتزع روحها سئل بعض الظرفاء اين فى القرءآن مثل قولهم الجار قبل الدار قال قوله ابن لى عندك بيتا فى الجنة فعندك هو المجاورة وبيتا فى الجنة هو الدار

{ ونجنى من فرعون } الجاهل

{ وعمله } الباطل اى من نفسه الخبيثة وسوء جوارها ومن عمله السيئ الذى هو كفره ومعاصيه

{ ونجنى من القوم الظالمين } اى من القبط التابعين له فى الظلم ( روى ) انه لما غلب موسى عليه السلام السحرة آمنت امرأة فرعون

وقيل هى عمة موسى آمنت به فلما تبين لفرعون اسلامها طلب منها أن ترجع عن ايمانها فأبد فأوتد يديها ورجليها بأربعة اوتاد يعنى اوراجها ميخ كرد وربطها وألقاها فى الشمس حق تعالى ملائكة را بفرمودتا كردوى در آمده ببالها خود اورا سايه كردند.

وأراها اللّه بيتها فى الجنة ونسيت ما هى فيه من العذاب فضحكت فعند ذلك قالوا هى مجنونة تضحك وهى فى العذاب وفى هذا بيان انها لم تمل الى معصية مع انها كانت معذبه فلتكن صوالح النساء هكذا وقال الضحاك امر بأن يلقى عليها حجر رخى وهى فى الاوتاد فقالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة فما وصل الحجر اليها حتى رفع روحها الى الجنة فالقى الحجر عليها بعد خروج فلم تجد ألما

وقيل اشتاقت الى الجنة وملت من صحبة فرعون فسألت ذلك.

ودر اكثر تفاسير هست كه حق سبحانه ويرا بآسمان ابرد بجسدوى وحالا دربهشت است.

كما قال الحسن البصرى قدس سره رفعت الى الجنة فهى فيها تأكل وتشرب وتنعم قال فى الكشاف وفيه دليل على ان الاستعاذة باللّه والالتجاء اليه ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الانبياء والمرسلين ( وفى المثنوى )

تا فرود آيد بلايى دافعى ... جون نباشد از تشرع شافعى

جز خضوع وبندكى واضطرار ... اندرين حضرت ندارد اعتبار

فقدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند اهل الطريقة لانه كالمقاومة مع اللّه ودعوى التحمل لمشاقه كام قال ابن الفارض قد سره

ويحسن اظهار التجلد للعدوى ... ويقبح غير العجز عند الاحبة

١٢

{ ومريم ابنة عمران } عطف على امرأة فرعون وجمع فى التمثيل بين التى لها زوج والتى لا زوج لها تسلية للارامل وتطيبا لانفسهن وسميت مريم فى القرءآن باسمعها فى سبعة مواضع ولم يسم غيرها من النساء لانها اقامت نفسها فى الطاعة كالرجل الكامل ومريم بمعنى العابدة وقد سمى اللّه ايضا زيدا فى القرءآن كما سبق فى سورة الاحزاب والمعنى وضرب اللّه مثلا للذين آمنوا حال مريم ابنة عمران والدة عيسى علهيا السلام وما اوتيت من كرامة الدنيا واآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع كون قومها كفارا

{ التى احصنت فرجها } الاحصان العفاف يعنى باز ابستادن اززشتى كما فى تاج المصادر والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه والمعنى حفظت فر جها عن مساس الرجال مطلقا حراما وحلالا على آكدالحفظ وبالفارسية آن زباكه نكاه داشت دامن خود را از حرام.

وفاحشه كما فى تفسير الكاشفى

قال بعضهم صانته عن الفجور كما صان اللّه آسية عن مباشرة فرعون لانه كان عنينا وهو من لا يقدر على الجماع لمرض او كبر سن او يصل الى الثيب دون البكر فالعتبير عن آسية بالثيب كما مر فى ثيبات لكونها فى سورة الثيب من حيث ان لها بعلا وقال السهيلى رحمة اللّه احصان الفرج معناه طهارة الثوب يريد فرج القميص اى لم يغلق بثوبها ريبة أى انها طاهرة الاثواب فكنى باحصان فرج القميص عن طهارة الثوب من الريبة وفروج القميص اربعة الكمان والاعلى والاسفل فلا يذهبن وهمك الى غير هذا لان القرءآن انزه معنى واوجز لفظا وألطف اشارة واحسن عبارة من أن يريد ما ذهب اليه وهم الجاهل انتهى قال فى الكشاف ومن بدع التفاسير ان الفرج هو جيب الدرع ومعنى احصنته منعته

{ فنفخنا فيه } الفاء للسببية والنفخ نفخ الريح فى الشئ اى فنفخنا بسبب ذلك فى فرجها على أن يكون المراد بالفرج هنا الجيب ( كما قال الكاشفى ) بس درد ميديم در كريبان جامه او وكذا السجاوندى فى عين المعانى اى قيام انفرج من جيبها وكذا ابو القاسم فى الاسئلة لم يقل فيها لان المراد بالكناية جيب درعها وهو الى التذكير اقرب فيكون قوله فيه من باب الاستخدام لان الظاهر ان المراد بلفظ الفرج العضو وأريد بضميره معنى آخر للفرج منه قوله تعالى ومالها من فروج وكذا يكون اسناد النفسخ فى الضمير مجاريا اى نفخ جبريل بأمرنا وهو انما نفخ فى جيب درعها

{ من روحنا } اى من روح خلقناه بلا توسط اصل واضاف الروح الى ذاته تعالى تفخيما لها ولعيسى كقوله وطهر بيتى وفى سورة الانبياء فنفخنا فيها اى فى مريم اى احيينا عيسى فى جوفها من الروح الذى هو من امرنا وقال بعضهم احيينا فى فرجها واوجدنا فى بطنها ولدا من الروح الذى هو بامرنا وحده بلا سببية اصل وتوسل نسل على العادة العامة او من جهة روحنا جبريل لانه نفخ من جيب درعها فوصل النفخ الى جوفها او ففعلنا النفسخ فيه وقرئ فيها اعلى وفاق ما فى سورة لانبياء اى فى مريم والمآل واحد انتهى.

يقول الفقير يلوح لى ههنا سر خفى وهو ان النفخ وان كان فى الجيب الا ان عيسى لما كان متولد من الماءين الماء المتحقق وهو ماء مريم والماء المتوهم وهو ما حصل بالنفخ كان النفخ فى الجيب بمنزلة صب الماء فى الفرج فالروح المنفوخ فى الجيب كالماء المصبوب فى الفرج والماء المصبوب وان لم يكن الروح عينه الا انه فى حكمالروح لانه يخلق منه الروح ولذا قال تعالى فنفخنا فيه اى فى الفرج سوآء قالت انه فرج القميص او العضو فاعرف ولا يقبله الا الالباء الروحانيون

{ وصدقت } معطوف على احصنت

{ بكلمات ربها } اى بالصحف المنزلة على الانبياء عليهم السلام وفى كشف الاسرار يعنى الشرآئع التى شرعها اللّه للعباد بكلماته المنزلة ويقال صدقت بالبشارات التى بشر بها جبريل

{ وكتبه } اى بجميع كتبة المنزلة الشاملة للصحف وغيرها من الكتب الالهية متقدمة او متأخرة

{ وكانت من القانين } اى من عداد المواظبين على الطاعة فمن للتبعيض وفى عين المعانى من المطيعين المتعكفين فى المسجد الاقصى والتذكير لتغليب المذكر فان مريم جعلت داخلة فى ذلك اللفظ مع المذكرين والاشعار بأن طاعتها لم تقتصر عن طاعات الرجال حتى عدت من جملتهم او كانت من القانتين اى من نسلهم لانها من اعقاب هرون اخى موسى عليه السلام فمن لابتدآء الغاية وعن النبى عليه السلام كمل الرجال كثير ولم تكمل من النساء الا اربع آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام كان العرب لا يؤثرون على الثريد شيأ حتى سموه بحبوحة الجنة وذلك لان الثريد مع اللحم جامع بين المغدآء واللذة وسهولة التناول وقلة المؤونة فى المضع فضرب به مثلا يؤذن بأنها اعطيت مع الحسن الخلق حلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورصانة العقل والتحبب الى البعل فهى تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والاصغاء اليها وحسبك انها عقلت من النبى عليه السلام ما لم يعقل غيرها من النساء وروت ما لم يرو مثلها من الرجال وق قال عليه السلام فى حقها خذوا ثلثى دينكم من عائشة ولذا قال فى الأمالى

وللصديقة الرجحان فاعلم ... على الزهرآء فى بعض الخصال

لكن الكمال المطلق انما هو لفاطمة الزهرآء رضى اللّه عنها كما دل عليه الحديث المذكور وايضا دل تشبيه عائشة بالثريد على تشبيه غيرها من المذات المذكورات باللحم وهو سيد الادام.

يقول الفقير رأيت فى بعض الليالى المنورة كأن النبى عليه السلام يقول لى عائشة ست النساء اللاتى اجتمعن ومعناه على ما الهمت وقتئذأن عاشة رضى اللّه عنها هى السادسة من النساء الست اللاتى اجتمعن فى نكاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كأن الست من التسع متساوية فى الفضيله ومنها عائشة لكن اشهرت عائشة بالفضل ونودى عليها بذلك وخفيت احوال الباقيات من الست لحكمة خفية الهية ولذا لم يعين لى رسول اللّه عليه السلام من بقيت من الست ودل الحديث على كثرة كمال الرجال وقلة كمال النساء فيما بعض عصر النبى عليه السلام وان كانت القرون متفاوتة والاعصار متباينة ولذا قال الحافظ

نشاناهل خدا عاشقيست باخد دآر ... كه در مشايخ شهر اين نشان نمى بينم

( توقال المولى الجامى )

اسرار عاشقانرا بايد زبان ديكر ... درداكه نيست بيدا درشهر همزبانى

واللّه الهادى.

﴿ ٠