سُورَةُ الْمُلْكِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَلاَثُونَ آيَةً ١ { تبارك الذى بيده الملك } البركة النماء والزيادة حسبة او عقلية ونسبتها الى اللّه تعالى باعتبار تعاليه عما سواه فى ذاته وصفاته واقعاله يعنى لن البركة تتضمن معنى الزيادة وهى تقتضى التعالى عن الغير كام قال ليس كمثله شئ اى فى ذاته لوجوب وجوده وفى صفاته وافعاله لكماله فيهما واما قوله تخلقوا باخلاق اللّه فباعتبار اللوازم وبقدر الاستعداد لا باعتبار الحقيقة والكنة فان الاتصاف بها بهذا الاعتبار مخصوص باللّه تعالى فأين احياء عيسى عليه السلام الاموات من احياء اللّه تعالى فانه من اللّه بدعائه فالمعجزة استجابة مثل هذا الدعاء ومظهريته له بقدر استعداده وبهذا التقرير ظهر معنى قول بعض المفسرين تزايد فى ذلة فان التزايد فى ذاته لا يكون الا باعتبار تعاليه بوجوده الواجب وتنزهه عن الفناء والتغير والاستقلال وصيغة تبارك بالدلالة على غاية الكمال وانبائها عن نهاية التعظيم لم يجز استعمالها فى حق غيره سبحانه ولا استعمال غيرها من الصيغ مثل يتبارك فى حقه تبارك وتعالى واسنادها الى الموصول للاستشهاد بما فى حيز الصلة على تحقق مضمونها والموصولات معارف ولا شك ان المؤمنين يعرفونه بكون الملك بيده واما غيرهم فهم فى حكم العارفين لان الأدلة القطعية لما دلت على ذلك اكن فى قوة المعلوم عند العاقل واليد مجاز عن القدرة التامة والاستيلاء الكامل لما ان اثرها يظهر فى الاكثر من اليد يقال وفلان بيده الامر والنهى والحل والعقد أى له القدرة الغالبة والتصرف العام والحكم النافذ ( قال الحكيم السنائى ) يد اوقدر تست ووجه بقاش آمدن حكمش ونزول عطاش ... اصبعينش نفاذ حكم قدر قد مينش جلال وقهر وخطر ... وفى عين المعانى اليد صلة والقدرة والمذهب انها صفة له تعالى بلا تأويل ولا تكييف والملك بمعنى التصرف والسلطنة واللام للاستغراق ولذا قال فى كشف الاسرار ملك هجده خزار عالم بدست اوست. والمعنى تعالى وتعاظم بالذات عن كل ما سواه ذاتا وصفة وفعلا الذى بقبصة قدرته التصرف الكلى فى كل الامور لا بقبضة غيره فيأمر وينهى ويعطى ويمنع ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفقر ويغنى ويمرض ويشفى ويقرب ويبعد ويعمر ويحرب ويفرق ويصل ويكف ويحجب الى غير ذلك من شؤون العظمة وآثار القدرة الالهية والسلطنة الازلية والابدية وقال بعضهم البركة كثرة الخير ودوامه فنسبتها الى اللّه تعالى باعتبار كثرة ما يفيض منه على مخلوقاته من فنون الخيرات اى تكاثر خير الذى بيده الملك وتزايد نعمه واحسانه كما قال تعالى وان تعدوا نعمة اللّه تحصوها قال الراغب البركة ثبوت الخير الالهى فى الشئ والمبارك ما فيه ذلك الخير ولما كان الخير الالهى يصد ر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة والى هذه الريادة أشير بما روى لا ينقص مال من صدقة وقوله تبارك وفيه بركة والى هذه الريادة أشير بما روى لا ينقص مال من صدقة وقوله تبارك الذى جعل فى السماء بروجا تنبيه على ما يفضيه علينا من عمه بوساطة هذه البروج والنيرات المذكورة وكل موضع ذكر فيه لفظة تبارك فهو تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك ونى الكواشى معنى تبارك تعالى عن صفات المحدثين وجميع المستعمل من ( ب ر ك ) وبعكسه يشتمل على معنى اى ثبت الثبوت الخير فى خرآئن الذى وقال سهل قدس سره تعالى من تعظيم عن الاشباه والاولاد والاضداد واتذاد بيده الملك يقلبه بحوله وقوته يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء وقيل يريد به النبوة يعز بها من اتبع ويذل بها من خالف وقال جعفر قدس سره هو المبارك على من انقطع اليه او كان له اى فانه وارث النبىعليه السلام وخليفة وقد قيل فى حقه وبارك عليه وقال القاشانى قدس سيره الملك عالم الاجسام كما ان الملكوت عالم النفوس ولذلك وصف ذاته باعتبار تصريفه فى عالم الملك بحسب مشبئته بالتبارك الذى هو غاية العظمة ونهاية الا زدياد فى العلو والبركة وباعتبار تسخير عالم الملكوت بمقتضى ارادته بالتسبيح الذى هو التنزيه كقوله فسبحان الذى بده ملكوت كل شئ كلا بما يناسب لان العظمة والازدياد البركة تناسب الاجسام والتنزه يناسب المجردات عن المادة وفى الآية اشارة الى ان لملك اذا كان بيده فهو المالك وغيره المملوك فلا للمملوك من خدمة المالك خدمت اوكن مكروشاهان تراخدمت كنند ... جاكرا وباش تاسلطان ترا كردد غلام وفى الحدي ... وملك دلها جدا وملك جانها جدا زير انسانيت ملك در دنيا راند انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة ودل ملك در آخرت راند يحبهم ويحبونه وجان ملك درعالم حقيقت راند وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة آن عزيز راه كويد فردا كه علم كبرياى او بقيامت برايدكه لمن الملك اليوم من ازكوشه دل خويش بدستورى اودرى بر كشايم ودردى ازدردهاى او بيرون دهم تاكرد قيامت برآيد وكويم لمن الملك اكر معترضى براه آيد كويم اوكه جون ما ضعفا ومساكين دارد ميكويد لمن الملك ما جون او ملك جبارى داريم جرانكوييم لمن الملك اكر اوراجون ما بندكانست مارا جون او خمدا ونداست. ومن هذا البيان يعرف سر قول عين العارفين ابى يزيد البسطامى قدس سره الهى ملكى اعظم من ملكك اى فان ملك العبد القديم وملك الرب هو الحادث فعرف جدا فان هذا المقام من مزالق الاقدام { وهو } تعالى وحده { على كل شئ } من الاشياء وعلى كل مقدور من الانعام والانتقال وغيرهما { قدير } مبالغ فى القدرة عليه ومنتهى الى اقصاصها بتصرف فيها حسبنا تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة والجملة معطوفة على الصلة مقررة لمضمونها مفيدة لجريان احكام ملكه تعالى فى جلائل الامور ودقائقها قال بعضهم وهو على كل شئ قدير اى ما يمكن أن تتعلق به المشيئة من المعدومات الممكنة لان الموجود الواجب لا يحتاج فى وجوده الى شئ ويمتنع زواله ازلا وابدا والموجود الممكن لا يراد وجوده اذ هو تحصيل الحاصل والمعدوم الممتنع لا يمكن وجوده فلا تتعلق به المشيئة فتعلق القدرة بالمعدوم باليجاد وبالموجود بالابقاء على ما يشاء فان قرينة القدرة تخص الشئ بالممكن اذ تعلل القدرة به فيقال انه مقدور لانه ممكن ( وفى التأويلات النجمية ) تعالى وتعاظم فى ذاته وصفاته واسمائه وافعاله الذى بيده المطلقة الملأى السحاء سلطنة الوجود المطلق افائق على الوجودات المقيدة وهو أى هويته المطلق ظارة فى كل شئ قادر على كل شئ. ٢ { الذى خلق الموت والحياة } شروع فى تحصل بعض احكام الملك وآثار اقدرة والموصول بدل من الموصول الاول فلا وقف على لاقدير والموت عند اهل السنة صفة وجوديةمضادة للحياة كلاحرارة والبرودة والحياة صفة وجودية زآئدة على نفس لذات مغايرة للعلم والقدرة مصححة لاتصاف الذات بهما وما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما من ان الموت والحياة جسمان وان اللّه خلق الموت على صورة كبش املح لا يمر بشئ ولا يجد رائحته شئ الا مات وخلق الحياة على صورة فرس انثى بلقاء وهى التى كان جبريل والانبياء عليهم السلام يركبونها خطوتها مد البصر فرق الحمار ودون البغل لا تمر بشئ ولا يجد رائحتها شئ الا حى وهى التى اخذ السامرى من اثرها قبضة فألقاها على العجل فحيى فكلام وارد على سبيل التمثيل ولاصتوير والا فهما فى التحقيق من قبيل الصفات لا من قبيل الاعيان هكذا قالوا وجوابه ان كون الموت والحاية صفتين وجوديتين لا ينافى أن يكون لهما صورة محسوسة كالاعيان فانهما من مخلوقات عالم الملكوت ولكل منهما صورة مثالية فى ذلك العالم بها يرى ويشاهد بشاهده من غيب عن عالم الملك وينسلخ عن البدن يؤيده قوله عليه السلام يذبح الموت بين الجنة والنار على صورة كبش ولا شك ان الذبح انما يتعلق بالاعيان وايضا ان عالم الآخرة عالم الصفة يعنى ان كل سفة باطنة فى الدنيا تتصور بصورة ظاهرة فى العقبى حسنة او قبيحة فلا شئ من المعانى الا وهو مجسم مصور فقول ابن عباس رضى اللّه عنه محمول على هذا نعم ان قولهم ان الحية فرس انثى يخالف قولهم ان البراق حقيقة ثالثة لا ذكر ولانثى وقال بعضهم الموت عبارة عن عدم صفة الحياة عن محل يقبلها يعنى ان الموت والحياة من باب العدم والملكة فان لاحياة هى الاحساس والحركة الارادية والضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه أن يكون له كما قال صاحب الكشاف الحياة ما يصح بوجوده الاحساس والموت عدم ذلك ومعنى خلق الموت والحياة ايجاد ذلك المصحح واعدامه انتهى. اى ايجاد اثر الموت بقطع ضوء الروح عن ظاهر الحى وباطنه مع كونه فى غاية الاقتدار على الحركة والتقلب بنفسه بالارادة وعدم تلك الملكلة ليس عدما محضا بل فيه شائبة الوجود والا لم يعتبر فيه المحل القابل للامر الوجودى فلذلك صح تعلق الخلق بالموت كتعلقه بالحياة وبهذا التقرير اندفع ما اعترضوا به من ان العدم حال لا يكون مخلوقا لان المخلوق حادث وعد الحوادث ازلى ولو كان مخلوقا لزم وجود ا لحوادث ازلا وهو باطل وقال بعضهم معنى خلق الموت على تقدير أن يكون الموت عبارة عن عدم الحياة قدره فان اخلق يجيئ بمعنى التقدير كما فى قوله تعالى فتبارك اللّه احسن الخالقين ولا يبعد أن يقال ان تعلق الخلق بالموت بمعنى الايجاد انما هو بتبعية تعلقه بالحياة بذلك المعنى وقدم على الحياة لان الموت فى عالم الملك ذاتى والحياة عرضية يعنى ان الموت اسبق لان الاشياء كانت مواتا ثم عرضت لها الحياة كالنطفة على ما دل عليه قوله تعالى وكنتم امواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون ولانه ادعى الى احساس العمل واقرب الى قهر النفوس فمن جعله نصب عينيه افلح وفى الحديث ( لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت ) وفى الارشاد الأقرب ان المراد به الموت الطارئ وبالحياة ما قبله وما بعده لظهور مداريتهما كما ينطق به ما بعد الآية ليبلوكم الخ فان استدعاء ملاحظتها لاحسان العمل مما لا ريب فيه مع ان نفس العمل لا يتحقق بدون الحياة الدنيوية انتهى. وظاهره يخالف قوله تعالى ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا فان المراد بهذه الحياة هى الحياة الدنيوية بقرينة النشور والقرءآن يفسر بعضهم بعضاً ثم ان الالف واللام فى الموت والحياة عوض عن المضاف اليه اى موتكم وحياتكم ان المكلفون لان خلق موت غير المكلفين وحياتهم لابتلاء المكلفين لا معنى له قال بعض العارفين الموت والحياة عرضان والاعراض والجواهر مخلوقة له تعالى وأصل الحياة حياة تجليه واصل الموت موت استتاره وهما يتعاقبان فى الدنيا فاذا ارتفعت الحجب يرتفع الموت عنهم بأنهم يشاهدون عيانا بلا استتار ابدا لا يجرى عليهم طوارق الحجاب بعد ذلك قال اللّه تعالى بل احياه عند ربهم خلق الموت والحياة يميت قوما بالمجاهدات ويعيش قوما بالمشاهدات يميت قوما ينعت الفناء فى ظهور سطوات القدم ويحيى قوما بنعت البقاء فى ظهور انوار البقاء لولا التجلى والاستتار لم يظهر شوق المشتاقين وتفاوت درجات الشوق ولا يتبين وله العاشقين وتفاوت درجاتهم فى العشق وقال سهل قدس سره الموت فى الدنيا بالمعصية والحياة فى الآخرة بالطاعة فى الدنيا وقال الجنيد قدس سره حياة الاجسام مخلوقة وهى التى قال اللّه تعالى خلق الموت والحياة وحياة اللّه دآئمة لا انقطاع لها اوصلها الى اوليائه فى قديم الدهر الذى ليس له ابتدآء فكانوا فى علمه احياء قبل ايجاده لهم ثم اظهرهم فأعارهم الحياة المخلوقة التى احيى بها الخلق وأماتهم فى سره فكانوا فى سره بعد الوفاة كام كانوا ثم اورد عليهم حياة الأبد فكانوا احياء أبدا وقال الواسطى قدس سره من احياء اللّه عند ذكره فى ازله لا يموت ابدا ومن أماته فى ذلك لا يحيى ابدا وكم حى غافل عن حياته وميت غافل عن مماته { ليبولكم ايكم أحسن عملا } اللام متعلقة بخلق وظاهرها يدل على ان افعال اللّه معللة بمصالح العباد واه تعالى يفعل الفعل لغرض كما ذهب اليه المعتزلة وعند اهل السنة ليس هى على ظاهرها بل معناها ان اللّه تعالى فعل فعلا لو كان يفعله من يراعى المصالح لم يفعله الا لتلك المصالحة والغرض فمثل هذه اللام لام العلة عقلا ولام الحكمة والمصلحة شرعا وايكم مبتدأ واحسن خبره وعملا تمييزا ولجملة الاسمية سادة مسد المفعول الثانى لفعل البلوى عدى اليه واسطة لتضمنه معنى العلم باعتبار عاقبته والا فهو لا يتعدى بلا واسطة الا الى مفعول واحد فليس هو من قبيل التعليق المشهور الذى يقتضى عدم ايراد المفعول اصلا وقد ذكر المفعول الاول هنا وهو كم مع اختصاصه بافعال القلوب ولا من التضمين المصطلح بل مستعار لمعنى العلم البلوى الاختبار وليس هنا على حقيقته لانه انما يتصور ممن يخفى عليه عواقب الامور فالابتلاء من اللّه أن يظهر من العبد ما كان يعلم منه فى الغيب والمعنى ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملا فيجازيكم على مراتب متفاوتة حسب تفاوت طبقات علومكم واعمالكم فان العلم غير مختص بعمل الجوارح ولذلك فسره عليه السلام بقوله ايكم أحسن عقلا واورع من محارم اللّه واسرع فى طاعة اللّه يعنى أثم عقلا عند اللّه فهما لمراده فان لكل من القلب والقالب عملا خاصا به فكما ان الاول أشرف من الثانى كذلك الحال فى عمله كيف لا وعمله معرفة اللّه الواجبة على العباد اول كل شئ وانما طريقها النظر والتفكر فى بدآئع صنع اللّه والتدبر فى آياته المنصوبة فى الانفس والآفاق كما قال عليه السلام ( لاتفضلونى على يونس بن متى فانه كان يرفع له كل يوم مثل عمل اهل الارض ) قالوا وانما كان ذلك التفكر فى امر اللّه الذى هو عمل القلب ضرورة ان احدا لا يقدر على أن يعمل بجوارحه كل يوم مثل عمل اهل الارض كذا فى الارشاد. يقول الفقير لعل حال يونس عليه السلام اشارة الى انه عمل قالبى مفضل على عمل اهل الارض فى زمانه بخواص قلبية فان اعمال المقربين واحد منهما مقابل بمائة ألف بل بغير حساب باعتبار التفاوت فى الاحسان والشهود والخلوص ولذا قال تعالى احسن فانه بعبارته اشارة الى احوال المقربين وباشارته الى احوال غيرهم من الابرار والكفار والمنافقين وذلك ان نية الانسان لا تخلو اما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيئ نية وعملا وهو حال الكفار واما أن يكون متعلقها فى لسانه هو الآخرة وفى جنانه هو الدنيا فهو أسوأنية وعملا وهو حال المنافقين واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا وهو حال الابرار واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو وجه اللّه تعالى فهو احسن نية وعملا وهو حال المقربين ولما كان المقصود الاعظم هو تحصيل هذا الاحسن صرح بذكره دون ذكر الحسن فانه مفهوم بطريق الاشارة وكذا غيره ولقد أصاب من قال فى تفسير الآية بابيازمايد شمارا يعنى باشما معامله آزمايند كان كند تاظاهر شودكه دردار تكليف كدام ازشما نيكو ترند ازجهت عمل يعنى اخلاص كدام بيشترست. وكذا من قال أحسن الاعمال ما كان اخلص بأن يكون لوجه اللّه خالصا وأصوب بأن يكون موافقا للسنة اى واردا على النهج الذى ورد عن الشارع فالعمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ولذا قال عليه السلام للاعرابى قم صل فانك لم تصل وكذا اذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ايضا ولذا جعل اللّه اعمال اهل الرياء والنفاق هبا منثورا وقول من قال من الارفين حسن العمل نسيان العمل ورؤية الفضل هو من مراتب الاخلاص فان الاخلاص سر عظيم من اسرار اللّه تعالى لا يناله الا الخواص وفى الاشارد ايثار صيغة التفضيل مع ان الابتلاء شامل لهم باعتبار اعمالهم المنقسمة الى الحسن والقبيح ايضا لا الى الحسن والاحسن فقط للايذان بان المراد بالذات والمقصد الاصلى من الابتلاء هو ظهور كمال احسان المحسنين مع تحقق اصل الايمان والطاعة فى الباقين ايضا لكمال تعاضد الموجبات له واما الاعراض عن ذلك فلكونه بمعزل من الاندراج تحت الوقوع فضلا عن الانتظام فى سلك الغاية للافعال الالهية وانما هو عمل يصدر عن عامله بسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب انتهى. ثم ان المراد ياكم عمله احسن من عمل غيره ولا معنى لقول السجاوندى فى عين المعانى استفهام بمعنى الهمزة ولذا لم يعمل فيه الفعل تقديره ءأنتم احسن عملا ام غيركم انتهى فانه يشعر بأن يكون التفاوت بالنسةب الى الانسان وغيره كالملائكة ومؤمنى الجن مثلا وليس بمراد وعبارة القرءآن فى اسناد الحسن الى الانسان تدل على ان من كان عمله احسن كان هو أحسن ولو أنه ابشع الناس منظر او من كان عمله اسوأ كان بخلاف ذلك رءارلست بايدند بالاى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جوماست ولم يقل اكثر عملا لانه لا عبرة بالكثرة مع القبح قالوا والحسن انما يدرك بالشرع فما حسنه الشرع فهو حسن وما قبحه فهو قبيح وقال بعضهم ليبلوكم ايكم احسن اخذا من حايته لموته واحسن اهبة فى دنياه لآخرته قال النبى صلّى اللّه عليه وسلّم لعبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما ( خذ من صحتك لسقمك ومن شبابك لهرمك ومن فراغك لشغلك ومن حياتك لموتك فانك لا تدرى ما اسمك غدا ) وسئل عليه السلام اى المؤمنين اكيس قال ( اكثرهم للموت ذكرا واحسنهم له استعدادا ) فالاستعداد للموت وللآخرة بكثرة الاعمال المقارنة للاخلاص سوآء كانت صلاة او صوما او زكاة او حجا او نحوها وان كان لبعض الاعمال تفاوت بالنسبة الى البعض الآخر كالصلاة فانها معراج الشهود وفيها كسر النفس واتعاب البدن ولذا كان السلف الصالح يكثرون منها حتى انم منهم من يصلى فى اليوم والليلة ألف ركعة ونحوها وكالصوم وتقليل الطعام فانه سبب لورود الحكمة الالهية الى القلب ولذا كان بعض السلف يواصلون فمنهم من يطوى ثلاثة ايام ومنهم من يطوى فوق ذلك الى سبعة الى ثلاثين الى اربعين فمن طوى اربعين يوما انفتح له باب الحكمة والعظمى مع ان فى الصوم تهذيب الاخلاق ايضا فان اكثر المفاسد يجيئ من قبل الاكل والشر في أيها المؤمنون سابقون وسارعوا فالنفس مطية والدنيا مضمار والسابقون السابقون اولئك المقربون وقد قال عليه السلام ( قد سبق المفردون والتفريد ) هو تقطيع الموحد عن الانفس والآفاق وشهود الحق فى عالم الاطلق فلا بد من السير والسلوك ثم الطيران فى هوآء الوحدة والهوية الذاتية فان به يحصل الانفصال عن منازل الاكوان السفلية الحادثة ويتحقق العروج الى عالم الوجوب والقدم نسأل اللّه من فضله أن يرينا وجهه الكريم انه هو البر الرحيم { وهو } اى والحال انه وحده { العزيز } الذى لا يفوته من اساء العمل { الغفور } لمن شاء منهم بالتوبة وكذا بالفضل قال بعضهم لما كان العزيز منا يهلك كل من خالفه اذا علم بمخالفته قال مرغبا للمسيئ فى التوبة حتى لا يقول مثلى لا يصلح للخدمة لما لى من القاطعة واين التراب ورب الارباب الغفور الذى يستر ذنوب المسئ ويتلقى من اقبل اليه احسن تلقٍ كما قال فى الحديث القدسى ومن اتانى يمشى اتيته هرولة. ٣ { الذى خلق سبع سموات } ابدعها من غير مثال سبق { طباقا } صفة لسبع سموات وقولهم الصفة فى الاعداد تكون للمضاف اليه كما فى قوله سبع بقرات سمان لا يطرد ويجوز جعله حالان سبع سموات معرفة لشمولها الكل وهو مصدر بمعنى الفاعل يقال طابقه مطابقة وطباق الشئ مثل كتاب مطابقة بكسر الباء وطابقت بين الشيئين اذا جعلتهما على حذو واحد وألزقتهما والباب يدل على وضع شئ مبسوط على مثله حتى يغطيه والمعنى مطابقة بعضها فوض بعض وسماء فوق سماء غلظ كل سماء خمسمائة عام وكذا جوها بلا علاقة ولا عماد ولا مماسة فالسماء الدنيا موج مكفوف اى ممنوع من السيلان والثانية من درة بيضاء والثالثة من حديد والرابعة من نحاس او صفر والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من يقاقوته حمرآء وبين السابعة وما فوقها من الكرسى والعرش بحار من نور قال القاشانى نهاية كمال عالم الملك فى خلق المسوات ان لا يرى احكم خلقا واحسن نظاما وطباقا منها قال الجمهور ان الارض مستدير كالكرة وان السماء الدنيا محيطة بها من كل جانب احاطة البيضة بالمح فالصفرة بمنزلة الارض وبياضها بمنزلة الماء وجلدها بمنزلة السماء غير أن خلقها اليس فيه استطاله كاستطالة البيضة بل هى مستديرة كاستدارة الكرة المستديرة الخرط حتى قال مهندسوهم لو حفر فى الوهم وجه الارض لادى الى الوجه الآخر ولو ثقب مثلا بارض الاندلس لنفذ الثقب بارض الصين وان السماء الثانية محيطة بالدنيا وهكذا الى أن يكون العرش محيط بالكل والكرسى الذى هو ارقبها اليه بالنسبة اليه كحلقة ملقاة فى فلاة فما ظنك بما تحته وكل سماء فى التى فرقها بهذه النسبة { ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت } استئناف والخطاب للرسول او لكل احد ممن يصلح للخطاب ووضع خلق الرحمن موضع الضمر اذا المقام مقام أن يقال فى خلقه وفى السموات على أن يكون بمعنى المخلوق والاضافة بمعنى اللام للاشعار بأنه تعالى خلقها بقدرته القاهرة رحمه وتفضلا ومن لتأكيد النفى والمعنى ما ترى فيه شيأ من اختلاف واضطراب فى الخلقة وعدم تناسب بل هو مستوٍ مستقيمٍ قال القاشانى صلب التفاوت عنها بساطتها واستدارتها ومطابقة بعضها بعضا وحسن انتظامها وتناسبها وهو من الفوت فان كلا من المتفاوتين يفوت منه بعض ما فى الآخر فلا يناسبه ولا يلائمه قال الراغب التفاوت الاختلاف فى الاوصاف كأنه يفوت وصف احدهما الآخر او وصف كل واحد منهما الآخر وجعل بعض العلماء خلق الرحمن عامل فسئل بأن المخلوقات بأسرها على غاية التفاوت لان الليل غير النهار الى غير ذلك من الاضداد ثم أجاب بأن ليس فيها تناقص او زيادة غير محتاج اليها او نقصان محتاج اليه بل الكل مستقيمة مستوية دالة على ان خالقها عالم انتهى وفى الآية اشارة الى شمول رحمته الواسعة كل شئ كما قال يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لان الموجودات كلها علوية كانت او سفلية نورانية كانت او ظلمانية روحانية كانت او جسمانية خلقت من نور الرحمن ورحمته من غير تفاوت فى الخلقة واصل الرزق اديم زمين سفره عام اوست ... برين خوان يغماجه دشمن جه دوست ٤ { فارجع البصر } اى رده الى رؤية السماء حتى يتضح ذلك بالمعاينة ولا يبقى عندك شبهة ما ورجع يجيئ لازما ومتعديا يقال رجع بنفسه رجوعا وهو العود الى ما منه البدء مكانا كان او فعلا او قولا بذاته كان رجوعه او بجزئ من اجزآئه او بفعل من افعاله ورجعه غيره رجعا اى رده واعاده { هل ترى } فيها { من فطور } جمع فطر كما فى القاموس وهو الشق ( كما قال فى تاج المصادر ) الفطر آفريدون وابتدا كردن وشاكفتن. يقال فطره فانفطر اى شقه فانشق والمعنى من شقوق وصدوع لامتناع خرقها والتئامها قاله القاشانى ولو كان لها فروج لفاتت المنافع التى رتبت لها النجوم المفرقة فى طبقاتها او بعضها او كمالها كما فى المناسبات فاذا لم ير فى السماء فطور وهى مخلوقة فالخالق اشد امتناعا من خواص الجسمانيات { ثم ارجع البصر كرتين } اى رجعتين اخريين وأعد النظر مرة بعد مرة فى طلب الخلل والعيب . يعنى اكرتيك نكريستن معلوم نكردد تكراركن نكريستن را. والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما فى لبيك وسعديك يريد اجابات كثيرة واعانات وفية بعضها ى اثر بعض وذلك لان الكلال الآتى لا يقع بالمرتين اى رجعة بعد رجعة وان كثرت قال الحسن رحمه اللّه لو كررته مرة بعد مرة الى يوم القيامة لم تر فيه فطور وقال اواسطى رحمه اللّه كرتين اى قلبا وبصر الان الاول كان بالعين خاصة والحاصل ان تكرار النظر وتجوال الفكر مما فيد تحقيق الحائق واذا كان ذلك النظر فيها عند طلب الخروق والشقوق لا يفيد الا الكلال والحرمان تحقق الامتناع وما اتعب من طلب وجود الممتنع { ينقلب } ينصرف ويرجع وبالفارسية باز كردد { اليك } بسوى تو { البصر } جشم تو { خاسئا } اى ذليلا بعيدا محروما من اصابه ما التمسه من العيب والخلل كأنه يطردعن ذلك طرد بالصغار والذلة فقوله ينقلب مجزوم على انه جواب الامر وخاسئا حال من البصر وهو مع انه اسم فاعل من خسأ بمعنى تباعد وهرب ففيه معنى الصغار والذلة فاذا قيل خسأ الكلب خسوء افمعناه تباعد من هو انه وخوفه كأنى زجر وطرد عن مكانه الاول بالصغار وخسأ يجيى متعديا ايضا يقال خسأت الكلف فخسأ اى باعدته وطردته وزجرته مستهينا به فانزجر وذلك اذا قيل له اخسأ قال الراغب ومنه خسأ البصر أى انقبض من مهانة وفى القاموس الخاسئ من الكلاب والخنازير المبعد لا يترك أن يدنو من النار ولا يكون خاسئا فى الآية من المتعدى الا بأن يكون بمعنى المفعول اى مبعدا { وهو حسير } اى كليل وبالغ غاية الاعياء لطول المعاودة وكثرة المراجعة وهو فعيل بمعنى الفاعل من الحسور الذى هو الاعياء كما فى تاج المصادر الحسور رنجه شدن وكندشن جسم از مسافت دور. وقال الراغب يقال للمعي حاسر ومحسور أما الحاسر فتصور انه قد حسر بنفسه قواه واما المحسور فتصور ان التعب قد حسره وقوله تعالى وهو حسير يصح أن يكون بمعنى حاسر وبمعنى محسور انتهى والجملة حال من البصر او من الضمير المستتر فى خاسئا فيكون من قبيل الاحوال المتداخلة قال بعضهم فاذا كان الحال هذا فى بعض المصنوع فكيف عند طلب العلم بالصانع فى كماله وجلاله وجماله فكيف بمن يتفوه بالحلو والاتحاد حسبه جهنم وبئس المهاد سبحانه من تحير فى ذاته سواه ... فهم خرد بكنه كمالش نبرد راه عمرى خرد جو جشمه ها جشمها كشاد ... تابر كمال كنه اله افكند نكاه ليكن كشيد عاقبتش در دوديده ميل ... شكل الف كه حرف نخستست ازاله وفى التأويلات النجمية فارجع بصرك الظاهر من ظواهر الاشياء الى بصرك الباطن ومن بصرك الباطن الى بواطن الاشياء يعنى انظر باتحاد بصرك وبصيرتك الى ظواهر الاشياء كل ذى حق حقه ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير مبعد عن رؤية الخلل ومطالعة الزلل كما قال الامام حجة الاسلام قدس سره فى بعض كلماته ليس فى الامكان ابدغ من هذا الوجود لانه لو كان ولم يظهر لكان بخلا وهو جواد ولكان عجزا وهو قادرا كما قال تعالى الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى وقال بعضهم انما لم يكن فى الامكان ابدع مما كان اى اظهر من هذا العالم لانه ماثم الاترتان الحق فى المرتبة الاولى وهو القدم والعالم فى الثانية وهو الامكان والحدوث فلو خلق ما خلق الى مالا يتناهى فلا يزال فى المرتبة الثانية الامكانية. ٥ { ولقد زينا السماء الدنيا } بيان لكون خلق السموات فى غاية الحسن والبهاء اثر بيان خلوها عن شائبة القصور وتصدير الجملة بالقسم لابراز كمال الاعتناء بمضمونها اى وباللّه لقد زينا اقرب السموات الى الارض والناس وجملناها فالزمين والنريين بالفارسية آراستن . وهو ضد الشين بالفارسية معيوب كردن. والدنيا تأنيث الأدنى بمعنى الاقرب وكون السماء قرب من سائر السموات انما هو بالاضافة الى ما تحتها من الارض لا مطلقا لان الامر بالعكس بالاضافة الى ما فوقها من العرش { بمصابيح } بجراغها . جمع مصباح وهو السراج وتنكيره للتعظيم والمدح اى بكواكب مضيئة بالليل اضاءة السرج من السيارات والثواب تترآءى كلها مركوزة فى السماء الدنيا مع ان بعضها فى سائر السماوات لان السموات اذا كانت شفافة وأجراما صافية ففالكواكب سوآء كانت فى السماء الدنيا او فى سموات اخرى فهى لا بد وان تظهر فى السماء الدنيا وتلوح منها فعلى التقديرين تكون السماء الدنيا مزينة بهذه المصابيح ودخل فى المصابيح القمر لانه اعظم نير يضيئ بالليل واذا جعل اللّه الكواكب زينة السماء التى هى سقف الدنيا فليجعل العباد المصابيح والقناديل زينة سقوف المساجد والجوامع ولا سرف وفى الخير وذكر ان مسجد الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم كان اذا جاء العشاء يوقد فيه بسعف النخل قلما قدم تميم الدارى رضى اللّه عنه المدينة صحب معه قناديل وحبالا وزيتا وعلق تلك القناديل بسوارى المسجد واوقدت فقال عليه السلام ( نورت مسجدنا نور اللّه عليك اما واللّه لو كان لى ابنة لانكحتكها ) وسماه سراجا وكان اسمه الاول فتحا ثم اكثرها عمر رضى اللّه عنه حين جمع الناس على أبى بن كعب رضى اللّه عنه فى صلاة التراويح فلما رآها على رضى اللّه عنه تزهر قال نورت مسجدنا نور اللّه قبرك يا ابن الخطاب وعن بعضهم قال امرنى المأمون ان اكتب بالاستكثار من المصابيح فى المساجد فلم أدر ما اكتب لانه شئ لم اسبق اليه فرأيت فى المنام اكتب فان فيه انسا للمتهجدين ونفيا لبيوت اللّه عنه وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك وفيه اشارة الى سماء القلب لدنوه منك من سماء الروح وزينة انوار المعارف والعلوم الالهية والواردات الرحمانية { وجعلناها } اى المصابيح المعبر بها عن النجوم اى بعضها كام فى تفسير ابى الليث { رجوما } جمع رجم بالفتح وهو ما يرجم به ويرمى للطرد والزجر او جمع راجم كسجود جمع ساجد { للشياطين } هم كفار الجن يخرجون الناس من النور الى الظلمات وجمع الشياطين على صيغة التكثير لكثرتهم فى الواقع فالمعنى وجعلنا لها فائدة اخرى هى رجم اعدآئكم بانقضاض الشهب المقتبسة من الكواكب لا بالكواكب نفسه فانها قارة فى الفلك على حالها فمنهم من يقتله الشهاب ومنهم من يفسد عضو من اعضائه او عقله والشهاب شعلة ساطعة من نار وهو ههنا شعلة نار تنفصل من النجم فأطلق عليها النجم ولفظ المصابح ولفظ الكوكب ويكون معنى جعلناها رجوما جعلنا منها رجوما وهى تلك الشهب ومما يؤيد ان الشعلة منفصلة فى السماء الدنيا كتعليق القناديل فى المساجد مخلوقة من نور وقيل انها معلقة بأيدى الملائكة وينصر هذا القول قوله تعالى اذا السماء النفطرت واذا الكواكب انتثرت لان انتثارها يكون بموت من كان يحملها من الملائكة وقيل ان هذه ثقب فى السماء وينصره قول بعض المكاشفين ان الكواكب ليست مركوزة فى هذا التعين وانما هى بانعكاس الانوار فى بعض عروقه اللطيفة والذى يرى كسقوط النجم فكدفع الشمس من موضع الى موضع وهذا لا يطلع عليه الحكماء وانما يعرفه اهل السلوك انتهى وقال الفلاسفة ان الشهب انما هى اجزآء نارية تحصل فى الجو عند ارتفاع الابخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التى دون الفلك وقد سبق بيان هذا المقام مفصلا فى اوآئل الصافات والحجر فلا نعيده والذى يلوح ان مذهب الفلاسفة قريب فى هذه المادة من مذهب اهل الحقائق ومر بيان مذهبهم فى الصافات واللّه اعلم بالخفيات { واعتد نالهم } اى هيئنا للشياطين فى الآخرة بعدا لاحراق فى الدنيا بالشهب ومنه العتاد اى العدة والاهبة { عذاب السعير } اى عذاب جهنم الموقدة المشعلة فالسعير فعيل بمعنى مفعول من سعرت النار اذا اوقدتها ولذلك لم يؤت بالتاء فى آخره مع انه اسم للدركة الرابعة من دركات النار السبع وهى جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ولكن كل من هذه الاسماء يطلق على الآخر فيعبر عن النار تارة بالسعير وتارة بجهنم واخرى بآخر. واعلم ان فى كل دركة منها فرقة من فرق العصاة كعصاة اهل التوحيد والنصارى واليهود والصابئة والمجوس والمشركين والمنافقين ولم يذكروا الشياطين فى واحدة من الدركات السبع ولعلهم يقسمون على مراتب اضلالهم فيدخل كل قسم منهم مع قسم تبعه فى اضلاله فكان سببا لدخوله فى دركة من الدركاتالست التحتانية جزآء لضلاله واضلاله واذية لمن تبعه فيما دعا اليه بمصاحبته ومقارنته كما قال تعالى وترى المجرمين يومئذ مقرنين اى مع شياطينهم وفى الآية اشارة الى شياطين الخواطر النفسانية والهواجس الظلمانية وعذابها عذاب الرد والانقلاب بغلبة الخواطر الملكية والرحمانية. ٦ { وللذين كفروا بربهم } من الشياطين وغيرهم وكفرهم به اما بالتعطيل او بالامساك وقال سعدى المفتى الاظهر حمله على الكفرة غير الشياطين كما يشعر به ما بعده ولئلا يلزم شبه التكرار { عذاب جهنم } اى الدركة النارية التى تلقاهم بالتجهم والعبوسة يقال رجل جهم الوجه كالح منقبض وفيه اشارة ان عذابه تعالى وانتقامه خارج عن العادة لكونه ليس بسيف ولا سوط ولا عصا ونحوها بل بالنار الخارجة عن الانطفاء وليس للكافر المعذب من الخلاص رجاء { وبئس المصير } اى جهنم وقال بعضهم جهنم من الجهنام وهى بئر بعيدة القعر ففيه اشارة الى ان اهل النار مبعدون عن جمال اللّه تعالى وعن نعيم الجنة محرقون فى نار البعد والقطيعة نسأل اللّه العافية قال فى فتح الرحمن تضمنت هذه الآية ان عذاب جهنم للكافين المخلدين وقد جاء فى الأثر انه يمر على جهنم زمن تخفق ابوابها قد أخلتها الشفاعة فالذى فى هذه الآية هى جهنم بأسرها اى جميع الطبقات والتى فى الأثر هى الطبقة العليا لانها مقر العصاة انتهى وهو مراد من قال من كبار المكاشفين يأتى زمان تبقى جهنم خالية عن اهلها وهم عصاة الموحدين ويأتى على جهنم زمان ينبت فى قعرها الجرجير وهى بقلة. ٧ { اذا ألقوا } اى الذين كفروا اى فى جهنم وطرحوا كما يطرح الحطب فى النار العظيمة وفى ايراد الا لقاء دون الادخال اشعار بتحقيرهم وكون جهنم سفلية { سمعوا لها } اى لجهنم نفسها وهو متعلق بمحذوف وقع حالا من قوله { شهيقا } لانه فى الاصل صفة فلما قدمت صارت حالا اى سمعوا كائنا لها شهيقا اى صوتا كصوت الحمير الذى هو انكر الاصوات وافظعها غضبا عليهم وهو حسيسها المنكر الفظيع كما قال تعالى لا يسمعون حسيسها قالوا الشهيق فى الصدر والزفير فى الحلق او شهيق الحمار آخر صوته والزفير اوله والشهيق رد النفس والزفير اخراجه { وهى تفور } اى والحال انها تغلى بهم غليان المرجل بما فيها من شدة التهلب والتسعر فهم لا يزالون صاعدين هابطين كالحب اذا كان الماء يغلى به لاقرار لهم اصلا الفور شدة الغليان ويقال ذلك فى لانار وفى القدر وفى لاغضب وفوارات الماء سميت تشبيها بغليان القدر وفعلت كذا من فورى اى من غليان الحال وفارة المسك تشبيها به فى الهيئة كما فى المفردات قال بعضهم نطقت الآية بأن سماعهم يكون وقت الالقاء على ما هو المفهوم من اذا وعلى المفهوم من قوله وهى تفوران يكون بعده اللهم الا أن تغلى بما فيها كائنا ما كان ويؤول اذا ألقوا باذا أريد الالقاء نواذا قربوا من الالقاء بناء على ان صوت الشهيق يقتضى أن يسمع قبل الالقاء انتهى. ٨ { تكاد تميز من الغيظ } الجملة خبر آخر وتميز اصله تتميز بتاءين والتميز الانقطاع والانفصال بين المتشابهات والغيظ اشد الغضب يقال يكاد فلان ينشق من غيظه اذا وصف بالافراط فى الغضب والمعنى تكاد تتفرق جهنم من شدة الغضب عليهم اى يقرب أن يتمزق تركيبها. وينفصل بعضه من بعض وبالفارسية نزديكست كه باره باره شود دوزخ از شدت خشم بركافران. شبه اشتعال النار بهم فى قوة تأثيرها فيهم وايصال الضرر اليهم باعتياظ المغتاظ على غيره المبالغ فى ايصال الضرر اليه فاستيعر اسم الغيظ لذلك الاستعمال استعارة تصريحية قال الامام لعل سبب هذا المجاز ان دم القلب يغلى عند الغضب فيعظم مقداره فيزداد امتلاء العروق حتى يكاد يتمزق قال فى المناسبات وكان حذف احدى التاءين اشارة الى انه يحصل افتراق واتصال على وجه من السرعة لا يكاد يدرك حق الادراك وذلك كله لغضب سيدهاغ وتأتى يوم القيامة تقاد الى المحشر بألف زمام لكل زمام سبعونن ألف ملك يقود ونهابة وهى من شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة جميعا وتحطم اهل المحشر وتقول لأنتقمن اليوم ممن اكل رزق اللّه وعبد غيره فلا يردها عنهم الا النبى صلّى اللّه عليه وسلّم يقابلها بنوره فترجع مع ان لكل ملك القوة مالو أمر به أن يقتلع الارض وما عليها من الجبال ويصعد بها فعل من غير كلفة وهذا كما اطفأها فى الدنيا بنفحة كما قال عليه السلام ( لقد أدنيت منى النار حتى جعلت انفثها خشية أن تشغاكم ) قال بعضهم تلك المهواة لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور واصل فطرة النفس ليشتد غيظها على النفوس كما ان شدة منافرة الطباع بعضها بعضا تستلزم شدة العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ. يقول الفقيرتقرر من هذا البيان ودل سائر الآثار الصحيحة ايضا ان جهنم لها حياة وشعور كسائر الاحياء ولذا يصدر منها كما يصدر منهم فلا حاجة الى ارتكاب المجاز عند اهل اللّه تعالى فى امتثال ذلك قال جعفر الطيار رضى اللّه عنه كنت مع النبى عليه السلام فى طريق فاشتد على العطش فعلمه النبى عليه السلام وكان خذآءنا جبل فقال عليه السلام ( بلغ منى السلام الى هذا الجبل وقل له يسقيك ان كان فيه ماء ) قال فذهبت اليه وقلت السلام عليك أيها الجبل فقال الجبل ينطق بنطق فصيح لبيك يا رسول اللّه فعرضت القصة فقال بلغ سلامى الى رسول اللّه وقل منذ سمعت قوله تعالى فاتقوا النار الى وقودها الناس والحجارة بكيت لخوف أن اكون من الحجارة التى هى وقود النار بحيث لم يبق فى ماء { كلما ألقى } الالقاء بيفكندن { فيها } اى فى جهنم { فوج } جماعة من الكفرة يدفع الزبانية لهم الذين هم اغيظ عليهم من النار وهو استئناف مسوق لبيان حال اهلها بعد بيان حال نفسها { سألهم } اى ذلك الفوج وضمير الجميع باعتبار المعنى { خزنتها } اى خزنة النار وهى مالك واعوانه من الربانية بطريق التوبيخ والتقريع ليزدادوا عذابا فوق عذاب وحسرة اى ليزدادوا العذاب الروحانى على العذاب الجسمانى جمع خازن بمعنى الحافظ والموكل يعرف ذلك من قولهم بالفارسية خزينه دار. قال فى تاج المصادر الخزن نكاه داشتن مال وسر { ألم يأتكم } اى وقالوا لهم ايها الكفرة الفجرة ألم يأتكم فى الدنيا { نذير } اى منذر يتلو عليكم آيات ربكم وينذركم لقاء يومكم هذا والانذار الابلاغ ولا يكون الا فى التخويف ويعدى الى مفعولين كما فى تاج المصادر. ٩ { قالوا } اعترافا بأنه تعالى قد ازاح عللهم بالكلية ببعثة الرسل وانذارهم ما وقعوا فيه وانهم لم يأتوا من قدره كما تزعم المجبرة وانما اتوا من قبل انفسهم واحتيارهم خلاف ما اختاروا اللّه فأمر به واوعد على ضده { بلى } لا يجاب نفى اتيان النذير { قد جاءنا نذير } جمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المجب بها مبالغة فى الاعتراف وتحسرا على فوت سعادة التصديق وتمهيد لبيان التفريط الواقع منهم اى قال كل فوج من تلك الافواج قد جاءنا نذير اى واحد حقيقة او حكما كانبياء بنى اسرآأئيل فانهم فى حكم نذير واحد فأنذرنا وتلا عيلنا ما نزل اللّه عليه من آياته روى ابو هريرة رضى اللّه عنه عن النبى عليه السلام انه قال انا النذير والموت المغير يعنى موت عارت كنند است والساعة الموعد يعنى قيامت وعده كاهست { فكذبا } ذلك النذير فى كونه نذيرا من جهته تعالى فان قلت هذا يقتضى أن لا يدخلها الفاسق المصر لانه لم يكذب النذير قلت قد دلت الأدلة السمعية على تعذيب العصاة مطلقا والمراد بالفوج هنا بعض من ألقى فيها وهم الكفرة كما سبق { وقلنا } فى حق ما تلاه من الآيات افراطا فى التكذيب وتماديا فى الكير بسبب الاشتغال فى الامور الدنيوية والاحكام الرسومية الخلقية { ما نزل اللّه } على احد { من شئ } من الاشياء فضلا عن تزيل الآيات عليكم وقال بعضهم ما نزل اللّه من كتاب ولا رسول { ان انتم } اى ما انتم يا معشر الرسل فى ادعاء ان اللّه تعالى نزل عليكم آيات تنذر وثنا بما فيها { الا فى ضلال كبير } بعيد عن الحق والصواب وجميع ضمير الخطاب مع ان مخاطب كل فوج نذيره لتغليبه على امثاله مبالغة فى التكذيب وتماديا فى التضليل كما ينبئ عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه فانه ملوح بعمومه حتما. ١٠ { وقالوا } ايضا معترفين بأنهم لم يكؤنوا ممن يسمع او يعقل { لو كنا } فى الدنيا { نسمع } كلاما { او نعقل } شيأ وفيه دليل على ان العقل حجة التوحيد كالسمع وقدم السمع لانه لا بد اولا من سماع ثم تعقل المسموع واقل سعدى المفتى قوله لو كنا الخ يجوز أن يكون اشارة الى قسمى الايمان التقلديى والتحقيق اى الاستدلالى لانه يحتاج الى النظر دون التحقيقى العيانى لانه يحصل بالكشف لا العقل { ما كنا } اليوم { فى اصحاب السعير } اى فى عداد اله لالنار الموقدة واتباعهم وهم الشياطين لقوله تعالى واعتدنا لهم عذاب السيعر كأن الخزنة قالوا لهم فى تضاعيف التوبيخ ألم تسمعوا آيات ربكم من السنة الرسل ولم تعقلوا معانيها حتى لا تكذبوا بها فأجابوا بذلك وفى التأويلات النجمية لو كنا نسمع بأسماع قلوبنا او نعقل بعقول ارواحنا ما كنا فى اصحاب السعير ولكنا سمعنا باسماع محتومة وعقول معلولة مقفولة. ١١ { فاعترفوا } اضطرار احين لا ينفعهم الاعتراف وهو اقرار عن مغفرة وفى عين المعانى عرفوا انفسهم بالجرم { بذنبهم } اختيارا بصرف قواهم الى سوء الاقتراف وهو كفرهم وتكذيبهم بآيات اللّه ورسله وقال بعضهم افرد الذنب لانه يفيد فائدة الجمع بكونه اسم جنس شامل للقيل والكثير وأريد به الكفر وهو وان كان على انواع فهو ملة واحدة فى كونه نهاية الجرم واقتضاء الخلود الابدى فى النار { فسحقا } مصدر مؤكد اما لفعل متعد من المزيد بحذف الزوائد اى فأسحقهم اللّه اى ابعدهم من رحمته سحقا اى اسحاقا وابعادا بسبب ذنبهم او لفعل مرتب على ذلك العفل اى فأسحقهم اللّه فسحقوا اى بعدوا سحقا اى بعدا ويقال سحق الشئ مثل كرم فهو سحيق اى بعد فهو بعيد قيل وهو تحقيق وقيل هو على الدعاء وهو تعليم من اللّه لعباده أن يدعو عليهم به كما فى التيسير ومعناه بالفارسية بس دور كرد خداى تعالى دور كردنى ايشان را از رحمت خود. قال بعضهم دعاء عليهم من اللّه اشعارا بان المدعو عليهم مستحقون لهذا الدعاء وسيقع عليهم المدعو به من البعد والهلاك { لاصحاب السعير } اللام للبيان كما كان فى هيت لك والمراد الشياطين والداخلون من الكفرة وفيه اشارة الى ان اللّه تعالى بعد اهل الحجاب من جنة القرب وقربهم من جهنم ابعد. ١٢ { ان الذين يخشون ربهم بالغيب } اى يخافون عذابه وهو عذاب يوم القيامة ويوم الموت ويوم القبر خوفا ورآء عيونهم حال كون ذلك العذاب غائبا عنهم ولم يعاينوه بعد على ان بالغيب حال من المضاف المقدر او غائبين عنه تعالى اى عن معاينة عذابه واحكامه الآخرة او عن اعين الناس لانهم ليسوا كالمنافقين الذين اذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤون على انه حال من الفاعل وهو ضمير يخشون او بما خفى منهم وهو قلوبهم فالباء للستعانة متعلقة بيخشون والالف واللام اسم موصول وكانوا يشمون من كبد أبى بكر الصديق رضى اللّه عنه رآئحة الكبد المشوى من شد الخوف من اللّه تعالى وكان عليه السلام يصلى ولصدره ازيز كأزيز المرجل من البكاء والأزيز الغليان وقيل صوته والمرجان قدر من نحا { لهم مغفرة } عظيمة تأتى على جميع ذنوبهم ولما كان السرور انما يتم بالاعطاء قال { واجر كبير } اى ثواب عظيم فى الآخرة فضلا منه تعالى يكون لهم به من الاكرام ما ينسيهم ما قاسوه فى الدنيا من شدآئد الآلام وتصغر فى جنبه لذآئذ الدنيا وهو الجنة ونعميها. كفته انديمنى از وشدايد ومكاره يعنى مزد ثرسندكان امان باشد ازهر جه مى ترسند لا تخافوا مزده ترسنده است ... هركه مى ترسد مبارك بنده است خوف وخشيت خاص دانايان بود ... هركه دانا نيست كى ترسان بود ترسكارى رستكارى آورد ... هركه درد آرد عوض درمان بود فلا بد من العقل اولا حتى يحصل الخوف ثانيا وكان بعض الاكاسرة وكانوا اعقل الملوك يرتب واحدا يكون ورآءه بالقرب منه يقول اذا اجتمعت جنوده انت عبد لا يزال يكرر ذلك والملك يقول له كلما قاله نعم وهكذا حال من يعرف مكر النفس ويخاف اللّه بقلبه قال مسروق ان المخافة قبل الرجاء فان اللّه تعالى خلق جنة ونار فلن تخلصوا الى الجنة حتى تمروا بالنار قال تعالى وان منكم الا واردها قال فضيل قدس سره اذا قيل لك اتخاف اللّه فاسكت فانك اذا قلت لا فقد جئت بأمر عظيم واذا قلت نعم فالخائف لا يكون على ما أنت عليه ألا ترى ان اللّه تعالى لما اتخذ ابراهيم عليه السلام خليلا ألقى فى قلبه الوجل حتى ان خفقان قلبه يسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير فى الهوآء وقيل لفضيل بم بلغ بك الخوف الذى بلغ قال بقلة الذنوب فللخوف اسباب واول الامر العقل السليم ثم يحصل كما له بترك العصيان وذلك ان ترك المعصية وانكان نتيجة الخوف لكن القلب بترقى فى الرقة بترك المعصية فيشتد خوفه فقاسى القلب لا يعرف الخوف لان عقله ضعيف مغلوب يقال العقل كالبعل والنفس كالزوجة والجسم كالبيت فاذا سلط العقل على النفس اشتغلت النفس بمصالح الجسم كما تشتغل المرأة المقهورة بمصالح البيت فصلحت الجملة وان غلبت النفس كان سعيها فاسدا كالمرأة التى قهرت زوجها ففسدت الجملة. مبر طاعت نفس شهوت برست ... كه هرساعتش قبله ديكرست كرا جامه باكست وسيرت بليد ... در دوزخش رانبايد كليد ١٣ { واسروا قولكم او اجهروا به } وبنهان سازيد سخن خودرا درشان بيغمبر عليه السلام يا آشكار كنيد مرانرا. قال ابن عباس رضى اللّه عنهما نزلت فى المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء يعنى درباب حضرت بيغمبر سخنان ناشايسته كفتندى. فيظهر اللّه رسوله عليها فقال بعضهم لبعض اسر واقولكم كيلا يسمع رب محمد فيخبره بما لوتقون فقيل لهم اسر واذلالك او اجهروا به فان اللّه يعلم واسرار الاقوال واعلانها مستويان عنده تعالى فى تعلق علمه والامر للتهديد لا للتكليف وتقديم السر على الجهر للايذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرون من اول الامر المبالغة فى بيان شمول علمه المحيط بجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسر ونه اقدم منه بما يجهرون به مع كونهما فى الحقيقة على السوية فان علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شئ فى نفسه علم بالنسبة اليه تعالى او لان مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر اذما من شئ يجهر به الا وهو او مباديه مضمر فى القلب يتعلق به الاسرار غالبا فتعلق علمه تعالى بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية { انه عليم بذات الصدور } مبالغ فى الاحاصة بمضمرات جميع الناس واسراهم الخفية المستكنة فى صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها اصلا فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التى فى الصدور والمعنى انه عليم بالقلوب واحوالها فلا يخفى لعيه سر من اسرارها قال القاشاقنى انه عليم بذات الصدور لكون تلك السرآئر عين علمه فكيف لا يعلم ضمائرهم من خلقها وسواها وجعلها مرآئى اسراره ولم يقل ذوات الصدور لارادة الجنس وذات هنا تأنيث ذى بمعنى صاحب حذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه اى عليم بالمضمرات صاحبةالصدور وهى الخواطر القائمة بالقلب من الدواعى والصوارف الموجودة فيه وجعلت صاحبة الصدور بملازمتها لها وحلولها فيها كما يقال اللبن ذو الاناء ولولد المرأة وهو جنين ذو بطنها. ١٤ { ألا يعلم } آياندادند { من خلق } اى ألا يعلم السر والجهر من اوجد بحكمته جميع الاشياء التى هما من جملتها فهو انكار ونفى لعدم احاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر ومن فاعل يعلم ويجوز أن يكون منصوبا على انه مفعول يعلم والعائد محذوف اى ألا يعلم اللّه من خلقه { وهو } اى والحال انه تعالى وحده { اللطيف } العالم بدقائق الاشياء يرى اثر النملة السودآء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء { الخبير } العالم ببواطنها قال القاشانى هو المحيط ببواطن ما خلق ظواهره بل هو هو فى الحقيقة باطنا وظاهرا لا فرق الا بالوجوب والامكان والاطلاق والتقييد واحتجاب الهوية بالعندية والحقيقة بالشخصية فان قلت ذكر الخبير بعد اللطيف تكرار قلت لا تكرار فيه فانه قال الامام الغزالى رحمه اللّه انما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق المصالح وغوامضاه وما دق منها وما لطف ثم يسلك فى ايصالها الى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف فاذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى الادراك تم معنى اللطف ولا يتصور كمال ذلك فى العلم والفعل الا اللّه تعالى والخبير هو الذى لا يعزب عنه الاخبار الباطنة فلا يجرى فى الملك والملكوت شئ ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن الا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم لكن العلم اذا أضيف الى الحفايا الباطنة يسمى خبرة ويسمى صاحبها خبيرا قال بعضهم كنا جماعة من الفراء فأصابتنا فاقة ومجاعة فذهبنا الى ابراهيم الخواص قدس سره وقلت فى نفسى اباسط الشيخ فى احوالى واحوال هؤلاء الفقرآء فلما وقع بصره على قال لى الحاجة الى جئتنى فيها اللّه عليم بها ام لافرفعها اليه فسكت ثم انصرفنا فلما وصلنا الى المنزل فتح علينا بشئ واذا علم العبد انه مطلع على سره عليم بخفى ما فى صدره يكتفى من سؤاله برفع همته البه واحضار حاجته فى قلبه من غير أن ينطق بلسانه واللّه لطيف بعباده ومن لطفه بهم انه يوصل اليهم ما يحتاجون اليه بسهولة فمن قوته رغيب لو تفكر فيه يعلم كم عين سهرت فيه من اول الامر حتى تم وصلح للاكل من الحارث والباذر للبذر والحاصد والد آيس والمذرى والطاحن والعاجن والخابز ويتشعب من ذلك الآلات التى تتوقف عليها هذه الاعمال من الاخشاب ولحجارة والحديد والحبال والدواب بحيث لا تكاد تنحصر وهكذا كل شئ ينعم به على عبده من مطعوم ومشروب وملبوس فيه مقدما كثيرة لو احتاج العبد الى مباشرتها بنفسه لعجز عن ذلك ومن سنة اللّه سبحانه حفظ كل لطيفة فى طى كل كثيفة كصيانة الودآئع فى المواضع المجهولة ألا ترى انه جعل التراب الكثيف معدن الذهب والفضة وغيرهما من الجواهر والصدق معدن الدر والذباب معدن الشهد والدود معدن الحرير وكذا جعل قلب العبد محلا ومعدنا لمعرفته ومحبته وهو مضغة لحم فالقلب خلق لهذا لا لغيره فعلى العبد ان يطهره عن لوث التعلق بما سوى اللّه فان اللّه تعالى لطف به باياجاده ذلك القلب فى جوفه ووصف نفسه بانه لطيف خبير مطلع على ما فى الباطن فاذا كان هو المنظر الالهى وجب تخليته عن الافكار والاغيار وتحليته بأنواع المعارف والعلوم والاسرا وتجليته بتجلى اللّه الملك العزيز الغفار بوجوه اسمائه وصفاته بل بعين ذاته نسأل اللّه تعالى نواله وأن يرينا جماله. ١٥ { هو } وحده { الذى جعل لكم} اى لمنافعكم { الارض } اختلفوا فى مبلغ الارض وكميتها فروى عن مكحول انه قال ما بين اقصى الدنيا الى ادناها مسيرة خمسمائة سنة مائتان من ذلك فى البحر ومائتان ليس يسكنها احد وثمانون فيها يأجوج ومأجوج وعشرون فيها سائر الخلق وعن قتادة انه قال الدنيا ان بسيطها من حيث يحيط بها البحر المحيط اربعة وعشرون الف فرسخ فملك السودان منها اثنا عشر الف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك العجم والترك ثلاثة آلاف فرسخ وملك العرب الف فرسخ وعن عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما انه قال ربع من لا يلبس الثياب من السودان اكثر من جميع الناس وقد خرج بطليموس مقدار قطر الارض واستدارتها فى المحطى بالتقريبى وهو كتاب له يذكر فيه القوعد التى يتويل بها فى اثبات الاوضاع الفلكية والارضية بأدلتها التفصيلية قال استدارة الارض مائة الف وثمانون الف اسطاربوس وهى اربعة وعشرون الف ميل فتكون على هذا الحكم ثمانية آلاف فرسخ والفرسخ ثلاثة اميال والميل ثلاثة آلاف ذراع بالمكى والذراع ثلاثة اشباع وكل شبر اثنتان عشرة اصبعا والاصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها الى بعض وعرض الشعيرة الواحدة ست شعرات من شعر بغل والاسطاربوس اربعمائة الف ذراع قال وغلظ الارض وهو قطرها سبعة آلاف وستمائة وثلاثون ميلا يكون الفين وخمسمائة فرسخ وخمسة واربعين فرسخا وثلثى فرسخ قال فبسيط الارض كلها مائة واثنان وثلاثون الف الف وستمائة الف ميل فيكون مائتى الف وثمانية آلاف فرسخ قال صاحب الخريدة فان كان ذلك حقا فهو وحى من الحق او الهام وان كان قياسا واستدلالا فهو قريب ايضا من الحق واما قول قتادة ومكحول فلا يوجب العلم اليقينى الذى يقطع على الغيب به انتهى { ذلولا } اى لبنة منقادة غاية الانقياد لما تفهمه صيغة المبالغة يسهل عليكم السلوك فيما لتتوصلوا الى ما ينفعكم وبالفارسية نرم ومنقادتا آسان باشد سيرشما بران. ولو جعلها صخرة خشنة تعسر المشى عليها او جعلها لينة منبتة يمكن فيها حفر الآبار وشق اليعون والانهار وبناء الابنية وزرع الحبوب وغرس الاشجار ولو كانت صخرة صلبة لتعذر ذلك ولكانت حارة فى الصيف جدا وباردة فى الشتاء فلا تكون كفاتا للاحياء والاموات وايضا ثبتها بالجبال الراسيات كيلا تتمايل وتنقل بأهلها ولو كانت مضطربة متمايلة لما كانت منقادة لنا فكانت على صورة الانسان الكامل فى سكوتها وسكونها وكانت هى وحقائقها فى مقابلة القلم الأعلى والملائكة المهيمة والحاصل ان اللّه تعالى جعل الارض بحيث ينتفع بها وقسمها الى سهول وجبال وبرارى وبحار وانهار وعيون وملح وعذب وزرع وشجر وتراب وحجر ورمال ومدر وذات سباع وحيات وفارغة وغير ذلك بحكمته وقدرته قال سهل قدس سره خلق اللّه الأنفس ذلولا فمن اذلها بمخالفتها فقد نجاها من الفتن والبلاء والمحن ومن لم يذلها واتبعها اذلته نفسه واهلكته يقال دابة ذلول بينة الذل او هو بالكسر اللين والانقياد وهو ضد الصعوبة فالذلول من كل شئ المناقد الذى يذل لك وبالضم الهوان ضد العز قال الراغب الذل ما كان عن قهر يقال ذل يذر ذلا والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر يقال ذل يذل ذلا وجعلها البيقهى فى تاج المصادر من الباب الثانى حيث قال فى ذلك الكتاب والباب الذل خورشدن والذل رام شدن. وكذا فى مختار الصحاح وجعل صاحب القاموس الذل ضد الصعوبة بالضم والكسر والذل بمعنى الهوان بالضم فقط والذلول فعول بمعنى الفاعل ولذا هرى عن علامة التأنيث مع ان الارض مؤنث سماعى { فامشوا فى مناكبها } الفاء لترتيب الامر على الجعل المذكور وهو أمر اباحة عند بعض اى فاسلكوا فى جوانبها وخبر فى صورة الامرعند آخرين اى تمشون فى اطرافها من حيث اى منكبى الرجل جانباه فشبه الجوانب بالمناكب واذا مشوا وساروا فى جوانبها واطرافها فقد احاطوا بها وحصل لهم الانتفاع بجميع ما فيها قال الراغب المنكب مجتمع ما يبن العضد والكتف ومنه استعير للارض فى قوله فامشوا فى مناكبها كاستعارة الظهر لها فى قوله ما ترك على ظهرها انتهى او فى جبالها وشبهت بالمناكب من حيث الارتفاع وكان لبشر بن كعب سرية فقال لها ان اخبرتنى ما مناكب الارض فأنت حرة فقالت مناكبها جبالها فصارت حرة فأراد أن يتزجها فسال ابا الدردآء رضى اللّه عنه فقال دع ما يريبك الى ما لا يريبك وهو مثل لفظ التذليل ومجاوزته الغاية اى تذليل البعير لا مطلقا كما فى حواشى سعدى المفتى فان منكب البعير ارق اعضائه وانباها عن أن يطاها الراكب بقدمه فاذا جعل الارض فى الذل بحيث تيأتى ا لمشى فى مناكبها لم يبق مناه شئ لم يتذلل فخرج الجواب عن وجه تخصيص المشى فى الجبال على تقدير أن يراد بالمناكب الجبال لكن من الجبال ما يتعذر سلوكها كجبل السد بيننا وبين يأجوج ومأجوج ورد فى الحديث انه تزالق عليه الارجل ولا تثبت ومناه ما يشق سلوكها وانما لم تعتبر لندرتها وقلتها وفى التأويلات النجمية هو الذى جعل لكم ارض البشرية ذلولا منقادة فخذوا من ارضها بقدر الحاجة من اعاليها واسافلها من اللذات الجسمانية المباحة لكم بحكم الشرع لتقوية ابدانكم وتهيئة اسباب طاعاتكم وعباداتكم لئلا تضعف بالكلية وتكل عن العبادة { وكلوا من لكية رزقه } والتسموا من نعم اللّه تعالى فيها من الحبوب والفواكه ونحوها والامر ان كان امر اباحة فالرزق ما يكون حلالا وان كان خبرا فى صورة الامر بمعنى تأكلون فيجوز أن يكون شاملا للحرام ايضا فانه من رزقه ايضا وان كان التناول منه حراما { واليه } اى اللّه وحده { النشور } اى لامرجع بعد البعث فبالغوا فى شكر نعمه يقال نشر اللّه رجعا ورجع بنفسه رجوعا الا ان الميت لا يحيى بنفسه بدون احياء اللّه اذ هو محال. ١٦ { ءامنتم } آيا ايمن شديد اى مكذبان . وهو استفهام توبيخ فالهمزة الاولى استفهامية والثانية من نفس الكلمة { من } موصولة { فى السماء } اى الملائكة الموكلين بتدبير هذا العالم او اللّه سبحانه على تأويل من فى السماء امره وقضاؤه وهو كقوله تعالى وهو اللّه فى السموات وفى الارض وحقيقته ءامنتم خالق السماء ومالكها قال فى الاسئلة خص السماء بالذكر ليعلم ان الاصنام التى فى الارض ليست بآلهة لا لانه تعالى فى جهة من الجهات لان ذلك من صفات الاجسام واراد أنه فوق السماء والارض فوقية القدرة والسلطنة لا فوقية الجهة انتهى على انه لا يلزم من الايمان بالفوقية الجهة فقد ثبت فانظر ماذا ترى وكن مع اهل السنة من الورى كما فى الكبريت الاحمر للامام الشعرانى قدس سره واما رفع الايدى الى السماء فى الدعاء فلكونها محل البركات وقبلة الدعاء كام ان الكعبة قبلة الصلاة وجناب اللّه تعالى قبلة القلب ويجوز أن تكون الظرفية باعتبار زعمالعرب حيث كانوا يزعمون انه تعالى فى السماء اى ءأمنتم من تزعمون انه فى السماء وهو متعال عن المكان وفى فتح الرحمن هذا المحل من المتشابه الذى استأثر اللّه بعلمه ونؤمن به ولا نتعرض لمعناه ونكل العلم فيه الى اللّه قوله من فى السماء فى موضع النصب على انه مفعول امنتم { أن يسخف بكم الارض } بعدما جعلاه لكم ذلولا تمشون فى مناكبها وتأكلون من رزقه لكفرانكم تلك النعمة اى يقلبها ملتبسة بكم فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل اشتمال من من اى ءامنتم من فى السماء خسفه والبلاء للملابسة والخسف بزمين قرو بردن. والخسوف بزمين فروشدن . والمشهور ان الباء فى مثل هذا الموضع للتعدية اى يدخلكم ويذهبكم فيها وبالفارسية فرو برد شمارا بزمين. قال الجوهرى خسف المكان يخسف خسوفا ذهب فى الارض وخسف اللّه به الارض خسفا غاب به فيها وفى القاموس ايضا خسف اللّه بفلان الارض غيبة فيها { فاذا هى } بس آنكاه زمين ابس زفرو بردن شمابوى { تمون } قال فى القاموس المور الاضطراب والجريان على وجه الارض والتحرك اى تضطرب ذهابا ومجيئا على خلاف ما كانت عليه من الذل والاطمئنان وقال بعضهم فاذا الارض تدور بكم الى الارض السفلى وبعضهم تنكشف تارة للخوض فيها وتلتئم اخرى للتعذيب بها. ١٧ { أم أمنتم } يا ايمن شديد . وهو انتقال الى التهديد بوجه آخر { من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا } اى حجارة من السماء كما ارسلها على قوم لوط واصحاب الفيل اى ام أمنتم من فى السماء ارسله على ان قوله أن يرسل بدل من من ايضا والمعنى هل جعل لكم من هذين امان واذلا امان لكم منهما فمن معنى تماديكم فى شرككم { فستعلمون } عن قريب البتة { كيف نذير } اى انذارى عند مشاهدتكم للمنذر به أهو واقع ام لا أشديد ام ضعيف يعنى حين حققتم المنذر به تعلمون انه لا خلف لخبرى وان عذابى لشديد وانه لا دافع عنه ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ فالنذير وكذا النكير الاتى مصدران بمعنى الانذار والانكار وصالهم انذيرى ونكيرى بياء الاضافة فحذفت اكتفاء بكسر ما قبلها قال فى برهان القرءآن خوفهم بالخسف اولا لكونهم على الارض وانها اقرب اليهم من السماء ثم بالحاصب من السماء فلذلك جاء ثانيا. يقول الفقير أشارت الآية الاولى على ما ألهمت فى جوف اللي الى ان الاستتار تحت اللحاف وعدم النهوض الى الصلاة والمناجاة وقت السحر عقوبة من اللّه تعالى على اهل الغفلة كالخسف ولذا لما قام بعض العارفين متهجدا فأخذه البرد وبكى من العرى قيل له من قبل اللّه تعالى اقمناك وانمتاهم فتبكى علينا يعنى ان اقامتك وانامة الغافلين نعمة لك ونقحة لهم فاشكر عليهم ولا تجزع من العرى فان بلاء العرى اهون من بلاء الغفلة واشارت الآية الثانية الى نزول المطر الشديد من السماء فانه ربما يمنع المتهجد عن القيام والاشتغال بالوضوء والطهارة فيكون غضبا فى صورة الرحمة فعلى العاقل أن لا يضيع الوقت ويغتنم الفراغ قبل الشغل أيقظنا اللّه واياكم. ١٨ { ولقد كذب الذين من قبلهم } اى من قبل كفار مكة من كفار الامم السالفة كقوم نوح وعاد وأضرابهم والتفات الى الغيبة لابراز الاعراض عنهم { فكيف كان نكيرا } اى انكارى عليهم بانزال العذاب اى كان على غاية الهول والفظاعة وهذا مورد التأكيد القسمى لا تكذيبهم فقط وانكار اللّه تعالى على عبده ان يفعل به امرا صعبا وفعلا هائلا لا يعرف وفى الآية تسلية للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وتهديد لقومه. ١٩ { اولم يروا } اى اغفلوا ولم ينظروا { الى الطير } فالرؤية بصرية لانها تتعدى بالى واما القلبية فتعديتها بفى والطير يطلق على جنس الطائر وهو كل ذى جناح يسبح فى الهوآء اما لكون جمعه فى الاصل كركب وراكب او مصدره جعل اسما لجنسه فباعتبار تكثره فى المعنى وصف بصافات وفى المفردات انه جمع طائر { فوقهم } يجوز أن يكون ظرفا ليروا وأن يكون حالا من الطير أى كائنات خوقهم { صافات } حال من الطير والصف أن يجعل الشئ على خط مستو كالناس باسطات اجنحتهن فى الجو عند طيرانها فانهن اذا بسطنها صففن قوادمها صفا وقوادم الطير مقاديم ريشه وهى عشر فى كل جناح الواحدة قادمة { ويقبض } ويضممنها اذا ضربن بام جنوبهن حينا فحينا للاستظهار به على التحرك وهو الشرك فى ايثار يقبض الدال على تجدد القبض تارة بعد تارة على قابضات فان الطيران فى الهوآء كالسباحة فى الماء فكما ان الاصل فى السباحة مد الاطراف وبسطها فكذا الاصل فى الطيران صف الاجنحة وبسطها والقبض انما يكون تارة بعد تارة للاستظهار المذكور كما فى السابح قال ابن الشيخ ويقبض عطف على صافات لانه بمعنى وقابضات والا لما عطف الفعل على الاسم { ما يسمكهن } فى الجو وما يأخذهن عن السقوط عند الصف والقبض على خلاف مقتضى الطبع الجسمانى فانه يقتضى الهبوط الى السفل { الا الرحمن } الواسع رحمته كل شئ بأن برأهن على اشكال وخصائص وهيأهن للجرى فى الهوأء { انه بكل شئ بصير } يعلم ابداع المبدعات وتدبير العجائب والبصير هو الذى يشاهد ويرى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وهو فى حقه تعالى عبارة عن الوصف الذى به ينكشف كمال نعوت المبصرات فالبصر صفة زآئدة على علمه تعالى خلافا للقدرية فمن عرف هذه الصفة كان المراد به دوام المراقبة ومطالبة النفس بدقيق المحاسبة والمراقبة احدى ثمرات الايمان ( حكى ) ان بعض الملوك كان له عبد يقبل عليه اكثر مما يقبل على امثاله ولم يكن احسن منهم صورة ولا اكثر منهم قيمة فكانوا يتعجبون من ذلك فركب الملك يوما الى الصحرآء ومعه اصحابه وعبيده فنظر الى جبل بعيد عليه قطعه ثلج نظرة واحدة ثم اطرق فركض ذلك العبد فرسه من غير أن ينظر الملك أليه ولا أشار بشئ من ذلك ولم تعلم الجماعة لاىّ شئ ركض فرسه فما لبث الا ساعاة حتى عاد ومعه شئ من الثلج فقل له بم عرفت ان الملك أراد الثلج فقال لانه نظر اليه ونظر الملوك الى شئ لا يكون عبثا فقال الملك لهذا اقربه واقدمه عليكم فانكم مشغولون بأنفسكم وهو مشغول بمراقبة احوالى وفى التأويلات النجمية يشير الى طيران الارواح العلوية المخلوقة قبل الاجساد من العوالم الهيولانية وما يسمكهن الا الرحمن المشتمل على الاسم الحفيظ وبه يمسكها فى جو سماء القدرة انه بكل شئ بصير يعلم كيف يخلق الاشياء الغريبة وكيف يدبر الامور العجبة. ٢٠ { أمن هذا الذى هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن } اصله ام من على ان ام منقطة مقدرة ببل المفيدة للانتقال من توبيخهم على ترك التأمل فيما يشاهدونه من احوال الطير المبنئة عن تعاجيب آثار قدرة اللّه الى التبكيت بما ذكر والالتفات للتشديد فى ذلك اوالاستفهام متوجه الى تعيين الناظر لتبكيتهم باظهار عجزهم عن تعيينه ولا سبيلى هنا الى تقدير الهمزة مع بل لان ما بعدها من الاستفهامية ولا يدخل الاستفهام على الاستفهام ومن مبتدأ وهذا خبره والموصول مع صلته صفته وايثار هذا لتحقير المشار اليه وينصركم صفة لجند بالاعتبار لفظه والجند جمع معد للحرب والمعنى بل من هذا الحقير الذى هو فى زعمكم جند لكم وعسكر وعون من آلهتكم وغيرها ينصركم عند نزول العذاب والآفات متجاوزا نصر الرحمن فمن دون الرحمن حال من فاعل ينصركم ودون بمعنى غيرأ وينصركم نصرا كائنا من دون نصره تعالى على انه نعت المصدره او ينصركم من عذاب كائن من عند اللّه على انه متعلق بينصركم وقد تجعل من موصولة مبتدأ وهذا مبتدأ ثانيا والمصولة مع صلته خبره والجملة سلة من بتقدير القول وينصركم وام منقطعة او متصلة والقرينة محذوفة بدلالة لاسياق على ان يكون المعنى اللّه الذى له هذه الاوصاف الكاملة والقدرة الشاملة ينصركم وينجيكم من الخسف والحصب ان اصابكم ام الذى يشار اليه ويقال فى حقه هذا الذى تزعمون انه جند لكم ينصركم من دون اللّه وايثار الرحمن للدلالة على ان رحمة اللّه هى المنجية من عضبه لا غير قال القاشانى اى من يشار اليه ممن يستعان به من الاغيار حتى الجوارح والآلات والقوى وكل ما ينسب اليه التأثير والمعونة من الوسائط فيقال هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن فيرسل ما امسك من النعم الباطنة والظاهرة او يمسك ما ارسل من النعم المعنوية والصورة او يحصل لكم ما منع ولم يقدر لكم او يمنع ما أصابكم به وقدر عليكم { ان الكافرون الا فى غرور } ان نافية بمعنى ما اى ما هم فى زعمهم انهم محفوظون من النوآئب بحفظ آلهتهم لا بحفظه تعالى فط او أن آلهتهم تحفظهم من بأس اللّه الا فى غرور عظيم وضلال فاحش من جهة الشيطان ليس لهم فى ذلك شئ يعتد به فى الجملة والالتفات الى الغيبة للايذان باقضتاء حالهم الاعراض عنهم وبيان قبائحهم ليغرهم والاظهار فى موضع الاضمار لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به. ٢١ { أمن هذا الذى يرزقكم } يعطيكم الرزق { ان امسك } الرحمن وحبس { رزقه } بامساك المطر ومباديه ولو كان الرزق موجودا او كثيرا وسهل التناول فوضع الاكلة فى فمه فأمسك اللّه عنه قوة الابتلاع عجز اهل السموات والارض عن أن يسوغه تلك اللقمة واعرابه كاعراب ما سبق والمعنى على تقدير كون من موصولة اللّه ارزاق ذو القوة المتبين يرزقكم ام الذى يقال فى حقه هذا الحقي المهين الذى تدعون انه يرزقكم قال بعض المفسرين كان الكفار يمتنعون عن الايمان ويعاندون الرسول عليه السلام معتمدين على شيئين احدهما اعتمادهم بمالهم وعددهم والثانى اعتقادهم ان الاوثان توصل اليهم جميع الخيرات وتدفع عنهم جميع الآفات فأبطل اللّه عليهم الاول بقوله اممن هذا الذى هو جند لكم الخ ورد عليهم الثانى بقوله اممن هذا الذى يرزقكم الخ { بل لجوا فى عتو ونفور } منبئ عن مقدر يستعديه المقام كائنه قيل اثر التبكيت والتعجزي لم يتأثروا بذلك ولم يذعنوا للحق بل لجوا وتمادوا فى عتواى عناد واستكبار وطفيان ونفور اى شراد عن الحق وتباعد واعراض لمضادتهم الحق بالباطل الذى اقاموا عليه فاللجاج التمادى فى العناد فى تعاطى الفعل المزجور عنه والعتو والتجاوز عن الحد والنفور الفرار ففيه تحقير لهم واشارة الى انهم { حمر مستنفرة فرت من قسورة } يعنى كوييا ايشان خران وحشى اندر ميدكان كه كريخته باشند از شيريا از صياد ياريسمان دام يا مردم تيرانداز يا آوازهاى مختلف كسى راكه بندار درسر بود ... ميندار هركزكه حق بشنود ٢٢ { افمن يمشى مكبا على وجهه اهدى } الخ مثل ضرب للمشرك والموحد توضيحا لحالهما والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم وتقديم الهمزة عليها صورة انما هو لاقتضائها الصدارة واما بحسب المعنى فالامر بالعكس حتى لو كان مكان الهمزة هل لقيل فهل من يمسى مكبا ولمكب الساقط على وجهه وحقيقته صار ذا كب ودخل فى الكب وكبه قليه وصرعه يعنى اسطقع على وجهه ولا يقال اكبه فان اكب لازم وعند صاحب القاموس لازم ومتعد ومكبا حال من فاعل يمشى والمعنى فمن يشمى وهو يعثر فى كل ساعة ويخر على وجهه فى كل خطوة لتوعر طريقه واختلال قواه اشد هداية ورشدا الى المقصد الذى يؤمه قال فى المناسبات لم يسم سبحانه لمشيانه طريقا لانه لا يستحق ذلك ولما كان ربما صادف السهل لا عن بصيرة بل عن اتفاق قال اهدى { اممن } اى اهو اهدى ام من { يمشى سويا } اى قائما سالما من الخبط والعثار { على صراط مستقيم } مستوى الاجزآء لا عوج فيها ولا انحراف وقيل المكب كناية عن الاعمى لانه لا يهتدى الى الطريق فيتعسف يعنى بى راه ميرود فيلزمه ان يكب على وجهه بخلاف الصير السوى فرقست ميان آنكه از روى يقين ... باديده بينا روداندرره دين با آنكه دوجشم بسته بى دست كسى ... هركوشه همى رود بظن وتخمين وقال قتادة هو الكافر اكب على معاصى اللّه فى الدنيا فحشره اللّه على وجهه الى النار فى العقبى والمؤمن استقام على امر اللّه فى الدنيا فحشره اللّه على قدميه على الجنة فى الآخرة وقيل للنبى عليه السلام وكيف يشمون على وجوههم قال ان الذى امشاهم على اقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم وفيه اشارة الى ان اللّه تعالى يظهر للانسان يوم القيامة ما ابطن اليوم خيرا او شرا سيرتى كاندر وجودت غالبست ... هم بران تصوير حشرت واجبست قال القاشانى فامن يمشى منتكسا بالتوجه الى الجهة السفلية والمحبة للملاذ الحسية والانجذابالى الامور الطبيعية أهدى اممن يمشى مستويا منتصبا على صراط التوحيد الموصوف بالاستقامة التامة التى لا توصف فالجاهل المحجوب الطالب للدنيا المعرض عن المولى الاعمى عن طريق الحق مكبوب على وجه الخجلة بواسطة ظلمة الغفلة والعارف المحقق التارك للدنيا المقبل على المولى المبصر البصير لطريق الحق ماش سويا بالظاهر والباطن على طريق التوحيد الذى لا فيه امت ولا عوج. ٢٣ { قل } يا افضل الخلق { هو } تعالى وحده { الذى انشأكم } ايها الكفار كا دل عليه السباق والسياق ويندرج فيه الانسان الغافل ايضا ان انشأكم انشاء بريعا قابلا لجمع جميع الحقائق الالهية والكيانية وابتدأ خلقكم على احسن خلق بأن صوركم فأحسن صوركم { وجعل لكم السمع } واعطى لكم الاذن لتسموا آيات اللّه وتعملوا بمو جبها بل لتسمعوا الخطابات الغيبية من ألسنة الموجودات بأسرها فانها كلها تنطق نطق الانسان كما قال اللّه تعالى وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم قيل لبرز جمهر من اكمل الناس قال من لم يجعل سمعه غرضا لفحشاء وقدم السمع لانه شرط النبوة ولذلك ما بعث اللّه رسولا اصم ولان فوآئد السمع اقوى بالنسبة الى العوام وان كانت فوآئد البصر اعلى بالنسبة الى الخواص ولان السمع مرتبة الخطاب عند انفتاح باب القلب ولابصرة مرتبة الرؤية ولا شك ان مرتبة الخطاب اقدم بالنسبة الى مرتبة الرؤية لان مرتبة الرؤية هى مرتبة لتجلى فهى نهاية الامر ألا ترى انه عليه السالم سمع قبل النبوة صوت اسرافيل ولم ير شخصه واما بعدها فقد رأى جميع الملائكة وأم لهم ليلة المعراج عند السدرة بل ورأى اللّه تعالى بلا كيف فترقى من مرتبة الخطاب الى هى مرتبة الوحى الى مرتبة التجلى التى هى مرتبة الموحى { والابصار } لننظيروا بها الى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون اللّه تعالى ولتبصروا جميع مظاهره تعالى فى غاية الكمال ونهاية الاتقان { والافئدة } لتتفكر وابها فيما تسمعونه وتشاهدونه من الآيات التنزيلية والتكوينية وترتقوا فى معارج الايمان والطاعة بل التقبلوا بها الواردات القلبية والالهامات الغيبية قال فى القاموس التقؤد التحرق والتوقد ومنه الفؤاد للقلب مذكر والجمع افئد انتهى وخص هذه الثلاثة بالذكر لان العلوم والمعارف بها تحصل كما فى الاسرار ولان القلب كالحوض حيث ينصب اليه ما حصل من طريق السمع والبصر { قليلا ما تشكرون } اى باستعمال فيما خلت لاجله من الامور المذكورة وقليلا نعت لمحذوف وما مزيدة لتأكيد القلة اى شكرا قليلا او زمانا قليلا تشكرون وقيل القلة عبارة عن العدم قال سعدى المفتى القلة بمعنى النفى ان كان الخطاب للكفرة او بمعناها المعروف ان كان للكل يقال قلما افعل كذا اى لا أفعله قال بعضى العارفين لو عشت ألف عام ... فى سجدة لربى شكر الفضل يوم ... لم اقض بالتمام والعام ألف شهر ... والشهر ألف يوم واليوم ألف حين ... والحين ألف عام قال بعضهم من وظائف السمع فى الشكر العلم من العلماء والحكماء والاصغاء الى الموعظة ونصح العقلاء والتقليد لاهل الحق والصواب ورد اقوال اهل البدعة والهوى ومن وظائف الابصار فيه النظر الى المصاحف وكتب الدين ومعابد المؤمنين ومسالك المسلمين والى وجوه العلماء والصالحين والفقرآء والمساكين بعين الرحمة والتفات المحسنين الى المصنوعات ونظر اصحاب اليقين وارباب الشوق والذوق والحنين الى غير ذلك مما فيه خير زبان آمد از بهر شكر وسباس ... بغيبت نكر داندش حق شناس كذركاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش دوجشم ازبى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فروكير ودوست بهايم خموشنده وكويا بشر ... برا كنده كوى از بهايم بتر بنطق است وعقل آدمى زاده فاش ... اكر راست كويى سخن هم بدى ترا آنكه جشم ودهان دادو كوش ... اكر عاقلى در خلافش مكوش مكن كردن از شكر منعم مبيج ... كه روزبسين سربر آرى بهيج ومن وظائف الافئدة الفكر فى جلال اللّه وكاله وجماله ونواله والخوف والرجاء منه والمحبة به والاشتياق الى لقائه والمحبة لانبيائه واوليائه والبغض لاعدآئه والنظر فى المسائل والدلائل والاهتمام فى حوائج العيال ونحو ذلك مما فيه فائدة صيقلى كن دلت بنور جمال ... تاكه حاصل شود جميع كمال ٢٤ { قل } يا اكمل الخلق { هو الذى ذرأكم فى الارض } اى حلقكم وكثرتكم فيها لا غيره من الذرء وهو بالفارسية آفريدن قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق والشئ كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين { واليه } تعالى لا الى غيره اشتراكا او استقلالا { تحشرون } حشر اجسمانيا اى تجمعون وتبعثون للحساب والجزآء شيأ فشيأ على البرزخ دفعة واحدة يوم البعث فابنوا اموركم على ذلك ختم الآية بقوله واليه تحشرون فبين ان جميع الدلائل المذكورة انما كان لاثبات هذا المطلوب. ٢٥ { ويقولون } من فرط عنادهم واستكبارهم او بطري قالاستهزآء كما دل عليه هذا فى قوله { متى هذا الوعد } اى الحشر الموعود كامينبئ عنه قوله تعلاى واليه تحشرون فالوعد بمعنى الموعد والمشار اليه الحشر وقيل ماحو فوابه من الخسف والحاصب واختيار لفظ المستقبل اما لان المقصود بيان ما يوجد من الكفار من هذا القول فى المستقبل واما لان المعنى وكانوا يقولون { ان كنتم صادقين } يخاطبون به النبى والمؤمنين حيث كانوا مشاركين له عليه السلام فى الوعد وتلاوة الآيات المتضمنة له وجواب الشرط محذوف اى ان كنتم صادقين فيما تخبرونه من مجيئ الساعة والحشر فبينوا وقته. ٢٦ { قل } يا اعلم الخلق { انما العلم } بوقته { عند اللّه } الذى قدر الاشياء ودبر الامور لا يطلع عليه غيره { وانما أنا نذير مبين } مخوف ظاهر بلغة تعرفونها ومظهر للحق كاشف عن الواقع انذركم وقوع الموعود لا محالة واما اعلم بوقت وقوعه فليس من وظائف الانذار قال يحيى بن معاذ رضى اللّه عنه اخفى اللّه علمه فى عباده وعن عباده وكل يتبع امره على جهة الاشتباه لا يعلم ما سبق له وبما ذا يختم له وذلك قوله تعالى قل انما الخ. ٢٧ { فلما رأوه } الفاء فصيحة معربة عن تقدير جملتين وترييب الشرطية عليهما كأنه قيل وقد أتاهم الموعود فرأوه اى رؤية بصرية فلما رأوه نزل الامر الغير الواقع منزلة الواقع التحققه { زلفة } حال من مفعول رأو الان رأى من رؤية البصر كما اشير اليه آنفا اما بتقدير المضاف الى ذا زلفة وقرب او على انه مصدر بمعنى الفاعل اى مزدلفا وقرب الحشر هو قرب ما اعهد لم فيه { سيئت } بذكردد وزشت شود { وجوه الذين كفروا } بأنغشيتها لكآبة ورهقها القتر والذلة وخص الوجوه بالذكر لان الوجه الذى يظهر عليه اثر المسرة والمساءة ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بالكفر وتعليل المساءة به واصل الكلام ساءت رؤية الموعود وجوههم فكانت كوجه من يقاد الى القتل او يعرض على بعض العذاب والسياءة من ساءة الشىء يسوءه سوأ ومساءة نقيض سره كما فى تاج المصادر السوء غمكين كردن. ثم بنى للمفعول وفى القاموس ساء فعل به ما يكره فيكون متعديا ويجوز ان يكون لازما بمعنى قبح ومنه ساء مثلا وسيئ اذا قبح قال بعض المفسرين واهل اللغة ومنه الآية فالفعل فى الحقيقة مسند الى صاحاب الوجوه بمعنى ساؤوا وقبحوا قال بعضهم المحجوبين مع اعترافهم بالابدآء منكرون للاعادة فلا جرم يسوء وجوههم رؤية ما ينكرونه وتعلوها الكآبة ويأتيهم من العذاب الأليم مالا يدخل تحت الوصف { وقيل } توبيخا لهم وتشديدا لعذابهم بالنار الروحانية قبل الاحراق بالنار الجسمانية والقائلون الزبانية وايراد المجحول لكون المراد بيان القائل { هذا } مبتدأ اشير به الى ما رأوه زلفة وخبره قوله { الذى كنتم به تدعون } اى تطلبونه فى الدنيا وتستعجلونه انكارا واستهزآء على انه تفتعلون من الدعاء والباء على هذا صلة الفعل بقال دعا بكذا اذا استدعاه وقيل هو من الدعوى اى كنتم بسبب ذكر النبى عليه السلام والمؤمنين العذاب لكم يوم القيامة تدعون ان لا بعث ولا حشر ولا عذاب فالباء للسببية ويجوز ان تكون للملابسة وعن بعض الزهاد انه تلاها فى اول الليلة فى صلاته فيقى يكررها وهو يبكىلى أن نودى لصلاة الفجر هذه معاملة العارفين جلال اللّه مع اللّه عند ملاحظة جبروته وقهره. ٢٨ { قل } يا خير الخلق { أرأيتم } اى اخبرونى خبرا انتم فى الوثوق به على ما هو كالرؤية قال بعضهم لما كانت الرؤية سببا للاخبار عبر بها عنه وقال بعضهم لما كان الاخبار قويا بالرؤية شاع أرأيت فى معنى اخبر { ان اهلكنى اللّه } اى اماتنى والتعبير عنه بالاهلاك لما كانوا يدعون عليه صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى المؤمنون بالهلاك ويتر بصون به ريب المنون ويقولون ان امر محمد لا يتم ولا يبقى بل يزول عن قريب { ومن معى } من المؤمنين وحصل مقصودكم { او رحمنا } بتأخير آجالنا وحصل مقصودنا فنحن فى جوار رحمته متربصون لاحد الحسنيين اما أن يهلك فننقلب الى الجنة او نرحم بالنصرة والادالة للسلام كما نرجو فانتم ما تصنعون واى راحة لكم فى موتنا واى منفعة وغايتكم الى العذاب كما قال تعالى { فمن } بس كيست آنكه او { يجير } يهجى ويخلص قال فى تهذيب المصادر الاجارة زينهار دادن . وفى القاموس اجاره انقذه وأعاذه { الكافرين من عذاب أليم } مؤلم شديد الا يلر لام اى لا ينجيكم منه احد اذا نزل بكم سوآء متنا او بقينا انما النجاة بالايمان والعمل الصالح ووضع الكافرين موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالكفر وتعليل نفى الانجاء به وقال بعضهم كيف قال ان اهلكنى اللّه الخ بعد ان علم انه تعالى لا يهلك الانبياء والمؤمنين قلت فيه مبالغة فى التخويف كأنه قيل نحن معاشر الانبياء والمؤمنين نخاف اللّه أن يأخذنا بذنوبنا فمن يمنعكم من عذابه وانتم كافرون وكيف لا تخافون وانتم بهذه المثابة من الاجرام فيكون معنى اهلكنا عذبنا بعذاب ومعنى رحمنا غفر لنا كما فى الجلالين. ٢٩ { قل } يا اشفق الخلق { هو الرحمن } اى الذى ادعوكم الى عبادته مولى النعم كلها وموصلحا { آمنا به } وحده لما علمنا ان كل ما سواه فاما نعمة او منعم عليه ولم نكفر به كما كفرتم على ان يكون وقوع آمنا مقدما على به تعريضا للكفار حيث ورد عقيب ذكرهم { وعليه توكلنا } فوضنا امولنا لا على غيره اصلا كما فعلتم انتم حيث توكلتم على رجالكم واموالكم لعلمنا بأن ما عداه كائنا ما كان بمعزل من النفع والضر فوقوع عليه مقدما يدل على الاختصاص { فستعلمون } يا كفار مكة عن قريب البتة عند معاينة العذاب { من } استفهامية او موصولة { هو فى ضلال مبين } منا ومنكم اى خطأ ظاهر وفى التأويلات النجمية وعلى فيضة الاتم ولطفه الاعم توكلنا بكليتنا لا على غيره فستعلمون من هو فى ضلال مبين اى من توجه اليه بالاستفاضة منها او من اعرض عنه بالانكار له. ٣٠ { قل } يا اكرم الخلق { أرأيتم } اى اخبرونى { ان اصبح } اكر كردد . فهو بمعنى صار { ماؤكم } وكان ماء اهل مكة من بئرين بئر زمزم وبئر ميمون الحضرمى { غورا } خبر اصبح وهو مصدر وصف به اى غائرا فى الارض بالكلية ذاهبا ونازلا فيه وقيل بحيث لا تناله الدلاء ولا يمكن لكم نيله بنوع حيلة كما يدل عليه الوصف بالمصدر وبالفارسية فرورفته بزمين جنانكه دست ودلو بدان نرسد. يقال غار الماء نضب والضوب فردشدن آب درزمين وفى المفردات الغور المهبط فى الارض { فمن يأتيكم } على ضعفكم حينئذ { ماء معين } جارو بالفارسية بس كيست آنكه بيارد براى شما آب جارى. من عان الماء او معن كلاهما بمعنى جرى او ظاهر للعيون سهل المأخذ يعنى تناله الايدى فهو على هذا اسم مفعول من العين بمعنى الباصرة كمبيع من البيع لعل تكرير الامر بقل لتأكيد المقول وتنشيط المقول له فان قلت كيف خص ذكر النعمته بالماء من بين سائد نعمه قلت لان الماء اهون موجوه واعز مفقود كما فى الاسئلة المقحمة. ودر آثار آمده كه بعد از تلاوت اين آيت بايد كفت كه اللّه رب العالمين در تفسر زاهدى رحمه اللّه مذكور است كه زنديقى شنيد كه معلمى شاكره خودرا تلقين مى كرد فمن يأتيكم بماء معين واو جواب دادكه يأتى به المعول والمعين قال فى القاموس المعول كمنبر الحديدة تنقر بها الجبال انتهى شبانه نابينا شد هاتفى وهو من يسمع صوته ولا يرى شخصه آواز دادكه اينك كه آب جشمه جشم توغائر شد بكوتا بمعول ومعين باز آرند نعوذ باللّه من الجرآءة على اللّه وبيناته وترك حرمة القرءآن وآياته وانما عوقب بذهاب ماء عينيه لان الجزآء من جنس العمل وفى المثنوى فلسفئ منطقئ مستهان ... مى كذشت ازسوى مكتب آن زمان جونكه بشنيد آيت اواز ن بسند ... كفت ما اريم آبى بر بلند تا بزخم بيل وتزئ تبر ... آب را آريم ازبستى زبر شب بخفت وديد او يك شير مرد ... زد طبانجه هردو جشمش كور كرد كفت هان زين جشمه جشم اى شقى ... باتبر نورى برآر ار صادقى روز برجست ودوجشمش كورديد ... نور فائض ازدو جشمش نابديد وفى الحديث سورة من كتاب اللّه ما هى الا لثلاثون ايت شفت لرجل فأخرجته يوم القيامه من النار وادخلته الجنة وهى سورة تبارك قال فى التيسير هى ثلاثون آية وثلاثمائ وثلاثون كلمةوالف وثلاثمائة واحد وعشرون حرفا وفى حديث اخر وردت ان تبارك الذى بيده الملك فى قلب كل مؤمن وكان عليه السلام لا ينام حتى يقرأ سورة الملك والم تنزيل السجدة وقال على رضى اللّه عنه من قرآها يجيئ يوم القيامة على اجنحة الملائكة وله وجد فى الحسن كوجه يوسف عليه السلام وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ضرب بعض الصحابة خباءه على قبر وهو لا يشعر أنه قبر فاذا فيه انسان يقرآ سورة الملك فأتى النبى عليه السلام فقال يا رسول اللّه ضربت خبائى على قبر وأنا لا اعلم انه قبر فاذا انسان يقرأ سورة الملك فقال عليه السلام فى المانعة اى من عذاب اللّه تعالى هى ( المنجية تنجيه من عذاب القبر ) وكانو يسمونها على عهد رسول اللّه عليه السلام المنجية وكانت تسمى فى التوراة المانعة وفى الانجيل الواقية قال ابن مسعود رضى اللّه عنه يؤتى الرجل فى قبره من قبل رأسه فيقال ليس لكم عليه سبيل انه كان يقرأ على رسأه سورة الملك فيؤتى من قبل رجليه فيقال ليس لكم عليه سبيل انه كان يقوم فيقرأ سورة الملك فيؤتى من قبل جوفه فيقال ليس لكم عليه سبيل انه وعلى سورة الملك اى حفظها وأو دعها فى جوفه وبطنه من قرأها فى ليلة او يوم فقد اكثر واطاب. يقول الفقير سورة الملك عند اهل الحقائق هى سور المام الذى يلى يسار القطب وينظر الى عالم الشهادة واليه الاشارت بقوله ملك الناس فسر هذه السورة فى اولها كما ان سريس فى آخرها وهو قوله تعالى فسبحان الذى الخ ولذا تقرأ عند المحتضر لان وقت الموت قبض الملكوت الذى هو الروح وهو بيده تعالى بقى الكلام فى قرآء الموتى فى قبورهم وهل يصلون وهل يتعلمون العلم بعد الموت فدل حديث ابن عباس رضى اللّه عنهما على القرآءة وكذا ما اخرج السيوطى رحمه اللّه عن عكرمة رضى اللّه عنه انه قال يعطى المؤمن مصحفا يقرأ فى القبر واخرج عن سعيد بن جبير رحمه اللّه انه رأى بعينه ثابتا البنانى رحمه اللّه يصلى فى قبره حين سقطت لبنة من قبره وكانوا ايستمعون القرءآن كثيرا من قبره واخرج عنه الحسن البصرى قدس سره انه قال بلغنى ان المؤمن اذا مات ولم يحفظ القرءآن امر حفظته ان يعلمون القرءآن فى قبره حتى يبعثه اللّه يوم القيامة مع اهله وذكر اليافعى رحمه اللّه ان مالك بن دينار ماتت له قبل توبته بنت لها سنتان فرآها فى المنام وهى تقول له يا أبت الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر اللّه فبكى وقال يا بنية وانتم تعرفون القرءآن فقالت يا ابت نحن اعرف به منكم فكان ذلك سبب توبته ونقل الامام الشعرانى فى كتاب الجواهر له عن بعض اهل اللّه انه قال من اهل البرزخ من يخلق اللّه تعالى من همتهم من يعمل فى قبورهم بغالب اعمالهم فى الدنيا ويكتب اللّه لعبده ثواب ذلك العمل الى آخر البرزخ كما وقع لثابت البنانى رحمه اللّه فانهم وجدوا فى قبره شخصا على صورته يصلى فظنوا انه هو وانما هو مخلوق من همتهوكذلك المثالات المتخيلة فى صور اهل البرزخ لاهل الدنيا فى النوم واليقظة فاذا رؤى مثال احدهم فهو اما ملك خلقه اللّه تعالى من همة ذلك الولى واما مثال اقامه اللّه تعالى على صورة لتنفيذ ما شاء اللّه تعالى من حوآئج الناس وغيرها فأرواح الاولياء فى البرزخ مالها خروج منه ابدا واما ارواح الانبياء عليهم السلام فانها مشرفة على وجود الدنيا والآخرة انتهى. وقال السيوطى رحمه اللّه نقلا عن بعض المحققين السادسة فالروح كانت هناك فى مثال البدن ولها اتصال بالبدن بحيث يصلى فى قبره ويرد على المسلم عليه وهو فىلرفيق الأعلى ولا تنافى بين الامرين فان شأن الارواح غير شأن الابدان وقد مثل بعضهم بالشمس فى السماء وشعاعها فى الارض كالروح نالمحمدى يرد على من يصلى عليه عند قبره دآئما مع القطع بأن روحه فى أعلى عليين وهو لا ينفك عن قبره كما ورد عنه قال الامام الغزالى رحمه اللّه تعالى والرسول عليه السلام له الخيار فى طواف العوالم مع ارواح الصحابة رضى اللّه عنهم لقدر ىه كثير من الاولياء وقال صدر الدين القنوى قدس سره فمن ثبتت المناسبة بينه وبين الاوواح الكمل من الانبياء والاولياء الماضين اجتمع بهم متى شاء وتوجه توجها وجدانيا يقظة ومناما انتهى. |
﴿ ٠ ﴾