٢ { الذى خلق الموت والحياة } شروع فى تحصل بعض احكام الملك وآثار اقدرة والموصول بدل من الموصول الاول فلا وقف على لاقدير والموت عند اهل السنة صفة وجوديةمضادة للحياة كلاحرارة والبرودة والحياة صفة وجودية زآئدة على نفس لذات مغايرة للعلم والقدرة مصححة لاتصاف الذات بهما وما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما من ان الموت والحياة جسمان وان اللّه خلق الموت على صورة كبش املح لا يمر بشئ ولا يجد رائحته شئ الا مات وخلق الحياة على صورة فرس انثى بلقاء وهى التى كان جبريل والانبياء عليهم السلام يركبونها خطوتها مد البصر فرق الحمار ودون البغل لا تمر بشئ ولا يجد رائحتها شئ الا حى وهى التى اخذ السامرى من اثرها قبضة فألقاها على العجل فحيى فكلام وارد على سبيل التمثيل ولاصتوير والا فهما فى التحقيق من قبيل الصفات لا من قبيل الاعيان هكذا قالوا وجوابه ان كون الموت والحاية صفتين وجوديتين لا ينافى أن يكون لهما صورة محسوسة كالاعيان فانهما من مخلوقات عالم الملكوت ولكل منهما صورة مثالية فى ذلك العالم بها يرى ويشاهد بشاهده من غيب عن عالم الملك وينسلخ عن البدن يؤيده قوله عليه السلام يذبح الموت بين الجنة والنار على صورة كبش ولا شك ان الذبح انما يتعلق بالاعيان وايضا ان عالم الآخرة عالم الصفة يعنى ان كل سفة باطنة فى الدنيا تتصور بصورة ظاهرة فى العقبى حسنة او قبيحة فلا شئ من المعانى الا وهو مجسم مصور فقول ابن عباس رضى اللّه عنه محمول على هذا نعم ان قولهم ان الحية فرس انثى يخالف قولهم ان البراق حقيقة ثالثة لا ذكر ولانثى وقال بعضهم الموت عبارة عن عدم صفة الحياة عن محل يقبلها يعنى ان الموت والحياة من باب العدم والملكة فان لاحياة هى الاحساس والحركة الارادية والضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه أن يكون له كما قال صاحب الكشاف الحياة ما يصح بوجوده الاحساس والموت عدم ذلك ومعنى خلق الموت والحياة ايجاد ذلك المصحح واعدامه انتهى. اى ايجاد اثر الموت بقطع ضوء الروح عن ظاهر الحى وباطنه مع كونه فى غاية الاقتدار على الحركة والتقلب بنفسه بالارادة وعدم تلك الملكلة ليس عدما محضا بل فيه شائبة الوجود والا لم يعتبر فيه المحل القابل للامر الوجودى فلذلك صح تعلق الخلق بالموت كتعلقه بالحياة وبهذا التقرير اندفع ما اعترضوا به من ان العدم حال لا يكون مخلوقا لان المخلوق حادث وعد الحوادث ازلى ولو كان مخلوقا لزم وجود ا لحوادث ازلا وهو باطل وقال بعضهم معنى خلق الموت على تقدير أن يكون الموت عبارة عن عدم الحياة قدره فان اخلق يجيئ بمعنى التقدير كما فى قوله تعالى فتبارك اللّه احسن الخالقين ولا يبعد أن يقال ان تعلق الخلق بالموت بمعنى الايجاد انما هو بتبعية تعلقه بالحياة بذلك المعنى وقدم على الحياة لان الموت فى عالم الملك ذاتى والحياة عرضية يعنى ان الموت اسبق لان الاشياء كانت مواتا ثم عرضت لها الحياة كالنطفة على ما دل عليه قوله تعالى وكنتم امواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون ولانه ادعى الى احساس العمل واقرب الى قهر النفوس فمن جعله نصب عينيه افلح وفى الحديث ( لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت ) وفى الارشاد الأقرب ان المراد به الموت الطارئ وبالحياة ما قبله وما بعده لظهور مداريتهما كما ينطق به ما بعد الآية ليبلوكم الخ فان استدعاء ملاحظتها لاحسان العمل مما لا ريب فيه مع ان نفس العمل لا يتحقق بدون الحياة الدنيوية انتهى. وظاهره يخالف قوله تعالى ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا فان المراد بهذه الحياة هى الحياة الدنيوية بقرينة النشور والقرءآن يفسر بعضهم بعضاً ثم ان الالف واللام فى الموت والحياة عوض عن المضاف اليه اى موتكم وحياتكم ان المكلفون لان خلق موت غير المكلفين وحياتهم لابتلاء المكلفين لا معنى له قال بعض العارفين الموت والحياة عرضان والاعراض والجواهر مخلوقة له تعالى وأصل الحياة حياة تجليه واصل الموت موت استتاره وهما يتعاقبان فى الدنيا فاذا ارتفعت الحجب يرتفع الموت عنهم بأنهم يشاهدون عيانا بلا استتار ابدا لا يجرى عليهم طوارق الحجاب بعد ذلك قال اللّه تعالى بل احياه عند ربهم خلق الموت والحياة يميت قوما بالمجاهدات ويعيش قوما بالمشاهدات يميت قوما ينعت الفناء فى ظهور سطوات القدم ويحيى قوما بنعت البقاء فى ظهور انوار البقاء لولا التجلى والاستتار لم يظهر شوق المشتاقين وتفاوت درجات الشوق ولا يتبين وله العاشقين وتفاوت درجاتهم فى العشق وقال سهل قدس سره الموت فى الدنيا بالمعصية والحياة فى الآخرة بالطاعة فى الدنيا وقال الجنيد قدس سره حياة الاجسام مخلوقة وهى التى قال اللّه تعالى خلق الموت والحياة وحياة اللّه دآئمة لا انقطاع لها اوصلها الى اوليائه فى قديم الدهر الذى ليس له ابتدآء فكانوا فى علمه احياء قبل ايجاده لهم ثم اظهرهم فأعارهم الحياة المخلوقة التى احيى بها الخلق وأماتهم فى سره فكانوا فى سره بعد الوفاة كام كانوا ثم اورد عليهم حياة الأبد فكانوا احياء أبدا وقال الواسطى قدس سره من احياء اللّه عند ذكره فى ازله لا يموت ابدا ومن أماته فى ذلك لا يحيى ابدا وكم حى غافل عن حياته وميت غافل عن مماته { ليبولكم ايكم أحسن عملا } اللام متعلقة بخلق وظاهرها يدل على ان افعال اللّه معللة بمصالح العباد واه تعالى يفعل الفعل لغرض كما ذهب اليه المعتزلة وعند اهل السنة ليس هى على ظاهرها بل معناها ان اللّه تعالى فعل فعلا لو كان يفعله من يراعى المصالح لم يفعله الا لتلك المصالحة والغرض فمثل هذه اللام لام العلة عقلا ولام الحكمة والمصلحة شرعا وايكم مبتدأ واحسن خبره وعملا تمييزا ولجملة الاسمية سادة مسد المفعول الثانى لفعل البلوى عدى اليه واسطة لتضمنه معنى العلم باعتبار عاقبته والا فهو لا يتعدى بلا واسطة الا الى مفعول واحد فليس هو من قبيل التعليق المشهور الذى يقتضى عدم ايراد المفعول اصلا وقد ذكر المفعول الاول هنا وهو كم مع اختصاصه بافعال القلوب ولا من التضمين المصطلح بل مستعار لمعنى العلم البلوى الاختبار وليس هنا على حقيقته لانه انما يتصور ممن يخفى عليه عواقب الامور فالابتلاء من اللّه أن يظهر من العبد ما كان يعلم منه فى الغيب والمعنى ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملا فيجازيكم على مراتب متفاوتة حسب تفاوت طبقات علومكم واعمالكم فان العلم غير مختص بعمل الجوارح ولذلك فسره عليه السلام بقوله ايكم أحسن عقلا واورع من محارم اللّه واسرع فى طاعة اللّه يعنى أثم عقلا عند اللّه فهما لمراده فان لكل من القلب والقالب عملا خاصا به فكما ان الاول أشرف من الثانى كذلك الحال فى عمله كيف لا وعمله معرفة اللّه الواجبة على العباد اول كل شئ وانما طريقها النظر والتفكر فى بدآئع صنع اللّه والتدبر فى آياته المنصوبة فى الانفس والآفاق كما قال عليه السلام ( لاتفضلونى على يونس بن متى فانه كان يرفع له كل يوم مثل عمل اهل الارض ) قالوا وانما كان ذلك التفكر فى امر اللّه الذى هو عمل القلب ضرورة ان احدا لا يقدر على أن يعمل بجوارحه كل يوم مثل عمل اهل الارض كذا فى الارشاد. يقول الفقير لعل حال يونس عليه السلام اشارة الى انه عمل قالبى مفضل على عمل اهل الارض فى زمانه بخواص قلبية فان اعمال المقربين واحد منهما مقابل بمائة ألف بل بغير حساب باعتبار التفاوت فى الاحسان والشهود والخلوص ولذا قال تعالى احسن فانه بعبارته اشارة الى احوال المقربين وباشارته الى احوال غيرهم من الابرار والكفار والمنافقين وذلك ان نية الانسان لا تخلو اما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيئ نية وعملا وهو حال الكفار واما أن يكون متعلقها فى لسانه هو الآخرة وفى جنانه هو الدنيا فهو أسوأنية وعملا وهو حال المنافقين واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا وهو حال الابرار واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو وجه اللّه تعالى فهو احسن نية وعملا وهو حال المقربين ولما كان المقصود الاعظم هو تحصيل هذا الاحسن صرح بذكره دون ذكر الحسن فانه مفهوم بطريق الاشارة وكذا غيره ولقد أصاب من قال فى تفسير الآية بابيازمايد شمارا يعنى باشما معامله آزمايند كان كند تاظاهر شودكه دردار تكليف كدام ازشما نيكو ترند ازجهت عمل يعنى اخلاص كدام بيشترست. وكذا من قال أحسن الاعمال ما كان اخلص بأن يكون لوجه اللّه خالصا وأصوب بأن يكون موافقا للسنة اى واردا على النهج الذى ورد عن الشارع فالعمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ولذا قال عليه السلام للاعرابى قم صل فانك لم تصل وكذا اذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ايضا ولذا جعل اللّه اعمال اهل الرياء والنفاق هبا منثورا وقول من قال من الارفين حسن العمل نسيان العمل ورؤية الفضل هو من مراتب الاخلاص فان الاخلاص سر عظيم من اسرار اللّه تعالى لا يناله الا الخواص وفى الاشارد ايثار صيغة التفضيل مع ان الابتلاء شامل لهم باعتبار اعمالهم المنقسمة الى الحسن والقبيح ايضا لا الى الحسن والاحسن فقط للايذان بان المراد بالذات والمقصد الاصلى من الابتلاء هو ظهور كمال احسان المحسنين مع تحقق اصل الايمان والطاعة فى الباقين ايضا لكمال تعاضد الموجبات له واما الاعراض عن ذلك فلكونه بمعزل من الاندراج تحت الوقوع فضلا عن الانتظام فى سلك الغاية للافعال الالهية وانما هو عمل يصدر عن عامله بسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب انتهى. ثم ان المراد ياكم عمله احسن من عمل غيره ولا معنى لقول السجاوندى فى عين المعانى استفهام بمعنى الهمزة ولذا لم يعمل فيه الفعل تقديره ءأنتم احسن عملا ام غيركم انتهى فانه يشعر بأن يكون التفاوت بالنسةب الى الانسان وغيره كالملائكة ومؤمنى الجن مثلا وليس بمراد وعبارة القرءآن فى اسناد الحسن الى الانسان تدل على ان من كان عمله احسن كان هو أحسن ولو أنه ابشع الناس منظر او من كان عمله اسوأ كان بخلاف ذلك رءارلست بايدند بالاى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جوماست ولم يقل اكثر عملا لانه لا عبرة بالكثرة مع القبح قالوا والحسن انما يدرك بالشرع فما حسنه الشرع فهو حسن وما قبحه فهو قبيح وقال بعضهم ليبلوكم ايكم احسن اخذا من حايته لموته واحسن اهبة فى دنياه لآخرته قال النبى صلّى اللّه عليه وسلّم لعبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما ( خذ من صحتك لسقمك ومن شبابك لهرمك ومن فراغك لشغلك ومن حياتك لموتك فانك لا تدرى ما اسمك غدا ) وسئل عليه السلام اى المؤمنين اكيس قال ( اكثرهم للموت ذكرا واحسنهم له استعدادا ) فالاستعداد للموت وللآخرة بكثرة الاعمال المقارنة للاخلاص سوآء كانت صلاة او صوما او زكاة او حجا او نحوها وان كان لبعض الاعمال تفاوت بالنسبة الى البعض الآخر كالصلاة فانها معراج الشهود وفيها كسر النفس واتعاب البدن ولذا كان السلف الصالح يكثرون منها حتى انم منهم من يصلى فى اليوم والليلة ألف ركعة ونحوها وكالصوم وتقليل الطعام فانه سبب لورود الحكمة الالهية الى القلب ولذا كان بعض السلف يواصلون فمنهم من يطوى ثلاثة ايام ومنهم من يطوى فوق ذلك الى سبعة الى ثلاثين الى اربعين فمن طوى اربعين يوما انفتح له باب الحكمة والعظمى مع ان فى الصوم تهذيب الاخلاق ايضا فان اكثر المفاسد يجيئ من قبل الاكل والشر في أيها المؤمنون سابقون وسارعوا فالنفس مطية والدنيا مضمار والسابقون السابقون اولئك المقربون وقد قال عليه السلام ( قد سبق المفردون والتفريد ) هو تقطيع الموحد عن الانفس والآفاق وشهود الحق فى عالم الاطلق فلا بد من السير والسلوك ثم الطيران فى هوآء الوحدة والهوية الذاتية فان به يحصل الانفصال عن منازل الاكوان السفلية الحادثة ويتحقق العروج الى عالم الوجوب والقدم نسأل اللّه من فضله أن يرينا وجهه الكريم انه هو البر الرحيم { وهو } اى والحال انه وحده { العزيز } الذى لا يفوته من اساء العمل { الغفور } لمن شاء منهم بالتوبة وكذا بالفضل قال بعضهم لما كان العزيز منا يهلك كل من خالفه اذا علم بمخالفته قال مرغبا للمسيئ فى التوبة حتى لا يقول مثلى لا يصلح للخدمة لما لى من القاطعة واين التراب ورب الارباب الغفور الذى يستر ذنوب المسئ ويتلقى من اقبل اليه احسن تلقٍ كما قال فى الحديث القدسى ومن اتانى يمشى اتيته هرولة. |
﴿ ٢ ﴾