سُورَةُ الْحَاقَّةِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَةً ١ { الحاقة } هى من اسماء القيامة من حق يحق بالكسر اذا وجب وثبت لانها يحق اى يجب مجيئها ويثبت قوعها كما قال تعالى ان الساعة آتية لا ريب فيها فالاسناد حقيقى وقال الراغب فى المفردات لانها يحق فيها الجزآء فالاسناد مجاذى كنهاره صائم ونحو. ٢ { ما الحاقة } الاصل ما هى اى اى شئ هى فى حالها وصفتها فان ما قد يطلب بها الصفة والحال فوضع الظاهر موضع المضمر تأكيد الهولها كما يقال زيد ما زيد على التعظيم لشأنه فقوله الحاقة مبتدأ وما مبتدأ ثان وما بعده خبره والجملة خبر للمبتدأ الاول والرابط تكرير المبتدأ بلفظه هذا ما ذكروه فى اعراب هذه الجملة ونظائرها ومقتضى التحقيق أن يتكون ما الاستفهامية خبرا لما بعدها فان مناط الفائدة بيان أن الحاقة امر بديع وخطب فظيع كما يفيده كون ما خبرا لا بيان ان امرا بديعا الحاقة كما يفيده كونه مبتدأ وكون الحاقة خبرا كذا فى الارشاد. ٣ { وما أدراك } من الدراية بمعنى العلم يقال دراه ودرى به اى علم به من باب رمى وأدراه به اعلمه قال فى تاج المصادر الدراية والدرية والدرى دانستن ويعدى بالباء وبنفسه قال سيبويه وبالباء اكثر قوله ما مبتدأ وادراك خبره ولا مساغ ههنا للعكس والمعنى واى شئ اعلمك يا محمد وبالفارسية وجه حيز دانا كردانيدترا { ما الحاقة } جملة من مبتدأ وخبز فى موضع المفعول الثانى لأدراك والجملة الكبيرة تأكيد لهول الساعة وفظاعتها ببيان خروجها عن دآئرة علم المخلوقات على معنى ان اعظم شأنها ومدى هولها وشدتها بحيث لا يكاد تبلغه دراية احد ولا وهمه وكيفما قدرت حالها فهى اعظم من ذلك واعظم فلا يتسنى الاعلام قال بعضهم ان النبى عليه السلام وان كان عالما بوقوعها ولكن لم يكن عالما بكمال كيفيتها ويحتمل أن يقال له عليه السلام اسماعا لغيره وفى التأويلات النجمية يشير بالحاقة الى التجلى الاحدى الاطلاقى فى مرءآة الواحدية المفنى للكل كما قال لمن الملك اليوم لله الواحد القهار بقهر سطوات انوار الاحدية جميع ظلمات التعينات الساترة اطلاق الذات المطلقة وسمى بالحاقة لثبوته فى ذاته وتحققه فى نفسه. ٤ { كذبت ثمود } قوم صالح من الثمد وهو الماء القليل الذى لا مادة له { وعاد } قوم هود وهى قبيلة ايضا وتمنع كما فى القاموس { بالقارعة } من جملة اسماء الساعة ايضا لانها تقرع الناس اى تضرب بفنون الافزاع والاهوال اى تصيبهم بها كأنها تقرعهم بها والسماء بالانشقاق والانقطار والارض والجبال بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار ووضعت موضع ضمير الحاقة للدلالة على معنى القرع فيها زيادة فى وصف شدتها فان فى القارعة ما ليس فى الحاقة من الوصف يقال اصابتهم قوارع الدهر أى اهواله وشدآئده قيل منها قوارع القرءآن للآيات التى تقرأ حين الفزع من الجن والانس لقرع قلوب المؤمنين بذكر جلال اللّه والاستمداد من رحمته وحمايته مثل آية الكرسى ونحوها وفى الآية تخويف لاهل مكة من عاقبة تكذيبهم بالبعث والحشر. ٥ { فاما ثمود } وكانوا عربا منازلهم بالحجر بين الشأم والحجاز يراها حجاج الشأم ذهابا وايابا { فاهلكوا } اى اهلكهم اللّه لتكذيبهم فأخبر عن الفعل لانه المراد دون الفاعل لانه معلوم { يالطاغية } اى بالصيحة التى جاوزت عن حد سائر الصيحات فى الشدة فرجفت منها الرض والقلوب وتزلزلت فاندفع ما يرى من التعارض بين قوله تعالى فأخذتهم الرجفة وبين قوله تعالى فأخذتهم الصيحة والقصة واحدة وفى الآية اشارة الى اهل العلم الظاهر المحجوبين عن العلوم الحقيقية فانهم اهل العلم القليل كما ان ثمود اهل الماء القليل فلما كذبوا افناء اهل العلم الباطن من طريق السلوك اهلكهم اللّه بصاعقة نار البعد والاحتجاب فليس لهم صلاح فى الباطن وان كان لهم صلاح فى الظاهر وذلك لانهم لم يتبعوا صالحا من الصلحاء الحقيقيين فبقوا فى فساد النفس. ٦ { واعما عاد } وكانت منازلهم بالاحقاف وهى الرمل بين عمان الى حضرموت واليمن وكانوا عربا ايضا ذوى بسطة فى الخلق وكان اطولهم مائة ذراع واقصرهم ستين واوسطهم ما بين ذلك وكان رأس الرجل منهك كالقبة يفرخ فى عينيه ومنخره السباع وتأخيره عن ثمود مع تقدمهم زمانا من قبيل الترقى من الضال الشديد الى الاضل الاشد { فأهلكوا بريح } هى الدبور لقوله عليه السلام ( نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور ) { صرص } اى شديدة الصوت لها صرصرة فى هبوبها وهى بالفارسية بانك كردن بازوجرغ وآنجه بدان ماند. او شديدة البرد تحرق ببردها النبات والحرث فان الصر بالكسر شدة البرد { عاتية } مجاوزة للحد فى شدة العصن كانها عتت على خزانها فلم يتمكنوا من ضبطها والرياح مسخرة لميكائيل تهب باذنه وتنقطع باذنه وله اعوان كأعوان ملك الموت روى انه ما يخرج من الريح شئ الا بقدر معلوم ولم اشتد غضب اللّه على قوم عاد أصابتهم ريح خارجة عن ضبط الخزان ولذلك سميت عاتية او المعنى عاتية على عاد فلم يقدروا على ردها بحيلة من استتار ببناء او لياذ بجبل او اختفاء فى حفرة فانها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم. ٧ { سخرها عليهم } التسخير سوق الشئ الى الغرض المختص به قهرا والمسخر هو المقيض للفعل والمعنى سلط اللّه تلك الريح الموصوفة على قوم عاد بقدرته القاهرة كما شاء الظاهر أنه صفة اخرى ويقال استئاف لدفع ما يتوهم من كونها باتصالات فلكية مع انه لو كان كذلك لكان بتسببه وتقديره فلا يخرج من تسخيره تعالى { سبع ليلا } منصوب على الظرفية لقوله سخرها انت العدد لكون الليالى جمع ليلة وهى مؤنث فتبع مفرد موصوفة يقال ليل وليلة ولا يقال يوم ويوم وكذا نهارة وتجمع الليلة على الليالى بزيادة الياء على غير القياس فيحذف ياؤها حالة التنكير بالاعلال مثل الاهالى والاهال فى جمع اهل الاحالة النصب نحو قوله تعالى سيروا فيها ليالى واياما آمنين لانه غير منصرف والفتح خفيف { وثمانية ايام } ذكر العدد لكون الايام جمع يوم وهو مذكر { حسوما } جمع حاسم كشهود جمع شاهد وهو حال من مفعول سخرها بمعنى حاسمات عبر عن الريح الصرصر بلفظ الجمع لتكثرها باعتبار وقوعها فى تلك الليالى والايام وقال بعضهم صفة لما قبله ( كما قال الكاشفى ) روزها وشبهاى متوالى. والمعنى على الاول حال كون تلك الريح متتابعات ما خفق هبوبها فى تلك المدة ساعة حتى اهلكتهم تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم فى اعادة الكى على دآء الدابة مرة بعد أخرى حتى ينحسم وينقطع الدم كما قال فى تاج المصادر الحسم يريدون وييوسته داغ كردن . فهو من استعمال المقيد فى المطلق اذا لحسم هو تتابع الكى او نحسات حسمت كل خير واستأصلته او قاطعات قطعت دابرهم والحاصل ان تلك الرياح فيها ثلاث حبثيات الاولى تتابع هبوبها والثانة كونها قاطعة لكل خير ومستأصلة لكل بركة اتت عليها والثالثة كونها قاطعة دابرهم فسميت حوسما بمعنى حاسمات او تشبيهات لها بمن يحسم الدآء فى تتابع الفعل واما لان الحسم فى اللغة القطع والاستئصال وسمى السيف حساما لانه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته وهى كانت ايام برد العجوز من صبيحة الاربعاء لثمان بقين من شوال ويقال آخر أسبوع من شهر صفر الى غروب الاربعاء الآخر وهو آخشر الشهر وعن ابن عباس رضى اللّه عنه برفعه آخر أربعاء فى الشهر يوم نحس مستمر وانما سميت عجوزا لان عجوزا من عادتوارت فى سرب اى فى بيت فى الارض فانتزعتها الريح فى اليوم الثامن فأهلكتها وقيل هى اليام العجز وهى آخر الشتاء ذات برد ورياح شديدة فمن نظر الى الاول قال برد العجوز ومن نظر الى الثانى قال برد العجز وفى روضة الاخبار رغبت عجوز الى اولادها أن يزوجوها وكان لها سبعة بنين فقالوا الى أن تصبرى على البرد عارية لكل واحد من الليلة ففعلت فلما كانت فى السابعة ماتت فسميت تلك الايام ايام العجوز واسماء هذه الايام الصن وهو بالكسر اول ايام العجوز كما فى القاموس والصنبر وهى لريح الباردة والثانى من ايام العجوز كما فى القاموس والوبر وهو ثالث ايم العجوز فى القاموس وقيل مكفئ الظعن اى مميلها وهو جمع ظعينه وهو الهودج فيه امرأة ام لا والآمر والمؤتمر قال فى القاموس آمر ومؤتمر آخر ايام العجوز قال الشاعر كسع الشتاء بسبعة غبر ... ايام شهلتنا من الشهر فاذا انقضعت ايام شهلتنا ... بالصن والصنبر واوبر وبآمر واخيه مؤتمر ومعلل بومطفئ الجمر ذهب الشتاء موليا هاربا ... وأتتك موقدة من الحر قال فى الكواشى ولم يسم الثامن لان هلاكهم واهلاكها كان فيه وفى عين المعانى ان الاثمن هو مكفئ الظعن ثم قال فى الكواشى ويجوز انها سميت ايام العجوز لعجزهم عما حل بهم فيها ولم يسم الثامن على هذا لاهلاكهم فيه والذى لم يسم هو الاول وان كان العذاب واقعا فى ابتدآئه لان ليلته غير مذكورة فلم يسم اليوم تبعا للتلة لان التاريخ يكون بالليالى دون الايام فالصن ثانى الايام الثمانية اول الايام المذكورة لياليها انتهى. يقول الفقير سر العدد أن عمر الدنيا بالنسبة الى الانس سبعة ايام من ايام الآخرة وفى اليوم الثامن تقع القيامة ويعم الهلاك ثم فى الليالى السبع اشارة الى لليالى البشرية الساترة للصفات السبع الالهية التى هى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكل وفى الايام اشارة الى الايام الكاشفات للصفات الثمان الطبيعية وهى الغضب والشهوة والحقد والحسد والبخل والجبن والعجب والشره التى تقطع امور احق واحكامه من الخيرات والمبرات يعنى قاطعات كل خير وبر وقال القاشانى واما عاد المغالون المجاوزون حد الشرآئع بالزندقة والاباحة فى التوحيد فأهلكوا بريح هوى النفس الباردة بجمود الطبيعة وعدم حرارة الشوق والعشق العاتية اى الشديدة الغالبة عليم الذاهبة بهم فى اودبة الهلاك سخرها اللّه عليهم فى مراب الغيوب السبع التى هى لياليهم لاحتجابهم عنها والصفات الثمان الظاهرة لهم كالايام وهى الوجود والحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والتكلم على ما ظهر منهم وما بطن تقطعهم وتستأصلهم { فترى } يا محد او يامن شأنه أن يرى ويبصر ان كنت حاضرا حينئذ { القوم } اى قوم عاد فاللام للعهد وبالفارسية بس توميديدى قوم عاد را اكر حاضر مى بودى { فيها } اى فى محال هبوب تلك الريح او فى تلك الليالى والايام ورجحة او حيان للقرب وصراحة الذكر { صرعى } موتى جمع صريع كقتلى وقتيل حال من القوم لان الروية بصرية ولرصيع بمعنى مصروع اى مطروح على الارض ساقط لان الصرع الطرح وقد صرعوا بموتهم { كأنهم } كوبيا ايشان ازعظم اجسام { اعجاز نخل } بيخهاى درخت خرما اند. الكاف فى موضع الحال اما من القوم على قول من جوز حالين من ذى حال واحد او من المنوى فى صرعى عند من لم يجوز ذلك اى مصروعين مشبهين باصول نخل كما قال فى القاموس العجز مثلثة وكندس وكتف مؤخر الشئ واعجاز النخل اصولها انتهى والنخل اسم جنس مفرد لفظا وجمع معنى واحدتها نخلة { خاوية } اصل الخوى الخلاء يقال خوى بطنه من الطعام اى خلا والمعنى متأكلة الاجواف خالتتها لا شئ فيها يعنى انهم متساقطون على الارض امواتا طوالا غلاظا كأنهم اصول نخل مجوفة بلا فروع شبهوا بها من حيث ان ابدانهم خوت وخلت من ارواحهم كالنخل الخاوية وقيل كانت الريخ تدخل من افواهم فتخرج ما فى اجوافهم من ادبارهم فصاروا كالنخل الخاوية ففيه اشارة الى عظم خلفهم وضخامة اجسادهم ولذا كانوا يقولون من اشد منا قوة والى الذ الريح ابلتهم فصاروا كالنخل الموصوفة وفيه اشارة الى ان اهل النفس موتى لا حياء حقيقية لهم لانهم قائمون بالنفس لا باللّه كما قال كأنهم خشب مسندة كأنهم أعجاز نخل اى اقوياء بحسب الصورة لا معنى فيهم ولا حياة ساقطة عن درجة الاعتبار والوجود الحقيقى اذ لا نقوم باللّه والى ان النفس وصفاتها مجوفة ليس لهها بقاء انما هو بفيض الروح يعنى ان الذى رش عليه من رطوبة الروح حى باذن اللّه وصلح قابلا للصفات الالهية والامات وفسد. ٨ { فهل ترى لهم من باقية } الاستفهام لانكار الرؤية والباقية اسم كالبقية لا وصف والتاء للنقل الاسمية ومن زآئدة وباقية مفعول ترى اى ما ترى منهم بقية من صغارهم وكبارهم وذكورهم واناثهم غير المؤمنين ويجوز أن يكون صفة موصوف محذوف بمعنى نفس باقية او مصدرا بمعنى البقاء كالكاذبة والطاغية والبقاء ثبات الشئ على الحالة الاولى وهو يضاد الفناء مقرراست كه بودند برزمانه بسى ... شهان تخت نشين خسروان شاه نشان جوعاصفات قضا ازمهب قهر وزيد ... شدند خاك وازان خاك نيزنيست نشان فعلى العاقل أن يجتهد حتى يبقى فى الدنيا بالعمر الثانى كما دل عليه قوله تعالى حكاية ابراهيم الخليل عليه السلام واجعل لى لسان صدق فى الآخرين على ان الحياة الباقية الحقيقية هى ما حصلت بالتجلى الالهى والفيض المآلى الكلى نسأل اللّه سبحانه أن يفيض علينا سجال فيضه وجوده بحرمة اسمائه وصفاته ووجوب وجوده. ٩ { وجاء فرعون } اى فرعون موسى افرده بالذكر لغاية علوه واستكباره { ومن قبله } ومن تقدمه من الكفرة غير عادو ثمود فهو من قبيل التعميم بعد التخصيص ومن صولة وقبل نقيض بعد وقرأ او عمرو ويعقوب والكسائى قبله بكسر القاف وفتح الباء بمعنى ومن معه من القبط من اهل مصرف { والمؤتفكات } اى قرى قوم لوط اى اهلها لانها عطفت على ما قبلها من فرعون ومن قبله يقال افكه عن الشئ اى قلبه وائتفكت البلدة بأهلها اى انقلبت واللّه تعالى قلب قرى قوم لوط عليهم فهى المنقلبات بالخسف وهى خمس قريات صعبة وصعده وعمره ودوماسدوم وهى اعظم القرى ثم هذا من قبيل التخصيص بعد التعميم للتتميم لان قوم لوط اتوا بفاحشة ما سبقهم بها من احد من العالمين { بالخاطئة } الباء للملابسة والتعدية وهو الاظهر اى بالخطأ او بالغفلة او الافعال ذات الخطأ العظيم التى من جملتها تكذيب البعث والقيامة فالخاطئة على الاول مصدر كالعاقبة وعلى الاخيرين صفة لمحذوف والبناء للنسبة على التجريد والاظهر انه من المجاز العقلى كشعر شاعر. ١٠ { فعصوا رسول ربهم } اى فعصى كل امة رسولهم حين نهاهم عما كانوا يتعاطونه من القبائح فالرسول هنا بمعنى الجمع لان فعولا وفعيلا يستوى فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع فهو من مقابلة الجمع بالجمع المستدعية لانقسام الآحاد على الاماد فالاضافة ليست للعهد بل للجنس { فأخذهم } اى اللّه تعالى بالعقوبة اى كل قوم منهم { اخذه رابية } اى زآئدة فى الشدة على عقوبات سائر الكفار أو على القدر المعروف عن الناس لما زادت معاصيهم فى القبح على معاصى سائر الكفرة أغرق من كذب نوحا وهم كل اهل الارض غير من ركب معه فى السفينة وحمل مدائن لوط بعد ان نتقها من الارض على متن الريح بواسطة من امره بذلك من الملائكة ثم قلبها واتبعها الحجارة وخسف بها وغمرها بالماء المنتهن الذى ليس فى الارض ما يشبه واغرق رعون وجنوده ايضا فى بحر القلزم او فى النيل وهكذا عوقب كل امة عاصية بحسب اعمالهم القبيحة وجوزيت جزآء وفاقا وفى كل ذلك تخويف لقريش وتحذير لهم عن التكذيب وفيه عبرة موقظة لأولى الالباب يقال ربا الشئ يربوا اذا زاد ومنه الربا الشرعى وهو الفضل الذى يأخذه آكل الرا زآئدا على ما أعطاه ١١ { انا لما طغى الماء } المعهود وقت الطوفان اى جاوز حده المعتاد حتى رتفع على كل شئ خمسمائة ذراع وقال بعضهم ارتفع على ارفع جبل فى الدنيا خمسة عشر ذاعا او حده فى المعاملة مع خزانه من امللائكة بحيث لم يقدروا على ضبطه وذلك الطغيان ومجاوزة الحد بسبب اصرار قوم نوح على فنون الكفر والمعاصى زمبالغتهم فى تكذيبه فما اوحى اليه من الاحكام التى جملتها احوال القيامة فانتقم اللّه منهم بالاغراق { حملناكم } ايها الناس اى حملنا آباءكم وانتم فى اصلابهم فكأنكم محمولون باشخاصكم وفيه تنبيه على المتة فى الحمل لان نجاة آبائهم سبب ولادتهم { فى الجارية } يعنى فى سفينة نوح لان من شأنها أن تجرى على الماء والمراد بحملهم فيها رفعهم فوق الماء الى انقضاء ايام الطوفان لا مجرد رفعهم الى السفينة كما يعرب عنه كلمة فى فانها ليست بصلة للحمل بل متعلقة بمحذوف هو حال من مفعوله اى رفعناكم فوق الماء وحفظناكم حال كونكم فى السفينة الجارية بأمرنا وحفظنا من غير غرق وخرق وفيه تنبيه على ان مدار نجاتهم محض عصمته تعالى وانما السفينة سبب صورى. ١٢ { لنجعلها } اى لنجعل الفعلة التى هى عبارة عن انجاء المؤمنين واغراق الكافرين { لكم تذكرة } عبرة ودلالة على كمال قدرة الصانع وحكمته وقوة قهره وسعة رحمته فضمر لنجعلها الى المفعلة والقصة بدلالة ما بعد الآية من الوعى ( وقال الكاشفى ) ن كردانيم آن كشتى را براى شمايندى وعبرتى درنجات مؤمنا وهلاك كافران وفى كشف الاسرار تا آنرا يادكارى كنيم تاجهان بود. وقد ادرك السفينة اوآئل هذه الامة وكان ألوحها على الجودى { وتعيها } اى تحفظها وبالفارسية ونكاه دارداين بندرا. والوعى أن تحفظ العلم ووعيت الشئ فى نفسك يقال وعيت ما قلته ومنه ما قال عليه السلام ( لا خير فى العيش الا لعالم ناطق ومستمع واع والايعاء أن تحفظه فى غير نفسك ) من وعاء يقال اوعيت المتاع فى الوعاء منه ما قال عليه السلام لا سيما بنت أبى بكر رضى اللّه عنهما لا توعى فيوعى اللّه عليك ارضخى ما استطعت وقال الشاعر الخير يبقى وان طال الزمان به ... والشر أخبث ما اوعيت من زاد { اذن واعة } اى اذن من شأنها أن تحفظ مايجب حفظه بتذكره والتفكر فيه ولا تضيعه بترك العمل به يقال الوعى فعل القلب ولكن الآذان تؤدى الحديث الى القلوب الواعية فنعتت الآذن بنعت القلوب ( وفى البستان ) وكرنيستى سعى جاسوس كوش ... خبركى رسيدى بسلطان هوش والتنكير والتوحيد حيث لم يقل الآذان الواعية للدلالة على قلتها وان من هذا شأنه مع قلته يتسبب لنجاة الجم الغفير وادامة نسلهم يعنى ان من وعى هذه القصة انما يعيها ويحفظها لاجل أن يذكرها للناس ويرغبهم فى الايمان المنجى ويحذرهم عن الكر المردى فيكون سببا للنجاة والادامة المذكورتين قال فى الكشاف الاذن الواحدة اذا وعت وعقلت عن اللّه فهى السواد الاعظم عند اللّه وان ما ساواها لا يبالى بهم وان ملأ وا ما بين الخافقين وفى الحديث ( فلح من جعل اللّه له قلبا واعيا ) وعن النبى عليه السلام انه قال لعلى رضى اللّه عنه عند نزول هذه الآية سألت اللّه أن يجعلها اذنك يا على قال على فما نسيت شيأ بعد وما كان لى ان أنسى اذ هو الحافظ للاسرار الالهية وقد قال ولدت على الفطرة وسبقت الى الايمان والهجرة وفى رواية اخذ بأذن على بن ابى طالب وقال هى هذه ذكره النقاش كرجه ناصح را بود صدداعيه ... بندرا اذنى ببايد واعيه كرنبودى كوشهاى غيب كير ... وحى ناوردى زكردون يك بشير قال بعضهم تلك آذان اسمعها اللّه فى الازل خطابه فهى واعة تعى من الحق كل خطاب وعن أبى هريرة انه قيل لى انك تكثر رواية الحايث وغيرك لا بروى مثلك فقلت ان المهاجرين والانصار كان شغلهم عمل اموالهم وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول اللّه وأقنع بقوتى وقال عليه السلام يوما من ال ايام انه لن يبسط احد ثوبه حتى اقضى مقالتى ثم يجمع اليه ثوبه الاوعى ما اقول فبسطت نمرة على حتى اذا قضى مقالته جمعتها الى صدرى فما نسيت من مقالته عليه السلام شيأ وفيه اشارة الى تأثير حسن المقال وفائدته والا لكان دعاؤه عليه السلام كافيا فى وعيه كما وقع لأمير المؤمنين رضى اللّه عنه. ١٣ { فاذا نفخ فى الصور نفخة واحدة } شروع فى بيان نفس الحاقة وكيفية وقوعها اثر بيان عظم شأنها باهلاك مكذبيها والنفخ ارسال الريح من الفم وبالفارسية دميدن. والصور قرن من نور أوسع من السموات ينفخ فيه اسرافيل بأمر اللّه فيحدث صوت عظيم فاذا سمع الناس ذلك الصوت يصيحون ثم يموتون الا من شاء اللّه والمصدر المبهم هو الذى يكون لمجرد التأكيد وان كان لا يقام مقام الفاعل فلا يقال ضرب ضرب اذ لا يفيد امرا زآئدا على مدلول الفعل الانه حسن اسناد افعل فى الآية الى المصدر وهو النفخة لكونها نفخا مقيدا بالوحدة والمرة لا نفخا مجردا مبهما والمراد بها ههنا النفخة الاولى التى لا عندها حيوان الا مات ويكون عندها خراب العالم لما دل عليه الحمل والدك الآتيان والكشاف فان قلت هما نفختان فلم قيل واحدة قلت معناه انها لا تثنى ى وقتها انتهى يعنى ان حدوث الامر العظيم بالنفخة وعلى عقبها انما استعظم من حيث وقوع النفخ مرة واحدة لا من حيث انه نفخ فنيه على ذلك بقوله واحدة وفى كشف الاسرار ذكر الواحدة للتأكيد لان النفخة لا تكون الا واحدة. ١٤ { وحملت الارض والجبال } اى قلعت ورفعت من اماكنها بمجرد القدرة الالهية او بتوسط الزلزلة والريح العاصفة فان الريح من قوة عصفها تحمل الارض والجبال كما حملت ارض وجود قوم عاد وجبال جمالهم مع هوادجها { فدكتا دكتة واحدة } اى فضربت الجملتان جملة الارضين وجملة الجبال اثر رفعها بعضها ببعض ضربة واحدة بلا احتياج الى تكرار الضرب وتثنية الدق حتى تندق وترجع كثيبا مهيلا وهباء منبثا والا فالظاهر قد ككن دكة واحدة لاسناد الفعل الى الارض والجبال وهى امور متعددة ونظيره قوله تعالى ان السموات والارض كانتا رتقا حيث لم يقل كن والدك ابلغ من الدق وفى الصحاح الدك الدق وقد دكه اذا ضربه وكسره حتى سواه بالارض وبابه رد وفى المفردات الدك الارض اللينة السهلة ودكت الجبال دكا اى جعلت بمنزلة الارض اللينة ومنه الدكان. ١٥ { فيومئذ } اى فحينئذ وهو منصوب بقوله { وقعت الواقعة } هى من اسماء القيامة بالغلبة لتحقق وقوعها وبهذا الاعتبار اسند اليه وقعت اى اذا كان الامر كذلك قامت القيامة التى توعدون بها او نزلت النازلة العظيمة التى هى صيحة القيامة وهو جواب لقوله فاذا نفخ فى الصور ويومئذ بدل من اذا كرر لطول الكلام والعامل فيهما وقعت. ١٦ { وانشقت السماء } وآسمان برشكافت ازطرف مجره . يعنى انفرجت لنزول الملائكة لامر عظيم أراده اللّه كما قال يوم تشقق السماء بالعمام ونزل الملائكة تنزيلا اوبسبب شدة ذلك اليوم وهو معطوف على وقعت { فهى } اى السماء { يومئذ } ظرف لقوله { واهية } ضعيفة مسترخية ساقطة القوة جدا كالغزل المنقوض بعدما كانت محكمة مستمسكة وان كانت قابلة للخرق والالتئام يقال وهى البناء يهى وهيا فهو واه اذا ضعف جدا قال فى القاموس وهى كوعى وولى تخرق وانشق واسترخى رباطه وفى المفردات الوهى شق فى الديم والثوب ونحوهما. ١٧ { والملك } اى الخلق المعروف بالملك وهو أعم من الملائكة ألا ترى الى قولك ما من ملك الا وهو شاهد اعم من قولك ما من ملائكة {على ارجائها } اى جوانب السماء جمع رجى بالقصر وهى جملة حالية ويحتمل ان تعطف على ما قبلها كذا قالوا المعنى تنشق السماء التى هى مساكنهم فيلجأون الى اكنافها وحافاتها قالوا وقوفهم لحظة على ارجائها وموتهم بعدها فان الملائكة يموتون عند النفخة الاولى لا ينافى التعقيب المدلول عليه بالفاء وقد يقال انهم هم المستثنون بقوله الا من شاء اللّه اى ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الارض الا الملائكة ونحوهم قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة فاذا وهت السماء نزلت ملائكتها على ارجائها فيرون اهل الارض خلقا عظيما اضعاف ما هم عليه عددا فيتخيلون ان اللّه نزل فيهم الما يرون من عظم الملائكة مما لم يشاهدوه من قبل فيقولون افيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا ليس فينا وهو آت فيصطف الملائكة صفا مستديرا على نواحى الارض محيطين بعالمى الانس والجن وهؤلاء هم عمار السماء الدنيا ثم ينزل اهل السماء الثانية بعدما يقبضها اللّه ايضا ويرمى بكوكبها فى النار وهو المسمى كاتبا وهم اكثر عددا من اهل السماء الدنيا فيقول الخلائق افيكم ربنا فيفزع الملائكة فيقولون سبحان ربنا ليس هو فينا وهو آت فيفعلون فعل الاولين من الملائكة يصطفون خلفهم صفا ثانيا مستديرا ثم ينزل اهل السماء الثالثة ويرمى بكوكبها المسمى زهرة فى النار فيقبضها اللّه بيمينه فيقول الخلائق افيكم ربنا فتقول الملائكة سبحان دينا ليس هو فينا وهو آن فلا يزال الامر هكذا سماء بعد سماء حتى ينزل اهل السماء السابعة فيرون خقا اكثر من جميع من نزل فيقول الخلائق افيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا قد جاء ربنا وان كان وعد ربنا لمفعولا فيأنى اللّه فى ظلل من الغام والملائكة على المجنبة اليسرى منهم ويكون اتيانه اتيان الملك فانه يقول ملك يوم الدين وهو ذلك اليوم فسمى بالملك ويصطف الملائكة عليه سبعة صفوف محيطة بالخلائق فاذا ابصر الخلائق جهنم لها فوران وغيظ على الجبابرة المتكبرين يفرون بأجمعهم منها لعظم ما يرونه خوفا وفزعا وهو الفزع الاكبر الا الطائفة التى لا يحزنهم الفزع الاكبر فتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذى كنتم توعدون فهم الآمنون مع النبيين على انفسهم غير ان النبيين يفزعون على اممهم للشفقة التى جبنلهم اللّه عليه للخق فليقولون فى ذلك سلم سلم وكان قد أمر أن ينصل للآمنين من خلقه منابر من نور متفاضلة بحسب منازلهم فى الموقف فيجلسون عيلها آمنين مبشرين وذلك قبل مجيئ الرب تعالى فاذا فر الناس خوفا من جهنم يجدون الملائكة صفوفا لا يتجاوزونهم فتطردهم الملائكة وزرة الملك الحق سبحانه وتعالى الى الحشر فيناديهم انبياؤهم ارجعوا ارجعوا او ينادى بعضهم بعضا فهو قول اللّه تعالى فيما يقول رسول اللّه عليه السلام ( انى اخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من اللّه من عاصم ) انتهى. يقول الفقير دل هذا البيان على ان المراد بالوهى سقوط السماء على الارض التى تسمى بالساهرة وان نزول الملائكة على ارجاء السماء لا يكون يوم يقوم الناس من قبورهم بالنفخة الثانية وان ذكر فى اثناء النفخة الاولى كما دل عليه ما بعد الآية من حمل العرش والارض اللذين انما يكونان بعد النفخة الثانية وان معنى نزولهم طرد الخلق ونحوه كما قال تعالى لا تنفذون الا بسلطان اى لا تقصدون مهربا الا وهناك لى اعوان ولى به سلطان { ويحمل عرش ربك } وهو الفلك التاسع وهو جسم عظيم لا علم عظمه الا اللّه تعالى لانه فى الآفاق بمنزلة لقلب فى الانفس والقلب اوسع شئ لما وسع اللّه كما فى الحديث وكان عرش الرحمن والفائدة فى ذكر العرش عقيب ما تقدم ان العرش بحاله خلاف السماء والارض ولذلك لا يفنى وايضا له وجه آخر سيأتى وعن على بن الحسن رضى اللّه عنهما قال ان اللّه خلق العرش رابعا لم يخلق قبله الا ثلاثة الهوآء والقلم والنور ثم خلق العرش من انوار مختلفة من ذلك نور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونورأحمر منه احمرت الحمرة ونور أبيض وهو نور الانوار ومنه ضوء النهار قال بعض الكبار الانوار الاربعة على عدد المراتب الاربع فاذا اعطى الانوار يعطى فى مرتبة الطبيعة نورا اسود وفى مرتبة النفس نورا احمر وفى مرتبة الروح نورا اخضر وفى مرتبة السر نور ابيض { فوقهم } اى فوق الملائكة الذين هم على الارجاء او فوق الثمانية اى يجملون العرش فوق انفسهم فالمحمول لا يلزم ان يكون فوق الحامل فقد يكون فى يده وقد يكون فى جيبه فكل واحد من قوله فوقهم ويومئذ ظرف لقوله يحمل حينئذ واما على التقدير الاول فالظاهر أن فوقهم حال من ثمانية قدمت عليها لكونها نكرة { يومئذ } اى يوم القيامة { ثمانية } من الملائكة عن النبى عليه السلام هم اليوم اربعة فاذا كان يوم القيامة ايدهم اللّه باربعة اخرى فيكون ثمانية قال بعض العلماء الاربعة اللاحقة اشارة الى الأئمة الاربعة الذين هم أبو حنيفة والشافعى ومالك واحمد لانهم اليوم حملة الشرع فاذا كان يوم القيامة انقلب الشرع والعرش فيكونون من حملته حكما وروى ثمانية املاك ارجلهم فى تخوم الارض الاسبعة والعرش فوق رؤوسهم وهم مطرقون مسبحون قال عليه السلام ( اذن لى ان احدث عن ملك من حملة العرش من شحمة اذنه الى عاتقه خفقان الطير مسيرة سبعمائة سنة ) يقول سبحانك حيث كتت قال يحيى بن سلام يبلغنى ان اسمه زوقيل وعن الحسن البصرى قدس سره ثمانية اى ثمانية آلاف وعن الضحاك ثمانية صفوف لا يعلم عددهم الا اللّه يقول الفقير الانسب هو الاول لكونه أدخل فى العظمة والهيبة واظهار والقدرة ولان الاركان اربعة كاركان الكعبة واركان القلب اذ فى يمين القلب الروح والسر وفى يساره النفس والطبيعة وباعتبار الظاهر والباطن يحصل ثمانية آلاف اذا لالف تفصيل الواحد بحيث لا تفصيل ورآءه الا باعتبار التضعيف واللّه اعلم ومر فى اوآئل سورة حم المؤمن بعض ما يتعلق بهذا المقام فلا نعيده وفى التأويلات النجمية يشير الى عرش الذات الحاملة للصفات الثمانية الذاتية الغيبية التى هى مفاتيح الغيب الموصوفة بحمل ذوات الصفات والصفات تحمل ظهورات الصفات فافهم. ١٨ { يومئذ } العامل فيه قوله { تعرضون } على اللّه اى تسألون وتحاسبون عبر عنه بذلك تشبيها له بعرض لاسكان العسكر لتعرف احوالهم يقال عرض الجند اذا امرهم عليه ونظر ما حالهم والخطاب عام للكل على الغليب ( روى ) ان فى يوم القيامة ثلاث عرضات فاما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ واما الثالثة ففيها تنشر الكتب فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك بشماله وهذا العرض وان كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسما لزمان متسع يقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وادخال اهل الجنة الجنة واهل النار النار صح جعله ظرفا للكل كما تقول جئت عام كذا وانما كان مجيئك فى وقت واخد من اوقاته وذهب المشبهة من حمل العرش والعرش الى كونه تعالى محمولا حاضرا فى العرش واجيب بانه تمثيل لعظمة اللّه بما يشاهد من احوال السلاطين يوم بروزهم للقضاء العام فيكون المراد من اتيانه تعالى فى ظلل من الغمام ىيان امره وقضائه واما حديث التحول فمحمول على ظهوره تعالى فى مرتبة الصفات ولا مناقشة فيه لان النبى عليه السلام رآه ليلة المعراج فى صورة شاب امرد لان الصورة الانسانية اجمع الصور ومثله الرؤيا المنامية واللّه تعالى منزه فى ذاته عن اوصاف الجسمانيات { لا تخفى منكم خافية } حال من مرفوع تعرضون ومنكم كان فى الاصل صفة لخافية قدم للفاصلة فتحول حالا اى تعرضون غير خاف عليه تعالى فعلة خفية اى سر من اسراركم وانما العرض لافشاء الحال والمبالغة فى العدل وغير خاف يومئذ على الناس كقوله تعالى يوم تبلى السرائر فقوله منكم يتعلق بما قبله وما بعده على التجاذب ( قال فى الكشاف ) خافية اى سريرة وحال كانت تخفى فى الدنيا بستر اللّه عليكم والسر والسريرة الذى يكتم ويخفى فتظهر يوم القيامة احوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم وتظهر احوال غيرهم فيحصل الحزن والافتضاح ففى الآية زجر عظيم عن المعصية لتأديها الا الافتضاح على رؤوس الخلائق فقلب الانسان ينبغى ان يكون بحال لو وضع فى طبق وأدير على الناس لما وجد فيه ما يورث الخجالة وهو صفة اهل الاخلاص والنصيحة. ١٩ { فاما } تفصيل لاحكام العرض { من } موصولة { اوتى كتابه } اى مكتوبه الذى كتبت الحفظة فيه تفاصيل اعماله { بيمينه } تعظيما له لان اليمين يتيمن بما والباء بمعنى فى اول للالصاق وهو الاوجه والمراد منهم الابرار فان ال مقربين لا كتاب لهم ولا حساب لهم لمكانتهم من اللّه تعالى وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه عليه السلام قال ( اول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الامة عمر بن الخطاب وله شعاع كشعاع الشمس ) قيل له فأين أبو بكر فقال ( هيهات زفته الملائكة الى الجنة ) يقول الفقير لعل هذا مكافاة له حين اخذ سيفه بيده وخرج من دار الارقم وهو يظهر الاسلام على ملأ من قريش فبسيفه ظهر الاسلام فرضى اللّه عنه وعن مجيبه وفى الحديث اثبت احد فانما عليك نبى والصديق وشهيدان وكان عليه رسول عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان رضى اللّه عنهم فتحرك فقاله دل الحديث على انه رتبة أبى بكر فوق رتبة غبره لان الصديقية تلى النبة { فيقول } فرحا وسرورا فانه لما اوتى كتابه بمينه علم انه من الناجين من النار ومن الفائزين بالجنة يا اهل بيتى وقرابتى واصحابى كتابى وتناولوه اقرأ واكتابى زيرا در اينجا عملى نيست كه از اظهار آن شرم دارم ودر تببان آورده كه اين كتاب ديكر است بغير كتاب اعمل كه نوشته ودراو بشارت جنت است وبس جه كتاب حفظ ميان بنده وخدا وندست وكسى آنرانه بيند ونه خواند. وفى الخبر حسنات المؤمن فى ظاهر كتابه وسيئاته فى باطنه لا يراها الا هو فاذا انتهى يرى مكتوبا فقد غفر تهالك فاقلب فيرى فى الظاهر قد قبلتها منك فيقول من فرط السرور هاؤهم اقرأوا كتابيه اى هلموا اصحابى كما فى عين المعانى يقال هاء يا رجل بفتح الهمزة وهاء يا امرأة بكسرها وهؤما يا رجلان او يا امرأتان وهؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة بمعنى خذ خذا خذوا خذى خذا خذن ومفعوله مخذوف وكتابى مفعول اقرأ والا اقرب العاملين فهو أقوى لكونه بمنزلة العلة القربية واصله هاؤم كتابى اقرأوا كتابى فحذف الاول لدلالة الثانى عليه ونظيره آتونى افرغ عليه قطرا والهاء للوقف والاستراحة والسكت تثبت بالوقف وتسقط فى الوصل كما هو الاصل فى هاء السكت لانها انما جيئ بها حفظا للحركة اى لتحفظ حركة الموقف عليه اذلو لاها لسقطتالحركة فى الوقف فتثبت حال ال وقف اذ لا حاجة اليها حال الوصل فلذلك كان حقها ان تثبت فى الوقف وتسقط فى الوصل الا ان القرآء السبعة اتفقوا فى كل المواضع على اثباتها وقفا وصلا اجرآء للوصل مجرى الوقف واتباعا لرسم الامام فانها ثابتة فى المصحف فى كل المواضع وهى كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه وماهيه فى القارعة وما كان ثابتا فيه لا بد أن يكون مثبتا فى اللفظ الا ان حمزة اسقط الهاء من ثلاث كلم وصلا وهى ماليه وسلطانيه وماهيه واثبتها وقفا على الاصل ولم يعمل بالاصل فى كتابيه وحسابيه وأثبتها فى الحالين جمعا بين اللغتين وتبين من هذا التقرير ان المستحب ايثار الوقف اتباعا للوصل وان اثباتها وصلا انما هو لاتباع المصحف قال فى القاموس هاء السكت هى اللاحقة لبيان حركة او حرف نحو ماهية وها هناه واصلها ان يوقف عليها وربما وصلت بنية الوقف انتهى وهذه الهاء لا تكون الا ساكنة وتحريكها لحن اى خطأ لانه لا يجوز الوقف على المتحرك وهاء السكت فى القرءآن فى سبعة مواضع فى لم يتسنه وفى فبهداهم اقتده وفى كتابيه وفى حسابيه وفى ماليه وفى سلطانيه وفى ماهيه واما الهاء التى فى القاضية وهى هاوية وخاوية وثمانية وعالية ودانية وامثالها فللتأنيث فيوقف عليهن بالهاء يوصلن بالتاء. ٢٠ { انى ظننت انى ملاق حسابيه } الحساب بمعنى المحاسبة وهو عد اعمال العباد فى الآخرة. خيرا وشرا للمجازاة اى علمت وايقنت انى مصادف حسابى فى ديوان الحساب الالهى وانى احاسب فى الآخرة يعنى دانستم وايمان آوردم كه مرا حساب خواهند كرد وآنرا آماده ومتهيئ شدم. قال الراغب الظن اسم لما يحصل من امارة ومتى قويت ادت الى العلم ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد التوهم انتهى ومنه يعلم قول من قال سمى اليقين ظنا لان الظن يلد اليقين انتهى وانما فسر الظن بالعلم لان البعث والحساب مما يجب بهما الايمان ولا ايمان بدون اليقين قال سعدى المفتى وفيه بحث فايمان القلد ذو اعتبار وصرحوا بأن الظن الغالب الذى لا يخطر معه احتمال النقيص يكفى فى الايمان ثم انه يجوز أن يكون المراد ما حصل له من حسابه اليسير ولا يقين به لوجوب ان يكون المؤمن بين الخوف والرجاء والمراد انى ظننت انى ملاق حسابى على الشدة والمناقضة لما سلف منى من الهفوات والآن ازال اللّه عنى ذلك وفرج همى انتهى. يقول الفقير هذا عدول عما عليه ظاهر القرءآن فان الظن فى مواضع كثيرة منه بمعنى اليقين كما فى قوله تعالى حكاية قال الذين يظنون انهم ملاقوا اللّه وهم المؤمنون بالآخرة وفى قوله تعالى وظن داود انما فتناه اى علم وايقن بالعلامة القوية قال القاضى ولعل التعبير عن العلم بالظن للاشعار بانه لا يقدح فى الاعتقاد وما يهجس فى النفس من الخطرات الى لا تنفك عنها علولم النظرية غالبا يعنى ان الظن استعير للعلم الاستدلالى لانه لا يخلو عن الخطرات والوساوس عند الذهول عما قاد اليه من الدليل للاشعار المذكور واما العلوم الضرورية والكشفية فعارية عن الاضطراب وفى الكشاف وانما اجرى الظن مجرى العلم لان الظن الغالب يقام مقام العلم فى العادات والاحكام ويقال اظن ظنا كاليقين ان الامر كيت وكيت. ٢١ { فهو } اى من اوتى كتابه بيمينه { فى عيشة } نوع من العيش وهو بالفتح وكذا العيشة والمعاش والمعيش والعيشوشة بالفارسية زيستن. قال بعض العلماء اذا كسر العين من العيش يلزمه التاء كما فى عيشة والعيش الحياة المختصة بالحيوان وهو اخص من الحياة لان الحياة تقال فى الحيوان وفى البازى وفى الملك ويشتق منه المعيشة لما يتعيش منه قال عليه السلام ( لا عيش الآخرة ) { راضية } ذات رضى يرضاها من يعيش فيها على النسبة بالصيغة فان النسبة نسبتان نسبة بالحرف كمكى ومدنى ونسبة بالصيغة كلابن وتامر ومبعنى ذى لبن وذى تمر ويجوز أن يجعل الفعل لها وهو لصاحبها فيكون من قبيل الاسناد المجازى ومآل الوجهين كون العيشة مرضية والى ما ذكرنا يرجع قول من قال راضية فى نفسها فكأنها لرغادتها قد رضيت بما هى فيه مجازا او بمعنى مرضية كماء دافق اى مدفوق انتهى وفى التأويلات النجمية راضية هنيئة مريئة صافية عن شوآئب الكدر طائرة عن نوآئب الحذر وبالفارسية در زندكانى باشد بسنديده صافى از كدورت ومقرون بحرمت وشحمت. وذلك اى كون العيشة مرضية لاشتمالها على امور ثلاثة الاول كونها منفعة صافية عن الشوآئب والثانى كونها آئمة لا يترقب زوالها وانقطاعها والثالث كونها بحيث يقصد بها تعظيم من رضى بهاوا كرامه والا يكون استهزآء واستدراجا وعيشة من اعطى كتابه بيمينه جامعة لهذه الامور فتكون مرضيا بها كمال الرضى قال ابن عباس رضى اللّه عنهما يعيشون فلا يموتون ويصحون فلا يمرضون وينعمون فلا يرون بؤسا ابدا. ٢٢ { فى جنة عالية } مرتفعةالمكان لانها فى السماء كما ان المنار سافلة لانها تحت الارض او الدرجات او الابنيه والاشجار فيكون عالية من الصفات الجارية على غير من هى له وهو بدل من عيشة يا عادة الجار ويجوز كونه متعلقا بعيشة راضية اى يعيش عيشا مرضيا فى جنة عاليه. ٢٣ { قطوفها } ثمراتها جمع قطف بالكسر وهو ما يقطف ويجتبى بسرعة والقطف بالفتح مصدر قال سعدى المفتى اعتبار السرعة فى مفهوم القطف محل كلام قال ابن الشيخ معنى السرعة قطع الكل بمرة وفى القاموس القطف بالكسر العنقود واسم للثمار المقطوفة انتهى فلا حاجة الى أن يقال غلب هنا فى جميع ما يجتنى منى الثمر عنبا كان او غيره { دانية } من الدنو وهو القرب اى قريبة من مريديها . يعنى خوشه هاى آن ازدست جيننده نزديك . ينالهالقائم والقاعد والمضطجع من غير تعب وقيل لا يتأخر ادراكها انتهى واذا أراد أن تدنو الى فيه دنت بخلاف ثمار الدنيا فان فى قطفها وتحصيلها تعبا ومشقة غالبا وكذا لا تؤكل الا بمزاولة اليد. يقول الفقير اشجار الجنة على صورة الانسان يعنى ان اصل الانسان رأسه وهى فى طرف العلو ورجله فرعه مع انها فى طرف السفل فكذلك اصول اشجار الجنة فى طرف العلو واغصانها متدلية الى جانب السفل ولذا لايرون تعبا فى القطف على ان نعيم الجنة تابع لارادة المتنعم به فيصرف فيه كيف يشاء من غير مشقة. ٢٤ { كلوا واشربوا } باضمار القول والجمع بعد قوله فهو باعتبار المعنى والامر امر امتنان واباحة لا امر تكليف ضرورة ان الآخرة ليست بدارتكليف وجمع بين الاكل والشرب لان احدهما شقيق الآخر فلا ينفك عنه ولذا لم يذكر هنا الملابس وان ذكرت فى موضع آخر يقال لمن اوتى كتابه بيمينه كلوا من طعام الجنة وثمارها واشربوا من شرابها مطلقا { هنيئا } اكلا وشربا هنيئا اى سائغا لا تنغيص فيه فى الحلقوم وبالفارسية خوردنى وآشاميدنى كوارنده . وجعل الهنيئ صفة لهما لان المصدر يتناول المثنى ايضا من هنؤ الطعام والشراب وهنئ يهنأ ويهؤ ويهنئ هناءة وهناء اى صار هنيئا سائغا فهو هنيئ ومنه اليهنئ المشتهر فى اللسان التركى فى اللحم المطبوخ ويستعمله العجم فالخاء المعجمة بدل الهاء كما قال فى المثنوى وين بزاز بهرميان روزرا ... يخنئ باشدشه فيروزرا واسناد الهناءة الى الاكل والشرب مجاز للمبالغة لانها للمأكول والمشروب وقولهم هنيئا عند شرب الماء ونحوه بمعنى صحة وعافية لان السائغ محظوظ منه بسبب الصحة والعافية غالبا { بما اسلفتم } بمقابلة ما قدمتم من الاعمال الصالحة او بدله او بسببه ومعنىلاسلاف فى اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالاقراض ومنه يقال اسلف فى كذا اذا قدم فيه ماله { فى الايام الخالية } اى الماضية فى الدنيا وعن مجاهد ايام الصيام فيكون المعنى كلوا واشربوا بدل ما امسكتم عن الاكل والشرب لوجه اللّه فى ايام الصيام لا سيما فى الايام ا لحارة وهو الاولى لان الجزآء لا بدوان يكون من جنس العمل وملائما له كما قال بعض الكبار لم يقل اشهدوا ولا اسمعوا وانما جوزوا من حيث عملوا ونظيره فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وقوله ان تسخروا منافانا نسخر منكم ونظائر ذلك ورؤى بعضهم فى المنام فقيل له ما فعل اللّه بك فقال رحمنى وقال كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب فلم يقل كل يا من قطع الليل تلاوة واشرب يا من ثبت يوم الزحف فان هذا ما لا تعطيه الحكمة كما فى مواقع النجوم ( وروى ) يقول اللّه يا اوليائى كالما نظرت اليكم فى الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الاشربة وغارت اعينكم وخمصت بطونكم فكونوا اليوم فى نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئا بما اسفلتم فى الايام الخالية. قوله قلصت من الباب الثانى يقال قلص الظل اى نقص والماء اى ارتفع فى البئر والشفة اى انزوت والثوب اى انزوى بعد الغسل ومصدر الجميع القلوص والتركيب يدل على انضمام شئ بعضه الى بعض وخمصه الجوع خمصا ومخمصة من الباب الاول يعنى باريك ميان كرد ويرا كرسنكى. وفيه اشارةالى ايام الازل الخالية عن الاعمال والعلل والاسباب اى كلوا من نعيم الوصال واشربوا من شراب الفيض بما اسلفه اللّه لكم فى الازل والقدم من العناية اذ بتلك العناية قمتم مع الحق فى جميع الاحوال. جون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست ... آن به كه كارخود بعنايت رها كنند ٢٥ { واما من اوتى كتابه بشماله } تحقير اله لان الشمال يتشاءم بها بان تلوى يسراه الى خلف ظهره فيأخذه بها ويرى ما فيه من قبائح الاعمال { فيقول } تحزنا وتحسرا وخوفا مما فيه وهو من قبيل الألم الروحانى الذى هو أشد من الألم الجسمانى { يا } هؤلاء يا معشر المحشر { ليتنى } كاشكى من . وهو تمنٍ للمحال { لم اوت } متكلم مجهول من الايتاء بمعنى لم اعط { كتابيه } هذا الذى جمع جميع سيئاتى. ٢٦ { ولم ادر } متكلم من الدراية بمعنى العلم { ما حسابيه } لما شاهد من سوء العاقبة وبالفارسية كاشكى ندانستمى امروز جيست حساب من جه حاصلى نيست مرانرا جزعذاب وشدت ومحنت . فما استفهامية معلق باها الفعل عن العمل ويجوز أن تكون موصولة بتقدير المبتدأ فى الصلة. ٢٧ { يا ليتها } تكرير للتمنى وتجديد للتحسر أى يا ليت الموتة التى متها وذقتها وذلك ان الموتة وان لم تكن مذكورة الا انها فى حكم المذكور بدلالة المقام { كانت القاضية } اى القاطعة لامرى وحياتى ولم ابعث بعدها ولم ألق ألقى ما يتمنى عند مطالعة كتابه ان تدوم عليه الموتة الاولى ونه لا يبعث للحساب لولا يلقى ما اصابه من الخجالة وسوء العاقبة ويجوز ان يكون ضمير لينها لما شاهد من الحالة اى يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التى قضت على بتمنى ان يكون بدل تلك الحالة الموتة القاطعة للحياة لما انه وجد تلك الحالة امر من الموت فتمناه عندها وكان فى الدنيا اشد كراهية للموت قال الشاعر وشر من الموت الذى ان لقيته ... تمنيت منه الموت والموت اعظم ٢٨ { ما اغنى عنى } اى لم يدفع عنى شيأ من عذاب الآخرة على ان ما نافية والمفعول محذوف { ماليه } اى الذى كان لى فى الدنيا من المال والاتباع على ان ما موصولة واللام جارة داخلة على ياء المتكلم ليعم مثل الاتباع فانه اذا كان اسما مضافا الى ياء المتكلم لم يعم وفى الكشاف ما اغنى نفى واستفهام على وجه الانكار اى اى شئ اغنى عنى ما كان لى من اليسار انتهى حتى ضيعت عمرى فيه اى لم ينفعنى ولم يدفع عنى شيأ من العذاب فما استفهامية منصوبة المحل على انها مفعول اغنى. يقول الفقير الظاهر أن مالية هو المال المضاف الى ياء المتكلم اى لم يغن عنى المال الذى جمعته فى الدنيا شيأ من العذاب بل ألهانى عن الآخرة وضرنى فضلا عن ان ينفعنى وذلك ليوافق قوله تعالى ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيأ وقوله وما يغنى عنه ماله اذا تردى وقوه ما اغنى عنه ماله وما كسب وانظائر ذلك فما ذهب اليه اكثر اليه التفسير من التعميم عدول عما ورد به ظاهر القراءن. ٢٩ { هلك عنى سلطانيه } قال الراغب السلاطة التمكن من القهر ومنه سمى السلطان والسلطان يقال فى السلاطة نحو قوله تعالى فقد جعلنا لوليه سلطانا وقد يقال الذى السلاطة وهو الاكثر وسميت الحجة سلطانا وذلك لما لحق من الهجوم على القلوب لكن اكثر تسلطه على اهل العلم والحكمة من المؤمنين وقوله هلك عنى سلطانيه يحتمل السلطانين انتهى والمعنى هلك عنى ملكى وتسلطى على الناس وبقيت فقير ذليلا اوضلت عنى حجتى كما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ومعناه بطلت حجتى التى كنت احتج بها عليهم فى الدنيا وبالفارسية كم كشت ازمن حجتى كه دردنيا جنك دران زده بودم . ورجح هذا المعنى بأن من اوتى كتابه بشماله لاختصاص له بالملوك بل هو عام لجميع اهل الشقاوة. بقول الفقير قوله تعالى ما اغنى عنى ماليه يدل على الاول عى ان فيه تعريضا بنحو الوليد من رؤساء قريش واهل ثروتهم ويجوز أن يكون المعنى تسلطى على القوى والآلات فعجزت عن استمالها فى العبادت وذلك لان كل احد كان له سلطان على نفسه وماله وجوارحه يزول فى القيامة سلطانه فلا يملك لنفسه نفعا. ٣٠ { خذوه } حكاية لما يقول اللّه يومئذ لخزنة النار وهم الزبانية الموكلون على عذابه والهاء راجع الى من الثانى اى خذوا العاصى لربه { فغلوه } بلا مهلة اى اجمعوا يديه الى عنقه بالقيد ولحديد وشدوه به يقال غل فلان وضع فى عنقه اويده الغل وهو بالضم الطوق من حديد الجامع لليد الى العنق المانع عن تحرك الرأس وبالفتح دست باكردن بستن. وفى الفقه وكره جعل الغل فى عنق عبده لانه عقوبة اهل النار وقال الفقيه ان فى زماننا جرت العادة بذلك اذا خيف من الاباق كمال فى الكبرى بخلاف التقييد فانه غير مكروه لانه سنة المسلمين فى المتمردين. ٣١ { ثم الجحيم صلوه } دل التقديم على التخصيص والمعنى لا تصلوه اى لا تدخلوه الا الجحيم ولا تحرقوه الا فيها وهى النار العظمى ليكون الجزآء على وفق المعصية حيث كان يتعظم على الناس قال سعدى المفتى فيكون مخصوصا بالمتعظمين وفيه بحث انتهى وقد مر جوابه. ٣٢ { ثم فى سلسلة } من نار وهى حلق منتظمة كل حلقة منها فى حلقة والجار متعلق بقوله فاسلكوه والفاء ليست بمانعة عن التعلق { ذرعها } طولها وبالفارسية كزان . والذراع ككتاب ما يذرع به حديدا او قضيبا وفى المفردات الذراع العضو المعروف ويعبر به عن المذروع والممسوح يقال ذراع من الثوب والارض والذرع بيمودن . قوله ذرعها مبتدأ خبره قوله { سبعون } والجملة فى محل الجر على انها صفة سلسلة وقوله { ذراعا } تمييز { فاسلكوه } السلك هو الادخال فى الطريق والخيط والقيد وغيرها ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين العذابين الغل وتسلية الجحيم وما بينهما وبين السلك فى السلسلة فى الشدة لاعلى تراخى المدة يعنى ان ثم اخرج عن معنى المهلة لاقتضاء مقام التهويل ذلك اذ لا يناسب التوعد يتفرق العذاب قال ابن الشيخ ان كلمتى ثم والقاء ان كانتا لعطف حملة فاسلكوه لزم اجتماع حرفى العطف وتواردهما على معطوف واحد ولا وجه له فينبغى ان يكون كلمة ثم لعطف مضمر على مضمر قبل قوله خذوه اى قيل لخزنة النار خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم قيل لهم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه فيكون الفاء لعطف المقول على المقول مع افادة معنى التعقيب وكلمة ثم لعطف القول على القول مع الدلالة على ان الامر الاخير أشد وأهول مما قبله من الاوامر مع تعاقب المأمور بها من الاخذ وجعل يده مغلولة الى عنقه وتصلية الجحيم وسلكهم اياه السلسلة الموصوفة والمعنى فأدخلوه فيها بأن تلفوها على جسده وتجعلوه محاطا به فهو فيما بينهما مرهق مضيق عليه لا يستطيع حراكا ما كما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان اهل النار يكونون فىلسلسلة كما يكون الثعلب فى الجلبة والثعلب طرف خشبة الرمح الداخل فى الجلبة السنان وهى الدرع وذلك انما يكون رهقا اى غشية وبالفارسية بس در آريد اورادران يعنى درجسد او بيجد محكم تاحركت نتواند كرد . وتقديم السلسلة على السكل كتقديم الجحيم على التصلية فى الدلالة على الاختصاص والاهتمام بذكر ألوان ما يعذب به اى لا تسلكونه الا فى هذه السلسلة لانها أفظع من سائر مواضع الارهاق فى الجحيم وجعلها سبعين ذراعا ارادة لوصف بالطول كما قال ان تستغفر لهم سبعين مرة يريد مرات كثرة لانها اذا طالت كان الارهاق اشد فهو كناية عن زيادة الطول لشيع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة فى التكثير وقال سعدى المفتى الظاهر انه لا منع من الحمل على ظاهره من العدد قال الكاشفى يعنى بذراع ملك كه هرذراعى هفتاد باعست وهرباعى ازكوفه تامكه. وقال بعض المفرسرين هى بالذراع المعروفة عندنا وانما خوطبنا بما نعرفه ونحصله وقال الحسن قدس سره اللّه اعلم بأى ذراع هى وعن كعب لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها ولو وضعت منها حلقة على جبل لذاب مثل الرصاص تدخل السلسلة فى فيه وتخرج من دبره ويلوى فضلها على عنقه وجسده ويقرن بها بينه وبين شياطنه. يقول الفقير هذا يقتضى ان يكون ذلك عذاب الكافر لان جسده يكون فى العظم مسيرة ثلاثة ايام وضرسه مثل جبل احد على ما جاء فى الحديث وعن النبى عليه السلام قال لو أن رضراضة اى صخرة قدر رأس الرجل وفى رواية لو أن رضرضة مثل هذه واشار الى صخرة مثل الجمجة سقطت من السماء الى الارض وهى خمسمائة عام لبلغت الارض قبل الليل ولو أنها ارسلت من رأس السلسلة لسارت اربعين خريفا الليل والنهار قبل ان تبلغ اصلها وقعرها قال الشراح اللام فى السلسلة فى هذا الحديث للعهد اشارة الى السلسلة التى ذكرها اللّه فى قوله ثم فى سلسلة الخ ( روى ) ان شابا قد حضر صلاة الفجر مع الجماعة خلف واحد من المشايخ فقرأ ذلك الشيخ سورة الحاقة فلما بلغ الى قوله تعالى خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه صاح الشاب وسقط وغشى عليه فلما اتم الشيخ صلاته قال من هذا قالوا هو شاب صالح خائف من اللّه تعالى وله والدة عجوز ليس لها غيره قال الشيخ ارفعوه واحملوه حتى نذهب به الى امه ففعلوا ما امر به الشيخ فلما رأت امه ذلك فزعت واقبلت وقالت ما فعلتم بابنى قالوا ما فعلنا به شيأ الا انه حضر الجماعة وسمع آية مخوفة من القرءآن فلم يطق سماعها فكان هكذا بأمر اللّه فقالت اية آية هى فاقرأوها حتى اسمع فقرآها الشيخ فلما وصلت الآية الى سمع الشاب شهق شهقة اخرى خرجت معها روحه بأمر اللّه فلما رأت الام ذلك خرت ميتة وفى التأويلات النجمية قوله ثم فى سلسلة الخ يشير الى كثرة اخلاقه السيئة واوصافه الرديئة واحكام طبيعته الظلمانية اذ هى يوم القيامة كلها سلاسل العذاب واغلال الطرد والحجاب. ٣٣ { انه } بدرستى كه اين كس . كأنه قيل ماله يعذب بهذا العذاب الشديد فاجيب بانه { كان لا يؤمن باللّه العظيم } وصفه تعالى بالعظم للايذان بانه المستحق للعظمة فحسب فمن نسبها الى نفسه استحق العظم العقوبات. ٣٤ { ولا يحض على طعام المسكين } الحض الحث على الفعل بالحرص على وقوعه قال الراغب الحض التحريك كالحث الا ان الحث يكون بسير وسوق والحض لا يكون بذلك واصله من الحث على الحضيض وهو قرار الارض والمعنى ولا يحث اهله وغيرهم على اعطاء طعام يطعم به الفقير فضلا عن ان يعطى ويبذل من ماله على ان يكون المراد من الطعام العين فاضمر مثل اعطاء او بذل لان الحث والتحريض لا يتعلق بالاعيان بل بالاحداث واضيف الطعام الى المسكين من حيث ان له الية نسبة أو المعنى ولا يحثهم على اطعامه على ان يكون اسما وضع موضع الاطعام كما يوضع العطاء موضع الاعطاء فالاضافة الى المفعول وذكر الحض دون الفعل ليعلم ان تاركالحض بهذه المنزلة فيكفي بتارك الفعل يعنى يكون ترك الفعل اشد فى ان يكون سبب المؤآخذة الشديدة وجعل حرمان المسكين قرينة للكفر حيث عطفه عليه للدلالة على عظم الجرم ولذلك قال عليه السلام ( البخل كفر والكافر فى النار ) فتخصيص الامرين بالذكر لما ان اقبح العقائد الكفر واشنع الرذآئل البخل والعطف للدلالة على ان حرمان المسكين صفة الكفرة كما فى قوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة فلا يلزم ان يكون الكفار مخاطبين به بالفروع وفى عين المعانى وبه تعلق الشافعى فى خطاب الكفار بالشرائع ولا يصح عندنا لان توجيه الخطاب بالامر ولا امر ههنا على انه ذكر الايمان مقدما وبه نقول انتهى وقال ابن الشيخ فيه دليل على تكليف الكفار بالفروع على معنى انهم يعاقبون على ترك الامتثال بها كعدم اقامة الصلاة وايتاء الزكاة والانتهاء عن الفواحش والمنكرات لا على معنى انهم يطالبون بها حال كفرهم فانهم غير مكلفين بالفروع بهذا المعنى لانعدام اهلية الادآء فيهم لان مدار اهلية الادآء هو استحفاق الثواب بالادآء ولاثواب لاعمال الكفار واهلية الوجوب لا تستلزم اهلية الادآء كما تقرر فى الاصول انتهى والحاصل ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤآخذة لا غير وعن أبى الدردآء رضى اللّه عنه انه كان يحض امرأته على تكثير المرق لاجل المساكين وكان يقول خلعنا نصف السلسلة بالايمان افلا نخلع نصفها الآخر بالاطعام والحض عليه جوى بازدارد بلاى درشت ... عصايى شنيدى كه عوجى بكشت كسى نيك بيند بهردوسراى ... كه نيكى رساند بخلق خداى ٣٥ { فليس له اليوم } وهو يوم القيامة { ههنا } اى فى هذا المكان وهو مكان الاخذ والغل { حميم } اى قريب نسبا او ودا يحميه ويدفع عنه يوحزن عليه لان اولياء يتحامونه ويفرون منه كقوله ولا يسأل حميم حميما وقال فى عين المعانى قريب يحترق له قلبه من حميم الماء وقال القاشانى لاستيحاشه من نفسه فكيف لا يستوحش غيره منه وهو من تتمة ما يقال للزبانية فى حقه اعلاما بانه محروم من الرحمة وحثالهم على بطشه. ٣٦ { ولا طعام الا من غسلين } قال فى القاموس الغسلين بالكسر ما يغسل من الثوب ونحوه كالغسالة وما يسيل من جلود أهل النار والشديد الحر وشجر فى النار انتهى والمعنى ولا طعام الا من غسالة اهل النار وما يسيل من ابدانهم من الصديد والدم بعصر قوة الحرارة النارية وبالفارسية زردابه وريمى كه ازتنهاى ايشان ميرود ( روى ) انه لو وقعت قطرة منه على الارض لأفسدت على الناس معايشهم يقال للنار دركات ولكل دركة نوع طعام وشراب وسيجيئ وجه التلفيق بينه وبين قوله ليس لهم طعام الا من ضريع فى الغاشية وهو فعلين من الغسل فالياء والنون زائدتان وفى الكواشى او نونه غير زائدة وهو شجر فى لنار وهو مناخبث طعامهم والظاهر ان الاستثناء متصل ان جعل الطعام شاملا للشراب كما فى قوله تعالى ومن لم يطعمه فانه منى فانهم فسروه بمن لم يذقه من طعم الشئ اذا اذاقه مأكولا كان او مشروبا. ٣٧ { لا يأكله الا الخاطئون } صفة غسلين والتعبير بالاكل باعتبار ذكر الطعام اى لا يأكل ذلك الغسلين الا الآثمون اصحاب الخطايا وهم المشركون كما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما وقد جوز أن يراد بهم الذين يتخطون الحق الى الباطل ويعدون حدود اللّه من خطئ الرجل من باب علم اذا تعمد الخطا اى الذنب فالخاطئ هو الذى يفعل ضد الصواب متعمدا لذلك والمخطئ هو الذى يفعله غير متعمد أى يريد الصواب فيصير الى غيره من غير قصد كما يقال المجتهد قد بخطئ وقد يصيب وفى عين المعانى الخاطئون طريق التوحيد وفى التأويلات النجمية ولا يحض مساكين الاعضاء والجوارح بالاعمال الصالحات والاقوال الصادقات والاحوال الصافيات فليس له اليوم ههنا من يعينه ويؤنسه لان المؤنس ليس الا الاعمال والاحوال ولا طعام لنفسه الميشومة الا غسالة اعماله وافعاله القبيحة الشنيعة لا يأكله الا المتجاوزون عن اعمال الروح والقلب القاصدوم مراضى النفس والهوى متبعون للشهوات الجمسانية واللذات الحيوانية. ٣٨ { فلا اقسم } اى فأقسم على ان لا مزيدة للتأكيد واما حمله على معنى نفى الاقسام لظهور الامر واستغنائه عن التحقيق بالقسم فيرده تعيين المقسم به بقوله بما الخ وقال بعضهم هو جملتان والتقدير وما قاله المكذبون فلا يصح اذ هو قول باطل ثم قال اقسم { بما تبصرون } ٣٩ { وما لا تبصرون } قسم عظيم لانه قسم بالاشياء كلها على سبيل الشمول والاحاطة لانها لا تخرج عن قسمين مبصر وغير مبصر فالمبصر المشاهدات وغير المبصر المغيبات فدخل فيهما الدنيا والآخرة والاجسام والارراح والانس والجن والخلق والخالق والنعم الظاهرة والباطنة وغير ذلك مما يكون لائقا بأن يكون مقسما به اذ من الاشياء ما لا يليق بأن يكون مقسما به واليه الاشارة بقوله لشانى اى الوجود كله ظاهرا وباطنا وبقول ابن عطاء آثار القدرة واسرارها وبقول الشيخ نجم الدين بما تبصرون من المشهودات والمحسوسات بابصار الظواهر ومالا تبصرون من المغيبات ببصائر البواطن يعنى بالمظاهر الاسمائية والمظاهر الذاتية وبقول الحسين اى بما اظهر اللّه لملائكته والقلم واللوح وبما اختزن فى علمه ولم يجر القلم به ولم تشعر الملائكة بذلك وما اظهر اللّه للخلق من صفاته وأراهم من صنعه وأبدى لهم من علمه فى جنب ما اخزن عنهم الا كذرة فى جنب الدنيا والآخرة ولو أظهر اللّه ما اختزن لذابت الخلائق عن آخرهم فضلا عن حمله قال الشيخ أبو طالب المكى قدس سره فى قوت القلوب اذا كان العبد من اهل العلم باللّه والفهم عنه والسمع منه والمشاهدة له شهد ما غاب عن غيره وابصر ما عمى عنه سواء كما قال تعالى فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون. ٤٠ { انه } اى القرءآن { لقول رسول } وقوله قول الحق كما قال وما ينطق عن الهوى وكما قال فأجره حتى يسمع كلام اللّه وفى كشف الاسرار أضاف القول اليه لانه لما قال قول رسول اقتضى مرسلا وكان معلوما ما أن يقرأه كلام مرسله وانما هو مبلغه فالاضافة الاختصاصية الى رسول اللّه تدل على اختصاص القول بالرسول من حيث التبليغ ليس الا اذا شأن الرسول التبليغ لا الاختراع وقد يأتى القول فى القرءآن والمراد به القرآءة قال اللّه تعالى حتى تعلموا ما تقولوا اى ما تقرأوا فى صلاتكم { كريم } على اللّه تعالى يعنى بزر كوار نزدخداى تعالى. وهو النبى عليه السلام ويدل عليه مقابلة رسول بشاعر وكاهن لان المعنى على اثبات انه رسول لا شاعر ولا كاهن ولم يقولوا لجبريل شاعر ولا كاهن وقيل هو جبريل اى هو قول جبريل الرسول الكريم وما هو من تلقاء محمد كما تزعمون وتدعون انه شاعر أو كاهن فالمقصود حينئذ اثبات حقية القرءآن وانه من عند اللّه والحاصل ان القرءآن كلام اللّه حقيقة اظهره فى اللوح المحفوظ وكلام جبريل ايضا من حيث انه انزله من السموات الى الارض وتلاه على خاتم النبيين وكلام سيد المرسلين ايضا من حيث انه اظهره للخلق ودعا الناس الى الايمان به وجعله حجة لنبوته. ٤١ { وما هو بقوله شاعر } كما تزعمون تارة ( قال الكاشفى ) جمانجه ابو جهل ميكويد وسبق معنى الشعر فى يس { قليلا ما تؤمنون } ايمانا قليلا تؤمنون بالقرءآن وكونه كلام اللّه او بالرسول وكونه مرسلا من اللّه والمراد بالقلة النفى اى لا تؤمنون اصلا كقولك لمن لا يزورك لما تأتينا وانت تريد لا تأتينا اصلا. يقول الفقير يجوز عندى أن تكون قلة الايمان باعتبار قلة المؤمن بمعنى ان القليل منكم يؤمنون وقس عليه نظائره. ٤٢ { ولا بقول كاهن } كما تدعون ذلك تارة اخرى ( قال الكاشفى ) جنانجه عقبة بن ابى معيط كمان ميبرد. كرر القول مبالغة فى ابطال اقاويلهم الكاذبة على القرءآن الحق والرسول الصادق والكاهن هو الذى يخبر عن الكوآثن فى مستقبل الزمان ويدعى معرفة الاسرار ومطالعة علم الغيب وفى كشف الاسرار الكاهن هو الذى يزعم ان له خدما من الجن يأتونه بضرب من الوحى وقد انقطعت الكهانة بعد نبينا محمد عليه السلام لان الجن حبسوا ومنعوا من الاستماع انتهى وقال الراغب فى المفردات الكاهن الذى يخبر بالاخبار الماضية الخفية بضرب من الظن كالعراف الذى يخبر بالاخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذى يخطئ ويصيب قال عليه السلام ( من أتى عرافا او كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما انزل اللّه على محمد ) ويقال كهن فلان كهانة اذا تعاطى ذلك وكهن اذا تخصص بذلك وتكهن تكلف ذلك انتهى وفى شرح المشارق لابن الملك العراف من يخبر بما اخفى من المسروق ومكان الضالة والكاهن من يخبر بما يكون فى المستقبل وفى الصحاح العراف الكاهن { قليلا ما تذكرون } اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تتذكرون اى لا تتذكرون اصلا ( قال الكاشفى ) اندكى بندميكيريد يعنى بندكيرنمى شويد ( وفى كشف الاسرار ) اندك بندمى بذيريد ودرمى باييد ( وفى تاج المصادر ) التذكر ياكردن ويا ياد آوردن وبندكرفتن ومذكرشدن كلمه كه مؤنث بود. وقال بعضهم المراد من الايمان القليل ايمانهم واستيقانهم بأنفسهم وقد جحدوا بألسنتهم لا معنى النفى وقال بعضهم ان كان المراد منه الايمان الشرعى فالتقليل للنفى وان كان اللغوى فالتقليل على حاله لانهم كانوا يصدقون ببعض احكام القرءآن كالصلة والخير والعفاف ونحوها ويكذبون ببعضها كالوحدة والحقانية والبعث ونحوها وعلى هذا التذكر قيل ذكر الايمان مع نفى الشاعرية والتذكر مع نفى الكاهنية لما ان عدم مشابهة القرءآن الشعر امر بين لا ينكره الا معاند فلا مجال فيه لتوهم عذر لترك الايمان فلذلك وبخوا عليه وعجب منه بخلاف مباينته للكهانة فانها تتوقف على تذكر احواله عليه السلام ومعانى القرءآن المنافية لطريفة الكهنة ومعانى اقوالهم فالكاهن ينصب نفسه للدلالة على الضوآئع والاخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيرا ويأخذ جعلا على ذلك ويقتصر على من يسأله وليس واحد منها من دأبه عليه السلام والحاصل ان الكاهن من يأتيه الشياطين ويلقون اليه من اخبار السماء فيخبر الناس بما سمعه منهم وما يلقيه عليه السلام من الكلام مشتمل على ذم الشياطين وسبهم فكيف يمكن أن يكون ذلك بالقاء الشياطين فانهم لا ينزلون شيأ فيه ذمهم وسبهم لا سيما على من يلعنهم ويطعن فيهم وكذا معانى ما يلقيه عليه السلام منافية لمعانى اقوال الكهنة فانهم لا يدعون الى تهذيب الاخلاق وتصحيح العقائد والاعمال المتعلقة بالمبدأ والمعاد بخلاف معانى قوله عليه السلام فلو تذكر أهل مكة معانى القرءآن ومعانى اقوال الكهنة لما قالوا بأن كاهن وفى برهان القرءآن خص ذكر الشعر بقوله ما تؤمنون لان من قال القرءآن شعر ومحمد عليه السلام شاعر بعدما علم اختلاف آيات القرءآن فى الطول والقصر واختلاف حروف مقاطعه فلكفره وقلة ايمانه فان الشعر كلام موزون مقفى وخص ذكر الكهانة بقول ما ذتكرون لان من ذهب الى ان القرءآن كهانة وان محمدا عليه السلام كاهن فهو كاهل عن ذكر كلام الكهان فانه اسجاع لا معانى تحتها واوضاع تنبو الطباع عنها ولا يكون فى كلامهم ذكر اللّه انتهى قال المولى ابو السعود فى الارشاد وانت خبير بأن ذلك ايضا مما لا يتوقف على تأمل قطعا انتهى اى فتعليلهم بالفرق غير صحيح وفيه ان الانابة شرط للتذكر كما قال تعالى وما يتذكر الامن ينيب والكافر ليس من اهل الانابة وايضا ما يذكر الا اولوا الالباب اى اولوا العقول الزاكية والقلوب الطاهرة والكافر لبس منهم فليس من اهل التذكر ولا شك ان كون الشئ امر بيننا لا ينافى التذكر ألا ترى الى قوله تعالى اله مع اللّه قليلا ما ذتكرون مع ان شواهد الالوهية ظاهرة لكل بصير باهرة عند كل خبير على انه يظهر من تقريراتهم انه لا بد من التذكر فى نفى الكهانة لخفاء امرها فى الجملة بالنسبة الى الشعر والعلم عند اللّه العلام. ٤٣ { تنزيل } اى هو منزل فعبر عن المفعول بالمصدر مبالغ { من رب العالمين } نزله على لسان جبريل تربية للسعدآء وتبشير لهم وانذارا للاشقياء كما قال تعالى نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين وقال تعالى ومبشراً ونذيرا. ٤٤ { ولو تقول علينا بعض الاقاويل } كما يتقوله الشعرآء اى ولو ادعى محمد علينا شيأ لم نقله كما تزعمون كما قال تعالى ام يقولون تقوله بل لا يؤمنون وفى ذكر البعض اشارة اى ان القليل كاف فى المؤاخذة الآتية فضلا عن الكثير سمى الافترآء تقولا وهو بناء التكلف لانه الاقوال المفتراة اقاويل تحقيرا لها لان صيغة افعولة انما تطلق على محقرات الامور وغرائبها كالاعجوبة لما يتعجب منه والاضحوكة لما يضحك منه وكان الاقاويل جمع اقوولة من القول وان لم يثبت عن نقله اللغلة ولم يكن اقوولة مستعملا لكن كونه على صور جمع افعولة كاف فى التحقير ويؤدانه ليس جمع الاقوال لزوم أن لا يعاقب بما دون ثلاثة اقوال فالاقايول ههنا بمعنى الاقوال لا انه جمعه وفى حواشى ابن لشيخ الظاهر ان الاقاويل جمع اقوال جمع قول كأناعيم جمع انعام جمع نعم. ٤٥ { لأخذنا منه } حال من قوله { باليمين } اى بيمينه وقال سعدى المفتى هو من باب ألم نشرح لك فى التفصيل بعد الاجمال. ٤٦ { ثم لقطعنا منه الوتين } اى نياط قلبه بضرب عنقه والنياط عرق ابيض غليظ كالقصبة علق به القلب اذا انقطع مات صاحبه وفى المفردات الوتين عرق سيقى الكبد اذا انقطع مات صاحبه ولم يقل لاهلكناه او لضربنا عنقه لانه تصوير لاهلاكه بافظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه وهو أن يأخذ القتال بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب عنقه فانه اذا أراد أن يوقع الضرب فى قفاء اخذ بيساره واذا اراد أن يوقعه فى جيده وأن يكفحه بالسيف اى يواجهه وهو أشد من المصبور لنظره الى السيف اخذ بيمينه فلذا خص اليمين درن اليسار وفى المفردات لاخذنا منه باليمين اى منعناه ودفعناه فعبر عن ذلك بالاخذ باليمين كقولك خذ بيمين فلان انتهى وقيل اليمين بمعنى القوة فالمعنى لانتقمنا بقوتنا وقدرتنا وقيل المعنى حينئذ لأخذنا منه اليمين وسلبنا منه القوة والقدرة على التكلم بذلك على ان الباء صلة اى زآئدة وعبر عن القوة باليمين لان قوة كل شئ فى ميامنه فيكون من قبيل ذكر المحل وارادة الحال او ذكر الملزوم وارادة اللازم. ٤٧ { فما منكم } ايها الناس { من احد عنه } اى عن القتل او المقتول وهو متعلق بقوله { حاجزين } دافعين وهو وصف لاحد فانه عام لوقوعه فى سياق النفى كما فى قوله عليه السلام ( لم تحل الغنائم لاحد اسود الرأس غيرنا ) فمن احد فى موضع الرفع بالابتدآء ومن زآئدة لتأكيد النفى ومنكم خبره والمعنى فما منكم قوم يحجزون عن المقتول او عن قتله واهلاكه المدلول عليه بقوله ثم لقطعنا مه الوتين اى لا يقدر على الحجز والدفع وهذا مبنى على اصل بنى تميم فانهم لا يعلمون ما لدخولها على القبلتين وقد يجعل حاجزين خبرا لما على اللغة الحجازية ولعله اولى فتكون كلمة ما هى المشبهة بليس فمن احد اسم ما وحاجزين منصوب على انه خبرها ومنكم حال مقدم وكان فى الاصل صفة لاحد وفى الآية تنبيه على ان النبى عليه السلام لو قال من عند نفسه شيأ او زادأ ونقص حرفا واحدى على ما اوحى اليه لعاقبه اللّه وهو اكرم الناس عليه فما ظنك بغيره ممن قصد تغيير شئ من كتاب اللّه او قال شيأ من ذات نفسه كما ضل بذلك بعض الفرق الضالة. ٤٨ { وانه } اى القرءآن { لتذكرة } موعظة وبالفارسية بنديست { للمتقين } لمن اتقى الشرك وحب الدنيا فانه يتذكر بهذا القرءآن وينتفع به بخلاف المشرك ومن مال الى الدنيا وغلبه حبها فانه يكذب به ولا ينتفع وفى تاج المصادر التذكير والتذكرة باياد دادن وحرف را مذكر كردن. ومنه الحديث فذكروه اى فأجلوه لان فى تذكير الشئ اجلالا له. ٤٩ { وانا لنعلم ان منكم مكذبين } اى ان منكم ايها الناس مكذبين بالقرءآن فنجازيهم على تكذيبهم قال مالك رحمه اللّه ما اشد هذه الآية على هذه الامة وفيه اشارة الى مكذبى الالهام ايضا فانهم ملتحقون بمكذبى الوحى لان الكل من عند اللّه لكن اهل الاحتجاب لا يبصرون النور كالاعمى فكيف يقرون. ٥٠ { وانه } اى القرءآن { لحسرة } ونداءة يوم القيامة { على الكافرين } المكذبين له عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين المصدقين به وفى الدنيا ايضا اذا رأوا دولة المؤمنين ويجوز أن يرجع الضمير الى التكذيب المدلول عليه بقوله مكذبين. ٥١ { وانه } اى القرءآن { لحق اليقين } اى لليقين الذى لا ريب فيه فالحق واليقين صفتان بمعنى واحد أضيف احدهما الى الآخر اضافة الشئ الى نفسه كحب الحصيد للتأكيد فان الحلق هو الثابت الذى لا يتطرق اليه الريب وكذا اليقين قال الراغب فى المفردات اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدرارة واخواتهما يقال علم اليقين عين اليقين حق اليقين وبينها فرق مذكور فىغير هذا الكتاب انتهى وقد سبق الفرق من شرح الفصوص فى آخر سورةالواقعة فالرجع وقال الامام معناه انه حق يقين اى حق لا بطلان فيه ويقين لا ريب فيه ثم أضيف احد الوصفين الى الآخر للتأكيد وقال الزمخشرى لليقين حق اليقين كقولك هو العالم حق العالم وجد العالم ويراد به البليغ الكامل فى شأتنه وفى تفسير القاشانى محض اليقين من غير شوب شئ آخر وقال الجنيد قدس سره حق اليقين ما يتحقق العبد بذلك معرفة بالحق وهو أن يشاهد الغيوب كمشاهدته للمرئيات مشاهدة عيان ويحكم على المغيبات ويخبر عنها بالصدق كما اخبر الصديق الاكبر فى مشاهدة النبى عليه السلام حين سأله ماذا أبقيت لنفسك قال اللّه ورسوله فأخبر عن تحققه بالحق وانقطاعه عن كل ما سوى اللّه ووقوفه على الصدق معه ولم يسأله النبى عليه السلام عن كيفيته ما أشار اليه لما عرف من صدقه وبلوغه المنتهى فيه ولما سأل عليه السلام حارثة كيف اصبحت قال اصبحت مؤمنا حقا فأخبر عن حقيقة ايمانه فسأله عليه السلام عن ذلك لما كان يجد فى نفسه من عظيم دعواه لما اخبر لما بحكم له بذلك فقال عرفت فالزم اى فرت الطريق الى حقيقة الايمان فالزم الطريق حتى تبلغ اليه وكان يرى حال أبى بكر رضى اللّه عنه مشورا من غير استخبار عنه ولاستكشاف لما علم من صدقه فيما ادعى وهذا مقام حق اليقين واليقين اسم للعلم الذى زال عنه اللبس ولهذا لا يوصف علم رب العزة باليقين. ٥٢ { فسبح باسم ربك العظيم } اى فسبح اللّه بذكر اسمه العظيم بأن تقول سبحانه اللّه تنزيها له عن الرضى بالتقول اللّه وشكرا على ما أوحى اليك فمفعول سبح محذوف والباء فى باسم ربك للاستعاذة كما فى ضربته بالسوط فهو مفعول ثان بواسطة حرف الجر على حذف المضاف والعظيم صفة الاسم ويحتمل أن يكون صفة ربك ويؤيده ما روى ان رسول اللّه عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية اجعلوها فى ركوعكم فالتزم ذلك جماعة من العلماء كما فى فتح الرحمن وقال فى التأويلات النجمية نزه وقدس تنزيها فى عين التشبيه اسم ربك اى مسمى ربك اذا لاسم عين المسمى عند أرباب الحق واهل الذوق وقال القاشانى نزه اللّه وجرده عن شوب الغير بذلك الذى هو اسمه الاعظم الحاوى للاسماء كلها بان لا يظهر فى شهودك تلوين من النفس او القلب فحتجب برؤية الاننينية او الاثانية والا كنت كشبها لا مسبحا روى عن عرم بن الخطاب رضى اللّه عنه انه قال خرجت يوما بمكة متعرضا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فوجدته قد سبقنى الى المسجد فجئت فوقفت ورآءه فافتتح سورة الحاقة فلما سمعت سردالقرءآن قلت فى نفسى انه لشاعر كما يقول قريش حتى بلغ الى قوله انه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ثم مر حتى انتهى الى آخر السورة فأدخل اللّه فى قلبى الاسلام. |
﴿ ٠ ﴾