سُورَةُ الْمَعَارِجِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً ١ { سأل سائل بعذاب واقع } من السؤال بمعنى الدعا والطلب يقال دعا بكذا استدعاه وطلبه ومنه قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة اى يطلبون فى الجنة كل فاكهة والمعنى دعا داع بعذاب واقع نازل لا محالة سوآء طلبه او لم يطلبه اى استدعاه وطلبه ومن التوسعات الشائعة فى لسان العرب حمل النظير على النظير وحمل النقيض على النقيص فتعدية سأل بالباء من قبيل التعدية بحمل النظير على النظير فانه نظير دعا وهو يتعدى بالباء لا من قبيل التعدية بالتضمين بأن ضمن سأل معنى دعا فعدى تعديته كما زعمه صاحب الكشاف لان فائدة التضمين على ما صرح به ذلك الفاضل فى تفسير سورة النحل اعطاء مجموع المعنيين ولا فائدة فى لجمع بين معنى سأل ودعا لان احدهما يغنى عن الاخر والمراد بهذا السائل على ما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما واختاره الجمهور هو النضر بن الحارث من بنى عبد الدار حيث قال انكارا واستهزآء اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم وصيغة الماضى وهو واقع دون سيوقع للدلالة على تحققق وقوعه اما فى الدنيا وهو عذاب يوم بدر فان النضر قتل يومئذ صبرا واما فى الآخرة وهو عذاب النار وعن معاوية انه قال لرجل من اهل سبأ ما اجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال اجهل من قومى قومك قالوا لرسول اللّه عليه السلام حين دعام الى الحق ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء ولم يقولوا ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له وقيل السائل هو الرسول عليه السلام استعجل بعذابهم وسأل ان يأخذهم اللّه اخذا شديدا ويجعله سنين كسنى يوسف وان قوله تعالى سأل سائل حكاية لسؤالهم المعهود على طريقة قوله تعالى يسألونك عن الساعة وقوله تعالى متى هذا الوعد ونحوهما اذ هو المعهود باوقوع على الكافرين لا ما دعا بها النضر فالسؤال بمعناه وهو التفتيش والاستفسار لان الكفرة كانوا يسألون النبى عليه السلام واصحابه انكارا واستهزآء عن وقوعه وعلى من ينزل ومتى ينزل والباء بمعنى عن كما فى قوله تعالى فاسأل به خبيرا اى فاسأل عنه لان الحروف العوامل يقوم بعضها مقام بعض باتفاق العلماء وعن الامام الواحدى ان الباء فى بعذاب زائدة للتأكيد كما فى قوله تعالى وهزى اليك بجذع النخلة اى عذابا واقعا كقولك سألته الشئ وسألته عن الشئ. ٢ { للكافرين } اى عليهم فاللام بمعنى على كما فى قوله تعالى وان اسأنم فلها ان فعليها او بهم فاللام بمعنى الباء على كما فى قوله وان اسأتم فلها اى فعليها او بهم فاللام بمعنى الباء على ما ذهب بعضهم فى قوله تعالى وما امروا الا ليعبدوا اللّه اى بأن يعبدوا اللّه او على معناه اى نازل لاجل كفرهم ومتعلقة على التقادير الثلاثة هو واقع قال بعض العارفين بهذا وصف اهل الامل والظن الكاذب الذين يظنون انهم يتركون فى قبائح اعمالهم وهم لا يعذبون { ليس له } اى لذلك العذاب { دافع } ٣ { من اللّه } اى من جهته تعالى اذا جاء وقته واوجيب الحكمة وقوعه { ذى المعارج } صفة لله لانه من السماء المضاءة مثل فالق الاصباح وجاعل الليل سكنا ونحوهما والمعارج جمع معرج بفتح الميم هنا بمعنى مصعد وهو موضع الصعود الليل سكنا ونحوهما والمعارج جمع معرج بفتح الميم هنا بمعنى مصعد وهو موضع الصعود قال الراغب العروج ذهاب فى صعود والمعارج المصاعد ومعنا ذى المعارج بالفارسية خداوند درجهاى بلند است . والمراد الافلاك التسعة المرتبة بعضها فوق بعض وهى السموات السبع والكرسى والعرش. ٤ { تعرج الملائكة } المأمورون بالنزول والعروج دون غيرهم من المهيمين ونحوهم لان من الملائكة من لا ينزل من السماء اصلا ومنهم من لا يعرج من الارض قطعا { والروح } اى جبريل افرده بالذكر لتميزه وفضله كما فى قوله تعالى تنزل الملائكة والروح فقد ذكر مع نزولهم فى آية وعروجهم فى اخرى { اليه } اى يعرجون من مسقط الامر الى عرشه والى حيث تهبط منه اوامره كقول ابراهيم عليه السلام انى ذاهب الى ربى اى الى حيث امرنى ربى بالذهاب اليه فجعل عروجهم على العرش عروجا الى الرب لان العرش مجلى صفة الرحمانية فمنه تبتدأ الاحكام والى حيث شاء اللّه تعالى تهبط الملائكة بأعمال بنى آدم الى اللّه تعالى والروح اليهانا ظرفى ذلك المشهد { فى يوم } متعلق بتعرج كألى { كان مقداره خمسين الف سنة } مما يعده الناس كما صرح به قوله تعالى فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون وقوله خمسين خبر كان وهو من باب التشبيه البليغ والاصل كمقدار مدة خمسين الف سنة. واعلم ان تحقيق هذه الآية يستدعى تمهيد مقدمه وهى ان المبروج اثنا عشرعلى ما افاده هذا البيت وهو قوله جون حمل جون ثور وجون جوزاء وسرطان واسد ... سنبله ميزان وعقرب قوس وجدى ودلو وحوت ... وكان مبدأ الدولة العرشية من الميزان ومنه الى الحوت اوجد اللّه فيه الارواح السماوية والصور الاصلية الكلية التعينة فى جوف العرش ولكل برج يوم مخصوص به ومدة هذه البروج السته وهى الميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت احد وعشرون الف سنة ومن الحمل الى برج السنبلة فى الحكم خمسون الف سنة ومدة دور السنبلة سبعة آلاف سنة وهى الآخرة وفى اول هذه الدورة التى هى دور السنبلة بموجب الامر الالهى الموحى به هناك ظهر النوع الانسانى وبعث نبينا عليه السلام فى الالف الآخر من السبعة وفى الاجزآء البرزقية بين احكام دور السنبلة ودور الميزان المختص بالآخرة فانه اذا تم دور البروج الاثنى عشر ينتقل الحكم الى الميزان وهو زمان القيامة الكبرى فأخذنا كفة الالف الاولى للدنيا فى الدولة المحمدية والكفة الآخرى للآخرة والحشر اى أخذنا النصف الاول من الف الميزان الثانى لهذه النشأة والنصف الاخير منه للنشأة الآخرة ولهذا استقرت الاخبار فى قيام الساعة وامتدادها الى خمسمائة سنة بعد الالف وهى النصف الاول من الالف الثانى من الميزان الثانى ولم يتجاوز حد الدنيا ذلك عند أحد من علماء الشريعة فبعث النبى عليه السلام فى زمان امتزاج الدنيا بالآخرة كالصح الذى هو اول النهار المشرع ومنه الى طلوع الشمس نظر الزمان الذى هو من المبعث الى قيام الساعة فكما يزداد الضوء بعد طلوع الفجر بالتدريج شيأ بعد شئ كذلك ظهور احكام الآخرة من حين المعث يزداد الى زمان طلوع الشمس من مغربها كما أشار اليه السلام اليه بقوله بعثت انا والساعة كفرسى رهان وبقوله لا تقومالساعة حتى يكلم الرجل عذبة سوطه وحتى يحدثه فخذه بما ينصع اهله بعده وكذا يسمع جمهور الناس فى آخر الزمان نطق الجمادات والنباتات والحيوانات على ما ورد فى الاخبار الصحيحة فلليوم مراتب واحكام. فيوم كالآن وهو أدنى ما طيلق عليه الزمان ومنه يمتد الكل وهو المشار اليه بقوله تعالىكل يوم هو فى شأن فسمى الزمن الفرد يوما لان الشان يحدث فيه وهو اصغر الازمان وأدقها والسارى فى كل الادوار سريان المطلق فى المقيد. ويوم كألف سنة وهو اليوم الالهى ويوم الاخرة كمال قال تعالى وان يوما عند ربك كألف سنة وقال يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون. ويوم كخمسين الف سنة والى مالا يتناهى كيوم اهل الجنة فلاحد لا كبر الايام يوقف عنده فهذا اليوم الذى كان مقداره خمسين الف سنة هو يوم المعراج ويوم القيامة ايضا. درفتوحات آورده كه هراسمى را ازاسماء الهيه روزيست خاص كه تعلق بدوداردودر قرآن در روزاز انها مذكوراست يوم الرب كه هزار سالست ويوم ذى المعارج كه بنجاه هزار سالست. وكل الف سنة دورة واحدة تقع فيها القيامة الصغرى لاهل الدنيا بتبديل الاحكام والشرآئع وانواعها اليهاكل والنفوس وكل سبعة آلاف سنة دورة لنوع خاص كالانسان وكل خمسين الف سنة دورة ايضا تقع فيما القيامة الكبرى فيفنى العالم واهله وكان عروج الملائكة من الارض الى السماء ونزولهم منا لسماء الى الارض لاجرآء احكام اللّه وانفاذ امره فى مدة البروج الستة الآخر التى هى الحمل والثور والجوزآء والسرطان والاسد والسنبلة وهى خمسون الف سنة كما سبق وعند العارفين يطلق على نزول الملائكة العروج ايضا وان كانت حقيقة العروج انما هى لطالب العلو وذلك لان لله تعالى فى كل موجود تجليا ووجها خاصا به يحفظه فنزول الملائكة وعروجهم دآئما الى الحق لعدم تحيزه وكل ما كان اليه فهو عروج وان كان فى السفليات لانه هو العلى الأعلى فهو صفة علو على الدوام وجعلت اجنحة الملائكة للهبوط عكس الطائر عبرة ليعرف كل موجود عجزه وعدم تمكنه منتصرفه فوق طاقته التى اعطاها اللّه له فالملائكة اذا نزلت نزلت بجناحها واذا علت علت بطبعها والطيور بالعكس فاعلم ذلك وكذلك يكون عروجهم ونزولهم اى يقع فى اليوم الطويل الذى هو يوم القيامة لاجرآء احكام اللّه على ما شاء وانفاذ امره على مقتضى علمه وحكمته وهو مقدار خمسين الف سنة من سنى الدنيا ودل على مدة هذا اليوم قوله عليه السلام ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى منها حقها الا اذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها فى نار جهنم اى مرة ثانية ليشتد حرها فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت اعيدت له اى لمكيه الى نار جهنم فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله اما الى الجنة اى ان لم يكن له ذنب سوه او كان ولكن اللّه عفا عنه واما الى النار اى ان كان على خلاف ذلك رواه مسلم ( وروى ) ان للقياءة خمسين موقفا يسأل العبد فى كل منها عن امر من امور الدين فان لم يقدر على الجواب وقف فى كل موقف بمقدار اليوم الالهى الذى هو الف سنة ثم لا ينتهى اليوم الى ليل اى يكون وقتاهل الجنة كالنهار ابدا ويكون زمان اهل النار كالليل ابدا اذ كما لا ظلمة لاهل النور كذلك لا نور لاهل الظمة وفيه تذكير للعاقل على ان يوم القيامة اذا كان اوله مقدار خمسين الف سنة فماذا آخره ثم هذا الطول فى حق الكافر والعاصى لا المؤمن والمطيع لما روى ابو سعيد الحدرى رضى اللّه عنه انه قيل لرسول اللّه عليه السلام ما أطول هذا اليوم فقال عليه السلام ( والذى نفسى بيده انه ليخف على المؤمن حتى يكون اخف من صلاة مكتوبة يصليها فى الدنيا ) وفى التمثيل بالصلاة اشارة الى وجه آخر لمسر العدد وهو ان الكافر اضاع الصلاة وهى فى الاصل خمسون صلاة فكأنه عذب بكل واحدة منها الف سنة ولهذا المسر يكلف يوم القيامة بالسجود لا يغيره ولا يلزم من وجود هذا اليوم بهذا الطول ومن عروج الملائكة فى اثنائه الى المعرش أن يكون ما بيناسفل المعالم واعلى سرادقات المعرش مسيرة خمسين الف سنة لان المراد بيان طول اليوم عروج الملائكة ونزولهم فى مثل هذا اليوم الى العرش ومنه لتلقى امره وتبليغه الى محله مرار او كرارا لابيان طول المعارج لان ما بين مركز الارض ومقعر السماء مسيرة خمسمائة عام وتخن كل واحدة من السموات السبع كذلك فيكون المجموع تسعة آلاف الى العرش اى بالمنظرالظاهرى والا فهى ازيد من ذلك بل من كل عدد متصور كما ستجيئ الاشارة اليه وقول من قال جعل ما بين الكرسى والعرش كما بين غيرها غير موجه لما فى الحديث الصحيح ان فى الجنة مائةدرجة اعدها اللّه للجاهدين فى سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين لسماء والارض فيكون بين الكرسى الذى هو صحن الجنة وبين العرش الذى هو سقف الجنة خمسمائة سنة مائة مرة اولها من ارض الكرسى الى الدرجة السافلة من العرش فيكون الجموع مقدار خمسين الف سنة تأمل تعرف ان كلامه ليس بصحيح من وجوه الاول ان المراد فى هذا المقام بيان الطول من اسفل العالمالى اعلاه وانه مقدار خمسين الف سنة لا من صحن الجنة الى سقفها لانه عل ما ذكره من المسافة بين العرشين يزيد على ذلك المقدار بالنظر الى اسفل اعالم زيادة بينة فلا يحصل المقصود والثانى ان امراد النبى عليه السلام من التمثيل بما بين السماء والارض ليس التحديد بل بيان مجرد السعة وطول الامتداد بما لا يعرفه الا اللّه كما يقتضيه المقام والثالث ان الحديث الذى اورده لا يدل على ان نهاية الدرجة الاخيرة من تلك الدرجات منتهة الى الدرجة السافلة من العرش بل هو ساكت عنه فيجوز أن يكون المقدار ازيد مما ذكره لان طبقات المجاهدين متفاوتة على ان سقف الجنة وان كان هو عرش الرحمن لكن المراد به ذروته وهى التى ينتهى دونها عالم التركيب وهى موضع قدم النبى عليه السلام ليلة المعراج وما بين اسفل الجنة من محدب الكرسى الى اعلاها من تلك الذروة التى هى محدب العرش لاحد له يعرف على ما سيجئ فى سورة الاعلى ان شاء اللّه تعالى فاذا تحققت هذا البيان الشافى فى الآية الكريمة وهو الذى أشار اليه الحكماء الالهية فدع عنك القيل والقال الذى قرره اهل المرآء والجدال فمنه ان قوله فى يوم بيان لغابةارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على منهاج التمثيل والتخييل والمعنى من الارتفاع بحيث لو قدر قطعها فى ذلك لكان ذلك الزمان مقدار خمسين الف سنة من ستى الدنيا انتهى وفيه ان كونه محمولا على التمثيل انما يظهر اذا فسرت المعارج بغير السموات وهو خلاف المقصود ومنه ان معناه تعرج الملائكة والروح الى عرشه فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة اى يقطعون فى يوم من ايام الدنيا ما يقطعهه الاسنان فى خمسين الف سنة لو فرض ذلك القطع وذلك لغاية سرعتم وقوتهم على الطيران وبالفارسية اكر يكى ازبنى آدم خواهدكه سير كنداز دنيا تا آنجا كه محل امر ملائكه است وايشان بيكروز ميررند او بدين مقادر سال تواند رفت انتهى. وفيه ان سير الملائكة لحظى فيصلون من أعلى الاوج الى اسفل الحضيض فى آن واحد فتقدير سيرهم باليوم المعلوم فى العرف غير واضح ومنه ان اليوم فى الآية عبارة عن اول ايام الدنيا الى انقضائها وانها خمسون ألف سنة لا يدرى احدكم مضى وكم بقى الا اللّه تعالى انتهى وفيه ان ايام الدنيا تزيد على ذلك زيادة بينة كما لا يخفى على اهل الاخيار وعندى انها ثلاثمائة وستون ألف سنة بمقدار ايام السنة دل عليه قوله ان عمر الانسان جامعة من جمع الأخرة وقد سلفناه فى موضعه ومنه ان المراد باليوم هو يوم من ايام الدنيا يعرج فيه الامر من منتهى اسفل الارضين الى منتهى اعلى السموات ومقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة واما اليوم الذى مقداره ألف سنة كما فى سورة الم السجدة فباعتبار نزول الامر من السماء الى الارض وباعتبار عروجه من الارض الى اسماء فللنزول خمسمائة وكذا للصعود والمجموع ألف وفيه انه زاد فى الطنبور نغمة اخرى حيث اعتبر العروج من اسفل الارضين ليطول المسافة وظاهر انه لا يتم المقصود بذلك ومنه ان المراد تصعد الحفظة باعمال بنى آدم كل يوم الى محلى قربته وكرامته وهو السماء فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سنى الدنيا لو صعد فيه غير الملك لان الملك يصعد من منتهى امرا لله من اسفل السفل الى منتهى امره من فوق السماء السابعة فى يوم واحد ولو صعد فيه بنوا آدم لصعدوا فى خمسين ألف سنة انتهى وفيه ما فى السابق من تقدير اليوم فى حق الملائكة مع ان قصر الصعود على الصعود بمجرد العمل قصور لانه شان الملائكة الحافظين والآية مطلقة عامة لهم ولغيرهم من المدبرات ومنه ان قوله فى يوم متعلق بواقع على أن يكون المراد به يوم القيامة والمعنى يقع العذاب فى يوم طويل مقداره خمسون الف سنة من سنى الدنيا فتكون جملة قوله تعرج الملائكة معترضة بين الظرف ومتعلقه انتهى وفيه انه من ضيق العطن لانه لا مانع من ارادة يوم القيامة على تقدير تعلقه بتعرج ايضا على ما عرف من تقديرنا السابق فان قلت لما ذا وصف اللّه ذاته فى مثل هذا المقام بذى المعارج قلت للتنبيه على ان عروج الملائكة على مصاعد الافلاك ونزولهم منها انما هو للامر الالهى كما قال تعالى يتنزل الامر بينهن ومن امره ايصال اللطف الى اوليائه وارسال القهر على اعدآئه ففيه تحذيرللكفار من عقوبة السماء النازلة بواسطة الملائكة كما وقعت للامم الماضية المكذبة وزجر لهم عما يؤدى الى المحاسبة الطويلة يوم القيامة هذا ما تيسر لى فى هذا المقام والعلم عند اللّه العلام وفى التأويلات النجمية فى ذى المعارج اى يصعد بتعذيب اهل الشهوات واللذات مرتبة فوق امرتبة ومصعدا فوق مصعد منمعرج نفوسهم الى معرج قلوبهم ومنه الى معرج سرهم ومنه الى معرج روحهم يعذبهم فى كل مرتبة عذابا اشد من اول وفى قوله تعالى تعرج الخ اى تعرج الخواطر الروحانية خصوصا خاطر جبريل الروح فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة من ايام اللّه وهى ايام السماء التى تحت حيطة اللّه الاسم الجامع فافهم قال القاشانى ذى المعارج اى المصاعد وهى مراتب الترقى من مقام الطبائع الى مقام المعادن بالاعتدال ثم الى مقام النبات ثم الى الحيوان ثم الى الانسان فى مدارج الانتقالات المترتبة بعضها فوق بعض ثم فى منازل السلوك بالانتباءه واليقظة والتوبة والانابة الى آخر ما أشار اليه اهلا لسلوك من منازل اليقين ومناهل القلب فى مراتب الفناء فى الافعال فى الذات مما لا يحصى كثرة فان له تعالى بازآء كل صفة مصعدا بعد المصاعد المتقدمة على مقام والصفات الى الفناء الفناء فى الصفات تعرج الملائكة من القوى الارضية والسمائية فى وجود الانسان والروح الانسانى الى حضرته الذاتية الجامعة فى القيامة الكبرى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة وهو يوم من ايام اللّه العلى بالذات ذى المعارج العلى وهى الايام الستة السرمدية من ابتدآء الازل الى انتهاء الازل الى انتهاء الابد واما اليوم المقدار بألف سنة فى قوله وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون فهو يوم من ايام الرب المدبر الذى وقت به العذاب وانجاز الوعد فى قوله ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده والتدبير فى قوله يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه فى يوم كان مقدار الف سنة مما تعدون وذلك اليوم الاخير من الاسبوع الذى هو مدة الدنيا المنتهية بنبوة الخاتم صلّى اللّه عليه وسلّم والذى قال فيه ان استقامت امتى فلها يوم وان لم تسبق فلها نصف يوم مع قوله بعثت انا والساعة كهاتين فهذه يوم من ايام الربوبية والتدبير واما اليوم الذى هو من الايام الالوهية فهو مقدار ابتداء الربوبية باسماء اللّه الغير المتناهية التى تندرج معها لا تناهيها فى الاسماء السبعة وهى الحى الالم القادر المريد السميع البصير المتكلم ولكل من هذه السبعة ربوبية مطلقة بالنسبة الى ربوبيات الاسماء المندرجة تحته ومقيده بالنسبة الى ربوبية كل واحد من اخوانه الى انتهائها بالتجلى الذاتى وكما ان هذا اليوم المذكور سبع من ايام الدنيا فمدة الدنيا سبع من ذلك اليوم الالهى الحاصل من ضرب ايام الدنيا فى عدد اسماء الربوبية وهى تسع واربعون سنة وآخرة اول الخمسين الذى هو يوم واحد من ايام اللّه وهو يوم القيامة الكبرى. ٥ { فاصبر } يا محمد { صبرا جميلا } لا جزع فيه ولا شكوى لغير اللّه فان العذاب يقع فى هذه المدة المتطاولة التى تعرج فيها الملائكة والروح وعن الحسن الصبر الجميل هو المجاملة فى الظاهر وعن ابن بحر انتظار الفرج بلا استعجال وهو متعلق بسأل لان السؤال كان استهزآء وتعنت وتكذيب بالوحى وذلك ما يضجره عليه السلام او كان عن تضجر واستبطاء للنصر والمعونة. ٦ { انهم } اى اهل مكة { يرونه } اى العذاب الواقع اى يزعمونه فى رأيهم { بعيدا } اى يستبعدونه بطريق الاحالة كما كانوا يقولون ائذا متنا وكنا ترابا الآية من يحيى العظام وهى رميم فلذلك يسألون به وسبب استبعادهم عدم علمهم باستحقاقهم اياه يقول المرء لخصمه هذا بعيد رد الوقوعه وامكانه. ٧ { ونراه } اى نعلمه { قريبا } لعلمنا باستحقاقهم اياه بحسب استعدادهم اى هينا فى قدرتنا غير بعيد علينا ولا متعذر فالمراد بالبعد هو البعد من الامكان وبالقرب هو القرب منه وقال سهل رحمه اللّه انهم يرون المقضى عليهم من الموت والبعث والحساب بعيدا لبعد آمالهم ونرا قريبا فان كل كائن قريب والبعيد مالا يكون وفى الحديث ما الدنيا فيما مضى وما بقى الا كثوب شق باثنين وبقى خيط واحد ألا وكان ذلك الخيط قد انقطع قال الشاعر هل الدنيا وما فيها جميعا ... سوى طل يزول مع النهار ما همجو مسافريم درزير درخت ... جون سايه برفت زود بردار درخت ومن عجب الايام انك قاعد ... على الارض فى الدنيا وأنت تسير فسيرك يا هذا كسير سفينة ... بقوم قعود والقلوب تطير ٨ { يوم تكون السماء كالمهل } وهو ههنا خبث الحديد ونحوه مما يذاب على مهل وتدريج او دردى الزيت لسيلانه على مهل لثخانته وعن ابن مسعود كالفضة المذابة فى تلونها او كالقير والقطران فى سوادهما ويوم متعلق بقريبا اى يمكن ولا يتعذر فى ذلك اليوم اى يظهر امكانه والا فنفس الامكان لا اختصاص له بوقت او متعلق بمضمر مؤخرأى يوم تكون السماء كالمهل يكون من الاحوال والاهوال مالا يوصف. ٩ { وتكون الجبال كالعهن } العهن الصوف المصبوغ قال تعالى كالعهن المنفوش وتخصيص العهن لما فيه من اللون كما ذكر فى قوله تعالى فكانت وردة كالدهان والمعنى وتكون الجبال كاصوف المطبوغ ألوانا لاختلاف ألوان الجبال منها جدد بيض وحمر وغرابيب سود فاذا بست وطيرت فى الجو اشبهت العهن المنفوش اذا طيرته الريح قال فى كشف الاسرار اول ما تنغير الجبال تصير رملا مهيلا ثم عنها منفوشا ثم تصير هباء منثورا. ١٠ { ولا يسأل حميم حميما } اى لا يسأل قريب قريبا عن احواله ولا يكلمه لابتلاء كل منهم بما يشغله عن ذلك واذا كان الحال بين الأقارب هكذا فكيف يكون بين الأجانب والتنكير للتعميم. ١١ { يبصرونهم } استئناف كأنه قيل لعله لا يبصره فكيف يسأل عن حاله فقل يبصرونهم والضمير الاول لحميم اول والثانى للثانى وجمع الضميرين لعموم الحميم لكل حميمين لا لحميمين اثنين قال فى تاج المصادر التبصير بينا كردن . والتعريف والايضاح ويعدى الى المفعول الثانى بالباء وقد تحذف الباء وعلى هذا يبصرونهم انتهى يعنى عدى يبصرونهم بالتضعيف الى ثان وقام الاول مقام الفاعل والشائع المتعارف تعديته الى الثانى بجحرف الجر يقال بصرته به وقد يحذف الجار واذا نسبت الفعل للمفعول به حذفت الجار وقلت بصرت زيدا وما فى الآية من هذا القبيل والمعنى يبصر الاحماء الاحماء يعنى بينا كرده شوند ايشان بخويشان خود. فلا يخفون عليهم ولا يمنعهم من التسأول الا تشاغلهم بحال انفسهم وليس فى القيامة مخلوق الا وهو نصب عين صاحبه فيبصر الرجل أباه وأخاه واقرباءه وعشيرته ولكن لايسأله ولا يكلمه لاشتغاله بما هو فيه قال ابن عباس رضى اللّه عنهما يتعارفون ساعة ثم يتنا كرون { يود المجرم } اى يتمنى الكافر وقيل كل مذنب { لو } بمعنى التمنى فهو حكاية لودادتهم { يفتدى } فدادهد. وهو حفظ الانسان عن التائبة بما يبذل عنه { من عذاب يومئذ } اى من العذب الذى ابتلو به يوم اذ كان الامر ما ذكر وهو بكسر الميم لاضافة العذاب اليه وقرئ يومئذ بالفتح على البناء للاضافة الى غير متمكن { ببينه } اصله بنين سقطت نونه بالاضافة وجمعه لان كثرتهم محبوبة مرغوب فيها. ١٢ { وصاحبته } زوجته التى يصاحبها { واخيه } الذى كان ظهيرا له ومعينا والجملة استنئاف لبيان ان اشتغال كل مجرم بنفسه بلغ الى حيث يتمنى أن يفتدى بأقرب الناس اليه واعلقهم بقلبه ويجعله فدآء لنفسه حتى ينجو هو من العذاب فضلا عن أن يهتم بحاله ويسأل عنها كأنه قيل كيف لايسأل مع تمكنه من السؤال فقيل يود الخ. ١٣ { وفصيلته } وهى فى الاصل القطعة المفصولة من الجسد وتطلق على الآباء الأقربين وعلى الاولاد لان الولد يكون مفصولا من الابوين فلما كان الولد مفصولا منهما كانا مفصولين منه ايضا فسمى فصيلة لهذا السبب والمراد بالفصيلة فى الآية هو الآباء الاقربون والعشيرة الادنون لقوله وبينه { التى تؤويه } أوى الى كذا انضم اليه وآواه غيره كما قال تعالى آوى اليه اخاه اى ضمه الى نفسه فمعنى تؤويه تضمه اليها فى النسب او عند الشدآئد فيلوذ بها وبالفارسية وخويشان خودرا كه جاى داده اند اورا دردنيانزد خود يعنى بناكاه وى بود اند. ١٤ { ومن فى الارض جميعا } من الثقلين والخلائق ومن للتغليب { ثم ينجيه } عطف على يفتدى اى يود لو يفتدى ثم ينجيه الافتدآء . وثم لاستبعاد الانجاء يعنى يتمنى لو كان هؤلاء جميعا تحت يده وبذلهم فى فدآء نفسه ثم ينجيه ذلك وهيهات أن ينجيه وفيه اشارة الى مجرم الروح المنصبغ بصبغة النفس فانه يود أن يفتدى من هول عذاب يوم الفراق والاحتجاب مبنى القلب وصفاته وصاحبة نفسه واخى سره وفصيلته اى توابعه وشيعته ومن فى ارض بشريته جميعا من القوى الروحانية والجسمانية ثم ينجيه هذا الافتدآء ولا ينفعه لفساد الاستعداد وفوات الوقت. ١٥ { كلا } ردع للمجرم عن الودادة وتصريح بامتناع انجاء الافتدآء اى لا يكون كما يتمنى فانه بهيئته الظلمانية الحاصلة من الاجرام استحق العذاب فلا ينجو منه وفى الحديث يقول اللّه لأهون اهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما فى الارض من شئ اكنت تفتدى به فيقول نعم فيقول اردت منك اهون من هذا وأنت فى صلب آدم ان لا تشرك بى وعن القرطبى ان كلا يكون بمعنى الردع وبمعنى حقا وكلا الوجهين جائز ان هنا فعلى الثانى يكون تمام الكلام ينجيه فيوقف عليه ويكون كلا من الجملة الثانية التى تليه والمحققون على الاول ومن ذلك وضع السجاوندى علامة الوقف المطلق على كلا { انها } اى النار المدلول عليها بذكر العذاب والمراد جهنم { لظى } وهو علم للنار وللدرك الثانى منها منقول من اللظى بمعنى اللهب الخالص الى لا يخالطه دخان فيكون فىغاية الاحراق لقوة حرارته النارية بالصفاء وهو خبر ان بمعنى مسماة بهذا الاسم ويجوز أن يراد اللهب الخاصل على الاصل فيكون خبرا بلا تأويل ( كما قال الكاشفى ) بدرستى كه آتش دوزخ كه مجرم ازوفدا دهد زبانه ايست خالص ( وفى كشف الاسرار ) آن آتشى است زبانه زن. ١٦ { نزاعة للشوى } نزع الشئ جذبه من مقره وقلعه والشوى الاطراف اى الاعضاء التى ليست بمقتل كالايدى والارجل ونزاعة على الاختصاص للتهويل اى اعنى بلظى جذابة للاعضاء الواقعة فى اطراف الجسد وقلاعة لها بقوة الاحراق لشدة الحرارة ثم تعود كما كانت وهكذا ابدا والشوى جمع شواة وهى جلدة الرأس يعنى ان النار تنزع جلود الرأس وتقشر ما عنه وذلك لانهم كانوا يسعون بالاطراف للاذى والجفاء ويصرفون عن الحق الاعضاء الرئيسة التى تشتمل عليها الرأس خصوصا العقل الذى كانوا لا يعقلون به فى الرأس. ١٧ { تدعو من ادبر } اى عن الحق ومعرفته وهو مقابل اقبل ومعنى تدعو تجذب الى نفسها وتحضر فهو مجاز عن احضارهم كأنها تدعوهم فتحضرهم ( قال الكاشفى ) زبانه ميزند وكافر رابخود ميكشد ازصدساله ودويست ساله راه جنانجه مقناطيس آهن راجذب ميكند. وتقول لهم الى الى يا كافر ويا منافق ويا زنديق فانى مستقرك او تدعو الكافرين والمنافقين بلفظ فصيح باسمائهم ثم تلتقطهم كالتقاط الطير الحب ويجوز ان يخلق اللّه فيها كلاما كام يخلقه فى جلودهم وايديهم وارجلهم وكما خلقه فى الشجرة او تدعو زبانيتها على حذف المضاف او على الاسناد المجازى حيث اسند فعل الداعى الى المدعو اليه { وتولى } اى اعرض عن الطاعة لان من اعرض يولى وجهه وفى التأويلات النجمية من ادبر عن التوجه الى الحق بموافقات الشريعة ومخالفات الطبيعة وتولى عن الاقبال على الآخرة والادبار عن الدنيا وقال القاشانى بمناسبة نفسه للجحيم انجر اليها اذ الجنس الى الجنس يميل ولظى نار الطبيعة السفلية ما استدعيت الا المدبر عن الحق المعرض عن جناب القدس وعالم النور المقبل بوجه الى معدن الظلمة المؤثر لمحبة الجواهر الفانية السفلية المظلمة فانجذب بطبعه الى مواد النيران الطبيعية واستدعته وجذبته الى نفسها للجنسية فاحترق بنارها الروحانية المستولية على الافئدة فكيف يمكن الانجاء منها وقد طلبها بداعى الطبع ودعاها بلسان الاستعداد. ١٨ { وجمع } المال حرصا وحبا للدنيا { فأوعى } فجعله فى وعاء وكنزه ولم يؤد زكاته وحقوقه الواجبة فيه وتشاغل به عن الدين وتكبر باقتنائه وذلك لطول امله وانعدام شفقته على عباد اللّه والا ما ادخر بل بذل وفى جمع الجمع ومع الادبار والتولى تنبيه على قباحة البخل وخساسة البخيل وعلى انه لا يليق بالمؤمن وفى الخبر بجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه يذبح بين يدى اللّه وهو بالفارسية بره . فيقول له اعطيتك وخولتك وانعمت عليك فما صنعت فيقول رب جمعته وصمرته وتركته اكثر ما كان فارجعنى آنك به كله فاذا هو عبد لم يقدم خيرا فيمضى به الى النار وفى الخبر بصق عليه السلام يوما فى كفه ووضع عليها اصبعه فقال ( يقول اللّه لابن آدم تعجزنى وقد خلقتك من مثل هذه حتى اذا سويتك وعدلتك ومشيت بين بردين وللارض منك ) وئيد يعنى زمين را ازتو آواز شديد بود. فجمعت ومنعت حتى اذا بلغت التراقى قلت اتصدق وأنى لو ان الصدقة وفى التأويلات النجمية جمع الكمالات الانسانية من الاخلاق الروحانية والاوصاف الرحمانية ولم ينفق على الطلاب الصادقين العاشقين والمحبين المشتاقين بطريق الارشاد والتعليم والتسليك. ١٩ { ان الانسان } اى جنس الانسان { خلق } حال كونه {هلوعا } مبالغة هالع من الهلع وهو سرعة الجزع عند مس المكروه بحيث لا ستمسك وسرعة المنع عند مس الخير يقال ناقة هلواع سريعة السير وهو من باب علم وقد فسره احسن تفسير على ما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قوله تعالى ٢٠ { اذا } ظرف لجزوعا { مسه الشر } اى اصابه ووصل اليه الفقر او المرض او نحوهما { جزوعا } مبالغة فى الجزع مكثرا منه لجهله بالقدر وهو ضد الصبر وقال ابن عطاء الهلوع الذى عند الموجود يرضى وعند المفقود يسخط وفى الحديث شر ما اعطى ابن آدم شح هالع وجبن خالع فالهالع المحزن يعنى اند وهكين كننده . والخالع الذى يخلع قلبه قال بعض العارفين انما كرهت نفوس الخلق المرض لانه شاغل لهم ادآء ما كلفوا به من حقوق اللّه تعالى اذ الروح اليحوانى حين يحس بالألم يغيب عن تدبير الجسد الذى يقوم بالتكليف وانما لم تكره نفوس العارفين الموت لما فيه من لقاه اللّه تعالى فهو نعمة ومنه ولذلك ما خير نبى فى الموت الا اختار. ٢١ { واذا } ظرف لموعا { مسه الخير } اى السعة او غيرهما { منوعا } مبالغا فى المنع والامساك لجهله بالقسمة وثواب الفضل وللصحة مدخل فى الشح فان الغنى قد يعطى فى المرض مالا يعطيه فى الصحة ولذا كانت الصدقة كالصحة افضل . ودرلباب ازمقاتل نقل ميكندكه هلوع جانوريست دربس كوه قاف كه هروز هفت صحرا ازكياء خالى ميكند يعنى همه حشايش آنرامى خورد وآب هفت دريا مى آشامد ودر كرما وسرما صبر ندارند وهرشب درانديشه آنست كه فردا جه خواهد خورد بس حق سبحانه وتعالى آدمى را دربى صبرى وانديشه روزى بدين دابه تشببه ميكند جانور براكه بجز آدميست ... معده جو برشد سبب بى غميست آدميست آنكه نه سيرى برد ... برسر سيرى غم روزى خورد خورد همه عمر جه بيش وجه كم ... روزئ هرروزه زخوان كرم وزره حرص واملش همجنان ... هيج غمى نيست بجز فكرنان والاوصاف الثلاثة وهى هلوعا وجزوعا ومنوعا احوال مقدرة لان المراد بها ما يتعلق به الذم والعقاب وهو ما يدخل تحت التكليف والاختيار وذلك بعد البلوغ او محققة لانها طبائع جبل الانسان عليها كما قال المنبى الظلم من شيم النفوس فان تجد . ذا عقة فلعلة لا يظلم . ولا يلزم ان لا نفارقه بالمعالجات المذكورة فى كتب الاخلاق فانها كبرودة الماء ليست من اللاوزم المهيئة للوجود بل انما حصولها في بوضع اللّه تعالى وخلقه وهو يزيلها ايضا بالاسباب التى سببها اذا أراد فان قيل فيلزم ان يكون له هلع حين كان فى المهد صبيا قلنا نعم ولا محذور الا يرى انه كيف يسرع الى الثدى ويحرص على الرضاع ويبكى عند مس الألم ويمنع بما وسعه اذا تمسك بشئ فزوحم فيه قال الراغب فان قيل ما الحكمة فى خلق الانسان على مساوى الاخلاق قلنا الحكمة فى خلق الشهوة ان يمانع نفسه اذا نازعته نحوها ويحارب شيطانه عند تزيينه المعصية فيستحق من اللّه مثوبة وجنة انتهى يعنى كما انه ركب فيه الشهوة ركب فيه العقل الرادع وحصلت الدلالة الى الصراط السوى من الشارع قال بعض العارفين الشح فى الناسن امر جبلى لا يمكن زواله ولكن يتعطل بعناية اللّه تعالى استعماله لا غير فلذلك قال ومن يوق شح نفسه فأثبت الشح فى النفس الا ان العبد يوقاه بفضل اللّه وبرحمته وقال ان الانسان خلق هلوعا الخ واصل ذلك كله ان الانسان استفاد وجوده من اللّه فهو مفطور على الاستفادة لاعلى افادة فلا عطيه حقيقته ان يتصدق او يعطى احدا شيأ ولذلك ورد الصدقة برهان يعنى دليل ان هذا الانسان وقى بها شح النفس. يقول الفقير وعليه المزاح المعروف وهو أن بعض العلماء وقع فى الماء فكاد يغرق فقال له بعض الحاضرين يا سلطانى ناولنى يدك فقيل لا تقل هكذا فانه اعتاد الاخذ لا الاعطاء بل قل خذ بيدى وقال بعضهم الغضب والشره والحرص والجبن والبخل والسحد وصف جبلى فى لانسان والجان وما كان من الجبلة فمحال ان يزول الا بانعدام الذات الموصوفة به ولهذا عين الشارع صلّى اللّه عليه وسلّم لهذه الامور مصارف فقال لا حسد الا فى اثنتين وامر بالغضب لله لا حمية جاهلية وقال ولا ثقل لهما اف ثم مدح من قال اف لكم ولما تعبدون من دون اللّه وقال ولا تخافوهم ثم قال وخافون فالكل يستعملون هذه الصفات استعمالا محمودا وكثير من الفقرآء يظنون زوال هذه الصفات منهم حين يعطل اللّه استعمالها فيهم وليس كذلك. يقول الفقير ومنه يعلم صحة قول من قال ان النفس لامارة بالسوء وان كانت نفس الانبياء على ما اسلفناه فى سورة يوسف والحاصل ان اصول الصفات باقية فى الكل لبقاء المحاربة مع النفس اذا لا يحصل الترقى الا بالمحاربة والترقى مستمر الى الموت فكذا المحاربة المبنية على بقاء اصول السفات فأصل النفس امارة لكن لا يظهر اثرها فى الكاملين كما يظهر فى الناقصين فاعلم ذلك قال القاشانى ان النفس بطبعها معدن الشر ومأوى الرجس لكونها من عالم الظلمات فمن مال اليها بقلبه واستولى عليه مقتضى جبلته وخلقته ناسب الامور السفلية واتصف بالرذآئل التى اردأها الجبن والبخل المشار اليهما بقوله واذا مسه الشر الخ لمحبة البدن ما يلائمه وتسببه فى شهواه ولذاته وانما كانا اردأ لجاذبهما القلب الى اسفل مراتب الوجود وفى التأويلات النجمية يشير الى هلع الانسان المستعد لقبول الفيض الالهى ساعة فساعة ولحظة فلحظة وعدم صبره عن بلوغه الى الكمال فانه لا يزال فى طريق السلوك يتعلق باسم من الاسماء الالهية ويتحقق به ويتخلق ثم يتوجه الى اسم آخر الى ان يستوفى سلوك جميع الاسماء اذا مسه الشر الفترة الواقعة فى الطريق يجزع ويضطب ويتقلقل ولا يعلم ان هذه الفترة الواقعة فى طريقه سبب لسرعة سلوكه وموجب لقوة سيره وطيرانه واذا مسه الخير من المواهب الذاتية والعطايا الاسمائية يمنع من مستحقيه ويبخل على طالبيه. ٢٢ { الا المصلين } استثناء من الانسان لانه فى معنى الجمع للجنس وهذا الاستثناء باعتبار الاستمرار أى ان المطبوعين على الصفات الرذيلة مستمرون عليها الا المصلين فانهم بدلو تلك الطبائع واتصفوا باضدادها. ٢٣ { الذين هم } تقديم هم يقيد تقوية الحكم وتقريره فى ذهن السامع كما فى قولك هو يعطى الجزيل قصدا الى تحقيق انه يفعل اعطاء الجزيل { على صلاتهم دائمون } لا يشغلهم عنها شاغل فيواظبون على ادآئها كما روى عن النبى عليه السلام انه قال ( افضل العمل اودمه ) وان قل وقالت عائشة رضى اللّه عنها كان عمله ديمة قدم الصلاة على سائر الخصال لقوله عليه السلام ( اول ما افترض اللّه على امتى الصلوات الخمس واول ما يرفع من اعمالها الصلوات واول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فان صلحت فقد افلح وانجح وان فسدت فقد خاب وخسر وانها آخر ما يجب عليه رعايته فانه يؤخر الصوم فى المرض دون الصلاة ) الا ان لا يقدرعلى التميم والايماء ولذا ختم اللّه الخصال بها كما قال والذين هم على صلاتهم يحافظون وكان آخر ما اوصى به عليه السلام الصلاة وما ملكت ايمانكم وفى الآية اشارة الى صلاة النفس وهى التزكية عن المخالفات الشرعية وصلاة القلب وهى التصفية عن الميل الى الدنيا وشهواتها وزخارفها وصلاة السر وهى التخلية عن الركون الى المقامات العلية والمراتب السنية وصلاة الروح وهى بالمكاشفات الربانية والمشاهدات الرحمانية والمعاينات الحقانية وصلاة الخفى وهى بالفناء فى الحق والبقاء به فالكمل يداومون على هذه الصلوات. ٢٤ { والذين } اى والا الذين { فى امولهم حق معلوم } اى نصيب معين يستوجبونه على انفسهم تقربا الى اللّه تعالى واشفاقا على الناس من الزكاة المفروضة الموظفة. ٢٥ { للسائل } اى للذى يسأل ومن كان له قوت يوم لا يحل له السؤال واما حكم الدافع له عالما بحاله فكان القياس ان يأثم لانه اعانة على الحرام لكنه يجعله هبة ولا اثم فى الهية للغنى وله ان يرده برد جميل مثل ان يقول آتاكم اللّه من فضله { والمحروم } الذى لا يسأل اما حياء او توكلا فيظن انه غنى فيحرم وفيه اشارة الى احوال الحقائق والمعارف الحاصلة من راس مال الاعمال الصالحة والاحوال الصادقة ففيها حق معلوم للسائل وهو المستعد للسلوك والاجتهاد فينبغى ان يفيض عليه ويرشده الى طلب الحق والمحروم هو المرمى الساقط على ارض العجز بسبب الاهل والعيال والاشتغال باسبابهم فيسليهم ويطيب قلوبهم برحمة اللّه وغفرانه ويفيض عليهم من بركات انفاسه الشريفة لئئا يحرم من كرم اللّه وفيضه. ٢٦ { والذين يصدقون بيوم الدين } اى باعمالهم حيث يتعبون انفسهم فى الطاعات البدنية والمالية طمعا فى المثوبة الاخروية بحيث يستدل بذلك على تصديقهم بيوم الجزآء فمجرد التصديق بالجنان واللسان وان كان ينجى من الخلود فى النار لكن لا يؤدى الى ان يكون صاحبه مستثنى من المطبوعين بالاحوال المذكورة قال القاشانى والذين يصدقون من اهل اليقين البرهانى او الاعتقاد الايمانى باحوال الآخرة والمعاد وهم ارباب القلوب المتوسطون. ٢٧ { والذين هم من عذاب ربهم مشفقون } خائفون على انفسهم مع مالهم من الاعمال الفاضلة استقصارا لها واستعظاما لجنابه تعالى ( قال الكاشفى ) وعلامت ترس الهى اجتناب از ملاهى ومناهيست. وقال الحسن يشفق المؤمن ان لا تقبل حسناته وتقديم من يحسن ان يكون للحصر امتثالا لأمره تعالى فارهبون مع جواز أن يكون للتقوية. ٢٨ { ان عذاب ربهم غير مأمون } كه عذاب خداوند ايشان نه آنست كه ازان ايمن باشند . وهو اعتراضمؤذن بانه لا ينبغى لاحد أن يأمن عذابه تعالى وان بالغ فى الطاعة والاجتهاد بل يكون بين الخوف والرجاء لانه لا يعلم احد عافيته قال القاشانى والذين هم الخ اى اهل الخوف من المبتدين فى مقام النفس السائرين عنه بنور القلب لا لوافقين معه او المشفقين من عذاب الرحمان والحجاب فى مقام القلب من السالكين او فى مقام الشاهدة من التوين فانه لا يؤمن الاحتجاب ما بقيت بقية كما قال ان عذاب ربهم غير مأمون ومن العذاب اعجاب المرء بنفسه فانه من الموبقات الموقعات فى عذاب نار الجحيم العقاب نسأل اللّه العافية. ٢٩ { والذين هم لفروجهم } فرج الرجل والمرأة سوءآتهما اى قبلهما عبر به به عنها رعاية للأدب فى الكلام وأدب المرء خير من ذهبه والجار متعلق بقوله { حافظون } من الزنى متعففون عن مباشرة الحرام فان حفظ الفرج كناية عن العفة. ٣٠ { الا على } بمعنى من كما فى كتب النحو { ازوجهم } نسائهم المنكوحات { او ما ملكت ايمانهم } من الجوارى فى اوقات حلها كالطهر من الحيض والنفاس ومضى مدة الاستبرآء عبر عنهن بما اجرآء لهن لمملوكيتهن مجرى غير العقلاء او لانوثتهن المنبئة عن القصور وايراد ما ملكت الايمان يدل على المراد من الحافظين هنا الذكور وان كان الحفظ لازما للاناث ايضا بل اشد لانه لازم عليهن على عبيدهن وان كانوا مما ملكت ايمانهن ترجيحا لجانب الذكور فى صيانة عرضهم { فانهم } اى الحافظين { غير ملومين } على عدم حفظها منهن اى غير معيوبين شرعا فلا يؤاخذون بذلك فى الدنيا والآخرة وبالفارسية بجاى سرزنش نيستند. وفيه اشعار بأن من لم يحفظ تكفيه ملامة اللائمين فكيف العذاب. ٣١ { فمن ابتغى } بس هركه طلب كندبراى نفس خود { ورآء ذلك } الذى ذكر وهو الاستمتاع بالنكاح وملك اليمين وحد النكاح اربع من الحرآئر ولاحد الملك اليمين { فاولئك } المبتغون { هم لعادون } المتعدون لحدود اللّه الكاملون فى العدوان المتناهون لانه من عداء عليه اذا تجاوز الحد فى الظلم ودخل فيه حرمة وطئ الذكران والبهائم والزنى وقيل يدخل فيه الاستمناء ايضا ( روى ) ان العرب كانوا يستمنون فى الاسفار فنزلت الآية وفى الحديث ومن لم يستطع اى التزوج فعليه بالصوم استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه عليه السلام ارشد عند العجز عن التزوج الى الصوم الذى يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان ا لارشاد اليه اسهل وقد أباح الاستمناه طائفة من العلماء وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لاجل تسكين الشهوة جائز وفى رواية الخلاصة الصائم اذا عالج ذكره حتى امنى يحب عليه القضاء ولا كفارة عليه ولا يحل هذا الفعل خارج رمضان ان قصد قضاء الشهوة وان قصد تشكين شهوته ارجو أن لا يكون عليه وبال وفى بعض حواشى البخارى والاستمناء باليد حرام بالكتاب والسنة قال اللّه تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الى قوله فاولئك هم العدون اى الضالون المتجاوزون من الحلال الى الحرام قال البغوى الآية دليلعلى ان استمناء باليد حرام قال ابن جريج سألت ابن عطاء عنه فقال سمعت ان قوما يحشرون حبللى واظنهم هؤلاء وعن سعيد بن جبير عذاب اللّه امة كانوا يعبثون بمذاكيرهم والواجب على فاعله التعزيز كما قال بعضهم نعم يباح عند أبى حنيفة واحمد اذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستمناء بيد امرأته وجاريته لكن قال القاضى حسين مع الكراهة لانه معنى العزل وفى التاتار خانية قال أبو حنيفة احسبه ان يتجور رأسا برأس. يقول الفقير من اضطر الى تسكين شهوته فعليه ان يدق ذكره بحجر كما فعله بعض الصلحاء المتقين حين التوقان صيانة لنفسه عن الزنى ونحوه والحق احق ان يتبع وهو العمل بالارشاد النبوى الذى هو الصوم فان اضطر فالعمل بما ذكرناه اولى واقرب من افعال اهل الورع والتقوى. ٣٢ { والذين هم لاماناتهم وعهدم راعون } لا يخلون بشئ من حقوقها والامانة اسم لجنس ما يؤتمن عليه الانسان سوآء من جهة البارى تعالى وهى امانات الدين التى هى الشرآئع والاحكام او من جهة الخلق وهى الودآئع ونحوها والجمع بالنظر الى اختلاف الانواع وكذا العهد شامل لعهد اللّه وعهد الناس وهو ما عقده الانسان على نفسه لله او لعباده وهو يضاف الى المعاهد والمعاهد فيجوز هنا الاضافة الى الفاعل والمفعول وقال الجنيد قدس سره الامانة المحافظة على الجوارح والعهد حفظ القلب مع اللّه على التوحيد والرعاية القيام على الشئ بحفظه واصلاحه وقد جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخيانة عند ائتمان والكذب عند التحديث والغدر عند المعاهدة والفجوز عند المخاصمة من خصال المنافق. اكرمى بايد ازآتش امانت ... فرومكذار قانون امانت بهر عهدى كه مى بندى وفاكن ... رسوم حق كزارى را اردا كن قال بعض الكبار كل من اتصف بالامانة وكتم الاسرار سمع كلام الموتى وعذابهم ونعيمهم كما سمعت البهائم عذاب اهل القبور لعدم النطق وكذلك يسمع من اتصف بالامانة كلام اعضائه له فى دار الدنيا لانها حية ناطقة ولذلك تستشهد يوم القيامة فتشهد ولا يشهد الا عدل مرضى بلا شك وفى التأويلات النجمية يشير الى الامانة المعروضة على السموات والارض والجبال وهى كمال المظهرية وتمام المضاهاة الالهية والى عهد ميثاق ألست بربكم قالوا بلى ورعاية ذلك العهد أن لا يخالفة بالمخالفات الشرعية والموفقات الطبيعية وقال بعضهم والذين هم لآمانتهم التى استودعوها بحسب الفطرة من المعارف العقلية وعهدهم الذى اخذ اللّه ميثاقه منهم فى لازل راعون بأن لم يدنسوا الفطرة بالغواشى الطبيعية والاهوآء النفسانية. ٣٣ { والذين هم بشهاداتهم } الباء متعلق بقوله { قائمون } سوآء كانت للتعدية ام للملابسة والجمع باعتبار انواع الشهادة اى مقيمون لها بالعدل ومؤدونها فى وقتها احياء لحقوق الناس فالمراد بالقيام بالشهادة ادآؤها عند الاحكام على من كانت هى عليه من قريب او بعيد شريف او وضيع قال عليه السلام اذا علمت مثل الشمس فاشهد والا فدع وتخصيصها بالذكر مع اندرجها فى الامانات لابانة فضلها لان فى اقامتها احياء الحقوق وتصحيحها وفى كتمها وتركها تضييعها وابطالها وفى الاشباه اذا كان الحق يقوم بغيرها او كان القاضى فاسقا او كان يعلم انها لا تقبل جاز الكتمان وفى فتح الرحمن تحمل الشهادة فرض كفاية وادآؤها اذا تعين فرض عين ولا يحل خذ اجرة عليها بالاتفاق فاذا طلبه المدعى وكان قريبا من القاضى لزمه المشى اليه وان كان بعيد اكثر من نصف يوم لا يأثم بتخفه لانه يلحقه الضرر وان كان الشاهد يقدر على المشى فأركبه المدعى من عنده لا تقبل شهادته وان كان لا يقدر فأركبه لا بأس به ويقتصر فىلمسلم على ظاهر عدالته عند أبى حنيفة رحمه اللّه الا فى الحدود والقصاص فان طعن الخصم فيه سأل عنه وقال صاحباه يسأل عنهم فى جميع الحقوق سرا وعلانية وعليه الفتوى وجعل بعضه شهادة التوحيد داخلة فيها كما قال سهل رحمه اللّه قائمون بحفظ ما شهدوا به من شهادة أن لا اله الا اللّه فلا يشركون به فى شئ من الافعال والاقوال وقال القاشانى فى الآية اى يعملون بمقتضى شاهدهم من العلم فكل ما شهدوه قاموا بحكمه وصدروا عن حكم شاهدهم لا غير. ٣٤ { والذين هم على صلاتهم يحافظون } تقديم على صلاتهم يفيد الاختصاص الدال على ان محافظتهم مقصورة على صلاتهم لا تتجاوز الى امور دنياهم اى يراعون شرآئطها ويكملون فرآئضها وسننها ومستحباتها وآدابها ويحفظونها من الاحباط باقتران الذنوب فالدوام المذكور او لا يرجع الى انفس الصلوات والمحافظة على احوالها وفى المفردات فيه تنبيه على انهم يحفظون الصلاة بمراعاة اوقاتها واركانها والقيام بها فى غاية ما يكون منالطوق فان الصلاة تحفظهم بالحفظ الذى نبه عليه فى قوله ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وفى الحديث من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابى بن خلف وهو الذى ضربه النبى عليه السلام فى غزوة أحد برمح فى عنقه فمات منه فى طريق مكة وكان اشد واطغى من أبى جهل دل عليه كونه مقتولا بيد النبى عليه السلام ولم يقتل عليه السلام بيده غيره وبعض العلماء جعل المحافظة شاملة للادامة على ما هو الظاهر من قوله تعالى حافظوا على الصلوات فيكون من قبيل التعميم بعد التخصيص لتتميم الفائدة وللاشعار بأن الصلاة اول ما يجب على العبد ادآؤه بعد الايمان وآخر ما يجب عليه رعايته بعده كما سبق. وكفتم انددوام تعلق بفرائض دارد ومحافظت بنوافل . والحاصل ان فى تكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها اولا وآخرا باعتبارين للدلالة على فضلها واناقتها على سائر الطاعات وتكرير الموصولات التنزيل اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات ايذانا بأن كل واحدة من تلك الصفات حقيق بأن يفرد لها موصوف مستقل لشأنها لاخطير ولا يجعل شئ منها تتمة للاخرى قال بعضهم دلت هذه الآية على ان التغاير المفهوم من العطف ليس بذاتى بل هو اعتبارى اذا لا يخفى انه ليس المراد من الدآئمين طائفة والمحافظين اخرى فالمقصود مدح المؤمنين بما كانوا عليه فى عهد رسول اللّه من الاخلاص الحسنة والاعمال المرضية ففيه ترغيب لمن يجيئ منهم الى يوم القيامة وترهيب عن المخالفة قال فى بهان القرآءن قوله الا المصلين عد عقيب ذكرهم الخصال المذكورة اول سورة المؤمنين وزاد فى هذه السور والذين هم بشهاداتهم قائمون لانه وقع عقيب قوله والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون واقامة الشهادة امانة يؤديها اذا احتاج اليها صاحبها الاحياء حق فهى اذا من جملة الامانة فى سورة المؤمنين وخصت هذه السور بزيادة بيانها كما خصت باعادة ذكر الصلاة حيث يقول اوالذين هم على صلاتهم يحافظون بعد قوله الا المصلين الذى هم على صلاتهم دآئمون انتهى هو قال القاشانى والذين هم على صلاة القلب وهى المراقبة يحافظون او صلاة النفس على الظاهر وفى فتح الرحمن واتفق القرآ على الافراد فى صلاتهم هنا وفىلانعام بخلاف الحرف المتقدم فى المؤمنين لانه لم يكتنفها فيهما ما كتفها فى المؤمنين قبل وبعد من عظيم الوصف المتقدم وتعظيم الجزآء فى المتأخر فناسب لفظ الجمع ولذلك قرأ به اكثر لقرآء ولم يكون ذلك فى غيرها فناسب الافراد. ٣٥ { اولئك } المصوفون بما ذكر من الصفات الفاضلة { فى جنات } اى مستقرون فى جنات لا يقادر قدرها ولا يدرك كنهها { مكرمون } بالثواب الابدى والجزآء السرمدى اى سيكونون كذلك فكأن الا كرام فيها واقع لهم الآن وهو خبر آخر أو هو الخبر وفى جنات متعلق به قدم عليه لمراعاة الفواصل او بمضمر هو حال من الضمير فى الخبر أى مكرمون كائنيين فى جنات. ٣٦ { فمال الذين } اى فمال بال الذين { كفروا } وحرموا من الاتصاف بالصفات الجليلة المذكورة وما استفهامية للانكار فى موضع رفع بالابتدآء والذين كفروا خبرها واللام الجارة كتبت مفصولة اتباعا لمصحف عثمان رضى اللّه عنه قال فى فتح الرحمن وقت ابو عمرو والكسائى بخلاف عنه على الالف دون اللام من قوله فمال هؤلاء فى النساء ومال هذا الكتاب فى الكهب ومال هذا الرسول فى الفرقان وفمال الذين فى سأل ووقف الباقون فى فمال على اللام اتباعا للخط بخلاف عن الكسائى قال ابن عطية ومنعه قوم جملةلانها حرف جرف فهى بعض المجرور هذا كله بحسب ضرورة وانقطاع نفس واما ان اختار احد الوقف فيما ذكرناه ابتدآء فلا انتهى { قبلك } حال من المنوى فى للذين كفروا اى فمالهم ثابتين حولك { مهطعين } حال من التكن فى قبلك من الاهطاع وهو الاسراع اى مسرعين نحوك مادى اعناقهم اليك مقبلين بابصارهم عليك. ٣٧ { عن اليمين وعن الشمال عزين } الجار متعلق بعزين لانه بمعنى مفترقين وعزين حال بعد حال من المنوى فى للذين اى فرقاشتى وبالفارسية كروه كروه حلقه زدكان. جمع عزة وهى الفرقة من اناس واصلها عزوة من العزو بمعنى الانتماء والانتساب كأن كل فرقة تعتزى الى غير من تعتزى اليه الاخرى اما فى الولادة او فى المظاهرة فهم مفترقون كان المشركون يتحلقون حول رسول اللّه حلقا حلقا وفرقا فرقا ويستهزئون بكلامه ويقولون ان دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزت ٣٨ { أيطمع } الطمع نزوع النفس الى الشئ شهوة له واكثر الطمع من جهة الهوى { كل امرئ } هرمردى { منهم } اى من هؤلاء المهطعين { أن يدخل جنة نعيم } بالايمان اى جنة ليس فيها الا التنعم المحض من غير تكدر وتنغص. ٣٩ { كلا } ردع لهم عن الطمع الفارغ اى اتركوا هذا الطمع واقطعوا مثل هذا الكلام وبالفارسية نه اينجنين است وكافرانرا دربهشت راه نيست آن . قيل كيف يكون الطمع وهم قالون ذلك استهزآء أجيب بأن اللّه عليهم بأحوالهم فلعل منهم من كان يطمع والا فيكون المراد من الردع قطع وهم الضعفاء عن احتمال صدق قولهم لعل وجه ايراد يدخل مجهولا من الادخل دون يدخل معلوما من الدخول مع انه الظاهر فى رد قولهم لندخلنها اشعار بأنه لا يدخل من يدخل الا بادخال اللّه وامره للملائكة به وبأنهم محرومون من شفاعة تكون سببا للدخول وبأن اسناد الدخول اخبارا وأنشاء انما يكون للمرضى عنهم والمكرمين عند اللّه بايمانهم وطاعتهم كقوله تعالى اولئك يدخلون الجنة وقوله ادخلوا الجنة وفى تنكير جنة اشعار بأنهم مردودون من كل جنة وان كانت الجنان كثيرة وفى توصيفها بنعيم اشعار بأن كل جنة مملوءة بالنعمة وان من طرد من راحة النعيم وقع فى كدر الجحيم وفى ايراد كل اشعار بأن من آمن منهم بعد قولهم هذا وأطلع اللّه ورسوله حق له الطمع وتعميم للردع لكل منهم كائنا من كان ممن لم يؤمن { انا خلقناهم مما يعلمون } كما قال ولقد علمتم النشأة الاولى وهو كلام مستأنف ومن ذلك وضع السجاوندى علامة الطاء على كلا لتمام الكلام عنده قد سيق تمهيدا لما بعده من بيان قدرته تعالى على أن يهلكهم لكفرهم بالبعث والجزآء واستهزآءهم برسول اللّه وبما نزل عليه من الوحى وادعائهم دخو الجنة بطريقة السخرية وينشئ بدلهم قوما آخرين فان قدرته تعالى على ما يعلمون من النشاة الاول من حال الطفة ثم العلقة ثم المضغة حجة بينة على قدرته تعالى على ذلك كما تفصح عنه الفاء الفصيحة فى قوله تعالى فلا أقسم وفى التأويلات النجمية انا خلقناهم من الشقاوة الازلية للعداوة الأبدية باليد اليسرى الجلالية القهرية كيف ينزلون مكان من خلقهم من السعادة الأزلية للمحبة الأبدية باليد اليمنى الجالية اللطفية هذا مما يخالف الحكمة الالهية والاردة السرمدية ولا عبرة بالنطفة والطين لاشتراك الكل فيهما وانما العبرة بالاصطفائية والخاصية فى المعرفة فمن عرف اللّه كان فى جوار اللّه لان ترابه من ترات الجنة فى الحقيقة وروحه من نور الملكوت ومن جهله كان فى بعد عنه لانه من عالم النار فى الحقيقة وكل يرجع الى اصله ٤٠ { فلا أقسم } اى أقسم كما سبق نظائره ( وقال الكاشفى ) فلا بس نه جنانست كه كفار ميكويند اقسم سوكند ميخورم { برب المشارق والمغارب } جمع المشارق والمغارب اما لان المراد بهما مشرق كل يوم من السنة ومغربه فيكون لكل من الصيف والشتاء مائة وثمانون مشرقا ومغربا وبالفارسية بآفريدكار مشرقها كه آفتاب دارد وهر روز از نقطه ديكر طلوع مينمايد وبخداوند مغربها كه آفتاب راهست وهرورز بنقطه ديكر غروب ميكند او مشرق كل كوكب ومغربه يعنى مراد مشارق ومغارب نجومست جه هريك ازايشان رامحل شروق وغروب ازدائرة افق نقطه ديكرست. او المراد بالمشرق ظهور دعوة كل نبى وبالمغرب موته أو المراد انواع الهدايات والخذلانات { انا لقادرون } جواب القسم. ٤١ { على أن نبدل خيرا منهم } اى نبدلهم حذف المفعول الاول للعلم به وخيرا مفعوله الثانى بمعنى التفضيل على التسليم اذ لا خير فى المشركين او نهلكهم بالمرة حسبما تقتضيه جناياتهم ونأتى بدلهم بخلق آخرين ليسوا على صفتهم ولم تقع هذا التبديل وانما ذكر اللّه ذلك تهديدا لهم لكى يؤمنوا وقيل بدل اللّه بهم الانصار والمهاجرين { وما نحن بمسبوقين } بمغلوبين أن أردنا ذلك لكن مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة اقتضت تأخير عقوباتهم وبالفارسية يعنى كسى برماييشى نتواند كرفت اكراراده امرى كنيم ومغلوب نتوان ساخت دراظهار آن . وقيل عاجزين لان من سبق الى شئ عجز. ٤٢ { فذرهم } فخلهم وشأنهم { يخوضوا } ويشرعوا فى باطلهم الذى من جملته ما حكى عنهم وهو جواب الامر وهو تهديد لهم وتوبيخ كقوله اعملوا ما شئتم { ويلعبوا } فى الدنيا بالاشتغال بما لا ينفعهم وأنت مشتغل بمأمرت به وهذه الآية منسوخة بالسيف { حتى يلاقوا } من الملاقاة بمعنى المعاينة { يومهم } هو يوم البعث عند النفخة الثانية والاضافة لانه يوم كل الخلق وهم منهم او لان يوم القيامة يوم الكفار من حيث العذاب ويوم المؤمنين من جهة الثواب فكأنه يومان يوم للكافرين ويوم للمؤمنين { الذين يوعدون } الآن او على الاستمرار وهو من الوعد كقولهم متى هذا الوعد ويجوز أن يكون من الايعاد وهو بالفارسية بيم كردن. ٤٣ { يوم يخرجون من الاجداث } بدل من يومهم ولذا حمل على يوم البعث جمع جدث وهو القبر { سراعا } حال من مرفوع يخرجون جمع سريع كظراف جمع ظريف اى مسرعين الى جانب الداعى وصوته وهو اسرافيل ينادى على الصخرة كما سبق { كأنهم الى نصب } حال ثانية من المرفوع وهو كل ما نصب فعبد من دون اللّه وعن ابن عمر رضى اللّه عنهما هو شبكة يقع فيها الصيد فيسارع اليه صاحبه واحد الانصاب كما قال تعالى وما ذبح على النصب وكان للعرب حجارة تبعدها وتذبح عليها وقال الاخفش جمع نصب كرهن ورهن والانصاب جمع الجمع { يوفضون } من الايقاض وهو بالفارسية شتافتن . واصله متعد أى يسرعون أيهم يستمله اولا فيه تهجين لحالهم الجاهلية وتهكم بهم بذكر جهالتهم الى اعتادوها من الاسراع الى مالا يملك نفعا ولا ضرا. ٤٤ { خاشعة ابصارهم } حال من فاعل يوفضون وابصارهم فاعلها على الاسناد المجازى يعنى وصفت ابصارهم بالخشوع مع انه وصف الكل لغاية ظهور آثاره فيها والمعنى ذليلة خاضعة لا يرفعون ما يتوقعون من العذاب { ترهقهم ذلة } هو ايضا حال من فاعل يوفضون اى تغشاهم ذلة شديدة وحقارة عظيمة وهو بالفارسية خوارى ونكونارى { ذلك } اليوم المذكور الذى سيقع فيه الاحوال الهائلة وهو مبتدأ خبره قوله { اليوم الذى كانوا يوعدون } اى يوعدونه فىلدنيا على ألسنة الرسل وهم يكذبون به فاندفع توهم التكرار لان الوعد الاول محمول على الآتى والاستمرارى كما مر وهذا الوعد محمول على الماضى بدلالة لفظ كان وفى الذلة اشارة الى ذلة الأنانية فانهم يوم يخرجون من الاجداث يسارعون الى صور تناسب هيئاتهم الباطنة فيكون أهل الأنانية فى انكر الصور بحيث يقع المسخ على ظاهرهم وباطنهم كما وقع لابليس بقوله أنا خير منه فكما ان ابليس طرد من مقام القرب ورهقته ذلة البعد فكذا من فى حكمه من الانس ولذا كان السلف يبكون دما من الاخلاق السيئة لا سيما ما يشعر بالانانية من آثار التعيين فان التوحيد الحقيقى هو أن يضير العبد فانيا عن نفسه باقيا بربه فاذا لم يحصل هذا فقد بقى فيه بقية من الناسوتية وكل اناء يرشح بما فيه فطوبى لمن ترشح منه الحق لا النفس واللّه أسأل أن يكرمنى به واياكم |
﴿ ٠ ﴾