سُورَةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً ١ { انا أرسلنا نوحا الى قومه } مر سر نون العظمة مرارا والارسال يقابل بالامساك يكون للتسخير كارسال الريح والمطر ببعث من له اختيار نحو ارسال الرسل وبالتخلية وترك المنع نحوانا أرسلنا الشياطين على الكفارين قال قتادة ارسل نوح من جزيرة فذهب اليهم ونوح اسمه عبد الغفار عليه السلام سمى نوحا لكثرة نوحه على نفسه او هو سريانى معناه الساكن لان الارض طهرت من خبث الكفار وسكنت اليه وهو اول من اوتى الشريعة فى قول واول اولى العزم من الرسل على قول الاكثرين واول نذير على الشرك وكان قومه يعبدون الاصنام واول من عذبت امته وهو شيخ المرسلين بعث ابن اربعين سنة او ثلاثمائة وخمسين او اربعمائة وثمانين ولبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان تسعين سنة قال بعض من تصدى للتفسير فيه دلالة على انه لم يرسل الى اهل الارض كلهم لانه تعالى قال الى قومه فلو ارسل الى الكل لقيل الى الخلق او ما يشابهه كما قيل لرسول اللّه وما أرسلناك الا كافة للناس ولقول رسول اللّه كان النبى يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة ثم قال ان قيل فما جريمة غير قومه حتى عممهم فى الدعاء عليهم كما قال لا تذر على الارض من الكافرين ديار افانه فاذا لم يرسل اليهم لم يكن كلهم مخالفا لامره وعاصيا له حتى يستحقوا الدعاء بالاهلاك أجيب بأنه يحتمل انه تحقق ان نفوس كفرة زمانه على سجية واحدة يستحقون بذلك أن يدعى عليهم بالاهلاك ايضا انتهى وفنه نظر لانه قال فى انسان العيون فى قوله عليه السلام وكان كل نبى انما يرسل الى قومه اى جميع اهل زمنه او جماعة منهم خاصة ومن الاول نوح عليه السلام فانه كان مرسلا لجميع من كان فى زمنه من أهل الارض لما اخره بأنه لا يؤمن منهم الا من آمن معه وهم اهل السفينة وكانواعانين اربعين رجلا واربعين امرأة او كانوا اربعمائة كما فى العوارف وقد يقال من الآدميين وغيرهم فلا مخالفة دعا على من عدا من ذكر باستئصال العذاب لهم فكان الطوفان الذى كان به هلاك جميع أهل الارض الا من آمن ولو لم يكن مرسلا اليهم ما دعا عليهم بسبب مخالفتهم له فى عبادة الاصنام لقوله تعالى وما كنا معذبين اى فى الدنيا حتى نبعث رسولا وقولا بعض المفسرين ارسل الى آل قابيل لا ينافى ما ذكر لانه يجوز أن يكون آل قابيل اكثر أهل الارض وقتئذ وقد ثبت ان نوحا عليه السلام اول الرسل اى لمن يعبد الاصنام لان عبادة الاصنام اول ما حدثت فى قومه وارسله اللّه اليهم ينهاهم عن ذلك وحينئذ لا يخالف كون اول الرسل آدم ارسله اللّه الى اولاده بالايمان به تعالى وتعليم شرآئعه فان قلت اذا كانت رسالة نوح عامة لجميع اهل الارض كانت مساوية لرسالة نبينا عليه السلام قلت رسالة نوح عليه السلام عامة لجميع أهل الارض فى زنه ورسالة نبينا محمد عليه السلام عامة لجميع من فى زمنه ومن يوجد بعد زمنه الى يوم القيامة فلا مساواة وحينئذ يسقط السؤال وهو أنه ليم يبق بعد الطوفال الا مؤمن فصارت رسالة نوح عامة ويسقط جواب الحافظ ابن حجر عنه بأن هذا العموم الذى حصل بعد الطوفان لم يكن من أصل بعثه بل طرأ بعد الطوفان بخلاف رسالة نبينا عليه السلام { أن } اى { انذر قومك } خوفهم بالنار على عبادة الاصنام كى ينتهوا عن الشرك ويؤمنوا باللّه وحده فان مفسرة لما فى الارسال من معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية حذف منها لاجار وأوصل اليها الفعل اى بأن أنذرهم وجعلت صلتها امرا كما فى قوله تعالى وأن أقم وجهك لان مدار وصلها بصيغ الافعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والانشائية ووجوب كون الصلة خبرية فى الموصول الاسمى انما هو للتوصل الى وصف المعارف بالجمل وهى لا توصف الا بالجمل استوايا فى صحة الوصل بها فيتجرد عند ذلك كل منهما عن المعنى الخاص بصيغته فيبقى الحدث المجرد عن معنى الامر والنهى والمضى والاستقبال كأنه قيل أرسلناه بالانذار كذا فى الارشاد وقال بعض العارفين الانبياء والاولياء فى درجات القرب على تفاوت فبعضهم يخرج من نور الجلال وبعضهم من نور الجمال وبعضهم من نور العظمة وبعضهم من نور الكبرياء فمن خرج من نور الجمال اورث قومه البسط والانس ومن خرج من نور العظمه اورث قومه الهيبة والجلال وكان نوح مشكاة نور عظمة اللّه ولذلك أرسله الى قومه بالانذار فلما عصوه أخذهم باقهر { من قبل أن يأتيهم } من اللّه تعالى { عذاب أليم } عاجل كالطوفان والغرق او آجل كعذاب لآخرة لئلا يبقى لهم عذر ما اصلا كام قال تعالى لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل والاليم بمعنى المؤلم او المتألم مبالغة والألم جسمانى وروحانى والثانى اشد كأنه قيل فما فعل نوح عليه السلام فقيل ٢ { قال } لهم { يا قوم } اى كروه من واصله يا قومى خاطبهم باظهار الشفقة عليهم وارادة الخير لهم وتطيبا لهم { انى لكم نذير } منذر من عاقبة الكفر والمعاصى وافرد الانذار مع كونه بشيرا ايضا لان الانذار أقوى فى تأثير الدعوة لما ان اكثر الناس يطيعون اولا بالخوف من القهر وثانيا بالطمع فى العطاء واقلهم يطيعون بالمحبة للكمال والجمال. يقال الفقير الظاهر ان الانذار أول الامر كما قال تعالى لنبينا عليه السلام قم فأنذر والتبشير ثانى الامر كما قال تعالى وبشر المؤمنين فالانذار يتعلق بالكافرين والتبشير بالمؤمنين وان امكن تبشير الكفار بشرط الايمان لا فى حال الكفر فانهم فى حال الكفر انما يستحقون التبشير التهكمى كما قال تعالى فبشرهم بعذا أليم { مبين } موضح لحقيقة الامر بلغة تعرفونها او بين الانذار. ٣ { ان اعبدوا اللّه } متعلق بنذير اى بأن اعبدوا اللّه والامر بالعبادة يتناول جميع الواجبات والمندوبات من افعال القلوب والجوارح { واتقوه } يتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات { واطيعوا } يتناول امرهم بطاعته فى جميع المأمورات والمنهيات والاعتقاديات العمليات وفى التأويلات النجمية اى فى اخلاقى وصفاتى وافعالى واعمالى واقوالى واحوالى انتهى وهذا وان كان داخلا فى الامر بعبادة اللّه وتقواه الا انه خصه بالذكر تأكيد فى ذلك التكليف ومبالغة فى تقريره قال بعضهم اصله واطيعونى بالياء ولم يقل واطيعوه بالهاء مع مناسبته لما قبله يعنى اسند الا طاعة الى نفسه لما ان اطاعة الرسول اطاعة اللّه كما قال تعالى من يطع الرسول فقد اطاع اللّه وقال تعالى واطيعوا الرسول فاذا كانوا مأمورين باطاعة الرسول فكان للرسول ان يقول واطيعوا وايضا ان الاجابة كانت تقع له فى الظاهر. ٤ { يغفر لكم } جواب الامر { من ذنوبكم } اى بعض ذنوبكم وهو ما سلف فى الجاهلية فان الاسلام يجب ما قبله لا ما تأخر عن الاسلام فانه يؤآخذ به ولا يكون مغفورا بسبب الايمان ولذلك لم يقل يغر لكم ذنوبكم بطى من التبعيضية فانه يعم مغفرة جميع الذنوب ما تقدم منها وما تأخر وقيل المراد ببعض الذنوب بعض ما سبق على الايمان وهو مالا يتعلق بحقوق العباد { ويؤخركم } بالحفظ من العقوبات المهلكة كالقتل والاغراق والاحراق ونحوها من اسباب الهلاك والاستئصال وكان اعتقادهم ان من اهلك بسبب من هذه الاسباب لم يمت بأجله فخاطبهم على المعقول عندهم فليس يريد أن الايمان يزيد فى آجالهم كذا فى بعض التفاسير { الى اجل مسمى } معين مقدر عند اللّه والاجل المدة المضروبة للشئ قال فى الارشاد وهو الامد الاقصى الذى قدره اللّه لهم بشرط الايمان والطاعية صريح فى ان لهم اجلا آخر لا يجاوزونه ان لم يؤمنوابه وهو المراد بقوله تعالى { ان اجل اللّه } وهو ما قدر لكم على تقدير بقائكم على الكفر وهو الاجل القريب المطلق الغير المبرم بخلاف الاجل المسمى فانه البعيد المبرم واضيف الاجل هنا الى اللّه لانه المقدر والخالق اسبابه واسند الى العبادة فى قوه اذا جاء اجلهم لانهم المبتلون المصابون { اذا جاء } وأنتم على ما أنتم عليه من الكفر { لا يؤخر } فبادروا الى الايمان والطاعة قيل مجيئه حتى لا يتحققى شرطه الذى هو بقاؤكم على الكفر فلا يجيئ ويتحقق شرط التأخير الى الاجل المسمى فتؤخروا اليه فالمحكوم عليه بالتأخير هو الاجل المشروط بشرط الايمان والمحكوم عليه بامتناعه هو الاجل المشروط بشرط البقاء على الكفر فلا تناقض لانعدام وحدة الشرط ويجوز أن يراد به وقت اتيان العذاب المذكور فى قوله تعالى من قبل ان يأتيهم عذاب أليم فانه اجل موقت له حتما { لو كنتم تعلمون } شيأ لسارعتم الى ما امرتكم به او لعلمتم ان الاجل لا تأخير فيه ولا اهمال وفيه اشارة الى انهم ضيعوا اسباب العلم وآلات تحصيله بتوغلهم فى حب الدنيا وطلب لذاتهم حتى بلغوا بذلك الى حيث صاروا كأنهم شاكون فى الموت روزى كه اجل در آيد ازبيش وبست ... شك نيست كه مهلت ندهديك نفست يارى نرسد دران دم از هيج كست ... برباد شود جمله هوا وهوست ٥ { قال } اى نوح مناجيا لربه وحا كياله وهو أعلم بحال ما جرى بينه وبين قومه من القيل والقال فى تلك المدد الطوال بعد ما بذل فى الدعوة غاية المجهود وجاوز فى الانذار كل حد معهود وضاقت عليه الحيل وعيت به العلل { رب } اى بروردكارمن { انى دعوت قومى } الى الايمان والطاعة { ليلا ونهارا } فى الليل والنهار أى دآئما من غير فتور ولا توان فما ظرفان لدعوة أراد بهما لادوام على الدعوة لان الزمان منحصر فيهما وفى كشف الاسرار بشبها درخانهاى ايشان وبروزها در انجمنهاى ايشان . وكان يأتى باب احدهم ليلا فيقرع الباب فيقول صاحب البيت من على الباب فيقول أنا نوح قل لا اله الا اللّه. ٦ { فلم يزدهم دعائى الا فرارا } مما دعوتهم اليه وفى التأويلات النجمية من متابعى ودينى وما أنا عليه من آثار وحيك والفرار بالفارسية كريختن . وهو مفعول ثان لقوله لم يزدهم لانه يتعدى الى مفعولين يقال زاده اللّه خيرا وزيده فزاد وازداد كما فى القاموس واسناد الى الدعاء مع انها فعل اللّه تعالى لسببيته لها والمعنى ان اللّه يزيد الفرار عند الدعوة الصرف المدعو اختياره اليه. ٧ { وانى كلما دعوتهم } اى الى الايمان وفى التأويلات النجمية كلما دعوتهم بلسان الامر مجردا عن انضام الارادة الموجبة لوقوع المأمور فان الامر اذا كان مجردا عن الارادة لا يجب ان يقع المأمور به بخلاف ما اذا كان مقرونا بالارادة فانه لا بد حينئذ من وقوع المأمور به { لتغفر لهم } بسببه { جعلوا اصابعهم فى آذانهم } اى سدوا مسامعهم من استماع الدعوة فالجعل المذكور كناية عن هذا السد ولا مانع من الحمل على حقيقته بأن يدخلوا اصابعهم فى ثقب آذانهم قصدا الى عدم الاستماع { واستغشوا ثيابهم } الاستغشاء جامه بسر در كشيدن. كما فى تاج المصادر مأخوذ من الغشاء وهو الغطاء وفى الاصل اشتمال من فوق ولما كان فيه معنى الستر استعمل بمعناه واصل الاستغشاء طلب الغشى اى الستر لكن معنى الطلب هنا ليس بمقصود بل هو بمعنى التغطى والستر وانما جيئ بصيغته التى هى السين للمبالغة والثياب جمع ثوب سمى به لثوب الغزل اى رجوعه الى الحالة التى قدر لها والمعنى وبالغوا فى التغطى بثيابهم كأنهم طلبوا منها ان تغشاهم اى جميع اجزآء بدنهم آلة الابصار وغيرها لئلا يبصروه كراهة النظر اليه فان المبطل يكره رؤية المحق للتضاد الواقع بينهما وقس عليهما المتكبر والكافر والمبتدع بالنسبة الى المتواضع والمؤمن والسنى اولئلا يعرفهم فيدعوهم. يقال الفقير هذا الثانى ليس بشئ لان دعوته على ما سبق كانت عامة لجميع من فى الارض ذكورهم وناثهم والمعرفة ليست من شرط الدعوة واشتباه الكافر بالمؤمن مدفوع بأن المؤمن كان اقل القليل معلوما على كل حال على ان التغطى من موجبات الدعوة لان بذلك يعلم كونه من اهل الفرار اذ لم يكن فى ذلك الزمان حجاب وقال بعضهم ويجوز ان يكون التغطى مجارا عن عدم ميلهم الى الاستماع والقبول بالكلية لان من هذا شأنه لا يسمع كلامه غيره { وأصروا } اى اكبوا واقاموا على الكفر والمعاصى وفى قول القلوب الاصرار يكون بمعنى ان يعقد بقلبه انه متى قدر على الذنب فعله اولا يعقد الند ولا التوبة منه واكبر الاصرار السعى فى طلب الاوزار ( وفى تاج المصادر ) الاصرار برجيزى باستادن وكوش راست كردن است. يقال اصر الحمال على العانة وهى القطيع من حمر الوحش اذا ضم اذنيه الى رأسه واقبل عليها يكدمها ويطردها استعير للاقبال على الكفر والمعاصى والاكباب عليهما بتشبيه الاقبال الكذور باصرار الحمار على العانة يكدمها ويطردها ولو لم يكن فى ارتكاب المعاصى الا التشبيه بالحمار لكفى به مزجرة فكيف والتشبيه فى اسوء حاله وهو حال الكدم والطرد للسفاد { واستكبروا } تعظموا عن اتباعى وطاعتى واخذتهم العزة فى ذلك { استكبارا } شديدا لانهم قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون قالبعض العارفين من اصر على المعصية اورثته التمادى فى الضلالة حتى يرى قبيح اعماله حسنا فاذا رآه حسنا يتكبر ويعلو بذلك على اولياء اللّه ولا يقبل بعد ذلك نصيحتهم قال سهل قدس سره الاصرار على الذنب يورث النفاق والنفاق يورث الكفر. ٨ { ثم انى دعوتهم } دعوة { جهارا } اى اظهرت لهم الدعوة يعنى آشكارا در محافل ايشان . والجهر ظهور الشئ بافراط لحاسة البصر أو حاسة السمع. ٩ { ثم انى اعلنت لهم واسررت لهم اسرار } اشارة الى ذكر عموم الحالات بعد ذكر عموم الاوقات اى دعوتهم تارة بعد تارة ومرة غب مرة على وجوه متخافة واساليب متقاوتة وثم لتفاوت الوجوه فان الجار اشد من الاسرار والجمع بينهما اغلظ من الافراد والاعلان ضد الاسرار يقال اسررت الى فلان حديثا افضيت به اليه فى خفية اى من غير اطلاع احد عليه وجهرت به اظهرته بحيث اطلع عليه الغير ويجوز ان يكون ثم لتراخى بعض الوجوه عن بعض بحسب الزمان بأن ابتدأ بمناصحتهم ودعوتهم فى السر فعاملوه بالامور الاربعة وهى الجعل والتغطى والاصرار والاستكبار ثم ينى بالمجاهرة بعد ذلك فلما لم يؤثر جمع بين الاعلان والاسرا أى خلط دعاءه بالعلانية بدعاء السر فكما كلمهم جميعا كلمهم واحدا واحدا سرا وقال بعضهم اشكارا كردم مر بعضى ايشانرا يعنى باشكارا آوز برداشتم وباعلاى صوت دعوت كردم وبارز كفتم مر بعضى ديكر از ايشانرا. وفى بعض التفاسير ان نوحا عليه السلام لما آذوه بحيث لا يوصف حتى كانوا يضربونه فى اليوم مرات عيل صبره فسأل اللّه ان يواريه عن ابصارهم بحيث يسمعون كلامه ولا يرونه فينالونه بمكروه ففعل اللّه ذلك به فدعاهم كذلك زمانا فلم يؤمنوا فسأل ان يعيده الى ما كان وهو قوله اعلنت لهم واسررت لهم اسرارا وقال القاشانى ثم انى دعوتهم جهارا اى نزلت عن مقام التوحيد ودعوتهم الى مقام العقل وعالم النور ثم انى اعلنت لهم بالمعقولات الظاهرة واسررت لهم فى مقام القلب بالاسرار الباطنة ليتو صلوا اليها بالمعقول. ١٠ { فقلت } لهم عقيب الدعوة عطف على قوله دعوت { استغفروا ربكم } اطلبعوا المغفرة منه لأنفسكم بالتوبة عن الكفر والمعاصى قبل الفوت بالموت { انه } تعالى { كان غفارا } للتائبين بجعل ذنوبهم كأن لم تكن والمراد من كونه غفارا فى الازل كونه مريدا للمغفرة فى وقتها المقدر وهو وقت وجود المغفور له وفى كشف الاسرار كان صلة اليه ورؤية التقصير فى العبودية الندم على ما ضاع من ايامهم بالغفلة عن اللّه وفى الحديث ( من اعطى الاستغفار لا يمنع المغفرة ) لانه تعالى قال استغفروا ربكم انه كان غفارا ولذا كان على رضى اللّه عنه يقول ما ألهم اللّه عبدا الاستغفار وهو يريد ان يعذبه وعن بعض العلماء قال اللّه تعالى ان أحب عبادى الى المتحابون بحبى والمعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالاسحار اولئك الذين اذا اردت اهل الارض بعقوبة ذكرتهم فتركتهم وصرفت العقوبة عنهم والغفار ابلغ من الغفور وهو من الغافر واصل الغفر الستر والتغطية ومنه قيل لجنة الرأس مغفر لانه يستر الرأس والمغفرة من اللّه سترة للذنوب وعفوه عنها بفضله ورحمته لا بتوبة العباد وطاعتهم وانما التوبة والطاعة للعبودية ورعض الافتقار وفى بعض الاخبار عبدى لو أتيتنى بقراب اصرض ذنوبا لغفرتها لك ما لم تشرك بى ( حكى ) ان شيخا حج مع شاب لما احرم قال لبيك اللهم لبيك فقيل له لبيك فقال الشاب للشيخ ألا تسمع هذا الجواب فقال كنت اسمع هذا الجواب منذ سبعين سنة قال فلاى شئ تتعب نفسك فبكى الشيخ فقال فالى اى باب التجئ فقيل له قد قبلناك همه طاعت آرند ومسكين نياز ... بياتا بدركاه مسكين نواز جوشاخ برهنه برآريم دست ... كه بى برك ازين بيش نتوان نشست ١١ { يرسل السماء } اى المطر كما قال الشاعر اذا نزل السماء بارض قوم وقال بعضهم اى ماء السماء فحذف المشاف { عليكم } حال كونه { مدرارا } اى كثير الدرور اى السيلان والانصاب وبالفارسية فرو كشايد برشما باران بى در بى وبيهنكام. وفى الارسال مبالغة بالنسبة الى الانزال وكذا المدرارا صيغة مبالغة ومفعال مما يستوى فيه المذكر والمؤنث كقولهم رجل او امرأة معطار ويرسل جواب شرط محذوف اى ان تستغفروا يرسل السماء وفى قول النجاة فى مثلة انه جواب الامر وهو ههنا استغفروا واتسامح فى العبارة اعتمادا على وضوح المراد وكسر اللام بالوصل لتحرك الساكن به كأن قوم نوح تعللوا وقالوا ان كنا على الحق فكيف نتركه وان كنا على الباطل فكيف يقبلنا بعدما عكفنا عيه دهرا طويلا نأمرهم اللّه بما يمحق ما سلف منهم من المعاصى ويجلب عليهم المنافع وهو الاستغفار ولذلك وعدهم بالعوآئد العاجلة التى هى اوقع فى قلوبهم من المغفرة وأحب اليهم اذا النفس حريصة بحب العاجل ولذلك جعلها جواب الامر بأن قال يوسل السماء الخ دون المغفرة بأن قال يغفر لكم ليرغبوا فيها ويشاهدوا ان اثرها وبركتها ما يقاس عليه حال المغفرة فالاستغال بالطاعة سبب لانفتاح أبوا بالخيرات كما ان المعصية سبب لخراب العالم بظهور اسباب القهر الالهى وقيل لما كذبوه بعد تكرير الدعوة حبس اللّه عنهم القطر واعقم ارحام نسائهم اربعين سنة وقيل سبعين سنة فوعدهم ان آمنوا ان يرزقهم اللّه الخصب ويدفع عنهم ما كانوا فيه . يقول الفقير هذا القول هو الموافق للحكمة لان اللّه تعالى يبتلى عباده بالخير والشر ليرجعوا اليه ألا ترى الى قريش حيث ان اللّه جعل لهم سبع سنين كسنى يوسف بدعاء النبى عليه السلام ليرجعوا عما كانوا عليه من الشرك فلم يرفعوا له رأسا. ١٢ { ويمددكم باموال وبنين } اى يوصل اليكم ويعط لكم المدد والقوة بهما كما قال اللّه تعالى ويزدكم قوة الى قوتكم { ويجعل لكم } اى وينشئ لكم { جنات } بساتين ذوات اشجار واثمار { ويجعل لكم } فيها { انهارا } جارية تزينها بالنبات وتحفظها عن اليبس وتفرح القلوب وتسقى النفوس كان الظاهر تقديم الجنات والانهار على الامداد لكونهما من توابع الارسال وانما اخرهما لرعاية رأس الآية وللاشعار بأن كلا منهما نعمة اليهة على حدة وعن الحسن البصرى قدس سره ان رجلا شكا اليه الجدب فقال استغفر اللّه وشكا اليه آخر الفقر وآخر قلة النسل وآخر قلة ريع ارضه فأمرهم كلهم بالاستغفار فقال له الربيع بن صبيح اتاك رجال يشكون أبوابا ويسألون انواعا فأمرتهم كلهم بالاستغفار فتلا له الآية قال فى فتح الرحمن ولذلك شرع الاستغفار فى الاستسقاء وهو الدعاء بطلب السقيا على وجه مخصوص فاذا اجدبت الارض وقحط المطر ولم يختطلوا بالمسلمين ولم يفردوا بيوم وقد سبق بعض تفصيله فى سورة البقرة. ١٣ { ما لكم لا ترجون لله وقارا } انكار لان يكون بالاعتقاد وأدنى درجته الظن والوقار فى الاصل السكون الحلم وهو ههنا بمعنى العظمة لانه يتسبب عنها فى الاغلب ولا ترجون حال من ضمير المخاطبين والعامل فيها معنى الاستقرار فى لكم واللّه متعلق بمضمر وقع حالا من وقارا ولو تأخر لكان صفة له والمعنى اى سبب حصل لكم واستقر حال كونكم غير معتقدين لله عظمة موجبة لتعظيمه بالايمان والطاعة له اى لا سبب لكم فى هذا مع تحقق مضمون الجملة الحالية وبالفارسية جيست شمارا كه ايمدنداريد يعنى نمى شناسيد مرخدايرا عظمت وبزركوارى واعتقاد نمى كنيد تابترسيد ازنا فرمانئ او. وفى كشف الاسرار هذا الرجاء بمعنى الخوف والوقار العظمة اى لا تخافون لله عظمة وعن ابن عباس رضى اللّه عنه ما لكم لا تخشون منه عقابا ولا ترجون منه ثوابا بتوقيركم اياه وفى التأويلات النجمية مالكم لا تطلبون ولا تكسبون من اسم اللّه الاعظم ما يوقركم عنده بالتخلق بكل اسم تحته حتى تصيروا بسبب تحققكم بجميع اسمائه الداخلة فيه مظهره ومجلاه. ١٤ { وقد خلقكم اطوارا } يقال فعل كذا طور ابعد طور أى تارة بعد تارة وعدا طوره اى تجاوز حده وقدره والمعنى والحال انكم على حالة منافية لما أنتم عليه بالكلية وهى انكم تعلمون انه تعالى خلقكم وقدركم تارات اى مرات حالا بعد حال عناصر ثم اغذية ثم اخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما والحوما ثم انشأكم خلقا آخر فان التقصير فى توقير من هذه شؤونه فى القرة القاهرة والاحسان التام مع العلم بها مما لا يكاد يصدر عن العاقل وقال بعضهم هى اشارة الى الاطوار السبعة المذكورة فى قوله ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جلعناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين فهذه هى التارات والاحوال السبع المترتب بعضها على بعض كل تارة أشرف ما قبلها وحال الانسان فيها احسن ما تقدمها جون صورت وبت نه نكارند بكشمير ... جون قامت توسرونه كارند بكشور كرنفش توبيش بت آزر بنكارند ... ازشرم فروريزد نقش بت آزر وقيل خلقكم صبيانا وشبانا وشيوخا وقبل طوالا وقصارا واقوياء وضعفاء مختلفين فى الخلق والخلق كما قال تعالى واختلاف ألسنتكم وألوانكم وقيل خلقهم اطوارا حين أخرجهم من ظهر آدم للعهد ثم خلقهم حين اذن بهم ابراهيم عليه السلام للحج ثم خلقهم ليلة اسرى برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأراه اياهم وقال بعض اهل المعرفة خلقكم اطوارا من اهل المعرفة ومن اهل المحبة ومن اهل الحكمة ومن اللّه التوحيد ومن اهل الشوق ومن اهل العشق ومن اهل الغناء ومن اهل البقاء ومن اهل الخدمة ومن اهل المشاهدة خلق طور الارواح القدسية من نور الجبروت وطور العقول الهادية العارفة من نور الملكوت وطور القلوب الشائقة من معادن القربة وطور اجسام الصديقين من تراب الجنة فكل جور يرجع الى معدنه من الغيب. ١٥ { ألم تروا } يا قومى والاستفهام للتقرير والرؤية بمعنى العلم لعلهم علموا ذلك بالسماع من اهله او بمعنى الابصار والمراد مشاهدة عجائب الصنع الدال على كمال العلم والقدرة { كيف خلق اللّه سبع سموات } حال كونها { طباقا } اى متطابقا بعضها فوق بعض كما سبق فى سورة الملك اتبع الدليل الدال على انه يمكن ان يعيدهم وعلى انه عظيم القدرة بدلائل الانفس لان نفس الانسان أقرب الاشياء اليه ثم اتبع ذلك بدلائل انه فاق فقال ١٦ { وجعل القمر فيهن نورا } اى منور الوجه الارض فى ظلمة الليل ونسبته الى الكل مع انه فى السماء الدنيا لان كل واحدة من السموات شفافة لا يحجب ما ورآءها فيرى الكل كأنها سماه واحدة ومن ضرورة ذلك أن يكون ما فى واحدة منها كأنه فى الكل على انه ذهب ابن عباس وابن عمر ووهب بن منبه رضى اللّه عنهم الى ان الشمس والقمر والنجوم وجوهها مما يلي السماء وظهورها مما يلي الارض وهو الذى يقتضيه لفظ السراج لان ارتفاع نوره فى طرف العلو ولولا ذلك لأحرقت جميع ما فى الارض بشدة حرارتها فجعلها اللّه نورا وسراجا لأهل الارض والسموات فعلى هذا ينبغى أن يكون تقدير ما بعده وجعل الشمس فيهن سراجا حذف لدلالة الاول عليه { وجعل الشمس } هى فى السماء الرابعة وقيل فى الخامسة وقال عبد اللّه بن عمر وبن العاص رضى اللّه عنهما فى الشتاء فى الرابعة وفى الصيف فى السابعة ولو أضاءت من الرابعة او من السماء الدنيا لم يطق لها شئ ( كما قال فى المثنوى ) آفتابى كزوى اين عالم فروخت ... اندكى كربيش آيد جمله خت ١٧ { واللّه أنبتكم من الارض نباتا } اى انباتا عجيبا وانشأكم منها انشاء غريبا بواسطة انشاء أبيكم آدم منها او انشأ الكل منها من حيث انه خلقهم من النطف المتولدة من النبات المتولد من الارض استعير الانبات للانشاء لكونه أدل على الحدوث والتكون من الارض لانهم اذا كانوا نباتا كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات ووضع نباتا موضع انباتا على انه مصدر مؤكد لأنبتكم بحذف الزوآئد ويسمعنى اسم مصدر دل عليه القرية الآتية وهى قوله ويخرجكم اخراجا وقال بعضهم نباتا حال لا مصدر ونبه بذلك ان الانسان من وجه نبات من حيث ان بدأه ونشأنه من التراب وانه ينمو نموه وان كان له وصف زآئد على النبات والنبات ما يخرج من الارض سوآء كان له ساق كالشجر او لم يكن كالنجم لكن اختص فى التعارف بما لا ساق له بل اختص عند العامة بما يأكله الحيوان وقال بعض اهل المعرفة واللّه أنبتكم من الارض نباتا اى جعل غذآءكم الذى تنمو به اجسادكم الارض كما جعل النبات ينمو بالماء بواسطة التراب فغذآء هذه النشأة ونموها بما خلقت منه. ١٨ { ثم يعيدكم فيها } اى فى الارض بالدفن عند موتكم { ويخرجكم } منها عند البعث والحشر { اخراجا } محققا لا ريب فيه وذلك لجازاة الاولياء ومحاسبة الاعدآء ولم يقل ثم يخرجكم بل ذكروا بالواو الجامعة ايها مع يعيدكم رمزا الى ان الاخراجمع الاعادة فى القبر كشئ واحد لا يجوز أن يكون بعضها محقق الوقوع دون بعض وفى التأويلات النجمية واللّه أنبت من ارض بشريتكم نبات الاخلاق والصفات ثم يعيدكم فى تلك الارض بالبقاء بعد الفناء بطريق الرجوع الى احكام البشرية باللّه لا بالطبع والميل الطبيعى ويخرجكم اى ويظهركم ويغلبكم على النصر فى العالم باللّه لا بكم ولا بقدرتكم واستطاعتكم ١٩ { واللّه } كرر الاسم الجليل للتعظيم والتيمن والتبرك { جعل لكم } اى لمنافعكم { الارض } سبق بياتها فى سورة الملك وغيرها { بساطا } مبسوطة متسعة كالبساط والفراش تتقلبون عليها تقلبكم على بسطكم فى بيوتكم قال أبو حيان ظاهره ان الارض ليست كرية بل هو مبسوطة قال سعدى المفتى وانما هو فى التقلب عليها على ما فسروه انتهى وقد مر مرارا ان كرة الارض لانتا فى الحرث ولغرس ونحو هما لعظم دآئرتها كما يظهر الفرق بين بيضة الحمامة وبيضة النعامة. ٢٠ { لتسلكوا } من السلوك وهو الدخول لا من السلك وهو الادخال { منها سبلا فجاجا } اى طرقا واسعة جمع سبيل وفج وهو الطريق الوساع فجر دهنا لمعنى الواسع فجعل صفة لسبلا وقيل هو المسلك بين الجبلين قال فى المفردات الفج طريق يكتنفها جبلان ويستعمل فى الطريق ال واسع ومن متعلقة بما قبلها لما فيه من معنى الاتخاذ اى لستلكوا متخذين من الارض سبلا فتصرفوا فيها مجيئا وذهابا او بمضمر هو حال من سبلا اى كائنة من الارض ولو تأخر لكان صفة لها ثم جعلها بساطا للسلوك المذكور لا ينافى غيره من الوجوه كالنوم والاستراحة والحرث والغرس ونحوها ثم السلوك اما جسمانى بالحركة الابنية الموصلة الى المقصد واما روحانى بالحركة الكيفية الموصولة الى المقصود ولكل منها فوآئد جليلة كطلب العلم والحج والتجارة وغيرها وكتحصيل المحبة والمعرفة والانس ونحوها وقال القاشانى واللّه جعل لكم ارض البدن بساطا لستكلوا منها سبل الحواس فجاجا اى خروقا واسعة او من جهتها سبل سماء الروح الى التوحيد كما قال امير المؤمنين رضى اللّه عنه سلونى عن طرق السماء فانى أعلم بها من طرق الارض أراد الطرق الموصلة الى الكمال من المقامات والاحوال كالزهد والعبادة والتوكل والرضى وامثال ذلك ولهذا كان معراج النبى عليه السلام بالبدن. ٢١ { قال نوح } أعيد لفظ الحكاية لطول العهد بحكاية مناجاته لربه فهو بذل من قال الاول ولذا ترك العطف اى قال منا جياله تعالى { رب } اى بروردكار من {انهم عصونى } داموا على عصيانى ومخالفتى فيما امرتم به مع ما بالغت فى ارشادهم بالعظة والتذكير { واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا } اى استمروا على اتباع رؤسائهم الذين ابطرتهم اموالهم وغرتهم اولادهم وصارت تلك الاموال والاولاد سببا لزيادة خسارهم فى الآخرة فصاروا سوة لهم الخسار وفى وصفهم بذلك اشعار بأنهم انما اتبعوهم لوجاهتهم الحاصلة لهم بسبب الاموال والاولاد لما شاهدوا فيهم من شبهة مصححة للاتباع كما قالت قريش لولا نزل هذا القرءآن على رجل من القريتين عظيم فجعلوا الغنى سببا مصححا للاتباع ودل الكلام على ان ازدياد المال والولد كثيرا ما يكون سببا للهلاك الروحانى ويورث الضلال فى الدين اول والاضلال عن اليقين ثانيا قال ابن الشيخ المفهوم من نظم الآية ان اموالهم واولادهم عين الخسار وان ازديادهما انما هو ازدياد خسارهم والامر فى الحقيقة كذلك فانهما وان كانا من جملة المنافع المؤدية الى السعادة الأبدية بالشكر عليهما وصرفهما الى وجوه الخير الا انهما اذا اديا الى البطر والاغترار وكفران حق المنعم بهما وصارا وسيلتين الى العذاب المؤبد فى الآخرة صارا كأنهما مخض الحسار لان الدنيا فى جنب الآخرة كالعدم فمن انتفع بهما فى الدنيا خسر سعادة الآخرة وصار كمن اكل لقمة مسمومة من الحلوى فهلك فان تلك اللقمة فى حقه هلاك محض اذ لا عبرة لانتفاعه بها فى جنب ما ادت اليه توغافل درانديشه سود ومال ... كه سرمايه عمر شد بايمال ٢٢ { ومكروا } عطف على صلة من لان المكر الكبار يليق بكبرآئهم والجمع باعتبار معناها والمكر الحيلة الخفية وفى كشف الاسرار المكر فى اللغة غاية الحيلة وهو من فعل اللّه تعالى اخفاء التدبير { مكرا كبارا } اى كبيرا فى الغاية وقرئ بالتخفيف والاول ابلغ منه وهو أبلغ من الكبير نحو طوال وطوال وطويل ومعنى مكره الكبار احتيالهم فى منع الناس عن الدين وتحريشهم لهم على اذية نوح قال الشيخ لما كان التوحيد اعظم المراتب كان المع منه والأمر بالشرك اعظم الكبائر فلذا وصفه اللّه بكونه مكرا كبارا. ٢٣ { وقالوا } اى الرؤساء للاتباع والسفلة { لا تذرن آلهتكم } اى لا تتركوا عبادتها على الاطلاق الى عبادة رب نوح ومن عطف مكروا على اتبعوا يقول معنى وقالوا وقال بعضهم لبعض فالقائل ليس هو الجمع { ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } جرد الاخرين عن حرف النفى اذ بلغ التأكيد نهايته وعلم ان القصد الى كل فرد فرد لا الى المجموع من حيث هو مجموع والمعنى ولا تذرن عبادة هؤلاء خصوصا فهو من عطف الخاص على العام خصوصا بالذكر مع اندراجها فيما سبق لانها كانت اكبر اصنامهم وأعظم ما عندهم وقد انتقلت هذه الاصنام بأعيانها عنهم الى العرب فكان ودلكلب بدومة الجندل بضم دال دومة ولذلك سمت العرب بعبد ود وقال الراغب الود صنم سمى بذلك اما لمودتهم له او لاعتقادهم ان بينه وبين البارى تعالى مودة تعالى عن ذلك وكان سواع لهمدان بسكون الميم قبيلة باليمين ويغوث لمذحج كمجلس بالذال المعجمة وآخره جيم ومنه كانت العرب تسمى عبد يغوث ويعول لمراد وهو كغراب او قبيلة سمى به لانه تمرد ونسر لحمير بكسر الحاء وسكون الميم نوزن درهم موضع عربى صنعاء اليمن وقيل انتقلت اسماؤها اليهم فاتخذوا امثالها فعبدوها اذ يبعد بقاء اعيان تلك الاصنام كيف وقد خربت الدنيا فى زمان الطوفان ولم يضعها نوح فى السفينة لانه بعث لنفياه وجوابه ان الطوفان دفنها فى ساحل جدة فلم تزل مدفونة حتى اخرجها اللعين لمشركى العرب نظيره ما روى ان آدم عليه السلم كتب اللغات المختلفة فى طين وطبخه فلما أصاب الارض الغرق بقى مدفونا ثم وجد كل قوم كتابا فكتبوه فأصاب اسمعيل عليه السلام الكتاب العربى وقيل هى اسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح وقيل من اولاد آدم ماتوا فحزن الناس عليهم حزنا شديدا واجتمعوا حول قبورم لا يكادون يفارقونها وذلك بأرض بابل فلما رأى ابليس فعلهم ذلك جاء اليهم فى صورة انسان وقال لهم هل لكم أن أصور لكم صورهم اذا نظرتم اليها ذكرتموهم واتسأنستم وتبركتم بهم قالوا نعم فصور لهم صورهم من صفر ورصاص ونحاس وخشب وحجر وسمى تلك الصور بأسمائهم ثم لما تقادم الزمن وانقرضت الآباء والابناء وابناء الابناء قال لمن حدث بعدهم ان من قبلكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها فى زمان مهلابيل بن قيتان ثم صارت سنة فى العرب فى الجاهلية وذلك اما باخراج الشيطان اللعين تلك الصور كما سبق او بانه كان لعمرو بن لحى وهو اول من نصب الاوثان فىلكعبة تابع من الجن فقال له اذهب الى جدة وائت منها بالآلهة التى كانت تعبد فى زمن نوح وادريس وهى ودالخ فذهب وأتى بها الى مكة ودعا الى عبادتها فنتشرت عبادة الاصنام فى العرب وعاش عمر وبن لحى ثلاثمائة واربعين سنة ورأى من ولده وولد ولد ولده الف مقاتل ومكث هو وولده فى ولاية البيت خمسمائة سنة ثم انتقلت الولاية الى قريش فمكثوا فيها خمسمائة اخرى فكان البيت بين الاصنام ألف سنة وذكر الامام الشعرانى ان اصل وضع الاصنام انما هو من قوة التنزيه من العلماء الاقدمين فانهم نزهوا اللّه عن كل شئ وامروا بذلك عامتهم فلما رأوا ان بعض عامتهم صرح بالتعطيل وضعوا لهم الاصنام وكسوها الديباج والحلى والجواهر وعظموها بالسجود وغيره ليتذكروا بها الحق الذى غاب عن عقولهم وغاب عن اولئك العلماء ان ذلك لا يجوز الا باذل من اللّه تعالى هنا كلامه قال السهيلى ولا أدرى من اين سرت لهم تلك السماء القديمة أمن قبل الهند فقد ذكر عنهم انهم كانوا المبدأ فى عبادتهم الاصنام بعد نوح ام الشيطان ألهمهم ما كنت عليه الجاهلية الاولى قبل نوح وفى التكملة روى تقى بن مخلد أن هذه الاسماء المذكورة فى سورة كانوا ابناء آدم عليه السلام من صلبه وأن يغوث كان اكبرهم وهى اسماء سريانية ثم وقعت تلك الاسماء الى أهل الهند فسموا بها اصنامهم التى زعموا انها على صور الدارارى السبعة وكانت الجن تكلمهم من جوفها فافتتنوا بها ثم ادخلها الى ارض العرب عمرو بن لحى بن قمعة بن الياس بن مضر فمن قبله سرت الى ارض العرب وقيل كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر وهو طائر عظيم لانه ينسر الشئ ويقتلعه وفى التأويلات النجمية لا تتركن عبودة آلهتكم التى هى ود النفس المصورة بصورة المرأة وسواع الهوى المصور بصورة الرجل ويغوث الطبيعة المشكلة بشكل الأسد ويعوض الشهوة المشكلة بصورة الفرس ونسر الشره المصور بصورة النسر وقال القاشانى اى معبوداتكم التى عكفتم بهواكم عليها من ود البدن الذى عبدتموه بشهواتكم وأحييتموه وسواع النفس ويغوث الاهل ويعوق المال ونسر الحرص. ٢٤ { وقد أضلوا } اى الرؤساء والجملة حالية { كثيرا } اى خلقا كثيرا او اضل الاصنام كقوله تعالى رب انهن اضللن كثيرا من الناس جمعهم جمع العقلاء لعدهم آلهة ووصفهم بأوصاف العقلاء { ولا تزد الظالمين } بالاشتراك فان الشرك ظلم عظيم اذ أصل الظلم وضع الشئ فى غير موضعه فهل شئ اسوأ فى هذا من وضع اخس المخلوق وعبادته { الا ضلالا } الجملة عطف على قوله تعالى رب انهم عصونى اى قال رب انهم عصونى وقال ولا نزد الظالمين الا ضلالا قالوا ومن الحكاية لا من المحكى او من كلام اللّه لا من كلام نوح فنوح قال كل واحد من هذين القولين من غيرن يعطف احدهما على الآخر فحكى اللّه احد قوليه بتصديره بلفظ قال وحكى قوله صاخر بعطفه على قوله الاول بالواو المنائبة عن لفظ قال فلا يلزم عطف الانشاء على الاخبار ويجوز عطفه على مقر اى فاخذلهم قالوا وحينئذ من المحكى والمراد بالضلال هو الضيام والهلاك والضلال فى تمشية مكرهم وترويجه مصالح دنياهم لا فى امر دينهم حتى لا يتوجه انه انما بعث ليصرفهم عن الضلال فكيف يليق به أن يدعو اللّه فى أن يزيد ضلالهم وان هذا الدعاء يتضمن الرضى بكفرهم وذلك لا يجوز فى حق الانبيا ءوان كان يمكن أن يجاب بأنه بعدما اوحى اليه انه لا يؤمن من قومك الا من قد من وان المحذور هو الرضى المقرون باستحسان الكفر ونظيره دعاء موسى عليه السلام بقوله واشدد على قلوبهم فمن احب موت الشرير بالطبع على الكفر حتى ينتقم اللّه منه فهذا ليس بكفر فيؤول المعنى الى أن يقال ولا يزد الظالمين الا ضلالا وغيرا ليزدادوا عقابا كقوله تعالى انما نملى لهم ليزدادوا اثما وقوله انى أريد أن تبوء باثمى واثمك فتكون من اصحاب النار قالوا دعا نوع الابناء بعد الآباء حتى بلغوا سبعة قرون فلما ايس من ايمانهم دعا عليهم. ٢٥ { مما خطيئاتهم } اى من اجل خطيئات قوم نوح واعمالهم المخالفة للصواب وهى الكفر والمعاصى وما مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد الحصر المستفاد من تقديم قوله مما خطيئاتهم فانه يدل على ان اغراقهم بالطوفان لم يكن الا من اجل خطيئاتهم تكذيبا لقول المنجمين من ان ذلك كان لاقتضاء الاوضاع الفلكية اياه ونحو ذلك فانه كفر لكونه مخالفا لصريح هذه الآية ولزيادة ما الابهامية فائدة غير التوكيد وهى تفخيم خطيئاتهم اى من اجل خطيئاتهم العظيمة ومن لم ير زيادتها جعلها نكرة وجعل خطيئاتهم بدلا منها والخطيئات جمع خطيئة وقرأ ابو عمر وخطاياهم بلفظ الكثرة لان المقام مقام تكثير خطيئاتهم لانهم كفروا ألف سنة والخيئات لكونه جمع السلامة لا يطلق على ما فوق العشرة الا بالقرينة والظاهر من كلام الرضى ان كل واحد من جمع السلامة والتكثير لمطلق الجمع من غير نظل الى القلة والكثرة فيصلحان لهما ولذا قيل انهما مشرتكان بينهما واستدلوا عليه بقوله تعالى ما نفذت كلمات اللّه { اغرقوا } فى الدنيا بالطوفان لا بسبب آخر وفيه زجر لمرتكب الخطايا مطلقا { فأدخلوا نارا } تنكير النار اما لتعظيمها وتهويلها او لانه تعالى اعد لهم على حسب خطيئاتهم نوعا من النار والمراد اما عذاب القبر فهو عقيب الاغراق وان كانوا فى الماء فان من مات فى ماء او نار او اكلته السباع او الطير أصابه ما يصيب المقبور من العذاب عن الضحاك انهم كانوا يغرقون من جانب اى بالابدان ويحرقون من جانب اى بالارواح فجمعوا بين الماء والنار كما قال الشاعر الخلق مجتمع طورا ومفترق ... والحادثات فنون ذات اطوار لا تعجبن لأضداد اذا اجتمعت ... فاللّه يجمع بين الماء والنار او عذاب جهنم والتعقيب لتنزيله منزلة المتعقب لاغراقهم لاقترا به وتحققه لا محالة واصتال زمانه بزمانه كما دل عليه قوله من مات فقد قامت قيامته على ان النار اما نصف نار وهى للارواح فى البرزخ واما تمام نار وهى للارواح والاجسام جميعا بعد الحشر وقس على الجحيم النعيم { فلم يجدوا لهم من دون اللّه انصارا } اى يجد أحد منهم لنفسه واحدا من الانصار ينصرهم على من اخذهم بالقهر والانتقام وفيه تعريض باتخاذهم آلهة من دون اللّه وبأنها غير قادرةعلى نصرهم وتهكم بهم ومن دون اللّه حال متقدمة من قوله انصارا والجملة الاستئنافية الى هنا من كلام اللّه اشعارا بدعوة اجابة نوح وتسلية للرسول عليه السلام واصحابه وتخويفا للعاصى من العذاب واسبابه. ٢٦ { وقال نوح } بعدما قنط من اهتدآئهم قنوطاتا ما بالامارات الغالبة وباخبار اللّه تعالى { رب } اى بروردكار من { لا تذر على الارض } لا تترك على الارض { من الكافرين } بك وبما جاء من عندك متقدمة من قوله { ديارا } احدا يدور فى الارض فيذهب ويجيئ اى فأهلكهم بالاستئصال والجملة عطف على نظيرها السابق وقوله تعالى مما خطيئاتهم الخ اعتراض وسط بين دعائه عليه السلام للايذان من اول الامر بان ما اصابهم من الاغراق والاحراق لم يصبهم الا لأجل خطيئاتهم التى عددها نوح وأشار الى استدراكهم للاهلاك لاجلها لما انها حكاية لنفس الاغراق والاحراق على طريقة حكاية ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الاحوال والاقوال والا لأخر عن حكاية دعائه هذا وديار من الاسماء المستعملة ى النفى العام يقال ما بالدار ديار أو ديور كقيام وقيوم اى احد وساكن وهو فيعال من الدور او من الدار اصله ديوار وقد فعل به ما فعل باصل سيد فمعنى ديار على الاول احد يدور فى الارض فيهب ويجيئ وعلى الثانى احد ممن ينزل الدار ويسكنها وأنكر بعضهم كونه من الدور ان وقال لو كان من الدور ان لم يبق على وجه الارض جنى ولا شيطان وليس المعنى على ذلك وانما المعنى اهلك كل ساكن دار من الكفار أى كل انسى منهم. يقول الفقير جوابه سهل فان المراد كل من يدور على الارض من امة الدعوة ليس الجن والشيطان منها اذ لم يكن نوح مبعوثا الى الثقلين وليس ديار فعالا من الدار والا لقيل دوار لان اصل دار دون فقلبت واوه ألفا فلما ضعفت عينه كان دوار بالواو الصحيحة المشددة اذ لا وجه لقلبها ياء. ٢٧ { انك ان تذرهم } عليها كلا او بعضا ولا تهلكهم بيان لوجه دعائه عليهم واظهار بأنه كان من الغيرة فى الدين لا لغلبة غضب النفس لهواها { يضلوا عبادك } عن طريق الحق قال بعضهم عبادك المؤمنين وفيه اشعار بأن الاهل لان يقال لهم عباد اهل الايمان انتهى وفيه نظر بل المراد يصدوا عبادك عن سبيلك كقوله تعالى وصدوا عن سبيل اللّه دل عليه انه كان الرجل منهم ينطلق بابنه الى نوح فيقول له احذر هذا فانه كذاب وان ابى حذرنيه واوصانى بمثل هذه الوصية فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك { ولا يلدوا } ونزايند { الا فاجرا } الفجر شق الشئ شقا واسعا كفجر الانسان الكسر وهو بالكسر اسم لسد النهر وما سد به النهر والفجور شق ستر الديانة { كفارا } مبالغا فى الكفر والكفارن قال الراغب الكفار بلغ من الكفور وهو المبالغ فى كفران النعمة والمعنى الا من سيفجر ويكفر فالوجه ارتفاعهم عن وجه الارض والعلم لك فوصفهم بما يصيرون اليه بعد البلوغ فهو من مجاز الاول وكأنه اعتذار مما عيسى رد عليه من ان الدعاء بالاستئصال مع احتمال ان يكون من اخلافهم من يؤمن منكر وانما قاله بالوحى لقوله تعالى فى سورة هود واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن فان قلت هذا اذا كان دعاء نوح متأخرا عن وحى تلك الآية وذلك غير معلوم قلت الظاهر ان مثل هذا الدعاء انما يكون فى الاواخر بعد ظهور امارات النكال قال بعضهم لا يلد الحية الا الحية وذلك فى الاغلب ومن هناك قيل ( اذا طاب اصل المرء طابت فروعه ) وفحوه الولد سر أبيه قال بعضهم فى توجيهه ان الولد اذا كبر انما يتعلم من اوصاف أبيه او يسرق من طباعه بل قد يصحب المرء رجلا فيسرق من طباعه فى الخير والشر. يقول الفقير معناه فيه ما فيه اى من الجمال والجلال فقد يكون الجمال الظاهر فى الأب باطنا فى الابن كما كان فى قابيل بن آدم حيث ظهر فيه ما بطن فى أبيه من الجلال وكان الامر بالعكس فى هابيل بن آدم وكذا الامر الى يوم القيامة فى الموافقة والمخالفة وقال بعض الكبار اعتذار نوح يوم القيامة عند طلب الخلق الشفاعة منه بدعوته على قوموا انما هو لما فيها من قوله ويلدوا الا فاجرا كفارا لا نفس دعائه عليه من حيث كونه دعاء انتهى اشار الى ان دعاء نوح كان بالامارات حيث جربهم قريبا من ألف سنة فلم يظهر منهم الا الكفر والفجور ولو كان بالوحى لما اعتذار كام قال القاشانى مل من دعوة قومه وضجر واستولى عليه الغضب ودعا ربه لتدمير قومه وقهرهم تنشأ منها النفس الخبيثة المحجوبة وتتربى بهيئتها المظلمة لا تقبل الا مثلها كالبذر الذى لا ينبت الا من صنفه وسبخه وغفل عن ان الولد س أبيه اى خاله الغالبة على الباطن فربما كان الكافر باقى الاستعداد صافى الفطرة نقى الاصل بحسب الاستعداد الفطرى وقد استولى على ظاهره العادة ودين آبائه وقومه الذين نشأ بينهم فدان بدينهم ظاهرا وقد سلم باطنه فيلد المؤمن على حال النورية كولادة أبى ابراهيم عليه السلام فلا جرم تولد من تلك الهيئة الغضبية الظلمانية التى غلبة على باطنه وحجبته فى تلك الحالة عما قال مادة ابنه كنعان وكان عقوبة لذنب حاله انتهى ويدل على ما ذكر من ان دعاءه اليس مبنيا على الوحى ما ثبت ان النبى عليه السلام شبه رضى اللّه عنه فى الشدة بنوح وأبا بكر رضى لاله عنه فى اللين بابراهيم قال بعض العارفين فى قوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين فى هذه الآية عتاب لطيف فانها نزلت حين مكث يدعو على قوم شهرا مع ان سبب ذلك الدعاء انما هو الغيرة على جناب اللّه تعالى وما يستحقه من الطاعة ومعنى العتاب انى ما ارسلتك سبابا ولا لعانا وانما بعثنك رحمة اى لترحم مثل هؤلاء الذين دعوت عليهم كأنه يقول لو كان بدل دعائك عليهم الدعاء لهم لكان خيرا فانك اذا دعوتنى لهم ربما اجبت دعاءك فوفقتهم لطاعتى فترى سرور عينك وقرتها فى طاعتهم لى واذا لعنتهم ودعوت عليهم واجبت دعاءك فيهم لم يكن من كرمى ان آخذهم الا بزيادة طغيانهم وكثرة فسادهم فى الارض وكل ذلك انما كان بدعائك عليهم فكأنك امرتهم بالزيادة فى الطغيان الذى اخناهم به فتنبه رسول اللّه عليه السلام لما ادبه به ربه فقال ان اللّه ادبنى فأحسن تأديبى ثم صار يقول بعد ذلك اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون وقام ليلة كاملة الى الصباح بقوله تعالى ان تعذبهم فانهم عبادك وات تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم لا يزيد عليها فأين هذا من دعائه قبل ذلك على رعل وذكوان وعصية وعلى صناديد قريش اللهم عليك بفلان اللهم عليك بفلان فاعلم ذلك فاقتد بنبيك فى ذلك واللّه يتولى هداك ( وقال بعض اهل المعرفة ) نوح جون از قوم خود برنجيد بهلاك ايشان دعا كرد ومصطفى عليه السلام جون از قوم برنجيد بشفقت كفت اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون. واعلم انه لا يجوز ان يدعى على كافر معين لانا لا نعلم خاتمته ويجوز على الكفار والفجار مطلقا وقد دعا عله السلام على من تحزب على المؤمنين وهذا هو الاصل فى الدعاء على الكافرين. ٢٨ { رب اغفر لى } ذنوبى وهى ما صدر منه من ترك الاولى { ولوالدى } ذنوبهما ابو ملك بن متوشلخ على وزن الفاعل كمتد حرج او هو بضم الميم والتاء المشددة المضمومة وفتح الشين المعجمة وسكون اللام وروى بعضهم الفتح فى الميم وامه سمخا بنت انوش كانا مؤمنين قال ابن عباس رضى اللّه عنه لم يكفر لنوح أب ما بينه وبين آدم وفى اشراق التواريخ امه قسوس بنت كابيل وفى كشف الاشرار هيجل بنت لاموس ابن متوشلخ بنت عمه وكانا مسلمين على ملة ادريس عليه السلام وقيل المراد بوالديه آدم وحوآء عليهما السلام { ولمن دخل بيتى } اى منزلى وقيل مسجدى فانه بيت اهل اللّه وان كان بيت اللّه منَ وجه وقيل سفينتى فانها كالبيت فى حرز الجوآئج وحفظ النفوس عن الحر والبرد وغيرهما { مؤمنا } حال كون الداخل مؤمنا وبهذا القيد خرجت امرأته واعلة وابنه كنعان ولكن لم يجزم عليه السلام بخروجه الا بعد ما قيل له انه ليس من اهلك { وللمؤمنين والمؤمنات } بى او من لدن آدم الى يوم القيامة . وكفته اندمراد ابن امت مرحومه اند. خص اولا من يتصل به نسبا ودينا لانهم اولى واحق بدعائه ثم عم المؤمنين والمؤمنات وفى الحديث ( ما الميت فى القبر الا كالغريق المتغوث ينتظر دعوة تلحقه من أب او أخ او صديق فاذا لحقته كانت أحب اليه من الدنيا وما فيها وان اللّه ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الارض امثال الجبال وان هديه الاحياء الى الاموات الاستغفار لهم ) { ولا تزد الظالمين الا تبارا } اى هلاكا وكسرا وبالفارسية مكرهلاكى بسختى. والتبردقاق الذهب قال فى الاول ولا نزد الظالمين الا ضلالا لانه وقع بعد قوله وقد أضلوا كثيرا وفى الثانى الاتبار الانه وقع بعد قوله لا تذر على الارض الخ فذكر فى كل مكان ما اقتضاه وما شاكل معناه ولظاهر انه عليه السلام ارادأ بالكافرين والظالمين الذين كانوا موجودين فى زمانه . متمكنين فى الارض ما بين المشرق والمغرب فمسئوله ان يهلكهم اللّه فاستجيب دعاؤه فعمهم الطوفان بالغرق وما نقل عن بعض المنجمين من انه أراد جزيةر العرب فوقع الطوفان عليهم دون غيرهم من الآفاق مخالف لظاهر الكلام وتفسير العلماء وقول اصحاب التواريخ بأن الناس بعد الطوفان توالدوا وتناسلوا وانتشروا فى الاطراف مغاربها ومشارقها من اهل السفينة دل الكلام على الظالم اذا ظهر ظلمه وأصر عليه ولم ينفعه النصح استحق ان يدعى عليه وعلى اعوانه وانصاره قيل غرق معهم صبيانهم ايضا لكن لا على وجه العقاب لهم بل لتشديد عذاب آبائهم وامهاتهم بارآء هلاك اطفالهم الذين كانوا اعز عليهم من انفسهم قال عليه السلام يهلكون مهلكا واحدا ويصدون مصادر شتى وعن الحسن انه سئل عن ذلك فقال علم اللّه برآءتهم فأهلكهم بغير عذاب وكم من الصبيان من يومت بالغرب والحرق وسائر اسباب الهلاك وقبل اعقم اللّه ارحام نسائهم وايبس اصلاب آبائهم قبل الطوفان بأربعين او سبعين سنة فلم يكن معهم صبى ولا مجنون حين غرقوا لان اللّه تعالى قال وقوم نوح ولما كذبوا الرسل اغرقناهم ولم يوجد التكذيب من الاطفال والمجانين وفى الاسئلة المقحمة ولو أهلك الاطفال بغير ذنب منهم ماذا يضر فى الربوبية أليس اللّه يقول قل فمن يملك من اللّه شيأ ان أراد أن يهلك المسبح بن مريم وامه ومن فى الارض جميعا. يقول الفقير الظاهر هلاك الصبيان مع الآباء والامهات لان نوحا عليه السلام ألحقهم بهم حيث قال ولا يلدوا الا فاجرا كفارا اذ من سفيجر ويكفر فى حكم الفاجر والكافر فلذلك دعا على الكفار مطلقا عموما بالهلاك لاستحقاق بعضهم له بالاصلاة وبعضهم بالتبعية ودعا للمؤمنين والمؤمنات عموما وخصوصا بالنجاة لان المغفور ناج لا محالة وروى عكرمة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه كان اذا قرأ القرءآن بالليل فمر بآية بقول لى يا عكرمة ذكرنى هذه الآية غدا فقرأ ذات ليلة هذه الآية اى رب اغفر لى الخ فقال يا عكرمة ذكرنى هذه غدا فذكرتها له فقال ان نوحا دعا بهلاك الكافرين ودعا للمؤمنين بالمغفرة وقد اسجتيب دعاؤه على الكافرين فاهلكوا وكذلك استجيب دعاؤه فى المؤمنين فيغفر اللّه للمؤمنين والمؤمنات بدعائه. ورد عن بعض الصحاب رضى اللّه عنهم انه قال نجاة المؤمنين بثلاثة اشياء بدعاء نوح وبدعاء اسحق وبشفاعة محمد عليه السلام يعنى المذنبين وفى التأيلات النجمية رب اغفر لى ولوالدى من العقل الكلى والنفس الكلى ولمن دخل بيتى مؤمنا من الروح والقلب وللمؤمنين من القوى الروحانية والمؤمنات من النفوس الداخلة تحت نور الروح والقلب بسبب نور الايمان ولا تزد الظالمين النفس الكافرة والهوى الظالم الا تبارا هلاكا بالكلية بالفناء فى الروح والقلب وعلى هذا التأويل يكون دعاء لهم لا دعاء عليهم انتهى وقال القاشانى رب اغفر لى اى استرنى بنورك بالفناء فى التوحيد ولروحى ولنفسى اللذين هما أبوا القلقل ولمن دخل بيتى اى مقامى فى حضرة القدس مؤمنا بالتوحيد لعلمى اولا رواح الذين آمنوا ونفوسهم فبلغهم الى مقام الفناء فى التوحيد ولا تزد الظالمين الذين نقصوا حظهم بالاحتجاب بظلمة نفوسهم عن عالم النور الا تبارا اهلاكا بالغرف فى بحر الهيولى وشدة الاحتجاب انتهى فيكون دعاء عليهم كما لا يخفى. |
﴿ ٠ ﴾