سُورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً ١ { قل } يا محمد لقومك { اوحى الى } اى ألقى على بطريق الوحى واخبرت باعلام من اللّه تعالى والايحاء اعلام فى خفاء وفائدة اخباره بهذه الاخبار بيان انه رسول الثقلين والنهى عن الشرك والحث على التوحيد فان مع تمردهم وعدم مجانستهم اذا آمنوا فكيف لا يؤمن البشر مع سهولة طبعهم ومجانستهم . { استمع } اى القرءآن اوطه او اقرأ وقد حذف لدلالة ما بعده عليه والاستماع بالفارسية نيوشيدن . والمستمع من كان قاصدا للسماع مصغيا اليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد اليه فكل مستمع سامع من غير عكس { نفر من الجن } جماعة منهم ما بين الثلاثة والعشرة وبالفارسية كروهى كه ازده كتر وازسه بيشتر بودند. قال فى القاموس النفر ما دون العشرة من الرجال كالنفير والجمع انفار وفى المفردات النفر عدة رجال يمكنهم النفر الى الحرب بالفارسية بيرون شدن. والجن واحده جنى كروم ورومى ونحوه قال ابن عباس رضى اللّه عنهما انطلق رسول اللّه عليه السلام فى طائفة من اصحابه الى سوق عكاظ فأدركهم وقت صلاة الفجر وهم بنخلة فأخذ هو عليه السلام يصلى باصحابه صلاة الفجر فمر عليهم نفر من الجن وهم فى الصلاة فلما سمعوا القرءآن استمعوا له وفيه دليل على انه عليه السلام ولم ير الجن حينئذ اذ لو رأهم لما اسند معرفة هذه الواقعة الى الوحى فان ما عرف بالمشاهدة لا يستند اثباته الى الوحى وكذا لم يشعر بحضورهم وباستماعهم ولم يقرأ عليهم وانما اتفق حضورهم فى بعض اوقات قرآءته فسمعوها فأخبره اللّه بذلك وقد مضى ما فيه من التفصيل فى سورة الاحقاف لا نعيده والجن اجسام رقاق فى صورة تخالف صورة الملك والانس عاقلة كالانس خفية عن ابصارهم لا يظهرون لهم ولا يكلمونهم الا صاحب معجزة بل يوسوسون سائر الناس يغلب عليهم النارية او الهوآئية ويدل على الاول مثل قوله تعالى وخلق الجان من مارج نار فان المشهور ان المركابت كلها من العناصر فما يغلب فيه النار فنارى كالجن وما يغلب فيه الهوآء فهوآئى كالطير وما يغلب فيه الماء فمائى كالسمك وما يغلب فيه التراب فترابى كالانسان وسائر الحيوانات الارضية واكثر الفاسفة ينكرون وجود الجن فى الخارج واعترف به جمع عظيم من قدمائهم وكذا جمهور أرباب الملل المصدقين بالانبياء قال القاشانى ان فى الوجود نفوسا ارضية قوية لا فى غلظ النفوس السبعية والبهيمية وكثافتها وقلة ادراكها ولا على هيئات النفوس الانسانية واستعداداتها ليلزم تعلقها بالاجرام الكثيفة الغالب عليها الارضية ولا فى صفاء النفوس المجردة ولطافتها لتتصل بالعالم العلوى وتتجرد او تتعلق ببعض الاجرام السماوية متعلقة باجرام عنصرية لطيفة غلبت عليهم الهوآئية او النارية او الدخانية على اختلاف احوالها سماها بعض الحكماء الصور المعلقة ولها علوم وادراكات من جنس علومنا واركاتنا ولما كانت قريبة بالطبع الى الملكوت السماوى امكنها ان تتلقى من عالمها بعض الغيب فلا يستبعد أن ترتقى افق السماء فتسترق السمع من كلام الملائكة اى النفوس المجردة ولما كانت ارضية ضعيفة بالنسبة الى القوى السماوية تأثرت تلك القوى فرجمت بتأثيرها عن بلوغ شأوها وادراك مداها من العلوم ولا ينكر أن تشتعل اجرامها الدخانية بأشعة الكواكب فتحترق وتهلك او تنزجر عن الارتقاء الى الافق السماوى فتتسفل فانها امور ليست بخرجة عن الامكان وقد اخبر عنها اهل الكشف والعيان الصادقون من الانبياء والاولياء خصوصا اكملهم نبينا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وهى فى الوجود الانسانى لاستتارها فىغيب الباطن { فقالوا } لقومهم عند رجوعهم اليهم { انا سمعنا قرءآنا } اى كتابا مقروأ على لسان الرسول { عجبا } مصدر بمعنى العجيب وضع موضعه للمبالغة والعجيب ما خرج عن حد اشكاله ونظائره والمعنى بدعيا مباينا لكلام الناس فى حسن النظم ودقة المعنى وقال البقلى كتابا عجيبا تركبه وفيه اشارة الى انهم كانوا من اهل اللسان قال عيزار بن حريث كنت عند عبد اللّه بن مسعود وضى اللّه عنه فأتاه رجل فقال له كنا فى سفر فاذا نحن بحية جريحة تتشحط فى دمها اى تضطرب فان الشحط بالحاء المهملة لاضطراب فى الدم فقطع رجل منا قطعة من عمامته فلفها فيها فدفنها فلما امسينا ونزلنا أتانا امرأتان من احسن نساء الجن فقالتا ايكم صاحب عمر واى الحية التى دفنتموها فأشرنا لهما الى صاحبهما فقالتا انه كان آخر من بقى من استمع القرءآن من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان بين كافرى الجن ومسلميهم قتال فقتل فيهم فان كفتيم اردتم به الدنيا ثوبناكم اى عوضناكم فقلنا لا انما فعلنا ذلك لله فقالتا احسنتم وذهبتا يقال اسم الذى لف الحيه صفوان بن معطل المرادى صاحب قصة الافك والجنى عمرو بن خابر رحمه اللّه. ٢ { يهدى الى الرشد } الى الحق الصواب وصلاح الدين والدنيا كما قال عليه السلام اللهم ألهمنى رشدى اى الاهتدآء الى مصالح الدين الدنيا فيدخل فيه التوحيد والتنزيه وحقيقة الرشد هو الوصول الى اللّه تعالى قال بعضهم الرشد كالقفل خلاف الغى يقال فى الامور الدنيوية والاخروية والرشد كالذهب يقال فى الامور الاخروية فقط { فآمنا به } اى بذلك القرءآن ومن ضرورة الايمان به الايمان به جاء به ولذا قال بعضهم داخل اندر دعوت اوجن وانس ... تاقيامت امتش هر نوع وجنس اوست سلطان وطفيل اوهمه ... اوست شاهنشاه وخيل اوهمه { ولن نشرك } بعد اليوم البتة اى بعد علمنا الحق { بربنا احدا } حسبما نطق به ما فيه من دلائل التوحيد اى لا نجعل احدا من الموودات شريكا له اعتقادنا ولا نعبد غيره فان تمام الايمان انما يكون بالبرآءة من الشرك والكفر كما قال ابراهيم عليه السلام انى بريئ مما تشركون فلكونه قرءآنا معجزا بديعا موجب الايمان به ولكونه يهدى الى الرشد موجب قطع الشرك من اصله والدخول فى دين اللّه كله فمجموع قوله فآمنا به ولن نشرك بربنا احدا مسبب عن مجموع قوله انا سمعنا قرءآنا عجبا يهدى الى الرشد ولذا عطف ولن نشرك بالواو مع ان الظاهر الفاء. ٣ { وانه تعالى جد ربنا } بالفتح وكذا ما بعده من الجمل المصدرة بأن فى احد عشر موضعا عطف على انه استمع فيكون من جملة الكلام الموحى به على ان الموحى عين عبارة الجن بطريق الحكاية كأنه قيل قل اوحى الى كيت وكيت وهذه العبارات فاندفع ما قيل من انك لوعطفت وانا ظننا وانا سمعنا وانه كان رجال وانا لمسنا وشبه ذلك على أنه استمع لم يجز لانه ليس مما اوحى اليه وانما هو امر اخبروا به عن انفسهم انتهى ومن قرأ بالكسر عطف على المحكى بعد القول وهو الاظهر لوضوح اندراج الكل تحت القول وقيل فى الفتح والكسر غير ذلك والاقرب ما قلناه والمعنى وان الشأن ارتفع عظمة ربنا كما تقول فى الثناء وتعالى جدك اى ارتفع عظمتك وفى اسناد التعالى الى العظمة مبالغة لا تخفى من قولهم جد فلان فى غنى اى عظم تمكنه او سلطانه لان الملك والسلطنة غاية العظمة او غناه على انه مستعار من الجد الذى هو البخت والدولة والحظوظ الدنيوية سوآء استعمل بمعنى الملك والسلطان او بمعنى الغنى فان الجد فى اللغة كما يكون بمعنى العظمة وبمعنى أب الاب وأب الام يكون بمعنى الحظ والبخت يقال رجل مجدود اى محظوظ شبه سلطان اللّه وغناء الذاتيان الازليان يبخت الملوك والاغنياء فأطلق اسم الجد عليه استعارة { ما اتخذ صاحبة ولا ولدا } بيان لحكم تعالى جده كأنه قيل ما الذى تعالى عنه فقيل ما اتخذ أى لم يختر لنفسه لكمال تعاليه زوجة ولا بنتا كما يقول الظالمون وذلك انهم لما سمعوا القرءآن ووفقوا للتوحيد والايمان تنبهوا للخطأ فيما اعتقده كفرة الجن من تشبيه اللّه بحلقه فى اتخاذ الصاحبة والولد فاستعظموه ونزهوه تعالى عنه لعظمته ولسلطانه او لغناه فان الصاحبة تتخذ للحاجة اليها والولد للتكثير وابقاء النسل بعد فوته وهذه من لوازم الامكان والحدوث وايضا هو خارج عن دآئرة التصور والادراك فكيف يكيفه احد فيدخل تحت جنس حتى يتخذ صاحبة من صنف تحته او ولدا من نوع يماثله وقد قالت النصارى ايضا المسيح ابن اللّه واليهود عزيرا ابن اللّه وبعض مشركى العرب الملائكة بنات اللّه ويلزم من كون المسيح ابن اللّه على ما زعموا ان تكوم مريم صاحبة له ولذا ذكر الصحابة يعنى ان الولد يقتضى الام التى هى صاحبة الاب الدالدوا شار بالصحابة الى النفس وبالولد الى القلب فيكون الروح كالزوج والاب لهما وهو فى الحقيقة مجرد عن كل علاقة وانما تعلق بالبدن لتظهر قدرة اللّه وايضا ليستكمل ذاته من جهة الصفات. ٤ { وانه } اى الشأن { كان يقول سفيهنا } اى جاهلنا هو ابليس او مردة الجن فقوله سفيهنا للجنس والظاهر ان يكون ابليس من الجن كما قال تعالى كان من الجن ففسق عن امر ربه والسفه خفة الحلم ونقيضه او لجهال كما فى القاموس وقال الراغب السفه خفة فى البدن واستعمل فى خفة النفس لنقصان العقل وفى الامور الدنيوية والاخروية والمراد به فى الآية هو السفه فى الدين الذى هو السفه الاخروى كذا فى المفردات { على اللّه } متعلق بيقول اورد على لان ما قالوه عليه تعالى لا له { شططا } هو مجاوزة الحد فى الظلم وغيره وفى المفردات الافراط فى البعد اى قولا ذا شطط اى بعد عن القصد ومجاوزة الحد أو هو شطط فى نفسه لفرط بعده عن الحق فوصف بالمصدر للمبالغة والمراد الصاحبة والولد اليه تعالى وفى الآية اشارة الى ان العالم الغير العامل فى حكم الجاهل فان ابليس كان من اهل العلم فلما لم يعمل بمقتضى علمه جعل سفيها جاهلا لا يجوز التقليد له فالاتباع للجاهل ومن فى حكمه اتباع للشيطان والشيطان يدعو الى النار لانه خلق منها. ٥ { وانا ظننا ان } مخففة من الثقيلة اى ان الشان { لن تقول الانس والجن على اللّه كذبا } اعتذار منهم عن تقليدهم لسفيههم اى كنا نظن ان الشان والحديث لن يكذب على اللّه احد ابدا ولذلك اتبعنا قوله وصدقناه فى ان لله صاحبة وولدا فلما سمعنا القرءآن وتبين لنا الحق بسببه علمنا انهم قد يكذبون عليه تعالى وكذا مصدر مؤكد لتقول لانه نوع من القول واشار بالانس الى القوى الروحانية والجن الى القوى الطبيعية وقال القاشانى انس الحواس الظاهرة وجن القوى الباطنة فتوهمنا ان البصر يدرك شكله ولونه والاذن تسمع صوته والوهم والخيال يتوهمه ويتخيله حقا مطابقا لما هو عليه قبل الاهتدآه والتنور بنور الروح فلعمنا من طريق الوحى الوارد على القلب بواسطة روح القدس ان لسنا فى شئ من ادراكه فليس له شكل ولا لون ولا صوت ولا هو داخل فى الوهم والخيال وليس كلام اللّه من جنس الكلام المصنوع المتلقف بالفكر والتخيل والمستنتج من القياسات العقلية او المقدمات الوهمية والتخيلية فليس اللّه من قبيل المخلوق جنسا او نوعا او صنفا او شخصا فكيف يكون له صاحبة وولد. ٦ { وانه } اى وان الشان { كان } فى الجاهلية { رجال } كائنون { من الانس } خبر كان قوله { يعوذون } العوذ الالتجاء الى الغير والتعلق به { برجال من الجن } فيه دلالة ان للجن نساء كالانس لان لهم رجالا ولذا قيل فى حقهم انهم يتوالدون لكنهم ليسوا بمنظرين كابليس وذريته قال اه لالتفسير كان الرجل من العرب اذا امسى فى واد قفر فى بعض مسايره وخاف على نفسه يقول اعوذ بسيد هذا الوادى من شر سفهاء قومه يريد الجن وكبيرهم فيبيت فى امن وجوار حتى يصبح فاذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا سدنا الانس والجن وذلك قوله تعالى { فزادوهم } عطف على يعوذون والماضى للتحقق اى فزاد الرجال العائذون الانسيون الجن { رهفا } مفعول ثان لزاد اى تكبرا وعتوا وسفها فان الرهق محركبة يجيئ على معان منها السفه وركوب الشر والظلم قال فى آكام المرجان وبهذا يجيبون المعزم والراقى باسمائهم واسماء ملوكهم فانه يقسم عليهم باسماء من يعظمونه فيحصل لهم بذلك من الرياسة والشرف على الانس ما يحملهم على ان يعطوهم بعض سؤالهم وهم يعلمون ان الانس أشرف منهم واعظم قدرا فاذا خضعت الانس لهم واستعاذت بهم كان بمنزلة اكابر الناس اذا خضع لهم أصغرهم يقضون لهم حاجاتهم او المعنى فزاد الجن العائذين غيا بأن اضلوهم حتى استعاذوا بهم واذا استعاذوا بهم فأمنوا ظنوا ان ذلك من الجن فازدادوا رغبة فى طاعة الشياطين وقبول وساوسهم والفاء حينئذ لترتيب الاخبار واسناد الزيادة الى الانس والجن باعتبار السببية ( وروى ) عن كردم بن ابى السائب الانصارى رضى اللّه عنه انه قال خرجت مع أبى الى المدينة فى حاجة وذلك اول ما ذكر النبى عليه السلام يمكة فأدانى المبيت الى راعى غننم فلما انتصف الليل جاء الذئب فحمل حملا من الغنم فقال اراعى يا عامر الوادى جارك فنادى مناد لا نراه يقول يا سرحان ارسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل فى الغنم ولم تصبه كدمة فأنزل اللّه على رسوله بمكة وانه كان رجال الخ قال مقاتل كان اول من نعوذ بالجن قوم من اهل اليمن ثم من حنيفة ثم فشاذ لك فى العرب فلما جاء الاسلام عوذوا باللّه وتركوهم وعن على بن أبى طالب رضى اللّه عنه انه قال اذا كنت بواد تخاف فيه السبع فقل اعوذ بدانيال وبالجب من شر الأسد انتهى أشار بذلك الى ما رواه البيهقى فى الشعب ان دانيال طرح فى الجب وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتبصبص اليه فأتاه رسول فقال يا دانيال فقال من انت قال أنا رسول ربك اليك أرسلنى اليك بطعام فقال الحمد لله الذى لا ينسى من ذكره ( وروى ) اين ابى الدنيا ان بخت نصر ضرى اسدين وألقاهما فى جب وجاء بدانيان فألقاه عليهما فلم يضراه وذكر قصته فلما ابتلى دانيال بالسباع جعل اللّه الاستعاذة به فى ذلك تمنع الشر الذى لا يستطاع كما فى حياة الحيوان فعلم من ذلك ان الاستعاذة بغير اللّه مشروعة فى الجملة لكن بشرط التوحيد واعتنقاد التأثير من اللّه تعالى قال القاشانى فة الآية اى تستند القوى الظاهرة الى القوى الباطنة وتتقوى بها فزاوهم غشيان المحارم واتيان المناهى الدواعى الوهمية والنوارع الشهوية والغضبية والخواطر النفسانية. ٧ { وانهم } اى الانس { ظنوا كما ظننتم } ايها الجن على انه كلام مؤمنى الجن للكفار حين رجعوا الى قومهم منذرين فكذوهم او الجن ظنوا كما ظننتم أبها لكفرةعلى انه كلام اللّه تعالى { ان لن يبعث اللّه احدا } ان هى المخففة والجملة سادة مسد مفعولى ظنوا واعمل الاول على ما هو مذهب الكوفيين لان ما فى كما ظننتم مصدرية فكان الفعل بعدها فى تأويل المصدر والفعل أقوى من المصدر فى العمل والظاهر ان المراد بعثة الرسالة اى لن يبعث اللّه أحدا بالرسالة بعد عيسى او بعد موسى يقيم به الحجة على الخلق ثم انه بعث اليهم محدا عليه السالم خاتم النبيين فآمنوا فافعلوا أنتم يا معشر الجن مثل ما فعل الانس وقبل بعد القيامة اى لن يبعث اللّه احدا بعد الموت للحساب والجزآء. يقول الفقير فيه اشارة الى أهل الغفلة من الانس والجن فانهم يظنون باللّه ظن السوء ويقولون ان اللّه لا يبعث احدا من نوم الغفلة بل يبقيه على حاله من الاستغراق فى اللذات والانهماك فى الشهوات ولا يدرون ان اللّه تعالى يبعث من فى القبور مطلقا ويحيى اجسادهم وقلوبهم وارواحهم بالحياة الباقية لان اهل النوم لانقطاع شعورهم لا يعرفون حال اهل اليقظة وفيه اثبات العجز لله تعالى على كل شئ قدير. ٨ { وانا لمسنا السماء } اى طلبنا بلوغ السماء لاستماع ما يقول الملائكة من الحدوث او خبرها للافشاء بين الكهنة واللمس مستعار من المس للطلب شبه الطلب بالمس واللمس باليد فى كون كل واحد منهما وسيلة الى تعرف حالةالشئ فعبر عنه بالمس واللمس قال الراغب اللمس ادراك بظاهر البشرة كالمس ويعبر به عن الطلب قال فى كشف الاسرار ومنه الحديث الذى ورد ان رجلا قال لرسول اللّه عليه السلام ان امرأتى لا ندع عنها يدلامس اى لا نرديد طالب حاجة صفرا يشكوا تضييعها ماله { فوجدناها ملئت حرسا } اى حراسا وحفظه وهم الملائكة يمنعونهم عنها اسم جمع لحارس بمعنى حافظ كخدم لخادم مفرد اللفظ ولذلك قيل { شديدا } اى قويا ولو كان جمعا لقيل شدادا وقوله ملئت حرسا حال من مفعول وجدناها ان كان وجدنا بمعنى اصبنا وصادفنا ومفعول ثان ان كان من افعال القلوب اى فعلمناها مملوءة وحرسا تمييز { وشهبا } عطف على حرسا وحكمه فى الاعراب حكمه جمع شهاب وهى الشعلة المقتبسة من نار الكواكب هكذا قالوا وقد مر تحقيقه. ٩ { وانا كنا نقعد } قبل هذا { منها } اى من السماء { مقاعد للسمع } خالية عن الحرس والشهب يحصل منها مقاصدنا من استماع الاخبار للالقاء الى الكهنة او صالحة للترصد والاستماع وللسمع متعلق بنقعد اى على الوجه الاول اى لاجل السمع او بمضمر هو صفة لمقاعد اى على الثانى اى مقاعد كائنة للسمع وفى كشف الاسرار اى مواضع لاستماع الاخبار من السماء وكان لكل حى من الجن باب فى السماء يستمعون فيه ومن احاديث البخارى عن عائشة رضى اللّه عنها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ان الملائكة تنزل فى العنان وهو بالفتح السحاب فتذكر الامر الذى قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه الى الكهان فيكذبون معه مائة كذبة من عند أنفسهم. يقول الفقير وجه التوفيق بين الاستراق من السماء ومن السحاب ان الملائكة مرة ينزلون فى العنان فيتحدثون هناك واخر يتذاكرون فى السماء ولا منع من عروج الشياطين الى السماء فى مدة قليلة للطافة اجسامهم وحيث كانت نارية او هوآئية او دخانية لا يتأثرون من النار او هوآئية حين المرور بكرتهما ولو سلم فعروجهم من قبيل الاستدراج ولله فى كل شئ حكمة واسرار { فمن } شرطية { يستمع الآن } فى مقعد من المقاعد ويطلب الاستماع والآن اى فى هذا الزمان وبعد المبعث وفى اللباب ظرف حالى استعير للاستقبال { يجد له } جواب الشرط والضمير لمن اى يجد لنفسه { شهابا رصدا } الرصد الاستعداد للترقب اى شهابا راصدا له ولاجله يصده عن الاستماع بالرجم او ذوى شهاب راصدين له ليرجموه بما معهم من الشهب على انه اسم مفرد فى معنى الجمع كالحرس فيكون المراد بالشهاب الملائكة بتقدير المضاف ويجوز نصب رصدا على المفعول له وفى الآية اشارة الى طلب القوى الطبيعية أن تدخل سماء القلب فوجدتها محفوفة بحراس الخواطر الملكية والرحمانية يحرسونها عن طرق الخواطر النفسانية والشيطانية بشهاب نار نور القلب المنور بنور الرب وكان الشهاب والرجم قبل البعثة النبوية لكن كثر بعدها وزاد زيادة بينة حتى تنبه لها الانس والجن ومنع الاستراق اصلا الثلايلتبس على الناس اقوال الرسول المستندة الى الوح الالهى باقوال الكهنة المأخوذة من الشياطين مما استقروا من اقوال اهل السماء ويدل على ما ذكر قوله تعالى فوجدناها ملئت حرسا شديدا فانه يدل على ان الحادث هو الكمال والكثرة اى زيدت حرسا وشهبا حتى امتلأت بها وقوله تعالى وانا كنا نقعد منها مقاعد اى كنا نجد فيهما بعض المقاعد حالية عن الحرس والشهب والآن قد ملئت المقاعد كلها فلما رأى الجن ذلك قالوا ما هذا الا لام اراده اللّه بأهل الارض وذلك قولهم. ١٠ { وانا لا ندرى أشر أريد بمن فى الارض } بحراسة السماء منا { ام أراد بهم ربهم رشدا } اى خيرا واصلاحا اوفق لمصالحهم والاستفهام لاظهار العجز عن الاطلاع على الحكمة قال بعضهم لعل التردد بينهما مخصص بالاستفهام وأن يكون فاعل فعل مضمر مفسر بما بعده بمعنى لا ندرئ اريد شر ام خير ورجحوه للموافقة بين المعطوفين فى كونهما جملة فعليه والباء فى الموضعين متعلقة بما قبلها والجملة الاستفهامية قائمة مقام المفعول ونسبة الخير الى اللّه تعالى دون الشر من الآداب الشريفة القرءآنية كما فى قوله تعالى واذا مرضت فهو يشفين ونظائره قال صاحب الانتصاب ومن عقائد الجن ان الهدى والضلال جميعا من خلق اللّه تعالى فتأدبوا من نسبة الرشاد اليه وجعلوا الشر مضمر الفاعل فجمعوا بين حسن الاعتقاد والأدب. ١١ { وانا منا الصالحون } اى الموصوفون بصلاح الحال فى شأن أنفسهم وفى معاملتهم مع غيرهم او ما يكون الى الخير والصلاح حسبما تقتضيه الفطرة السليمة لا الى الشر والفساد كام هو مقتضى النفوس الشريرة والقصر ادعائى كأنهم لم يعتدوا بصلاح غير ذلك البعض فالصالحون مبتدأ وما خبره المقدم والجملة خبر ان ويجوز أن يكون الصالحون فاعل الجاروالمجرور الجارى مجرى الظرف لاعتماده على المبتدأ { ومنا دون ذلك } اى قوم دون ذلك فى الصلاح فحذف الموصوف لانه ليجوز حذف هذا الموصوف فى التفصيل بمن حتى قالوا منا ظعن ومنا اقام يريدون منا فريق ظعن ومنا فريق أقام ودون ظرف وهم المقتصدون فى صلاح الحال على الوجه المذكور غير الكاملين فيه لا فى الايمان والتقوى كما توهم فان هذا بيان لحالهم قبل استماع القرءآن كمايعرب به عنه قوله تعالى { كنا طرآئق قددا } واما حالهم بعد استماعه فسيحكى بقوله وانا لام سمعنا الهدى الى قوله وانا منا المسلمون اى كنا قبل هذا طرآئق فى اختلاف الاحوال فهو بيان للقسمة المذكورة وقدر المضاف لامتناع كون الذوات طرآئق قالوا فى الجن قدرية ومرجئة وخوارج وروافض وشيعية وسنية قال فى المفردات جمع الطريق طرق وجمع الطرق طرآئق والظاهر أن الطرآئق جمع طريقة كقصائد جمع قصيدة ثم قال وقوله تعالى كنا طرآئق قددا اشارة الى اختلافهم فى درجاته كقوله هم درجات والطريق الذى يطرق بالارجل اى يضرب ومنه استعير كل مسلك يسلكه الانسان فى فعل محمودا كان او مذموما وقيل طرقة من النخل تشبيها بالطريق فى الامتداد والقد قطع الشئ طولا والقد المقدود ومنه قيل لقامة الانسان قد كقولك تقطيعه والقدرة كالقطعة يعنى انها من القد كالقعطة من القطع وصفت الرآئق بالقدد دلالتها على معنى التقطع والتفرق وفى القاموس القدة الفرقة من الناس هوى كل واحد على حدة ومنه كنا طرآئق قددا اى فرقا مختلفة اهوآؤها وقد تعددوا قال القاشانى وانا منا الصالحون كالقوى المدبرة لنظام المعاش وصلاح البدن ومنادون ذلك من المفسدات كالوهم ولغضب والشهوة والمعاملة بمقتضى هوى النفس والمتوسطات كالقوى النباتية الطبيعية كنا ذوى مذاهب مختلفة لكل طريق ووجهة مما عينه اللّه ووكله به قال بعض المفسرين المراد بالصالحين السابقون بالخيرات وبما دون ذلك اى أدنى مكان منهم المقتصدون الذين خلطو اعملا صالحا وآخر سيئا واما الظالمون لانفسهم فمندرج فى قوله تعالى كسا طرآئق قددا فيكون تعميما بعد تخصيص على الاستئناف ويحتمل أن يكون دون بمعنى غير فيندرج القسمان الاخيران فيه. ١٢ { وانا ظننا } اى علمنا الآن بالاستدلال والتفكر فى آيات اللّه فالظن هنا بمعنى اليقين لان الايمان لا يحصل بالظن ولان مقصودهم تغريب اصحابهم وترهيبهم وذا العلم لا بالظن كما قال عليه السلام انا النذير العريان { ان } اى ان الشان { لن نعجز اللّه } عن امضاء ما اراد بنا كائنين { فى الارض } اينما كنا من اقطارها فقوله فى الارض حال من فاعل نعجز والاعجاز عاجز كردن { ولن نعجزه هربا } قوله هربا حال من فاعل لن نعجز اى هاربين من الارض الى السماء والى الجارو والى جبل قاف او لن نعجزه فى الارض ان أراد بنا أمزا ولن نعجزه هرن ان طلبنا فالقرار من موضع الى موضع وعدمه سيان فأن شيأ منهما لا يفيد فواتنا منه ولعل الفائدة فى ذكر الارض حينئذ الاشارة الى انها مع سعتها وانبساطها ليست منجى منه تعالى ولا مهربا. ١٣ { وانا لما سمعنا الهدى } اى القرءآن الذى يهدى للتى هى أقوم { آمنا به } من غير تأخير وتردد { فمن يؤمن بربه } وبما أنزله من الهدى { فلا يخاف } اى فهو لا يخاف فالكلام فى تقدير مبتدأ وخبر ولذلك دخلت الفاء لولا ذلك القيل لا يخف وفائدة رفع الفعل ووجوب ادخال الفاء انه دال على تحقيق ان المؤمن ناج لا محالة وانه المختص بذلك دون غيره { بخسا } اى نقصا فى الجزآء { ولا رهقا } ولا أن ترهقه ذلة وتغشاه او جزآء بخس ولا رهق اى ظلم اذ لم يبخس احدا حقا ولا رهق اى ظلم احدا فلا يخاف جزاء هما وفي دلالة على ان من حق من آمن باللّه أن يجتنب المظالم ومنه قوله عليه السلام ( المؤمن من امنه الناس على انفسهم واموالهم ) قال الواسطى رحمه اللّه حقيقة الايمان ما اوجب الامان فمن بقى فى مخاوف المرتابين لم يبلغ الى حقيقة الايمان. ١٤ { وانا منا المسلمون } اى بعد استماع القرءآن { ومنا القاسطون } الجائرون عن طريق الحق الذى هو الايمان والطاعة لافقاسط الجائر لانه عادل عن الحق والمقسط العادل لانه عادل الى الحق يقال قسط اذا جاروأقسط اذا عدل وقد غلب هذا الاسم اى القاسط على فرقة معاوية ومنه الحديث خطابا لعلى رضى اللّه عنه ( تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ) فالانكثون اصحاب عائشة رضى اللّه عنها فانهم الذين نكثوا البيعة اى نقضوها واستنزلوا عائشة رضى اللّه عنها فانهم الذين نكثوا البيعة اى نقضوها واستنزلوا عائشة وساروا بها الى البصرة على جمل اسمه عسكر ولذا سميت الوقعة يوم الجمل والقاسطون اصحاب معاوية لانهم قسطوا اى جاروا حين حاربوا الامام الحق والوفعة تعرف بيوم صفين والمارقون الخوارج فانهم الذين مرقوا اى خرجوا من دين اللّه واستحلوا القتال مع خليفة رسول اللّه عليه السلام وهم عبد اللّه ابن وهب الراسى وحرقوص بن زهير البجلى المعروف بذى الثدية وتعرف تلك الواقعة بيوم النهروان هى من ارض العراق على اربعة فراسخ من بغداد { فمن اسلم } بس هركه كردن نهاد امر خدايرا همجنانجه ما كرده ايم قال سعدى المفتى يجوز أن يكون من كلام الجن ويجوز أن يكون مخاطبة من اللّه لرسوله ما فيما بعده من الآيات { فاولئك } اشارة الى من اسلم والجمع باعتبار المعنى { تحروا } التحرى فى الاصل طلب الآحرى والاليق قولا او فعلا اى طلبوا وقصدوا { رشدا } يقال رشد كنصر وفرح رشد او رشدا رشادا اهتدى كما فى القاموس اى اهتدآء الى طريق الحق والصواب يبلغهم على دار الثواب فتحرى الرشد مجاز عن ذلك بعلاقة السببية وبالفارسية قصد كرده انداره راست وازان بمقصد خواهندرسيد. ودل على ان للجن ثوابا على اعمالهم لانه ذكر سبب الثواب وموجبه وقد سبق تحقيقه. ١٥ { واما القاسطون } الجائرون عن سنن الهدى { فكانوا لجهنم حطبا } الحطب ما يعد للايقاد اى حطبا توقد بهم كما توقد بكفرة الانس ( روى ) ان الحجاج قال لسعيد بن جبير حين أراد قتله منا تقول فى قال انك قاسط عادل فقال الحاضرون ما احسن ما قال حسبوا انه يصفه بالقسط والعدل فقال الحجاج يا جهلة جعلنى جاهلا كافرا وتلا قوله تعالى واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وقوله تعالى ثم الذين كفروا بربهم يعدلون واسند بعضهم قول سعيد الى امرأة كما قال فى الصحاح ومنه قول تلك المرأة للحجاج انك قاسط عادل فيحتمل التوارد. ١٦ { وان لو استقاموا } ان مخففة من الثقيلة والجملة معطوفة قطعا على انه استمع والمعنى واوحى الى ان الشان لو استقام الجن او الانس او كلاهما { على الطريقة } التى هى ملة الاسلام { لاسقيناهم ماء غدقا } الاسقاء والسقى بمعنى وقال الراغب السقى والسقيا هو أن تعطيه ماء ليشرب والاسقاء أن تجعل له ذلك له حتى يتناوله كيف شاء كما يقال اسقينه نهرا فالاسقاء ابلغ وغدق من باب علم اذا غزر وصف الماء به للمبالغة فى غزارته كرجل عدل وتخصيص الماء الكثير بالذكر لانه اصل السعة وان كان اصل المعاش هو اصل الماء لا كثرته ولعزة وجوده بين العرب قال عمر رضى اللّه عنه اينما كان الماء كان العشب واينما كان العشب كان المال واينما كان المال كانت الفتنة والمعنى لاعطيناهم مالا كثيرا وعيشا رغدا ووسعنا على الرزق فى الدنيا وبالفارسية هرآيينه بدهيم ايشان را آب بسيار بعد ازنتل سالى يعنى روزى برايشان فراخ كردنيم. وفيه دلالة على الطريق هو القيام على سبيل السنة والميل الى اهل الصلاح وبالاسقاء الافاضة على قلوبهم ماء الوداد. ١٧ { لنفتنهم فيه } فنختبرهم فى ذلك الاسقاء والتوسيع كيف يشكرونه كما قال تعالى وبلوناهم بالحسنات او فى ذلك الماء والمآل واحد ( وقال الكاشفى ) ابيازماييم ايشانرادوآن زندكانى كه بوظائف شكر جكونه قيام نمايند. وفيه اشارة الى ان المرزوق بالرزق الروحانى والغذدآء المعنوى يجب عليه القيام بشكره ايضا وذلك بوظائف الطاعات وصنوف العبادات وضروب الخدمات { ومن يعرض عن ذكر ربه } عن عبادته او عن موعظته او وحيه { يسلكه } يدخله { عذابا صعدا } اى شاقا صعبا يتصعد اى يعلو لمعذب ويغلبه فلا يطيقه على انه مصدر وصف به للمبالغة يقال سلكت الخيط فى الابرة اذا ادخلته فيها اى يسلكه فى عذاب صعد كما قال ما سلككم فى سقر أى ادخلهم فيها فخذف الجار واوصل الفعل ثم ان كان اعراضه بعدم التصديق عذابه بالتأييد والا فبقدر جزيمته ان لم يغفر له وروى ان صعدا جبل فى النار اذا وضع عليه يديه او رجليه ذابتا واذا رفعهما عادتا وقال بعضهم صعدا جبل املس فى جهنم ويكلف الوليد ابن المغيرة صعوده اربعين عاما فيجذب من اعلاه بالسلام فاذا انتهى الى اعلاه انحدر الى اسفله ثم يكلف ثانيا نهكذا يعذب ابدا. ١٨ { وان المساجد له } عطف على قوله انه استمع اى واوحى الى ان المساجد مختصة باللّه تعالى وبعبادته خصوصا المسجد الحرام ولذلك قيل بيت اللّه فالمراد بالمساجد المواضع التى بنيت للصلاة وذكر اللّه ويدخل فيها البيوت التى بينها اهل الملل للعبادة نحو الكنائس والبيع ومساجد المسلمين ثم هذا لا ينافى ان تضاف المساجد وتنسب الى غيره تعالى بوجه آخر اما لبانيها كمسجد رسول اللّه او لمكانها كمسجد بيت المقدس الى غيره ذلك من الاعتبارات واعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد المحال ثم مساجد الشوارع ثم مساجد البيوت { فلا تدعوا } اى لا تعبدوا فيها الفاء للسببية { مع اللّه احدا } اى لا تجعلوا احدا غير اللّه شريكا لله فى العبادة فاذا كان الاشراك مذموما فكيف يكون حال تخصيص العبادة بالغير ( قال الكاشفى ) بس مخوانيد دران باخداى تعالى يكى راجنانجه يهود ونصارى در كنايس وصوامع خود عزبر ومسيح را بالوهيت ياد ميكنند وجنانكه مشركان در حوالئ بيت الحرام ميكويند لبنك لا شريك لك الا شريك هو لك تملكه وما ملك وكفته اندمراد ازين مساجد تمام روى زمينست كه مسجد حضرت سيد المرسلين است لقوله عليه السلام ( جعلت لى الارض مسجدا وتربتها طهورا ) بس در هيج بقعه با ياد خدا ياد ديكرى نيكوا نباشد دلرا بجزا زياد خدى شاد مكن ... بايادوى از كسى ديكر ياد مكن قال بعض العارفين انما تبرأ تعالى من الشريك لانه عدم واللّه وجود فتبرأ من العدم الذى لا يلحقه اذ هو واجب الوجود لذاته واللّه تعالى مع الخلق ما الخلق مع اللّه لانه تعالى يعلمهم وهم لا يعلمونه فهو تعالى معهم اينما كانوا فى طرفية امكنتهم وازمانهم واحوالهم ما الخلق معه تعالى فانهم لا يعرفونه حتى يكونوا معه ولو عرفوه من طريق الايمان كانوا كالاعمى يعلم انه جليس زيد ولكن لا يراه فهو كأنه يراه بخلاف اهل المشاهدة فانه ذو بصر الهى فمن دعاء اللّه مع اللّه ما هو كمن دعاء الخلق مع اللّه هذا معنى فلا تدعوا مع اللّه احدا ثم ان السجود وان كان لله لا يقع فى الحسن أبدا الا لغير اللّه اى لجهة غير اللّه لان اللّه ليس بجهة بل هو بكل شئ محيط فما وقع من عبد سجود الا لغير اللّه لكن منه ما كان لغير اللّه عن امر اللّه كالسجود لآدم وهو مقبول ومنه ما كان عن غيره امره كالسجود للاصنام وهو مردود وانما وضعت المساجد للتعظيم كما انه عينت القبلة للأدب يروى عن كعب انه قال انى لاجد فى التوراة ان اللّه تعالى يقول ان بيوتى فى الارض المساجد وان المسلم اذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زآئر اللّه وحق على المزور ان يكرم زآئره ومن هنا قالوا ان من دخل المسجد ينوى زيارة اللّه تعالى قال بعض اهل المعرفة ان مساجد القلوب لزور تجلية فلا ينبغى ان يكون فيها ذكر غير اللّه قال بعضهم ان مساجد القلوب الصافية عن القاذورات مختصة باللّه تعالى وبلاتجليات الذاتية والصفاتية والاسمائية فلا تدعوا مع اللّه احدا من الاسماء الجزئية اى طهروا مساجد قلوبكم لتجلى اسم اللّه الاعظم فيها لا غير وقال ابن عطاء مساجدك اعضاؤك التى امرت ان تسجد عليها لا تخضعها ولا تذللها لغير خالقها وهى الوجه واليدان والركبتان والرجلان والحكمة فى السجود على هذه الاعظم ان هذه الاعضاء التى عليها مدار الحركة هى المفاصل التى تنفتح وتنطبق فى المشى والبطش واكثر السعى ويحصل بها اجتراح السيئات وارتكاب الشهوات فشرع اللّه به السجود للتكفير ومحو الذنب والتطهير. ١٩ { وانه } من جملة الموحى به اى واوحى الى ان الشان { لما قام عبد اللّه } اى النبى عليه السلام ولذا جعلو فى اسمائه لانه هو العبد الحقيقى فى الحقيقة المضاف الى اسم اللّه الاعظم فرقا وان كان هو المظهر له جمعا. ودر آثار آمده كه آن حضرت را عليه السلام هيج نام ارين خوشتر نيامده جه شريطه عبادت وعبوديت بروجهى كه آن حضرت قيام هيجكس را قدرت براقامت بران نبوده لا جرم دروقت عروج آن حضرت برمنازل ملكى باين اسم مذكور شد كه سبحان الذى اسرى بعبده وبهنكام نزول قرآن از مدارج فلكى اورا يهمين نام ميكندكه تبارك الذى نزل الفرقان على عبده آن بننده شعار بندكى دوست ... كزجمله بندكان كزين اوست دادند ببند كيش راهى ... كانراكنديده هيج شاهى وايراده عليه السلام بلفظ ا لعبد للاشعار بما هو المقتضى لقيامه وعبادته وهو العبودية اى كونه عبداللّه وللتوضع لانه واقع موقع كلامه عن نفسه اذا التقدير وأوحى الى انى لما قمت وهذا على قرآءة الفتح واما على قرآءة نافع وأبى بكر فيتعين كونه للاشعار بالمتقضى وفيه تعريض لقريش بانهم سمعوا عبد ود وعبد يعوث وبعد مناف وعبد شمس ونحوها لا عبد اللّه وان من سمى منهم بعد اللّه فانما هى من قبيل التسمية المجردة عن معانيها { يدعوه } حال من فاعل قام اى يعبده وذلك قيامه لصلاة الفجر بنخلة كما سبق { كادوا } اى قرب الجن { يكونون عليه لبدا } جمع لبدة بالسكر نحو قربة وقرب وهى ما تلبد بعضه على بعد اى تراكب وتلاصق ومنها لبدة الاسد وهى الشعر املتاركب بين كتفيه والمنى متراكبين بركب بعضهم بعضا ويقع من ازد حامهم على النبى عليه السلام تعجبا مما شاهدوا من عبادته وسمعوا بما لم يسمعوا بنظيره وعلى قرآءة الكسر اذا جعل مقول الجن فضمير كادوا لاصحاب عليه السلام الذين كانوا مقتدين به فى الصلاة. يقول الفقير فى هذا المقام اشكار على القرءآتين جميعا لان المراد ان كان ما ذهب اليه ابن عباس رضى اللّه عنهما على ما ذهب اليه المفسرون فلا معنى للزدحام اذ كان الجن بنخلة نفرا سبعة او تسعة ولا معنى لازدحام النفر القليل مع سعة المكان وقرب القارى وانما وقع الازدحام فى الحجون بعد العود من نخلة على ما رواه ابن مسعود رضى اللّه عنه ولا مخلص الا بأن يقال لم يزالوا بدنون من جهة واحدة حتى كادوا يكونون عليه لبدا او بأن يتجوز فى النفر وحينئذ يبقى تعيين العدد على ما فعله بعضهم بلا معنى وان كان المراد ما ذهب اليه ابن مسعود رضى اللّه عنه ففيه ان ذلك كان بطريق المشاهدة على ما اسفلناه فى الاحقاف ولا معنى لاخباره بطريق الوحى على ما مضى فى اول السورة وايضا انه لم يكن معه عليه السلام اذ ذاك الانفر قليل من اصحاب بل لم يكن الا زيد ابن حارثة رضى اللّه عنه على ما فى انسان العيود فلا معنى للازدحام واللّه اعلم بمراده. ٢٠ { قل انما ادعو } اى اعبد { ربى ولا اشرك به } اى بربى فى العبادة { احدا } فليس ذلك ببدع فلا مستنكر يوجب التعجب او الاطباق على عداوتى وهذا حالى فليكن حالكم ايضا كذلك. ٢١ { قل انى لا املك } لا استطيع { لكم } ايها المشركون { ضرا ولا رشدا } كأنه اريد لا املك ضرا ولا نفعا ولا غيا ولا رشدا اى ليس هذا بيدى بل بيد اللّه تعالى فانه هو الضار النافع الهادى المضل فترك من كلا المتقابلين ما ذكر فى الآخر فالآية من الاحتباك وهو الحذف من كل ما يدل مقابله عليه وفى التأويلات النجمية اى من حيث وجوده المضاف اليه كما قال انك لا تهدى من احببت واما من حيث وجوده الحق المطلق فانه يملك الضر والشر كقوله وانك لتهدى الى صراط مستقيم قال القاشانى اى غيا وهدى انما الغواية والهداية من اللّه ان سلطنى عليكم تهتدوا بنورى والا بقيتم فى الضلال ليس فى قوتى ان اقسركم على الهداية. ٢٢ { قل انى لن يجيرنى } ينقذنى ويخلصنى { من اللّه } من قهره وعذابه ان خالفت امره واشركت به { احدا } ان استنقذته او لن ينجينى منه احد ان أرادنى بسوء قدره على من مرض او موت او غيرهما قال بعضهم هذه لفظة تدل على الاخلاص فى التوحيد اذا التوحيد هو صرف النظر الى الحق لا غير وهذا لا يصح الا بالاقبال على اللّه والاعراض عما سواه والاعتماد عليه دون ما عداه { ولن اجد من دونه ملتحدا } يقال ألحد فى دين اللّه والتحد فيه اى مال عنه وعدل ويقال للملجأ الملتحد لان اللاجئ يميل اليه والمعنى ولن اجد عند الشدآئد ملتجأ غيره تعالى وموئلا ومعد فلا ملجأ ولا موئل ولا معدل الا هو وهذا بيان لعجزه عليه السلام عن شؤون نفسه بعد بيان عجزه عن شؤون غيره اى واذلا املك لنفسى شيأ فكيف املك لكم شيأ. ٢٣ { الا بلاغا من اللّه } استثناء متصل من قوله لا املك اى من مفعوله فان التبليغ ارشاد ونفع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفى الاستطاعة عن نفسه فلا يضر طول الفصل بينهما وفائدة الاستثناء المبالغة فى توصيف نفسه بالتبليغ لدلالته على انه لا يدع التبليغ الذى يستطيعه لتظاهرهم على عداوته وقوله من اللّه صفة بلاغا اى بلاغا كائنا منه وليس متعلقا بقوله بلاغان صلة التبليغ فى المشهور انما هى كلمة عن دون من وبلاغا واقع موضع التبليغ كما يقع السلام والكلام موقع التسليم والتكليم او استثناء من قوله ملتحدا اى لن اجد من دونه تعالى منجى الا ان ابلغ عنه ما ارسلى به فهو حينئذ منقطع فان البلوغ ليس ملتحدا من دون اللّه لانه من اللّه وباعانته وتوفيقه { ورسالاته } عطف على بلاغا باضمار المضاف وهو البلاغ اى لا املك لكم الا تبليغا كائنا منه تعالى وتبليغ رسالاته التى ارسلنى بها يعنى الآن ابلغ عن اللّه وقول قال اللّه كذا ناسبا للمقالة اليه وان ابلغ رسالاته التى ارسلنى بها من غير زيادة ولا نقصان وقال سعدى المفتى لعل المراد من بلاغا من اللّه ما هو ما يأخذه منه تعالى بلا واسطة ومن رسالته ما هو بها انتهى والمراد بالرسالة هو ما ارسل الرسول به من الامور والاحكام والاحوال لا معنى المصدر والظاهر أن المراد الا التبليغ والرسالة من اللّه تعالى وجمع الرسالة باعتبار تعدد ما ارسل هو به { ومن يعص اللّه ورسوله } فى الامر بالتوحيد بأن لا يمتثل امرهما به ودعوتهما اليه فيشرك به اذا الكلام فيه وهو يصلح ان يكون مخصصا للعموم فلا متمسك للمعتزلة فى الآية على تخليد عصاة المؤمنين فى النار { فان له نار جهنم خالدين فيها } اى فى النار أو فى جهنم والجمع باعتبار المنى { ابدا } بلا نهاية فهو دفع لان يراد بالخلوق المكث الطويل. ٢٤ { حتى اذا رأوا ما يوعدون } غاية لمحذوف يدل عليه الحال من استضعاف الكفار لانصاره عليه السلام ولاستقلالهم لعددهم حتى قالواهم بالاضافة الينا كالحصاة من حبال كأنه قيل لا يزالون على ما هم عليه حتى اذا رأوا ما يوعدون من فنون العذاب فى الآخرة { فسيعلمون } حينئذ عند حلوله بهم { من اضعف ناصرا واقل عددا } اى فسيعلمون الذى هو اضعف واقل أهم ام المؤمنون فمن موصولة واضعف خبر مبتدأ محذوف ويجوز ان تكون استفهامية مرفوعة بالابتدآء واضعف خبره والجملة فى موضع نصب سدت مسد مفعولى العلم وناصر وعددا منصوبان على التمييز وحمل بعضهم ما توعدون على ما رأوه يوم بدر وايا ما كان ففيه دلالة على ان الكفار مخذولون فى الدنيا والآخرة وان كثروا عددا وقورا جسدا لان الكفارين لا مولى لهم وان المؤمنين منصورون فى الدارين وان قلوا عددا وضعفوا جسدا لان اللّه مولاهم والواحد على الحق هو السود الاعظم فان نصره ينزل من العرش ( قال الحافظ ) تيغى كه اسنمانش ازفيض خود دهدآب ... تهنا جهان بكيردبى منت سباهى ٢٥ { قل ان ادرى } اى ما ادرى لان ان نافية { اقريب } غير مقدم لقوله { ما توعدون } ويجوز ان يكون ما توعدون فاعلا لقريب سادا مسد الخبر لوقوعه بعد الف الاستفهامية وما موصولة والعائد محذوف اى اقريب الذى توعدونه نحو اقائم الزيدان { ام يجعل له ربى امدا } اى غاية تطول مدتها والامد وان كان يطلق على القريب ايضا الا ان المقابلة تخصصه بالبعيد والفرق بين الزمان والامد أن الامد يقال باعتبار الغاية ولزمان عام فى المبدأ والغاية والمعنى ان الموعود كائن لا محالة واما وقته فما ادرى متى يكون لان اللّه لم ببينه لما رأى فى اخفاء وقته من المصلحة وهو رد لما قاله المشركون عند سماعهم ذلك متى يكون الموعود انكارا له واستهزآء فان قيل أليس قال عليه السلام ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) فكان عالما بقرب وقوع القيامة فكيف قال ههنا لا أدرى اقريب ام بعيد والجواب ان المراد بقرب وقوعه هو ان ما بقى من الدنيا اقل ممن انقضى فهذا القدر من القرب معلوم واما قربه بمعنى كونه بحيث يتوقع فى كل ساعة فغير معلوم على ان كل آت قريب ولذا قال تعالى أتى امر اللّه فلا تستعجلوه وقال كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبقوا الا ساعة من نهار وذلك بالموت للمتقدمين ووقوع عين القيامة للمتأخرين كما اوعد نوح عليه السلام بالطوفان لم يدركه بعضهم بل هلك قبله وغرق فى طوفان الموت وبحر البلاء قال بعض اهل المعرفة قل ان ادرى أقريب ما توعدون فى القيامة الصغرى من افناء الصورى والموت الطبيعى الاضطرارى والدخلو فى نار اللّه الكبرى عند البعث لعدم الوقوف على قدر اللّه او فى الكبرى من الموت لارادى والفناء الحقيقى لعدم القوف على قوة الاستعداد فيقع عاجلا ام ضرب اللّه غاية واجلا. ٢٦ { عالم الغيب } وحده وهو خبر مبتدأ محذوف اى هو عالم لجميع ما غاب عن الحس على ان اللام للاستغراق والجملة استئناف مقرر لما قبله من عدم الدراية { فلا يظهر } آكاه نكند { على غيبه احدا } الفاء لترتيب عدم الاظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب على الاطلاق اى فلا يطلع على غيبه اطلاعا كاملا ينكشف به جليلة الحال انكشافا تاما موجبا لعين اليقين احد من خلقه. ٢٧ { الا من ارتضى من رسول } الارتضاء بسنديدون واصله تناول مرضى الشئ اى الا رسولا ارتضاه واختاره لاظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقا ما اما لكونه من مبادى رسالته بان يكون معجزة دالة على صحبتها واما لكونه من اركانها واحكامها كعامة التكاليف الشرعية التى امر بها المكلفون وكيفيات اعمالهم واجزيتها المترتبة عليها فى الآخرة وما تتوقف هى عليه من احوال الآخرة التى من جملتها قيام الساعة والبعث وغير ذلك من الامور الغيبية التى بيانها من وظائف الرسالة واما ما لا يتعلق بها على احد الوجهين من الغيوب التى من جملتها وقت قيام الساعة فلا يظهر عليه احدا أبدا عى ان بيان وقته محل بالحكمة التشريعية التى عليها ايدور فلك الرسالة وليس فيه ما يدل على نفى كرامات الاولياء المتعلقة بالكشف فان اختصاص الغاية القاصية من مراتب الكشف بالرسل لا يستلزم عدم حصور مرتبة ما من تلك المراتب لغيرهم اصلا ولا يدعى احدا لاحد من الاولياء ما فى مرتبة الرسل من الشكف الكامل الحاصل بالوحى الصريح بل اطلاعهم بالاخبار الغيبى والتلفق من الحق فيدخل فى السرول وارئه قال الجنيد قدس سره قعد على غلام نصرانى متنكرا وقال أيها الشيخ ما معنى قوله عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه قال فأطرقت رأسى ورفعت فقلت اسلم اسلم فقد حان وقت اسلامك فأسلم الغلام فهذا اما بطريق الفراسة او بغيرها من انواع الشكوف وخرج من البين اهل الكهانة والتنجيم لانهم ليسوا من اهل الارتضاء والاصطفاء كالانبياء والاولياء فليس اخبارهم بطريق الالهام والكشف بل بلامارات والظنون ونحوها ولذا لا يقع اكثرها الا كاذبا ومن قال أنا اخبر من اخبار الجن يكفر لان الجن كالانس لا تعلم غيبا وقد سبق ان الكهانة انقطعت اليوم فلا كهانة أبدا لان الشياطين منعوا من السماء قال ابن الشيه انه تعالى لا يطلع على الغيب الذى يختصب به علمه الا المرتضى الذى يكون رسولا ولما لا يختص به يطلع عليه غير الرسول اما بتوسط الانبياء او بنصب الدلائل وترتيب المقدمات او بأن يلهم اللّه بعض الاولياء وقوع بعض المغيبات فى المستقبل بواسطة الملك فليس المراد بهذه الآية ان لا يطلع احدا على شئ من المغيبات الا الرسل لظهور أنه تعالى قد يطلع على شئ من الغيب غير الرسل كما اشتهر ان كهنة فرعون اخبروا بظهور موسى عليه السلام وبزوال ملك فرعون على يده وان بعض الكهنة اخبروا بظهور نبينا محمد عليه السلام قبل زمان ظهوره ونحو ذلك من المغيبات وكانوا صادقين فيه وارباب الملل والاديان مطبقون على صحة علم التعبير والمعبر قد بخبر عن وقوع الوقائع الآتية فى المستقبل ويكون صادقا فيه ثم الآية نظير قوله تعالى وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكن اللّه يجبتى من رسوله من يشاء { فانه يسلك } بس بدرستى كه درمى آرد خداى تعالى يعنى ميسازد. وبالعربية يدخل ويثبت { من بين يديه } اى قدام الرسول المرتضى { ومن خلقه رصدا } قال فى القاموس الرصد محركة الراصدون اى الراقبون بالفارسية نكهبانان . يقال للواحد والجماعة كما فى المفردات وهو تقرير وتحقيق للاظهار المستفاد من الاستثناء وبيان لكيفيته اى فانه تعالى يسلك من جميع جوانب الرسول عند اظهاره على غيبه حرسا من الملائكة يحرسونه من بعض الشياطين لما اظهره عليه من الغيوب المتعلقة برسالته يعنى ان جبريل كان اذا نزل بالرسالة نزل معه ملائكة يحفظونه من ان يسمع الجن الوحى فيلقونه الى كهنتهم فتخبر به الكهنة قبل الرسول فيختلط على الناس امر الرسالة قال القاشانى الامن ارتضى من رسول اى اعده فى الفطرة الاولى وزكاه وصفاه من رسول القوة القدسية فانه يسلك من بين يديه اى من جالبه الالهى ومن خلفه اى ومن جهته البدنية رصدا حفظة اما من جهة اللّه التى اليها وجهه فروح القدس والانوار الملكوتية والربانية واما من جهة البدن فالملكات الفاضلة والهيئات النورية الحاصلة من هيا كل الطاعات والعبادات يحفظونه من تخبط الجن وخلط كلامهم من الوساوس والاوهام والخيلات بمعارفها اليقينية ومعانياه القدسية والواردات المغيبية والكشوف الحقيقية. ٢٨ { ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربهم } متعلق بيشلك غاية له من حيث انه مترتب على الابلاغ المترتب عليه اذا لمراديه العلم المتعلق بالابلاغ الموجود بالفعل وان مخففة من الثقيلة واسمها الذى هو ضمير الشأن محذوف والجملة خبرها اولابلاغ الايصال وبالفارسية رسانيدن . ورسالات ربهم عبارة عن الغيب الذى اريد اظهار المرتضى عليه والجمع باعتبار تعدد افراده وضمير أبلغوا اما للرصد فالمعنى انه تعالى يسلكهم من جميع جوانب المرتضى ليعلم ان الشأن قد أبلغنوه رسالات ربهم سالمة عن الاختطاف والتخليط علما مستتبعا للجزآء وهو أن يعلمه موجودا حاصلا بالفعل كما فى قوله تعالى حتى نعلم المجاهدين منكم والغاية فى الحقيقة هو الا بلاغ والجهاد وايراد علمة تعالى لابراز اعتنائه تعالى بأمرهما ولاشعار بترتيب الجزآء عليهما والمبالغة فى الحث عليهما والتحذير من التفريط فيهما واما لمن ارتضى والجمع باعتبار معنى من كما ان الافراد فى الضمير بن السابقين باعتبار لفظهما فالمعنى ليعلم انه قد ابلغ الرسل الموحى عليهم رسالات ربهم الى اممهم كما هى من غير اختطاف ولا تخليط بعد ما ابلغها الرصيد اليهم كذلك { واحاط بما لديهم } اى بما عند الرصد او الرسل حال عن فاعل يسلك باضمار قدا وبدونه على الخلاف المشهور جيء بها لتحقيق استغنائه تعالى اى وقد احاط بما لديهم من الاحوال جميعا { واحصى } علم علما بالغا الى حد الاحاطة تفصيلا وبالفارسية وشمرده است { كل شئ } مما كان وما سيكون { عددا } اى فردا فردا فكيف لا يحيط بما لديهم قال القاسم هو اوجدها فأحصاها عددا وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما احصى ما خلق وعرف عدد ما خلق لم يفته علم شئ حتى مثاقيل الذر والخردل ( قال الكشافى ) مراد كمال علم است وتعلق آن بجميع معلومات يعنى معلومى مطلقا از دآئره علم او خارج نيست هرجه دانستنى است درد وجهان ... نيست ازعلم شاملش بنهان قوله عددا تمييز منقول من المفعول به كقوله وفجرنا الارض عيونا والاصل احصى عدد كل شئ وفائدته بيان ان علمه تعالى بالاشياء ليس على وجه كلى اجمالى بل على وجه جزئى تفصيلى فان الاحصاء قد يراد به الاحاطة الاجمالية كما فى قوله تعالى وان تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها اى لا تقدروا على حصرها اجمالا فضلا عن التفصيل وذلك لان اصل الاحصاء ان الحاسب اذا بلغ عقدا معينا من عقود الاعداد كالعشر والمائة والالف وضع حصاة ليحفظ بها كمية ذلك العقد فيبنى على ذلك حسابه وهذه الآية مما يستدل به على ان المعد ليس بشئ لانه لو كان شيأ لكانت الاشياء غير متناهة وكونه احصى عددها يقتضى كونها وذلك محال فوجب القطع بأان المعدوم ليس بشئ حتى يندفع هذا التناقض والتنافى فى كذا فى حواشى ابن الشيخ رحمه اللّه. |
﴿ ٠ ﴾