سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ سِتٌّ وَخَمْسُونَ آيَةً

١

{ يا ايها المدثر } بتشديدين اصله المتدثر وهو لابس الدثار وهو ما يلبس فوق الشعاف الذى يلى الجسد ومنه قوله عليه السلام ( الانصار شعار والناس دثار ) وفيه اشارة الى ان الولاية كالشعار من حيث تعلقها بالباطن والنبوة كالدثار من حيث تعلقها بالظاهر ولذلك خوطب عليه السلام فى مقام الانذار بالمدثر ( روى ) عن جابر رضى اللّه عنه عن النبى عليه السلام انه قال كنت على جبل حرآء فنوديت يا محمد انك رسول اللّه فنظرت عن يمينى وعن يسارى ولم أر شيأ فنظرت فوقى فاذا به قاعد على عراش بين السماء والارض يعنى الملك الذى ناراه فرعبت ورجعت الى خديخة رضى اللّه عنها فقلت دثرونى دثرونى واصبوا علّى ماء باردا فنزل جبريل وقال يا أيها المدثر يعنى انه انما تدثر بناءً على اقشعرار جلده وارتعاد فرآئصه رعبا من الملك النازل من حيث انه رأى مالم يره قبل ولم يستأنس به بعد فظن ان به مسا من الجن فخاف على نفسه لذلك وذكر حضرة الشيخ الاكبر قدس سرة الاطهر ان التدثر انما يكون من البرودة التى تحصل عقيب الوحى وذلك ان الملك اذا ورد على النبى عليه السلام بعلم او حكم يلقى ذلك الروح الانسان وعند ذلك تشتعل احرارة الغريزية فيتغير الوجه وتنقل الروطوبات الى سطح البدن لاستيلاء الحرارة فيكون من ذلك العرق فاذا سرى عنه ذلك سكن المزاج وانقشعت تلك الحرارة وانفتحت تلك المسام وقبل الجسم الهوآء من خارج فيتخلل الجسم فيبرد المزاج فتأخذه القشعريرة فتزاد عليه الثياب ليسخن انتهى وقرر بعضهم هذا المقام على غير ما ذكر كما قال فى كشف الاسرار وتفسير الكاشفى جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنه نقل ميكند از رسول صلّى اللّه عليه وسلّم درزمان فترت وحى براهى ميرفتم ناكاه ازآسمان آوازى شنيدم جشم بالاكردم ديدم همان ملك كه درغار حرا بمن آمده بود بركرسى نسته ميان زمين وآسمان ازسطوت وهيأت وعظمت وهيكل او خوفى برمن طارى شد بخانه بازكشتم وكفتم مرا بيوشانيد جامها برمن بوشيدند ومن در انديشه آن حال بودم كه حضرت عزت جل شأنه وحى فرستادكه ايها المدثر.

وقال السهيل رحمه اللّه كان عليه السلام متدثرا بثيابه حين فزع من هول الوحى اول نزوله قال دثرونى دثرونى فقال له ربه ايها المدثر ولم يقل يا محمد ولا يا فلان ليستشعر اللين والملاطفة من ربه كما تقدم فى المزمل وفائدة اخرى مشاكلة الآية بما بعدها ووجه المشاكلة بين اول الكلام وبين قوله قم فأنذر خفى الابعد التأمل والمعرفة بقوله عليه السلام انى انا النذير العريان ومعنى النذير العريان الجاد المشمر وكان النذير من العرب اذا جتهد جرد ثوبه وأشار به مع الصياح تأكيدا فى الانذار والتحذير وقد قيل ايضا ان اصل قولهم النذير العريان ان رجلا من خثعم وهو كجعفر جبل واهل خثعميون وابن انما رابوا قبيلة من معد كما فى القاموس اخذه العدو فقطعوا يده وجردوا ثيابه فأفلت الى قومه نذيرا لهم وهو عريان فقيل لكل مجتهد فى الانذار والتخويف النذير العريان فاذا ثبت هذا فقد تشاكل الكلام بعضه ببعض فأمر المتدثر بالثياب مضاف الى معنى النذير العريان ومقابل ومرتبط به لفظا ومعنى.

٢

{ قم } اى من مضجعك يعنى خوابكاه

{ فأنذر } الناس جميعا من عذاب اللّه ان لم يؤمنوا لانه عليه السلام مرسل الى الناس كافة فلم تكن ملة من الملل الا وقد بلغتها دعوته وقرعها انذاره وافرد الانذار بالذكر مع انه ارسل بشيرا ايضا لان التخلية بالمعجمة قبل التحلية بالمهملة وكان الناس عاصين مستحقين للتخويف فكان اول الامر هو الانذار.

يقول الفقير امده اللّه القدير بالفيض الكثير خوطبت بقوله قم فانذر وانا متوجه مراقب عند الرأس الشريف فى الحرم النبوى فحصل لى اضطراب عظيم وحيرة كبرى من سطة الخطاب الالهى وغلبنى الارتعاد وظننت اأنى مأمور بالانذار الظاهرى فى ذلك المقام لما ان اكثر الناس كاناو يسيئون الأدب فى ذلك الحرم حتى انى بكيت مرة بكاء شديدا من غلبة الغيرة فقيل لى اولئك الذين لعنهم اللّه فأصمهم واعمى ابصارهم ثم انى عرفت بالهام من اللّه تعالى انى رسول نفسى لا غير مأمور بتزكيتها واصلاح قواها ومن اللّه الاعانة على ذلك.

٤

{ وثيابك فطهر } وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه تعالى بالكبرياء اعتقادا وقولا وعظمة عما يقول فيه عبدة الاوثان وسائر الظالمين ويروى انه لما نزل قال رسول اللّه عليه السلام ( اللّه اكبرت ) فكبرت خديجة ايضا وفرحت وايقنت انه الوحى لان الشيطان لا يأمر بالتكبير ونحوه ودخل فيه تكبير الصلاة وان لم يكن فى اوآئل النبوة صلاة وذلك لان الصلاة عبارة عن اوضاع وهيئات كلها تعطى التقييد واللّه منزه عن جميع التعينات فلزم التكبير فيها لان وجه اللّه يحاذى وجه العبد حينئذ على ما ورد فى الخبر الصيح والفاء لمعنى الشرط كأنه قيل ما كان اى اى شئ حدث فلا تدع تكبيره ووصفه بالكبرياء او للدلالة على ان المقصود الاول من الامر بالقيام ان يكبر ربه وينزهه عن الشرك فان اول ما يجب معرفة الصانع ثم تنزيهه عما لا يليق بجنابه فالفاء على هذا تعقيبية لا جزآئية.

واعلم ان كبرياءه تعالى ذاتى له قائم بنفسه لا بغيره من المكبرين فهو اكبر من أن يكبره غيره بالتكبير الحادث ولذا قال عليه السلام ( ليلة المعراج لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) فهو المكبر والمثنى لذاته بذاته بتكبير وثناء قديم من الازل الى الأبد.

٤

{ وثيابك فطهر } جمع ثوب من اللباس اى فطهرها مما ليس بطاهر بحفظها وصيانتها عن النجاسات وغسلها بالماء الطاهر بعد تلطخها فانه قبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبيثا سوآء كان فى حال الصلاة او فى غيرها وبتقصيرها ايضا فان طولها يؤدى الى جر الذيول على القاذورات فيكون التطهير كناية عن التقصير لانه من لوازمه ومعنى التقصير أن تكون الى اتصاف الساقين اولى الكعب فانه عليه السلام جعل غاية طول الازار الى الى الكعب وتوعد على ما تحته بالنار . وحضرت مرتضى رضى اللّه عنه كفت كوتاه كن جامه را . فانه أتقى واتقى وابقى وهو اول ما أمر به عليه السلام من رفض العادات المذمومة فان المشركين ما كانوا يصونون ثيابهم عن النجاسات وفيه انتقال من تطهير الباطن الى تطهير الظاهر لان الغالب ان من نقى باطنه أبى الا الاجتناب الخبث وايثار الطارة فى كل شئ فان الدين بنى على النظافة ولا يدخل الجنة الا نظيف واللّه يحب الناسك النظيف وفى الحديث ( غسل الاناء وطهارة الفناء يورثان الغنى ) وفى المرفوع ( نظفوا أفواهكم فانها طرق القرءآن ) قال الراغب الطهارة ضربان طهارة جسم وطهارة نفس وقد حمل عليهما عامة الآيات وقوله وثيابك فطهر قيل معناه نفسك نزهما عن المعايب انتهى او طهر قلبك كما فى القاموس او اخلاقك فحسن قاله الحسن وفى الخبر حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الابرار او عملك فأصلح كما فى الكواشى ومنه الحديث ( يحشر المرء فى ثوبيه اللذين مات فيهما ) اى عمليه الخبيث والطيب كما فى عين المعانى وانه ليبعث فى ثيابه اى اعماله كما فى القامو او اهلك فطهرهم من الخطايا بالوعظ والتأديب والعرب تسمى الاهل ثوبا ولباسا قال تعالى هن لباس لكم وانتم لباس لهن ( كما فى كشف الاسرار ) وقال ابن عباس لا تلبسها على معصية ولا على غدار البسها وأنت بر طاهر كما فى فتح الرحمن قال الشاعر

وانى بحمد اللّه لاثوب فاحر ... لبست ولا من غدرة أتقنع

وذلك ان الغادر والفاجر يسمى دنس الثيات كما ان اهل الصدق والوفاء يسمى طاهر الثياب.

ودرنفحات ازشيخ ابو الحسن شاذلى قدس سره نقل ميكندكه حضرت رسالت را صلّى اللّه عليه وسلّم درخواب ديدم ومرا كفت اى على طهر ثيابك من الدنس تحفظ بمدد اللّه فى كل نفس يعنى باكيزه كردان جامهاى خود را از جرك تابهره مند كردى بمدد وتأييد خداى تعالى درهر نفسى كفتم يا رسول اللّه ثياب من كدامست فرمودكه برتو حق تعالى بنج خلعت بوشانيد خلعت محبت وخلعت معرفت ووخلعت توحيد وخلعت ايمان وخلعت اسلام هركه خدا يرا دوست دارد بروى آسان شود هرجيز وهركه خدا برابشنا سد در نظروى خردنمايد هرجيز وهركه خدا يرا به يكانكى بداند بوس شريك نياردهيج جيزرا وهركه خداى تعالى را ايمان آردايمن كردداز هرجيزوهركه باسلام متصف بودخدا يراعاصى نشود واكرعاصى شوداعتذار كندوجون اعتذار كندقبول افتد بفضل اللّه تعالى بس شيخ فرمود ازاينجا دانستم قول خدا يرا وثيابك فطهر

درتو بوشيد لطف يزدانى ... خلعتى از صفات روحانى

دارش ازلوث خشم وشهوت دور ... تابيا كيزكى شوى مشهور

٦

{ ولا تمنن تستكثر } برفع تستكثر لانه مستقبل فى معنى الحال اى ولا تعط مستكثرا اى رآئيا لما تعطيه كثيرا او طالبا للكثير عى انه نهى عن الاستغزار وهو أن يهب شيأ وهو يطمع أن يتعوض من الموهب له اكثر مما اعطاه وهو جائز ومنه الحديث المستغزر بثاب من هبته اى يعوض منها والغزارة بالغين المعجمة وتقديم الزاى الكثرة فهو اما للتحريم وهو خاص برسول اللّه عليه السلام لعلو منصبه فى الاخلاص الحسنة ومن ذلك حلت الزكاة لفقرآء امته ولم تحل له ولأهله لشرفه او للتنزيه للكل اى له ولامته وقال بعضهم هو من المنة لان من يمن بما يعطى يستكثره ويعتد به والمنة تهدم الصنيعة خصوصا اذا من بعمله على اللّه بأن يعده كثيرا فان العمل من اللّه منة عليه كما قال تعالى بل اللّه يمن عليكم ومن شكر طول عمره بالعبادة لم يقض شكر نعمة الايجاد فضلا عما لا يحصى من انواع الجود.

٧

{ ولربك فاصبر } اى فاصبر لحكم ربك ولا تتألم من اذية المشركين فان المأمور بالتبليغ لا يخلو عن اذى الناس ولكن بالصبر يستحيل المر حلوا وبالتمرن يحصل الذوق

تحمل جو زهرت نما يدنخست ... ولى شهد كردد جودر طبع رست

وقال بعض اهل المعرفة اى جرد صبرك عن ملاحة الغير فى جميع المراتب اى فى الصبر عن المعصية والصبر على اللّه والصبر فى البلاء كما قال تعالى واصبر وما صبرك الا باللّه وقال القاشانى يا أيها المدثر اى المتلبس بدثار البدن المتحجب بصورته قم عمار كنت اليه وتلبست به من اشغال الطبيعة وانتبه من رقدة الغفلة فأنذر نفسك وقواك وجميع من عداك عذاب يوم عظيم وان كنت تكبر شيأ وتعظم قدره فخصص ربك بالتعظيم والتكبير لا يعظم فى عينك غيره وليصغر فى قلبك كل ما سواه بمشاهدة كبريائه وظاهرك فطهره اولا قبل تطهير باطنك عن مدانس الاخلاق وقباح الافعال ومذام العادات ورجز الهيولى المؤدى الى العذاب . فاهجر اى جرد باطنك عن اللواحق المادية والهيئات الجسمانية الفلسقة والغواشى الظلمانية والهيولانية ولا تعط المال عند تجردك عنه مستغزرا طالبا للاعواض والثواب والكثير به فان ذلك احتجاب بالنعمة عن المنعم وقصور همه بل خالصا لوجه اللّه افعل ما تفعل صابرا على الفضيلة له لا لشئ آخر غيره.

٨

{ فاذا نقر فى الناقور } الناقور بمعنى ما ينقر فيه والمراد الصور وهو القرن الذى ينفخ فيه اسرافيل مرة للاصعاق واخرى للاحياء فاعول من النقر بمعنى التصويت واصله القرع الذى هو سبب الصوت يعنى جعل الشئ بحيث يظهر منه الصوت بنوع قرع والمراد هنا النفخ اذ هو نوع ضرب للهوآء الخارج من الحلقوم اى فاذا نفخ فى الصور والفاء للسببية اى سببية ما بعدها لما قبلها دون العكس فهى بمعنى اللام السببية كأنه قيل اصبر على اذاهم فبين ايديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة اذا هم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل فى اذا ما دل عليه قوله تعالى.

٩

انظر تفسير الآية:١٠

١٠

{ فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين } فان معناه عسر الامر على الكافرين من جهة العذاب وسوء الحساب وذلك اشارة الى وقت النقر وهو مبتدأ ويومئذ بدل منه بمنى على الفتح لاضافة الى غير متمكن وهو اذ والتقدير اذ نقر فيه والخبر يوم عسير وعلى متعلقة بعسير دل عليه قوله تعالى وكان يوما على الكافرين عسيرا كأنه قيل فيوم النقر يوم عسير عليهم

{ غير يسير } خبر بعد خبر وتأكيد لعسره عليهم لقطع احتمال يسره بوجه دون وجه مشعر تيسره على المؤمنين ثم المراد به يوم النفخة الثانية التى يحيى الناس عندها اذ هى التى يخص عسرها بالكافرين جميعا

واما النفخة الاولى فهى مختصة بمن كان حيا عند وقوعها وقد جاء فى الاخبار ان فى الصور ثقبا بعدد الارواح كلها وانها تجمع فى تلك الثقب فى النخفة الثانية فيخرج عند النفخ من كل ثقبة روح الى الجسد الذى نزع منه فيعود الجسد حيا باذن اللّه تعالى وفى الحديث كيف انعم وصاحب القرن قد التقم قرنه ينظر متى يؤمر أن ينفخ فيه فقيل له كيف نصنع قال قولوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل وقال القاشانى ينقر فى البدن المبعوث فينقش فيه الهيئات السيئة المردية الموجبة للعذاب او الحسنة المنجية الموجبة للثواب ولا يخفى عسر ذلك اليوم على المحجوبين على احد وان خفى يسرة على غيرهم الا على المحققين من اهل الكشف والعيان.

١١

{ ذرنى ومن خلقت وحيدا } حال اما من الياء اى ذرنى وحدى معه فانى اكفيكه فى الانتقام منه او من التاء اى خلقته وحدى لم يشركنى فى خلقه احدا ؤامن العائد المحذوف اى ومن خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد نزلت فى الوليد بن المغيرة المخزومى وكان يلقب فى قومه بالوحيد زعما منهم انه لا نظير له فى وجاهته ولا فى ماله وكان يفتخر بنفسه ويقول أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لى فى العرب نظير لا لأبى المغيرة لنظير أيضا فسماه اللّه بالوحيد تهكما به واستهزآء بلقبه كقوله تعالى ذق انك أنت العزيز الكريم وصرفا له عن الغرض الذى يؤمونه من مدحه الى جهة ذمه بكونه وحيدا من المال والولد أو وحيدا من أبيه ونسبه لانه كل زنيما وهو من ألحق بالقوم وليس منهم كما مر أو وحيدا فى الشرارة والخباثة والدناءة.

١٢

{ وجعلت له مالا ممدودا } اى مبسوط اكثير وهو ما كان له بين مكة والطائف من صنوف الاموال وقال النورى كان له ألف ألف دينار.

١٣

{ وبنين } ودادم اورا بسران

{ شهودا } جمع شاهد مثل قاعد وقعود وشهده كسمعه حضره اى حضورا معه بمكة يتمتع بمشاهدتهم لا يفارقونه للتصرف فى عمل او تجارة لكونهم مكفيين لوفور نعمهم وكثرة خدمهم او حضورا معه فى الاندية والمحافل لوجاهتهم واعتبارهم وكان له عشرة بنين اسلم منهم ثلاثة خالد وهشام وعمارة قاله المفسرون واطبق المحدثون على ان الوليد بن الوليد اسلم وعمارة قتل كافرا اما يوم بدرأ وفى الحبشة على يد النجاشى قال السهيلى رحمه اللّه هم هشام بن الوليد والوليد بن الوليد وخالد بن الوليد الذى يقال له سيف اللّه

واما غير هؤلاء ممن مات منهم على دين الجاهلية فلم نسمه.

١٤

{ ومهدت له تمهيدا } وبسطت له الرياسة والجاه العريض فأتممت عليه النعمة فان اجتماع المال والجاه هو الكمال عند اهل الدنيا ولذا كان يلقب ريحانة قريش والريحان نبت طيب الرآئحة والولد والرزق وفى التأويلات النجمية يشير الى الوليد بن مغيرة النفس الوحيدة فى الشر والظلم والجور والجهل وكثرة اموال اعماله السيئة الذميمة وثروة اجناس اخلاقه الذميمة والى بنى اتباعه الخبيثة الخسيسة وبسطة وسلطنته ورياسته ووجاهته عند ارباب النفوس المتمردة عن اوامر الحق ونواهيه المعربدة مع الحق واهاليه وهم القوى الطبيعية الظلمانية يعنى دعنى واياه فانى اسلط عليه أبا بكر الخفى وعمر الروح وعثمان السر وعلى القلب حتى انهم بأنوار روحانيتهم يطمسون ظلمات نفسانية ويغيرون على اعماله ويقتلون بنى اتباعه وشيعته ويطوون بساط سلطنته ويسدون باب بسطته.

١٥

{ ثم يطمع } يرجو

{ ان ازيد } على ما اوتيه من المال والولد وثم استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه اما لانه لا مزيد على ما اوتيه سعة وكثرة يعنى انه اوتى غايه ما اوتى عادة لا مثاله او لانه مناف لما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم اى لا يجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النعم.

١٦

{ كلا } ردع وزجر له عن طمعه الفارغ وقطع لرجائه الخائب فيكون متصلا بما قبله

{ انه كان لآياتنا عنيدا } يقال عند خالف الحق ورده عارفا به فهو عنيد وعاند يعنى منكر وستيزه كننده.

والمعاندة المفارقة والمجانبة والمعارضة بالخلاف كالعناد والعنيد هنا بمعنى المعاند كالجليس والاكيل والعشير بمعنى المجالس والمؤاكل والمعاشر وهو تعليل لما قبله على وجه الاستئناف التحقيقى فان معاندة آيات المنعم وهى الآيات القرء آتية مع وضوحها وكفران له مع سبوغها مما يوجب حرمانه بالكلية وانما اوتى ما اوتى استدراجا وتقديم لآياتنا على متعلقه وهو عنيدا يدل على التخصيص فتخصيص العناد بها مع كونه تاركا للعناد فى سائر الاشياء يدل على غاية الخسران قيل ما زال بعد نزل هذه الآية فى نقصان من ماله حتى هلك وهو فقير.

آنكس كه نصيحت زعزيزان نكند كوش ... بسيار بخايد سر انكشت ندامت

١٧

{ سائرهقه صعودا } قال الراغب رهقه الامر غشيه بقهر يقال رهقته وارهقته مثل ردفته واردفته وتبعته واتبعته ومنه ارهقت الصلاة اى اخرتها حتى غشى وقت الاخرى والصعود العقبة الشاقة ويستعار لكل مشاق وهو مفعول ثان لأرهق وفى بعض التفاسير صعودا اما فعول بمعنى فاعل يستوى فيه المذكر والمؤنث مثل عقبة كؤود فيكون من قبيل تسمية المحل باسم الحال أو بمعنى مفعول من صعده وهو الظاهر فيكون تذكيرة اما باعتبار كون موصوفه طريقا او باتباع مثل كؤود والمعنى سأكلفه كرها بدل ما يطمعه من الزيادة ارتقاء عقبة شاقة المصعد على حذف المضاف بحيث تغشاه شدة ومشقة من جميع الجوانب على ان يكون الارهاق تكليف الشئ العظيم المشقة بحيث تغشى المكلف شدته ومشقته من جميع الجوانب وقال الغزالى رحمه اللّه حالة تصعد فيها نفسه للنزع وان لم يتعقبه موت انتهى وهو مثال لما يلقى من العذاب الصعب الذى لا يطاق ويجوز أن يحمل على حقيقته كما قال عليه السلام ( الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى كذا ابدا ) يعنى بر بالاى آن نتوان رفت اورادر زنجير هاى آتشين كشيده ازبيش مى كشندوازعقب كرزهاى آتشين كشيده از بس مى كشند وازعقب كرزهاى آتشين ميزنند تار آنجا ميروددر هفتا دسال وبازكشتن وزير افتادن او همجنين است.

قوله سبعين خريفا اى سبعين عاما لان الخريف آخر السنة فيه تتم الثمار وتدرك فصار بذلك كأنه العام كله وهذا كما تسمى العلة الصورة بعلة تامة لذلك قال فى القاموس الخريف كأمير ثلاثة اشهر بين القيظ والشتاء تخترف فيها الثمار اى تجتنىى وعنه عليه السلام يكلف ان يصعد عقبه فى النار كلما وضع يده عليه ذات فاذا رفعها عادت واذا وضع رجله ذابت فاذا رفعها عادت.

١٨

{ انه فكر وقدر } تعليل للوعيد واستحاققه له من التفكير بمعنى التفكر والتأمل كما قال فى تاج المصادر التفكير انديشه كردن . والتقدير اندازه وتهيئه كردن . اى فكر ماذا يقول فى حق القرءآن وشأنه من جهة الطعن وقدر فى نفسه ما يقوله وهياه.

١٩

{ فقتل كيف قدر } تعجيب من تقديره واصابته فيه الغرض الذى كان ينتحيه قريش قاتلهم اللّه او ثناء عليه بطريق الاستهزآء به على معنى ان هذا لذى ذكره وهو كون القرءآن سحرا فى غاية الركاكة والسقوط او حكاية لما ذكروه من قولهم قتل كيف قدر تهكما بهم وباعجابهم بتقديره واستعظامهم لقوله ومعنى قولهم قتله اللّه ما اشجعه وأخواه اللّه ما اشعره الاشعار بانه قد بلغ من الشجاعة والشعر مبلغا حقيقا بأن يدعو عليه حاسده بذلك وقد سبق فى قاتلهم اللّه فى المنافقين مزيد البيان ( روى ) ان الوليد مر بالنبى عليه السلام وهو يقر أحم السجدة وفى بعض التفاسير فواتح سورة حم المؤمن فقال لبنى مخزوم واللّه لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة اى حسنا وبهجة وقبولا وان اعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق اى كثير الماء شبه القرءآن بالشجرة الغضة الطرية التى استحكم اصلها بكثرة الماء واثمرت فروعها فى السماء واثبت له اعلى واسفل ولأعلاه الاثمار ولأسفله الاغداق على طريق التخييل ( قال الكاشفى ) مراورا حلاوتى وعذوبتى هست كه هيج سخن رانباشد وبروى طراوتى وتازكى هست كه هيج حديثى رانبود اعلاى ن نهال مثمر سعادات كليه واسفل اين شجره طيبه عروق فضائل وحكم عليه است . ثم قال الوليد وانه يعلو ولا يعلى فقالت قريش صبأ واللّه الوليد اى مال عن دينه وخرج الى دين غيره واللّه لتصبأن قريش كلهم اى بمتابعته لكونه رئيس القوم فقال ابن أخيه أبو جهل أنا اكفيكموه فقعد عنده حزينا وكلمه ما احماء اى اغضبه.

يعنى كفت كه قريش ميكويند توسخنان محمدرا عليه السلام بسند ميدهى وآنرا بزرك ميدارى وثنا ميكويى تا ازفضله طعام ايشان بهره بردارى اكرجنين است تاهمه قريش فراهم شوند وترا كفايتى حاصل كنندتا ازطعام ايشان بى نياز شوى ولييد اين سخت او ابو جهل بشنيد درخشم شد كفت الم تعلم قريش انى من اكثرهم مالا وولدا واين اصحاب محمد خودهركز ازطعام سير نشوند واز فقر وفاقه نياسايندجه صورت بنددكه ايشانرا فضله طعام بودتابديكرى دهند بس هردوبر خاستتد وبرا انجمن قريش شادند وليد كفت شما كه قريش ايدبدانيدكه حال وكار ابن محمد در عرب منتشر كشت وموسم حج نزديكست كه عرب مى آيند وازحال وى برسند جواب ايشان جه خواهيداد . تزعمون انه مجنون فهل رأيتموه يخنق لان العرب كانت تعتقد ان الشيطان ويخنق المجنون ويتخبطه وتقولون انه كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتزعمون انه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط وتزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيأ من الكذاب فقالوا فى كل ذلك اللهم لاثم قالوا فما هو وما تقول فى حقه ففكر فقال ما هو الا ساحرا أما رأيتموه يفرق بين الرجل واهله وولده ومواليه وما الذى يقوله الا سحر يأثره عن اهل بابل فارتج النادى فرحا وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه راضين به.

٢٠

{ ثم قتل كيف قدر } تكرير للتعجيب للمبالغة فى التشتيع وثم للدلالة على ان النكرة الثانية فى التعجيب ابلغ من الاولى اى للتراخى بحسب الرتبة وان اللائق فى شأنه ليس الا هذا القول دعاء عليه وفيما بعد على اصلها من الترخى الزمانى.

٢١

{ ثم نظر } اى فى القرءآن مرة بعد مرة وتأمل فيه.

٢٢

{ ثم عبس } فقلت وجه يعنى روى فاهم كشيد وترش كرفت.

لأن لم يجد فيه مطعنا ولم يدر ماذا يقول

{ وبسر } اتباع لعبس قال سعدى المفتى لكن عطف الاتباع على المتبوع غير معروف والظاهر ان كلا منهما له معنى مغاير لمعنى الآخر فعبس بمعنى قطب وجهه وبسر بمعنى قبض ما بين عينيه من السوء واسود وجهه منه ذكره الحلبى والعدة عليه وقال الراغب البسر الاستعجال بالشئ قبل اوانه نحو ابسر الرجل حاجته طلبها فى غير اوانها وقوله ثم عبس وبسر اى اظهر اعبوس قبل اوانه وفى غير وقته انتهى.

٢٣

{ ثم أدبر } عن الحق

{ واستكبر } عن اتباعه

{ فقال } عقيب توليه عن الحق.

٢٤

{ أن } نافية بمعنى مالذا اورد الا بعدها

{ هذا } الذى يقوله محمد عليه السلام اى القرءآن

{ الا سحر يؤثر } اى يروى ويتعلم من الغير وليس هو من سحره بنفسه يقال ثارت الحديث آثره اثرا اذا حدثت به عن قوم فى آثارهم اى بعد ما ماتوا هذا هو الاصل ثم كان بمعنى الرواية عمن كان وحديث مأثور اى منقول ينقله خلف عن سلف وادعية مأثورة اى مروية عن الاكابر وفى تعلم السحر لحكمة رخصة واعتقاد حقيته والعمل به كفر كما قيل ( عرفت الشر لا للشر لكنى لتوقيه . ومن لم يعرف الشر من الناس يقع فيه ) وقد سبق معناه وما يتعلق به فى مواضعه.

٢٥

{ ان هذا } ما هذا

{ الا قول البشر } تأكيد لما قبله ولذا اخلى عن العاطف قاله تمردا وعنادا لا على سبيل الاعتقاد لما روى قبل انه اقر بأن القرءآن ليس من كلام الانس والجن وأراد بالبشر يسار وجبرا وأبا فكيهة اما الاولان فكانا عبدين من بلاد فارس وكانا بمكة وكان النبى عليه السلام يجلس عندها

واما أبو فكيهة فكان غلاما روميا يتردد الى مكة من طرف مسيلمة الكذاب فى اليمامة.

٢٦

{ سأصليه سفر } اى ادخله جهنم لما قال فى الصحاح سقر اسم من اسماء النار وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما اسم للطبقة السادسة من جهنم يقال سقرته الشمس اذا آذته وآلمته وسميت سقر لا يلامها قوله سأصليه سقر بدل من سارهقه صعود ابدل الاشتمال سوآء جعل مثلا لما يلقى من الشدآئد أو اسم جبل من نار لان سقر تشتمل على كل منهما.

٢٧

{ وما ادراك ما سقر } ما الاولى مبتدأ وادراك خبره وما الثانية خبر لقوله سقر لانها المفيدة لما قصد افادته من التهويل والتفظيع دونن العكس كما سبق فى الحاقة والمعنى اى شئ اعلمك ما سقر فى وصفها يعنى انه خارج عن دآئرة ادراك العقول ففيه تعظيم لشأنه.

٢٨

{ لا تبقى ولا تذر } بيان لوصفها وحالها وانجاز للوعد الضمنى الذى يلوح به وما ادراك ما سقر أى لا تبقى شيأ يلقى فيها الا اهلكته بالاحراق واذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد خلقا جديدا وتهلكه اهلا كا ثانيا وهكذا كما قال تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها او لا تبقى على شئ اى لا تترحم عليه ولا تدعه من الهلاك بل كان ما يطرح فيها هالك لا محالة لانها خلقت من غضب الجبال قال فى تهذيب المصادر الابقاء باقى كردن ونيز شفقت بردن .

وقيل لا تبقى حيا ولا تذر ميتا كقوله تعالى ثم لا يموت فيها ولا يحيى.

٢٩

{ لواحة للبشر } يقال لاحت النار الشئ اذا احرقته وسودته ولاحه السفر او العطش اى غيره وذلك ان الشئ اذا كان فيه دسومة فاذا احرق اسود والبشر جمع بشرة وهى ظاهر جلد الانسان اى مغيرة لأعلى الجلد وظواهره مسودة لها قيل تلفح الجلد لفسحة فتدعه اشدسوادا من الليل فان قلت لا يمكن وصفها بتسويد البشرة مع قوله لا تبقى ولا تذر قلت ليس فى الآية دلالة على انها تفنى بالكلية مع انه يجوز ان يكون الافناء بعد التسويد

وقيل لائحة للناس على ان لواحة اسم فاعل من لاح يلوح اى ظهر وأن البشر بمعنى الناس قيل انهها تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام فهو كقوله تعالى وبرزت الجحيم لمن يرى فيصل الى الكافر سمومها وحرورها كما يصل الى المؤمن ريح الجنة ونسيمها من مسيرة خمسمائة عام.

٣٠

{ عليها } اى على سقر

{ تسعة عشر } اى ملكا يتولون امرها ويتسلطون على اهلها وهم مالك وثمانية عشر معه أعينهم كالبرق الخاطف وانيابهم كالصياصى واشعارهم تمس اقدامهم يخرج لهب النار من افواههم ما بين منكى احدهم مسيرة سنة نزعت منهم الرأفة والرحمة يأخذ أحدهم سبعين أفا فى كفه ويرميهم حيث أراد من جهنم قيل هذه التسعه عشر عد الرؤساء والنقباء

واما جملة اشخاصهم فكما قال تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو فيجوز أن يكون لكل واحد منهم أعوان لا تعد ولا تحصى ذكر ارباب المعانى والمعرفة فى تقدير هذا العدد وتخصيصه وجوها

منها ان سبب فساد النفس الانسانية فى قوتها النظرية والعلمية هو القوى الحيوانية والطبيعية فالقوى الحيوانية هى الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والشهوة والغضب ومجموعها اثنتا عشرة

واما القوى الطبيعية فهى الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة فالمجموع تسع عشرة قال ابن الشيه والمراد بالقوى الحيوانية القوى التى تختص بالحيوان من بين المواليد الثلاثة الحيوان والنبات والمعدن وهى قسمان مدركة وافعله فالاركة اى مالها مدخل فى الادراك بالمشاهدة والحفظ عشر وهى الحواس لخمس الظاهرة والخمس الباطنة والفاعلة اى مالها مدخل فى الفعل اما باعثة او محركة وهما اثنتان الشهوة والغصب والقوى الطبيعية هى القوى التى تختص بالحيوان بل توجد فى النبات ايضا وهى سبع ثلاث منها مخدومة وهى الغاذية والنامية والمولدة واربع منها خوادم وهى الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة فلما كان منشأ الآفات هو هذه القوى التسع عشرة كان عدد الزبانية هكذا قال سعدى المفتى وأنت خبير بأن اثبات هذه القوى بناؤه على الاصول الفلسفية ونقى الفاعل المختار فيصان تفسير كلام اللّه عن امثاله اى وان ذكرها الامام فى التفسير الكبير وتبعه من بعده وقال ايضا والحق ان يحال علمه الى اللّه تعالى فالمعقول البشرية قاصرة عن ادراك امثاله انتهى ويرده ما قال الامام السهيلى فى الامالى ان النكتة التى من اجلها كانوا تسعة عشر عددا ولم يكونوا اكثرأ وأقل فلعمرى ان فى الكتاب والسنة لدليلا عليها واشارة اليها ولكنها كالسر المكنون والناس اسرع شئ الى انكار ما لم يألفوه وتزييف مالم يعرفوه ولا يؤمن فى نشرها وذكرها سوء التأويل لقصورا كثير الافهام عن الوعى والتحصيل مع قلة الانصاف فى هذا الجبل انتهى

ومنها ان أبواب جهنم سبعة سنة منها للكفار وواحد للفساق ثم ان الكفار يدخلون النار الستة ثلاثة ترك الاعتقاد وترك الاقرار وترك العمل فيكون لكل باب من تلك الابواب الستة ثلاثة فالمجموع ثمانيه عشروا ما باب الفساق فليس هانك الا ترك العمل فالمجموع تسعة عشر

ومنها ان الساعات اربع وعشرون خمس منها مشغولة بالصلوات الخمس فيبقى منها تسع عشرة مشغولة بغير العبادة مصروفة الى ما يؤاخذ به بأنواع العذاب يعنى انه لم يخلق فى مقابلة الخمس التى جعلت مواقيت الصلاة زبانية تكريما لها فلا يلزم الاختصاب المصلين من عصاة المؤمنين كما فى حواشى سعدى المفتى فلا جرم صار عد الزبانية تسعه عشر ومنها انه تعالى حفظ جهنم بما حفظ به الارض ومن الجبال وهى مائة وتسعون اصلها تسعة شعر

ومنها ان المدبرات للعالم النجوم السيارة وهى سبعة والبروج الاثنى عشر الموكلة بتدبير العالم السفلى المؤثرة فيه تقمعهم بسياط التأثير وترديهم فى مهاويها

ومنها ما قال السجاوندى فى عين المعانى قد تكلموا فى حكمة العدد على انه لا تطلب للاعداد العلل فان التسعة اكثر الآحاد والعشرة اقل العشر ان فقد جمع بين اكثر القليل واقل الكثير يعنى ان التسعة عشر عدد جامع بينهما فلهذا كانت الزبانية على هذا العدد ( ومنها ما قال فى كشف الاسرار ان قوله بسم اللّه الرحمن الرحيم ) تسعة عشر حرفا وعدد الزبانية تسعة عشر ملكا فيدفع المؤمن بكل حرف منها واحدا منهم وقد سبقت رحمته غضبه ومنها ما لاح لهذا الفقير قيل الاطلاع على ما فى كشف الاسرار وهو أن عدد حروف البسملة تسعة عشر ( كما قال المولى الجامى )

نوزده حر فست كه هزده هزار ... عالم ازو يافته فيض عميم

ولما كانت البسملة آية الرحمة والكفار والفساق لم يقبلوه هذه الآية حيث سلكوا سبيل الكفر والمعاصى خلق اللّه فى مقابلة كل حرف منها ملكا من الغضب والجلال وجعله آية الغضب كما جعل خازن الجنة آية الحرمة دل على ما قلنا قوله عليه السلام يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعون تنينا وهو اكبر الحيات بالفارسية ازدر.

فى فمه انياب مثل اسنة المراح وهو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف يبتلع الانسان والحيوان وسره انه كفر باللّه وباسمائه الحسنى التى هى تسعة وتسعون فاستحق ان يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا بعدها فى قبره الذى هو حفرة من حفر النيران فلا يلزم ان يسلط عليه ذلك العدد فى النار فالتسع عدد القهر والحصر

والانقراض لانه ينقرض عن اهل النار امداد الرحمة الرحيمية

ومنها ما فى التأويلات النجمية من ان اختلال النفوس البشرية بحسب العمل والعلم والدخول فى جهنم البعد والطرد واللعن والحجاب والاحتجاب مترتب على موجباتها وهى تسعة غير الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة وهى الاعضاء والجوارح السبع التى ورد بها الحديث بقوله عليه السلام ( امرت ان اسجد على سبعة اعضاء وآراب ) والطبيعة البشرية المشتملة على الكل المؤثرة فى الكل بحسب الظاهر والباطن ويجوز أن تكون القوة الغضبية والشهوية بدل الطبيعة فصار الكل تسعة عشر

٣١

ثم اعلم ان اللّه قد جعلفى هذ العالم العنصرى خلقا من جنسهم ولاة عليهم نظير العالم العلوى فمنهم الرسل والخلفاء والسلاطين والملوك وولاة امور جميع العالم من القضاءة واضرابهم ثم جعل بين ارواح هؤلاء الولاة الذين هم فى الارض والولاة الذين هم فى السموات مناسبات ودقائق تمتد اليهم بالعدل مطهرة من الشوآئب مقدسة عن العيوب فيقبل هؤلاء الولاة الارضيون منهم بحسب استعدادتهم فمن كان استعداده حسنا قويا قبل ذلك الامر على صورته طاهرا مطهرا فكان والى عدل وامام فضل ومن كان استعداده رديئا قبل ذلك الامر الطاهر ورده الى شكله من الردآءة والقبح والجور فكان والى جور ونائب ظلم وبخل فلا يلومن الا نفسه فهذه امهات مراتب حكام العالم اصحاب المراتب على سبيل الاجمال

واما لرعية فلا يحصى عددهم الا اللّه ولله تعالى فى الر ملائكة لا يصعدون الى السماء أبدا ولمائكة فى السماء لا ينزلون الى الارض أبدا كل قد علم صلاته وتسبيحه بالهام من اللّه تعالى كذا فى كتاب الجواهر للامام الشعرانى رحمه اللّه

{ وماهى } اى سقر وذكر صفتها

{ الا ذكرى للبشر } الا تذكرة وعظمة وانذار لهم بسوء عاقبة الكفر والضلال وتخصيص الانس مع انها تذكرة للجن ايضا لانهم هم الاصل فى القصد بالتذكرة او وما عدة الخزنة الا تذكرةلهم ليتذكروا ويعلموا ان اللّه قادر على ان يعذب الكثير الغير المحصور من كفار الثقلين وعصاتهم بهذا العدد بل هو لا يحتاج فى ذلك الى أعوان وانصار اصلا فانه لو قلب شعرة واحدة فى عين ابن آجم او سلط الألم على عزق واحد من عروق بدنه لكافه ذلك بلاء ومحنة وانما عين العدد وخلق الجنود لحكمة لا لاحتياج ويجوز أن يعود الضمير الى الآيات الناطقة باحوال سقر فانها تذكرة لاشتمالها على الانذار.

٣٢

{ كلا } ردع لمن انكر سقر أى ارتدع عن انكارها فانها حق او انكار ونفى لان تكون لهم تذكرة فان كونها ذكرى للبشر لا ينافى ان بعضهم لا يتذكرون بل يعرضون عنها بسوء اختيارهم ألا يرى الى قوله تعالى فما لهم عن التذكرة معرضين

{ والقمر } مقسم به مجرور بواو القسم يعنى سوكند بماه كه معرفت اوقات وآجال بوى باز بسته است . وفى فتح الرحمن تخصيص تشريف وتنبيه على النظر فى عجائبه وقدرته فى حركاته المختلفة التى هى مع كثرتها واختلافها على نظام واحد لا يختل وقال أبو الليث وخالق القمر يعنى الهلال بعد ثالثة.

٣٣

{ والليل } معطوف على القمر وكذا الصبح يعنى وبحرمه شب

{ اذ } بسكون الذال وهو ظرف لما مضى من الزمان

{ ادبر } على وزن افعل اى الصرف وذهب فان الادبار نقيض الاقبال.

٣٤

{ والصبح } قال فى القاموس الصبح الفجر او اول النهار والجمع اصباح وفى المفردات الصبح والصباح اول النهار وهو وقت ما احمر الافق بحاجب الشمس

{ اذا } ظرف لما يستقبل من الزمان واتفقوا على اذا ههنا نظرا الى تأخره عن الليل من وجه

{ اسفر } اى ضاء وانكشف فان الاسفار بالفارسية روشن شدن.

قال الراغب السفر كشف الغطاء ويختص ذلك بالاعيان نحو سفر العمامة عن الرأس والخمار عن الوجه والاسفار يختص باللون نحو والصبح اذا اسفر اى شرق لونه ووجهه وأسفروا بالفجر تؤجروا من قولهم اسفرت اى دخلت فيه نحو أصبحت وفى قوت القلوب الفجر الثانى هو انشقاق شفق الشمس وهو بريق بياضاه الذى تحت الحمرة وهو الشفق الثانى على ضد غروبها لان شفقها الاول من العشاء هو الحمرة بعد الغروب وبعد الحمرة البياض وهوالشفق الثانى من اول الليل وهو آخر سلطان شعاع الشمس وبعد البيضا سواد الليل وغسقه ثم ينقلب ذلك على الضد فيكون بده طلوعها الشفق الاول وهو البياض وبعده الحمرة وهو شفقها الثانى وهو أول سلطانها من آخر الليل وبعده طلوع قرص الشمس فالفجر هو انفجار شعاع الشمس من الفلك الاسفل اذا ظهرت على وجه ارض الدنيا يستر عينها الجبال والبحار والاقاليم المشرفة العالية ويظهر شعاعها منتشرا الى وسط الدنيا عرضا مستطيرا انتهى ( قال الكاشفى ) اقسم بالقمر اى باقلب المستعد الصافى القابل للانذار المتعظ به المنتفع بتذكره تعظيما وبليل ظلمه النفس اذأ دبرى أى ذهب بانقشاع ظلمتها عن القلب باشراق نور الروح عليه وتلالى طوالعه وبصبح طلوع ذلك اذ اسفر لزالت الظلمة بكليتها وتنور القلب انتهى فظهر من هذا حسن موقع ذكر القمر والليل والصبح فى مقام ذكر سقر ودواهيها لان سقر اشارة الى الطبيعة وجهنم النفس.

٣٥

{ انها لاحدى الكبر } جواب للقسم والكبر جمع الكبرى جعت الف التأنيث كتائه وألحقت بها فكما جمعت فعلة على فعل كركبة وركب جمعت فعلى عليها والا ففعلى لا تجمع على فعل بل على فعالى كحبلى وحبالى والمعنى ان سقر لاحدى البلايا او لاحدى الدواهى الكبر الكثيرة وهى اى سقر واحد فى العظم لا نظيرة لها كقولك انه احد الرجال هذا اذا كان منكرا لسقر وان كان منكرا لعدة الخزنة فالمعنى انها من احدى الحجج اكبر نذير من قدرة اللّه على قهر العصاة من لدن آدم عليه السلام الى قيام الساعة من الجن والانس حيث استعمل على تعذيبهم هذا العدد القليل وان كان منكر الآيات فالمعنى انها لاحدى الآيات الكبر.

٣٦

{ نذيرا للبشر } تمييز من نسبة احدى الكبر الى اسم ان لان معناه انها من معظمات الدواهى التى خلقها اللّه للتعذيب فيصح ان ينتصب منه التمييز كما تقول هى احدى النساء عفافا والنذير مصدر كالنكير والمعنى لاحدى الكبر انذارا اى من جهة الانذار اول مما دلت عليه الجملة اى معنى قوله انها لاحدى الكبر أى كبرت مندرة وحذف التاء مع ان فعيلا بمعنى فاعل يفرق فيه بين المذكر والمؤنث لكون ضمير انها فى تأويلا العذاب او لكون النذير بمعنى ذات انذار على معنى النسب كقولهم امرأة ظاهر اى ذات طهارة.

٣٧

{ لمن شاء منكم ان يتقدم او يتأخر } بدل من للبشر باعادة الجار وان يتقدم مفعول شاء ومنكم حال من من اى نذيرا لمن يشاء منكم ان يسبق الى الخير والجنة والطاعة فيهديه اللّه او لم يشأ ذلك ويتأخر بالمعصية فيضله وفيه اشارة الى ان لكسب العبد دخلا فى حصول المرحومية والمحرومية وفى التأويلات النجمية اقسم بنور قمر الشريعة الزهرآء وبظلمة ليل الطبيعة الظلماء وبصبح الحقيقة البيضاء حين غلبت على غلس الطبيعة ان الجبود مظاهر احدى هذه المراتب الكلية الكبرى اما اهل الشريعة

واما اهل الحقيقة

واما اهل الطبيعة وقوله نذيرا للبشر اى جعلنا الحصر فى المراتب الثلاث الكلية ليتنبه الانسان ويحترز أن يكون من اهل الانذار لمن شاء منكم ان يتقدم الى مقام الشريعة او يتأخر الى مقام الطبعة ولما كان مقام الحقيقة اعلى المراتب ولم يصل اليه الا النذر من الكمل اعرض عن ذكره انتهى ويجوز أن يكون اهل الحقيقة داخلا فى ان يتقدم لانه واهل الشريعة كل منهما من المتقدمين وان كان بينهما فرق فى التقدم وتفاوت فى السير والمسارعة والحاصل الا اهل ان ستعداد تقدموا باكتساب الفضائل والخيرات والكمالات الى مقام القلب والروح والسر وما غيرهم فتأخروا بالميل الى البدن وشهواته ولذاته فوقعوا فى ورطة الطبيعة.

٣٨

{ كل نفس } من نفوس الانس والجن المكلفين

{ بما كسبت رهينة } مرهونة عند اللّه بكسبها محبوسة ثابتة وفى بعض التفاسير بسبب ما كسبت من الاعمال السيئة من رهن الشئ اى دام وثبت وارهنته اى تركته مقيما عنده وثابتا والرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما اخذ منك والمرتهن هو الذى يأخذ المرهون ونفس المكلف محبوسة ثابتة عند اللّه بما اوجبه عليه من التكاليف التى هى حق خالص له تعالى فان اداها الملكف كما ودبت عليه فك رقبته وخلص نفسه والا بقيت نفسه مرهونة محبوسة عنده وقال بعضهم الرهينة اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم على ان تكون التاء للنقل من الوصفية الى الاسمية وفى فتح الرحمن للمبالغة او على تأنيث اللفظ لا على معنى الانسان ونحوه وليس اى الرهينة صفة والا لقيل رهين لان فعيلا بمعنى مفعول لا تدخله التاء بل يستوى فيه المذكر والمؤنث الا ان يحمل على ما هو بمعنى الفاعل فانه يؤتى فى مؤنثه بالتاء كما فى عكسه فى قوله تعالى ان رحمة اللّه قريب من المحسنين قال الراغب قيل فى قوله كل نفس بما كسبت رهينة انه فعيل بمعنى فاعل اى ثابتة مقيمة

وقيل بمعنى مفعول اى كل نفس مقامة فى جزآء ما قدم من علمها ولما كان الرهن يتصور من حبسه استعير ذلك للمحتبس اى شئ كان.

٣٩

{ الا اصحاب اليمين } استثناء متصل من كل نفس لكثرتها فى المعنى واصحاب اليمين اهل الاعمال الصالحة من المؤمنين اى فانهم فاكون رقابهم بما احسنوا من اعمالهم كما يفك الراهن رهنه بأدآء الدين قال القاشانى كل نفس بمكسوبها رهن عند اللّه لا فكاك لها لاستيلاء هيئات اعمالها وآثار افعالها عليها ولزومها اياها وعدم انفكاكها عنها الا صحاب اليمين من السعدآء الذين تجردوا عن الهيئات الجسدانية وخلصوا الى مقام الفطرة ففكوا رقابهم من الرهن.

٤٠

{ فى جنات } كأنه قيل ما بال اصحاب اليمين فقيل هم فى جنات لا يكتنه كنهها ولا يوصف وصفها كما دل عليا التنكير والمراد ان كلا منهم ينال جنة منها { يتساءلون }

٤١

{ عن المجرمين } تفاعل هنا بمعنى فعل اى يسألون المجرمين عن احوالهم وقد حذف المسئول الكونه عين المسئول عنه ولدلالة ما بعده عليه ( يروى ) ان اللّه يطلع اهل الجنة وهم فى الجنة حتى يرون اهل النار وهم فى النار فيسألونهم.

٤٢

{ ما سلككم فى سقر } مقدر بقول هو حال مقدرة من فاعل يتساءلون اى قائلين اى شئ ادخلكم فيها وكان سبب لدخولكم من سلكت الخيط فى الابرة سلكا اى ادخلته فيها فهو من السلك بمعنى الادخال لا من السلوك بمعنى الذهاب فان قلت لم يسألونهم وهم عالمون بذلك قلت توبيخا لهم وتحسيرا ولتكون حكاية اللّه ذلك فى كتابه تذكرة للسامعين قرأ ابو عمر وسلكم بادغال الكاف فى الكاف والباقون بالاظهار

{ قالوا } اي المجرمون مجيبين للسائلين.

٤٣

{ لم نك من المصلين } للصلوات الواجبة فعدم اقرارنا بفرضية الصلاة وعدم ادآئها سلكنا فيها أصله نكن حذف النون للتخفيف مع كثرة الاستعمال.

٤٤

{ ولم نك نطعم المسكين } على معنى استمرار نفى الاطعام لا على نفى استمرار الطعام والمراد ايضا الاطعام الواجب والا فما ليس بواجب من الصلاة والاطعام لا يجوز التعذيب على تركه وكانوا يقولون أنطعم من لو يشاء اللّه اطعمه فكانوا لا يرحمون المساكين بالاطعام ولا يحضون عليه ايضا كما سبق ففيه ذم للبخل ودلالة عى ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤآخذة قال فى التوضيح الكفار مخاطبون بالايمان والعقوبات والمعاملات اجماعا اما العبادات فهم مخاطبون بها فى حق المؤآخذة فى الآخرة اتفاقا ايضا لقوله تعالى ما سلككم فى سقر الآيات اما فى حق وجوب الآداء فمختلق فيه قال العراقيون من مشايخنا نعم وقال مشايخ ديارنالا وفى بعض التفاسير وللحنفى ان يقول هذا انما هو تأسف منهم على تفريطهم فى كسب الخير وحرمانهم مما ناله المصلون والمزكون من المؤمنين لا يلزم من ذلك ان يكونوا مأمورين بالعمل قبل الايمان.

٤٥

{ وكنا نخوض مع الخائضين } اى نشرع فى الباطل مع الشارعين فيه والمراد بالباطل ذم النبى عليه السلام واصحابه رضى اللّه عنهم وغيبتهم وقولهم بانه شاعر او ساحر او كاهن وغير ذلك والخوض فى الاصل بمعنى الشروع مطلقا فى اى شئ كان ثم غلب فى العرف بمعنى الشروع فى الباطل والقبيح ومالا ينبغى وفى الحديث اكثر الناس ذنوبا يوم القيامة اكثرهم خوضا فى معصية اللّه.

٤٦

{ وكنا نكذب بيوم الدين } اى بيوم الجزآء اضافوه الى الجزآء مع ان فيه من الدواهى والاهوال ما لا غاية له لانه ادهاها وانهم ملابسوه وقد مضت بقية الدواهى وتأخير جنايتهم هذه مع كونها اعظم من الكل اذ هو تكذيب القيامة وانكارها كفر والامور الثلاثة المتقدمة فسق لتفخيمها والترقى من القبيح الى القبيح كأنهم قالوا وكنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم الدين ولبيان كون تكذيبهم به مقارنا لسائر جناياتهم المعدودة مستمرا الى آخر عمرهم حسبما ينطق به قولهم.

٤٧

{ حتى اتانا اليقين } اى الموت ومقدماته فانه امر متقن لا شك فى اتيانه وبالفارسية نفد بما مرك ومقدمات او برهمان حال مرديم . فان قلت أيريدون ان كل واحد منهم بمجموع هذه الاربع دخل النار أم دخلها بعضهم بهذه وبعضهم بههذه قلت يحتمل الامرين جميعا كما فى الكشاف وفيه اشارة الى ان بقاءهم فى سقر الظبيعة انما كان بسبب هذه الرذآئل والذمائم.

٤٨

{ فما تنفعهم شفاعة الشافعين } من الانبياء والملائكة وغيرهم اى لو قدر اجتماعهم على شفاعتهم على سبيل فرض المحال لا تنفعهم تلك الشفاعة فليس المراد أيهم يشفعون لهم ولا تنفعهم شفاعتهم اذا الشفاعة يوم القيامة موقوفة على الاذن وقابلية المحل فلو وقعت من أذون للقابل قبلت والكافر ليس بقابل لها فلا اذن فى الشفاعة له فلا شفاعة ولا نفع فى الحقيقة وفيه دليل على صحة الشفاعة ونفعا يومئذ لعصاة المؤمنين والا لما كان لتخصيصهم بعدم منفعة الشفاعة وجه قال ابن مسعود رضى اللّه عنه تشفع الملائكة والنبيون والشهدآء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى فى النار الا اربعة ثم تلا قوله قالوا لم نكن من المصلين الى قوله بيوم الدين وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان محمدا عليه السلام يشفع ثلاث مرات ثم تشفع الملائكة ثم الانبياء ثم الآباء ثم الابناء ثم يقول اللّه بقيت رحمتى ولا يدع فى النار الا من حرمت عليه الجنة ويقول الرجل من اهل النار لواحد من اهل الجنة يا فلان اما تعرفنى أنا الذى سقيتك شربة ويقول آخر أنا الذى وهب لك وضوأ ويقول آخر أطعمتك لقمة وآخر كسوتك خرقة وعلى هذا فيشفع له فيدخله الجنة اما قبل دخول النار او بعده.

٤٩

{ فما لهم عن التذكرة معرضين } الفاء لترتيب أنكال اعراضهم عن القرءآن بغير سبب على ما قبلها من موجبات الاقبال عليه والاتعاظ به من سوء حال المكذبين ومعرضين حال من الضمير فى الجار الواقع خبرا لما الاستفهامية وعن متعلقة به اى فاذا كان حال المكذبين به على ما ذكر فأى شئ حصل لهم معرضين عن القرءآن مع تعاضد موجبات الاقبال عليه وتأكد الدواعى للايمان به وفى كشف الاسرار بس جه رسيدست ايشانرا كه ازجنين بندى روكردانيده انده يقال لاعراض يكون بالجحود وبترك الاتباع له.

٥٠

{ كأنهم حمر مستنفرة } حال من المستكن فى معرضين بطريق التداخل وحمر جمع حمار وهو معروف ويكون وحشيا وهو المراد هنا ومستنفرة من نفرت الدواب بمعنى هربت لا من نفر الحاج والمعنى مشبهين بحمر نادرة يعنى خران رميدكان . فاستنفر بمعنى نفر كما ان استعجب بمعنى عجب وقال الزمخشرى كأنهم حمر تطلب النفار من نفوسها بسبب انهم جمعواهم نفوسهم للنفار وحملوه عليها فابقى السين على بابها من الطلب قال الراغب مستنفرة قد قرئ بفتح الفاء وكسرها فاذا كسر الفاء فمعناه نافرة واذا فتح فمعناه منفرة.

٥١

{ فرت من قسورة } اى من اسد لان الوحشية اذا عاينت الاسد تهرب اشد الهرب ومثل القسورة الحيدرة لفظا ومعنى وهى فعولة من القسر وهو القهر والغلبة لانه يغلب السباع ويهقرها قال ابن عباس رضى اللّه عنهما القسورة هو الاسد بلسان الحبشة

وقيل هى جماعة الرماة الذين يتصيدونها ( وقال الكاشفى ) كريختنذ از شيريا از صياد ياريسمان دام يا مردم اتيرانداز يا آوازهاى مختلف . شبهوا فى اعرضهم عن القرءآن واستماع ملا فيه من المواعظ وشرادهم عنه بحمر جدت فى نفارها مما افزعها يعنى جمانجه خربيابانى ازايهامى كريزد ايشان ازاستماع قرآن مى كريزنذ زيراكه كوش سخن شنوودل بند بذبرندارند كما اشار اليه فى المثنوى ازكجا اين قوم وبيغام ازكجا از جمادى جان كجا باشد رجا

فهمهاى كج مج كوته نظر ... صد خيال بد در آرد در نكر

راز جزبان ازدان انباز نيست ... راز اندركوش منكر راز نيست

وفيه من ذمهم وتهجين حالهم ما لا يخفى يعنى ان فى تشبيهم بالحمر شهادة عليه بالبله ولا ترى مثل نفار حمر الوحش واطرادهم فى العدو اذا خافت من شئ ومن أراد اهانة غليظة لاحد والتشنيع عليه باشنع شئ شبهه بالحمار ( روى ) ان واحدا من العلماء كان يعظم الناس فى مسجد جامع وحوله جماعة كثيرة فرأى ذلك رجل من البله وكان قد فقد حماره فنادى للواعظ وقال انى فقدت حمارا فاسأل هذه الجماعة لعل واحدا منهم رآه فقال له الواعظ اقعد مكانك حتى ادلك عليه فقعد الرجل فاذا واحد من اهل المجلس قام واخذ فى أن يذهب فقال الواعظ للرجل خذ هذا فانه حمارك والمظاهر أنه قال ذلك القول اخذ من هذا الكلام فانه فر من تذكرة الملك العلام.

٥٢

{ بل يريد كل امرء منهم ان يؤتى صحفا منشرة } عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل لا يكفون بتلك التذكرة ولا يرضون أبا جهل بن هشام وعبد اللّه بن امية واصحابهما قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لن نتبعك حتى تأتى كل واحد منا بكتاب من السماء او يصبح عند رأس كل رجل منا اوراق منشورة يعنى مهر بركرفته . عنوانها من رب العالمين لى فلان ابن فلان نؤمر فيها باتباعك اى بأن يقال اتبع محمدا فانه رسول من قبلى اليك كما قالوا ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه وامرئ قال فى القاموس المرء مثلثة الميم الانسان او الرجل ولا يجمع من لفظه ومع الف الوصل ثلاث لغات فتح الرآء دآئما واعرابها دآئما وأن مع صلته مفعول يريد وصحفا مفعول ثان ليؤتى والاول ضمير كل ومنشرة صفة صحف جمع صحيفة بمعنى الكتاب قال فى تاج المصادر وصحف منشرة شدد للكثرة.

٥٣

{ كلا } ردع عن اقتراحهم الآيات ارادتهم ما ارادوه فانهم انما اقترحوها تعنتا وعنادا لا هدى ورشادا

{ بل لا يخافون الآخرة } لاستهلاكهم فى محبة الدنيا فلعدم خوفهم منها اعرضوا عن التذكرة لا لامتناع ايتاء الصحف.

٥٤

{ كلا } ردع عن اعراضهم عن التذكرة

{ انه } الضمير فى انه وفى ذكره للتذكرة لانها بمعنى الذكر أو القرءآن كالموعظة بمعنى الوعظ والصيحة بمعنى الصوت

{ تذكرة } اى تذكرة فالتنوين للتعظيم اى تذكرة بليغة كافية وفى برهان القرءآن اى تذكير للحق وعدل اليها للفاصلة.

٥٥

{ فمن } بس هركه

{ شاء } ان يذكره ويتعظ به نبل الحلول فى القبر

{ ذكره } اى جعله نصب عينه وحاز بسببه سعادة الدارين فانه ممكن من ذلك.

٥٦

{ وما يذكرون } بمجرد مشيئتهم للذكر كما هو المفهوم من ظاهر قوله تعالى فمن شاء ذكره اذ لا تأثير لمشيئة العبد وارادته فى افعاله وضمير الجمع اما ان يعود الى الكفرة لان الكلام فيهم او على من نظر الى عموم المعنى لشموله لكل من المكلفين

{ الا ان يشاء اللّه } اسثناء مفرغ من اعم العلل او من اعم الاحوال اى وما يذكرون لعلة من العلل او فى حال من الاحوال الا بأن يشاء اللّه او حال ان يشاء اللّه ذكرهم وهذا تصريح بأن افعال العبد بمشيئة اللّه لا بارادة نفسه قال فى عين المعانى فمن شاء الخ تخيير باعطاء المكنة لتحقيق العبودية وقوله الا ان يشاء اللّه تخيير امضاء القدرة لتحقيق الالوهية

{ هو } اى اللّه تعالى

{ اهل التقوى } اى حقيقى بأن يتقى عقابه ويؤمن به ويطاع فالتقوى مصدر من المبنى للمفعول

{ واهل المغفرة } حقيق بأن يغفر لمن آمن به واطاعه

قال بعضهم التقوى هو التبرى من كل شئ سوى اللّه فمن زم الآداب فى التقوى فهو اهل المغفرة.

﴿ ٠