سُورَةُ الْقِيَامَةِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعُونَ آيَةً

١

{ لا اقسم بيوم القيامة } لا صلة لتوكيد القسم وما كان لتوكيد مدخوله لا يدل على النفى وان كل فى الاصل للنفى قال الشاعر

يلى فاعترتنى صبابة ... كاد ضمير القلب لا يتقطع

والمعنى بالفارسية هرآبنه سوكند ميخورم بروز رستاخيز أو للنفى للكن لا لنفى نفس الاقسام بل لنفى ما ينبئ هو عنه من اعظام المقسم به وتفخيمه كأن معنى لا اقسم بكذا لا أعظمه باقسامى به حق اعظامه فانه حقيق باكثر من ذلك واكثر او لنفى كلام معهود قبل القسم ورده كأنهم انكروا البعث فقيل لا اى ليس الامر كذلك ثم قيل اقسم بيوم القيامة كقولك لا واللّه ان البعث حق واياما كان ففى الاقسام على تحقق البعث بيوم القيامة من الجزالة مالا مزيد عليه

واما ما قيل من ان المعنى نفى الاقسام لوضوح الامر فبأباه تعيين المقسم به وتفخيم شأن القسم به قال المغيرة بن شعبة رحمه اللّه يقولون القيامة القيامة وانما قيامة احدهم موته وشهد علقمة جنازة فلما دفن قال اما هذا فقد قامت قيامته ونظمه بعضهم

الدنيا وقامت قيامتى ... داة اقل الحاملون حنازتى

٢

{ ولا اقسم بالنفس اللوامة } قال فى عين المعانى القسم بالشئ تنبيه على تعظيمه او ما فيه من لطفه الصنع وعظم النعمة وتكرير ذكر القسم تنبيه على ان كلا من المقسم به مقصود مستقل بالقسم لما ان له نوع فضل يقتضى ذلك واللوم عذل الانسان بنسبة ما فيه لوم والمراد بالنفس اللوامة هى النفس الواقعة بين الامارة والمطمئنة فلها وجهان.

وجه يلى النفس الامارة وهو وجه الاسلام فاذا نظرت الى المارة بهذا الوجه تلومها على ترك المتابعة والاقدام على المخالفة وتلوم ايضا نفساه على ما فات عنها فى الايام الماضية من الاعمال والطاعات والمراتعة فى المراتع الحيوانية الظلمانية . ووجه يلى النفس المطمئنة وهو وجه الايمان فاذا نظرت بهذا الوجه الى المطمئنة وتنورت بنورانيتها والصبغت بصبغتها تلوم ايضا نفسها على التقصيرات الواقعة منها والمحذورات الكائنة عليها فهى لا تزال لائمة لها قائمة على سوق لومها الى ان تتحقق بمقام الاطمئنان ولذلك استحقت ان اقسم اللّه بها على قيام البعث والنشر والحشر قال القاشانى جمع بين القيامة والنفس اللوامة فىلقسم بهما تعظيما لشأنهما وتناسبا بينهما اذ النفس اللوامة هى المصدقة بها المقرة بوقوعها المهيئة لاسبابها لانها تلوم نفسها أبدا فى التقصير والتقاعد عن الخيرات وان احسنت لحرصها على الزيادة فى الخير واعمال البر تيقنا بالجزآء فكيف بها ان اخطأت وفرطت وبدرت من بادرة غفلة ونسيانا انتهى هذا ودع عنك القيل والقال وجواب القسم محذوف دل عليه قوله تعالى.

٣

{ ايحسب الانسان ان لن نجمع عظامهؤ } وهو لببعثن والمراد بالانسان الجنس والاسناد الى الكل بحسب البعض كثير والهمزة لانكار الواقع واستقباحه وان مخففة من الثقيلة وضمير الشأن الذىهو اسمها محذوف والعظام جمع عظم وهو قصب الحيوان الذى عليه اللحم بالفارسية استخوان . ويجيئ جمع عظيم ايضا ككرام وكريم وكبار وكبير ومنه الموالى العظام والمعنى ايحسب الانسوان الذى ينكر البعث ان الشأن والحديث لن نجمع عظامه البالية فان ذلك حسبان باطل فانا نجمعها بعد تشتتها ورجوعها رميما ورفاتا مختلطا بالتراب وبعد ما نسفتها الرياح وطيرتها فى اقطار الارض وألقتها فى البحار لمجازاته بما عمل فى الدنيا

وقيل ان عدى بن أبى ربيعة ختن الاخنس بن شريف وهما اللذان كان عليه السلام يقول فيهما اللهم اكفنى جارى السوء قال لرسول اللّه يا محمد حدثنى عن يوم القيامة متى يكون وكيف امره فأخبره فقال لو عاينت ذلك اليوم لم اصدقك يعنى اكذب حسى أو أيجمع اللّه هذه العظام فكون الكلام خارجا على قول المنكر كقوله من يجيى العظام وهى رميم

وقيل ذكر العظام واراد نفسه كلها لان بالنسبة الى البعض واللّه قادر على الاحياء لا شبهة فيه بالنسبة الى العاقل المتفكر المستدل.

٤

{ بلى } ايجاب لما ذكر بعد النفى وهو الجمع اى نجمعها وبالفارسية آرى جمع كنيم . حال كوننا

{ قادرين } فهو حال مؤكدة من الضمير المستكن فى نجمع المقدر بعد بلى

{ على ان نسوى بنانه } اى نجمع سلامياته ونضم بعضها الى بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام وهو جمع سلامى كحبارى وهى العظام الصغار فى اليد والرجل وفى الحديث كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس اى على صاحبه صدقة من اى انواع الصدقة من قول وفعل ومال وفى القاموس البنان الاصابع او أطرافها قال الراغب البنان الاصابع قيل سميت بذلك لان بها اصلاح الاحوأل التى يمكن للانسان ان يبن بها ما يريد اى يقيم يقال ابن بالمكان بين لذلك خص فى قوله تعالى بلى قادرين على ان نسوى بنانه وقوله واضربوا منهم كل بنان خصه لاجل انها يقاتل بها ويدافع او المعنى على ان نسوى اصابعه التى هى اطرافه وآخر ما يتم به خلفه فالبنان مفرد اللفظ مجموع المعنى كالتمر وفيه جهتان الصغر وكونه طرفا فالى اى جهة نظر ثبت المطلوب بالاولية ولذا خص بالذكر ثم فى العظام اشارة الى كبار اعماله الحسنة والسيئة وفى البنان الى صغار افعاله الحسنة والسيئة فان اللّه تعالى يجمع كلا منهما ويجازى عليها.

٥

{ بل يريد الانسان ليفجر امامه } الفجر شق الشئ شقا واسعا والفجور شق ستر الديانة وقال بعضهم الفجور الميل فالكاذب والمكذب والفاسق فاجر اى مائل عن الحق ومنه قول الاعرابى فى حق عمر رضى اللّه عنه.

اغفر له اللهم ان كان فجر اى كذب واللام للتأكيد مثل قوله وانصح لكم فى انصحكم وان يفجر مفعول يريد وقد يقال مفعوله محذوف يدل عليه قوله ليفجر امامه والتقدير يريد شهواته ومعاصيه وقال سعدى المفتى الظاهر ان يريد ههنا منزلة اللازم ومصدره مقدر بلام الاستغراق بمعونة المقام يعنى مقام تقبيح حال الانسان اى يوقع جميع ارادته ليفجر المضمون والاخذ فى بين ما عليه الانسان من انهماكه فى الفجور من غير عطف وقال غيره عطف على ايحسب اما على انه استفهام مثله اضرب عن التوبيخ بذلك الى التوبيخ بهذا او على انه ايجاب انتقل اليه من الاستفهام وهذا ابلغ واولى والمعنى بل يريد الانسان ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الاوقات وفيام يستقبله من الزمان لا يرعوى عنه فالأمام ههنا مستعار للزمان من المكان وقال الراغب يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها

وقيل معناه يذنب ويقول غدا اتوب ثم لا يفعل فيكون ذلك فجور البذلة عهدا لا يفى به ( وقال الكاشفى ) بلكه خواهد آدمى آنكه دروغ كويد بآنجه اورا دربيش است ازبعث وحساب . وفيه اشارة الى ان الانسان المحجوب يريد ليفجر أمامه بحسب الاعتقاد والنية قبل الاتيان بالفعل وذلك بالعزم المؤاخذ به على ما عرف فى محله.

٦

{ يسأل } سؤال استبعاد واستهزآء

{ ايان } اصله اى آن وهو خبر مقدم لقوله

{ يوم القيامة } اى متى يكون والجملة استئناف تعليلى كأنه قيل ما يفعل حين يريد أن يفجر ويميل عن الحق فقيل يستهزئ ويقول ايان يوم القيامة او حال من الانسان فى قوله بل يريد الانسان اى ليس انكاره للبعث لاشتباه الامر وعدم قيام الدليل على صحة البعث بل يريد أن يستمر على فجوره فى حال كونه سائلا متى تكون القيامة فدل هذا الانكار على ان الانسان يميل بطبعه الى الشهوات والفكرة فى البعث تنغصها عليه فلا جرم ينكره ويابى عن الاقرار به فقوله ايحسب الانسان الخ دل على الشبخة والجهل وقوله بل يريد الخ على الشهوة والتجاهل فالآيتان بحسب الشخصين وفيه اشارة الى ان المحجوب يسأل ايان يوم القيامة لاحتجابه بنفسه الظلمانية لا يشاهد القيامة فى كل ساعة ولحظة بل كل لمحة وطرفة لتعاقب التجليين الافنائى والابقائى كما قال تعالى بل هم فى لبس من خلق جديد.

٧

{ فاذا برق البصر } اى تحير واضطرب وجال فزعا من اهوال يوم القيامة من برق الرجل اذا نظر الى البرق فدهش ثم استعمل فى كل حيرة وان لم يكن هناك نظر الى البرق وهو واحد بروق السحاب ولمعانه.

٨

{ وخسف القمر } اى ذهب ضؤوه فان خسف يستعمل لازما ومتعديا يقال خسف القمر وخسفه اللّه او ذهب نفسه من خسف المكان اى ذهب فى الارض ولكن هذا المعنى لا يناسب ما بعد الآية

قال بعضهم اصل الخسف النقصان ويكون فى الوصف وفى الذات وفيه رد لمن عبد القمر فان القمر لو كان الها كمان عمه ابعابدلدفع عن نفسه الخسوف ولما ذهب ضؤوه قال فى فتح الرحمن الخسوف سنة مؤكدة فاذا كسفت الشمس او القمر فزعوا للصلاة وهى لكسوف الشمس ركعتان كهيئة النافلة ويصلى بهم امام الجمعة ويطيل القرآءة ولا يجهر ولا يخطب وخسوف القمر ليس له اجتماع يصلى الناس ان منازلهم ركعتين كسائر النوافل.

٩

{ وجمع الشمس والقمر } فى ذهاب الضوء كما روى عن النبى عليه السلام او جمع بينهما فى الطلوع من المغرب او فى الالقاء فى النار ليكون حسرة على من يعبدهما وجاز تكرار القمر لانه اخبر عنه بغير الخبر الاول وقال القاشانى فاذا برق البصر اى تحيرو دهش شاخصا من فزع الموت وخسف قمر القلب لذهاب نور العقل عنه وجمع شمس الروح وقمر القلب بأن جعلا شيأ واحدا طالعا من مغرب البدن لا يعتبر لهما رتبتان كما كان حال الحياة بل اتحدرا وحاواحدا انتهى.

١٠

{ يقول الانسان } المنكر للقيامة وهو عامل فى اذا

{ يومئذ } اى يوم اذ تقع هذه الامور قول الآيس من حيث انه لا يرى شيأ من علامات ممكنة للفرار كما يقول من أيس من وجدان زيد ابن زيد حيث لم يجد علامة اصابته

{ اين المفر } اى الفرار وقال سعدى المفتى ولعله لا منع من الابقاء على حقيقته والقول يصدون هذا الكلام بناء على توهمه لتحيره.

١١

{ كلا } ردع عن طلب المفر وتمنيه قال سعدى المفتى هذا لا يناسب ان يقوله قول الآيس اذ لا طلب حينئذ ثم قوله كلا من قول اللّه تعالى وجوز أن يكون من قول الانسان لنفسه وهو بعيد

{ لا وزر } لا ملجأ يعنى يناه كاه نباشد كافرانرا.

مستعار من الجبل فان الوزر محركة الجبل المنيع ثم يقال لكل ما لتجأت اليه وتحصنت به وزر تشبيها له به وخبر لا محذوف اى لا ملجأ ثمة او فى او وجود ومن بلاغات الزمخشرى اتل على كل من وزر كلالا وزر اى اتل عليا هذه الآية ومعنى وزر الاول بالفارسية كناه كردن . فان الوزر بالكسر الاثم وقال بعضهم

لعمرك ما فى الفتى من وزر ... من الموت يدركه والكبر

اى لا ملجأ للفار من الموت والكبر اذ كل منهما من الامر الالهى والامر المحكم القضاء المبرم يدرك الانسان لا محالة.

١٢

{ الى ربك يومئذ المستقر } اى اليه تعالى وحده استقرار العباد اى لا يتوجهون الا الى حيث امرهم اللّه من مقام حسابه او الى حكمه استقرار أمرهم فان الملك يومئذ لله فهو كقوله ان الى ربك الرجعى وان الى ربك المنتهى واليه ترجعون اى الى حيث لا حاكم ولا مالك سواه او الى مشيئته موضع قرارهم يدخل من يشاء الجنة ومن يشاء النار فيكون المستقر اسم مكان وهو مرفوع بالابتدآء والى ربك خبره ويومئذ معمول الى ربك ولا يجوز أن يكون معمول المستقر لانه ان كان مصدرا بمعنى الاستقرار فلا يتقدم معموله عليه وان كان اسم مكا فلا عمل له البتة وكذا الكلام فى قوله الى ربك يومئذ المساق ونحوه.

١٣

{ ينبأ الانسان يومئذ } اى يخبر كل امرئ برا كان او فاجرا عند وزن الاعمال وحال العرض والمحاسبة والمخبر هو اللّه او الملك بأمره او كتابه ينشره

{ بما قدم } اى عمل من عمل خيرا كان او شرا فيثاب بالاول ويعاقب بالثانى

{ واخر } اى لم يعمل خيرا كان او شرا فيعاقب بالاول ويثاب بالثانى او بما قدم من حسنة او سيئة وبما اخر من حسنة او سيئة فعمل بها بعده او بما قدم من ماقل تصدق به فى حياته وبما اخر او وقفه او اوصى به او باول عمله وآخره ( شيخ الاسلام عبد اللّه الانصارى قدس سره ) فرموده كه كناه از بيش فرستى بجرأت ومال ازبس بكذارى بحسرت كناه رابتوبه نيست كن تانماند ومال را بصدقه بيش فرست تابماند

كرفرستى زبيش به باشد ... كه بحسرت زبس نكاه كنى

وفى الحديث ( منكم من احد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى الا ما قدم وينظر بين يديه فلا برى الا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة )

١٤

{ بل الانسان على نفسه بصيرة } الانسان مبتدأ وبصيرة خبره وعلى نفسه متعلق ببصيرة بتقدير على اعمال نفسه والموصوف محذوف اى بل هو حجة بصيرة وبينة واضحة على اعمال نفسه شاهدة جوارحه واعضاؤه بما صد عنه من الافعال السيئة كما يعرب عنه كلمة على وما سيأتى من الجملة الحالية ووصفه بالبصارة بمجازا فى الاسناد كما وصفت الآيات بالابصار فى قوله تعالى فملا جاءتهم آياتنا مبصرة او عين بصيرة او ذو بصيرة او التاء للمبالغة كما فى علامة ونسابة ومعنى بل الترقى اى ينبأ الانسان باعماله بل هو لا يحتاج الى ان يخبره غيره فانه يومئذ عالم بتفاصيل احواله شاهد على نفسه لان جورحه تنطق بذلك قال القاشانى بل الانسان حجة بينة يشهد بعلمه لبقاء هيئة اعماله المكتوبة عليه فى نفسه ورسوخها فى ذاته وصيرورة صفاته صور اعضائه فلا حاجة الى ان ينبأ من خارج

باش ناز صدمه صور سرافيلى شود ... صورت خوبت نهان وسيرت زشت آشكار

١٥

{ ولو القى معاذيره } حال من المستكن فى بصيرة او من مرفوع ينبأ اى هو بصيرة على نفسه تشهد عليه جوارحه وتقبل شهادتها ولو جاء بكل معذرة يمكن ان يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها بأن يوقل مثلا لم افعل او فعلت لاجل كذا او لم اعمل او وجد مانع او كنت فقيرا ذا عيال او خفت فلانا او طمعت فى عطائه الى غير ذلك من المعاذير الغير النافعة

جه جندين عذر انكيزى وجندين حيله هاسازى ... جوميدانى كه ميدانم وميدانم كه ميدانى ... او ينبأ باعماله ولو اعتذر بكل عذر فى الذب عنها فان الذب والدفع لا رواح له يومئذ لانه يوم ظهور الحق بحقيقته والمعاذير اسم جمع للمعذرة كمناكير اسم جمع للمنكر

وقيل جمع معذار وهو الستر بلغة اهل اليمن اى ولو ارخى متواره صعنى ان احتجابه واستتاره عن المخلوقات فى حال مباشرة المعصية فى الدنيا لا يغنى عنه شيأ لان عليه من نفسه بصيرة ومن الحفظة شهودا وفى الكشاف لانه يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب.

١٦

{ لا تحرك به } اى بالقرءآن

{ لسانك } ما دام جبريل يقرأ ويلقى عليك

{ لتعجل به } اى بأخذه اى لتأخذه على عجلة مخافة ان ينفلت.

١٧

{ ان علينا جمعه } فى صدرك بحكم الوعد بحيث لا يخفى عليك شئ من معانيه

{ وقرءآنه } بتقديره المضاف اى انبات قرآته فى لسانك بحيث تقرأه متى شئت فالقرءآن مصدر بمعنى القرآءة كالغفران بمعنى المغفرة مضاف الى مفعوله والقرآءة ضم الحروف والكلمات بعضها الى بعض فى الترتيل وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال قرأت القوم اذا جمعتهم.

١٨

{ فاذا قرأناه } اى اتمنا قرآءته عليك بلسان جبريل واسناد القرآءة الى نون العظمة للمبالغة فى ايجاب التأنى

{ فاتبع قرءآنه } اى فاشرع فيه بعد فراغ جبريل منه بلا مهلة وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما فاذا جمعناه واثبتناه فى صدرك فاعمل به وقال الواسطى رحمه اللّه جمعهه فى لاسر وقرءآنه فى العلانية.

١٩

{ ثم ان علينا بيانه } اى بيان ما اشكل عليك من معانيه واحكامه وسمى ما يشرح المجمل والمبهم من الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود اظهاره وفى ثم دليل على انه يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب لا عن وقت الحجابة الى العمل لانه تكليف بما لا يطاق قال اهل التفسير كان عليه السلام اذا لقن الوحى نازع جبريل القرآءة ولم يصبر الى ان يتمها مسارعة الى الحفظ وخوفا من ان يفلت منه فامر بأن يستنصت له ملقيا اليه قلبه وسمعه حتى يقض اليه الوحى كما قال تعالى ولا تعجل بالقرءآن من قبل ان يقضى اليك وحيه ثم يقضيه بالدراسة الى ان يرسخ فيه وعن بعض العارفين انه قال فيه اشارة الى صحة الاخذ عن اللّه بواسطة كائه تعالى يقول خذه عن جبريل كأنك ما علمته الا منه ولا تسابق بما عندك منا من غير واسطة واكابر المحققين يسمون هذه الجهة التى هى عدم الوسائط بالوجه الخاص والفلاسفة ينكرون هذا الوجه ويقولون لا ارتباط بين الحق والموجودات الا من جهة الاسباب والوسائط فليس عندهم ان يقول الانسان أخبرنى ربى اى لا وساطة وهم مخطئون فى هذا الحكم فانه لما كان ارتباط كل ممكن بالحق من حيث الممكن من جهتين جهة الواحدة وجهة الكثرة وجب ان تكون جهة والحجة بلا واسطة وهو الوجه الخاص وجهة الكثرة بواسطة وهو الوجه العام ولما كان نبينا عليه السلام اكمل الخلق فى جهة الوحدة لكون احكام كثرته وامكانه مستهلكة بالكلية فى وحة الحق واحكام وجوبه كان ياخذ عن اللّه بلا واسطة اى من الوجه الخاص وكان ينطبع فى قلبه ما يريد الحق ان يخبره به فاذا جاءه الكلام من جهة الوسائط اى من الوجه العام بصورة الالفاظ والعبارات التى استدعتها احوال المخاطبين كان يبادر اليه بالنطق به لعلمه بمعناه بسبب تلقيه ايار من حيث اللاواسطة لينفس عن نفس ما يجده من الكربة والشدة التى يلقاها مزجه من التنزل الروحانى فان الطبيعة تنزعج من ذلك للمباينة الثابتة بعد المزاج وبين الروح اللكى فعرف الحق نبينا عليه السلام ان القرءآن وان اخذته عنه من حيث معناه بلا واسطة فان انزلنا اياه مرة اخرى من جهة الوسائط يتضمن فوآئد زآئده منها مراعاة افهام المخاطبين به لان الخلق المخاطبين بالقرءآن حكم ارتباطهم بالحق انما هو من جهة سلسلة الترتيب والوسائط كما هو الظاهر بالنسبة الى اكثرهم فلا يفهمون عن اللّه الا من تلك الجهة ومنها معرفتك اكتساء تلك المعانى العبارة الكاملة وتستجلى فى مظاهرها من الحروف والكلمات فتجمع بين كمالاته الباطنة والظاهرة فيتجلى بها روحانيتك وجسمانيتك ثم يتعدى الامر منك الى امتك فيأخذ كل منهم حصته من علما وعملا فى قوله تعالى لا تحرك به لسانك الخ تعليم وتأديب اما التعليم فما اشير اليه من ان باب جهة الوحدة مسدود على اكثر الناس فلا يفهمون عن اللّه الى من الجهة المناسبة لحالهم وهى جهة الوسائط والكثرة الامكانية

واما التأديب فانه لما كان الآتى بالوحى من اللّه جبريل فمتى بودر بذكر ما اتى به كان كالتعجيل له واظهار الاستغناء عنه وهذا خلل فى الادب بلا شك سيما مع المعلم المرشد ومن هذا التقرير عرف ان قوله تعالى لا تحرك به الخ واقع فى البين بطريق الاستطراد فانه لما كان من شأنه عليه السلام للاستعجال عند نزول كل وحى على ما سبق من الوجه ولم ينه عنه الى ان اوحى اليه هذه السورة من اولها الى قوله ولو ألقى معاذيره وعجل فى ذلك كسائر المرات نهى عنه بقوله لا تحرك الخ ثم عاد الكلام الى تكملة ما ابتدئ به من خطاب الناس ونظيره ما لو ألقى المدرس على الطالب مسألة وتشاغل الطالب بشئ لا يليق بمجلس الدرس فقال ألق الى بالك وتفهم ما اقول ثم كمل المسألة.

يقول الفقير أيده اللّه القدير لاح لى فى سر المناسبة وجه لطيف ايضا وهو ان اللّه تعالى بين قبل قوله لا تحرك به الخ جمع العظام ومتفرقات العناصر التى هى اركان ظاهر الوجود ثم انتقل الى جمع القرءآن واجزآئه التى هى اساس باطن الوجود فقال بعد قوله ايحسب الانسان ان لن نجمع عظامه ان علينا جمعه فاجتمع الجمع بالجمع والحمدلله تعالى وقد تحير طائفة من قدماء الروافض خذلهم اللّه تعالى حيث لم يجدوا المناسبة فزعموا ان هذا القرءآن غير وبدل وزيد فيه ونقض وفى التأويلات النجمية اعلم ان كل ما استعد لاطلاق الشيئية عليه فله ملك وملكوت لقوله تعالى بيده ملكوت كل شئ والقرءآن اشرف الاشياء واكملها فله ايضا ملك وملكوت فاما ملكه فهو الاحكام والشرآئع الظاهرة التى تتعلق بمصالح الامة من العبادات المالية والبدنية والجنايات والوصايات وامثالها

واما ملكوته فهو الاسرا الاليهة والحقائق اللاهوتية التى تتعلق ببواطن خواص الامة واخص الخواص بل بخلاص اخص الخواص من المكاشفات و والمشاهدات السرية والمعاينات الروحية ولكل واحد من الملك والملكوت مردكات يدرك بها لا غير لان الوجدانيات والذوقيات لا تسعها ألسنة العبارات لانها منقطع الاشارة فقوله لا تحرك الخ يشير الى عدم تعبيره بلسان الظاهر عن اسرار الباطن والحقائق الآبية عن تصرف العبارات فيها بالتعبير عنها وان مظهره الجامع جامع بين ملك القرءآن وملكوته وهو عليه السلام يتبع بظاهره ملكه وبباطنه ملكوته نسأل اللّه سبحانه ان يجعلنا من المتبعين للقرءآن فى كل زمان

٢٠

{ كلا } عود الى تكملة ما ابتدئ به الكلام يعنى نه جنانست اى آدميان كه كمان برده آيد در امر عقبى

{ بل تحبون العاجلة } اى الدنيا يعنى دنياى شتاب كننده را.

٢١

{ وتذرون الآخرة } فلا تعملون لها بل تنكرونها وفى التأويلات النجمية تحبون نعمة شهوة الدنيا وتذرون نعمة خمول الآخرة والخطاب للامة.

٢٢

{ وجوه يومئذ ناضرة } النضرة طراوة البشرة وجمالها وذلك من اثر التنعم والناضر الغض الناعم من كل شئ اى وجوه كثيرة وهى وجوه المؤمنين المخلصين يوم اذ تقوم القيامة بهية متهللة يشاهد عليها نضرة النعيم ورونقه كما قال تعالى فى آية اخرى تعرف فيه وجوههم نضره النعيم على ان وجوه مبتدأ وناضرة خبره ويومئذ منصوب بناضرة وصحة وقوع النكرة مبتدأ لان المقام مقام تفصيل.

٢٣

{ الى ربها ناظرة } قوله ناظرة خبر ثان للمبتدأ والى ربها متعلق بها والنظر تقليب البصر والبصيرة لادراك الشئ ورؤيته والمراد بنظر الوجوه نظر العيون التى فيها بطريق ذكر المحل وارادة الحال وهذا عند اهل القال

واما عند اهل الحال فلا ينحصر النظر فى البصر والاجاء القيد واللّه منزه عن ذلك بل ينقلب الباطن ظاهرا والظاهر بصرا بجميع الاجزآء فيشاهد الحق به كما يشاهد بالبصيرة فى الدنيا والآخرة عالم اللطافة ولذا لا حكم للقالب والجسد الظاهر هنا وانما الحكم للقلب والروح الظاهر صور الاعضاء بهما فاعرب جداه بزركى را برسيدند كه

راه از كدام جانب است كفت ازجانب تونيست ... جون ازتو در كذشتى از همه جانباه راهست ... دون بصديقان بيا كردند وزان ره ساختند ... زجزبدل رفتن دران ره يك قدم را بار نيست ... والمعنى ان الوجوه تراه تعالى عيانا مستغرقة فى مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه وتشاهد تعالى بلا كيف ولا على جهة وحق لها ان تنضر وهى نتظر الى الخالق . مثل مؤمن مثل بازاست بازرا جون بكيرند وخواهندكه شايسته دست شاه كردد مدتى جشم او بدور وزند بندى بريايش نهند در خانه تاريك باز دارند از جفتش جدا كنند يك جندى بكر سنكيش متنى كنندنا ضعيف ونحيف كردد ووطن خويش فراموش كند وطبع كذاشتكى دست بدارد آنكه بعاقبت جشمش بكشايند شمعى بيش وى بيفروزند طبلى از بهروى بزنند طعمه كوشت ببش وى نهند ودست شاه مقروى سازند باخود كويد دركل عالم كرا بود اين كرامت كه مراست شمع بيش ديده من آواز طبل نوى من كوشت مرغ طعمه من دست شاه جاى من بر مثال اين حال جون خوانندكه بنده مؤمن رالحه خلت بوشانند وشراب محبت نوشاند باوى همين معاملت كنند مدتى در جهار روز كارى برين صفت بكذارند آنكه ناكاه طبل قيامت بزنند بنده از خاك لحد سر برآرد جشم كبشايد نور بهشت بيند دنيا فراموش كند شراب وصل نوش كند برمائده خلد بتشيند جنانجه آن بازجشم بازكند خودراردست شاه بيند بنده مؤمن جشم باز كندخودارا فقعد صدق بيند سلام ملك شنوديدار ملك بيتد ميان طوبى وزلفى وحسنى شادان ونازان درجلال وجمال حق نكران ايسنت كه رب العالمين كفت.

وفي هذا فى جميع الاحوال حتى ينافيه نظرها الى غيره من الاشياء الكثيرة والاولى ان التقديم للاهتمام ورعاية الفاصلة لان التقييد ببعض الاحوال تقييد بلا دليل ومناف لمقام المدح المقتضى لعموم الاحوال وغيرها مناسب لقوله وجوه يومئذ ناضرة لعمومه فى الاحوال ولو سلم فالاختصاص ادعائى فان النظر الى غيره فى جنب النظر اليه لا يعد نظرا بل هو بمنزلة العدم كما فى قوله زيد الجواد هكذا قالوا ولكن من اهل الجنة من فاز بالتجليى الذاتى الابدى الذى لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الذى اشار اليه عليه السلام بقوله صنف من اهل الجنة لا يستتر الرب عنهم ولا يحتجب وكان بذكره ايضا فى دعائه ويقوله واسألك لذة النظر الى وجهك الكريم ابد دآئما سرمدا دون ضرآء مضرة ولا فتنة مضلة فالضرآء المضرة حصول الحجاب بعد التجلى والتجلى بصفة تستلزم سدل الحجب والفتنة المضلة كل شبهة توجب خللا او نقصا فى العلم والضهود.

آورده ان اورا دهريك ازاوتاد اين كلما تست اللهم انى أسألك النظرة الى وجهك الكريم هركس ببهشت آرزويى دارد وعاشق جزآرزوى ديدن ديدارندارد بير طريقت كفت بهره عارف دربهشت سه جيزاست سماع وشراب وديدار سماع را كفت

{ فهم فى روضة يحبرون } شراب را كفت

{ وسقاهم ربهم شرابا طهورا } ديدار كفت

{ وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناضرة } سماع بهره كوش شراب زبان كشايد ديدار صفت ربايد سماع مطلوب را نقد كند شراب را زجلوه كند ديدار عارف را فرد كندسماع را هفت اندام رهى كوش جونساقى اوست شراب همه نوش ديداررا زبر هرموى ديده روشن.

ثم ان جميع اهل السنة جملوا هذه الآية على انها متضمنة رؤيه المؤمنين لله تعالى بلا تكييف ولا تحديد ولا يصح تأويل من قال لا ضرر بها ونحوه وجعله الزمشرى كناية عن معنى التوقع والرجاء على معنى انهم لا يتوقعون النعمة والكرامة الا من ربهم كما كانوا فى الدنيا لا يخشون ولا يرجون الا اياه وجوابه انه لا يعدل الى الكناية بلا ضرورة داعية اليها جناتان من فضة آنيتهما ومائيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا الى ربهم الاردآء الكبرياء على وجهه حيث ان المعتزلة قالوا ان لاردآء حجاب بين المرتدى والناظرين فلا تمكن الرؤية فجوابه انهم حجبوا عن أن المرتدى لا يحجب عن الحجاب اذا المراد بالوجه الذات وبردآء الكبرياء هو العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامعة للحقائق الامكانية والالهية يعنى ردآء كبرياء نفس مظهرست ومشاهده ذات بودن مظهرى محالست . والردآء هو الكبرياء واضافته للبيان والكبرياء ردآءه الذى يلبسه عقول العلماء باللّه للتفهيم فلا ردآء هناك حقيقة فالرتبة الحجابية باقية ابدا وهو رتبة المظهر لانها كالمرءآة

واما قوله عليه السلام حين سئل هل رأيت ربك ليلة المعراج فقال ( نورأنى أراه ) فمعناه ان النور المجرد لا تمكن رؤيته يعنى انما تتعذر الرؤية والادراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والاضافات فاما فى المظاهر ومن ورآء حجابية المراتب فالادراك ممكن ومن المعتزلة من فسر النظر بالانتظار وجعل قوله الى اسماء مفربدا بمعنى النعمة مضافا الى الرب جمعه آلاء فيكون مفعولا مقدما لقوله ناظرة بمعنى منتظرة والتقدير وجوه يومئذ منتظرة نعمة ربها ورد بان الانتظار لا يسند الى الوجه سوآء أريد به المعنى الحقيقى او أريد به العين بطريق ذكر المحل وارادة الحال وتفسير الوجه بالذات وجملة الشخص خلاف الظاهر وبأن الانتظار لا يعدى بالى ان جعل حرفا واخذه بمعنى اللنعمة فى هذا المقام يخالف المعقول لان الانتظار يعد من الآلام ونعيم الجنة حاضر لاهلها ويخالف المنقول ايضا وهو أنه عليه السلام قال

( أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر الى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسريره مسيرة ألف سنة ) يعنى تاهزال ساله راه آنرا نيندوا كرمهم على اللّه من ينظر الى وجهه غدوة وعشية يعنى بمقدار ازان ثم قرأ عليه السلام وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فقد فسر النظر بنظر العين والرؤية فظهر ان المخالف اتبع رأيه وهواه ( روى ) انه عليه السلام نظر الى القمر ليلة البدر فقال انكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون فى رؤيته وهو بفتح التاء وتشديد الميم من الضم أصله لا تتضامون اى لا ينضم بعضكم الى بعض ولا يول أرنيه بل كل ينفرد برؤيته وروى بتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم فتكون التاء حينئذ مضمومة يعنى لا ينالكم ظلم بأن يرى بعضكم دون بعض بل تستوون كلكم فى رؤيته تعالى وهذا حديث مشهور تلقته الامة بالقبول ومعنى التشبيه فيه تشبيه الرؤية بالرؤية فى الوضوح لا تشبيه المرئى بالمرئى فثبت ان المؤمنين يرونه بغيره كيف ولا كم وضرب من مثال فينسون النعيم اذا رأوه في اخسران اهل الاعتزال وسئل مالك بن انس رضى اللّه عنهما عن قوله تعالى الى ربها ناظرة

وقيل له ان قوما يقولون الى ثوابه فقال مالك كذبوا فأين هم عن قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم قال الناس ينظرون الى اللّه بأعينهم ولو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعذب اللّه الكفار بالحجاب وقال صاحب العقد الفريد ومن اعتقد غير هذا فهو مبتدع زنديق وقد يشهد للمطلوب ويرد دعوى أهل البدعة أن الرؤية هى اللذة الكبرى فكيف يكون المؤمنون محرومين منها والدار دار اللذة فينبغى للمؤمنأن تكون همته من نعم الجنة نعمة اللقاء فان غيرها نعم بهيمية مشتركة قال بعض العارفين دلت الآية على ان القول ينظرون الى اللّه تعالى فى حال السحو والبسط لان النضرة من امارات البسط فلا يتداخلهم حياء ولا دهشة والا لتنغص عيشهم بل لو عاينوه بوصف الجلال الصرف لهلكوا فى اول سطوة من سطواته فهم يرونه فى حال الانس بنوره بل به يرونه وهنا لك وجود الارف كله عين يرى حبيبه بجميع وجوده تلك العيون مستفادة من تجلى الحق فقوم لهم بالنظر من فنسه الى نفسه ويظهر سر الوحدة بين العاشق والمعشوق والرؤية تقتضى بقاه الزآئى وهو من مقتضيات عالم الصفات واستهلاك العبد فى وجود الحق اتم كما هو مقتضى عالم الذات قال النصر ابادى قدس سره من الناس ناس طلبوا الرؤية واشتاقوا اليه تعالى ومنهم العارفون الذين اكتفوا برؤية اللّه لهم فقالوا رؤيتنا ونظرنا فيه علل ورؤيته ونظره بلا علة فهو أثم ركة واشمل نفعا وقال بعضهم القرب المذكور فى قوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد هو الذى منع الخلق عن الادراك للحق كما ان الهوآء لما كان مباشر لحاسة البصر لم يدركه البصر وكذلك الماء اذا غاص الغائص فيه وفتح عينيه يمنعه قربه من حاسة بصره أن يراه والحق اقرب الى الناس من نفسه فكان لا يرى لقربه كما انه تعالى لا يرى لبعده وعلو ذاته اين التراب من رب الارباب ولكن اذا أراد العبد أن يراه تنزل من علوه ورفع عبده الى رؤيته فرآءه به ولذلك قال عليه السلام

( انكم سترون ربكّم كما ترون الشمس والقمر ) وهما فى شأنهما متوسطان فى القرب والبعد فغاية القرب حجاب كما ان غاية البعد حجاب والكل يراه فى الدنيا لا يعرف انه هو وفرق بين العارف وغيره ألا ترى انه ذا كان فى قلبك لقاء شخص وأنت لا تعرفه بيعنه فلقيك وسلم عليك وانت لم تعرفه فقد رأيته وما رأيته كالسلطان اذ دار فى بلده متنكرا فانه يراه كثير من الناس ولا يعرفه ثم ان منهم من يقول لم يتيسر لى رؤية السلطان الى الآن وأنا أريد أن انظر اليه مع انه نظر اليه مرارا فهو فى حال بصره اعمى فما اشد حجابه ثم انه لو اتفق له النظر اليه فربما لا يتعمق ففرق بين ناظر وناظر بحسب حدة بصره وضعفه ولذا قالوا انما تفاوتت الافراد فى حضرة الشهود مع كونهم على بساط الحق الذى لا نقص فيه لانهم انما يشهدون فى حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لتساووا فى الفضيلة وقال بعضهم العارفين الخلق اقرب جار للحق تعالى وذلك من أعظم البشرى فان للجار حقا مشروعا معروفا يعرفه العلماء باللّه فينبغى لكل مسلم أن يحضر هذا الجوار الالهى عند الموت حين يطلب من الحق ما يستحقه الجار على جاره من حيث ما شرع قال تعالى لنبيه عليه السلام قل رب احكم بالحق اى الحق الذى شرعته لنا تعاملنا به حتى لا ننكر شيأ منه مما يقتضيه الكرم الالهى فهو دعاء افتقار وخضوع وذل ( حكى ) ان الحجاج أراد قتل شخص فقال لهلى اليك حاجة قال أريد أن امشى معك ثلا خطوات ففعل الحجاج فقال الشخص حق هذه الصبحة أن تعفو عنى فعفا عنه.

٢٤

{ ووجوه يومئذ } يتعلق بقوله

{ باسرة } اى شديدة العبوس مظلمة ليس عليها أثر السرور اصلا وهى وجوه الكفرة والمنافقين وقال الراغب البسر الاستعجال بالشئ قبل أوانه فان قيل فقوله وجوه يومئذ باسره ليس يفعلون ذلك قبل الموت وقد قلت ان ذلك يقال فيما كان قبل وقته قيل ان ذلك اشارة الى حالهم قبل الانتهاء بهم الى النار فخص لفظ البسر تنبيها على ان ذلك مع ما ينالهم من بعد يجرى مجرى التكلف ومجرى ما فيعل قبل وفنه ويدل على ذلك قوله تعالى

٢٥

{ تظن } تتوقع اربابها بحسب الامارات والجملة خبر بعد خبر رجح ابو حيان والطبي تفسير الظن بمعنى اليقين ولا ينافيهأن المصدرية كما توهم فانها انما لا تقع بعد فعل التحقق الصرف فاما بعد فعل الظن او ما يؤدى معنى العلم فتجيئ المصدرية والمشددة والمخففة نص عليه الرضى

{ ان يفعل بها فاقرة } داهية عظيمة تقصم فقار الظهر ومنه سمى الفقير فان الفقر كسر فقار ظهره فجعله فقيرا اى مفقورا وهو كناية عن غاية الشدة وعدم القدرة على التحمل فهى تتوقع ذلك كما تتوقع الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير بناء على ان قضية المقابلة بين الآيتين تقتضى ذلك

قال بعضهم اصح آنست كه آن بلا حجابست ازرؤيت رب الارباب ( مصراع ) كه از فراق بتردرجهان بلايى نيست.

وفى التأويلات النجمية وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة لا الى غيره بسبب الاعراض عن الدنيا فى هذا اليوم والاقبال على اللّه ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة بسبب الاقبال على الدنيا فى هذا اليوم والادبار عن اللّه جزآء وفاقا وقال بعضهم وجوه يومئذ ناضرة للتنوي رنوبر القدس والاتصال بعالم النور والسرور والنعيم الدائم ووجوه يومئذ باسرة كالجه لجهامة هيئتها وظلمة ما بها من الجحيم والنيران وسماجة ما تاره هنالك من الاهوال وسوء الجيران.

٢٦

{ كلا } ردع عن ايصار العاجلة عن الآخرة اى ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا لما بين ايديكم من الموت الذى ينقطع عنده ما بينكم وبين العاجلة من العلاقة

{ اذا بلغت التراقى } الضمير للنفس وان لم يجر لاه ذكر لان الكلام الذى وقعت فيه يدل عليها وتقول العرب ارسلت يريدون جاء المطر ولا تكاد تسمعهم بذكرون السماء اى اذا بلغت النفس الناطقة وهى الروح الانسانى أعالى الصدر وهى العظام المكتنفة لثغره النحر عن يمين وشمال فاذا بلغت اليها يكون وقت الغرغرة وبالفارسية جون برسد روح باستخوا نهاى سينه وكردن.

وفى كشف الاسرار وقت كه جان بجنبر كردن رسد . جمع ترقوة بفتح التاء والواو وسكون الرآء وضم القاف قال فى القاموس الترقوة ولا تضم تاؤه العظم بين ثغرة النحر والعاتق انتهى.

والعاتق موضع الردآء من المنكب

قال بعضهم لكل احد ترقوتان ولكن جمع التراقى باعتبار الافراد وبلوغ النفس التراقى كناية عن عدم الاشفاء يعنى بكناره اورسيدن ونزديك شدن.

والعامل فى اذا بلغت معنى قوله الى ربك يومئذ المساق اى اذا بلغت النفس الحلقوم رفعت وسيقت الى اللّه اى الى موضع امر اللّه ان ترفع اليه.

٢٧

{ وقيل من راق } معطوف على بلغت وقف حفص على من وقفة يسيرة من غير تنفس

قال بعضهم لعل وجهه استثقال الرآء المشددة التى بعدها قاف غليظة تلفظ فى الادغام واستكراه القطع التام بين المبتدأ والخبر والاستفهام والمستفهم عنه فى النفس والفرار من الاظهار دون سكتة لانه يعد من اللحن عند اتصال النون الساكنة بالرآء بين اهل القرءآة وقال من حضر صاحبها من يرقيه يعنى افسون ميكنند . وينجيه مما هو فيه من الرقية وهو التعويد بام به يحصل الشفاء كما يقال بسم اللّه أرقيك وفعله من باب ضرب والاستفهام على هذا يحتمل أن يكون بمعنى الطلب كأن الذين حول ذلك الانسان طلبوا له طبيبا يعالجه وراقيا يرقيه ويحتمل أن يكون استفهام بمعنى الانكار كما يقال عند اليأس من الذى يقدر أن يرقى هذا الانسان المشرف على الموت وهو الظاهر كما قال الراغب من راق اى من يرقية تنبيها على انه لا راقى يرقيه فيحييه وذلك اشارة الى نحو ما قال

واذا المنية انشبت اظفارها ... الفيت كل تميمة لا تنفع

التميمة خرزات كان العرب يعلقونها على اولادهم خوفا من العين وهو باطل لقوله عليه السلام من علق تميمة فقد أشرك واياها أراد صاحب البيت المذكور

وقيل هو من كلام ملائكة الموت يقولون أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة او ملائكة العذاب من الرقى وفعله من باب علم وقول ملائكة الرحمة لا يمانعه قوله فلا صدق ولا صلى الآيات لان الضمير فيه لجنس الانسان فلا يتعين كون المختضر من اهل النار قال الكلبى يحضر العبد عند الموت سبعة املاك من ملائكة الرحمه وسبعة من ملائكة العذاب مع ملك الموت فاذا بلغت نفس العبد التراقى نظر بعذهم الى بعض أيهم يرقى بروحه الى السماء فهو قوله من راق وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الملائكة يكرهون القرب من الكافر فيقول ملك الموت من يرقى بروح هذا الكافر.

٢٨

{ وظن انه الفراق } وأيقن المتحضر حين عاين ملائكة الموت ان ما نزل به هو الفراق من الدنيا المحبوبة ونعيمها الى ضيع العمر النفيس فى كسب متاعها الخسيس وعبر عما حصل لهمن المعرفة حينئذ بالظن لان الانسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه فانه يطمع فى الحياة لشدة حبه لهذا الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت بل ظنه الغالب على رجاء الحياة قال الامام هذه الآية تدل على ان الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت المعدن لان اللّه تعالى سمى الموت فراقا والفراق انما يكون اذا كانت الروح باقية فان الفراق والوصال صفة وهى تستدعى وجود الموصوف قال المزنى دخلت على الشافعى فى مرة موته فقلت كيف أصبحت قال أصبحت من الدنيا راحلا وللاخوان مفارقا ولسوء عمى ملاقيا ولكأس المنية شاربا وعلى اللّه وارادا فلا ادرى أروحى تصير الى الجنة فأهنيها ام الى النار فأعزيها ثم أنشأ يقول

ولما قسا قلبى وضاقت مذاهبى ... جعلت رجائى نحو عفوك سلما

تعاظمنى ذنبى فلما قرنته ... بعفوك ربى كان عفوك اعظما

وقال بعضهم

فراق ليس يشبهه فراق ... قد انقطع الرجاء عن التلاق

وفى الحديث ان العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وان مفاصله ليسلم بعضها على بعض يقول السلام عليك أفارقك وتفارقنى الى يوم القيامة ( قال الشيخ سعدى )

كوس رحلت بكوفت دست اجل ... اى در جشمم وداع سر بكنيد

اى كف ودست وساعد وبازو ... همه توديع يكدكر بكنيد

بر من افتاده مرك دشمن كام ... آخر اى دوستان كذر بكنيد

روز كارم بشد بنادانى ... من نكردم از شما حذر بكنيد

قال يحيى بن معاذ رحمه اللّه اذا دخل الميت القبر قام على شفير قبره اربعة املاك واحد عند رأسه والثانى عند رجليه والثالث عن يمينه والرابع عن يساره فيقول الذى عند رأسه يا ابن آدم ارفضت الآجال اى تفرقت وأنصيت الآمال اى هزلت ويقول الذى عن يمينه ذهبت الاموال وبقيت الاعمال ويقول الذى عن يساره ذهبت الاشغال وبقى الوبال ويقول الذى عند رجليه طوبى لك ان كان كسبك من الحالا وكنت مشتغلا بخدمة ذى الجلال.

٢٩

{ والتفت الساق بالساق } الالتفات برهم بيجبدن اى والتفت ساقه بساقه والتوت عليها عند قلق الموت فالساق العضو المخصوص والتفافهما اجتماعهما والتوآء اجناهما بالاخرى او التفت شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الآخرة على ان الساق مثل فى الشدة وجه المجاز ان الانسان اذا دهمته شدة شمر لها عن ساقيه فقيل للامر الشديد ساق من حيث ان ظهورها لازم لظهور ذلك الامر وقد سبق فى قوله تعالى يوم يكشف عن ساق وعن سعيد بن مسيب هما ساقاه حين تلفان فى اكفانه.

٣٠

{ الى ربك يومئذ المساق } اى الى اللّه والى حكمه يساق الانسان لا الى غيره اى يساق الى حيث لا حكم هناك الا اللّه ( وقال الكاشفى ) بسوى جزاى بروردكارتوا آروز باز كشت باشد همه كس را.

فالمساق مصدر ميمى بمعنى السوق بالفارسية راندن . والألف واللام عوض عن المضاف اليه اى سوق الانسان.

٣١

{ فلا صدق } الانسان ما يجب تصديقه من الرسول والقرءآن الذى نزل عليه اى لم يصدق فلا ههنا بمعنى لم وانما دخلت على الماضى لقوة التكرار يعنى حسن دخول لا على الماضى تكراره كما تقول لا قام ولا قعد وقلما تقول العرب لا وحدها حتى نتبعها اخرى تقول لا زيد فى الدار ولا عمرو أو فلا صدق ماله بمعنى لا زكاة فحينئذ يطلب وجه لترجيح الزكاة على الصلاة مع ان دأب القرءآن تقديم الصلاة ولعل وجهه ما كان كفار مكة عليه من منع المساكين وعدم الحض على طعامهم فى وقت الضرورة القوية وايضا لى أخير ولا صلى مراعاة الفواصل كما لا يخفى

{ ولا صلى } ما فرض عليه وفيه دلالة على ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤاخذة يعنى ان الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة كما يستحقها بترك الايمان وان لم يجب ادآؤها عليه فى الدنيا.

٣٢

{ ولكن كذب } ما ذكر من الرسول والقرءآن والاستدراك لدفع احتمال الشك فان نفى التصديق لا يستلزم أثبات التكذيب لكون الشك بين التصديق والتكذيب فاذا لا تكرار فى الآية

{ وتولى } واعرض عن الطاعة لله ولرسوله.

٣٣

{ ثم ذهب الى اهله } اهل بيته او الى اصحابه

{ يتمطى } يتبختر ويختال فى مشيه افتخارا بذلك وبالفارسية بس باز كشبت بسوى كسان خودمى خراميد ازروى افتخاركه من جنين وجنين كارى كرده ام يعنى تكذيب وتولى.

من المط وهو المد فان المتبختر يمد خطاه يعنى ان التمدد فى المشى من لوازم التبختر فجعل كناية عنه فيكون أصله يتمطط بمعنى يتمدد ابدلت الطاء الاخيرة ياء كراهة اجتماع الامثال كما فى تقضى البازى او من المطا مقصورا وهو الظهور فانه يلويه ويحركه فى تبختره فألفه مبدلة من واو ويتمطى جملة حالية من فاعل ذهب وفى الحديث اذا مشت امتى المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كأن بأسهم بينهم والمطيطاء كحميرآء التبختر ومد اليدين فى المشى والبأص شدة الحرب.

٣٤

{ اولى لك } واى برتواى انسان مكذب

{ فأولى } بس واى برتو.

٣٥

{ ثم اولى لك فأولى } تكرير للتأكيد فهو مستعمل فى موضع ويل لك مشتق من الولى وهو القرب والمراد دعاء عليه بأن يليه مكروه وأصله اولاك اللّه ما تكرهه واللام مزيدة كما فى ردف لكم نقل الثلاثى الى أفعل فعدى الى مفعولين وفى القاموس أولى لك تهديد ووعيد أي قاربه ما يهلكه او أولى لك الهلاك فيكون اسما بمعنى احرى اى الهلاك أولى واحرى لك من كل شئ فيكون خبر مبتدأ محذوف ( وقال الكاشفى ) اولى لك سزاوارست ترامركى سخت فأولى بس سزاوارست ترا عذاب اليم در قبر ثم أولى لك بس نيك سزا وارست تراهول قيامت فأولى بس بغايت سزاست تراخلود در دوزخ.

وروى انه لما نزلت هذه الآية أخذ رسول اللّه بمجامع ثوب أبى جهل بالبطحاء وهزه مرة او مرتين ولكزه فى صدره وقال له أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فقال ابو جهل أتوعدنى يا محمد ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بى شيأ وانى لأعز اهل هذا الوادى فلما كان يوم بدر صرعه اللّه شر مصرع وقتله اسوء قتله اقعصه بتاعفرآء واجهز عليه ابن مسعود رضى اللّه عنه واقصعه قتله مكانه واجهز على الجريح اثبت قتله واسرعه وتمم عليه وكان رسول اللّه عليه السلام يقول ( ان لكل امة فرعونا وان فرعون هذه الامة أبو جهل )

٣٦

{ ايحسب الانسان ان يترك سدى } اى يحيى حال كونه مهملا فلا يكلف ولا يجزى

وقيل ان يترك فى قبره فلا يبعث والسدى المهمل يقال اسد بت ابلى اسداء اى اهملتها وتقول اسديت حاجتى وسديتها اذا اهمتها ولم تقضها وتكرير الانكار لحسبانها يتضمن تكرير انكاره للحشر ويتضمن الاستدلال على صحة البعث ايضا وتقريره ان اعطاء القدرة والآلة والفعل بدون التكليف والامر بالمحاسن والنهى عن المفاسد يقتضى كونه تعالى راضيا بقبائح الاعمال وذلك لا يليق بحكمته اذا لا بد من التكليف فى الدنيا والتكليف لا يليق بالكريم الرحيم الا لان يميز الذين آمنوا وعملوا الصلاحات من المفسدين فى الارض ولا يجعل المتقين كالفجار ويجازى كل نفس بما تسعى والمجازاة قد لا تكون فى الدنيا فلا بد من البعث والقيامة وانما لم تكن الدنيا دار المجازاة لضيقها وقد قال بعض الكبار من طلب تعجيل نتائج اعماله واحواله فى هذه الدار فقد اساء الادب وعامل الموطن بما لا تقتضيه حقيقته.

٣٧

{ الم يك نطفة من منى يمنى } الخ استئناف وارد لابطال الحسبان المذكور فان مداره لما كان استبعادهم للاعادة استدل على تحققها ببدء الخلق وقال ابن الشيخ هو استدلالى صحة البعث بدليل ثان والاستفهام بمعنى التوبيخ والنطفة بالضم الماء الصافى قل او كثر والمنى ماء الرجل والمرأة اى ما خلق منه حيوان فالحبل لا يكون الا من الماءين ويمنى بالياء صفة منى وبالتاء صفة نطفة بمعنى يصب ويرالق فى الراحم ولذا سميت من كالى وهى قرية بمكة لما يمنى فيها من دماء القرابين والمعنى الم يكن الانسان ماء قليلا كأسا من ماء معروف بخسة القدر وساتقذار الطبع ولذا نكرهما بمنى ويصب فى الرحم نبه سبحانه بهذا على خسة قدر الانسان اولا وكمال مقدرته ثانيا حيث صير مثل هذا الشيى الدنى بشرا سويا وقال بعضهم فائدة قوله يمنى للاشارة الى حقارة حاله كأنه قيل انه مخلوق من المنى الذى يجرى على مخرج النجاسة فكيف يليق بمثل هذا ان يتمرد عن طاعة اللّه فيما امر به ونهى الا انه تعالى عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز كما فى قوله تعالى فى عيسى ومريم عليهما السلام كانا يأكلان الطعام والمراد منه قضاء الحاجة كناية.

٣٨

{ ثم كان علقة } اى ثم كان المنى بعد اربعين يوما قطعة دم جامد غليظ احمر بقدرة اللّه تعالى بعد ما كان ماء أبيض كقوله تعالى ثم خلقنا النطفة علقة وهو عطف على قوله ألم يك لان انكار عدم الكون يفيد ثبوت المكون فالتقدير كان الانسان نطلفة ثم كان علقة

{ فخلق } اى فقدر بأن جعلها مضغة مخلقة بعد اربعين اخرى اى قطعة لحم قابل لتفريق الاعضاء وتمييز بعضها من بعض وجعل المضغة عظاما تتميز بها الاعضاء بأن صلبها فكسا العظام لحما يحسن به خلقه وتصويره ويستعد لافاضة القوى ونفخ الروح

{ فسوى } فعدله وكمن نشأته ( قال الكاشفى ) بس راست كردصورت واندام اورا وووح دردميد . وفى المفرات جعل خلقه على ما اقتضته الحكمة الالهية اى جعله معادلا لما تقتضيه الحكمة وقال بعضهم معنى لانسوية والتعديل جعل كل عضو من اعضائه الزوج معادلا لزوجه.

٣٩

{ فجعل منه } اى من الانسان باعتبار الجنس او من المنى وجعل بمعنى خلق ولذا اكتفى بمفعول واحد وهو قوله

{ الزوجين } اى الصنفين

{ الذكر والانثى } بدل من الزوجين ويجوز أن يكونا منصوبين باضمار أعنى ولا يخفى ان الفاء تفيد التعقيب فلا بد من مغايرة بين المتعاقبين فلعل قوله فخلق فسوى محمول على مقدار مقدر من الخلق يصلح به للتفرقة بين الزوجين وقوله فجعل منه الزوجين على التفرقة الواقعة.

٤٠

{ أليس ذلك } العظيم الشان الذى انشأ هذا الانشاء البديع

{ بقادر على ان يحيى الموتى } وهو أهون من البدء فى قياس العقل لوجود المادة وهو عجب الذنب والعناصر الاصلية ( روى ) ان النبى عليه السام كان اذا قرأها قال سبحانك اللهم بلى تنزيلها له تعالى عدن عدم القدرة على الاحياء واثباتا لوقوعها عليه وفى رواية بلى ولله بلى واللّه وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما من قرأ سبح اسم ربك الا على اماما كان او غير فليقل سبحان ربى الاعلى ومن قرأ الا اقسم بيوم القيامة فاذا انتهى الى آخرها فليقل سبحانك اللهم بلى اماما كان او غيره وفى الحديث ( من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى الى آخرها أليس اللّه بأحكم الحاكميم فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا اقسم بيوم القيامة فانتهى الى أليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى فليقل سبحانك بلى ومن قرأ والمرسلات عرفا فبلغ فبأى حديث بعده يؤمنون فليقل آمنا باللّه ) وفى الآية اشارة الى ان اللّه يحيى موتى اهل الدنيا بالاعراض عنها والاقبال على الآخرة والمولى وايضا يحيى موتى النفوس بسطوع انوار القلوب عليها وايضا يحيى موتى القلوب تحت ظلمة النفوس الكافرة الظلمانية بنور الروح والسر والخفى ومن اسند العجز الى اللّه فقد كفر باللّه نسأل اللّه تعالى العصمة وحسن الخاتمة.

﴿ ٠