سُورَةُ الْإِنْسَانِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ إِحْدَى وَثَلاَثُونَ آيَةً ١ { هل أتى } استفهام تقرير وتقريب فان هل بمعنى قدو الاصل أهل أتى اى قد أتى وبالفارسية آيا آمد يعنى برستى كه آمده . تركوا الالف قبل هل لانها لا تقع الا فى الاستفهام وانما لوم ادارة الاستفهام ملفوظة او مقدرة اذا كان بمعنى قد ليستفاد التقرير من همزة الاستفهام والتقريب من قد فانها موضوعة لتقريب الماضى الى الحال والدليل على ان الاستفهام غير مراد ان الاستفهام على اللّه محال فلا بد من حمله على الخبر تقول هل وعظتك ومقصودك أن تحمله على الاقرار بأنك قد وعظته وقد يجيئ بمعنى الجحد تقول وهل يقدر أحد على مثل هذا فتحمله على أن يقول لا يقدر أحد غيرك { على الانسان } قبل زمان قريب المراد جنس الانسان لقوله من نطفة لان آدم لم يخلق منها ثم المراد بالجنس بنوا آدم او ما يعمه وبنيه على التغليب او نسبة حال البعض الى الكل للملابسة على المجاز { حين من الدهرؤ } الحين زمانا مطلق ووقت مبهم يصلح لجميع الازمان طال او قصر وفى المفردات الحين وقت بلوغ لاشئ وحصلوه وهو مبهم ويتخصص بالمضاف اليه نحو ولات حين ماص ومن قال حين على اوجه للاجل والمنية واللسعاة وللزمان الملطق انما فسر ذلك بحسب ما وجده قد علق به والدهر الزمان الطويل والمعنى طائفة محدودة كائنه من الزمن الممتد وهى مدة لبثه فى بطن امه تسعة اشهر ان صار شيأ مذكورا على ما ذهب اليه ابن عباس رضى اللّه عنهما { لم يكن } فيه فالجملة صفة اخرى لحين بحذف الضمير { شيأ مذكورا } بل كان شيأ منسيا غيرمذكورا بالانسانية اصلا نطفة فى الاصلاب فما بين كونه نطفة وكونه شيأ مذكورا بالانسانية مقدار محدود من الزمان وتقدم عالم الارواح لا يوجب كونه شيأ مذكورا عند الخلق ما لم يتعلق بالبدن ولم يخرج الى عالم الاجسام ( روى ) ان الصديق او عمر رضى اللّه عنهما كما فى عين المعانى لما سمع رجلا يقرأ هذه الآية بكى وقال ليتها تمت فلا شئ أراد ليست تلك تمت وهى كونه شيأ غير مذكور ولم يخلق ولم يكلف ومعنى الاستفهام التقريرى فى الآية أن يحمل من ينكر البعث على الاقرار بأنه نعم أتى عليه فى زمان قريب من زمان الحال حين من الدهر لم يكن شيئأ مذكورا فيقال له من أحدثه بعد أن لم يكن كيف يمتنع عليه بعثه واحياؤه بعد موته وقال القاشانى اى كان شيأ فى علم اللّه بل فى نفس الفامر لقدم روحه ولكنه لم يذكر فيما بين الناس لكونه فى عالم الغيب وعدم شعور من فى عالم الشهادة به وفى التأويلات النجمية اعلم ان للانسان صورة علمية غيبية وصورة عينية شهادية وهو من حيث كلتا الصورتين مذكور عند اللّه ازلا وابدا لا يعزب عن علمه مثقال ذرة لعلمه الازلى الابدى بالاشياء قبل ايجاد الاشياء وقبل وجودها خلق الخلق وهم معدومون فى كتم العدم وعلمه بنفسه يستلزم علمه بأعيان الاشياءلان الاشياء مظهر اسمائه وصفاته وهى عين ذاته فافهم اى ما أتى على الانسان حاضرته له مشهودة عنده وهل للاستفهام الانكارى بخلاف المحجوبين عن علم المعرفة والحكمة الالهية وقال جعفر الصادق رضى اللّه عنه هل أتى عليك يا انسان وقت لم يكن اللّه ذاكرا لك فيه. ٢ { انا خلقنا الانسان } اى خلقناه يعنى جسمه والاظهار لزيادة التقرير { من نطفة } حتى كان علقة فى اربعين يوم ومضغة فى ثمانين ومنفوخا فيه الروح فى مائة وعشرين يوما كما كان ابوهم آدم خلق من طين فألقى بين مكةوالطائف فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مستون فأقام أربعين سنة اخرى ثم من صلصال فأقام اربعين سنة اخرى فتم خلقه فى مائة وعشرين سنة اخرى فنفخ فيه الروح على ما جاء فى رواية الضحاك عن ابن عباس رضى اللّه عنهما فما كان سنين فى آدم كان اياما فى اولاده وحمل بعضهم الانسان الاول على آدم والثانى على اولاده على أن يكون الحين هو الزمن الطويل الممتد الذى لا يعرف مقداره والاول وهو حمله فى كلا الموضعين على الجنس اظهر لان المقصود تذكير الانسان كيفية الخلق بعد أن لم يكن ليتذكر او امره من عدم كونه شيأ مذكورا او آخر أمره من كونه شيأ مذكورا مخلوقا من ماء حقير فلا يستبعد البعث كما سبق { امشاج } اخلاط بالفارسية آميختها . جمع مشج كسبب او كتنف على لغتيه او مشيج من مشجت الشئ اذا خلطته وصف النطفة بالجمع مع افرادها لما ان المراد بها مجموع الماءين يختلطان فى الرحم ولكل منهما اوصاف مختلفة من اللون والرقة والغلظ وخواص متباينة فان ملاء الرجل ابيض غليظ فيه قوة العقد وماء المرأة اصفر رقيق فيه قوة الانعقاد فيخلق منهما الولد فأيهما علا صاحبه كان الشبه له وما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة على ما روى فى المرفوع وفى الخبر ما من مولود الا وقد ذر على نطفته من تربة حفرته كل واحد منهما مشيخ بالآخر وقال الحسن رحمه اللّه نطفة مشيجة بدم وهو دم الحيض فاذا حبلت ارتفع الحيض واليه ذهب صاحبالقاموس حيث قال ونطفة امشاج مختلطة بماء المرأة ودمها انتهى فيكون النطفتان ودمها جمعا وقال الراغب هو عبارة عما جعل اللّه بالنطفة من القوى المختلفة المشار اليهابقوله ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة الآية انتهى فيكون معنى امشاج ألوان وأطوار على ما قال قتادة وفى التأويلات النجمية اى من نطفة قوة القابلية الممتشجة المختلطة بنطفة قوة الفاعلية اى خلقناه من نطفة الفيض الاقدس المتعلق بالفاعل ونطلفة الفيض المقدس المتعلق بالقابل فالفيض الاقدس الذاتى بمنزلة ماء الرجل والفيض المقدس الاسمائى بمنزلة بمنزلة ماء المرأة { نبتليه } حال مقدرة من فاعل خلقنا اى مريدين ابتلاءه واختباره بالتكيف فيما سيأتى ليتعلق علمنا بأحواله تفصيلا فى العين بعد تعلقه بها ايا لا فى العلم وليظهر احوال بعضهم لبعض من القبول والرد والسعادة والشقاوة { فجعلناه سميعا بصيرا } ليتمكن من استماع الآيات التنزيلية وشماهدة الآيات التكوينية فهو كالمسبب عن الاتبلاء اى عن ارادته فلذلك عطف على الخلق المقيد به بالفاء كأنه قيل انا خلقناه مريدين تكليفه فأعطيناه ما يصح معه التكليف والابتلاء وهو السمع والبصر وسائر آلات التفهيم والتمييز وطوى ذكر العقل لان المراد ذكر ما هو من اسبابه العقل وفى الاختيار صيغة المبالغة اشارة الى كمال احسانه اليه وتمام انعامه وبصيرا مفعول ثان بعد ثان لجعلناه وفى التأويلات النجمية فجعلناه سميعا جميع المسموعات بصيرا جميع المبصرات كما قال كنت سمعه وبصره فبى يسمع وبى يبصر فلا يفوته شيئ من المسموعات ولا من المبصرات فافهم جدا يا مسكين وقال أبو عثمان المغربى قدس سره ابتلى اللّه الخلق بتسعة امشاج ثلاث فتانات هى سمعه وبصره ولسانه وثلاث كافرات هن نفسه وهواه وعدوه الشيطان وثلاثة مؤمنات هى عقله وروحه وقلبه فاذا أيد اللّه العبد بالمعونة قهر العقل على القلب فملكه واستأسر النفس والهوى فلم يجدا الى الحركة سبيلا فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة اللّه هى العليا قال اللّه تعالى قاتلوهم حتى لا تكون فتنة. ٣ { انا هديناه السبيل } مرتب على ما قبله من اعطاء الحواس فانه استئناف تعليلى لجعله سميعا بصيرا يعنى ان اعطاء الحواس الظاهرة والباطنة والتحلى بها متقدم على الهداية والمعنى أريناه وعرفناه طريق الخير ولاشر والنجاة والهلاك بانزال الآيات ونصب الدلائل كما قال وهديناه النجدين اى بينا له طريق الخير والشر فان النجد الطريق الواضح المرتفع فالمراد بالهداية مجرد الدلالة لا الدلالة الموصلة الى البغية كام فى بعض التفاسير { اما شاكرا واما كفورا } حالا من مفعول هديناه قال فى الارشاد اى مكناه وأقدرناه على سلوك الطريق الموصل الى البغية فى حالتيه جميعا فاما التفصيل ذى الحال فانه مجمل من حيث الدلالة على الاحوال لا يعلم ان المراد هدايته فى حال كفره او فى حال ايمانه وبالتفصيل تبين انها تعلقت به فى كل واحدة من الحالين فالشاكر الموحد والكفور الجاحد لان الشكر الاقرار بالمنعم ورأس الكفر ان جحوده ويقال شاكر النعمة وكفورها قال الراغب الكفور يقال فى كافر النعمة وكافر الدين جميعا ويجوز أن يكون اما للتقسيم بأن يعتبر ذو الحال من حيث انه مطلق وهو اللفظ الدال على الماهية من حيث هى ويجعل كل واحد من مدخولى اما قيدا له فيحصل بالتقييد بكل منهما قسم منه اى مقسوما اليهما بعضهم شاكر بالاهتدآء والاخذ فيه وبعضهم كفور بالاعراض عنه وايراد الكنور لمراعاة الفواصل اى رؤوس الآى والاشعار بأن الانسان قلما بخلوا من كفران ما وانما المؤاخذ عليه الكفر المفرط والشكور قليل منهم ولذا لم يقل اما شكورا واما كفورا واما شاكرا واما كافرا والحاصل ان الشاكر والكفور كنايتان عن المثاب والمعاقب ولما لم يكن مجرد الكفران مستلزما للمواخذة لم يصح أن الاثابة على مطلق الشكر لا على المبالغة فيه كما ادير المؤآخذة على المبالغة فى الكفران لا على اصله وكل ذلك بمقتضى سعة رحمة اللّه وسبقها على غضبه وقرأ ابو السماك بفتح الهمزة فى اما وهى قرآءة حسنة والمعنى اما كونه شاكرا فبتوفيقنا واما كونه كفورا فبسوء اختياره وفى التأويلات النجمية انا خيرناه فى الاهتدآء الى سبيل التنكر المتعلق باليد اليمنى الجمالية او الى سبيل الكفر المتعلق باليد اليسرى الجلالية فاختار بعضهم سبيل الشكر من مقتضى حقائقهم واستعداداتهم الازلية واختار بعضهم سبيل الكفر من مقتضى حقائقهم وقابليتهم الازلية ايضا كام قال هؤلاء اهل الجنة ولا الالى وهؤلاء اهل النار ولا ابالى اى المدح والذم يتعلق بهم لابى ولما ذكر الفريقين اتعبهما الوعيد والوعد فقال ٤ { انا اعتدنا } هيأنا فى الآخرة فان الاعتاد اعداد الشئ حتى يكون عتيدا حاضرا متى احتيج اليه { للكافرين } الاسرار اعتدنا للكافرين فى جهنم سلاسل كل سلسلة سبعون ذراعا وهو بغير تنوين فى قرآءة حفص واما الوقف فبالالف تارة وبدونها اخرى وتسلسل الشئ اضطرب كأنه تصور منه تسلسل وتردد فتردد لفظه تنبيه على تردد معناه ومنه السلسلة وفى القاموس السلسلة اى بالفتح ايصال الشئ بالشئ وبالكسر دآئرة من حديد ونحوه { واغلالا } بها يقيدون اهانة وتعذيبا لا خوف من الفرار جمع غل بالضم وهو ما تطوق به الرقبة للتعذيب وقد سبق فى الحاقة مفصلا { وسعيرا } نارا بها يحرقون يعنى وآتشى آفروخته كه دران بيوسته بسوزند. وانما يجرون الى جهنم بالسلاسل لعدم انقيادهم للحق ويحقرون بأن يقيدون بالاغلال لعدم تواضعهم لله ويحرقون بالنار لعدم احتراقهم بنار الخوف من اللّه تعالى وفيه اشارة الى ان اللّه تعالى اعد للمحجوبين عن الحق المشغولين بالخلق سلاسل التعلقات الظاهرة بحب الدنيا وطلبها واغلال العوآئق الباطنة بالرغبة اليها وفيها ونار جهنم البعد والطرد واللعن وتقديم وعيد الكافرين مع تأخرهم فى مقام الاجمال للجمع بينهما فى الذكر ولان الانذار أهم وأنفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين احسن على ان فى وصفهم تفصيلا ربما يخل تقديمه بتجاوب اطراف النظم الكريم. ٥ { ان الابرار } شروع فى بيان حسن حال اشلاكرين اثر بيان سوء حال الكافرين وايرادهم بعنوان البر للاشعار بما استحقوا به ما نالوه من الكرامة السنية والابرار جمع بركب وأرباب او جمع بار كشاهد واشهاد وهو من يبر خالقه اى يطيعه يقال بررته ابره كعلمته وضربته وعن الحسن رحمه اللّه البر من لا يؤذى الذر ولا يضمر الشر كما قيل ولا تؤذ نملا ان أردت كما لكا فان لها نفسها تطيب كما لكا وفى المفردات البر خلا البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر اى التوسع فعل الخير وبر العبد ربه توسع فى طاعته ويشمل الاعتقاد والاعمال الفرآئض والنوافل وقال سهل رحمه اللّه الابرار الذين فيهم خلق من اخلاق العشرة الذين وعد لهم النبى عليه السلام بالجنة قال عليه السلام ( ان اله ثلاثمائة وستين خلقا من لقبه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة ) قال أبو بكر رضى اللّه عنه هل فى منها يا رسول اللّه قال كلها فيك يا أبا بكر وأحبها الى اللّه السخاء { يشربون } فى الجنة والشرب تناول كل مائع ماء كان او قال يشربون ابتدآء كالمطيعين او انتهى كالمعذبين من المؤمنين بحكم العدل { من كأس } هى الزجاجة اذا كانت فيها خمر ونطلق على نفس الخمر ايضا على طريق ذكر المحل وارادة الحال وهو المراد هنا عند الاكثر حتى روى عن الضحاك انه قال كل كاس فى القرءآن فانما عنى به الخمر فمن على الاول ابتدآئية وعلى الثانى بتعيضية او بيانية { كان } بتكوين اللّه { مزجها } اى ما تمزج تلك الكأس به يقال مزج الشراب خطله ومزاج البدن وبمازجه من الصفرآء والسودآء والبلغم والدم والكيفيات المناسبة لكن منها { كافورا } اى ماء كافور وهو اسم عين فى الجنة فى المقام المحمدى وكذا سائر العيون ماؤها فى بيان الكافور ورآئحته وبرده دون طعمه ولا فنفس الكافور لا يشرب ونظيره حتى اذا جعله نارا اى كنار والكافور طيب معروف يطيب به الا كفان ولاموات لحسن رآئحته واشتقاقه من الكفر وهو الستر لانه يغطى الاشياء برآئحته وفى القاموس الكافور طيب معروف يكون من شجر بجبال بحر الهند والصين يظل خلقا كثيرا وتالفه النمورة وخشبه أبيض هش ويوجد فى اجوافه الكافور وهو انواع ولونها احمر وانما تبيض بالتصعيد وعين فى الجنة انتهى والجملة صفة كأس. ٦ { عينا } بدل من كافورا يعنى كافور جشمه ايست . والعين الجارية ويقال لمنبع الماء تشبيها بها فى الهيئة وفى سيلان الماء فيها { يشرب بها عباد اللّه } صفة عين وعباد اللّه هنا الابرار من المؤمنين لان اضافة التكريم الى اسمه الاعظم مختصة بالمؤمن فى الغالب كالاضافة الى كناية التكلم كقوله يا عبادى لرعايتهم حق الربوبية فمن لم يراه فكأنه ليس بعبد له اى يشربون بها الخمر لكونها ممزوجة بها كما تقول شربت الماء بالعسل فيكون كناية عن قوتها فى لذتها وعلى هذا فيه اشارة الى ان المقربين الاقوياء يشربون شراب الكافور صرفا غير ممزوج والظاهر يشرب منها فالباء بمعنى من فان حروف العوامل ينوب بعضها مناب بعض ونظيره قوله تعالى فانزلنا به الماء اى انزلنا من السحاب الماء صرح به الشيخ المكى رحمه اللّه فى قوت القلوب { يفجرونها تفجيرا } التفجير والتفجرة آب راندن. وفى المفردات الفجر شق الشئ شقا واسعا كفجر الانسان السكر يقال فجرته فانفجر وفجرته فتفجر والمعنى يجرونها حيث شاؤا من منازلهم كما يفيده بناء التفعيل اذ التشديد للكثرة اجراء سهلا لا تمنع عليهم بل تجرى جريا بقوة واندفاع لان الانهار منقادة لاهل الجنة كالاشجار وغيرها فتفجيرا مصدر مؤكد للفعل المتضمن معنى السهولة والجملة صفة اخرى لعينا وفى التأويلات النجمية يشير بالابرار الى عبادة اللّه المخلصين المخصوصين بفيض الاسم الاعظم الشامل للاسماء الذين سقاهم ربهم المتجلى لهم باسمه الباسط بكأس المحبة طهور شراب العشق الممزوج بكافور برد اليقين المفجر الجارى فى انهار أوراحهم واسرارهم وقلوبهم من فرط الرحمة وشمول النعمة وقال القاشانى ان الابرار السعدآء الذين برزرا عن حجاب الآثار والافعال واحتجبوا بحجب الصفات غير واقفين معها بل متوجهين الى عين الذات مع البقاء فى عالم الصفات وهم المتوسطون فى السلوك يشربون من كأس محبة حسن الصفات لا صرفا بل كان فى شرابهم مزج من لذة محبة الذات وهى العين الكافورية المفيدة للذة يرد اليقين وبياض النورية وتفيح القلب المخترق بحرارة الشوق وتقويته فان للكافور خاصية التبريد والتفريج والبياض والكافور عين يشرب بها صرفة عباد اللّه الذين هم خاصته من اهل الوحدة الذاتية المخصوص محبتهم بعين الذات دون العسفات لا يفرقون بين القهر واللطعف والرفق والعنف والنعمة والبلاء والشدة والرخاء بل تستقر محبتهم مع الاضداد وتستمر لذتهم فىلنعماء والضرآء والرحمة والزحمة كما قال احدهم هواى له فرض تعطف ام جفا ... ومشربه عذب تكدر ام صفا وكلت الى المحبوب امرى كله ... فان شاء احيانى وان شاء اتلفا واما الابرار فلما كانوا يحبون المنعم واللطيف والرحيم لم تبق محبتهم عند تجلى القهار والمبتلى والمنتقم بحالها ولا لذتهم بل يكرهون ذلك يفجرونها تفجيرا لانهم متابعها لا اثنينية ثمة ولا غيرية والا لم يكن كافور الظلمة حجاب الانانية واثنينيته وسواده انتهى. قال بعضهم اختلفت احوالهم فى الدنيا فاختلفت مشاربهم فى الآأخرة فكل يسقى ما يليق بحاله كعيون الحياء وعيون الصبر وعيون الوفاء وغير ذلك ثم ان الكأس اما نفسانية شيطانية وهى ما تكون لاهل الفسق فى الدنيا وهى حرام وفى الحديث ( اذا تناول العبد كأس الخمر ناشده الايمان باللّه لا تدخلها على فانى لا استقرأنا وهى فى وعاء واحد فان أبى وشربها نفر الايمان نفرة لا يعود اليه اربعين صباحا فان تاب تاب اللّه عليه ونقص من عقله شئ لا يعود اليه أبدا ) واما جسمانية رحمانية وهى ما تكون للمؤمنين فى دار الآخرة عطاء ومنحة من اللّه الوهاب واما روحانية ربانية وهى ما تكون لاهل المحبة والشوق فى الدارين وهى ألذ الاقداح قال مولانا جلال الدين قدس سره ألا يا ساقيا انى نظمئان ومشتاق ... ادر كأسا ولا تنكر فان القوم قد ذاقوا خذ الدنيا وما فيها فان العشق يكفينا ... لنا فى العشق جنات وبلدان واسواق ٧ { يوفون بالنذر } استئناف كأنه قيل ماذا يفعلون حتى ينالوا تلك الرتبة العالية فقيل يوفون بما اوجبوه على انفسهم فكيف بما اوجبه اللّه عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها فهو مبالغة فى وصفهم بالتوفر على ادآء الواجبات والايفاء بالشئ هو الاتيان به تاما وافيا والنذر ايجاب الفعل المباح على نفسه تعظيما لله أن يقول لله على كذا من الصدقة وغيهرا وان شفى مريضى اورد غائبى فعلى كذا واختلفوا فيما اذا علق ذلك بما ليس من وجوه البر كما اذا قال ان دخل فلان الدار فعلى كذا ففى الناس من جعله كاليمين ومنهم من جعله من باب النذور قيل النذر كالوعد الا انه اذا كان من العباد فهو قال واذا كان من اللّه فهو وعد والنذر قربة مشروعة ولا يصح الا فى الطاعة وفى الحديث ( من نذر أن يطيع اللّه فليطعه ومن نذر أن يعصى اللّه فلا يعصه ) قال هرون بن معروف جاءنى فتى فقال ان أبى حلف على بالطلاق ان اشرب دوآء مع مسكر فذهب به الى أبى عبد اللّه فلم يرخص له وقال قال عليه السلام ( كل مسكر حرام ) واذا جمع الاطباء على ان شفاء المريض فى الخمر لا يشربها اذا كان له دواء آخر واذا لم يكن يشربها ويتداوى بها فى قول ثم ان الاهتمام بما اوجب اللّه على عبده ينبغى ان يكون اكمل مما اوجه العبد على نفسه ومن الناس من هو على عكس ذلك فانه يتهاون بما اوجبه اللّه عليه فلا يؤدى الصلاة الواجبة مثلا واذا نذر شيأ فى بعض المضايقات يسارع الى الوفاء وليس الا من الجهل وقال القاشانى اى الابرار يوفون بالعهد الذى كان بينهم وبين اللّه صبحة يوم الازل بانهم اذا وجدوا التمكن بالآلات والاسباب ابرزوا ما فى مكا من استعداداتهم وغيوب فطرتهم من الحقائق والمعارف والعلو والفضائل واخرجوها الى الفعل بالتزكية والتصفية { ويخافون يوما } اى يوم القيامة { كان شره } اى هوله وشدته وعذاب { متسطير } فاشيا منتشرا فى الاقطار غاية الانتشار بالغا اقصى المبالغ . يعنى مبهمة كس بهمه جاء رسيده . من الاستطار الحريق اى لانار وكذا الفجر قال فى القاموس المستطير الساطع المنتشر واستطار الفجر انتشر وهو ابلغ من طار بمنزلة استنفر من نفر واطلق الشر على اهوال القيامة وشدآئدها المنتشرة غاية الانتشار حتى ملأت السموات والارض مع انها عين حكمة وصاب لكونها مضرة بالنسبة الى من تنزل السموات والارض مع انها عين حكمة وصاب لكوناه مضرة بالنسبة الى من تنزل عليه ولا يلزم من ذلك ان لا يكون خيره مستطيرا ايضا فان ليوم القيامة امورا سارة كما ان له امورا ضارةقال سهل رحمه اللّه البلايا والشدآئد عامة فى الآخرة للعامة والملامة خاصة للخالصة ثم ان يوفون الخ بيان لاعمالهم واتيانهم لجميع الواجبات وقوله ويخافون الخ بيان لنياتهم حيث اعتقدوا يوم البعث والجزاء فخافوا منه فان الطاعات انما تتم بالنيات وبمجموع هذين الامرين سماهم اللّه بالابرار قال بعض العارفين يشير الى ارباب السلوك فى طريق الحق وطلبه حيث اوجبوا على انفسهم انواع الرياشات واصناف المجاهدات وتركوالرقاد واهلكوا بالجوع الاجساد واحرقوا بالعطش الاكباد وسدوا الاذان من استماع كلام الاغيار وأعموا ابصارهم عن رؤية غير المحبوب الحقيقى وختموا على القلوب عن محبة غير المطلوب الازلى خوفوا انفسهم من يوم تجلى صفة القهر والسخط باستيلاء الهيئات المظلمة على القلب وهو نهاية مبالغ الشر فاجتهدوا حتى خلصهم اللّه مما خافوا وأدخلهم فى حرمة الآمن. ٨ { ويطعمون الطعام على حبه } اى كائنين على حب الطعام والحاجة اليه ونحوه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون او على حب الاطعام فيطعمون بطيب النفس فالضمير الى مصدر الفعل كما فى قوله تعالى اعدلوا هو اقرب للتقوى او كائنين على حب اللّه او اطعاما كائنا على حبه تعالى وهو الانسب لما سيأتى من قوله لوجه اللّه فالمصدر مضاف الى المفعول والفاعل متروك اى على حبهم لله ويجوز ان يضاف الى الفاعل والمفعول متروك اى عى حب اللّه الاطعام والطعام خلاف الشراب وقد يطلق على الشراب ايضا لان طعم الشئ ذوقه مأكولا او مشروبا والظاهر الخصوص وان جاز العموم . واعلم ان مجامع الطاعات محصورة فى امرين الطاعة لامر اللّه واليه الاشارة بقوله يوفون بالنذر والشفقة على خلق اللّه واليه الارادة بقوله ويطعمون الطعام فان الطعام وهو جعل الغير طعاما كناية عن الاحسان الى المحتاجين والمواساة معهم بأى وجه كان وان لم يكن ذلك بالطعام بعينه الا ان الاحسان بالطام لما كان اشرف انواع الاحسان عبر عن جنس الاحسان باسم هذا النوع كما فى حواشى ابن الشيخ وقال بعضه اهل المعرفة اى يتجردون عن المنافع المالية ويزكون انفسهم عن الرذائل خصوصا عن الشح لكون محبة اللّه المال اكثف الحجب فيتصفون بفضيلة الايثار وسد خلة الغير فى حال احتياجهم او يزكون انفسهم عن رذيلة الجهل فيطعمون الطعام الروحانى من الحكم والشرآئع على حب اللّه من ذكر من قوله { مسكينا } فقيرا لا شئ له عاجزا عن الكسب وبالفارسية درويش بى مايه. وقال الشاقانى المسكين الدائم السكون الى تراب البدن { ويتيما } طفلا لا أب له { واسيرا } الاسر الشد بالقد سمى الاسير بذلك ثم قيل لكل مأخوذ مقيد وان لم يكن مشدودا بذلك والمعنى واسيرا مأخوذا لا يملك لنفسه نصرا ولا حيلة اى اسير كان فانه عليه السلام كان يونى بالسير فيدفعه الى بعض المسلمين فيقول احسن اليه لانه يجب الطعام الاسير الكافر والاحسان فى دار السلام بما دون الواجبات عند عامة العلماء الى ان يرى الامام رأيه فيه من قتل او من او فداء او استرقاق فان القتل فى حال لا ينافى وجوب الاطعام فى حال اخرى ولا يجب اذا عوقب بوجه ان يعاقب بوجه آخر ولذا لا يحسن فيمن يلزمه القصاص ان يفعل به غير القتل والمعنى اسيرا مؤمنا فيدخل فيه المملوك عبدا او أمة كذا المسبحون . يعنى مسبحون ازاهل فقركه درحقى ازحقوق مسلمين حبس كرده باشند . وقد سمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الغريم أسيرا فقال غريمك اسيرك فأحسن الى أسيرك اى بالامهال والوضع عنه بعضا او كلا وهو كل الاحسان وفى الحديث ( من أنظر معسرا ووضع له اظله اللّه تحت ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله ) اى حماه من حراراة القيامة وقيل الزوجة من الاسرآء فى يد الازواج لما قال عليه السلام ( اتقوا اللّه فى النساء فانهن عوانى عندكم ) والعانى الاسير وفى القاموس العوانى النساء لانهن يظلمن فلا ينتصرن وقال القاشانى الاسير المحبوس فى أسر الطبيعة وقيود صفات النفس وفى التأويلات النجمية ويطعمون طعام المعارف والحكم الالهية المحبوبة لهم مسكين السر لقرب انقياده تحت حكم الروح وذلته تحت عزته وتيتم القلب لبعد عهده ومكانه من أبيه الروح وأسير الاعضاء والجوارح المقيدين بقيود أحكام الشريعة وبحال آثر الطريقة انتهى. ٩ { انما نطعمكم لوجه اللّه } جزاين نيست كه ميخورانيم شمارا اى طعامها براى رضاى خدا . على ارادة قول هو فى موقع الحال من فاعل يطعمون اى قائلين ذلك بلسان الحال او بلسان المقال ازاحة لتوهم المن المبطل للصدقة وتوقع المكافأة المنقصة للاجر هرجه دهى مى ده ومنت منه ... وآنجه بمنت دهى آن خود مده منت ومزده كه دراحسان بود ... وقت جزا موجب نقصان بود وعن الصديقة رضى اللّه عنها انها كانت تبعث بالصدقة الى اهل بيت ثم تسأل الرسول ما قالوا فاذا ذكر دعاءهم دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا عند اللّه والوجه الجارحة عبر به عن الذات لكونه اشرف الاعضاء وقال بعضهم الوجه مجاز عن الرضى لان الرضى معلوم فى الوجه وكذا السخط { لا نريد منكم جزآء } على ذلك بالمال والنفس والفرق بين الجزآء والاجر أن الاجر ما يعود من ثواب العمل دنيويا كان او اخرويا ويقال فيما كان عن عقد وما يجرى مجرى العقد ولا يقال الا فى النافع واما الجزآء فيقال فيما كان عن عقد وغير عقد ويقال فى النافع والضار والمجازاة المكافأة وهى ماقبلة نعمة بنعمة هى كفؤها { ولا شكورا } اى شكرا باللسان ومدحا ودعاء وهو مصدر على وزن الدخول والجملة تقرير وتأكيد لما قبلها قال القاشانى لا نريد منكم مكافأة وثناء لعدم الاحتجاب بالاعراض والاعواض وفى التأويلات النجمية لا نريد منكم جزآء بالذكر الجميل فى الدنيا ولا شكورا عن عذاب الآخرة اذ كل عمل يعمله العامل لثواب الآخرة لا يكون لوجه اللّه بل يكون لحظ نفسه كما قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وقال عليه السلام حكاية عن اللّه تعالى ( أنا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك فيه معى غيرى تركته وشركه ) والحاصل ان معاملة العبد المخلص انما هى مع اللّه فلا حق له على الغير فكيف يريد ذلك وفيه نصح لمن أراد النصيحة فان الاطعام ونحوه حرام بملاحظة الغير وحظ النفس فيجب ان يكون خالصا لوجه اللّه من غير شوب بالرياء وبحظ المنعم زعمرواى بسر جشم اجرت مدار ... جود درخانه زيد باشى بكار ١٠ { انا نخاف من ربنا يوما } اى عذاب يوم وهو مفعول نخاف فمن ربنا حال متقدمة منه ولو أخر لكان صفة له او مفعوله قوله ربنا بواسطة الحرف على ما هو الاصل فى تعديته لانه يقال خاف منه فيكون يوما بدلا من محله بدون تقدير بناء على التعدية بنفسه او بتقدير نخاف آخر { عبوسا } من قبيل اسناد الفعل الى زمانه والمعنى تعبس فيه الوجوه . يعنى روزى كه رويها دروترش كردد ازشدت اهوال . كما روى ان الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران والعبوس قطوب الوجه من ضيق الصدرأو معنى عبوسا يشبه الاسد العبوس فى الشدة والضراوة اى السطوة والاقدام على ايصال الضرر بالعنف والحدة لكل من رآه فهو من المبالغة فى التشبيه فان العبوس الاسد كالعباس { قمطريرا } شديدا العبوس فلذلك نفعل بكم ما نفعل رجاء ان يقينا ربنا بذلك شره لا لارادة مكافأتكم فقوله انا نخاف الخ بدل من انما نطعمكم الخ فى معرض التعليل لاطعامهم يقال وجه قمطرير اى منقبض من شدة العبوس وفى الكشاف والقمطرير العبوس الذى يجمع بين عينيه . وازامام حسن بصرى رحمه اللّه برسيدندكه قمطرير جيست فرمودكه سبحان اللّه ما اشد اسمه وهو اشد من اسمه يعنى جه سخت است اسم روزقيامت واوسخت تراست ازاسم خود. ١١ { فوقاهم اللّه شر ذلك اليوم } بسبب خوفهم وتحفظهم منه . يعنى نكاه داشت خداى تعالى ايشانرا ازبدى ورنج وهول وعذاب آن روز . فشر مفعول ثان لوقى المتعدى الى اثنين وفى الحديث الصحيح قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله اذا مات فحرقوه ثم اذر وانصفه فى البر ونصفه فى البحر فواللّه لئن قدر اللّه عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحد من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما امرهم فأمر اللّه البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال فلم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت اعلم فغفر اللّه له اى بسبب خشيته وقوله لئن قدر اللّه بتخفيف الدال من القدرة اى لئن تعلقت قدرته يوم البعث بعذاب جسمه ظن المسكين انه بالفناء على الوجه المذكور يلتحق بالمحال وقدرة اللّه لا تتعلق بالمحال فلا يلزم منه الكفر فجمع رماده من البر والبحر محمول على جمع اجزآئه الاصلية يوم القيامة ويجوز أن يحمل على حال البرزخ فان السؤال فيه للروح والسجد جميعا على ما هو المذهب الحق { ولقاهم نضرة وسرورا } اى اعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة فى الوجوه يعنى تازكى وجوبرويى وسرورا فى القلوب يعنى شادى وفرح دردل فهما مفعولان ثانيان وفى تاج المصادر التلقية جيزى بيش كسى آوردن . وفى المفرادات لقيته كذا اذا استقبلته به قال تعالى ولقاهم نضرة وسرورا. ١٢ { وجزاهم } اعطى كل واحد منهم بطريق الاجر والعوض { بما صبروا } ما مصدرية اى بسبب صبرهم على مشاق الطاعات ومهاجرة هوى النفس فى اجتناب المحرمات وايثار الاموال وفى الحديث ( الصبر اربعة الصبر على الصدمة الاولى وعلى ادآء الفرآئض وعلى اجتناب المحارم وعلى المصائب ) { جنة } مفعول ثان لجزاهم اى بستانا يأكلون منه ما شاؤا { وحريرا } يلبسونه ويتزينون به وبالفارسية وجامه ابريسم بهشت بيوشند . فالمراد بالجنة ليس دار السعادة المشتملة على جميع العطايا والكرامات والا لما احتيج الى ذكر الحرير بعد ذكر الجنة بل البستان كما ذكرنا فذكرها لا يغنى عن ذكر الملبس ثم ان البستان فى مقابلة الاطعام والصبر على الجوع والحرير فى مقابلة الصبر على العرى لان ايثار الاموال يؤدى الى الجوع والعرى وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الحسن والحسين رضى اللّه عنهما مرضا فعادهما النبى عليه السلام فى ناس معه فقالوا لعلى رضى اللّه عنه لو نذرت على ولديك نذرا يعنى اكر نذر كنى براميد عافيت وشفاى فرزندان مكر صواب باشد . فنذر على وفاطمة وفضة جارية لهما رضى اللّه عنهم ان برئا مما بهما ان يصوموا ثلاثة ايام تقربا الى اللّه وطلبا لمرضاته وشكرا له فشفيا فصاموا وما معهم شئ يفطرون عليه فاستقرض على من شمعون الخيبرى اليهودى ثلاثة اصوع من شعير وهو جمع صاع وهو اربعة امداد كل مد رطل وثلث قال الداودى معياره الذى لا يختلف اربع حفنات بكفى الرجل الذى ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما اذ ليس كل مكان يوجد في صاع النبى عليه السلام فطحنت فاطمة رضى اللّه عنها صاعا يعنى فاطمه زهرا ازان جوبك صاع بآسيا دست آرد كرد . وخبزت خمسة اقراص على عددهم جمع قرص بمعنى الخبزة فوضعوا بين ايديهم وقت الافطار ليفطروا به فوقف عليهم سائل فقال السلام عليكم يا اهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعمونى اطعمكم اللّه من موآئد الجنة فآثروه يعنى حضرت على رضى اللّه عنه نصيب خود بدان مسكين دادرسائر اهل بيت موافقت كردند يعنى سخن درويش بسمع على رسيد روى فرا فاطمه كرد وكفت فاطم ذات المجد واليقين ... يا بنت خير الناس اجمعين اما ترين البائس المسكين ... قد قام بالباب له حنين يشكو الى اللّه ويستكين ... يشكو الينا جائعا حزين فاطمة رضى اللّه عنها اورا جواب داد وكفت امرك يا ابن عم سمع طاعة ... ما بىّ من لؤم ولا ضراعه ارج اذا اشبعت ذا مجاعة ... ألحق بالاخيار والجماعه وأدخل الخلد ولى شفاعة ... آنكه طعام بيش نهاده بودند جمله بدرويش دادند وبركرسنكى صبر كردند . وباتوا لم يذوقوا الا الماء واصبحوا صياما. فاطمه رضى اللّه عنها صاعى ديكر جوآرد كرد واذان نان . فلما اسموا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف عليهم يتيم فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد بيتيم من اولاد المهاجرين استشهدوا لدى يوم العقبة اطعمونى اطعمكم اللّه من موائد الجنة . حضرت على رضى اللّه عنه جون سخن آن يتيم شنيد روى فرافاطمه كرد وكفت انى لأعطيه ولا أبالى ... واو ثر اللّه على عيالى امسوا جياعا وهمو أشبالى ... اصغرهم يقتل فى القتال ف ثروه يعنى همجنان طعام كه دربيش بود جمله بيتيم دادند وخود كرسنه خفتند ديكر روز آن صاع كه مانده بود فاطمه رضى اللّه عنها آنرا آرد كرد وتان بخت . فما امسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف عليهم اسير فقال السلام عليكم اهل بيت النبوة سير من الاسارى أطعمكم اللّه من موآئد الجنة . آن طعام باسر دادند وبجزآب والحسين رضى اللّه عنهم فأقبلوا على النبى عليه السلام فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال عليه السلام ( ما أشد ما يسوءنى ما أرى بكم ) وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة فى محرابها قد التصق ظهرها ببطها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبريل عليه السلام وقال خذ يا محمد هنأك اللّه فى أهل بيتك فاقرأه السورة ولا يلزم من هذا أن يكون المراد من الابرار أهل البيت فقط لان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيدخل فيه غيرهم بحسب الاشتراك فى العلم وقد ضعفت القصة بتضعيف الراوى الا انها مشهورة بين العلماء مسفورة فى الكتب قال الحكيم الترمذى رحمه اللّه هذا حديث مفتعل لا يروج الاعلى احمق جاهل ورواه ابن الجوزى فى الموضعات وال لا شك فى وضعه ثم صحة الرواية تقتضى كون الآية مدنية لان انكاح رسول اللّه فاطمة عليا كان بعد وقعة احد تفسير الفاتحة نقلا عن جمع من العلماء الكبار ان هل أتى على الانسان من السورة النازلة فانها مكية وكذا قال الحسن وعكرمة والمارودى مدنية الا قوله فاصبر لحكم ربك الى بالجهاد فضمت الآيات الملكية الى الآيات المدنية فان شئت قلت انها اى السورة مكية المكية فالظاهر أن تسمى مدنية لا مكية ونحن لا نشك فى صحة القصة واللّه اعلم. ١٣ { متكئين فيها } اى فى الجنة { على الارآئك } بر تختهاى آرسته . قوله متكئين حال من هم فى جزاهم والعامل فيها جزى قيد المجازاة بتلك الحال لانها ارفه الاحوال فكان غيرهم لا يدخل فى الجزآء والارآئك هى السرور فى الحجال تكون فى الجنة من الدر واليقاوت موضونة بقضبان الذهب والفضة وألوان الجواهر جمع اريكة كسفينة ولا تكون أركية حتى تكون فى فى حجلة وهى بالتحريك واحد حجار العروس وهى بيت مزين بالثياب والستور والظاهر أن على الارآئك متعلق بمتكئين لان الاتكاء يتعدى بعلى اى مستقرين متمكنين على الارآئك كقوله متكئين على فرض ولا يبعد أن يتعلق بمقدر يكون حالا من ضمير متكئين اى متكئين فيها على الوسائد او غيرها مستقرين على الارآئك فيكون الاتكاء بمعنى الاعتماد { لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا } اى حرارة ولا برودة كما يرون فى الدنيا لان الحرارة غالبة على ارض العرب والبرودة على ارض على ارض العجم والروم وهو حال ثانية من الضمير اى يمر عليهم هوآء معتدل لا حار ولا بارد مؤذ يعنى ان قوله لا يرون الخ كناية عنهذا المعنى والزمهرير شدة البرد وازمهر اليوم اشتد برده وفى الحديث هوآء الجنة سجسج لا حرف فيه ولا قر اى معتدل لا حر فيه ولا برد فان القر بالضم البرد وفى الخبر عن النبى عليه السلام انه قال ( اشتكت النار الى ربها فقالت اكل بعضهم بعضا فنفسنى فاذن لها فى كل عام بنفسين نفس فى الشتاء ونفس فى الصيف فأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم وأشد ما تجدون من الحر من حرها ) وروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال فبينما اهل الجنة فى الجنة اذ رأوا ضوأ كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان له فيقول اهل الجنة يا رضوان قال ربنا عز وجل لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا فيقول لهم رضوان ليست هذه بشمس ولا قمر ولكن هذه فاطمة وعلى رضى اللّه عهنما ضحكا ضحكا اشرقت الجنان من نور ضحكها وفيهما انزل اللّه تعالى هل أتى على الانسان حين من الدهر الى قوله وكان سعيكم مشكورا قال القاشانى لا يرون فى جنة الذات شمس حرارة الشوق اليها مع الحرمان ولا زمهرير برودة الوقوف مع الاكوان فان الوقوف مع الكون برد قاسر وثقل عاصر وفى التأويلات النجمية لا يرون فى جنة الوصال حر شمس المشاهدة المفنى للمشاهد بحيث لا يجد لذة الشهود لان سطوة المشاهدة تفنى المشاهد بالكلية فلا يجد لذة الشهود من المحبوب المعبود والى هذا المعنى أشار النبى عليه السلام فى دعاء اللهم ارزقنا لذة مشاهدتك لا زمهرير برد الحجاب والاستتار. ١٤ { ودانية عليهم ظلالها } عطف على ما قبلها حال مثلها والظلال جمع ظل بالكسر نقيض الضح وظلالها فاعل دانية من الدنو بمعنى القرب اما بحسب الجانب او بحسب السمك والضمير الى الجنة او اشجارها ومعناه ان ظلال الاشجار فى الجنة قربت من الابرار من جوانبهم حتى صارت الاشجار بمنزلة المظلة عليهم وان كان لا شمس فيها مؤذية لتظلهم منها ففيه بيان لزيادة نعيمهم وكمال راحتهم فان الظل فى الدنيا للراحة { وذللت قطوفها تذليلا } اى سخرت ثمارها لمتناوليها وسهل اخذها للقائم والقاعد والمضطجع تمام التسخير والتسهيل من الذل بالكسر وهو ضد الصعوبة والجملة حال من دانية اى تدنو ظلالها عليهم مذللة لهم قطوفها او معطوفة على دانية اى دانية عليهم ظلالها ومذللة قطوفها وهو جمع قطف بكسر القاف بمعنى العنقود وفطقت العنب قطعته وسمى العنقود قطفا لانه يقطف ويقطع وقت الادراك. ١٥ { ويطاف } يدر من طاف بمعنى دار والطواف والاطافة كلاهما لازم بالفارسية كرد جيزى بكشتن . وانما جاءب التعدية هنا من الباء فى بآنية { عليهم } اى على الابرار اذا أرادوا الشرب والطائف الدآئر هو الخدم كما يجئ { بآنية } اوعية جمع اناء نحو كساء واكسية والاوانى جمع الجمع كما فى المفردات واصل آنية آءنية بهمزتين مثل افعلة قال فى بعض التفاسير الباء فيها ان كانت للتعدية فهى قائمة مقام الفاعل لانها مفعول له معنى والا فالظاهر أن يكون القائم مقامه عليهم { من فضة } نسب لآنية { واكواب } جمع كوب وهو الكوز العظيم المدور الرأس لا اذن له ولا عروة فيسهل الشر منه من كل موضع ولا يحتاج عند التناول الى ادارته وهو مستعمل الآن فى بلاد العرب لما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم وصف شرابهم وقدم عليه وصف الاوانى التى يشرب بها وذكره بفظ المجهول لان المقصود ما يطاف به لا الطائفون ثم ذكر الطائفين بقوله ويطوف الخ { كانت قواريرا } جمع قارورة بالفارسية آبكينه. وفى القاموس القارورة ما قر فيه الشراب ونحوه. ١٦ { قوارير من فضة } اى تكونت وحدثت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها ولين الفضة وبياضها يرى ما فى داخلها من خارجها فكان تامة وقوارير الاول حال من فاعل كانت على المبالغة فى التشبيه يعنى ان القوارير انما تتكون من الزجاج لا من الفضة فليس المعنى انها قوارير زجاجية متخذة من الفضة بل الحكم عيلها بانها قوارير وانها من فضة من باب التشبيه البليغ لانها فى نفسها ليست زجاجة الفضة لما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الاسماء فثبت ان آنية الجنة مباينة فى الحقيقة لقارورة الدنيا وفضتها ولان قارورة الدنيا سريعة الانكسار والهلاك وما فى الجنة لا يقبل ذلك وفضة الدنيا كثيفة الجوهر لا لطافة فيها وما فى الجنة ليس كذلك وان شارك كل واحد منهما الآخر فى بعض الاوصاف فشبهت بالفضة فى بياضها ونقائها وبقائها وبالقارورة فى شفافيتها وصفائها فهى حقيقة مغايرة لهما جامعة لاوصافهما وذلك كاف فى صحة اطلاق اسم القارورة والفضة عليها وعن ابن عباس رصى اللّه عنهما ان ارض الجنة من فضة واوانى كل ارض تتخذ من تربه تلك الارض ويستفاد من هذا الكلام وجه آخر لكون تلك الاكواب من فضة ومن قوارير وهو ان اصل القوارير فى الدنيا الرمل واصل قوارير الجنة هو فضة الجنة فكما ان الجنة قارورة صافية بالغرض من ذكر هذه الآية التنبيه على ان نسبة قارورة الجنة الى قارورة الدنيا كنسبة الفضة الرمل فكما انه لا نسبة بين هذين الاصلين فكذا بين القارورتين كذا فى حواشى ابن الشيخ قال بعضهم لعل الوجه فى اختيار كون كانت تامة مع امكان جعلها ناقصة وقوارير الاول خبرا بتكوين اللّه فيكون فيه تفخيم للآنية بكونها اثر قدرة اللّه تعالى وقوارير الثانى بدل من الاول فى سبيل الايضاح والتبيين اى قوارير مخلوقة من فضة والجملة صفة لاكواب وقرئ بتنوين قوارير الثانى ايضا وقرئا بغير تنوين وقرئ الثانى بالرفع على هى قوارير ثال ابن الجرزى وكلهم وقفوا عليه بالالف الا حمزة وورشا وانما صرفه من صرفه لانه وقع فى مصحف الامام بالألف وانما كتب فى المصحف بالألف لانه رأس آية فشابه القوافى والفواصل التى تزاد فيها الألف للوقف { قدروها تقديرا } صفة لقوارير ومعنى تقدير الشاربين المطاف عليهم لها أنهم قدروها فى أنفسهم وأرادوا أن تكون على مقادير واشكال معينة موافقة لشهواتهم فجاءت حسبما قدروها فان منتهى ما يريده الرجل فى الآأنية التى يشرب منها الصفاء فقد ذكره اللّه بقوله كانت قوارير وايضا النقاء فقد ذكره اللّه بقوله من فضة وايضا الشكل والمقدار فقد ذكره اللّه بقوله قدروها تقديرا او قدروها باعمالهم الحسنة فجاءت على حسبها وقيل الضمير للطائفين بها المدلول عليهم بقوله ويطاف عليهم اى قدرو اشرابها على اضمار المضاف على قدر استروآئهم وريهم من غير زيادة ولا نقصان وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته فان طرفى الاعتدال مذمومان كما قال مجاهد لا فيض فيها ولا غيض اى لا كثرة ولا قلة وقال الضحاك على قدرا كف الخدم. ١٧ { ويسقون فيها } اى فى الجنة بسقى اللّه او بسقى الطائفين بأمر اللّه وفيه زيادة تعظيم لهم ليست فى قوله يشربون من كأس بصيغة المعلوم { كأسا } خمرا { كان مزاجها } ما تمزج به وخلط { زنجبيلا } الزنجبيل عرق يسرى فى الارض ونباته كالقصب والبردى وعلم منه ان ما كان مزاجها زنجبيلا غير ما كان مزاجها كافورا والمعنى زنجبيلا اى ماء يشبه الزنجبيل فى الطعم وكان الشراب الممزوج به اطيب ما يستطيب العرب وألذ ما تستلذ به لانه يحذو اللسان ويهضم الطعام كما فى عين المعانى ولما كان فى تسمية تلك العين بالزنجبيل توهم ان ليس فيها سلاسة الانحدار فى الحق وسهولة مساغها كما هو مقتى اللدع والاحراق ازال ذلك الوهم بقوله ١٨ { عينا } بدل من زنجبيل بالحق لسهولة مساغها فكان العين سميت بصفاتها قال بعض يطلق لعيها ذلك وتوصف به لانه علم لها يعنى ان سلسبيل صفة لا اسم والا لامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث ولم يقرأ به واحد من العشرة ويقال انما صرف مع انه اسم عين وهى مؤنث معنوى لرعاية رأس الآية قال فى الكواشى لفظ مفرد بوزن فعلليل كدردبيس يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل سهل الدخول فى الحلق لعذوبته وصفائه ولذلك حكم بزيادة الباء اى بعد التفاوت فى المعنى بوجودها وعدمها والا فالباء ليست من حروف الزيادة وقيل زيدت الباء على السلسال حتى صارت كلمة خماسية للدلالة على غاية السلاسة والحلاوة وقال ابن المبارك من طريق الاشارة معنى السلسبيل سل منه اللّه اليه سبيلا قال ابن الشيه جعل اللّه مزاج شراب الابرار اولا كافورا وثانيا زنجبيلا لان المقصود الاهم حال الدخول البرودة لهجوم العطش عليهم من حر العرصات وعبور الصراط وبعد استيفاء حظوظهم من أنواع نعيمها ومطعوماتها تميل طباهم على الأشرية التى تهيج الاشتهاء وتعيين على تهنئة ما تناولوه من المطعومات ويلتذ الطبع بشربها فلعل الوجه فى تأخير ذكر ما يمزج به الزنجبيل عما يمزجه بالكافور ذلك وفى التأويلات النجمية يشير بالزنجبيل الى شراب الوحدة الممزوجة بزنجبيل الكثرة المعقولة من مفهوم التوحيد وبالسلسبيل الى شراب الوحدة الصافية عن الامتزاج بزنجبيل الكثرة وسميت سلسبيلا لسلاسة انحدارها وذلك لبساطتها وصرافتها وقال القاشانى كان مزاجها زنجبيل لذة الاشتياق فانهم لا شوق لهم ليكون شرابهم الزنجبيل الصرف الذى هو غاية حرارة الطلب لوصولهم ولكن لهم الاشتياق للسير فى الصفات وامتناع حصولهم على جميعها فاتصفو محبتهم من لذة حرارة الطلب كما صفت لذة محبة المستغرقين فى عين جمع الذات فكان شرابهم العين الكافورية الصرفة والزنجبيل عينفى الجنة لكون حرارة الشون عين المحبة النائشة من منبع الوحدة مع الهجران تسمى سلسبيلا لسلاستها فى الحلق وذوفها قال العشاق المهجورين الطالبين السالكنين سبيل الوصال فى ذوق وسكر من حرارة مشقهم لا يقاس به ذوق. ١٩ { ويطوف عليهم } اى يدورعلى الابرار { ولدان } فانهم اخف فى الخدمة جمع وليد وهو من قرب عهده بالولادة { مخلدون } اى دآئمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء لا يتغيرون ابدا وبالفارسية وبخدمت مى كردد برايشان غلامانى جون كودكان نوزاد جاويد مانده درحال طفرليت او مقربون يعنى بسران كوشواره دار. والخلد القرط وفى التاج انه من الخلد وهو الروح كأنهم روحانيون لا جسم لهم { اذا رأيتهم } يا من شأنه الرؤية { حسبتهم لؤلؤا } جمعه اللألى وتلألأ الشئ لمع لمعان اللؤلؤ { منثورا } متفرقا لحسنهم وصفاء ألوانهم واشراق وجوههم وتفرقهم فى مجلس الخدمة عند اشتغالهم بأنواع لخدمة واوافهم على المخدومين مسارعين فى الخدمة ولو اصطفوا على وتيرة واحدة لشبهوا اللؤلؤ المغوم والؤلؤ اذا كان متفرقا يكون احسن فى المنظر من المنظوم لوقوع شعاع بعضه على بعض لغاية بياضه وبريقه فيكونم مخالفا للمجتمع فيه والظاهر على ما ذهب اليه البعض منثورا اى متفرقا فى الجنة فهو احسن من القيد بمجلس الخدمة وشبهت الحور العين باللؤلؤ المكنون اى المحزون لانهن لا ينتشرون انتشار الولدان بل هنحور مقصورات فى الخيام قال فى عين المرائى وفيه اشارة الى ان الاستمتاع بظواهرهم يكون بخلاف الحور المشبهة بالبيض لانه يجمع بياض للون الى لذة الطعم انتهى. ومنه يعلم أن لا لواطة فى الجن وان قول من جوزها مردود باطل على ما حققناه مرارا قال بعضهم منثورا من سلكه على البساط وعن المأمون انه ليلة زفت اليه بوران بنت الحسن بن سهل وهو على بساط منسوج بالذهب وقد نثرت عليه نساء والخلافة اللؤلؤ فنظر اليه منثورا على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال درابى نواس كانه ابصر هذا حيث يقول كان صغرى وكبرى من فقاعها ... حصباء در على ارض من الذهب وقال بعضهم منثورا من صدفه يعنى انهم شبهوا باللؤلؤ الرطب اذا انتثر من صدفه وهو غير مثقوب لانه احسن واكثر ماء وبالفارسية مرواريد افشانده شده ازصدف يعنى تروتازه كه هنوز دست كس بدان نرسيده ودر روتق وآب داد شان قصورى بيدا نشده . قال فى كشف الاسرار ولدان مخلدون اى غلمان ينشئهم اللّه لخدمة المؤمنين انتهى فسمى الغلمان ولدان لانهم على صورتهم على اوفى اطلاقهم عليهم خطابا بما يتعارفه الناس فلا يلزم ولادتهم فى الجنة وقال فى عين المعانى قيل انهم ولدان الكفار يدخلون الجنة خدما لاهلها بدليل انهم سموا ولدانا ولاولادة فى الجنة انتهى وفى اللباب اختلفوا فى الولدان فقيل انشأهم اللّه لاهل الجنة من غير ولادة لان الجنة لا ولادة فيها وهم الذين قال اللّه فيهم ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون اى مخزون مصون لم تمسه الأيدى عن عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما ما من احد من اهل الجنة الا يسعى عليه الف غلام وكل غلام على عمل ما عليه صاحبه وروى ان الحسن رحمه اللّه لما تلا هذه الآية قال قالوا يا رسول اللّه الخادم كاللؤلؤ المكنون فكيف المخدوم فقال فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وروى عن على رضى اللّه عنه والحسن البصرى رضى اللّه عنه ان الولدان هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة لهم وعن سلمان الفارسى رضى اللّه عنه اطفال المشركين هم خدم اهل الجنة وعن الحسن رحمه اللّه لم تكن لهم حسنات يجازون بها ولا سيئات يعاقبون عليها فوضعوا هذا الموضع انتهى كلام اللباب فاللّه تعالى قادر على أن يجعل اموات الكفار الذين لا يليقون بالخدمة فى الدنيا لغاية صغرهم فى مرتبة القابلية لها فى الآخرة بكمال قدرته وتمام رحمته قال النووى الصحيح الذى ذهب اليه المحققون انهم من اهل الجنة وقال الطيبى فى شرح المشكاة الحق التوقف اى لا الحكم بأنهم من اهل الجنة كما ذهب اليه البعض ولا بأنهم تبع لآبائهم فى النار كما ذهب اليه البعض الآخر فالمذاهب اذا فيهم ثلاثة وفى التأويلات النجمية وطيوف عليهم ولدان مخلدون اى تجليات ذاتية مقروطون بقرطة الاسماء والصفات اذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤ منثورا من تشعشع انوار الذات وتلألؤ أنوار الصفات والاسماء. ٢٠ { واذا رأيت ثم } وجون بنكرى ونظر كنى دربهشت . قال فى الارشاد ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدر ولا منوى بل معناه اى مآل المعنى ان بصرك أينما وقع فى الجنة { رأيت نعيما } كثيرا لا يوصف وهو ما يتنعم به { وملكا كبيرا } اى واسعا وهنيئا كما فى الحديث أدنى اهل الجنة منزلة ينظر فى ملكه مسيرة ألف عام يرى اقصاه كما يرى أدناه والآية من باب الترقى والتعميم يعنى ان هناك امورا اخرا على واعظم من القدر المذكور . در فصول آمده كه نعيم راحت اشباح است وملك كبير لذت ارواح نعيم ملاحظة دارست وملك كبير مشاهدة ديدار وداربى ديدار بهيج كرنيابد الجار ثم الدار زاهد ان فردوس ميحويند وما ديدار دوست. وفى التأويلات النجمية يعنى اذا تحققت بمقام التوحيد وحال الوحدة وصلت الى نعيم الشهود والملك المشهود والكبير فى ذاته وصفاته واسمائه وافعاله انتهى . فيكون المراد بالملك الكبير فى الدنيا هو الشهود الحاصل لاهل الجنة المعنويا والملك بالضم بالفارسية بادشاهى ولا سلطنة فوق سلطنة المعرفة والرؤية قال فى بعض التفاسير الملك بالضم هو التصرف فى المأمورين بالامر والنهى ومنه الملك واما الملك بالكسر فهو الصترف فى الاعيان المملوكة بحسب المشيئة ومنه المالك والاول جامع للثانى لان كل ملك مالك ولا عكس. ٢١ { عليهم ثياب سندس خضر } عاليهم ظرف على انه خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر والجملة حال من ضمير عليهم اى يطوف عليهم ولدان عاليا للمعطوف عليهم ثياب الخ اى فوقهم وعلى ظهورهم ثياب سندس وهو الديباج الرقيق الفاخر الحسن واضافة الثياب الى السندس كاضافة الخاتم الى الفضة وبالفارسية بربهشتيان يعنى لباس زبرين ايشان جامهاى ديباى نازك . ولم يرض الزجاج بكون عاليهم نصبا على الظرف بمعنى فهم لانهم لم يعرف فى الظررف وخضر جمع أخضر صفة ثياب كقوله ويلبسون ثيابا خضرا فالضمير للابرار لمطوف عليهم لان المقام مقام تعداد نعيمهم وكرامتهم فالمناسب أن تكون الثياب الموصوفة من الحرير والديباج وهذا من علامات الملك { واستبرق } بالرفع عطفا على ثياب بحذف المضاف اى ثياب استبرق وهو معرب استبره . بمعنى الغليظ سبق بيانه فى سورة الرحمن وهو بقطع الهمزة لكونه اسما للديباج الغليظ الذى له بريق { وحلوا أساور من فضة } عطف على ويطوف عليهم وهو ماض لفظا ومستقبل معنى وأساور مفعول ثان لحلوا بمعنى ويحلون والتحليه التزيين بالحلى وبالفارسية باحلى زيور كردن . وفيه تعظيم لهم بالنسبة الى أن يقال وتحلوا وأساور جمع اسورة فى جمع سوار وسوار المرأة اصله دستواره وكان الملك فى الزمان الاول يحلون بها ويسرون من يكرمونه ولا ينافى هذه الآية ما فى الكهف والحج من قوله من أساور من ذهب لا مكان الجمع بين السوار الذهب والسوار الفضة فى أيديهم كما تجمع نساء مدنيا بين انواع الحلى وما احسن المعصم اذ يكون فيه سوار ان من جنسين وزيادة كالذهب والفضة واللؤلؤ وايضا لا مكان المعاقبة فى الاوقات تارة يلبسون الذهب واخرى يلبسون الفضة وايضا لا مكان التبعيض بأن يكون البعض ذهبا والبعض فضة فان حلى اهل الجنة يختلف حسب اختلاف اعمالهم فللمقربين الذهب وللابرار الفضة وايضا يعطى كل احد ما يرغب فيه ويميل طبعه اليه فان الطبع مختفة فرب النسان يكون استحسانه لبياض الفضة فوق استحسانه صفرة الذهب { وسقاهم } بياشاماندا ايشانرا { ربهم شرابا } هو ما يشرب { طهورا } هذا الشراب الطهور نوع آخر يفوق النوعين السالفين كما يرشد اليه اسناد سقيه الى رب العالمين وصفه بالطهورية لانه يطهر باطنهم عن الاخلاق الذميمة والاشياء المؤذية كالغش والغل والحسد وينزع ما كان فى اجوافهم من قذر وأدى وبه تحصل الصفوة المهيئة لانكعاس نور الجمال الالهى فى قلوبهم وهى الغاية القاصية من منازل الصديقين فلذا ختم بها مقالة ثواب الابرار فالطهور بمعنى المطهر صيغة اسم الفاعل وقيل مبالغة الطاهر من حيث انه ليس بنجس كخمر الدنيا وما مسته الأيدى القذرة والاقدام الدنسة ولا يؤول الى أن يكون نجسا بل يرشح عرقا من ابدانهم له ريح كريح المسك ( قال الكاشفى ) يبايد دانست كه جوى كوثر دربهشت خاصه حضرت رسالة است وذكر آن درسوره كثور خواهد آمد وجهار جوى ديكر ازان متقايأنست آب وشيروخمر وعسل وشمه ازصفات اودرسوره محمد مرقوم رقم بيان شد ودوجشمه ازان اهل خشبت است فيهما عينان تجريان ودوجشمه ازان اهل يمين است فيهما عينان نضاختان واين جهار جشمه درسوورة الرحمن آمد ديكر جشمه رحيق ازان ابرارست وجشمه تسنيم ازان مقربان واين هردودرسوره مطففين مذكورند ودوجشمه ازان اهل بيت است كافور وزنجبيل كه آنرا سلسبيل خوانند وشراب طهور نيز از ايشانست ومحققان آنرا شراب شهود كوبندكه مرآت دل نوشنده را بلوامع انوار قدم روشن ساخته بذير اى نقوش عكوس ازل وابدكرداند ووقت وحال اورا جنان صافى سازدكه مطلقا شوآئب غيريه درمشارع وحدت نماند ورنك دوكانكى مبدل كردانيده جام مدامرا يك رنك سازد همه جامست ونيست كوبى مى ... يا مدامست ونيست كويى جام عارفى كفته اكر فردابزم نشينان داربقارا براى آنكه سرور شراب طهور خواهند جشانيد امروزباده نوشان خمخانه افضل را بنقدازان نصيبى تمام داره اند ازسقاهم ربهم بين جمله ابرارمست ... درجمال لا يزال هفت وينج وجارمست اى جوانمرد شراب آن شرابست كه دست غيب دهدرجام دل ريزدوعارف اورانوش كند قومى را شراب مست كرد وقومى راديدار وأسكر القوم دور كأس ... وكان سكرى من المدير بزركى را بخواب نمودنهكه معروف كرخى رحمه اللّه كرد عرش طراف مى كردورب العزة فرشتكانرامى كفت اورا شناسيد كفتندنه كفت معروف كرخى است بمهرما مست شدة تاديده او برمانيايد هشيار نكردد هركرا امروز شراب محبت نيست فردا اورا شراب طهور نيست. قال بعضهم صليت خلف سهل بن عبد اللّه العتمة فيقرأ قوله تعالى وسقاهم ربهم شرابا طهورا فجعل يحرك فمه كأنه يمص فلما فرغ من صلاته قيل له أتقرأ ام تشرب قال واللّه لو لم اجد لذته عند قرآءته كلذتى عند شربه ما قرأنه وفى التأويلات النجمية قوله عاليهم الخ يشير الى اتصاف اهل الجنة بملابس الصفات الالهية والاخلاق الربانية من خضر أى من الصفات الذاتية واستبرق اى من الصفات الاسمائية والى تحليهم بحلى أساور الاسماء الذاتية والصفاتية الزاهرة الباهرة وسقاهم ربهم بكأس الربوبية والتربية شراب المحبا الذاتية الطاهرة عن شوب كدورة رقبة الاغيار. ٢٢ { ان هذا } على اضمار القول اى يقال لهم ان هذا الذى ترونه من فنون الكرامات ويجوز أن يكون خطابا من اللّه فى الدنيا للابرار اى ان هذا الذى ذكر من انواع العطايا { كأن لكم جزآء } عوضا بمقابلة اعمالكم الحسنة فان قيل كيف يكون جزاء لاعمالهم وهى مخلوقة لله عند اهل السنة وأجيب بأنها لهم كسبا عندهم وله خلفا { وكان سعيكم } وهست شتافتن شمادركار خيردردنيا { مشكورا } مرضيا مقبولا مقابلا بالثواب لخلوص نيتكم فيزداد بذلك فرحهم وسرورهم كما ان المعاقب يزداد غمه اذا قيل له هذا جزاء علمك الرديئ فالشكر مجاز عن هذا المعنى تشبيها له بالشكر من حيث انه مقابل للعمل كما ان الشكر مقابل للنعم قال بعضهم أدنى الدرجات أن يكون العبد راضيا عن ربه واليه الاشارة بقوله كان لكم جزآء واعلاها كونه مرضيا له واليه الاشارة بقوله وكان سعيكم مشكورا ولما كان كونه مرضيا عى الدرجات ختم به ذكر مراتب الابرار وفى التأويلات النجمية ان هذا كان لكم جزآء لاقتضاء استعداداتكم الفطرية وكان سعيكم مشكورا غير مضيع بسبب الر والسمعة. ٢٣ { انا نحن نزلنا عليك القرءآن تنزيلا } اى مفرقا منجما لحكم بالغة مقتضية له لا غيرنا كما يعرب عنه تكرير الضمير مع ان فكأنه تعالى يقول ان هؤلاء الكفار يقولون ان ذلك كهنة وسحر فانا الملك الحق أقول على سبيل التأكيد ان ذلك وحى حق وتنزيل صدق من عندى فلا تكترث بطعهنم فانك أنت النبى الصادق المصدق. ٢٤ { فاصبر لحكم ربكم } بتأخير نصرك على الكافرين فان له عاقبة حميدة ولا تستعجل فى امر المقابلة والانتقام فان الامور مرهونة بأوقاتها وكل آت قريب { ولا تطع منهم } اى من الكفار { آثما او كفورا } او لاحد الشيئين والتسوية بينهما فاذا قلت فى الاثبات جالس الحسن او ابن سيرين كان المعنى جالس احدهما فكذا اذا قلت فى النهى لا تكلم زيد او عمرا كان التقدير لا تكلم احدهما والاحد عام لكل واحد منهما فهو فى المعنى لا تكلم واحدا منهما فمآل المعنى فى الآية ولا تطع كل واحد من مرتكب الاثم الداعى لك اليه ومن الغالى فى الكفر الداعى اليه فاوللاباحة اى للدلالة على انهما سيان فى استحقاق العصيان المخاطب للداعى اليهما والاستقلال به والتقسم الى الآثم والكفور مع ان الداعين يجمعهم الكفر باعتبار ما يدعونه اليه من الأثم والكفر لا باعتبار انقسامهم فى أنفسهم الى اللآثم والكفور لانهم كانوا كفرة والكفر اخبث نواع الاثم فلا معنى للقسمة بحسب نفس كفرهم واثمهم وذلك ان ترتب النهى على الوصفين مشعر بعليتهما له فلا بد أن يكون النهى عن الاطاعة فى الاسم والكفر لا فيما ليس باثم ولا كفر فالمراد بالاثم ما عدا الكفر اذا العام اذا قوبل بالخاص يراد به ما عدا ذلك الخاص وخص الكفر بالذكر بنبيها على غاية خبثه من بين انواع الاثم فكل كفور آثم وليس كل آثم كفور ولا بعد أن يراد بالآثم من هو تابع وبالكفور من هو متبوع ( وقال الكاشفى ) آثما كناهكارى راكه ترابا ثم خواند جون عتبة بن ربيعه كه كفت ازدعوت خود بازايست تادختر خودرا بتودهم او كفورا وناسباسى راكه ترا بكفر دعوت كندجون وليد بن مغيره كه كفت بديه اباء رجوع كن تاترا توانكر سازم . وفى نهيه عليه السلام عن الاطاعة فيما يدعونه اليه مع انه كان يطيع احدا منهم ولا يتصور فى حقه ذلك اشارة الى ان الناس محتاجون الى مواصلة التنبيه والارشاد من حيث ان طبيعتهم التى جبلوا عليها ركب فيها الشهوة الداعية الى السهو والغفلة وان احدا لو استغنى عن توفيق اللّه وامداده وارشاده لكان احق الناس به هو الرسول المعصوم فظهر انه لا بد لكل مسلم أن يرغب الى اللّه ويتضرع اليه أن يحفظه من الفتن والآفات فى جميع اموره وقال القاشانى ولا تطع منهم آثما اى محتجبا بالصفات والاحوال او بذاته عن الذات او بصفات نفسه وهيئاتها عن الصفات او كفورا محتجبا بالافعال والآثار واقفا معهم او بافعاله ومكسوباته عن الافعال فتحجب بموافقتهم انتهى عصمنا اللّه واياكم من موقتة الاعدآء مطلقا. ٢٥ { واذكر اسم ربك بكرة } اول النهار { واصيلا } اى عشيا وهو آخر النهار اى وداوم على ذكره فى جميع الاوقات فاريد بقوله بكرة واصيلا الدوام لانه عليه السلام كان آتيا بنفس الذكر المأمور به وانتصابهما على الظرفية او دم على صلاة الفجر والظهر والعصر فان الاصل كما يطلق على ما بعد العصر الى المغرب فكذا يطلق على ما بعد الزوال فيتناول وقتى الظهر والعصر وقال سعدى المفتى التأويل بالدوام انما يحتاج اليه لو ثبتت فرضية الصلوات الخمس قبل نزولها والظاهر انه كذلك فانها فرضت ليلة المعرج. يقول الفقير وفيه ان الصلوات الخمس وان فرضت ليلة المعراج الا ان المعراج كان قبل الهجرة بسنة والتأريخ فى نزول الآية مجهول أهى نازلة قبل المعراج أم بعده فان كان الثانى ثبت مطلوبه والا فلا قال القاشانى اذكر ذلك الذى هو الاسم الاعظم من اسمائه بالقيام بحقوقه واظهار كمالاته فى المبدأ والمنتهى بالصفات الفطرية من وقت طلوع النور الالهى بايجادها فى الازل وايداع كمالاته فيها وغروبه بتعيينها واحتجابه بها واظهارها مع كمالاتها. ٢٦ { ومن الليل فاسجد له } وفى بعض الليل فصل له ولعله صلاة المغرب والعشاء بس معنى جنين باشدكه برينج نماز مداومت نماى . وتقديم الظرف للاهتمام فما فى صلاة الليل من مزيد كلفة وخلوص وافضل الاعمال أشقها واخلصها من الياء فاستحقت الاهتمام بشأنها وقدم وقتها لذلك ثم الفاء لافادة معنى الشرط كأنه قال مهما يكن من شئ فاسجد له فقيها وكادة اخرى لامرها وفى التأويلات النجمية واعبد ربك المطلق حق العبودية بالفناء فيه من ليل طبيعتك وغلس بشريتك اذا السجود صورة الفناء الذاتى والركوع صورة الفناء الصفائى والقيام صورة الفناء الافعالى فافهم بعض اسرار الصلاة { وسبحه ليلا طويلا } اى صل صلاة التهجد لانه كان واجبا عليه فى طائفة طويلة من الليل ثلثيه او نصفه او ثلثه فقوله ليلا طويلا نصب على الظرفية فان قلت انتصاب ليلا على الظرفية وطويلا نعت له ومعناه سبحه فى الليل الطويل فمن أين يفهم ما ذكرت من المعنى قلت ظاهر أن توصيف الليل بالطول ليس للاحتراز عن القصير فان الامر بالتهجد بتناوله ايضا فهو لتطويل زمان التسبيح وفى التعبير فى التهجد بالتسبيح وتأخير ظرفه دلالة على انه ليس فى مرتبة ما قبله. ٢٧ { ان هؤلاء } اى كفار مكة عاد الى شرح احوال الكفار بعد شرح صدره عليه السلام بما ذكر من قوله انا نحن الخ { يحبون العاجلة } دوست ميدارند سراى شتا بنده را يعنى دنيارا وينهمكون فى لذاتها الفانية فهو الحال لهم على الكفر والاعراض عن الاتباعلا اشتباه الجن عليهم { ويذرون } يتركون { ورآءهم } اى أمامهم لا يستعدون فهو حال من يوما او ينبذون ورآء ظهورهم فهو ظرف ليذرون فورآء يستعمل فى كل من أمام وخلف والظاهر فى وجه الاستعمالين ان ورآء اسم للجهة المتوارية اى المستترة المختفية عنك واستتار جهة الخلف عنك ظاهر وما فى جهة الامام قد يكون متواريا عنك غير مشاهد ومعاين لك فيشبه جهة الخلف فى ذلك فيستعار له اسم الورآء { يوما ثقيلا } لا يعبأون به ويرما مفعول بذرون وثقيلا صفته ووصفه بالثقل مع انه من صفات الاعيان الجمسيه لا الامتدادات الوهمية لتشبيه شدته وهوله لثقل الحمل الثقيل ففيه استعارة تخييلية وفىلآية وعيد لاهل الدنيا ونعيمها خصوصا لاهل الظلم والرشوة. ٢٨ { نحن } لا غيرنا { خلقناهم } من نطفة { وشددنا اسراهم } اى احكمنا ربط مفاصلهم بالاعصاب ليتمكنوا بذلك من القيام والقعود والاخذ والدفع والحركة وحق الخالق المنعم أن يشكر ولا يكفر ففيه ترغيب والاسر الربط ومنه اسر الرجل اذا أوثق بالقد وقدر المضاف وهو المفاصل ( وفى كشف الاسرار ) وآفرينش انسان سخت بستيم تا آفرينش واندامان برجاى بود . فمعناه شددنا خلقهم وقال الراغب اشارة الى الحكمة فى تركيب الانسان المأمور بتدبرها وتأملها فى قوله وفى أنفسكم أفلا تبصرون وقيل وشددنا مخرج البول والغائط اذا خرج الأذى انقبض او معناه انه لا يسترخى قبل الارادة { واذا شئنا } تبديلهم { بدلنا امثالهم } اى بدلناهم بأمثالهم بعد اهلاكهم والتبديل يتعدى الى مفعولين غالبا كقوله تعالى يبدل اللّه سيئاتهم حسنات يعنى يذهب بها ويأتى بدلّها بحسنات { تبديلا } بديعا لا ريب فيه وهو البعث كما ينبغى ولا ينافيها الغيرية بحيب العوارض كاللطافة والكثافة وبالفارسية وجون خواستيم بدل كنيم ايشانرا بامثال ايشان در خلقت يعنى ايشانرا بمرانيم ودر نشأت ثانيه بمانند همين صورت وهيأت وز آريم . او المعنى واذا شئنا بدلنا غيرهم ممن يطيع كقوله تعالى يستبدل قوما غيركم ففيه ترهيب فالمثلة باعتبار الصورة ولا ينافيها الغيرية باعتبار العمل والطاعة واذا للدلالة على تحقق القدرة وقوة الداعية والا فالمناسب كلمة ان اذلا تحقق لهذا التدبيل قال القاشانى نحن خلقناهم بتعيين استعداداتهم وقيناهم بالميثاق الازلى والاتصال الحقيقى واذا شئنا بدلنا امثالهم تبديلا بأن نسلب افعالنا ونمحو صفاتهم بصفاتنا ونفنى ذواتهم بذاتنا فيكونوا ابدالا. ٢٩ { ان هذه تذكرة } اشارة الى السورة او الآيات القريبة اى عظة مذكرة لما لا بد منه فى تحصيل السعادة الابدية جعلت عين التذكرة مبالغة وفى عين المعانى تذكرة اى اذكار بام غفلت عنه عقولهم ( وقال الكاشفى ) يا معاملهء اهل بيت در بذل وابثار عبرتيست مؤمنا نراتا بمثل آن عمل كنند وازمثل اين جزاها بهره يا بند { فمن } بس هركه { شاء اتخذ الى ربه سبيلا } اى فمن شاء أن يتخذ اليه تعالى سبيلا اى وسيلة توصله الى ثوابه اتخذه اى تقرب اليه بالعمل بما فى تضاعيفها وقال ابن الشيخ فمن شاء النجاة من ثقل ذلك اليوم وشدته اختار سبيلا مقربا الى مرضاة ربه وهو الطاعة. ٣٠ { وما تشاؤون الا أن يشاء اللّه } تحقيق للحق وبيان أن مجرد مشيئتهم غير كافية فى اتخاذ السبيل كما هو المفهوم من ظاهر الشرطية وان مع الفعل فى حكم المصدر الصريح فى قيامه مقام الظرف والمعنى وما تشاؤن اتخاذ السبيل ولا تقدرون على تحصيله فى وقت من الاوقات الاوقت مشيئته تعالى تحصيله لكم اذ لا دخل لمشيئته العبد الا فى الكسب وانما التأثير والخلق لمشيئة اللّه تعالى غاية ما فى الباب ان المشيئة ليست من الافعال الاختيارية للعبد بل هى متوقفة على أن يشاء اللّه اياها وذلك لا ينافى كون الفعل الذى تعلقت به مشيئة العبد اختياريا له واقعا بمشيئته وان لم تكن مشيئته مستثقلة فيه وهو وهو الجبر المتوسط الذى يقول به اهل السنة ويقولون الامر بين الامرين اى بين القدر والجبر نال فى عين المعانى قوله تعالى فمن شاء الخ حجة تكليف العبود وقوله تعالى وما تشؤن الخ الظاهر قهر الالوهية { ان اللّه كان عليما حكيما } بيان لكون مشيئته تعالى مبنية على اساس العلم والحكمة والمعنى انه تعالى مبالغ فى العلم والحكمة فيفعل ما يستأهله كل احد فلا يشاء لهم الا ما يستدعيه علمه وتقتضيه حكمته قال القاشانى وما تشاؤن الا بمشيئتى بأن أريد فتريدون فتكون ارادتكم مسبوقة بارادتى بل عين ارادتى الظاهرة فى مظاهرهم ان اللّه كان عليما بما أودع فيهم من العلوم حكيما بكيفته ايداعها وابرازها فيهم باظهار كما لهم. ٣١ { يدخل من يشاء فى رحمته } بيان لاحكام مشيئته المرتبة على علمه وحكمته اى يدخل فى رحمته من يشاء ان يدخله فيها وهو الذى يصرف مشيئته نحو اتخاذ السبيل اليه تعالى حيث يوفقه لما يؤدى الى دخول الجنة من الايمان والطاعة { والظالمين } وهم الذين صدوا مشيئتهم الى خلاف ما ذكر { اعد لهم عذابا أليما } اى متناهيا فى الايلام قال الزجاج نصب الظالمين لان ما قبله منصوب اى يدخل من يشاء فى رحمته ويعذب الظالمين ويكون اعد لهم تفسيرا لهذا المضمر فى الآية اشارة الى ادخال اللّه بعض عباده فى رحمة معرفته واما بعض عباده وهم الظالمين الواضعون الضلالة فى مقام الهداية والجهالة فى مقام المعرفة فان اللّه اعد لهم عذاب الحجاب المؤملم للروح والجسم وايضا عذابا بالوقوف على الرب لوقوفهم مع الغير ثم على النار لوقوفهم مع الآثار وحتم اللّه السورة بالعذاب المعد يوم البعث والحشر ففيه حسن الخاتمة لموافقته الفاتحة على مالا يخفى على اهل النفر والفهم. |
﴿ ٠ ﴾