سُورَةُ النَّبَأِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعُونَ آيَةً

١

{ عم } اصله عن ما ادغمت النون فى الميم لاشتراكهما فى الغنة فصار عما ثم حذفت الالف كما فى لم وبم وفم والى م وعلى م فانها فى الاصل لما وبما وفيما والى ما وعلى ما اما فرقا بين الاستهامية وغيرها او قصدا للخفة لكثرة استعمالها وقد جاءت فى العشر غير محذوفة كما ذكره ابو البقاء وما فيها من الابهام للايذان بفخامة شأن المسئول عنه وهوله وخروجه عن حدود الاجناس المعهودة كأنه خفى جنسه فيسأل عنه فالاستفهام ليس على حقيقته بل لمجرد التفخيم فان المسئول عنه ليس بمجهول بالنسبة الى اللّه تعالى اذ لا يخفى عليه خافية والمعنى عن اى شئ عظيم

{ يتساءلون } اى اهل مكة وكانوا يتساءلون عن البعث والحشر الجسمانى ويتحدثون فيما بينهم ويخوضون فيه انكارا واستهزآء لكن لا على طريقة التساؤل عن حقيقته ومسماه بل عن وقوعه الذى هو حال من احواله ووصف من اوصافه فان ماوان وضعت لطلب حقائق الاشياء ومسميات اسمائها كما فى قولك ما الملك وما الروح لكنها قد يطلب بها الصفة والحال تقول ما زيد فيقال عالم او طيب.

٢

{ عن النبأ العظيم } النبأ الخبر الذى له شأن وخطر وهو جزاب وبيان لشأن المسئول عنه كأنه قيل عن اى شئ يتساءلون هل اخبركم به ثم قيل بطريق الجواب عن النبأ العظيم الخارج عن دآئرة علوم الخلق يتساءلون على منهاج قوله تعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار والفائدة فى أن يذكر السؤال ثم أن يذكر الجواب معه ان هذا الاسلوب اقرب الى التفهيم والايضاح فعن متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه أن يقدر بعدها مسارعة الى البيان ومراعاة لترتيب السؤال فان لجار فيه مقدم على متعلقه

وقيل عن النبأ العظيم استفهام آخر بمعنى أعن النبأ العظيم ام عن غيره الا انه حذف منه حرف الاستفهام لدلالة المذكور عليه ونظيره قوله تعالى أفان مت فهم الخالدون اى أفهم الخالدون.

٣

{ الذى هم فيه مختلفون } وصف للنبأ بعد وصفه بالعظيم تأكيد الخطره اثر تأكيد واشعارا بمدار التساؤل عنه وفيه متعلق بمختلفون قدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثابت اى هم راسخون فى الاختلاف فيه فمن جازم باستحالته يقول ان هى الا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وما يهلكنا الا الدهر وما نحن بمبعوثين ومن مقر يزعم ان آلهته تشفع له كما قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه ومن شاك يقول ما ندرى ما الساعة أن نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين وفيه اشارة الى القيامة الكبرى وهى البقاء بعد الفناء او بعث القلب بعد موت النفس فالروح وقواه تقربها والنفس وصفاتها تنكرها لانها جاهلة فضلا عن كونها ذآئقة ومن لم يذق لم يعرف ( قال الكمال الخجندى )

زاهد تعجب كركند ازعشق توبرهيز ... كين لذت اين باده جه داندكه نخوردست

فطوبى للذائقين ويا حسرة للمحرومين.

٤

{ كلا سيعلمون } ردع كما يستفاد من كلا ووعيد كما يستفاد من سيعلمون اى ليس امر البعث مما ينكر او يشك فيه بحيث يتساءل عنه سيعلمون ان ما يتساءلون عنه حق لا دافع له واقع لا ريب فيه مقطوع لا شك فيه.

٥

{ ثم كلا سيعلمون } تكرير للردع والوعيد للمبالغة فى التأكيد والتشديد وثم للدلالة على ان الوعيد الثانى ابلغ واشد يعنى ان ثم موضوعة للتراخى الزمانى وقد تستعمل مجازا فى التراخى الرتبى اى لتباعد ما بين المعطوفين فى الشدة والفظاعة وذلك لتشبيه التباعد الرتبى بالتراخى الزمانى فى الاشتمال على مطلق التباعد ما بين الامرين والمعنى المجازى هو المراد هنا لان المقام مقام التشديد والتهديد وذلك انما يكون آكد بالحمل عليه وبعضهم حملها على معناها الحقيقى فقال سيعلمون حقيته عند النرع فى يوم القيامة ولا شك ان القيامة متراخية بحسب الزمان عن وقت النزع او سيعلمون حقية البعث حيث ان يبعثوا من قبورهم ثم حقية الجزآء بحسب العمل هذا وقد حمل اختلافهم فقيه على مخالفتهم للنبى عليه السلام بأن يعتبر فى الاختلاف محض صدور الفعل عن المتعدد لا على مخالفة بعضهم لبعض من الجانبين لان الكل وان استحق الردع والوعيد لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر اذ لا حقية فى شئ منهما حتى يستحق من يخالفه المؤاخذة بل لمخالفته له عليه السلام فكلا ردع لهم عن التساؤل والاختلاف بالمعنيين المذكورين وسيعلمون وعيد لهم بطريق الاستئناف وتعليل للردع والسين للتقريب والتأكيد وليس مفعوله ما ينبئ عنه المقام من وقوع ما يتساءلون عنه ووقوع بالعلم لوقوعه فى معرض التساؤل والاختلاف والمعنى ليرتدهوا عما هم عليه فانهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال اذا لحل بهم العذاب والنكال.

٦

{ ألم نجعل الارض مهادا } الخ استئناف مسوق لتحقيق النبأ والمتساءل عنه بتعداد بعض الشواهد الباطقة بحقيته اثر ما نبه عليها بما ذكر من الردع والوعيد ومن هنا اتضح ان المتساءل عنه هو البعث لا القرءآن او نبوة النبى عليه السلام كما قيل والهمزة للتقرير والمهاد البساط والفراش وفى بعض الآيات جعل لكم الارض فراشا قال الن الشيخ المهاد مصدر ماهدت بمعنى مهدت كسافرت بمعنى سفرت اطلق على بساطه وبالفارسية آيا نساخته ايم زمين را فراشى كسترده تاقراركاه شمابود وجاى تقلب.

ومهادا مفعول ثان لجعل ان كان الجعل بمعنى التصيير وحال مقدرة ان كان بمعنى الخلق وغيرها ان يكون جمع مهد ككعاب وكعب وجمعه لاختلاف اماكن الارض من القرى والبلاء على تشبيهها بمهد الصبى وهو ما يمهد له فينوم عليه تسمية للممهود بالمصدر.

٧

{ والجبال اوتادا } المراد بجعلها اوتادا لها ارساؤها بها لتسكن ولا تميد بأهلها اذ كانت تميد على الماء كما يرسى البيت بالاوتاد فهو من باب التشبيه البليغ جمع وتد وهو ما يوتد ويحكم به المتزلزل المتحرك من اللوح وغيره بالفارسية ميخ . فان قيل أليست ارادة اللّه وقدرته كافيتين فى التثبيت اجيب فانه نعم الا انه مسبب الاسباب وذلك من كمال القدرة

قال بعضهم الاوتاد على الحقيقة سادات الاولياء وخواص الاصفياء فانهم جبال ثابتة وبهم تثبت ارض الوجود وسئل أبو سعيد الخراز قدس سره عن الاوتاد والابدال ايهم افضل فقال الاوتاد قيل كيف فقال لان الابدال يتقلبون من حال الى حال ويبدل بهم من مقام الى مقام والاوتاد بلغ بهم النهاية وثبت اركانهم فهم الذين بهم قوام الخلق قال ابن عطاء الاوتاد هم اهل الاستقامة يقال له عبد الحى وواحد يحفظ الغرب يقال له عبد العليم وواحد يحفظ الشمال يقال له عبد المريد وواحد يحفظ الجنوب يقال له عبد القادر والابدال سبعة يحفظون اقاليم الكرة علوا وسفلا.

وجه تسميه آنست كه جون بكى ازايشان مرديكى ازجهل تن يعنى نجبا بدل اوشد وتتميم جهل تن بيكى از سيصد تن است يعنى نقبا وتكميل سيصد تن بيكى ازصلحاء وابدال مقيم نشوند نيكجا مكر خسته باشند ومعالجه كنندوبخورند وبيوشند ونكاح كنند بيش ازانكه ابدال شوند وقطب الابدال نظير كوكب سهيل كما ان قطب الارشاد نظير الجدى وقطب ابدال درزمان نبى عليه السلام عصام الدين قزنى بو دعم اويس وجون او متوفى شد ابن عطا احمد بود ازدهى كه ميان مكه ويمن است وبلال الحبشى رضى اللّه عنه درمان نبى عليه السلام ازبدلاى سبعة بودى . وكان الشافعى رضى اللّه عنه من الاوتاد الاربعة.

٨

{ وخلقناكم } عطف على المضارع المنفى بلم داخل فى حكمه فانه فى قوة انا جعلنا او على ما يقتضيه الانكار التقريرى فانه فى قوة ان يقال قد جعلنا

{ ازواجا } اى حال كونكم اصنافا ذكرا وانثى ليسكن كل من الصنفين الى الآخر وينتظم امر المعاشرة والمعاش ويتسنى التناسل والزوج يقال لكم واحد من القرينين المزدوجين حيوانا او غيره كالخف والنعل ولا يقال للاثنين زوج بل زوجان ولذا كان الصواب ان يقال قرضته بالمقراضين وقصصته بالمقصين لانهما اثنان لا بالمقراض وبالمقص كذا قال الحريرى فى درة الغواص وقال صاحب القاموس يقال للاثنين هما زوجال وهما زوج انتهى ولعله من قبيل الاكتفاء بأحد الشقين عن الآخرة وزوجة للمرأة لغة رديئة لقوله تعالى يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ويقال لكل ما يقترن بآخر مماثلا له او مضادا زوج ولذا

قال بعضهم فى الآية وخلقناكم حال كونكم معروضين لاوصاف متقابلة كل واحد منهما مزدوج بما يقابله كالفقر والغنى والصحة والمرض والعلم والجهل والقوة والضعف والذكورة والانوثة والطول والقصر الى غير ذلك وبه يصح الابتلاء فلأن الفاضل يشتغل بالشكر والمفضول بالصبر ويعرف قدر النعمة عند الترقى من الصبر الى الشكر وكل ذلك دليل على كمال القدرة ونهاية الحكمة.

٩

{ وجعلنا } صيرنا

{ نومكم } وهو استرخاء اعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد اليه ولذا قل فى اهل الرياضة لقلة الرطوبة

{ سباتا } موتا اى كالموت والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لانه مقطوع عن الحركة ومنه سمى يوم السبت لان اللّه تعالى ابتدأ بخلق السموات والارض يوم الاحد فخلقها فى ستة ايام فقطع عمله يوم السبت فسمى بذلك وايضا هو يوم ينقطع فيه بنو اسرآئيل فى منامها اى ويتوفى التى لم تمت فى منامها وذلك لما بينهما من المشاركة التامة فى انقطاع احكام الحياة فالتنوين للنوعية اى وجعلنا نومكم نوعا من الموت وهو الموت الذى ينقطع ولا يدوم اذ لا ينقطع ضوء الروح الا عن ظاهر البدن وبهذا الاعتبار قيل له اخو الموت والنوم بمقدار الحاجة نعمة جليلة

وقيل سباتا اى قطعا عن الاحساس والحركة لا راحة القوى الحيوانية وازاحة كلا لها والاول هو اللائق بالمقام كما ستعرفه.

١٠

{ وجعلنا الليل } الذى يقع فيه النوم

{ لباسا } يقول لبس الثوب استتر به وجعل اللباس لكل ما يغطى الانسان عن قبيح فجعل الزوج لزوجها لباسا من حيث انها تمنعه وتصده عن تعاطى قبيح وكذا البعل وايضا من حيث الاشمال قال تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن وجعل التقوى لباسا على طريق التمثيل والتشبيه وكذا جعل الخوف والجوع لباسا على التمثيل والتشبيه تصويرا له وذلك بحسب ما يقولون تدرع فلان الفقر ولبس الجوع والمعنى لباسا يستركم بظلامه كما يستركم اللباس ولعل المراد ما يستتر به عند النوم من اللحاف ونحوه فان شبه الليل به اكمل واعتباره فى تحقيق المقصد أدخل صاحب فتوحات آورده شب لباس اصحاب ليل است كه ايشانرا ازنظر اغيار بيوشاند تادر خلوت خود لذت مكالمه يا محاضره يا مشاهده هريك فراخور استعداد خود برخوردارى يابند حضرت شيخ الاسلام قدس شره فرموده كه شب برده روندكان راهست روز بازار بيدار ان سحر كاه.

الليل للعاشقين ستر ... ياليت اوقاته تدوم

جون دردل شب خيال اويار منست ... من بنده شب كه روز بازار منست

فهو تعالى جعل الليل محلا للنوم الذى جعل موتا كما جعل النهار محلا لليقظة المعبر عنها بالحياة فى قوله تعالى

١١

{ وجعلنا النهار معاشا } اى وقت عيش اى حياة تبعثون فيه من نومكم الذى هو أخو الموت كما فى قوله تعالى وهو الذى جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ولم يقل وجعل يقظتكم حياة لتتم المطابقة بينه وبين قوله وجعلنا نومكم سباتا بل عبر عن اليقظة بالنهار لكونه مستلزما لها غالبا ولمراعاة مطابقة وجعلنا الليل ومنه يعلم ان قله وجعلنا الليل ليس مستطردا فى البين لذكر النوم فى القرينة الاولى فمعاش مصدر من عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشة وعيشة وعلى هذا لا بد من تقدير المضاف ولذا قدروا لفظ الوقت ويحتمل ان يكون اسم زمان على صيغة مفعل فلا حاجة حينئذ الى تقدير المضاف وتفسيره بوقت معاش ابراز لمعنى صيغة اسم الزمان وتفصيل لمفهومها وفى التأويلات النجمية ألم نجعل ارض البشرية مهد استراحتكم وانتشاركم فى انواع المنافع البشرية وجبال نفوسكم القاسية قوآئم ارض البشرية خلقناكم ازوجا ازوج الروح وزوج النفس او ذكر القلب وانثى النفس ودعنا نومك مغفلتكم راحة وستراحة باستيفاء اللذات واستقصاء الشهوات وجعلنا ليل طبعتكم ستر النهار روحانيتكم نهار روحانيتكم معاشا تعيشون فيه بالطاعات والعبادات وهذه صورة البعث.

١٢

{ وبيننا فوقكم } وبنا كرده ايم برسر شمارا

{ سبعا شدادا } جمع شديد أى سبع سموات قوية الخلق محكمة النباء لا يؤثر فيها مر الدهور وكر العصور وقال أبو الليث غلاظا غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام والتعبيرى عن خلفها بالبناء مبنى على تنزيلها منزلة القباب المضروبة على الخلق وفيه اشارة الى طبقات القلب السبع الاولى طبقة الصدور وهى معدن جوهر الاسلام والثانية طبقة القلب وهى محل جوهر الايمان والثالثة الشغاف وهى معدن العشق والمحبة والشفقة والرابعة الفؤاد وهو معدن المكاشفة والمشاهدة والرؤية والخامسة حبة القلب وهى مخصوصة بمحبة اللّه تعالى لا تعلق لها بمحبة الكونين وعشق العالمين والسادسة السويدآء وهى معدن العلم اللدنى وبيت الحكمة والسابعة بيت العزة وفى قلب الاكملين وفى هذا البيت اسرار الهية لا تخرج من الباطن الى الظاهر اصلا ولا يظهر منها ثر قطعا.

١٣

{ وجعلنا } انشأنا وأدعنا

{ سراجا } هو الشمس والتعبير عندها بالسراج من روادف التعبير عن خلق السموات بالبناء قال الراغب السراج الزاهر بفتيلة ودهن ويعبر به عن كل شئ مضيئ ويقال للسراج مصباح

{ وهاجا } وقادا متلألئا من وهجت النار اذا اضاءت او بالغا فى الحرارة من الوهج وهو الحر وهو ما قال بعض المفسرين سراجا وهاجا اى مضيئا جامعا بين النور والحرارة يعنى جراغى افروخته وتابان.

يقال ان الشمس والقمر خلقا فى بدء امرهما من نور العرش ويرجعان فى القيامة الى نور العرش وذلك فيما روى عكرمة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال الا احدثكم بما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول فى الشمس والقمر وبدء خلقهما ومصير أمرهما قال قلنا بلى يرحمك اللّه فقال ان رسول اللّه عليه السلام سئل عن ذلك فقال ان اللّه تعالى لما ابرز خلقه احكاما ولم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسين من نور عرشه فاما ما كان فى سابق علمه ان يدعها شمسا فانه خلفها من مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وما كان فى سابق علمه ان يطمسها ويحولها قمرا فانه خلقها دون الشمس فى العظم ولكن انما يرى صغرهما لشدة ارتفاعهما فى السماء وبعدها من الارض فلو ترك اللّه الشمس والقمر كما كان خلقهما فى بدء امرهما لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا يدرى الاجير متى يعمل ومتى يأخذ اجره ولا يدرى الصائم متى يصوم ومتى يفطر ولا تدرى المرأة متى تعتد ولا يدرى المسلمون متى وقت صلاتهم ومتى وقت حجهم فكان الرب تعالى انظر لعباده وارحم بهم فأرسل جبريل فأمر جناحه على وجه القمر فطمس منه الضوء وبقى فيه النور فذلك قوله تعالى وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة فالسود الذى ترونه فى القمر شبه الخطوط فيه فهو أثر المحو قال فاذا قامت القيامة وقضى اللّه بين الناس وميز بين اهل الجنة والنار ولم يدخلوهما بعد يدعو الرب تعالى بالشمس والقمر ويجاء بهما اسودين مكورين قد وقفا فى زلازل وبلابل ترعد فرآئصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن فاذا كانا حيال العرش خر اللّه ساجدين فيقولان الهنا قد علمت طاعتنا لك وأدبنا فى عبادتك وشرعتنا للمضى فى امرك ايام الندنيا فلا تعذبنا بعبادة المشركين ايانا فقد علمت انا لم ندعهم الى عبادتنا ولم نذهل عن عبادتك فيقول الرب صدقتما انى قد قضيت على نفسى ان ابدئ واعيد وانى معيدكما الى ما ابدأتكما منه فارجعا الى ما خلقتكما منه فيقولان ربنا مم خلقتنا فيقول خلقتكما من نور عرشى فارجعا اليه قال فتلمع من كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الابصار نورا فيختلطان نور العرش فذلك قوله تعالى يبدئ ويعيد كذا فى كشف الاسرار وقال الشيخ رضى اللّه عنه فى الفتح المكى

واما الكواكب كلها فهى فى جهنم مظلمة الاجرام عظيمة الخلق وكذلك الشمس والقمر والطلوع ولغروب لهما فى جهنم دآئما انتهى.

يقول الفقير لعل التوفيق بين هذا وبين الخبر السابق ان كلا من الشمس والقمس حامل لشيئين النورية والحرارة فما كان فيهما من قبيل النور فيتصل بالعرش من غير جرم لان اجرم لا يخلو من الغلظة والظلمة والكثافة وما كان من قبيل النار والحرارة فيتصل بالنار مع جرمهما فكل منهما يرجع الى اصله فان قلت كان الظاهر ان يتصل نورهما بنور النبى عليه السلام لانهما مخلوقان من نوره قلت ان العرش والكرسى خلقا من نوره وخلق القمران من نور العرش فهما فى الحقيقة مخلوقان من نور النبى عليه السلام ومتصل نورهما بنوره والكل نوره والحمد لله تعالى.

شمسهء نه مسند وهفت اختران ... ختم رسل خواجهء بيغمبران

١٤

{ وانزلنا } النون للعظمة وللاشارة الى جمعية الذات والاسماء والصفات

{ من المعصرات } هى السحائب اذا اعصرت اى شارفت ان تعصرها الرياح فتمطر ولم تعصرها بعد فالانزال من المستعد لا من الواقع والا يلزم تحصيل الحاصل وهمزة اعصر للحينونة والمعصرات اسم فاعل يقال احصد الزرع اذا حان له ان يحصد واعصرت الجارية اى حان لها ان تعصر الطبيعة رحمها فتحيض وفى المفردات المعصر المرأة التى حاضت ودخلت فى عصر شبابها انتهى ولو لم تكن للحينونة لكان ينبغى ان يقرأ المعصرات بفتح الصاد على انه اسم مفعول لان الرياح تعصرها ويجوز أن يكون المراد من المعصرات الرياح التى حان لها ان تعصر السحاب فتمطر فهى ايضا اسم فاعل والهمزة للحينونة كذلك فان قيل لم لم تجعل الهمزة للتعدية قلنا لان الرياح عاصرة لا معصرة

{ ماء ثجاجا } اى منصبا بكثرة والمراد تتابع القطر حتى بكثر الماء فيعظم النفع به يقال ثج الماء اى سال بكثرة وانصب وثجه غيره اى اساله وصيه فهو لازم ومتعد ومن الثانى قوله عليه السلام ( أفضل الحج العج والثج ) اى رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدى وفسره الزجاج بالصباب كأنه يثج نفسه مبالغة فيكون متعديا ولا منافاة بين هذا ويبن قوله تعالى وانزلنا من السماء ماء فان ابتدآء المطر ان كان من السماء يكون الانزال منها الى السحاب ومنه الى الارض والا فانزاله منها باعتبار تكونه باسباب سماوية من جملتها حرارة الشمس فانها تثير وتصعد الاجزآء المائية من اعماق الارض الرطبة او من البحار والانهار الى جو الهوآء فتنعقد سحابا فتمطر فالانزال من المعصرات حقيتة ومن السماء مجاز باعتبار السببية واللّه مسبب الاسباب.

١٥

{ لتخرج به } اى بذلك الماء اى بسبب وصوله الى الارض واختلاطه بها وبما فيها وهذه اللام لام المصلح لا لام الغرض كما تقول المعتزلة

{ حبا } كثيرا يقتات به اى يكون قوتا للانسان وهو ما يقوم به بدنه كالحنطةوالشعير ونحوهما وفى عين المعانى الحب اسم جنس يعنى به الجمع قال اراغب الحب والحبة يعنى بالكسر يقال فى بزور الرياحين وحبة القلب تشبيها بالحبة فى الهيئة

{ ونباتا } كثيرا يتلف به اى يكون علفا للحيوان كالتبن والحشيش كما قال تعالى كلوا وارعوا انعامكم وتقديم الحب مع تأخره عن النبات فى الاخراج لاصالته وشرفه لان غالبه غذآء الناس ويقال لنخرج به لؤلؤا وعشبا قال عكرمة ما انزل اللّه قطرة الا انبت بها عشبة فى الارض او لؤلؤة فى البحر انتهى وهو مخالف للمشهور من ان اللؤلؤ لا يتكون من كل مطر بل من المطر النازل فى نيسان الا ان يعمم اللؤلؤ الى الدر وغيره.

١٦

{ وجنات } ليتفكه بها الانسان والجنة فى الاصل هى السترة من مصدر جنه اذا ستره تطلق على النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف اغصانه وعلى الارض ذات الشجر قال الفرآء الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم والمراد هنا هو الاشجار لا الارض

{ الفافا } اى ملتفة تداخل بعضها فى بعض وهذا من محسنات الجنان كما ترى فى بساتين الدنيا وبالفارسية درهم بيجده يعنى بسيار ونيكديكر نزديك.

قالوا لا واحجد له كالاوزاع والاخياف الاوزاع بمعنى الجماعات المتفرقة كالاخياف فانه ايضا بمعنى الجماعات المتفرقة المختلطة ومنه الاخياف للاخوة من آباء شتى وامهم واحدة او الواحد لف ككن واكنان او لفيف كشريف واشراف وهو جمع لف جمع لفاء كخضر وخضرآء فيكون ألفافا جمع الجمع او جمع ملتفة بحذف الزوآئد قال ابن الشيخ قدم ذا الحب لانه هو الاصل فى الغذآء وثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات اليه واخرت الجنات لانعدام الحاجة الضرورية الى الفواكه.

واعلم ان فيما ذكر من افعاله تعالى دلالة على صحة البعث وحقيته من وجوه ثلاثة الاول باعتبار قدرته تعالى فان من قدر على انشاء هذه الافعال البديعة من غير مثال يحتذ به وقانون بنتحيه كان على الاعادة اقدر وأقوى والثانى باعتبار علمه وحكمته فان من ابدع هذه المصنوعات على نمط رآئق مستتبع لغايت جليلة ومنافع جملية عائدة على الخلق يستحيل ان يفنيها بالكلية ولا يجعل لها عاقبة باقية والثالث باعتبار نفس الفعل فان اليقظة بعد النوم انموذج للبعث بعد الموت يشاهدونها كل يوم وكذا اخراج الحب والنبات من الارض الميتة يعاينونه كل حين كأنه قيل ألم تفعل هذه الافعال الآفاقية والانفسية الدالة بفنون الدلالات على حقية البعث الموجبة للايمان به فما لكم تخوضون فيه انكارا وتتساءلون عنه استهزآء وفى التأويلات النجمية وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا اى من سموات الارواح بتحريك نفحات الالطاف مياه العلوم الذاتية والحكم الربانية صباصبا لنخرج به حبا ونباتا اى انزلنا من سحائب سموات ارواحكم على ارض قلوبكم ماء العلوم والحكم لنخرج به حب المحبة الذاتية ونبت الشوق ولاشتياق والود الانزعاج والعشق وامثالها وجنات ألفافا جنة المحبة وجنة المودة وجنة العشق ملتف بعضها ببعض.

١٧

{ ان يوم الفصل } اى فصل اللّه بين الخلائق وبين السعدآء والاشقياء باعتبار تفاوت الهيئات والصور والاخلاف والاعمال وتناسبها

{ كان } فى علمه وتقديره الازلى والا فثبوت الميقاتية ليوم الفصل غير مقيد بالزمان الماضى لانه امر مقرر قبل حدوث الزمان ايضا

{ ميقاتا } وميعاد البعث الاولين والآخرين وما يترتب عليه من الجزآء ثوابا وعقابا لا يكاد يتخطاه بالتقدم والتأخر فالميقات وهو الوقت الموقت اى المعين اخص من مطلق الوقت فهو هنا زمان مقيد بكونه وقت ظهور ما وعد اللّه من البعث والجزآء.

١٨

{ يوم ينفخ فى الصور } بدل من يوم الفصل او عطف بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله ولا ضير فى تأخر الفصل عن النفخ فانه زمان ممتد يقع فى مبدئه النفخة وفى بقيته الفصل ومباديه وآناره والنفخ نفخ الريح فى الشئ ومنه نفخ الروح فى النشأة الاولى كما قال ونفخت فيه من روحى ويقال انتفخ بطنه ومنه استعير انتفخ النهار اذا ارتفع ورجل منفوخ اى سمين والصور القرن النورانى والنافخ فيه اسرافيل عليه السلام والمعنى يوم ينفخ فى الصور نفخة ثانية للبعث حتى تتصل الارواح بالاجساد وترجع بها الى الحياة

{ فتأتون } خطاب عام والفاء فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليه وايذانا بغاية سرعة الاتيان كما فى قوله تعالى فقلنا اضرب بعصاك البحر فانلفلق اى فتبثعون من قبوركم فتأتون الى الموقف عقيب ذلك من غير لبث اصلا

{ افواجا } جمع فوج وهو جماعة من الناس فى المفردات الجماعة المارة المسرعة اى حال كونكم امما كل امة مع امامها كما فى قوله تعالى يوم ندعو كل اناس بأمامهم او زمرا وجماعات مختلفة الاحوال متباينة الاوضاع حسب اختلاف اعمالهم وتباينها عن معاذ رضى اللّه عنه انه سأل عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال عليه السلام ( يا معاذ سألت عن امر عظيم من الامور ) ثم ارسل عينية وقال ( تحشر عشرة اصناف من امتى بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون ارجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها ) يعنى نكونساران كه ايشانرا بروى بدوزخ ميكشند . ( وبعضهم عمى وبعضهم صم بكم وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهى مدلاة على صدورهم يسيل القبح من افواههم يتقذرهم اهل الجمع وبعضهم مقطعة ايديهم وأرجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ) يعنى بردارهاى آتشين آويخته . ( وبعضهم اشد نتنا من الجيف وبعضهم ملبسون جبايا سابغة من قطران لازقة بجلودهم فاما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس ) وهو بالضم جمع قات بالتشديد بمعنى النمّام يعنى سخن حين ( حكى ) ان رجلا باع عيدا وقال للمشترى ما فيه عجب الا النميمة فقال رضيت فاشتراه فمكث الغلام اياما ثم قال لزوجة مولاه ان زوجك لا يحبك وهو يريد أن تتسرى عليك فخذى الموسى واحلقى من قفاه حين ينام شعرات حتى اسحر عليك فيحبك ثم قال للزوج ان امرأتك أخذت خليلا وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف فتناوم فجاءت المرأة بالموس فظن انها تقتله فقام فقتلها فجاء اهل المرأة فقتلوا الزوج فوقع القتال بين القبيلتين وطال الامر

( واما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت اى الحرام لانه يسحت الدين والمروءة اى يستأصل

واما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا والتنكيس تعكيس هيئة القيام على الرجل بأن يجعل الرجل اعلى والرأس أسفل )

وبالفارسية نكو نسار كردن .

( واما العمى فالذين يجورون فى الحكم

واما البكم فالمعجبون باعمالهم

واما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم اعمالهم

واما الذين قطعت ايديهم وارجلهم فهم الذين يؤذون جيرانهم

واما المصلبون على جذوع من النار ) فالسعادة بين الناس الى السلطان يعنى غمازان وسعايت كنندكان بسلاطين وملوك .

( واما الذين هم اشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ويمنعون حق اللّه فى اموالهم

واما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء ) جمع جبة وهو ثوب معروف وفى الحديث نشر على ترتيب اللف وبيان المناسبة بين معاصيهم وبين الصور التى يحشرون عليها يطلب من علم التعبير ثم انه فصل هيئات اهل المعاصى مع الاسباب المؤدية اليها لانه اهم التخلية قبل التحلية واكتفى بالاشارة الاجالية الى هيئات الصالحين بقوله من امتى بمن التبعيضية والحاصل انه كما ان الاشقياء يحشرون على صور اعمالهم القبيحة كذلك السعدآء يحشرون على صور اعمالهم الحسنة حتى يكون وجوه بعضهم كالقمر ليلة البدر او كالشمس على ما جاء فى صحيح الروايات وقال بعضم المراد امة الدعوة فتعم اصناف الكفرة والمؤمنين لا امة الاجابة والا فالخوف على المؤمنين ايضا فى نهاية المرتبة.

يقول الفقير الظاهر الثانى وهو ان المراد من الامة الاشقياء من اهل الجبابة دل عليه ارساله عليه السلام عينيه حين البيان وكذا بيان اصناف الاعمال من غير ادخال الكفر فيها اذ صور الكفرة اقبح مما ذكر فى الحديث على ما ذكر فى الاخبار الصحيحة ثم الحديث ذكره الثعلبى ونحوه فى التفاسير وقبلاه الطرفين ولا عبرة بما ذهب اليه ابن حجر من انه ظاهر الوضع فانه من الجهل بحقيقة الامر اذ يوم القيامة يوم ظهور الصفات كما دل عليه قوله تعالى يوم تبلى السرآئر ولا شك ان لكل صفة صورة مناسبة لها حسنة او قبيحة ولم نكره احد من العقلاء على انا وان سلمنا ان لفظ الحديث موضوع فمعناه صحيح مؤيد بالاخبار الصحيحة في أيها المؤمن لا تكن قاسى القلب كالحجر وكن ممن يتفجر من قلبه انهار الفيوض وينابيع الحكم واجتهد أن تكون ممن قيل فيه حفظت شيأ وغابت عنك اشياء فمن عباد اللّه المخلصين من يأخذ من اللّه بلا واسط الكتاب واسناده فانه مرتبة باقية الى يوم القيامة قل من وضع قدمه عليها فلذا كثر الانكار وأكب الناس على الرسوم والظواهر من غير اطلاع على الحقائق والبواطن نسأل اللّه تعالى أن يجعلنا من اهل معرفته.

١٩

{ وفتحت السماء } عطف على ينفخ بمعنى تفتح وصيغة الماضى للدلالة على التحقق اى شقت وصدعت من هبة اللّه بعد أن كان لا فطور فيها وبالفارسية وشكافته شود آسمان دران روز

{ فكانت } بس باشد ازبسارى شكاف

{ ابوابا } ذات البواب كثيرة لنزول الملائكة نزولا غير معتاد وهو المراد بقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام وهو الغمام الذى ذكر فى قوله تعالى هل ينتظرون الا أن يأتيهم اللّه اى امره وبأسه فى ظلل من الغمام والملائكة

وقيل المراد من التفح الكشف بازالتها من مكانها كما قال تعالى واذا السماء كشطت ومن الابواب الطرق والمسالك اى تكشط مكانها طرقا لا يسدها شئ.

٢٠

{ وسيرت الجبال } المسير هو اللّه تعالى كما قال ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة اى وسيرت الجبال فى الجو بتسيير اللّه وتسخيره على هيئاتها بعد قلعها عن مقرها وبالفارسية ورانده شود كوهها درهوا . وذلك عند حشر الخلائق بعد النفخة الثانية ليشاهدوها ثم يفرقها فى الهوآء وذلك قوله تعالى

{ فكانت سرابا } السراب ما تراه نصف النهار كأنه ماء قال اراغب هو اللامع فى المفازة كالماء لا نسرا به فى مرأى العين اى ذهابه وجريانه وكأن السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة اى فصارت بتسييرها مثل السراب اى شيأ كلا شئ لتفرق اجزائها وانبثات جواهرها كقوله تعالى وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا اى غبارا منتشرا وهى وان اندكت وانصدعت عند النفخة الاولى لكن تسييرها كالسحاب وتسوية الارض انما يكونان بعد النفخة الثانية قيل اول احوال الجبال الاندكاك والانكسار كما قال تعالى وحملتالارض والجبال فدكتا دكة واحدة وحالتها الثانية أن تصير كالعهن المنفوش وحالحتها الثالثة أن تصير كالبهاء وذلك بأن تنقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن كما قال فكانت هباء منبثا وحالتها الرابعة أن تنسف وتقلع من اصولها لانها مع الاحوال المتقدمة غارة فى مواضعها والارض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بارسال الرياح عليها وهو المراد من قوله فقل ينسفها ربى نسفا حالتها الخامسة ان الرياح ترفعها عن وجه الارض فتطيرها فى الهوآء كأنها غبار وهو المراد بقوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب اى تراها فى رأى العين ساكنة فى اماكنها والحال انها تمر مر السحاب التى تسيرها الرياح سيرا حثيثا وذلك ان الاجرام اذا تحركت نحو من الانحاء لا تكاد تتبين حركتها وان كانت فى غاية السرعة لا سيما من بعيد والحالة السادسة أن تصير سرابا يقول الفقير فيه اشارة الى ازالة انانية النفوس وتعيناتها فانها عند القيامة الكبرى التى هى عبارة عن الفناء فى اللّه تصير سرابا حتى اذا جئتها لم تجدها شيأ ولكن العوام المحجوبون اذا رأوا اهل الفناء يأكلون مما يأكلون منه ويشربون مما يشربون منه يظنون ان نفوسهم باقبة لبقاء نفوسهم لكنهم يظنون بهم الظن السواء اذ بينهم وبينهم بون بعيد قطعا وفاروق عظيم جدالاتهم ازالت رياح العناية والتوفيق جبال نفوسهم عن مقار أرض البشرية وجعلها اللّه متلاشية وفتحت سماء ارواحهم فكانت ابوابا كباب السر والخفى والأخفى فدخلوا من هذه الابواب الى مقام او أدنى فكانوا مع الحق حيث كان الحق معهم ثم نزلوا من هذه الابواب العالية الحقيقة الناظرة الى عالم الولاية فدخلوا فى ابواب العقل والقلب والمتخيلة والمفكرة والحافظة والذاكرة فكانوا فى مقام قاب قوسين مع الخلق حيث كان الخلق معهم فلم يحتجبوا بالخلق عن الحق الذى هو جانب الولاية ولا بالحق عن الخلق الذى هو جانب النبوة فكانوا فى الظاهر مصداق قوله تعالى يوحى الى فأين المحجوبون عن مقامهم وانى لهم ادراك شأنهم وحقيقة امرهم.

٢١

{ ان جهنم كانت مرصادا } اى انها كانت فى حكم اللّه وقضائه موضع رصد يرصد فيه ويرقب خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها فالمرصاد اسم للمكان الذى يرصد فيه كالنهاج اسم للمكان الذى ينهج فيه اى بسلك قال الراغب المرصاد موضع الرصد كالرصد لكن يقال للمكان الذى اختص بالترصد وقوله ان جهنم كانت مرصادا تنبيه على ان عليها مجاز الناس انتهى كأنه عمم المرصاد حيث ان الصراط محبس للاعدآء وممر للاولياء والاول اولى لان الترصد فى مثل ذلك المكان الهائل انما هو للتعذيب وهو للكفار والاشقياء.

٢٢

{ للطاغين } متعلق بمضمر هو اما نعت لمرصادا اى كائنا للطاغين وقوله تعالى

{ مأبا } بدل منه اى مرجعا يرجعون اليه لا محالة

واما حال من مأبا قدمت عليه لكونه نكرة ولو تأخرت لكانت صفة له قالوا الطاغى من طغى فى دينه بالكفر وفى دنياه بالظلم وهو فى اللغة من جاوز الحد فى العصيان والمراد هنا المشركون لما دل عليه ما بعده من الآيات وعدلهم لا يتناهى لكون اعتقادهم باطلا وكذا اذا لم يعتقدوا شيأ اصلا وان كان الاعتقاد صحيحا كالمؤمن العاصى فعذابه متناه.

٢٣

{ لابثين فيها } حال مقدرة من المستكن فى للطاغين اى مقدرين اللبث فيها واللبث أن يستقر فى المكان ولا يكاد ينفك عنه يقال لبعث بالمكان أقام به ملازما له

{ احقابا } ظرف للبثهم وهو جمع حقب وهو ثمانون سنة او اكثروا لدهر وزالسنة أو السنون كما فى القاموس وأصل الحقب من الترادف والتتابع يقال أحقب اذا أردف ومنه الحقيبة وهى الرفادة فى مؤخر القتب وكل ما شد فى مؤخر رحل او قتب فقد احتقب والمحقب المردف وفى تاج المصادر الاحقاب در حقيبه نهادن.

ومنه الحديث فأحقبها على ناقة اى أردفها على حقيقة الرحل والارداف ازبى فراشدن وازبى كسى در نشتن ودر نشاندن فمعنى احقابا دهورا متتابعة كلما مضى حقب تعبه آخر الى غير نهاية فان الحقب لا يكاد يستعمل الا لا يراد تتابع الازمنة وتواليها كما قال ابو الليث انما ذكر أحقابا لان ذلك كان ابعد شئ عندهم فذكر وتكلم بما يذهب اليه اوهامهم ويعرفونها وهو كناية عن التأبيد اى يمكثون فيها ابدا انتهى دل عليه ان عمر رضى اللّه عنه سأل رجلا من هجر من الاحقاب فقال ثمانون سنة كل يوم منها الف سنة انتهى فانهم انما يريدون بمثله التأبيد وكذا ما قال مجاهد ان الاحقاب ثلاثة واربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما واليوم ألف سنة من ايام الدنيا كما روى ابن عباس وابن عمر رضى اللّه عنه وكذا لوأريد بالحق الواحد سبعون ألف سنة اليوم منها ألف سنة كما روى عن الحسن البصرى رحمه اللّه وقال الراغب والصحيح ان الحقبة مدة من الزمان مهمة اى لا ثمانون عاما وكذا قال فى القاموس الحقبة بالكسر من الدهر مدة لا وقت لها انتهى والحاصل ان الاحقاب يدل على التاهى فهو وان كان جمع قلة لكنه بمنزلة جمع كثرة وهو الحقوب او بمنزلة الاحقاب المعرف بلام الاستغراق ولو كان فيه ما يدل على خروجهم منها فدلالته من قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على خلود الكفار كقوله تعالى يريدون ان يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم لان المنطوق راجح على المفهوم فلا يعارضه وقال ابو حيان المدة منسوخة بقوله فلن نزيدكم الا عذابا انتهى وسيأتى وجوه اخر.

٢٤

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٥

{ لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * الا حميما وغساقا } جملة مبتدأة ومعنى لا يذوقون لا يحسون والا فأصل الذوق وجود الطعم و ( قال الكاشفى ) يعنى نمى نمايند الان يكون ذلك باعتبار الشراب والذوق فى التعارف وان كان للقليل فهو صالح للكثير لوجود الذوق فى الكثير ايضا والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار والا فهم يذوقون فى جهنم برد الزمهرير اى بردا ينتفعون به ويميلون اليه فتنكيره للنوعية قال قتادة كنى بالبرد عن الروح لما بالعرب من الحر حتى قالوا برد اللّه عيشك اى طيبه اعتبارا بما يجد الانسان من اللذة فى الحر من البرد وقال الراغب اصل البرد خلاف الحرارة وبرد كذا اذا ثبت ثبوت البرد واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الجركة بالحر وبرد الانسان مات وبرده قتله ومنه السيوف لبوارد وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح او لما عرض له من السكون وقولهم للنوم برد اما لما يعرض له من البرد فى ظاهر جلده لان النوم يبرد صاحبه ألا ترى ان العطشان اذا نام سكن عطشه او لما يعرض له من السكون وقد علم ان النوم من جنس الموت وقوله تعالى لا يذوقون فيها بردا اى نوما حتى يستريحوا وبالفارسية تا آسايش يا بند وبرودت كسب كنند انتهى بزيادة والمراد بالشراب ما يسكن عطشهم والا بمعنى لكن والحميم الماء الحار الذى انتهى حره . وآن آبيست كه جون نزديك روى آرند كوشت روى دران رزيد وجون بخورد امعا واحشا باره باره شود . والغساق ما يغسق اى يسيل من جلود اهل النار ويقطر من صديدهم وقيحهم اخبر اللّه تعالى عن الطاغين بأنهم لا يذوقون فى جهنم شيأ ما من برد وروح ينفس عنهم حر النار ولا من شراب يسكن عطشهم ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا فالاستثناء منقطع وقال الزجاج لا يذوقون فيها برد ربح ولا برد ظل ولا برد نوم فجعل البرد برد كل شئ له راحة فيكون قوله ولا شرابا بمعنى ولا ماء باردا تخصيصا بعد التعميم لكماله فى الترويح فيكون مجموع البرد والشراب بمعنى المروح فيكون قوله الا حميما وغساقا مستثنى منقطعا من البرد والشراب وان فسر الغساق بالزمهرير فاستثناؤه من البرد فقط دون الشراب لان الزمهرير ليس بما يشرب كما ان استثناء حميما من الشراب والتأخير لتوافق رؤوس الآى ويؤيد الاول قوله عليه السلام ( لو أن دلوا من غساق بهراق فى الدنيا لانتن اهل الدنيا ) وان فسر بما يسيل من صديدهم فالاستثناء من الشراب وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه الغساق لون من ألوان العذاب وهو البرد الشديد حتى ان من عذاب الزمهرير يوما واحدا وقال شهرين حوشب الغساق واد فى النار فيه ثلاثمائة وثلاثون شعبا فى كل شعب ثلاثمائة وثلاثون بيتا فى كل بيت اربع زوايا فى كل زاوية شجاع كأعظم ما خلق اللّه من الخلق فى رأس كل شجاع سم والشجاع الحية هذا وقد جوز بعضهم أن يكون لا يذوقون حالا من المنوى فى لابثين لا كلاما مستأنفا اى لابثين فيها احقابا غير ذآئقين فيها شيأ سواهما ثم يبدلون بعد الاحقاب غير الحميم والغساق من جنش آخر من العذاب فيكون حالا متداخلة ويكون قوله احقابا ظرف لابثين المقيد بمضمون لا يذوقون وانتهاء هذا المقيد لا يستلزم انتهاء مطلق اللبث فهو توقيت للعذاب لا للمكث فى النار عن ابن مسعود رضى اللّه عنه لو علم اهل النار انهم يلبثون فى النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم اهل الجنة انهم يلبثون فى الجنة عدد حضى الدنيا لحزنوا وايضا يجوز ان يكون احقابا ظرفا منصوبا بلا يذوقون على قول من يرى تقديم معموم ما بعد لا عليهم لا ظرفا لقوله لابثين فحينئذ لا يكون فيه دلالة على تناهى اللبث والخروج حيث لم يكون احقابا ظرف اللبث وايضا يجوز أن يكون أحقابا ليس بظرف اصلا بل هو حال من الضمير المستكن فى لابثين بمعنى حقبين اى نكدين محرومين من الخير والبركة فى السكون والحركة على أن يكون جمع حقب بفتح الحاء وكسر القاف من حقب الرجل اذا حرم الرزق وحقب العام اذا قل خيره ومطره وقوله لا يذوقون فيها بردا تفسير لكدهم ولا يتوهم حينئذ تناهى مدة لبثهم فيها حتى يحتاج الى التوجيه هذا ما قالوه فى هذا المقام وروى عن عبد اللّه بن عمر وبن العاص رضى اللّه عنه انه قال سيأتى على جهنم يوم تصفق ابوابها اى يضرب بعضها بعضا وقد اسندت هذه الرواية الى ابن مسعود رضى اللّه عنه كما فى العرآئس ويروى عنه انه قال ليأتين على جهنم زمان تخفق ابوابها ليس فيها احد وذلك بعد ما يلبثون فيها احقابا وفى العرآئس ايضا وقال الشعبى حهنم اسرع الدارين عمر انا واسرعهما خرابا وفى الحديث الصحيح ينبت الجرجير فى قعر جهنم اى لانطفاء النار وارتفاع العذاب بمقتضى قوله سبقت رحمتى على غضبى كما فى شرح الفصوص لداود القبصرى والجرجير بالكسر بقلة معروفة كما فى القاموس وقال المولى الجامى رحمه اللّه فى شرح الفصوص ايضا اعلم ان لاهل النار الخالدين فيها كما يظهر فى كلام الشيخ رضى اللّه عنه وتابعيه حالات ثلاثا الاولى انهم اذا دخلوها تسلط علذاب على ظواهرهم وبواطنهم وملكهم الجزع والاضطراب فطلبوا أن يخفف عنهم العذاب او أن يقضى عليهم او أن يرجعوا الى الدنيا فلم يجابوا الى طلباتهم والثانية انهم اذا لم يجابوا الى طلباتهم وظنوا انفسهم على العذاب فعند ذلك رفع اللّه العذاب عن بواطنهم وخبت نار اللّه الموقدة التى تطلع على الافئدة والثالثة انهم بعد مضى الاحقاب ألفوا العذاب وتعودوا به ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ولم يتألموا به وان عظم الى أن آل أمرهم الى أن يتلذذوا به ويستعذبوه حتى لو هب عليهم نسيم من الجنة استكرهوه وتعذبوا به كالجعل وتأذيه برآئحة الورد عافانا اللّه وجميع المسلمين من ذلك والجعل بضم الجيم وفتح العين دويبة تكون بالروث والجمع جعلان بالكسر وقال المولى رمضان والمولى صالح الدين فى شرح العقائد قال بعض الاسلاميين كل ما اخبر اللّه فى القرءآن من خلود أهل الدارين حق لكن اذا ذبح كبش الموت بين الجنة والنار ونودى اهلهما بالخلود فيما ايس اهل النار من الخلاص فاعتادوا بالعذاب فلم يتألموا به حتى آل أمرهم الى أن يتلذذوا به ولو هب عليهم نسيم الجنة استكرهوه وتعذبوا به كالجعل يستطيب الروث ويتألم من الورد فيصدق حينئذ قوله تعالى ان اللّه يغفر الذنوب جميعا على عمومه لارتفاع العذاب عنهم ويصدق ايضا قوله تعالى لا يخفف عنهم العذاب لان المراد العذاب المقدر لهم وقال بعض الا كامل فكما اذا استقر اهل دار الجمال فيها يظهر عليهم اثر الجمال ويتذوقون به دآئما ابدا ويختفى جلال الجمال واثره بحيث يحسنه ولا يرونه ولا يتألمون به قطعا سرمدا فكذلك اذا استقر اهل دار الجلال فيها بعد مرورة الاحقاب يظهر على بواطنهم اثر جمال الجلال ويتذوقون به أبدا ويختفى عنهم اثر نار الجلال بحيث لا يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به سرمدا لكن ليس ذلك الا بعد انقطاع حراق النار بواطنهم وظواهرهم بمرور الاحقاب وكل منهم تحرقه النار ألف سنة من سنى الآخرة لشرك يوم واحد من ايام الدنيا والظاهر عيلهم بعد مرور الاحقاب هو الحال الذى يدوم عليهم أبدا وهو الحال الذى كانوا عليه فى الازل وما بينهما ابتلاآت رحمانية والابتلاء حادث قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون عفانا اللّه واياكم من دار البوار انتهى فهذه كلمات القوم فى هذه الآية ولا حرج فى نقلها ونحن لا نشك فى خلود الكفار وعذابهم أبدا فان كان لهم العذاب عذابا بعد مرور الاحقاب فقد بدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون كما ان المعتزلى يقطع فى الدنيا بوجوب العذاب لغير التائب ثم قد يبدوله فى الآخرة ما لم يكن يحتسبه من العفو وسئل الشيخ الامام مفتى الايام عز الدين ابن عبد السلام بعد موته فى منام رآه السائل ما تقول فيما كنت تنكر من وصول ما يهدى من النار من الكفار لا معارض له فبقى على عمومه وخلود أهل الكبائر له معارض فيحمل على المكث الطويل فاهل الظاهر والباطن متفقون على خلود الكفار سوآء كانوا فرعون وهامان ونمرودا وغيرهم وانما اختلفوا فى ارتفاع العذاب عن ظواهرهم بعد مرور الاحقاب وكل تأول بمبلغ علمه والنصر احق ان يتبع قال حجبة الاسلام الكفرة ثلاث فرق منهم من بلغه اسم نبينا عليه السلام وصفته ودعوته كالمجاورين فى دار الاسلام فهم الخالدون لا عذر لهم ومنهم من بلغه الاسم دون الصفة وسمع ان كذابا مسلما اسمه محمد ادعى النبوة ومنهم من لم يبلغه اسمه ولا رسمه وكل من هاتين الفرقتين معذور فى الكفر ونقل مثله عن الاشعرى كذا فى شرح العقائد لمصلح الدين قول المولى داود القيصرى فى شحر الفصوص الوعيد هو العذاب الذى يتعلق بالاسم المنتقم وتظهر احاكمه فى خمس طوآئف لا غير لان اهل النار اما مشرك أو كافر او منافق او عاص من المؤمنين وهو يقسم الى الموحد العارف الغير العامل والمحجوب وعند تسلط سلطان المنتقم عليهم يتعذبون بنيران الجحيم وانواع العذاب غير مخلدة على اهله لانقطاعه بشفاعة الشافعين وآخر من يشفع وهو أرحم الراحمين.

٢٦

{ جزآء وفاقا } اى جوروا بذلك جزآء وفاقا لاعمالهم واخلاقهم كأنه نفس الوفاق مبالغة او ذا وفاق لها على حذف المضاف او وافقها وفافا فيكون وفاقا مصدرا مؤكدا لفعله كجزآء والجملة صفة لجزآء وجه الموافقة بينهما انهم اتوا بمعصية عظيمة وهى الكفر فعوقبوا عقابا عظيما وهو التعذيب بالنار فكما انه لا ذنب اعظم من الشرك فكذا الاجزآء اقوى من التعذيب بالنار وجزآء سيئة سيئة مثلها فتوافقا

وقيل كان وفاقا حيث لم يزد على قدر الاستحقاق ولم ينقص عنه قال سعدى المفتى اعلم ان الكفار لما كان من نيتهم الاستمرار على الكفر كما سيشير اليه قوله تعالى انهم كانوا لا يرجون حسابا اذ معناه انهم كانوا مستمرين على الكفر مع عدم توقع الحساب فوافقه عدم تناهى العذاب واللبث فيها احقابا بعد احقاب ولما كانوا مبدلين التصديق الذى يروح النفس ويثلج به الصدر بالتكذيب الذى هو ضده جوزوا بالحميم والغساق بدل ما يجعل للمؤمنين مما يروحهم من برد الجنة وشرابها وللمناسبة بين الماء والعلم يعبر الماء فى الرؤيا بالعلم وقال بعض اهل الحقائق ان جهنم الطبيعة الحيوانية يرصد فيها القوى البشرية وهى خزنة جهنم طبيعة ارباب النفوس الامارة والهوى المتبع للظالمين على نفوسهم بالاهوية والبدع والاباحة والزندقة والاتحاد والحلول والفضول مآبا لابثين فيها احقابا الى وقت الانسلاخ عن حكم البشرية والتلبس ملابس الشريعة وخلع الطريقة والحقيقة لا يذوقون فيها برد اليقين برفع الحجاب عن وجه بشريتهم ولا شراب المحبة لانهماكهم فى محبة الدنيا بسبب جهنم الطبيعة الا حميما وغساقا يسيل من صديد طبيعتهم وقال القاشانى الا حميما من اثر الجهل المركب وغساقا من ظلمة هيئات محبة الجواهر الفاسفة والميل اليها جزآء موافقا لما ارتكبوه من الاعمال وقدموه من العقائد والاخلاق وذلك العذاب لفساد العمل والعلم فلم يعملوا صالحا رجاء الجزآء ولم يعلموا علما صالحا فيصدقوا بالآيات.

٢٧

{ انهم كانوا لا يرجون حسابا } تعليل لاستحقاقهم الجزآء المذكور وبيان لفساد قوتهم العملية اى كانوا ينكرون الآخرة ولا يخافون ان يحاسبوا باعمالهم فلذا كانوا يقدمون على جميع المنكرات ولا يرغبون فى شئ من الطاعات وفسر الرجاء بالخوف لان الحساب من اصعب الامور على الانسان والشئ الصعب لا يقال فيه انه يرجى بل يقال انه يخاف ويخشى.

٢٨

{ وكذبوا } بيان لفساد قوتهم النظرية

{ بآياتنا } الناطقة بذلك وفى بعض التفاسير بآياتنا القولية والفعلية الظاهرة على ألسنة الرسل وايديهم

{ كذابا } اى تكذيبا مفرطا ولذلك كانوا مصرين على الكفر وفنون المعاصى فعوقبوا بأهوال العقاب جزآء وفاقا وفعال من باب فعل شائع فيما بين الفصحاء مطرد مثل كلم كلاما قال صاحب الكشاف وسمعنى بعضهم افسر آية فقال لقد فسرتهافسارا ما سمع بمثله

قال بعضهم وابدل من احد حرفى تضعيف بعض الاسماء ياء لئلا يلتبس بهذا المصدر المشدد مثل الدينار فان اصله الدنار ومثل السينات فى قول عمر بن عبد العزيز لكاتبه فى بسم اللّه طول الباء واظهر السينات ودور الميم فان اصله السنات جمع السن لا جمع السين لانه ليس فى البسملة الا سين واحدة ويجوز ان يقال عبر عن السن بالسين مبالغة كأنه قيل اجعل سنه كسينه فى الاظهار كما ذهب اليه الشريف.

٢٩

{ وكل شئ } اى واحصينا كل شئ من الاشياء التى من جملتها اعمالهم فانتصابه بمضمر يفسره قوله

{ احصيناه } اى حفظناه وضبطناه وذلك اى انتصابه بالاضمار على شريطة التفسير هو الراجح لتقدم جملة فعله ولا يضره كون هذه الجملة معترضة كما سيجئ او لان المقصود المهم هنا الاخبار عن الاحصاء لا الاخبار عن كل شئ

{ كتابا } مصدر مؤكد لاحصيناه من غير لفظه لما ان الاحصاء والكتابة من واد واحد أى يتشار كان فى معنى الضبط فكأنه قال وكل شئ احصيناه احصاء مساويا فى القوة والثبات بالعلم المقيد بالكتابة او كتبناه كتابا واثبتناه اثباتا ويجوز ان يكون منالاحتباك حذف فعل الثانى بقرينة الاول ومصدر الاول بقرينة لاثانى اى احصيناه احصاء وكتبناه كتابا او هو اى كتابا حال بمعنى مكتوبا فى اللوح وفى صحف الحفظة والجملة اعتراض لتوكيد كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات بانهما محفوظان للمجازاة قال القاشانى وكل شئ من صور اعمالهم وهيئات عقائدهم ضبطناه ضبطا بالكتابة عليهم فى صحائف نفوسهم وصحائف النفوس السماوية.

٣٠

{ فذوقوا } بس بجشيد عذاب دوزخ

{ فلن نزيدكم الا عذابا } فوق عذابكم والفاء فى فذوقوا جزآئيه دالة على ان الامر بالذوق مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات ومعلل به فيكون وكل شئ الخ جملة معترضة بين السبب ومسببه تؤكد كل واحد من الطرفين لانه كما يدل على كون معاصيهم مضبوطة مكتوبة يدل على ان ما يتفرع عليها من العذاب كائن لا محالة مقدر على حسب استحقاقهم به وفى الالتفات المنبئ عن التشديد فى لاتهديد وايراد لن المفيدة لكون ترك الزيادة من قبيل ما لا يدخل تحت الصحة من الدلالة على تبالغ الغضب مالا يخفى وقد روى عن النبى صلى عليه السلام ان هذه الآية اشد ما فى القرءآن على اهل النار اى لان فيها الاياس من الخروج فكلما استغاثوا من نوع من العذاب اغيثوا وهذا لا يخالف قوله تعالى ولا يكلمهم اللّه لان المراد بالمنفى التكلم باللطف والاكرام لا بالقهر والجلال فان قيل هذه الزيادة ان كانت غيره مستحقة كانت ظلما وان كانت مستحقة كان تركها فى اول الامر احسانا والكريم لا يليق به الرجوع فى احسانه فالجواب انها مستحقة ودوامها زيادة لثقل العذاب وايضا ترك المستحق فى بعض الاوقات لا يوجب الابرآء والاسقاط حتى يكون ايقاعه بعده رجوعا فى الاحسان وايضا كانوا يزيدون كفرهم وتكذيبهم واذيتهم للرسول عليه السلام واصحابه رضى اللّه عنهم فيزيد اللّه عذابهم لزيادة الاستحقاق فلا ظلم فان قيل قوله فذوقوا الخ تكرار لانه ذكر سابقا انهم لا يذوقون الخ قلنا انه تكرار لزيادة المبالغة فى تقرير الدعوى وهو كون العاقب جزآء وفاقا.

٣١

{ ان للمتقين مفازا } شروع فى بيان محاسن احوال المؤمنين اثر بيان سوء احوال الكفرة على ما هو العادة القرآءنية ووجه تقديم بيان حالهم غنى عن البيان اى ان للذين يتقون الكفر وسائر القبائح من اعمال الكفرة فوزا وظفرا بمباغهم دل على هذا المعنى تفسيره بما بعده بقوله حدآئق الخ او موضع فوز فالمفاز على الاول مصدر ميمى وعلى الثانى اسم مكان فان قيل الخلاص من الهلاك اهم من الظفر باللذات فلم اهمل الاهم وذكر غير الاهم قلنا لان الخلاص من الهلاك لا يستلزم الفوز بالنعيم لكونه حاصلا لاصحاب الاعراف مع انهم غير فائزين بالنعيم بخلاف الفوز بالنعيم فانه يستلزم الخلاص من هلاك فكان ذكره اولى.

٣٢

{ حدآئق واعنابا } اى بساتين فيها انواع الاشجار المثمرة وكروما وهو تخصيص بعد التعميم لفضلها قوله حدآئق بدل من مفازا بدل الاشتمال ان كان مصدرا ميميا لان الفوز يدل عليه دلالة التزامية او البعض ان جعل مكانا جمع حديقة وهى الروضة ذات الاشجار ويقال الحديقة كل بستان عليه حائط أى جدار وفيه من النخل والثمار وفى المفردات الحديقة قطعة من الارض ذات ماء سميت تشبيها بحدقة العين فى الهيئة وحصول الماء فيها والاعناب جمع عنب بالفارسية انكور.

قال بعضهم ذكر نفسها ولم يذكر شجرها وهو الكرم لان زيادة الشر فيها لا فى شجرها.

٣٣

{ وكواعب } جمع كاعب يقال كعبت المرأة كعوبا ظهر ثديها وارتفع ارتفاع الكعب اى نساء عذارى فلكت ثديهن اى استدارت وصارت كالكعب فى النتوء يقال فلك ثدى الجارية تفليكا اى استدار كلفلكة المغزل ويقال لهن النواهد جمع ناهد وناهدة وهى المرأة كعب ثديها وبدا للارتفاع

{ اترابا } لدات اى مستويات فى السن ولدة الرجل تربه وقرينه فى السن والميلاد والهاء عوض عن الواو الذاهبة من اوله لانه من الولادة قال الرغب اى لدات ينشأن معا تشبيها فى التساوى والتماثل بالترآئب التى هى ضلوع الصدر ولوقعهن على الارض مع . در تفسير زاهدى آورده كه شانزده ساله باشند ومردان سى وسه ساله ودرا كثر تفاسير هست كه اهل بهشت اززنان ومردان سى وسه ساله خواهندبود.

والظاهر ما فى تفسير الزاهدى وهو كونهن بنات ست عشرة لكونها نصف سن الرجال وايضا دل عليه الوصف بالكعوب وهو اترفاع ثديهن والمراد انهن بالغات تمام كمال النساء فى الحسن واللطافة والصلاح للمصاحبة والمعاشرة بحيث لا يكون فى سن اصغر حتى تضعف الشهوة لهن ولا فى سن الكبر حتى تنكسر الشهوة عنهن بل روآء الشباب اى ماؤه جار فيهن لم يشبن ولم يتغير عن حد الحسن حسنهن وانما ذكرن لان بهن نظام الدنيا ولطافة الآخرة من جهة التنعم الجسمانى.

٣٤

{ وكأسا دهاقا } اى مملوءة بالخمر فدهاقا بمعنى مدهقة وصفت به الكأس للمبالغة فى امتلائها يقال ادهق الحوض ودهقه ملأه.

٣٥

{ لا يسمعون } اى المتقون

{ فيها } اى فى الحدآئق

{ لغوا ولا كذابا } اى لا ينطقون بلغو وهو ما يلغى ويطرح لعدم الفائدة فيه ولا يكذب بعضهم بعضا حتى يسمعوا شيأ من ذلك بخلاف حال اهل الدنيا فى مجالسهم لا سيما عند شربهم قال بعض اهل المعرفة لا يسمعون فيها كلاما الا من الحق فان من تحقق بالحق لا يسمعه الحق الا منه ولا يشهده سواه فى الدنيا والآخرة.

٣٦

{ جزآء من ربك } مصدر مؤكد منصوب بمعنى ان للمتقين مفازا فانه فى قوة ان يقال جازى المتقين بمفاز جزآء عظيما كائنا من ربك على ان التنوين للتعظيم

{ عطاء } اى تفضلا واحسانا منه تعالى اذ لا يجب عليه شئ وذلك ان اللّه تعالى جعل الشئ الواحد جزآء وعطاء وهو غير ظاهر لان كونه جزآء يستدعى ثبوت الاستحقاق وكونه عطاء يستدعى عدم الاستحقاق فالجمع بينهما جمع بين المتنافيين لكن ذلك الاستحقاق انما يثبت بحكم الوعد لا من حيث ان الطاعة توجب الثواب على اللّه فذلك الثواب بالنظر الى وعده تعالى اياه بمقابلة الطاعة يكون جزآء وبالنظر الى انه لا يجب على اللّه لا حد شئ يكون تفضلا وعطاء وهذا بمقابلة قوله جزآء وفاقا لان جزآء المؤمنين من قبيل الفضل لتضاعفه وجزآء الكافرين من قبيل العدل وهو بدل من جزآء بدل الكل من الكل لان العطاء والجزآء متحدان ذاتا وان تغايرا فى المفهوم وفى جعله بدلا من جزآء نكته لطيفة وهى ان بيان كونه عطاء تفضلا منه هو المقصود وبيان كونه جزآء وسبلة اليه فان حق البدل ان يكون مقصودا بالنسبة وذكر المبدل منه وسيلة اليه

{ حسابا } صفة لعطاء بمعنى كافيا على انه مصدر اقيم مقام الوصف اى محسبا

وقيل على حسب اعمالهم بأن يجازى كل عمل بما وعد له من الاضعاف من عشرة وسبعمائة وغير حساب فما وعده اللّه من المضاعفة داخل فى الحسب اى المقدار لان الحسب بفتح السين وسكونها بمعنى القدر والتقدير على هذا عطاء بحساب فحذف الجار ونصب الاسم قال بعضه اهل المعرفة اذا كان الجزآء من اللّه لا يكون له نهاية لانه لا يكون على حد الاعواض بل يكون فوق الحد لانه ممن لا حد له ولا نهاية فعطاؤه لا حد له ولا نهاية وقال بعضهم العطاء من اللّه موضع الفضل لا موضع الجزاء فالجزىء على الاعمال والفضل موهبة من اللّه يختص به الخواص من اهل وداده وفى التأويلات النجمية ان للمتقين الذين يتقون عن نفوسهم المظلمة المدلهمة باللّه وصفاته وأسمائه مفازا اى فوز ذات اللّه وصفاته حدآئق روضات القلوب المنزهة الارضية واعنابا اشجار المعانى والحقائق الثمرمرة عنب خمر المحبة الذاتية الخامرة عين العقل عن شهود الغير والغيرية وكواعب اترابا ابكارا اللطائف والمعارف وكأسا دهاقا مملوءة من شراب المحبة وخمر المعرفة لا يسمعون فيها لغوا من الهواجس النفسانية ولا كذابا من الوساوس الشيطانية جزآء من ربك عطاء حسابا اى فضلا تاما كافيا من غير عمل وقال القاشانى ان للمتقين المقابلين للطاغين المتعدين فى افعالهم حد العدالة مما عينه الشرع والعقل وهم المتنزلون عن الرذآئل وهيئات السوء من الافعال مفازا فوزا ونجاة من النار التى هى مآؤ الطاغين حدآئف من جنان الاخلاق واعنابا من ثمرات الافعال وهيئاتها وكواعب من صور آثار الاسماء فى جنة الافعال اترابا متساوية فى الترتيب وكأسا من لذة محبة الآثار مترعة ممزوجة بالزنجبيل والكافور لان اهل جنة الآثار والافعال لا مطمح لهم الى ما ورآءها فهم محجبون بالآثار عن المؤثر وبالعطاء عن المعطى عطاء حسابا كافيا يكفيهم بحسب هممهم ومطامح ابصارهم لانهم لقصور استعداداتهم لا يشتاقون الى ما ورآء ذلك فلا شئ ألذ لهم بحسب اذواقهم مما هم فيه.

٣٧

{ رب السموات والارض وما بينهما } بدل من ربك والمراد رب كل شئ وخالقه ومالكه

{ الرحمن } مفيض الخير والجود على كل موجود بحسب حكمته وبقدر استعداد المرحوم وهو بالجر صفة للرب

وقيل صفة للاول واياما كان ففى ذكر ربوبيته تعالى للكل ورحمته الواسعة اشعار بمدار الجزآء المذكور قال القاشانى اى ربهم المعطى اياهم ذلك العطاء هو الرحمن لان عطاياهم من النعم الظاهرة الجليلة دون الباطنة الدقيقة فمشربهم من اسم الرحمن دون غيره وفى التاويلات النجمية رب سموات الارواح وارض النفوس وما بينهما من السر والقليب واقواهما الروحانية هو الرحمن اى الموصوف بجميع الاسماء والصفات الجمالية والجلالية لوقوعه بين الاللّه الجامع وبين الرحيم فله وجه الى الالوهية المشتملة على القهر وله ايضا وجه الى الرحيم الجمالى المحض

{ لا يملكون منه خطابا } استئناف فمقرر لما افادته الربوبية العامة من غاية العظمة والكبرياء واستقلاله تعالى بما ذكر من الجزآء والعطاء من غير أن يكون لاحد قدرة عليه وضمير لا يملكون لاهل السموات والارض ومن فى منه صلة للتأكيد على طريقة قولهم بعث منك ان بعتك يعنى ان صلة خطابا قدم عليه فانقلب بيانا والمعنى لا يملكون ان يخاطبوه تعالى من تلقاء انفسهم كما ينبئ عنه لفظ الملك اذ المملوك لا يستحق على مالكه شيأ خطابا ما فى شئ ما لتفرده بالعظمة والكبرياء وتوحده فى ملكه بالامر والنهى والخطاب والمراد نفى قدرتهم على ان يخاطبوه تعالى بشئ من نقض العذاب وزيادة الثواب من غير اذنه على ابلغ وجه وأكده كانه قيل لا يملكون ان يخاطبوه بما سبق من الثواب والعقاب وبه يحصل الارتباط بين هذه الآية وبين ما قبلها من وعيد الكفار ووعد المؤمنين ويظهر منه ان نفى ان يملكوا خطابه لا ينافى الشفاعة باذنه قال القاشانى لانهم اى اهل الافعال لم يصلوا الى مقام الصفات فلاحظ لهم من المكالمة.

٣٨

{ يوم يقوم الروح والملائكة صفا } اخر الملائكة هنا تعميما بعد التخصيص واخر الروح فى القدر تخصيصا بعد التعميم فالظاهر أن الروح من جنس الملائكة لكنه اعظم منهم خلقا ورتبة وشرفا اذ هو بمقابلة الروح الانسانى كما ان الملائكة بمقابلة القوى الروحانية ولا شك ان الروح اعظم من قواه التابعة له كالسلطان مع امرآئه وجنده ورعاياه وتفسيره الروح بجبريل ضعيف وان كان هو مشتهرا بكونه روح القدس والروح الامين اذ كونه روحا ليس بالنسبة الى ذاته والا فالملائكة كلهم روحانيون وان كانوا اجساما لطيفة غير الارواح المهيمة وانما هو بالنسبة الى كونه نافخ الروح وحامل الوحى الذى هو كالروح فى الاحياء وقد اتفقوا على ان اسرافيل اعظم من جبريل ومن غيره فلو كان احد يقوم صفا واحدا لكان هو اسرافيل دون جبراآئيل واللّه اعلم بمراده من الروح وان اختلفت الروايات فيه هذا ما لاح لى فى هذا المقام بعون الملك اللام وصفا حال اى مصطفين لكثرتهم وقيامهم بما امر اللّه فى امر العباد

وقيل هما صفان الروح صف والملائكة صف

وقيل صفوف وهو الاوفق لقوله تعالى والملائكة فا صفا ويوم ظرف لقوله تعالى

{ لا يتكلمون } وقوله تعالى

{ الا من اذن له الرحمن وقال صوابا } بدل من ضمير لا يتكلمون العائد الى اهل السموات والارض الذين من جملتهم الروح والملائكة وهو أرجح لكون الكلام غير موجب والمستثنى منه مذكور وفى مثله يختار البدل على الاستثناء وذكر قيامهم وصطفافهم لتحقيق عظمة سلطانه تعالى وكبرياء ربوبيته وتهويل يوم البعث الذى عليه مدار الكلام من مطلع السورة الى مقطعها والجملة استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى لا يتكلمون الخ ومؤكد له على معنى ان اهل السموات والارض اذ لم يقدروا يومئذ على ان يتكلموا بشئ من جنس الكلام الا من اذن اللّه له منهم فى التكلم وقال ذلك المأذون له قولا صوابا اى حقا صادقا او واقعا فى محله من غير خطأ فى قوله فكيف يملكون خطاب رب العزة مع كونه اخص من مطلق الكلام واعز منه مراما

وقيل الا من اذن الخ منصوب على اصل الاستثناء والمعنى لا يتكلمون الا فى حق شخص اذن له الرحمن وقال ذلك الشخص صوابا اى حقا هو التوحيد وكلمة الشهادة دون غيره من اهل الشرك فانه مما يقولوا فى الدنيا صوابا بل تفقهوا بكلمة الكفر والشرك واظهار الرحمن فى موقع الاضمار للايذان بأن مناط الاذن هو الرحمة البالغة لان احدا يستحقه عليه تعالى وفى عرآئس البقلى من كان كلامه فى الدنيا من حيث الاحوال والاحوال من حي الوجد والوجد من حيث الكشف والكشف من حيث المشاهدة والمشاهدة من حيث المعاينة فهو مأذون فى الدنيا والآخرة يتكلم مع الحق على بساط الحرمة والهيبة ينقذ اللّه به الخلائق من ورطة الهلاك قال ابن عطاء الخالص ما كان لله والصواب ما كان على وجه السنة وقال بعضهم انما تظهر الهيبة على العموم لاهل الجمع فى ذلك اليوم

واما الخواص واصحاب الحضور فهم ابدا بمشهد العز بنعت الهيبة وفيه اشارة الا ان الاسرار والقلوب وقواهم الكائنين بين سموات الارواح وبين ارض النفوس لا يملكون أن يخاطبوا الحق فى شفاعة النفس الامارة والهوى المتبع بسبب لحمة النسب الواقع بينهم اذ الكل اولاد الروح والقالب كما لم يملك نوح عليه السلام أن يخاطب الحق فى حق ابنه كنعان بمعنى انه لم يقدر على انجائه اذ جاء الخطاب بقوله فلا تسألن ما ليس لك به علم.

٣٩

{ ذلك } اشارة الى يوم قيامهم على الوجه المذكور ومحله الرفع على الابتدآء خبره ما بعده اى ذلك اليوم العظيم الذى يقوم فيه الروح والملائكة مصطفين غير قادرين هم ولا غير هم على التكلم من الهيبة والجلال

{ اليوم الحق } اى الثابت المتحقق لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه وذلك لانه متحقق علما فلا بد أن يكون متحققا وقوعا كالصباح بعد مضى الليل وفيه اشارة الى انه واقع ثابت فى جميع الاوقات والاحايين ولكن لا يبصرون به لاشتغالهم بالنفس الملهية وهواها الشاغل

{ فمن شاء اتخذ الى ربه مآبا } القاء فصيحة تفصح عن شرط محذوف ومفعول المشيئة محذوف لوقوعها شرطا وكن مفعولها مضمون الجزآء وانتفاء الغرابة فى تعلقه بها حسب القاعدة المستمرة والى ربه متعلق بمآ باقدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل كأنه قيل واذا كان الامر كما ذكر من تحقق اليوم المذكور لا محالة فمن شاه أن يتخذ مرجعا الىة ثواب ربه الذى ذكر شأنه العظيم فعل ذلك بالايمان والطاعة وقال قتادة مآبا اى سبيلا وتعلق الجاريه لما فيه من معنى الاقتضاء والايصال وفى التأويلات النجمية مآبا اى مرجعا ورجوعا من الدنيا الى الآخرة ومن الآخرة الى رب الدنيا والآخرة لانهما حرامان على اهل اللّه.

٤٠

{ انا انذرناكم } اى بما ذكر فى السورة من الآيات الناطقة بالبعث وبما بعده من الدواعى او بها وبسائر القوارع الواردة فى القرءآن والخطاب لمشركى العرب وكفار قريش لانهم كانوا ينكرون البعث وفى بعض التفاسير الظاهرة عموم الخطاب كعموم من لان فى انذار كل طائفة فائدة لهم

{ عذابا قريبا } هو عذاب الآخرة وقربه لتحقق اتيانه حتما ولانه قريب بالنسبة اليه تعالى وممكن وان رأوه بعيدا وغير ممكن فيرونه قريبا لقوله تعالى كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشيةاو ضحاها وقال بعض اهل المعرفة العذاب القريب هو عذاب الالفتات الى النفس والدنيا والهوى وقال الشاقانى هو عذاب الهيئات الفاسقة من الاعمال الفسادة دون ما هو أبعد من عذاب القهر والسخط وهو ما قدمت ايديهم

{ يوم ينظر المرء ما قدمت يداه } تنثية اصلها يدان سقطت نونها بالاضافة ويوم بدل من عذابا او ظرف لمضمر هو صفة له اى عذابا كائنا يوم ينظر المء اى يشاهد ما قدمه من خيرأ يعنى بازيابد كردارهاى خودرا ازخير وشر . على ان ما موصولة منصوبة بينظر لانه يتعدى بنفسه وبالى والعائد محذوف اى قدمته او ينظر اى شئ قدمت ياده على انها استفهامية منصوبة بقدمت متعلقة بينظر فالمرء عام للمؤمن والكافر لان كل احد يرى عمله فى ذلك اليوم مثبتا فى صحيفته خيرا كان او شرا فيرجوا المؤمن ثواب اللّه على صالح عمله ويخاف العقاب على سيئه

واما الكافر فكما قال اللّه تعالى

{ ويقول الكافر يا ليتنى } اى يا قوم فالمنادى محذوف ويجوز أن يكون بالمحض التحسر ولمجرد التنبيه من غير قصد الى تعيين المنبه وبالفارسية اى كاشكى من

{ كنت ترابا } فى الدنيا فلم اخلق ولم اكلف وهو فى محل الرفع على انه خبر ليت او ليتنى كنت ترابا فى هذا اليوم فلم ابعث كقوله يا ليتنى لم اوت كتابيه الى أن قال يا ليتها كانت القاضية

وقيل يحشر اللّه الحيوان فيقتص للجماء من القرناء نطحتها اى قصاص المقابلة لا قصاص التكليف ثم يرده ترابا فيود الكافر حاله كما قال عليه السلام ( لتؤدن الحقوق الى اهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء ) وهذا صريح فى حشر ابهائم وعادتها القصاص المقابلة لا للجزآء ثوابا وعقابا

وقيل الكافر ابليس يرى آدم وولده وثابهم فيتمنى أن يكون الشئ الذى احتقره حين قال خلقتنى من نار وخلقته من طين يعنى ابليس آدم را دران روز كرامت آدم وثواب فرزندان مؤمن او مشاهده نمايد وعذاب وشدت خودرا بينذ آرزو بردكه كاشكى من ازخاك بودمى ونسبت بآدم داشتمى اى درويش اين دبدبه وطنطنه كه خاكيا نراست هج طبقة ازطبقات مخلوقا ترا نيست

خاك راخوار وتيره ديد ابليس ... كرد انكارش آن حسود خسيس

ماند غافل زنور باطن او ... نشدا كه زسر كامل او

بهر كنجى كه هست دردل خاك ... اين صدا داده اند در افلاك

كه بجز خاك نيست مظهر كل ... خاك شو خاك تابرويد كل

واما مؤمنوا الجن فلهم ثواب وعقاب فلا يعودونه ترابا وهو الاصح فيكون مؤمنوهم مع مؤمنى الانس فى الجنة او فى الاعراف ونعيمهم ما يناسب مقامهم ويكون كفارهم مع كفار الانس فى النار وعذابهم بما يلائم شانهم

وقيل هو تراب سجدة المؤمن تنطفئ به عنه النار وتراب قدمه عند قيامه فى الصلاة فيتمنى الكافر أن يكون تراب قدمه وفى التأويلات النجمية يوم ينظر المرء ما قدمت يد قلبه ويد نفسه من الاحسان والاساءة وقول كافر النفس الساتر للحق يا ليتنى كنت ترابا اقدام الروح والسر والقلب متذللة بين يديهم مؤتمرة لاوامرهم ونواهيهم ( وفى كشف الاسرار ) از عظمت آن روز است كه بيست وجهار ساعت شبانروز دنيارا بر مثال بيست وجهار خزانه حشر كنند ودرعرصات قسامت حاضر كرداننديكان يكان خزانه ميكشايند وبربنده عرض ميدهندازان خزانه بكشايند بربها وجمال ونور وضيا وآن آن ساعتست كه بنده ررخيرات وحسنات وطاعات بود بنده جون حسن ونور بهاى آن بيند جندان شادى وطرب واهتزاز بروغالب شود كه اكر انرا بر جملهء دوزخيان قسمت كننداز دهشت آن شادى الم ودرد اتش فراموش كنند خزانهء ديكر بكشايند تاريك ومظلم برنتن ووحشت وآن آن ساعتست كه بنده در معصيت بوده وحق ازره ظلمت ووحشت آن كردار درآيد جندان فزع وهول ورنج وغم اورا فروكيردكه اكر بركل اهل بهشت قسمت كنند نعيم بهشت برايشان منغص شود خزانه ديكر بكشايند حالى درونه طاعت بود كه سبب شادى است نه معصيت كه موجب اندوهست وآن ساعتى است كه بنده در وخفته باشد يا غافل يا بمبا حات دنيا مشغول وبروعرضه ميكنند از ان ساعت كه درطاعت كرده شاد ميكردد وازان ساعت كه درو معصيت كرده رنجور ميشود وبرساعتى كه مهمل كذاشته حسرت وغبن ميخورد وجون كار مؤمن مقصر دران روز اين باشد بس قياس كن كه حال كافر جكونه باشد درحسرت وندامت وآه وزارى.

روى ابى بن كعب رضى اللّه عنه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( من قرأ عم يتساءولون سقاه اللّه برد الشراب يوم لقيامة ) وعن ابى الدردآء رضى اللّه عنه قال قال النبى عليه السلام ( تعلموا سورة عما يتساءلون عن النبأ العظيم وتعلموا ق والقرآن المجيد والنجم اذا هوى والسماء ذات البروج والسماء والطارق فانكم لو تعلمون ما فيهن لعطلتم ما أنتم عليه وتعلمتموهن وتقربوا الى اللّه بهن ان اللّه يغفر بهن كل ذنب الا الشرك باللّه )

وعن ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه قال قلت يا رسول اللّه قد أسرع اليك الشيب قال شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون واذا الشمس كورت الكل فى كشف الاسرار وفيه اشارة الى ان من تعلم هذه السور ينبغى له ان يتعلم معانيها ايضا اذ لا يحصل المقصود الا به وتصريح بان هم الآخرة ومطالعة الوعيد واستحاضره يشيب الانسان ولذا ذم الحبر السمين والقرئ السمين از لم يكن سمينا الا بالذهول عما قرأه ولو استحضره وهم به لشاب من همه وذاب من غمه لان الشحم مع الهم لا ينعقد قال الشافعى رحمه اللّه ما أفلح سمين قط الا أن يكون محمد بن الحسن فقيل له ولم قال لانه لا يخلو العاقل من احداى حالتين اما أن يهم لآخرته ومعاده او لدنياه ومعاشه والشحم مع الهم لا ينعقد فاذا خلا من المعنين صار فى حد البهائم بعقد الشحم.

﴿ ٠