سُورَةُ النَّازِعَاتِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ آيَةً

١

{ والنازعات غرقا } الواو للقسم والقسم يدل على عظم شأن المقسم به ولله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيها على ذلك العظم والنازعات جمع نازعة بمعنى طائفة من الملائكة نازعة فأنتثت صفة الملائكة باعتبار كونهم طائفة ثم جمعت تلك الصفة فقيل نازعات بمعنى طوائف من الملائكة نازعات وقس عليه الناشطات نحوه والافكان الظاهر أن يقال والنازعين والناشطين والنزع جذب الشئ من مقره بشدة والغرق مصدر بحذف الزوائد بمعنى الاغراق وهو بالفارسية غرقه كردن وكمان رزور كشيدن.

والغرق الرسوب فى الماء وفى البلاء فهو مفعول مطلق للنازعات لانه نوع من النزع فيكون شرطه موجودا وهو اتفاق المصدر مع عامله والاغراق فى النزع التوغل فيه والبلوغ الى اقصى درجاته يقال أغرق النازع فى القاموس اذا بلغ غابة المد حتى انتهى الى النصل أقسم اللّه بطوآئف الملائكة التى تنزع ارواح الكفار من اجسادهم اغراقا فى النزع يعنى جان كافران بستختى نزع ميكنند.

وايضا يتمزعونها منهم معكوسا من النامل والاظفار ومن تحت كل شعرة كما تنزع الاشجار المتفرقة العروق فى اطراف الارض وكما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول وكما يسلخ جلد الحيوان وهو حى وكما يضرب الانسان ألف شربة بالسيف بل اشد والملائكة وهم ملك الموت واعوانه من ملائكة العذاب يطعنونهم بحربة مسمومة بسم جهنم والميت يظن أن بطنه قد ملئ شوكا وكأن نفسه تخرج من ثقب ابره وكأن اسماء انطبقت على الارض وهو بينهما فاذا نزعت نفس الكافر وهى ترعد اشبه شئ بالزئبق على قدر النحلة وعلى صورة عمله تأخذها الزبانية ويعذبونها فى القبر وفى سجين وهو العذاب الروحانى ثم اذا قامت القيامة انضم الجسمانى الى الروحانى فقوله والنازعات غرقا اشارة الى كيفية قبض ارواح الكفار بشهادة مدلول اللفظ.

٢

{ والناشطات نشطا } قسم آخر معنى بطريق العطف والنشط جذب الشئ من مقره برفق ولين ونصب نشطا على المصدرية اقسم اللّه بطوآئف الملائكة التى تنشط ارواح المؤمنين اى تخرجها من ابدانهم برفق ولين كما تنشط الدوا من البئر يقال نشط الدلو من البئر ذا أخرجها وكما تنشط الشعرة من السمن وكما تنسل القطرة من السقاء وهم ملك الموت واعوانه من ملائكة الرحمة ونفس المؤمن وان كانت تجذب من اطراف البنان ورؤس الاصابع ايضا لكن لا يحس بالألم كما يحس به الكافر وايضا نفس المؤمن ليس لها شدة تعلق بالبدل كنفس الكافر لكونها منجذبة الى عالم القدس وانما يشتد الامر على انه لا لتعلق دون اهل التجرد خصوصا اذا كان ممن مات بالاختيار قبل الموت وايضا حين يجذبونها يدعونها احيانا حتى تستريح وليس كذلك ارواح الكفار فى قبضها لكن ربما يتعرض الشيطان للمؤمن الضعيف اليقين والقاصر فى العمل اذا بلغ الروح التراقى فيأنيه فى صورة ابيه وامه واخيه او صديقه فيأمره باليهودية او النصرانية ذلك نسأل اللّه السلامة ( حكى ) ان ابليس عليه اللعنة تمثل للنبى عليه السلام يوما وبيده قارورة ماء فقال ابيعه بايمان الناس حالة النزع فبكى النبى عليه السلام حتى بكت اهل بيته فأوحى اللّه تعالى اليه انى احفظ عبادى فى تلك الحالة من كيده والميت يرى الملائكة حينئذ على صوة اعماله حسنة او قبيحة فاذا اخذوا نفس المؤمن يلفونها فى حرير الجنة وهى على قدر النحلة وعلى صورة عمله ما فقد شئ من عقله وعلمه المكتسب فى الدنيا دل عيله قوله تعالى حكاية عن حبيب النجار الشهيد فى انطاكية قال يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين فيعرجون بها الى الهوآء ويهيئون له اسباب التنعم فى قبره وفى عليين وهو النعيم الروحانى ثم اذا قام الناس من قبورهم ازداد النعيم بانضمام الجسمانى الى الروحانى فقوله والناشطات نشطا اشارة الى كيفية قبض ارواح المؤمنين بشهادة اللفظ ومدلوله ايضا فان قيل قد ثبت ان النبى عليه السلام اخذ روحه الطيب ببعض شدة حتى قال ( واكرباه ) وقال ( لا اله الا اللّه ان للموت سكرات اللهم أعنى على سكرات الموت ) اى غمراته وكان يدخل يده الشريفة فى قددح فيه ماء ثم يمسح جهه المنور بالماء ولما رأته فاطمة رضى اللّه عنها يغشاه الكرب قالت واكرب ابتاه فقال لها عليه السلام ( ليس على ابيك كرب بعد اليوم ) فاذا كان امر النبى عليه السلام حين انتقاله هكذا فما وجه ما ذكر من الرفق واللين أجيب بأن مزاجه الشريف كان اعدل الامزجة فأحس بالألم اكثر من غيره اذا لخفيف على الأخف ثقيل وايضا يحتمل أن يبتليه اللّه بذلك ليدعو اللّه فى أن يجعل الموت لامته سهلا يسير وايضا قد روى انه طلب من اللّه أن يحمل عليه بعض صعوبة الموت تخفيفا عن امته فانه بالمؤمنين رؤف رحيم وايضا فيه تسلية امته اذا وقع لاحد منهم شئ من ذلك الكرب عند الموت وايضا لكى يحصل لمن شاهد من اهله ومن غيرهم من المسلمين الثواب لما يلحقهم عليه من المشقة كما قيل بمثل ذلك فى حكمة ما يشاهد من حال الطفال عند الموت واقل الامر للناقصين كفارة الذنوب فاهل الحقيقة لا شدة عليهم فى الحقيقة لاستغراقهم فى بحر الشهود وانما الشدة لظواهرهم والحاصل كما ان النار لا ترفع عن الدنيا والدنيا قائم فكذا الشدة لا تعرف عن الظواهر فى هذا الموطن.

٣

{ والسابحات سبحا } قسم آخر معنى ايضا بطريق العطف والسبح المر السريع فى الماء او فى الهوآء وسبحا نصب على المصدرية اقسم اللّه بطوائف الملائكة التى تسبح فى مضيها اى تسرع فينزلون من السماء الى الارض مسرعين مشبهين فى سرعة نزولهم بمن يسبح فى الماء وهذا من قبيل التعميم بعد التخصيص لان نزول الاولين انما هو لقبض الارواح مطلقا ونزول هؤلاء لعامة الامور والاحوال.

٤

{ فالسابقات سبقا } عطف على السابحات بالفاء للدلالة على ترتب السبق على السبح بغير مهلة فالموصوف واحد ونصب سبقا على المصدرية اى التى تسبق سبقا الى ما امروا به ووكلوا عليه اى يصلون بسرعة والسبق كناية عن الاسراع فيما امروا به لان السبق وهو التقدم فى السير من لوازم الاسراع فالسبق هنا لا يستلزم وجود المسبوق اذ لا مسبوق.

٥

{ فالمدبرات امرا } عطف على السابقات بالفاء للدلالة على ترتب التدبير على السبق بغير تراخ والتدبير التفكر فى دبر الامور وامرا مفعول للمدبرات قال الراغب يعنى الملائكة الموكلين بتدبير الامور انتهى اى التى تدبر امرا من الامور الدنيوية والخروية للعباد كما رسم لهم من غير تفريط وتقصير والمقسم عليه محذوف وهو لتبعثن لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة وجه البعث ان الموت يستدعيه للاجر والجزآء لئلا يستمر الظلم والجور فى الوجود وما ربك بظلام للعبيد فكان اللّه تعالى بقول ان الملائكة ينزلون لقبض الارواح عند منتهى الآجال ثم يهجر الامر الى البعث لما ذكر فكان من شأن من يقر بالموت أن يقر بالبعث فلذا جمع بين القسم بالنازعات وبين البعث الذى هو الجواب وفى عنوان هذه السورة وجوه كثيرة صفحنا عن ذكرها واخترنا سوق الكشاف فانه هو الذى يقتضيه جزالة التنزيل وقال القاشانى اقسم بالنفوس المشتاقة التى غلب عليها النزع الى جناب الحق غريقة فى بحار الشوق والمحبة والتى تنشط من مقر النفس وأسر الطبيعة اى تخرج من قيود صفاتها وعلائق البدن من قولهم نور ناشط اذا خرج من بلد الى بلد او من قولهم نشط من عقاله والتى تسبح فى بحار الصفات فتسبق الى عين الذات ومقام الفناء فى الوحدة فتدبر بالرجوع الى الكثرة امر الدعوة الى الحق والهداية وأمر النظام فى مقام التفصيل بعد الجمع انتهى ثم ان النفوس الشريفة لا يبعد أن يظهر منها آثار فى هذا العالم سوآء كانت مفارقة عن الابداء اولا فتكون مدبرات ألا ترى ان الانسان قد يرى فى المنام ان بعض الاموا برشده الى مطلوبه ويرى استاذه فيسأله عن مسألة فيحلها له سئل زرارة بعد أن توفى رضى اللّه عنه فى المنام اى الاعمال أفضل عندكم فقال الرضى وقصر الأمل وعن بعضهم رأيت ورقاء بن بشر رحمه اللّه فى المنام فقلت ما فعل اللّه بك قال نجوت بعد كل جهد قلت فأى الاعمال وجدتموها أفضل قال البكاء من خشية اللّه وقال بعضهم هلكت جارية فى الطاعون فرآها أبوها فى المنام فقال لها يا بنية اخبرينى عن الآخرة قالت يا أبت قدمنا على امر عظيم نعلم ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون واللّه لتسبيحة او تسبيحتان او ركعة او ركعتان فى صحيفة عملى احب الى من الدنيا وما فيها ونظائره كثيرة لا تحصى وقد يدخل بعض الاحياء من جدار ونحوه على بعض من له حاجة فيقضيها وذلك على خرق العادة فاذا كان التدبير بيد الروح وهو فى هذا الموطن فكذا اذا انتقل منه الى البرزخ بل هو بعد مفارقته البدن أشد تأثيرا وتدبيرا لان الجسد حجاب فى الجملة ألا ترى ان الشمس اشد احراقا اذ لم يحجبها غمام او نحوه.

٦

{ يوم ترجف الراجفة } منصوب بالجواب المضمر وهو لتبعثن والمراد بالراجفة الواقعة التى ترجف عندها الاجرام الساكنة كالارض والجبال اى تتحرك حركة شديدة وتتزلزل زلزلة عظيمة من هول ذلك اليوم وهى النفخة الاولى اسند اليها الرجف مجازا على طريق اسناد الفعل الى سببه فان حدوث تلك النفخة سبب لاضطراب الاجرام الساكنة من الرجفان وهى شدة الاضطراب ومنه الرجفة للزلزلة لما فيه من شدة الاضطراب وكثرة الانقلاب وفي اشعار بأن تغير السفلى مقدم على تغير العلوى وان لم يكن مقطوعا.

٧

{ تتبعها الرادفة } اى الواقعة التى تردف الاولى اى تجيئ بعدها وهى لنفخة الثانية لانها تجيئ بعد الاولى يقال ردفه كسمعه ونصره تبعه كأردفه وأردفته معه اركبته معه كما فى القاموس وهى حال مقدرة من الراجفة مصححة لوقوع اليوم ظرفا للبعث اى لتبعثن يوم النفخة الاولى حال كون النفخة الثانية تابعة لها لا قبل ذلك فانه عبارة عن الزمان الممتد الذى تقع فيه النفختان وبينهما أربعون سنة كما قال فى الكشاف لتبعثن فى الوقت الواسع الذى تقع فيه النفختان وهم يبعثون فى بعض ذلك الوقت الواسع وهو وقت النفخة الاخرى انتهى قال فى الارشاد واعتبار امتداد مع ان البعث لا يكون الا عند النفخة الثانية لتهويل اليوم ببيان كونه موقعا لداهيتين عظميتين لا يبقى عند وقوع الاولى حى الامات ولا عند وقوع الثانية ميت الا بعث وقام.

٨

{ قلوب } مبتدأ وتنكيره يقوم مقام الوصف المخصص سوآء حمل على التنويع وان لم يذكر النوع المقابل فان المعنى منسحب عليه او على التكثير كما فى شر أهر ذا ناب فان التفخيم كما يكون بالكيفية يكون بالكمية ايضا كأنه قيل قلوب كثيرة او عاصية كما قال فى التأويلات النجمية قلوب النفس المتمردة الشاردة النافرة عن الحق

{ يومئذ } يوم اذ تقع النفختان وهو متعلق بقوله

{ واجفة } اى شديدة الاضطراب من سوء اعمالهم وقبح افعالهم فان الوجيف عبارة عن شدة اضطراب القلب وقلقه من الخوف والوجل وعلم منه ان الواجفة ليست جمع القلوب بل قلوب الكافر فان اهل الايمان لا يخافون.

٩

{ ابصارها } اى ابصار اصحاب كما دل عليه قوله يقولون والا فالقلوب لابصار لها وانما اضاف الابصار الى القلوب لانها محل الخوف وهو من صفاتها

{ خاشعة } ذليلة من الخوف بسبب الاعراض عن اللّه والاقبال على ما سواه يترقبون اى شئ ينزل عليهم من الامور العظام واسند الخشوع اليها مجازا لان اثره يظهره فيها.

١٠

{ يقولون } استئناف بيانى اى هم يقولون الآن يعنى ان منكرى البعث ومكذبى الآيات الناطقة به اذا قيل لهم انكم تبعثون يقولون منكرين له متعجبين منه

{ أئنا } آياما

{ لمردودون } معادون بعد موتنا

{ فى الحافرة } اى فى الحالة الاولى يعنون الحياة من قولهم رجع فلان فى حافرته اى طريقته التى جاء فيها فحرفها اى اثر فيها بمشيه وتسميتها حافرة مع انها محفورة وانما الحافر هو الماشى فى تلك الطريقة كقوله تعالى عيشة راضية اى منسوبة الى الحفر والضرى او على تشبيه القابل بالفاعل اى فى تعلق الحفر بكل منهما فاطلق اسم الثانى على الاول للمشابهة كما يقال صام نهاره تشبيها لزمان الفعل بفاعله وقال مجاهد والخليل ابن احمد الحافرة هى الارض التى يحرف فيها القبور ولذا قال فى التأويلات النجمية اى حافرة اجسادنا وقبور صدورنا.

١١

{ أئذا } العامل فى اذا مضمر يدل عليه مردودون اى أئذا

{ كنا } باجون كرديم ما

{ عظاما نخرة } بالية نرد ونبعث مع كونها ابعد شئ من الحياة فهو تأكيد لانكار الرد ونفيه بنسبته الى حالة منافية له ظنوا ان من فساد البدن وتفرق اجزآئه يلزم فساد ما هو الانسان حقيقة وليس كذلك ولو سلم ان الانسان هو هذا الهيكل المخصوص فلا نسلم امتاع اعادة المعدوم فان اللّه قادر على كل الممكنات فيقدر على جمع الاجزآء العنصرية واعادة الحياة اليها لانها متميزة فى علمه وان كانت غير متميزة فى علم الخلق كالماء مع اللبن فانهما وان امتزجا لكن احدهما متميزعن الآخر فى علم اللّه وان كان عقل الانسان قاصرا عن ادراكه والنخر البلى يقال نخر العظم والخشب بكسر العين اذا بلى واسترخى وصار بحيث لومس لتفتت ونخرة ابلغ من ناخرة لكونها من صيغ المبالغة او صفة مشبهة دالة على الثبوت ولذا اختارها الاكثر والناخرة اشبه برؤس الآى ولذا اختارها البعض

وقيل النخرة غير الناخرة اذ النخرة بمعنى البالية

واما الناخرة فهى العظام الفارغة المجوفة التى يحصل فيها صوت من هبوب الريح من نخير النائم والمجنون لا من النخر بمعنى البلى قال الراغب النخير صوت من الانف وسمى خرق الانف الذى يخرج منه النخير منخران فالمنخران ثقبتان الانف.

١٢

{ قالوا } اختيار الماضى هنا للايذان بأن صدور هذا الكفر منهم ليس بطريق الاستمرار مثل كفرهم السابق المعبر عنه بالمضارع اى قالوا بطريق الاستهزآء بالحشر

{ تلك } الردة والرجعة فى الحافرة وفيه اشعار بغاية بعدها من الوقوع فى اعتقادهم

{ اذا } آنكاه وتران تقدير

{ كرة } الكر الرجوع والكرة المرة من الرجوع والجمع كرات

{ خاسرة } اى ذات خسران على ارادة النسبة من اسم الفاعل او خاسرة اصحابها على الاسناد المجازى اى على طريق اسناد الفعل الى ما يقارنه فى الوجود كقولك تجارة رابحة والربح فعل اصحاب التجارة وهى عقد المبادلة والريح والتجارة متقارنان فى الوجود والا فهم الخاسرون والكرة مخسور فيها اى ان صحت تلك الكرة فنحن اذا خاسرون لتكذيبنا بها وهذا المعنى افاده كلمة اذ فانها حرف جواب وجزء عند الجمهور وانما حمل قولهم هذا على الاستهزآء لا تهم ابرزوا ما قطعوا بانتفائه واستحالته فى صورة المشكوك المحتمل الوقوع.

١٣

{ فانما هى زجرة واحدة } جواب من اللّه عن كلامهم بالانكار وتعليل لمقدر اى لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على اللّه فانها سهلة هينة فى قدرته فانما هى صيحة واحدة اى حاصلة بصيحة واحدة لا تكرر يسمعونها وهم فى بطون الارض وهى النفخة الثانية كنفخ واحد فى صور الناس لاقامة القافلة عبر عن الكرة بالزجرة تنبيها على كمال اتصالها بها كأنها عينها يقال زجر البعير اذا صاح عليه.

١٤

{ فاذا هم } بس آنكاه ايشان وسائر خلايق

{ بالساهرة } اى فاجأوا الحصول بها وهو بيان لحضورهم الموقف عقيب الكرة التى عبر عنها بالزجرة واذا المفاجأة تفيد حدوث ما انكروه بسرعة على فجأة والساهرة الارض البيضاء المستوية سميت بذلك لان السراب يجرى فيها من قولهم عين ساهرة جارية الماء وفى ضدها نائمة يعنى ان بياض الارض عبارة عن خلوها عن الماء والكلأ شبه جريان السراب فيها بجريان الماء عليها فقيل لها ساهرة

وقيل لان سالكها لا ينام خوف الهلكة يقال سهر كفرح لم ينم ليلا او هى جهنم لان اهلها لا ينامون فيها او كأنه مقلوب الصاد سينا من صهرته الشمس احرقته وق الراغب حقيقتها الارض التى يكثر الوطئ بها كأنها سهرت من ذلك وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الساهرة ارض من فضة لم يعص اللّه عليها قط خلقها حينئذ وقال الثورى الساهرة ارض الشام وقال وهب بن منبه جبل بيت المقدس وكفته اندساهرة نام زمين است نزيك بيت المقدس در حوالئ جبل اريحا كه محشر آنجاخواهد بود خداى آنراكشاده كرداند جندانكه خواهد.

وفى الحديث بيت المقدس ارض المحشر والمنشر وقال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة ان الناس اذا قاموا من قبورهم وأراد اللّه ان يبدل الارض غير الارض تمد الارض باذن اللّه ويكون المحشر فيكون الخلق عليه عند ما يبدل اللّه الارض كيف يشاء اما بالصورة

واما بارض اخرى ماهم عليها تسمى بالساهرة فيمدها سبحانه مد الاديم ويزيد فى سعتها اضعاف ما كانت من احد وعشرين جزأ الى تسعة وتسعين جزأ حتى لا نرى عوجا والا امتا وقال فى التأويلات النجمية فاذا هم بالساهرة اى بظهر ارض الحياة كما كانوا قبله ببطن ارض الممات.

١٥

{ هل اتاك حديث موسى } كلام مستأنف وارد لتسلية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن تكذيب قومه بانه يصيبهم مثل ما أصاب من كان اقوى منهم واعظم يعنى فرعون ومعنى هل أتاك ان اعتبر هذا او ما أتاه من حديثه ترغيب له فى استماع حديثه وحمل له على طلب الاخبار كأنه قيل هل أتاك حديث موسى قبل هذا ام أنا اخبرك به كما قال الحسن رحمه اللّه اعلام من اللّه لرسوله حديث موسى كقول الرجل لصاحبه هل بلغك ما لقى اهل البلد وهو يعلم انه لم يبلغه وانما قال ليخبره به انتهى وان اعتبر اتيانه قبل هذا وهو المتبادر من الايجاز فى الاقتصاص استفهام تقرير له اى حمل له على الاقرار بأمر يعرفه قبل ذلك اى أليس قد أتاك حديثه وبالفارسية آيا جنين نيست كه آمد بتو خبر موسى كليم عليه السلام تاتسلى دهى دل خودرا برتكذيب قوم وخبر فرستادى ازو عدهء مؤمنا ووعيد كافران . يعنى قد جاءك وبلغك حديثه عن قريب أنه لم يعلم بحديث موسى وانه لم يأته بعد والا لما كان يتحزن على اصرار الكفار على انكار البعث وعلى استهزآئهم به بلى يتسلى بذلك فهل بمعنى قد المقربة للحكم الى الحال وهمزة الاستفهام قبلها محذوفة وهى للتقرير وزيد ليس لانه اظهر دلالة على ذلك لا لانه مقدر فى النظم.

١٦

{ اذ ناداه ربه } ظرف للحديت والمناداة والندآء بالفارسية خواندن.

وفى القاموس الندآء الصوت اى هل اتاك حديثه الواقع حين ناداه ربه اذا المراد خبره الحادث فلا بد له من زمان يحدث فيه لا ظرف للاتيان لاختلاف وقتى الاتيان والنداء لان الاتيان لم يقع فى وقت الندآء او مفعول لا ذكر المقدر وعليه وضع السجاوندى علامة الوقف اللازم على موسى واقل لانه لو وصل صار اذ ظرفا لاتيان الحديث وهو محال لعله لم يلتفت الى عمل حديث لكونه هنا اسما بمعنى الخبرمع وجود فعل قوى فى العمل قبله وبالجملة لا يخلو عن ايهام فالوجه الوقف كذا فى بعض التفاسير

{ بالواد المقدس } المبارك المطهر بتطهير اللّه عما لا يليق حين مكالمته مع كليمه او سمى مقدسا لوقوعه فى حدود الارض المقدسة المطهرة عن الشرك ونحو واصل الوادى الموضع الذى يسيل فيه الماء ومنه سمى المنفرج بين الجبلين واديا والجمع اودية ويستعار للطريقة كالمذهب والاسلوب فيقال فلان فى واد غير واديك

{ طوى } بضم الطاء والتنوين تأويلا له بالمكان او بغير تنوين تأويلا له بالبقعة قال الفرآء الصرف احب الى اذ لم اجد فى المعدول نظيرا اى لم اجد اسما من الوادى عدل عن جهته غير طوى وهو اسم للوادى الذى بين المدينة ومصر فيكون عطف بيان له قال القاشانى الوادى المقدس هو عالم الروح المجرد لتقدسه عن التلعق بالمواد اسمه طوى لانطوآء الموجودات كلها من الاجسام والنفوس تحته وفى طيه وقهره وهو عالم الصفات ومقام المكالمة من تجلياتها فلذلك ناداه بهذا الوادى ونهاية هذا العالم هو الافق الاعلى الذى رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنده جبريل على صورته.

١٧

{ اذهب الى فرعون } على ارادة القول اى فقال له اذهب الى فرعون

{ انه طغى } تعليل للامر او لوجوب الامتثال به والطغيان مجاوزة الحدى طغى على الخالق بأن كفر به وطغى على الخلق بأن تكبر عليهم واستعبدهم فكما ان كمال العبودية لا يكون الا بالصدق مع الحق وحسن الخلق مع الخلق فكذا كمال الطغيان يكون بسوء الماملة معهما وقال القاشانى اى ظهر بانانيته وذلك ان فرعون كان ذا نفس قوية حكيما عالما سلك وادى الافعال وقطع بوادى الصفات واحتجب بانانيته وانتحل صفات الربوبية ونسبها الى نفسه وذلك تفرعنه وجبروته وطغيانه فكان ممن قال فيه عليه السلام ( شر الناس من قامت القيامة عليه ) فهو حى لقيامة بنفسه وهواها فى مقام توحيد الصفات وذلك من اقوى الحجب.

١٨

{ فقل } بعد ما اتيته

{ هل لك } رغبة وتوجه

{ الى ان تزكى } بحذف احدى التاءين من تتزك اى تتطهر من دنس الكفر والطغيان ووسخ الكدورات البشرية والقاذورات الطبيعة فقوله لك خبر مبتدأ محذوف والى ان متعلق بذلك المبتدأ المضمر وقد يقال قوله هل لك مجاز عن اجذبك وادعوك والقرينة هى القربية وهى المجاورة.

١٩

{ واهديك الى ربك } وارشدك الى معرفته فتعرفه اشار الى ان فى النظم مضافا مضمرا وتقديم التزكيه لتقدم التخلية على التحلية

{ فتخشى } اذا لخشية لا تكون الا بعد معرفته قال تعالى انما يخشى اللّه من عباده العلماء اى العلماء باللّه قيل انه تعالى قال فى آخره ولن يفعل فقال موسى فكيف امضى اليه وقد علمت انه لن يفعل فأوحى اليه ان امض لما تؤمر فان فى السماء اثنى عشر ألف ملك يطلبون علم القدر فلم يدركوه وجعل الخشية غاية للهداية لانها ملاك الامر لان من خشى اللّه أتى منه كل خير ومن أمن اجترأ على كل شر كما قال عليه السلام من خاف ادلج ومن ادلج بلغ المنزل يقال ادلج القوم اذا ساروا من اول الليل وان ساروا من آخر الليل فقد ادلجوا بالتسديد ثم انه تعالى أمر موسى عليه السلام بأن يخاطبه بالاستفهام الذى معناه العرض ليشتد عليه بالتلطف فى القول ويستنزله بالمداراة من عتوه وهذا ضرب تفصيل لقوله تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى اما كونه لينا فلانه فى صورة العرض لا فى صورة الامر صريحا وليس فيه ايضا ذكر نحو الشرك والجهل والكفر ان من متعلقات التزكى

واما اشتماله على بعض التفصيل فظاهر.

٢٠

{ فأراه } بس بنمود اورا موسى

{ الآية الكبرى } الفاء فصيحة تفصح عن جمل قد طويت تعويلا على تفصيلها فى السور الاخرى فانه جرى بينه وبين فرعون ما جرى من المحاورات الى ان قال كنت جئت بآية فائت بها ان كنت من الصادقين اى فذهب اليه موسى بأمر اللّه فدعاه الى التوحيد والطاعة وطلب هو منه المعجزة الدالة على صدقه فى دعوته والارآءة اما من التبصيرا والتعريف فان اللعين حين أبصرها عرفها وادعاء سحريتها انما كل ارآءة منه واظهارا للتجلد ونسبتها اليه بالنظر الى الظاهر كما ان نسبتها الى نون العظمة فى قوله ولقد اريناه آياتنا بالنظر الى الحقيقة والمراد بالآية الكبرى قلب العصا حية والصغرى غيره من معجزاته الباقية وذلك ان القلب المذكور كان المقدم على الكل فى الارآءة فينبغى ان يكون هو المراد على ما تقتضيه الفاء التعقيبية.

٢١

{ فكذب } فرعون بموسى وسمى معجزته سحرا عقيب رؤية الاية من غير رؤية وتأمل وطلب شاهد من عقل وناصح من فكر وقلب لغاية استكباره وتمرده

{ وعصى } اللّه بالتمرد بعد ما علم صحة الامر ووجوب الطاعة اشد عصيان واقبحه حيث اجترأ على انكار وجود رب العالمين رأسا فدل العطف على ان الذى ترتب على حصول الجزم بأن من كذبه ممن يجب تصديقه فاما تكذيب من لا يجب تصديقه فلا يكون عصيانا ويجوز أن يراد وعصى موسى فيما أمر به الا ان الاول ادخل فى ذمه وتقبيح حاله وكان اللعين وقومه مأمورين بعبادته تعالى وترك دعوى الربوبية لا بارسال بنى اسرآئيل من الاسر القسر فقط قال بعض اهل المعرفة أراه آية صرفا ولو أراه انوار الصفات فى الآيات لم يكفر ولم يدع الربوبية اذ هناك موضع المحبة والعشق والاذعان لان رؤية الصفات تقتضى التواضع ورؤية الذات تقتضى العربدة فكان هو محجوبا بؤية الآيات عن رؤية الصفات فلما لم يكن معه حظ شهود نور الصفة لم ينل عند رؤيتها حظ المحبة فلم يأت منه الانقياد والاذعان لذلك قال تعالى فكذب وعصى.

٢٢

{ ثم ادبر } اى تولى عن الطاعة وكلمة ثم على هذا معناها التراخى الزمانى اذا السعى فى ابطال امره يقتضى مهلة او انصرف عن المجلس قال الراغب ادبر اى اعرض وولى دبره

{ يسعى } يجتهد فى معارضة الآية تمردا وعنادا لا اعتقادا بانها يمكن معارضتها فهو تعلل بالباطل دفعا للمجلس وهو حال من فاعل ادبر بمعنى مسرعا مجتهدا وفى الكشاف لما رأى الثعبان ادبر مرعوبا يسرع فى مشيته قال الحسن رحمه اللّه كان رجلا طياشا.

٢٣

{ فحشر } اى فجمع السحرة لقوله تعالى فارسل فرعون فى المدآئن حاشرين وقوله تعالى فتولى فرعون فجمع كيده اى ما يكاد به من السحرة وآلاتهم ويجوز ان يراد جمع الناس

{ فنادى } بنفسه فى المقام الذى اجتمعوا فيه معه او بواسطة المنادى.

٢٤

{ فقال } لقيامه مقام الحكومة والسلطنة

{ أنا ربكم الاعلى } لا رب فوقى اى اعلى من كل من يلى امركم على ان تكون صيغة التفضيل بالنسبة الى من كان تحت ولايته من الملوك والامرآء ( وقال الكاشفى ) يعنى اصنام كه بر صورت منند همهء ايشان خدايا نند ومن ازهمه برترم.

ولما ادعى العلوية قيل لموسى عليه السلام فى مقابلة هذا الكلام انك أنت الاعلى لان الغلبة على سرحه غلبة عليه والحاصل انه لم يرد بهذا القول انه خالق السموات والارض والجبال والنبات والحيوان فان لعلم بفساد ذلك ضرورى ومن شك فيه كان مجنونا ولو كان مجنونا لما جاز من اللّه بعثة الرسول اليه بل الرجل كان دهريا منكرا للصانع والحشر والنشر وكان يقول ليس للعالم اله حتى يكون له عليكم امر ونهى او يبعث اليكم رسولا بل المربى لكم والمحسن اليكم أنا لا غيرى

قال بعضهم كان ينبغى له عند ظهور ذله وعجزه بانقلاب العصا حية ان لا يقول ذلك القول فكأنه صار فى ذلك الوقت كالمعتوه الذى لا يدرى ما يقول ( امام قشيرى رحمه اللّه ) در لطائف آورده كه أبليس اين سخن شنيده كفت مراطاقت اين سخن نيست من دعئ خيريت كفتم بر آدم اين همه بلا بمن رسيد اوكه جنين لاف ميزند تاكار او بكجا رسد.

قال بعض العارفين لم يدع احد من الخلائق من الكمال ما ادعاه ادعاه الانسان فانه ادعى الربوبية وقال أنا ربيكم الاعلى وابليس تبرأ منها وقال انى اخاف اللّه فلم يدع مرتبة ليس له قط اى انه على جناح واحد وهو الجلال فقط وكذا الملك فانه على الجمال المحض بخلاف الانسان فانه مخلوق باليدين.

شيخ ركن الدين علاء الدولة سمنانى قدس سره فرمودهء كه وقتى مرا حال كرم بود بزيارت حسين منصور حلاج رفتم جون مراقبه كردم روح اورا در مقام عالى يا فتم ازعليين مناجات كردم كه خدايا ابن جه حالتست كه فرعون انا ربكم ومنصورا انا الحق كفت هردويك دعوى كردند روح حسين در عليين است وجان فرعون درسجين بسر من ندا رسيدكه فرعون بخود بينى در افتاده همه خودرا ديدوماراكم كرد وحسين ماراديد وخود راكم كرد بس درميان فرق بسياراست ( وفى المثنوى )

كفت فرعونى انا الحق كشت بست ... كفت منصورى انا الحق وبرست

انا انارا لعنت اللّه در عقب ... واين انارا رحمت اللّه اى محب

زانكه او سنك سيه بود اين عقيق ... آن عدوى نور بود واين عشيق

اين انا هو بود در سراى فضول ... نه زراى اتحاد واز حلول

قال فى اسئلة الحكم فان قلت ما الحكمة فى ان ابليس قد لعن ولم يدع الربوبية وفرعون وامثاله قد ادعوا الربوبية ولم يلعنوا تعيينا وتخصيصا كما لعن ابليس قيل لان نية ابليس شر من نية هؤلاء

وقيل لانه اول من سن الخلاف والشقاق قولا وفعلا ونية والخلق بعده ادعوا الربوبية وسنوا البغى والخلاف بوسوسته وابليس واجه بمخالفته حضرة الرب تعالى وهم واجهوا الانبياء والوسائط وتضرعوا تارة واعترفوا بالذنوب عند المخلوق اخرى وابليس لم يعترف ولم يتضرع وهو اول من سن الكفر فوزر الكفار بعده راجع اليه الى يوم القيامة ومظهر الضلالة والغواية بذاته بغير واسطة.

٢٥

{ فأخذه اللّه } بسبب ما ذكر

{ نكال الآخرة والاولى } النكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم وهو التعذيب اى الذى ينكل من رأه او سمعه ويمعنه من تعاطى ما يفضى اليه ومحله النصب على انه مصدر مؤكد كوعد اللّه وصبغة اللّه كأنه قال نكل اللّه به نكال الآخرة والاولى وهو الاحراق فى الآخرة والاغراق فى الدنيا واخذ مستعمل فى معنى مجازى يعم الاخذ فى الدنيا وفى الخروى مجاز لتحقق وقوعه واضافة النكال الى الدارين باعتبار وقوع نفس الاخذ فيهما لا باعتبار ان ما فيه من معنى المنع يكون فيهما فان ذلك لا يتصور فى الآخرة بل فى الدنيا فان العقوبة الاخروية تنكل من سمعها وتمنعه من تعاطى ما يؤدى اليها لا محالة وفى التأويلات القاشانية نازع الحق بشدة ظهور انانيته فى ردآء الكبرياء فقهر وقذف فى لانار ملعونا كما قال تعالى العظمة ازارى والتكبرياء ردآئى فمن نازعنى واحدا منهما قذفته فى النار ويروى قصمته وذلك القهر هو معنى قوله فاخذه اللّه الخ وقال البقلى لما لم يكن صادقا فى دعواه افتضح فى الدنيا والآخرة وهكذ كل ما يدعى ما ليس له من المقامات قال بشر انطق اللّه لسانه بالعريض من الدعاوى واخلاه عن حقائقها وقال السرى العبد اذا تزيى بزى السيد صار نكالا ألا ترى كيف ذكر اللّه فى قصة فرعون لما ادعى الربوبية فأخذه اللّه الخ كذبه كل شئ حتى نفسه وفى الوسيط عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال موسى يا رب امهلت فرعون اربعمائة سنة ويقول أنا ربكم الاعلى ويكذب بآياتك ويجهد برسلك فأوحى اللّه اليه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأردت ان اكافئه اى مكافأة دنيوية وكذا حسنات كل كافر

واما المؤمن فاكثر ثوابه فى الآخرة ودلت الآية على ان فرعون مات كافرا وفى الفتوحات المكية فرعون ونمرود مؤبدان فى النار انتهى وغير هذا من اقوال الشيخ رحمه اللّه محمول على المباحثة فصن لسانك على الاطالة فانها من اشد ضلالة.

يقول الفقير صدر من فرعون كلمتان الاولى قوله أنا ربكم الاعلى والثانية قوله ما علمت لكم من اله غيرى وبينهما على ما قيل اربعون سنة فالظاهر أن الربوبية محمولة على الالوهية فتفسير قوله أنا ربكم الاعلى بقولهم اعلى من كل من يلى امركم ليس فيه كثير جدوى اذ لا يقتضى ادعاء الرياسة دعوى الالوهية كسائر الدهرية والمعطلة فانهم لم يتعرضوا للالوهية وان كانوا رؤساء تأمل هذا المقام.

٢٦

{ ان فى ذلك } اى فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به

{ لعبرة } اعتبارا عظيما وعظة

{ لمن يخشى } اى لمن من شأنه لان يخشى وهو من شأنه المعرفة يعنى ان العارف باللّه وبشؤونه يخشى منه فلا يتمرد على اللّه ولا على انبيائه خوفا من نزول العذاب والعاقل من وعظ بغيره.

جو بركشته بختى درافتديه بند ... ازونيك بختان بكيرند بند

توبيش ازعقوبت در عفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير جوب

بر آراز كريبان عفلت سرت ... كه فردا نماند خجل در برت

يعنى درسينه ات

٢٧

{ ءانتم اشد خلقا } خطاب لاهل مكة المنكرين للبعث بناء على صعوبته فى زعمهم بطريق التوبيخ والتبكيت بعدما بين كمال سهولته بالنسبة للاقدرة اللّه تعالى بقوله تعالى فانما هى زجرة واحدة فالشدة هنا بمعنى الصعوبة لا بمعنى الصلابة لانها لا تلائم المقام اى أخلقكم بعد موتكم اشق واصعب فى تقديركم وزعمكم والا فكلا الامرين بالنسبة الى قدرة اللّه واحدة

{ ام السماء } ام خلق السماء بلا مادة على عظمها وقوة تأليفها وانطوائها على البدائع التى تحار العقول فى ملاحة اذناها وهو استفهام تقرير ليقروا بأن خلق السماء اصعب فيلزمهم بأن يقول لهم ايها السفهاء من قدر على الصعب الاعسر كيف لا يقدر على اعادتكم وحشركم وهى اسهل وايسر فخلقكم على وجه العادة اولى ان يكون مقدور اللّه فكيف تنكرون ذلك قوله ءانتم مبتدأ واشد خبره وخلقا تمييزا والسماء عطف على أنتم وحذف خبره لدلالة خبر أنتم عليه اى ام السماء اشد خلقا

{ بناها } اللّه تعالى وهو استئناف وتفصيل لكيفية خلقها المستفاد من قوله ام السماء فيتم الكلام حينئذ عند قوله ام السما ويبتدأ من قوله بناها وام متصلة واستعمل البناء فى موضع السفق فان السماء سفق مرفوع والبناء انما يستعمل فى اسافل البناء لا فى الاعالى للاشارة الى انه وان كان سقفا لكنه فى البعد عن الاختلال والانحلال كالبناء فان البناء ابعد عن تطرق الاختلال اليه بالنسبة الى السقف.

٢٨

{ رفع سمكها فسواها } بيان للبناء اى جعل مقدار ارتفاعها من الارض وذهابها الى سمت العلو مديدا رفيعا مسيرة خمسمائة عام فان امتداد الشئ ان اخذ من اسفله الى اعلاه سمى سمكا واذا اخذ من اعلاه الى اسفله سمى عمقا وقال بعضهم السمك الارتفاع الذى بين سطح السماء الاسفل الذى يلينا وسطحها الاعلى الذى يلى ما فوقها فيكون المراد ثخنها وغلظها وهو ايضا تلك المسيرة.

٢٩

{ واغطش ليلها } الغطش الظلمة قال الراغب واصله من الاغطش وهو الذى فى عينه شبه عمش يقال اغطشه اللّه اذا جعله مظلما واغطش الليل اذا صار مظلما فهو متعد ولازم والاول هو المراد هنا اى جعله مظلما ذاهب النور فان قيل الليل اسم لزمان الظلمة الحاصلة بسبب غروب الشمس فقوله واغطش ليلها يرجع معناه الى انه جعل المظلم مظلما وهو بعيد والجواب معناه ان الظلمة الحاصلة فى ذلك الزمان انما حصلت بتدبير اللّه وتقديريه فلا اشكال

{ وأخرج ضحاها } اى ابرز نهارها عبر عنه بالضحى وهو ضوء الشمس ووقت الضحى وهو الوقت الذى تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها لانه اشرف اوقاتها واطيبها على تسيمة المحل باسم اشرف ما حل فيه فكان احق بالذكر فى مقام الامتنان وهو السر فى تأخير ذكره عن ذكر الليل وفى التعبير عن احداثه بالاخراج فان اضافة النور بعد الظلمة اتم فى الانعام واكمل فى الحسان واضافة الليل والضحى الى السماء لدوران حدوثها على حركتها والاضافة يكفيها ادنى ملابسة المضاف اليه ويجوز ان تكون اضافة الضحى اليها بواسطة الشمس اى ابرز ضوء شمسها بتقدير المضاف والتعبير عنه بالضحى لانه وقت قيام سلطانها وكمال اشراقها . امام زاهد فرموده كه روز وشب دنيا بآسمان بيداكردد بسبب آفرينش آفتاب وماه دور.

قال بعض العارفين الليل ذكر والنهار انثى فلما تغشاها الليل حملت فولدت فظهرت الكائنات عن غشيان الزمان فالمولدات اولاد الزمان واستخراج النهار من الليل كاستخراج حوآء من آدم قال تعالى وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون وقال يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل كعيسى فى مريم وحوآء فى آدم فاذا خاطب ابناء النهار قال يولد الليل واذا خاطب ابناء الليل قال يولج النهار وقال بعض اهل الحقائق ان توارد الليل والنهار اشارة الى توارد السيئة والحسنة فكما ان الدنيا لا تبقى على ليل وحده ولا على نهار وحده بل هما يتعاقبان فكذا المؤمن لا يخلو من نور الايمان والعمل الصالح ومن ظلمة العمل الفاسد والفكر الكاسد ولذ قال عليه السلام لعلى رضى اللّه عنه ( ياعلى اذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فاذا كان يوم القيامة يلقى اللّه الليل فى جهنم والنهار فى الجنة فلا يكون فى الجنة ليل كما لا يكون فى النار نهار ) يعنى ان النهارا فى الجنة هو نور ايمان المؤمن ونور عمله الصالح بحسب مرتبته والليل فى النار هو ظلمة كفر الكافر وظلمة عمله السيئ فكما ان الكفر لا يكون ايمانا فكذا الليل لا يكون نهار والنار لا تكون نورا فيبقى كل من اهل النور والنار على صفته الغالبة عليه

واما القلب وحاله بحسب التجلى فهو على عكس حال القالب فان نهاره المعنوى لا يتاقب عليه ليل وان كان يطرأ عليه استتار فى بعض الاوقات.

٣٠

{ والارض بعد ذلك دحاها } اى قبل ذلك كقوله تعالى من بعد الذكر اى قبل القرءآن بسطها ومهدها لسكنى اهلها وتقلبهم فى اقطارها وقال بعضهم بعد على معناه الاصلى من التأخر فان اللّه خلق الارض قبل خلق اسماء من غير أن يدحوها ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات ثم دحا الارض بعد ذلك وقال فى الارشاد انتصاب الارض بمضمر يفسره دحاها وذلك اشارة الى ما ذكر من بناء السموات ورفع سمكها وتسويتها وغيرها لا الى انسها وبعدية الدحو عنها محمولة على البعدية فى الذكر كما هو المعهود فى السنة العرب والعجم لا فى الوجود فان اتفاق الاكثر على تقدم خلق الارض وما فيها على خلق السماء وما فيها وتقديم الارض لا يفيد القصر وتعيين البعدية فى الوجود لما عرفت من ان انتصابه بمضمر مقدم قد حذف على شرطية التفسير لا بما ذكر بعده ليفيد ذلك وفائدة تأخيره فى الذكر اما التنبيه عل انه قاصر فى الدلالة على القدرة القاهرة بالنسبة الى احوال السماء

واما الاشعار بانه ادخل فى الالزام لما ان المنافع المنوطة بما فى الارض اكثر وتعلق مصالح الناس بذلك اظهر واحاطتهم بتفاصل احواله اكمل وقد مر ما يتعلق بهذا المقام فى سورة حم السجدة.

٣١

{ اخرج منها ماءها } بأن فجر منها عيونا واجرى انهارا

{ ومرعاها } اى رعيها بالكسر بمعنى الكلأ وهو فى الاصل موضع الرعى بالفتح نسب الماء والمرعى الى الارض من حيث انهما منها يظهران تجريد الحملة عن العاطف لانها بيان وتفسير لدحاها او تكملة له فان السكنى لا تتاتى بمجرد البسط والتمهيد بل لا بد من تسوية امر المعاش من المأكل والمشرب حتما.

٣٢

{ والجبال } منصوب بمضمر يفسر قوله

{ ارساها } اى اثبتها واثبت بها الارض ان تميد بها وهذا تحقيق للحق وتنبيه على ان الرسو المنسوب اليها فى مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسى ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بارسائه تعالى ولولاه لما ثبتت فى نفسها فضلا عن اثباتها للارض.

٣٣

{ متاعا لكم ولانعامكم } مفعول له بمعنى تمتيعا والانعام جمع نعم بفتحتين وهى المال الراعية بمعنى المواشى وفى الصحاح واكثر ما يقع هذا الاسم على الابل والمراد هنا ما يكون عاما للابل والبقر والغنم من الضأن والمعز أى فعل ذلك تمتيعا ومنفعة لكم ولانعامكم لان فائدة ما ذكر من البسط والتمهيد واخراج الماء والمرعى واصلة اليهم والى انعامهم فان المراد بالمرعى ما يعم ما يأكله الانسان وغيره بناء على استعارة الرعى لتناول المأكول على الاطلاق كاستعارة المرسن للأنف ولهذا قيل دل اللّه تعالى بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الارض حتى الملح فانه من الماء قال العتبى هذا اى قوله اخرج منها ماءها ومرعاها من جوامع الكلم حيث ذكر شيئين دالين على جميع ما اخرج من الارض قوتا ومتاعا للانام من العشب والشجر والحب والثمر والملح والنار لان النار من الشجر الاخضر والملح من الماء ونكتة الاستعارة توبيخ المخاطبين المنكرين للبعث والحاقهم بالبهائم فى التمتع بالدنيا والذهول عن الآخرة.

٣٤

{ فاذاجاءت الطامة الكبرى } قال فى الصحاح كل شئ كثر حتى علا وغلب فقد طم من باب رد والكبرى تأنيث الاكبر من كبر بالضم بمعنى عظم لا من كبر بالكسر بمعنى اسن وهذا شروع فى بيان احوال معادهم اثر بيان احوال معاشهم والفاء للدلالة لى ترتب ما بعدها على ما قبلها عما قليل كما ينبئ عنه لفظم المتاع والمعنى فاذا جاء وقت طلوع وقوع الداهية العظمى التى تطم على سائر الطامات والدواهى اى تعلوها وتغلبها فوصفها بالكبرى يكون للتأكيد ولو فسر بما تعلو على الخلائق وتغلبهم كان مخصصا والمراد القيامة او النفخة الثانية فانه يشاهد يوم القيامة من الآيات الهائلة الخارجة عن العادة ما ينسى معه كل هائل وعند النفخة الثانية تحشر الخلائق الى موقف القيامة خصت النازعات بالطامة وعبس بالصاخة لان الطم ان كان بمعنى النفخة الأولى للاهلاك فهو قبل الصخ اى الصوت الشديد الذى يحيى له الناس حين يصيخون له كما ينتبه النائم بالصوت الشديد فهو بمعنى النفخة الثانية فجعل السابق للسورة السابقة واللائق للاحقة وان كان بمعنى النفخة الثانية فحسن الموقع فى كلا الموضعين لان العلم ورد بعد قوله تتبعها الرادفة والصخ بعد ما بين عدم اصاخة النبى عليه السلام لابن ام مكتوم.

٣٥

{ يوم يتذكر الانسان ما سعى } منصوب بأعنى تذكيرا للطامة الكبرى وما موصولة وسعى بمعنى عمل اى يتذكر فيه كل احد كائنا من كان ما عمله من خير أو شر بأن يشاهده مدونا فى صحيفة اعماله وقد كان نسيه من فرط الغفلة وطول الامد كقوله تعالى أحصاه اللّه ونسوه.

٣٦

{ وبرزت الجحيم } عطف على جاءت اى اظهرت اظهارا بينا لا يخفى على احد بعد ان كانوا يسمعون بها والمراد مطلق النار المعبر عنها بجهنم لا الدركة المخصوصة من الدركات السبع

{ لمن يرى } كائنا من كان على ما يفيده من فأنه من ألفاظ العموم يروى انه يكشف عنها فتتلظى فيراها كل ذى بصر مؤمن وكافر وقوله تعالى وبرزت الجحيم لا ينافى ان يراها المؤمنون ايضا حبن بمرون عليها مجاوزين الصراط

وقيل للكافر لان المؤمن يقول اين النار التى توعدنا بها فيقال مررتموها وهى خامدة.

٣٧

{ فاما من طغى } الخ جواب فاذا جاءت على طريقة قوله فاما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى الخ يقال ان جئتنى فان قدرت احسنت اليك ويقال اذا كانت الدعوة فاما من كان جاهلا فهناك مقامه

واما من كان عالما فههنا مقامه اى فاما من عتا تمرد عن الطاعة وجاوز الحد فى العصيان كالنضر وآتيه الحارث المشهورين بالغو فى الكفر والطغيان.

٣٨

وَآثَرَ اختار الْحَياةَ الدُّنْيا الفانية التي على جناح الفوات فانهمك فيما متع به فيها ولم يستعد للحياة الآخرة الابدية بالايمان والطاعة

٣٩

{ فان الجحيم } التى ذكر شأنها

{ هى } لا غيرها وهو ضمير فصل او مبتدأ

{ المأوى } اى مأواه فلا يخرج من النار كما يخرج المؤمن العاصى فالكلام فى حق الكافر لكن فيه موعظة وعبرة موقظة واللام سادة مسد الاضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغى كما فى قولك غض الطرف فانه لا يغض الرجل طرف غيره وذلك لان الخبر اذا كان جملة لا بد فيها من ضمير يربطها بالمبتدأ فسدت اللام مسد العائد لعدم الالتباس فلا احتياج فى مثل هذا المقام الى الرابطة.

٤٠

{ واما من خاف مقام ربه } اى مقامه بين يدى مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الانسان ما سعى وذلك لعلمه بالمبدأ والمعاد فان الخوف من القيام بين يديه للحساب لا بد ان يكون مسبوقا بالعلم به تعالى وفى بعض التفاسير المقام اما مصدر ميمى بمعنى القيام او اسم مكان بمعنى موضع القيام اى المكان الذى عينه اللّه لان يقوم العباد فيه للحساب والجزآء

وقيل المقام مقحم للتأكيد جعل الخوف مقابلا للطغيان مع ان الظاهر مقابلته للانقياد والاطاعة بناء على ان الخوف اول اسباب الاطاعة ثم الرجاء ثم المحبة فالاول للعوام والثانى للخواص والثالث لأخص الخواص

{ ونهى النفس عن الهوى } عن الميل اليه بحكم الجيلة البشرية ولم يعتد بمتاع الحياة الدنيا وزهرتها ولم يغتر بزخارفها وزينتها علما منه بوخامة عاقبتها والهوى ميلان النفس الى ما تشتهيه وتستلذه من غير داعية الشرع وفى الحديث ان اخوف ما اتخوف على امتى الهوى وطول الامل اما الهوى فيصد عن الحق

واما طول الامل فينسى الآخرة قال بعض الكابر الهوى عبارة عن الشهوات السبع المذكورة فى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث وقد أدرها اللّه فى امرين كما قال انما الحياة الدنيا لعب ولهو ثم ادرجها فى أمر واحد وهو الهوى فى الآية فالهوى جامع لانواع الشهوات فمن تخلص من الهوى فقد تخلص من جميع القيود والبرازخ قال سهل رحمه اللّه لا يسلم من الهوى الا الانبياء وبعض الصديقين ليس كلهم وانما يسلم من الهوى من ألزم نفسه الأدب وقال بعضهم حقيقة الانسان هى نفسه لا شئ زآئد عليها وقال تعالى ونهى النفس عن الهوى فمن الناهى لها تأمل انتهى.

يقول الفقير ان الانسان برزخ بين الحقيقة الالهية والحقيقة الكونية وكذا بين الحقيقة الملكية والحقيقة الحيوانية فهو من حيث الحقيقة الاولى ينهى النفس من حيث الحقيق الثانية كما ان النبى عليه السلام يخاطب نفسه بقوله عليه السلام السلام عليك أيها النبى من جانب مليكته الى جانب بشريته او من مقام جمعه الى مقام فرقه.

٤١

{ فان الجنة هى المأوى } له لا غيرها فنهى النفس عن الهوى معناه نهيها عن جميع الهوى على ان اللام للاستغراق والا فلا معنى للحصر لان المؤمن الفاسق قد يدخل النار اولا ثم يدخل الجنة فلا يصح فى حقه الحصر اللهم الا ان يقال معنى الحصر أن الجنة هى المقام الذى لا يخرج عنه من دخل فيه وفى بعض التفاسير المراد بالجنة مطلق دار الثواب فلا يخالف قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فان له جنيت بفضل اللّه فى دار الثواب جنة النعيم بالنعم الجسمانية وجنة التلذذ باللذات الروحانية . ودر فصول آورده كه اين آيت درشان كسى است كه قصد معصيتى كند وبران قادر باشد خلاف نفس نموده از خداى بترسد واز عمل آن دست باز دارد

كر نفسى نفس بفرمان تست ... شبهه مياوركه بهشت آن تست

نفس كشد هرنفسى سوى بست ... هركه خلافش نفسى زد برست

قال محمد بن الحسن رحمه اللّه كنت ائما ذات ليلة اذا أنا بالباب يدق ويقرع فقلت انظروا من ذلك فقال رسول الخليفة هرون يدعوك فخفت على روحى وقمت ومضيت اليه فلما دخلت عيله قال دعوتك فى مسئلة ان ام محمد يعنى زبيده قلت لها انى امام العدل وامام العدل فى الجنة فقالت انك ظالم عاص قد شهدت لنفسك بالجنة فكذبت بذلك على اللّه وحرمت عليك فقلت له يا أمير المؤمنين اذا وقعت فى معصية فهل تخاف اللّه فى تلك الحال او بعدها فقال اى واللّه اخاف خوفا شديدا فقلت له أنا اشهد ان لك جنتين لا جنة واحدة قال اللّه تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فلاطفنى وأمرنى بالانثراف فلما رجعت الى دارى رأيت البدر متبادرة الى عبد الملك بن مروان خليفة روزكار بود وابو حازم امام وزاهد وقت بودازوى برسيدكه يا ابا حازم فردا حال وكار ماجون خواهد بود كفت اكر قرآن مى خوانى خرآن ترا جواب ميدهد كفت كجا ميكويد كفت فاما من طغى الى قوله فان الجنة هى المأوى بدانكه دردنياهر نفسى را آتش شهوتست ودر عقبى آتش عقوبت هركه امروز بآتش شهوت سوخته كردد فردا بآتش عقوبت رسدوهركه امروزبآ ب رياضت ومجاهده آتش شهوت بنشاند وهمجنين دردنيا دردل هر مؤمن بهشتى است كه آنرا بهشت عرفان كويندودرعقبى بهشتى است كه آنرا رضوان كويند هركه امروز دردنيا بهشت عرفان بطاعت آراسته داردفردا به بهشت رضوان برسد.

وقال القاشانى فاما من طغى اى تعدى طور الفطرة الانسانية وتجاوز حد العدالة والشريعة الى الرتبة البهيمية او السبعية وافرط فى تعديه وآثر الحياة الحسية على الحقيقية بمحبة اللذات السفلية فان الجحيم مرجعه وماواه

واما من خاف مقام ربه بالترقى الى مقام القلب ومشاهدة فقيوميته تعالى نفسه ونهى النفس خوف عقابه وقهره عن هواها فان الجنة مآواه على حسب درجاته وقال بعضهم اشار بالآية الى حالا المبتدئ فانه وقت قصده الى اللّه لا ويجز له الرخصة والرفاهية خوفا من الحجاب فاذا بلغ الى مقام التصفية والمعرفة لم يحتج الى نهى النفس عن الهوى فان نفسه وجمسه وشيطانه صارت روحانية والمشتهى هناك مشتهى واحد هو مشتهى الروح فالمبتدئ مع النفس فى الاشتهاء فلذا صار من اهل النهى والمنتهى مع الرب فى ذلك ومن كان مع الرب فقد تحولت شهوته لذة حقيقية مقبولة.

٤٢

{ يسألونك } مى برسند ترا اى يا محمد

{ عن الساعة } اى القيامة

{ ايان مرساها } ارساؤها اى قامتها يريدون متى يقيمها اللّه ويثبتها ويكونها فأيان ظرف بمعنى متى واصله اى آن ووقت والمرسى مصدر بمعنى الارساء وهو الاثبات وهو مبتدأ وايان خبره بتقدير المضاف اذ لا يخبر بالزمان عن الحدث والتقدير متى وقت ارسائها كان المشركون يسمعون اخبار القيامة ولاوصافها الهائلة مثل انها طامة كبرى وصاخة وقارعة فيقولون على سبيل الاستهزآء ايان مرسها.

٤٣

{ فيم أنت من ذكراها } رد وانكار لسؤال المشركين عنها واصل فيم فيما كما ان اصل عم عما وقد سبق والذكرى بمعنى الذكر كالبشرى بمعنى البشارة اى فى اى شئ أنت من ان تذكر لهم وقتها وتعلمهم به حتى يسألونك بيانها كقوله تعالى يسألونك كأنك حفى عنها اى ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها فى شئ لان ذلك فرع علمك به وأنى لك ذلك وهو مما استأثر بعلمه علام الغيوب فقوله من ذكراها فيه مضاف وصلته محذوفة وهى لهم والاستفهام للانكار وأنت مبتدأ وفيم خبره قدم عليه ومن ذكراها متعلق بما تعلق به الخبر.

٤٤

{ الى ربك منتهاها } اى انتهاه علمها ليس لاحد منه شئ ما كائنا من كان فلاى شئ يسألونك عنها . عائشه رضى اللّه عنها فرموده كه حضرت رسول عليه السلام ميخواست كه وقت آن ازخدا بيرسدحق تعالى فرمود توازد انستن قيامت برجه جيزى يعنى علم آن حق تونيست زنهار تانبرسى به برورد كارتست منتهاى علم قيامت يعنى كس راخبرندهد جه اطلاع بران خاصهء حضرت بروردكارست . قال القاشانى اى فى اى شئ أنت من علمها وذكرها وانما الى ربك ينتهى علمها فان من عرف القيامة هو الذى انمحى علمه اولا بعلمه تعالى ثم فنيت ذاته فى ذاته فكيف يعلمها ولا علم له ولا ذات فأين أنت وغيرك من علمها بل لا يعلمها الا اللّه وحده.

٤٥

{ انما أنت منذر من يخشاها } اى وظيفتك الامتثال بما أمرت به منى بيان اقترابها وتفصيل ما فيها من فنون الاهوال لا تعيين وقتها الذى لم يفوض اليك فمالهم يسألونك عما ليس من وظائفك بيانه اى ما أنت الا منذر لا يعلم فهو من قصر الموصوف على الصفة او ما أنت منذر الا من يخشاها فهو من قصر الصفة على الموصوف وتخصيص من يخشى مع انه مبعوث الى من يخشى ومن لا يخشى لانهم هم المنتفعون به اى لا يؤثر الانذار الا فيهم كقوله فذكر بالقرءآن من يخاف وعيد والجمهور على ان قوله منذر من يخشاها من اضافة الصفة الى معمولها للتخفيف على الاصل لان الاصل فى السماء الاضافة والعمل فيها انما هو بالشبه ومن قرأها بالتنوين اعتبر أن الاصل فيها الاعمال والاضافة فيها انما هى للتخفيف.

٤٦

{ كأنهم } اى المنكرين وبالفارسية كوييا كفار مكه

{ يوم يرونها } روزى كه بينند قيامت راكه از آمدن آن همى برسند

{ لم يلبثوا الا عشية او ضحاها } الضحى اسم لما بين اشراق الشمس الى استوآء النهار ثم هى عشرى الى الغداة كما فى كشف الاسرار والجملة حال من الموصول فانه على تقدير الاضافة وعدمها مفعول لمنذر كأنه قيل تنذرهم مشبهين يوم يرونها اى فى الاعتقاد بمن لم يلبث بعد الانذار بها الا تلك المدة اليسيرة اى عشية يوم واحد او ضحاه اى آخر يوم او اوله لا يوما كاملا على ان التنوين عوض عن المضاف اليه فلما ترك اليوم أضيف ضحاه الى عشيته والضحى والعشية لما كانا من يوم واحد تحققت بينهما ملابسة مصححة لاضافة احدهما الى الآخرة فلذلك أضيف الضحى الى العشية فان قيل لم لم يقل الا عشية او ضحى وما فائدة الاضافة قلنا لو قيل لم يلبثوا الا عشية او ضحى احتمل أن يكون العشية من يوم والضحى من يوم آخر فيتوهم استمرار اللبث من ذلك الزمان من اليوم الاول الى الزمان الآخر من اليوم الآخر

واما اذا قيل الا عشية او ضحاها لم يحتمل ذلك البتة قال فى الارشاد واعتبار كون اللبث فى الدنيا او فى القبول لا يقتضيه المقام وامما الذى يقتضيه اعتبار كونه بعد الانذار أوبعد الوعيد تحقيقا للانذار وردا لاستبطائهم وفى الآية اشارة الى ساعة الفناء فى اللّه فانها امر وجدانى لا يعرفها الا من وقع فيها وهم باقون بنفوسهم الغليظة الشديدة فكيف يفهمونها بذكرها بلسان العبارة كما قيل ن لم يذق لم يعرف كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية او ضحاها لاتصال آخر الفناء بأول البقاء كما قال العارف الطيار قدس سره

كربقا خواهى فناى خود كزين ... اولين جيزى كه مى زايد بقاست

وفى الحديث ( من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه اللّه فى القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة مكتوبة ) وهو عبارة عن استقصار مدة اللبث فيما يلقى من البشرى والكرامة فى البرزخ والموقف كذا فى حواشى ابن الشيخ رحمه اللّه.

﴿ ٠